Translate

الجمعة، 2 سبتمبر 2022

ج6. تفسير القرآن أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني سنة الولادة 426هـ/ سنة الوفاة 489هـ

 

ج6. تفسير القرآن
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني
سنة الولادة 426هـ/ سنة الوفاة 489هـ
---------

-----

( ^ تقلبون ( 21 ) وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( 22 ) والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم ( 23 ) فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من ) * * * * * *
ويقال : يعذب من يشاء بقبول البدعة ، ويرحم من يشاء بملازمة السنة .
وقوله : ( ^ وإليه تقلبون ) أي : تردون . < < العنكبوت : ( 22 ) وما أنتم بمعجزين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ) ( أي : بمعجز الله عن عذابكم ، ومعناه : أنكم لا تفوتونه كما يفوت عن الإنسان ما يعجز ، فإن قيل : قد قال : ( ^ ولا في السماء ) والخطاب مع الآدميين ، وليسوا في السماء ، فكيف يستقيم هذا الكلام ؟ والجواب من وجهين : أحدهما : وما أنتم بمعجزين في الأرض ، ولا في السماء معجز . قال الفراء : وهذا من غامض العربية . قال حسان بن ثابت شعرا :
( ومن يهجو رسول الله منكم ** ويمدحه وينصره سواء )
أي : ومن يمدحه وينصره منكم سواء ، والجواب الثاني : أن معنى قوله : ( ^ ولا في السماء ) أي : لو كنتم في السماء لم تعجزوه أيضا كالرجل يقول : ما أنت هاهنا بمعجزي ولا بالبصرة أي : ولو كنت بالبصرة لم تعجزني أيضا .
وقوله : ( ^ وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) أي : من وال ولا مانع . < < العنكبوت : ( 23 ) والذين كفروا بآيات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين كفروا بآيات الله ولقائه ) قال قتادة : ذم الله أقواما هانوا عليه ، فقال : ( ^ أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم ) أي : موجع مؤلم . < < العنكبوت : ( 24 ) فما كان جواب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ) اعلم أن الآيات التي تقدمت معترضة من قصة إبراهيم ودعائه قومه إلى الله وجوابهم له ، وتلك الآيات في النبي وحجاجه مع المشركين ، ثم وقع العود في هذه الآية إلى جواب قوم إبراهيم له .
____________________


( ^ النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( 24 ) وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ( 25 ) فآين له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ( 26 ) ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ) * * * * * *
وقوله : ( ^ إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من لنار ) قال مجاهد : حرقت النار وثاقه ولم تحرقه .
وقوله : ( ^ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) أي : يصدقون . < < العنكبوت : ( 25 ) وقال إنما اتخذتم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا ) أي : أصناما ، وقوله : ( ^ مودة بينكم ) أي : هي مودة ( بينكم ) ، أو تلك مودة بينكم في الحياة الدنيا ، ومعناه : أن تواخيكم وتوادكم في الدنيا خاصة ، وينقطع إذا جاءت الآخرة ، وقيل : إن كل خلة تنقطع يوم القيامة إلا خلة المتقين . وقرئ : ' مودة بينكم ' بالنصب بإيقاع الفعل عليه أي : اتخذتموها للمودة ، وقرئ على غير هذا ، والمعاني متقاربة .
وقوله : ( ^ ثم يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ) ومعنى الجمع : هو وقوع التبرؤ بين القادة والأتباع .
وقوله : ( ^ ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ) ظاهر المعنى . < < العنكبوت : ( 26 ) فآمن له لوط . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فآمن له لوط ) وقد تقام اللام مقام الباء .
وقوله : ( ^ وقال إني مهاجر إلى ربي ) أي : متوجه إلى ربي أطلب رضاه . وقد بينا أن هجرته كانت من كوثى إلى الشام ، وكوثى قرية من سواد الكوفة . وفي القصة : أنه هاجر بعد أن مضت [ خمس ] وسبعون سنة من عمره ؛ وهاجر معه لوط وسارة .
وقوله : ( ^ إنه هو العزيز الحكيم ) أي : الغالب في أمره ( ^ الحكيم ) في تدبيره .
____________________


( ^ وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( 27 ) ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( 28 ) أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أئتنا ) * * * * * * < < العنكبوت : ( 27 ) ووهبنا له إسحاق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ) يقال : إن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد إبراهيم إلا من نسله ، فإن قيل : كيف لم يذكر إسماعيل ، وذكر إسحاق ويعقوب ، وقد كان إسماعيل نبيا مثل إسحاق ؟ قلنا : قد دخل إسماعيل في قوله : ( ^ وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ) وأيضا فإن الله تعالى يذكر البعض ، ويترك البعض اختصارا وإيجازا ، وإن كان المعنى في الكل واحد .
وقوله : ( ^ وآتينا أجره في الدنيا ) أي : الثناء الحسن .
وقال قتادة : هو قبول كل أهل الأديان له ورضاهم به . وقال السدى : هو الولد الصالح . وقيل : هو أنه أري مكانه في الجنة ، وقيل : إنه جعل الأنبياء من أولاده .
وقوله : ( ^ وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) أي : في زمرة الصالحين . < < العنكبوت : ( 28 ) ولوطا إذ قال . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) في التفسير : أنه لم ينز ذكر على ذكر قبل قوم لوط ، < < العنكبوت : ( 29 ) أئنكم لتأتون الرجال . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل ) أي : لتأتون الرجال بالفاحشة ، وتقطعون السبيل : فيه قولان : أحدهما : تقطعون سبيل النسل بإيثار الرجال على النساء .
والقول الثاني : وتقطعون السبيل أي : الطريق ، وكانوا يأخذون الغرباء والمسافرين ويرتكبون منهم الفاحشة .
وقوله : ( ^ وتأتون في ناديكم المنكر ) النادي هو المجلس ، وأما المنكر الذي أتوا به ففيه أقوال : أحدهما : هو ارتكاب الفاحشة من الرجال في مجالسهم ، قاله مجاهد .
وعن عائشة قالت : كانوا يتضارطون فيما بينهم . وعن عبد الله بن سلام : كان بعضهم يبزق على بعض . وفي بعض الأخبار مسندا إلى النبي : ' أنهم كانوا
____________________


( ^ بعذاب الله إن كنت من الصادقين ( 29 ) قال رب انصرني على القوم المفسدين ( 30 ) ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين ( 31 ) قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته ) * * * * * * يجلسون على الطريق ، ويخذفون الناس ويسخرون منهم ' .
وعن بعضهم هو لصفير والرمي بالجلاهق ، واللعب بالحمام ، وبالشرك في الطريق ، وحل الإزار .
وقوله : ( ^ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من لصادقين ) أي : فيما تقوله < < العنكبوت : ( 30 ) قال رب انصرني . . . . . > >
قوله : ( ^ قال رب انصرني على القوم المفسدين ) وفسادهم كما بينا . < < العنكبوت : ( 31 ) ولما جاءت رسلنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) قد بينا معنى البشرى في سورة هود .
وقوله : ( ^ إنا مهلكوا أهل هذه القرى ) أي : سدوم ، وفي القصة : أنهم كانوا يجلسون وبين يدي كل واحد منهم قعب فيه حصى فإذا مر بهم إنسان خذفه كل واحد منهم بحصاة ، فمن أصابه كان أولى به ، فكان يأخذ ما معه وينكحه ويغرمه ثلاث دراهم ، ولهم قاض يقضي بذلك .
وقوله : ( ^ إن أهلها كانوا ظالمين ) قد بينا ظلمهم . < < العنكبوت : ( 32 ) قال إن فيها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها ) أي : قالت الملائكة نحن أعلم بمن فيها .
وقوله : ( ^ لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) أي : الباقين في العذاب .
____________________

( ^ كانت من الغابرين ( 32 ) ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين ( 33 ) إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ( 34 ) ولقد تركنا منها آية بينة ) * * * * * * < < العنكبوت : ( 33 ) ولما أن جاءت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم ) أي : سيء بالملائكة ، ومعناه : أنه ساءه مجيء الملائكة أضيافا لما علم من خبث قومه .
وقوله : ( ^ وضاق بهم ذرعا ) أي : ضاق ذرعا بمجيئهم . يقال : ضاق فلان ذرعا بكذا إذا كرهه .
وقوله : ( ^ قالوا لا تخف ولا تحزن ) لا تخف من قومك علينا ، ولا تحزن بإهلاكنا إياهم .
وقوله : ( ^ إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين ) أي : الباقين في العذاب . < < العنكبوت : ( 34 ) إنا منزلون على . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا منزلون على أهل هذه القرية ) أي : سدوم .
وقوله : ( ^ رجزا من السماء ) أي : عذابا من السماء .
وقوله : ( ^ بما كان يفسقون ) أي : يعصون . < < العنكبوت : ( 35 ) ولقد تركنا منها . . . . . > >
قوله : ( ^ ولقد تركنا منها آية بينة ) أي : من قريات قوم لوط .
قال قتادة : الآية البينة ( هي [ الأحجار ] التي أهلكوا بها ، وقد كان قد بقي بعضها حتى أدركته أوائل هذه الأمة . وقال مجاهد : الآية البينة ) : ظهور الماء الأسود من قراهم .
وقوله : ( ^ لقوم يعقلون ) أي : يتدبرون الآيات تدبر ذوي العقول .
____________________


( ^ لقوم يعقلون ( 35 ) وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( 36 ) فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ( 37 ) وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ( 38 ) وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم ) * * * * * * < < العنكبوت : ( 36 ) وإلى مدين أخاهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإلى مدين أخاهم شعيبا ) معناه : وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا .
وقوله : ( ^ فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ) أي : وخشوا اليوم الآخر ، ويقال : الرجاء على حقيقته ، وهو الأمل .
وقوله : ( ^ ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) أي : لا تفسدوا في الأرض . [ والعيث ] أشد الفساد . < < العنكبوت : ( 37 ) فكذبوه فأخذتهم الرجفة . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ فكذبوه فأخذتهم الرجفة ) الرجفة : زعزعة تؤدي إلى الهلاك .
وقوله : ( ^ فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) أي : ميتين ، وقيل : خامدين . < < العنكبوت : ( 38 ) وعادا وثمود وقد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وعادا وثمود ) أي : وأهلكنا عادا وثمود .
وقوله : ( ^ وقد تبين لكم من مساكنهم ) أي : المنازل التي سكنوها .
وقوله : ( ^ وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل ) أي : صدهم عن سبيل الحق .
وقوله : ( ^ وكانوا مستبصرين ) أي : ارتكبوا ما ارتكبوا وقد علموا أن عاقبة أمرهم بوار . < < العنكبوت : ( 39 ) وقارون وفرعون وهامان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقارون وفرعون وهامان ) أي : وأهلكنا قارون وفرعون وهامان . وفي تفسير النقاش : أن فرعون كان يبيع البطيخ في ابتداء أمره ، وهامان كان طيانا .
____________________


( ^ موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين ( 39 ) فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 40 ) مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو ) * * * * * *
وقوله : ( ^ ولقد جاءهم موسى بالبينات ) أي : بالدلالات .
قوله : ( ^ فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين ) أي : فائتين عن عذابنا ، كالسابق على الشيء فيكون قد فاته . < < العنكبوت : ( 40 ) فكلا أخذنا بذنبه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فكلا أخذنا بذنبه ) أي : أخذنا كل هؤلاء بذنبهم .
وقوله : ( ^ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) الحاصب هي الريح التي تحمل الحصباء ، والحصباء : الحصى ( الصغار ) ، والذين أهلكوا بالحصباء قوم لوط .
وقوله : ( ^ ومنهم من أخذته الصيحة ) يعني : قوم صالح ، وهم ثمود .
وقوله : ( ^ ومنهم من خسفنا به الأرض ) أي : قارون .
وقوله : ( ^ ومنهم من أغرقنا ) أي : قوم نوح وقوم فرعون .
وقوله : ( ^ [ وما ] كان الله ليظلمهم ) أي : ما ظلمهم الله ( ^ ولكن هم اللذين ظلموا أنفسهم ) . < < العنكبوت : ( 41 ) مثل الذين اتخذوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ مثل الذين اتخذوا من دون الله ) المثل : كلام سائر يتضمن تشبيه حال الآخر بالأول .
وقوله : ( ^ أولياء ) أي : الأصنام .
وقوله : ( ^ كمثل العنكبوت ) العنكبوت : دابة [ أعطاها ] الله تعالى آلة تنسج
____________________


( ^ كانوا يعلمون ( 41 ) إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم ( 42 ) وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ( 43 ) خلق الله السموات ) * * * * * * بها بيتا تأوي إليه ، ( وبيته ) في غاية الضعف والوهاء ، وإنما مثل عبادة الأصنام ببيت العنكبوت ؛ لأن بيت العنكبوت لا يقي حرا ولا بردا ، وكذلك عبادة الأصنام لا تجلب نفعا ، ولا تدفع ضرا .
وفي بعض الأخبار : أن النبي أنه قال : ' العنكبوت شيطان مسخ فاقتلوه ' والخبر غريب .
وعن علي رضي الله عنه أنه أمر ألا يترك نسيج العنكبوت في البيت ، وقال : تركه يورث الفقر . وقد بينا أن الله تعالى جعل العنكبوت جند النبي في الغار .
وقوله : ( ^ وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) أي : لو كانوا يعلمون أن عبادة الأصنام لا تغني شيئا ، كما علموا أن بيت العنكبوت لا يدفع شيئا . < < العنكبوت : ( 42 ) إن الله يعلم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ) أي : يعلم ما يدعون من دونه من الأصنام وغيرها .
وقوله : ( ^ وهو العزيز الحكيم ) أي : العزيز بالانتقام من أعدائه ، الحكيم في تدبير خلقه . < < العنكبوت : ( 43 ) وتلك الأمثال نضربها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وتلك الأمثال نضربها للناس ) أي : الأشباه التي يقع بها التمثيل .
وقوله : ( ^ وما يعقلها إلا العالمون ) ( أي : العالمون بمعاني كلامي ، وعن بعض السلف قال : يستحب أن يقف عند كل مثل في القرآن ، فإن الله تعالى يقول : ( ^ وما يعقلها إلا العالمون ) .
____________________


( ^ والأرض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين ( 44 ) اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) * * * * * * < < العنكبوت : ( 44 ) خلق الله السماوات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ خلق الله السموات والأرض بالحق ) أي : بالحكمة .
وقوله : ( ^ إن في ذلك ( لآية ) للمؤمنين ) أي : لعبرة للمؤمنين . < < العنكبوت : ( 45 ) اتل ما أوحي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ اتل ما أوحى إليك من الكتاب ) أي : القرآن .
وقوله : ( ^ وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) الفحشاء كل قبيح من الأفعال ، والمنكر كل ما ينكره الشرع ، ( فإن قيل : كيف قال : ( ^ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) وقد رأينا من يصلي ولا ينتهي عن الفحشاء والمنكر ؟ قلنا : روي عن حماد بن سلمة أنه قال : تنهى عن الفحشاء والمنكر ما دام في الصلاة ، وعن غيره : تنهى عن الفحشاء والمنكر ) فيها وبعدها . ومعنى النهي على هذا القول أنه يقرأ القرآن والقراءة ، تنهاه عن الفحشاء والمنكر .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : لا صلاة لمن لم يطع الصلاة . وفي هذا اللفظ إشارة إلى ما بينا .
وفي بعض الأخبار عن النبي أنه قال : ' من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا ' .
____________________


( ( 45 ) ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا ) * * * * * *
وعن الحسن وقتادة أنهما قالا : من صلى ولم ينته عن الفحشاء والمنكر ، فصلاته وبال عليه .
وقوله : ( ^ ولذكر الله أكبر ) فيه قولان : أحدهما : ولذكر الله أفضل من كل الطاعات ، وروي عن ثابت البناني أن رجلا أعتق أربع رقاب ، وجعل آخر يذكر الله بالتسبيح والتحميد والتهليل ، ثم سئل عن ذلك جماعة من أهل العلم ، فقالوا : ذكر الله تعالى أفضل ؛ لأن الله تعالى قال : ( ^ ولذكر الله أكبر ) .
والقول الثاني أن معناه : ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ، وهذا قول ابن عباس ، وروي إن رجلا قال لابن عباس : إن فلانا ( يقول ) في قوله : ( ^ ولذكر الله أكبر ) : إن معناه : إذا ذكره وانتهى عن معاصيه ، فقال : هذا كلام حسن . وليس بمعنى الآية ؛ وإنما معنى الآية ما ذكرنا عنه ، وهو قوله : ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه . ومنهم من قال : ولذكر الله في الثواب أكبر من ذكركم في الطاعة .
وقوله : ( ^ والله يعلم ما تصنعون ) أي : تفعلون . < < العنكبوت : ( 46 ) ولا تجادلوا أهل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) فيه قولان : أحدهما : ولا تجادلوا أهل الكتاب الذين قبلوا الجزية إلا بالتي هي أحسن ، وقوله : ( ^ إلا الذين ظلموا منهم ) المراد بهم على هذا القول أهل الحرب .
والقول الثاني : ( ^ ولا تجادلوا أهل الكتاب ) يعني : المؤمنين منهم ، ومعنى النهي عن المجادلة معهم بعد إيمانهم ، هو أنهم كانوا يخبرون عن أشياء في كتبهم لم يعلمها المؤمنون ، [ فنهى ] عن مجادلتهم فيها ، فلعلها صحيحة .
وقوله : ( ^ إلا الذين ظلموا منهم ) هم الذين لم يؤمنوا . وعن قتادة قال : الآية
____________________


( ^ بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ( 46 ) وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون ( 47 ) وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ) * * * * * * منسوخة بآية السيف .
وقوله : ( ^ وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ) ( روي عن النبي هم أنه قال : ' إذا أخبركم أهل الكتاب بشيء لم تعرفوه فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ، ولكن قولوا : ( ^ آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ) وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ' ) ' . < < العنكبوت : ( 47 ) وكذلك أنزلنا إليك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وكذلك أنزلنا إليك الكتاب ) أي : كما بعثناك بالحق أنزلنا إليك الكتاب .
وقوله : ( ^ فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ) أي : يصدقون به ، وقوله : ( ^ ومن هؤلاء من يؤمن به ) أي : ومن المشركين من يصدق به ، فقوله : ( ^ هؤلاء ) إشارة إلى المشركين الذين كانوا بمكة .
قوله تعالى : ( ^ وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون ) ظاهر المعنى . < < العنكبوت : ( 48 ) وما كنت تتلو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ) أي : من قبل بعثنا إياك ، وإنزال القرآن عليك .
وقوله : ( ^ ولا تخطه بيمينك ) أي : لم تكن تقرأ ولا تكتب .
وقوله : ( ^ إذا لارتاب المبطلون ) أي : إذا لشك الكافرون لو قرأت وكتبت ، أما أهل الشرك وكانوا يزعمون أنه قرأ من كتب الأولين وانتسخ منها ، وأما أهل الكتاب فقد
____________________


( ^ إذا لارتاب المبطلون ( 48 ) بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ( 49 ) وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله ) * * * * * * كان من نعته في كتبهم أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب ، فلو قرأ وكتب وقع لهم الشك .
وعن الشعبي قال : لم يخرج النبي من الدنيا حتى كتب وقرأ . وهو قول ضعيف لا يعتمد عليه ، [ وأظن ] أنه لا يصح عن الشعبي هذا ؛ لأنه كان عالما كبيرا . < < العنكبوت : ( 49 ) بل هو آيات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) أي : القرآن آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ، ويقال معناه : أن محمدا ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم . وقد صح عن النبي أنه قال : ' ( إن الله تعالى ) قال لي : بعثتك لأبتليك وأبتلي بك ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء ، تقرأه نائما ويقظانا ' وهو إشارة إلى ما بينا أن القرآن في صدور المؤمنين لا ينسخه ولا يغسله شيء .
وقوله : ( ^ وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ) أي : الكافرون . < < العنكبوت : ( 50 ) وقالوا لولا أنزل . . . . . > >
قوله : ( ^ وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه ) يعني : مثل ما أنزل على عيسى من المائدة ، وأعطي صالح من الناقة ، وموسى من اليد والعصا ( ^ قل إنما الآيات عند الله ) يعني : إن الآيات عند الله يعطيها بمشيئته وإرادته .
وقوله : ( ^ وإنما أنا نذير مبين ) قد بينا . واعلم أن الله تعالى قد أعطى رسوله محمدا المعجزات الكثيرة ، ولكنه لم يعطه على ما اقترحوا ، وقد كانوا يطلبون أن تكون الآيات على وفق إقتراحاتهم .
____________________


( ^ وإنما أنا نذير مبين ( 50 ) أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ( 51 ) قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السموات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ( 52 ) ) * * * * * * < < العنكبوت : ( 51 ) أو لم يكفهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو لم يكفهم ) الكفاية : بلوغ ( غاية ) تنافي الحاجة .
وقوله : ( ^ إنا أنزلنا عليك الكتاب ) أي : القرآن .
وقوله : ( ^ يتلى عليهم ) أي : يقرأ عليهم .
وقوله : ( ^ إن في ذلك لرحمة ) أي : لنعمة لمن آمن به .
وقوله : ( ^ وذكرى ) أي : موعظة وتذكيرا ، وقد بينا وجه الإعجاز في القرآن من حيث النظم والمعنى والإخبار عن الغيوب وغيره . < < العنكبوت : ( 52 ) قل كفى بالله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا ) الشهادة : خبر عن مشاهدة يبني عليه حكم شرعي ، والله تعالى شهيد على أفعال المؤمنين والكفار جميعا .
وقوله : ( ^ يعلم ما في السموات والأرض ) ظاهر المعنى .
وقوله : ( ^ والذين آمنوا بالباطل ) أي : بغير الله . وقد ثبت أن النبي قال : ' أصدق كلمة قالت العرب قول لبيد :
( ألا كل شيء ما خلا الله باطل ** وكل نعيم لا محالة زائل )
ثم قال : إلا نعيم الجنة ' .
واعلم أن الإيمان إذا أطلق يراد به الإيمان بالله ، وإذا قيد يجوز أن يقال : آمن بإبليس ، وآمن بالطاغوت ، وما أشبه ذلك ، وهذا كما إذا قيل : فلان قائم ، وأطلق يراد
____________________


( ^ ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ( 53 ) يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( 54 ) يوم ) * * * * * * به المتصف ، فإذا قيل : يجوز أن يقال : قائم بالتدبير قائم بالملك . وقال يحيى بن سلام : الباطل هاهنا : إبليس .
وقوله : ( ^ وكفروا بالله ) أي : جحدوا بالله .
وقوله : ( ^ وأولئك هم الخاسرون ) الخاسرون : من خسر رأس المال ، فالكفار لما فعلوا فعلا عرضوا أنفسهم للهلاك سماهم الله خاسرين . < < العنكبوت : ( 53 ) ويستعجلونك بالعذاب ولولا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويستعجلونك بالعذاب ) قد بينا أن النضر بن الحارث قال : ( ^ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ) الآية فهذا هو الاستعجال بالعذاب .
وقوله : ( ^ ولولا أجل مسمى ) أي : وعد القيامة ، وقيل : النفخة في الصور ويقال : الوقت الذي عين لعذابهم .
وقوله : ( ^ لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة ) أي : فجأة ( ^ وهم لا يشعرون ) أي : لا يعلمون بمجيئها . وفي رواية أبي هريرة أن النبي قال : ' إن الرجل ليرفع لقمته فلا يضعها في فيه حتى تقوم الساعة ' . < < العنكبوت : ( 54 ) يستعجلونك بالعذاب وإن . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ يستعجلونك بالعذاب ) يقال : المراد به هو المراد بالآية الأولى ، أعاده للتأكيد ، وقيل : إن هذه الآية نزلت على قوم من جهال هذه الأمة ، والقول الأول أولى .
وقوله : ( ^ وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) أي : جامعة لعذابهم ، ويقال معناه : لا بد أن يدخلوها . < < العنكبوت : ( 55 ) يوم يغشاهم العذاب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ) يعني : يصيبهم العذاب من
____________________

( ^ يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون ( 55 ) يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ( 56 ) كل نفس ذائقة الموت ثم ) * * * * * * فوقهم ومن تحت أرجلهم ، وهو مثل قوله تعالى في آية أخرى : ( ^ لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل )
وقوله : ( ^ ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون ) قد بينا معنى الذوق من قبل .
وقوله : ( ^ ما كنتم تعملون ) أي : جزاء بما كنتم تعملون . < < العنكبوت : ( 56 ) يا عبادي الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة ) قال إبراهيم النخعي في هذه الآية : كانوا إذا ظهرت المعصية بأرض خرجوا منها . وعن سعيد بن جبير وعطاء أنهما قالا : إذا أمرت بالمعصية في ( بلدة ) فأخرج منها ( وفي رواية : ' إذا ظهرت المعصية في بلدة فأخرج منها ) .
وذكر أهل العلم أنه إذا لم يمكنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خرج أيضا ، والآية نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة ، وقالوا : نخشى إن هاجرنا من الجوع وضيق المعيشة ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ولم يعذرهم في ترك الخروج ، وفي الآية قول آخر : وهو أن معنى قوله : ( ^ إن أرضي واسعة ) أي : رزقي واسع ، ذكره مطرف ابن عبد الله ابن الشخير .
وقوله : ( ^ فإياي فاعبدون ) أي : وحدوني وأطيعوني . < < العنكبوت : ( 57 ) كل نفس ذائقة . . . . . > >
قوله : ( ^ كل نفس ذائقة الموت ) معناه : أن تخلفهم ( عن ) الهجرة لا ينجيهم من الموت ، وقد روى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه ' أن النبي
____________________


( ^ إلينا ترجعون ( 57 ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ( 58 ) الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ) * * * * * * لما توفى سمعوا حس شخص ولم يروه ، وقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ( ^ كل نفس ذائقة الموت ) الآية ، إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودرجا من كل فائت ، ألا بالله فثقوا ، وإياه فارجوا ، والمصاب من حرم الثواب ' .
وقوله : ( ^ ثم إلينا ترجعون ) أي : تردون . < < العنكبوت : ( 58 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا ) أي : لنسكننهم من الجنة غرفا ، أي : علالي ، وروى أبو مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي قال : ' إن لله غرفا في الجنة ، يرى ظهورها من بطونها ، وبطونها من ظهورها ، قيل : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : لما أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وصلى بالليل والناس نيام ' .
وقرئ : ' لنثوينهم ' والثوى هو الإقامة ، والتبوؤ هو النزول في الموضع الذي يسكن فيه ، وفي أخبار الجاهلية : أن المهلهل لما قتل ابن الحارث بن عباد في حرب بكر وتغلب قال : تبوء بشسع نعل كليب .
ومن المعروف عن الحسين أنه قال للحسن في قتل أبي ملجم : لا تجعله ثوى بأبينا أي : لا ننزله منزلة أبينا .
وقوله : ( ^ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ) أي : العاملين بالطاعة . < < العنكبوت : ( 59 ) الذين صبروا وعلى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ [ الذين ] صبروا وعلى ربهم يتوكلون ) أي : صبروا على
____________________


( ( 59 ) وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ) * * * * * * الشدائد ، وقوله : ( ^ وعلى ربهم يتوكلون ) أي : يعتمدون . < < العنكبوت : ( 60 ) وكأين من دابة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وكأين من دابة ) أي : وكم من حيوان يدب على الأرض .
وقوله : ( ^ لا تحمل رزقها ) أي : لا تحمل رزقها معها ، وقيل : لا تدخر رزقها للغد .
وعن أبي سعيد الخدري والمعروف أنه عن سفيان الثوري : ' ليس من الحيوان ما يدخر شيئا للغد سوى ابن آدم والفأرة والنملة والعقعق . وذكر النقاش في تفسيره : أن المراد من قوله : ( ^ وكأين من دابة لا تحمل رزقها ) أي : محمد : وكان لا يدخر شيئا للغد ، وقد ثبت برواية أنس : ' أن النبي كان لا يدخر شيئا لغد ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو منصور بكر بن محمد بن حميد النيسابوري ببغداد من لفظه ، أخبرنا أبو الحسن الخفاف ، أخبرنا أبو العباس السراج ، عن قتيبة ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، عن ثابت ، عن أنس . . . الخبر .
وفي بعض الأخبار برواية ابن عمر أنه قال : ' دخلت مع رسول الله يلتقط التمر ويأكله ، فكدت لا آكله ، فقال لي : ألا تأكله يا ابن عمر ؟ فقلت : لا أشتهيه . فقال : لكني أشتهيه ، وهذا صبح رابع أربعو أيام ولم أذق طعاما ، ولو طلبت من الله لأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر ، ثم قال : كيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يدخرون الرزق لسنتهم ، ويضعف اليقين ؟ ! قال : فلم نبرح من ذلك الموضع حتى أنزل الله تعالى : ( ^ وكأين من دابة لا تحمل رزقها ) . ' والخبر غريب .
____________________


( ( 60 ) ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون ( 61 ) الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ( 62 ) ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ) * * * * * *
وقوله : ( ^ الله يرزقها وإياكم ) يعني : يرزق تلك الدابة وإياكم .
وقوله : ( ^ وهو السميع العليم ) ظاهر المعنى ، ومن المشهور عن النبي قال : ' لو توكلتم على الله حق توكله ، لرزقتم كما ترزق الطير ، تغدو خماصا ، وتروح بطانا ' .
ومن المعروف أيضا أنه عليه السلام قال : ' إن روح القدس نفث في روعي ، أن لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ' . < < العنكبوت : ( 61 ) ولئن سألتهم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ) أي : وذلل الشمس والقمر .
وقوله : ( ^ ليقولن الله فأنى يؤفكون ) أي : يصرفون عن الحق . < < العنكبوت : ( 62 ) الله يبسط الرزق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ) أي : يوسع على من يشاء ، ويضيق على من يشاء .
وقوله : ( ^ إن الله بكل شيء عليم ) ظاهر المعنى . < < العنكبوت : ( 63 ) ولئن سألتهم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله ) يعني : على أن الفاعل لهذه الأشياء هو الله .
____________________


( ^ قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون ( 63 ) وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ( 64 ) فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ( 56 ) ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ( 66 ) أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا وينخطف الناس من ) * * * * * *
وقوله : ( ^ بل أكثرهم لا يعقلون ) أي : لا يعلمون أن الفاعل لهذه الأشياء هو الله تعالى . < < العنكبوت : ( 64 ) وما هذه الحياة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ) اللهو هو الاستمتاع بلذات الدنيا ، وسمي لهوا ؛ لأنها فانية بخلاف لذات الآخرة .
وقوله : ( ^ ولعب ) أي : وعبث ، ويقال : إنما سمي ذلك لهوا ولعبا ؛ لأنه إنما يستعمل بها من لا يتفكر في العواقب .
وقوله : ( ^ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ) أي : لهي الحياة الدائمة . وقال أهل اللغة : الحيوان والحياة بمعنى واحد ، يحكى هذا عن أبي عبيدة وأبي . ومعنى الآية : أن في الآخرة الحياة الدائمة .
وقوله : ( ^ لو كانوا يعلمون ) أي : لو كانوا يعلمون أن الدنيا تفنى ، والآخرة تبقى . < < العنكبوت : ( 65 ) فإذا ركبوا في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) أي : دعوا الله وتركوا دعاء الأصنام ، وحكي عن عكرمة قال : لو كانوا يركبون البحر ويحملون أصنامهم معهم ، فإذا هاجت البحر وخافوا الغرق ، طرحوا أصنامهم في البحر ، وقواول : يا رب ، يا رب .
وقوله : ( ^ فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) أي : عادوا إلى ما كانوا عليه . < < العنكبوت : ( 66 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ) على طريق التهديد . < < العنكبوت : ( 67 ) أو لم يروا . . . . . > >
وقوله : ( ^ أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ) أي : ذا أمن ، وقوله : ( ^ ويتخطف الناس من حولهم ) الاختطاف هو الاستلاب بسرعة ، وقد بينا هذا المعنى من قبل .
____________________


( ^ حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ( 67 ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ( 68 ) والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ( 69 ) ) * * * * * *
وقوله : ( ^ أفبالباطل يؤمنون ) يعني : أفغير الله يؤمنون ؟ وهو لفظ استفهام بمعنى الإنكار .
وقوله : ( ^ وبنعمة الله يكفرون ) أي : يجحدون . < < العنكبوت : ( 68 ) ومن أظلم ممن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) أي : كذب على الله ، وادعى أنه أنزل ما لم ينزله .
وقوله : ( ^ أو كذب بالحق لما جاءه ) يعني : القرآن ، وقيل : محمدا .
وقوله : ( ^ أليس في جهنم مثوى للكافرين ) أي : مقام ومستقر للكافرين . < < العنكبوت : ( 69 ) والذين جاهدوا فينا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين جاهدوا فينا ) روي عن الحسن أنه قال : أفضل الجهاد مخالفة الهوى . ويقال : الجهاد هاهنا هو العمل بما علمه ، وعن سفيان الثوري أنه قال لإبراهيم بن أدهم : ألا تأتينا فتتعلم منا ؟ فقال : إني سمعت حديثين فإذا فرغت منهما تعلمت الثالث ، ثم روي بإسناد أن النبي قال : ' من زهد في الدنيا نور الله قلبه ' .
ويقال : المجاهدة : هو الصبر على الطاعات واجتناب المعاصي ، ويقال : قتال الكفار ، ويقال : تحقيق الإخلاص في الأعمال ، وهو حقيقة قوله تعالى : ( ^ فينا ) .
وقوله : ( ^ لنهدينهم سبلنا ) لنزيدنهم هدى ، ويقال : لنرشدهم إلى ( الطرق ) المستقيمة ، والطرق المستقيمة هي التي توصل إلى رضى الله تعالى . وعن ابن المبارك أنه قال : قال لي سفيان بن عيينة : إذا اختلف الناس فعليك بما قاله لأهل الجهاد والثغور ، فإن الله تعالى قال : ( ^ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) .
وقوله : ( ^ وإن الله لمع المحسنين ) أي : بالنصرة والمعونة .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
>
( ^ الم ( 1 ) غلبت الروم ( 2 ) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( 3 ) في ) * * * * * * <
> تفسير سورة الروم <
> <
> وهي مكية <
> < < الروم : ( 1 ) الم > >
قوله تعالى : ( ^ الم ) قد بينا ، ولأصح أن معناه هاهنا هو القسم . < < الروم : ( 2 ) غلبت الروم > >
وقوله : ( ^ غلبت الروم ) أي : قد غلبت الروم ، فوقع القسم على هذا ، وقد تحذف قد عند أهل اللغة في الكلام ، قال الشاعر :
( أكلفتني ذنب امرئ وتركته ** كذى العر [ يكوي ] غيره وهو راتع )
أي : لقد كلفتني . < < الروم : ( 3 ) في أدنى الأرض . . . . . > >
وقوله : ( ^ في أدنى الأرض ) الأدنى بمعنى الأقرب ، ومعناه : الأدنى إلى أرض فارس من أرض الروم ، قال مجاهد . هي لجزيرة ، وهي بلاد بين دجلة والفرات تسمى الجزيرة منها حران ، ورحبة مالك بن طوق ، والرقة ، والرهى ، وغير ذلك .
وقوله : ( ^ وهم من بعد غلبهم سيغلبون ) معناه : أن الروم من بعد غلبة فارس عليهم سيغلبون . فإن قيل : قال : ( ^ من بعد غلبهم ) وهم غلبوا ولم يغلبوا ؟ والجواب عنه : ذكر غلبتهم ، والمراد منه غلبة غيرهم عليهم ، وإنما أضاف الغلبة إليهم لاتصال تلك الغلبة بهم ، واتصال الغلبة بهم وقوع الغلبة عليهم ، وهذا مثل قوله تعالى : ( ^ ويطعمون الطعام على حبه ) والطعام لا يكون صاحب الحب ، وإنما الإنسان هو صاحب الحب ، ولكن إضافة إلى الطعام لاتصال الحب منه ، وكذلك قوله تعالى : ( ^ وذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) والمقام للعبد إلا أنه [ أضافه ] إلى الله ؛
____________________


( ^ بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ( 4 ) بنصر الله ينصر ) * * * * * * لأنه يقوم بين يدي الله ، فيتصل بالله من هذا الوجه . < < الروم : ( 4 ) في بضع سنين . . . . . > >
وقوله : ( ^ في بضع سنين ) في البضع قولان : أحدهما : من الواحد إلى العشر ، والقول الثاني : من الثلاث إلى السبع .
وكذلك اختلف القول في النيف ، فمنهم من قال : من الواحد إلى الثلاث ، ومنهم من قال : من الواحد إلى العاشر .
وأما سبب نزول الآية فروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ' أنه كان بين فارس والروم قتال قائم ، فكان المشركون يؤذون أن تغلب فارس الروم ، والمسلمون يودون أن تغلب الروم فارس ، لأنهم كانوا أهل الكتاب ، قال : فغلب فارس الروم مرة ، فشمت المشركون بالمسلمين ، وقالوا : إنا سنغلبكم كما غلبت فارس الروم ، فجاء المسلمون إلى النبي وذكروا له ذلك ، فقال : أما إن الروم سيغلبون فارس . فقال أصحاب النبي : متى ذلك ؟ فقال : إلى بضع سنين ، وأنزل الله تعالى هذه الآية .
قال : فجاء أبو بكر إلى أبي بن خلف ، وذكر له ذلك ، فقال : والله لا تغلب الروم فارس أبدا ، ثم قال لأبي بكر : أخاطرك ؟ قال : نعم فخاطره على قلائص من الإبل . واختلفوا في عدد القلائص منهم من قال : كان ستا ، وقيل : كان سبعا . وقيل : غير ذلك ، ووضعا المدة إلى خمس سنين .
قال قتادة : وكان ذلك في وقت لم يكن حوم القمار بعد .
فجاء أبو بكر إلى النبي ، وذكر له ذلك ، فقال له النبي : يا أبا بكر ، زد
____________________


( ^ من يشاء وهو العزيز الرحيم ( 5 ) وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا ) * * * * * * في الخطر ، وأبعد في الأجل ' فزاد في عدد القلائص ، وجعل المدة إلى سبع سنين ' . ثم إن الروم ظهرت على فارس ، واسترجعوا ديار الجزيرة والشام وغير ذلك من فارس ، وكان فارس قد استولوا على الكل ، وأخذوا صليبهم الأعظم ، فاستردوا هذه الديار ، واستردوا صليبهم ، وهزموا فارس .
واختلفوا في وقت ذلك ، منهم من قال : كان يوم بدر ، ومنهم من قال : كان عام الحديبية .
وفي بعض التفاسير : أن أبا بكر لما قصد الهجرة جاء إلى أبي بن خلف ، وطلب منه كفيلا بالقلائص ، فكفل بها ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر ، ثم لما خرج أبي بن خلف إلى أحد طلب عبد الرحمن منه كفيلا ، فكفل بالقلائص ابنه ، ثم انه لما ظهرت الروم على فارس أخذ أبو بكر القلائص .
وفي بعض الروايات : أن المدة كانت إلى خمس سنين لا زيادة ، ومضت الخمس ولم تغلب الروم على فارس ، واخذ أبي بن خلف القلائص ، ثم بعد ذلك ظهرت الروم على فارس .
وهذه الآية من معجزات النبي ؛ لأنه أخبر عن غيب لا يعلمه إلا الله ، وكان الأمر على ما أخبر .
وقوله : ( ^ لله الأمر من قبل ومن بعد ) أي : من قبل غلبهم ، ومن بعد غلبهم .
وقوله : ( ^ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) أي : ينصر الله أهل الكتاب على غير أهل الكتاب ، وإنما فرحوا بذلك لصدق وعد الله تعالى ؛ ولأنهم قالوا : كما نصر الله أهل الكتاب على غير أهل الكتاب ، وكذلك ينصرنا عليكم . < < الروم : ( 5 ) بنصر الله ينصر . . . . . > >
وقوله : ( ^ ينصر من يشاء ) أي : من يشاء من عباده .
وقوله : ( ^ وهو العزيز الحكيم ) أي : الغالب على أمره ، المنعم على عباده .
____________________


( ^ يعلمون ( 6 ) يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ( 7 ) أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ( 8 ) أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف ) * * * * * * < < الروم : ( 6 ) وعد الله لا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وعد الله لا يخلف الله وعده ) أي : هذه النصرة من وعد الله ، ولا يخلف الله وعده ( ^ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أن وعد الله حق . < < الروم : ( 7 ) يعلمون ظاهرا من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ) قال ابن عباس : أمر معايشهم ومعالجهم في الدنيا يعني : متى يزرعون ومتى يحصدون ، ومتى يغرسون ، ومتى يبنون . وقال الضحاك : بنيان الدور ، وغرس الأشجار ، وتشقيق الأنهار ، وعمل التجارات . وروى عن الحسن البصري - رضي الله عنه - قال : إن أحدهم لينقد الدراهم بطرف ظفره ، ويذكر وزنه فلا يخطئ ، وهو لا يحسن أن يصلي .
وقوله : ( ^ وهم عن الآخرة هم غافلون ) فهم الأول ابتداء ، وهم الثاني ابتداء آخر ، ومعناه : أنهم غافلون ساهون عن الآخرة . < < الروم : ( 8 ) أو لم يتفكروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) أي : للعدل ، ويقال : لإقامة الحق ، وقيل : للحق . وقد روي في بعض الأخبار : ' أن النبي مر على قوم وهم يتفكرون ، فقال : تفكروا في خلق الله ، ولا تتفكروا في الله ' . وهذا خبر غريب .
وقوله : ( ^ وأجل مسمى ) أي : ومدة مسماه ، واختلفوا في المدة المسماه ، فقال بعضهم : هي الساعة ، وقال بعضهم : هو الوقت الذي قدر هلاكهم فيه .
وقوله : ( ^ وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ) أي : جاحدون ، ولقاء ربهم هو البعث يوم القيامة . < < الروم : ( 9 ) أو لم يسيروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) يعني : الأمم الذين مضوا .
____________________


( ^ كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 9 ) ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون ) * * * * * *
وقوله : ( ^ كانوا أشد منهم قوة ) أي : أكثر منهم قوة .
وقوله : ( ^ وأثاروا الأرض ) أي : حرثوا الأرض .
وقوله : ( ^ وعمروها أكثر مما عمروها ) أي : عمروا الأرض أكثر مما عمرها أهل مكة ، فإنما قال ذلك ؛ لأنه لم يكن لأهل مكة حرث .
وقوله : ( ^ وجاءتهم رسلهم بالبينات ) أي : بالدلالات .
وقوله : ( ^ فما كان الله ليظلمهم ) أي : لينقص حقوقهم ، ولكنهم نقصوا وبخسوا حقوقهم .
[ وقوله تعالى : ( ^ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) ] . < < الروم : ( 10 ) ثم كان عاقبة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ثم كان عاقبة الذين أساءوا ) أي : كفروا ، وقوله : ( ^ السوأى ) هي جهنم ، ونعوذ بالله ، وقرأ الأعمش : ' ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء ' . وقيل : السوأى : قبح العاقبة .
ومنه قوله : ' سواء ولود خير من حسناء عقيم ' . يعني : قبيحة ولود خير من حسناء عقيم .
____________________


( ( 10 ) الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون ( 11 ) ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ( 12 ) ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين ( 13 ) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ( 14 ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في ) * * * * * *
وقوله : ( ^ أن كذبوا بآيات الله ) أي : لأن كذبوا بآيات الله .
وقوله : ( ^ وكانوا بها يستهزئون ) أي : بآيات الله يستهزئون . < < الروم : ( 11 ) الله يبدأ الخلق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون ) ظاهر المعنى ، وقد بينا . < < الروم : ( 12 ) ويوم تقوم الساعة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ) أي : ييأس المجرمون ، ويقال : ( يسكتون ) وتنقطع حجتهم ، قال الشاعر :
( يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ** قال نعم أعرفه وأبلسا )
وقال مجاهد : يبلس المجرمون : يفتضحون . وقيل : يتحيرون . < < الروم : ( 13 ) ولم يكن لهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء ) أي : الأصنام التي اتخذوها شركاء لله .
وقوله : ( ^ وكانوا بشركائهم كافرين ) أي : كفروا بالأصنام ، وتبرءوا منها يوم القيامة ، ومعنى كانوا : صاروا . < < الروم : ( 14 ) ويوم تقوم الساعة . . . . . > >
قوله : ( ^ ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ) يعني : يتميز أهل الجنة من أهل النار ، وقيل معناه : أنه يفرق بين أهل المعصية و [ أهل ] الطاعة ؛ فيعاقب أهل المعاصي ، وينعم على المطيعين ، وعن قتادة قال : هو افتراق لا اجتماع بعده . < < الروم : ( 15 ) فأما الذين آمنوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون ) الروضة : هي لبستان الذي هو في غاية النضارة والحسن .
قال الطائي :
____________________


( ^ روضة يحبرون ( 15 ) وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون ( 16 ) فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ( 17 ) وله الحمد ) * * * * * *
( ( إنما البشر روضة فإذا ** كان [ ربوة ] فروضة وغدير ) )
قوله : ( ^ يحبرون ) أي : يكرمون وينعمون ، ومنه ثوب الخبرة لحسنة ، وعن يحيى ابن كثير قال : يحبرون : هو السماع في الجنة . وذكر ابن قتيبة معنى قوله : ( ^ يحبرون ) أي : يسرون . < < الروم : ( 16 ) وأما الذين كفروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء لآخرة ) أي : البعث يوم القيامة .
وقوله : ( ^ فأولئك في العذاب محضرون ) أي : معذبون . < < الروم : ( 17 ) فسبحان الله حين . . . . . > >
قوله : ( ^ فسبحان الله ) بينا أن سبحان الله : تنزيه الله ، وتبرئته عن كل سوء .
وعن علي رضي الله عنه أنه قال : هو اسم ممتنع لا ينتحله مخلوق .
وقوله : ( ^ سبحان الله ) أي : سبحوا الله ، وعن ابن عباس قال : كل سبحة في القرآن فهي في معنى الصلاة .
وفي بعض الأخبار : ' أن لنبي سئل عن أفضل الكلام فقال : سبحان الله وبحمده ' .
وقد ثبت برواية أبي هريرة أن النبي قال : ' كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ' . وهذا آخر خبر ذكره البخاري في الصحيح . قال رضي الله عنه : حدثنا
____________________


( ^ في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون ( 18 ) يخرج الحي من الميت ويخرج ) * * * * * * بهذا الحديث من لفظها كريمة بنت أحمد بمكة ، قالت : أخبرنا أبو الهيثم ، أخبرنا الفربري ، أخبرنا البخاري بإسناده عن أبي هريرة . . الخبر .
وفي بعض الآثار : ' أن سبحان الله وبحمده صلاة أهل السموات وصلاة الخلق كلهم ' .
وقوله : ( ^ حين تمسون ) أي : تدخلون في المساء .
وقوله : ( ^ وحين تصبحون ) أي : تدخلون في الصباح . < < الروم : ( 18 ) وله الحمد في . . . . . > >
وقوله : ( ^ وله الحمد في السموات والأرض ) قال الضحاك : الحمد لله رداء الرحمن .
وقد ثبت عن النبي برواية علي رضي الله عنه أن النبي لما رفع رأسه من الركوع قال : ' سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد ، ملء السموات وملء الأرض ، وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ' .
وقوله : ( ^ وعشيا ) أي : صلوا لله عشيا .
____________________


( ^ الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ( 19 ) ومن آياته أن ) * * * * * *
وقوله : ( ^ وحين تظهرون ) أي : تدخلون في الظهر ، وفي الآية إشارة إلى أوقات الصلاة الخمس ، فقوله : ( ^ حين تمسون ) إشارة إلى صلاة المغرب والعشاء ، وقوله : ( ^ حين تصبحون ) إشارة إلى صلاة الصبح ، وقوله : ( ^ وعشيا ) إشارة إلى صلاة العصر .
وقوله : ( ^ وحين تظهرون ) إشارة إلى صلاة الظهر . < < الروم : ( 19 ) يخرج الحي من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ) قد بينا معناه من قبل ؛ وهو إخراج البيضة من الدجاجة ، وإخراج الدجاجة من البيض ، وإخراج الكافر من المؤمن ، والمؤمن من الكافر ، وغير ذلك .
وقوله : ( ^ ويحيي الأرض بعد موتها ) أي : كما أحيا الأرض بعد موتها كذلك يحييكم بعد موتكم ، وهو معنى قوله : ( ^ وكذلك تخرجون ) .
وقال بعضهم : يخرج البليد من الفطن ، والفطن من البليد .
وروى الزهري عن عبيد الله بن عدي بن الخيار : ' أن النبي دخل على بعض نسائه وعندها خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث : فقال : من هذه ؟ قالوا : هي خالدة بنت الأسود بن يغوث . فقال : سبحان الله ! يخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحي ' ، وكانت المرأة صالحة ، وأبوها كان كافرا .
____________________


( ^ خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ( 20 ) من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( 21 ) ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك ) * * * * * * < < الروم : ( 20 ) ومن آياته أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن آياته أن خلقكم من تراب ) أي : خلق أصلكم من تراب ؛ وهو آدم صلوات الله عليه .
وقوله : ( ^ ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ) أي : تجيئون وتذهبون ، ويقال : ( تنتشطون ) . < < الروم : ( 21 ) ومن آياته أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ) فيه قولان : أحدهما : أن معناه : خلق حواء من ضلع آدم ، والقول الثاني : أن معناه : خلق من أمثالكم أزواجا لكم ، والنساء من جنس الرجال ؛ لأنهم جميعا من بني آدم .
وقوله : ( ^ لتسكنوا إليها ) هو في معنى قوله تعالى : ( ^ وخلق منها زوجها ليسكن إليها ) أي : ليأنس بها .
وقوله : ( ^ وجعل بينكم مودة ورحمة ) المودة : الحب والعطف ، وقد يتفق بين الزوجين من العطف والمودة ما لا يتفق بين الأقارب . وعن مجاهد والحسن وعكرمة أنهم قالوا : المودة : الوطئ ، والرحمة : الولد .
وقوله : ( ^ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) التفكر : هو طلب المعنى من الأشياء فيما يتعلق بالقلب . < < الروم : ( 22 ) ومن آياته خلق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن آياته أن خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ) فيه قولان : أحدهما : أن اختلاف الألسنة هو اختلاف اللغات ؛ فللفرس لغة ، وللروم لغة ، وللترك لغة ، وللعرب لغة ، وما أشبه هذا . وذكر كعب الأحبار أن الله تعالى قسم اثنتين وسبعين لغة بين الناس ، فلولد سام [ تسع عشرة ] لغة ولولد حام [ سبع
____________________


( ^ لآيات للعالمين ( 22 ) ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ( 23 ) ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء ) * * * * * * عشرة ] لغة ، والباقي لولد يافث . وأما اختلاف الألوان فهو أن هذا أحمر ، وهذا أسود ، وهذا أبيض ، ما أشبه هذا .
والقول الثاني : أن اختلاف الألسنة هو اختلاف النغمات ، فلا يتفق لاثنين نغمة واحدة ، واختلاف الألوان معلوم بين الناس ، وإن كان كلهم بيضا أو سودا ، فلا يتفق لونان من جميع الوجوه . وفيه حكمة عظيمة ، وهو أنه لو اتفقت الألوان والأسنة [ لبطل ] التمييز ، فلم يعرف الأب ابنه ، والابن أباه ، وكذلك في الأخوة والأزواج وجميع الناس .
وقوله : ( ^ إن في ذلك لآيات للعالمين ) قرأ حفص بن عاصم : ' للعالمين ' هو جمع عالم ، وأما القراءة المعروفة : ' للعالمين ' يعني : الجن والإنس وجميع الخلق . < < الروم : ( 23 ) ومن آياته منامكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله ) أي : منامكم بالليل ، وابتغاؤكم من فضله بالنهار . ويقال معناه : ومن آياته منامكم [ واشتغالكم ] من فضل الله بالليل والنهار .
وقوله : ( ^ إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ) أي : يسمعون ما يذكر لهم من هذه الآيات . < < الروم : ( 24 ) ومن آياته يريكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن آياته يريكم البرق ) معناه : من آياته أنه يريكم البرق ، وقد بينا وجه القول في البرق . وعن بعضهم قال : إذا أبرقت السماء أربعين برقة فلا يخلفه أي : لا يتأخر المطر ، قال الشاعر :
( لا يكن ( برقا كبرق ) خلبا ** إن خير البرق [ ما ] الغيث معه )
____________________


( ^ فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( 24 ) ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا انتم تخرجون ( 25 ) وله من في السموات والأرض كل له قانتون ( 26 ) وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون ) * * * * * *
وقوله : ( ^ خوفا وطمعا ) أي : خوفا للمسافر ، وطمعا للحاضر ، ويقال : خوفا من الصواعق ، وطمعا في الغيث .
وقوله : ( ^ وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) ظاهر المعنى . < < الروم : ( 25 ) ومن آياته أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) فيه قولان : أحدهما : أن معناه : تكونا بأمره ، والقول الثاني : يدوم قيامهما بأمره ) . وقد أقام السماء بغير عمد ودام ذلك إلى وقته المسمى ، وهو بأمره .
وقوله : ( ^ ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض ) قيل : إن الدعوة من صخرة بيت المقدس ، ويقال : هي من السماء . والدعوة : هي دعوة إسرافيل .
وقوله : ( ^ من الأرض ) أي : يدعوكم أن تخرجوا من الأرض ، وهذا على القول الذي يقول إن الدعوة من السماء .
وقوله : ( ^ إذا أنتم تخرجون ) قد ذكرنا . < < الروم : ( 26 ) وله من في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وله من في السموات والأرض كل له قانتون ) أي : مطيعون ، ويقال : مقربون بالعبودية .
وقوله : ( ^ وله ) أي : وله ملكا وخلقا . فإن قيل : إذا حملنا القنوت على الطاعة فليس كل من في السموات والأرض يطيعونه ! والجواب : أنه ليست الطاعة هاهنا بمعنى طاعة العبادة ، إنما الطاعة هاهنا بمعنى الانقياد بذل كل شيء لما خلق له . < < الروم : ( 27 ) وهو الذي يبدأ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وهو الذي يبدأ الخلق ) أي : ينشئ الخلق ( ^ ثم يعيده ) أي :
____________________


( ^ عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ( 27 ) ضرب لكم ) * * * * * * يحييكم بعد ما يميتهم .
وقوله : ( ^ وهو أهون عليه ) فإن قيل : كيف يستقيم قوله : ( ^ وهو أهون عليه ) والله لا يشتد عليه شيء ؟ والجواب عنه : أن معنى قوله : ( ^ وهو أهون عليه ) أي : هو هين عليه . وفي قراءة ابن مسعود : ' وهو عليه هين ' . قال الفرزدق شعرا :
( إن الذي سمك السماء بنى لنا ** بيتا دعائمه أعز وأطول )
( ( بيت ) زرارة محتب بفنائه ** ومجاشع وأبو الفوارس نهشل )
وقوله : أعز وأطول أي عزيزة طويلة ، وقال آخر :
( لعمرك لا أدري وإني لأوجل ** على أينا تعدو المنية أول )
أي : ( لوجل ) . والقول الثاني في الآية أن معناه : وهو أهون عليه على ما يقع في عقولهم ؛ فإن الذي يقع في عقول الخلق أن الإعادة أهون من الإنشاء ، ويقال معناه : هو أهون على الخلق ؛ لأن من ابتدأ شيئا مما يشق عليه ، فإذا ( أعاد ) ثانيا يكون أسهل وأهون .
وقوله : ( ^ وله المثل الأعلى ) أي : الصفة الأعلى ، والصفة الأعلى أنه لا شريك له وليس كمثله شيء ، قاله ابن عباس . وقال قتادة : الصفة الأعلى أنه لا إله إلا الله .
وقوله : ( ^ في السموات والأرض ) يعني : هذه صفة له عند أهل السموات والأرض .
وقوله : ( ^ وهو العزيز الحكيم ) أي : العزيز من حيث الانتقام ، الحكيم من حيث التدبير .
____________________


( ^ مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقم يعقلون ( 28 ) بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين ( 29 ) ) * * * * * * < < الروم : ( 28 ) ضرب لكم مثلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ضرب لكم مثلا من أنفسكم ) أي : شبها من مثالكم ، ثم ذكر الشبه فقال : ( ^ هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم ) ومعناه : هل لكم في أموالكم شركاء من عبيدكم يساونكم فيها ؟ فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم فكيف ترضونه لي وتصفونني به ؟ .
وقوله : ( ^ فيما رزقناكم ) أي : فيما أعطيناكم من الرزق والمال .
وقوله : ( ^ فأنتم فيه سواء ) إشارة إلى ما قلنا .
وقوله : ( ^ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) أي : تخافون من مشاركتهم لكم في أموالكم كما تخافون من أمثالكم ، وهو الشريك الحر من الشريك الحر ، وأنفسكم هنا بمعنى أمثالكم ، وفيه قول آخر قاله سعيد بن جبير ، وهو أن الآية نزلت في تلبية المشركين ، فإنهم كانوا يقولون : لبيك اللهم لبيك لبيك ، لا شريك لك إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك .
وقوله : ( ^ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) أي : تخافونهم في اللائمة كما تخافون لائمة أمثالكم .
وقوله : ( ^ كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) أي : ينظرون إلى هذه الدلائل بعقولهم . < < الروم : ( 29 ) بل اتبع الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم ) الأهواء جمع الهوى ، والهوى ما يهواه الإنسان ، وعن بعضهم : الهوى أعظم معبود .
وقوله : ( ^ بغير علم ) أي : اتبعوا أهواءهم جهلا بما لا [ يجب ] عليهم .
وقوله : ( ^ فمن يهدي من أضل الله ) أي : أضله الله .
____________________


( ^ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل ) * * * * * *
وقوله : ( ^ وما لهم من ناصرين ) أي : يمنعهم من عذابنا . < < الروم : ( 30 ) فأقم وجهك للدين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأقم وجهك للدين حنيفا ) أي : أخلص دينك لله ، وإقامة الوجه هو إقامة الدين ، وقد بينا معنى الحنيف .
وقوله : ( ^ فطرة الله التي فطر الناس عليها ) أما نصب الفطرة على الإغراء أي : الزم فطرة الله التي فطر الناس عليها ، واختلفوا في هذه الفطرة ، فمنهم من قال : إن الفطرة هاهنا بمعنى الدين .
وقوله : ( ^ فطر الناس عليها ) أي : خلق الناس عليها ، ويقال هذا القول عن ابن عباس والكلبي ومقاتل وغيرهم . وقد ثبت عن النبي أنه قال : ' كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ' .
وثبت أيضا عن النبي أنه قال فيما يحكى عن ربه أنه قال : ' خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم ' .
فإن قيل : كيف يستقيم هذا على أصولكم ، وعندكم أن الله تعالى خلق الناس صنفين : مؤمنين ، وكافرين ؟ هذه الآية والأخبار تدل على أن الله تعالى خلق عباده مؤمنين ؛ وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى أخرج ذرية آدم من صلبه ، وخاطبهم بقوله : ( ^ ألست بربكم ) فأقروا بالعبودية والإيمان ، فالناس يولدون على ذلك ، والجواب عنه : أن أهل العلم اختلفوا في هذا ، فحكى النحاس في تفسيره عن ابن المبارك : أن الآية في المؤمنين خاصة ، وحكى أبو ( عبيد ) في غريب الحديث عن محمد بن الحسن أنه قال : هذا قبل نزول الأحكام والأمر بالجهاد ، كأنه أشار إلى أن الآية منسوخة ، ثم ذكر النحاس أن كلا المعنيين ضعيف .
____________________


أما [ ما ] ذكره ابن المبارك فهو مجرد تخصيص ، وليس عليهم دليل ، وأما ما ذكره محمد بن الحسن فهو إثبات النسخ في الأخبار ، والأخبار لا يرد عليها النسخ ، والصحيح في معنى الآية والخبر أن معنى الفطرة هو أن كل إنسان يولد على أنه متى سئل : من خلقك ؟ فيقول : الله خلقني ، هو المعرفة التي تقع في أصل الخلقة .
قال أبو ( عبيد ) الهروي : وهو معرفة الغريزة والطبيعة ، وإلى هذا وقعت الإشارة في قوله : ( ^ ولئن سألتهم من خلقكم ليقولون الله ) وبهذا القدر لا يحصل الإيمان المأمور به ، فالناس خلقوا على هذه الفطرة ، وأما حقيقة الإيمان وحقيقة الكفر فالناس من ذلك على قسمين على ما ورد به الكتاب والسنة . قال الزجاج والنحاس : وهذا قول أهل السنة . وهذا القول اختيار ابن قتيبة أيضا .
وقوله : ( ^ لا تبديل لخلق الله ) على هذا القول أي : لا أحد يرجع إلى نفسه إلا ويعلم أن له إلها وخالقا .
والقول الثاني في الآية : هو أن فطرة الله هاهنا بمعنى دين الله ، فالخلق يولدون على العهد الذي أخذ عليهم يوم لميثاق ، وهو فطرة الله ، وهذا القول حكي عن الأوزاعي وحماد بن سلمة .
وقد ورد في الخبر الذي روينا ، وهو قوله : ' كل مولود يولد على افطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تنتج البهيمة بهيمة هل تحسون فيها من جدعاء ' ؟ ! قال : اقرءوا إن شئتم : ( ^ فطرة الله التي فطر الناس عليها ) .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث على الفظ محمد بن . عبد الله بن محمد ابن أحمد ، قال : أخبرنا أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أخبرنا الغدافري ، أخبرنا الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي . . الحديث .
____________________

( ^ لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 30 ) منيبين إليه واتقوه ) * * * * * *
وفي الآية قول ثالث : وهو ما روى أبو عبيد الهروي في الغريبين عن ابن المبارك قال : قوله : ' على الفطرة ' أي : على ابتداء الخلقة التي فطر عليها الإنسان في الرحم من سعادة أو شقاوة ، فأبواه يهودانه يعني : في حكم الدنيا . وقد صحح كثير من أهل المعاني ما ذكرناه من قبل ، وهو أن الآية في المسلمين خاصة ، وهو عموم بمعنى الخصوص .
وقوله : ( ^ لا تبديل لخلق الله ) فيه أقوال : أحدها : ما بينا من قبل ، والقول الثاني : لا تبديل لخلق الله أي : لا ينقلب السعيد شقيا ، ولا الشقي سعيدا إذا خلق على أحدهما .
والقول الثالث : لا تبديل لخلق الله أي : لا أحد يثق مثل خلق الله ، ومعناه : أنه لا خالق غيره .
وعن عكرمة قال : لا تبديل لخلق الله : هو تحريم الإخصاء .
وقد اختلف العلماء فيه ، منهم من حرم في الكل ، ومنهم من أباح في جميع البهائم سوى الآدمي ، ومنهم من أباح في جميع البهائم سوى الفرس ؛ لأن فيه قطع النسل ، والنسل يقصد في الخيل ما لا يقصد في غيره . وروى عن النبي أنه قال : ' خير المال سكة مأبورة ، وفرس مأمورة ' . والسكة المأبورة هي النخل المصطفة التي قد أبرت ، والفرس المأمورة كثيرة النتاج .
وأما إذا حملنا الفطرة على الدين فقوله : ( ^ لا تبديل لخلق الله ) خبر بمعنى الأمر ، كأنه قال : لا تبدلوا دين الله . وقد ورد في الخير : الفطرة بمعنى كلمة الإسلام .
روى البراء بن عازب أن النبي قال : ' إذا أخذ أحدكم مضجعه ثم قال : اللهم أسلمت نفسي إليك ، وفوضت امري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ، قال : فإن مات مات على الفطرة ' .
وقد وردت الفطرة بمعنى السنة ، وذلك في الخبر المعروف عن النبي أنه قال : ' عشر من الفطرة ' أي : من السنة الخبر .
وقوله : ( ^ ذلك الدين القيم ) أي : الدين المستقيم ، ويقال : الحساب المستقيم .
وقوله : ( ^ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ظاهر المعنى ، وأنشدوا في الفطرة قول كعب بن مالك شعرا : ( إن تقتلونا فدين الله فطرتنا ** والقتل في الحق عند الله تفضيل ) < < الروم : ( 31 ) منيبين إليه واتقوه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ منيبين إليه أي : اتبعوا دين الله ( ^ منيبين إليه ) أي : راجعين [ إليه ] . قال الحسن البصري : راجعين إلى الله بصلاتكم وأعمالكم . وعن بكر بن عبد الله المزني أنه قال : المنيب هو الذي يمشي على الأرض وقلبه عند الله . فإن قيل : كيف يستقيم قوله : ( ^ منيبين ) وقد خاطب غب الابتداء واحدا ، وهو الرسول بقوله : ( ^ فأقم وجهك للدين حنيفا ) ؟ والجواب عنه ، أن قوله : ( ^ فأقم وجهك ) أي : فأقم وجهك وأمتك معك منيبين إلى الله ، وحقيقة المعنى : اتبعوا الدين القيم منيبين إلى الله .
____________________

( ^ وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ( 31 ) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ( 32 ) وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا ) * * * * * *
وقوله : ( ^ واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ) أي : الجاحدين . < < الروم : ( 32 ) من الذين فرقوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ من الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا ) أي : تركوا دينهم ، وقرئ : ' فرقوا دينهم ' أي : تفرقوا في دينهم . وفي الآية أقول ، أظهر الأقاويل : أن المراد منهم اليهود والنصارى .
وقد روى في بعض الأخبار : ' أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ' .
والقول الثاني : أن المراد من الآية هم الخوارج ، حكى هذا عن أبي أمامة الباهلي .
والقول الثالث : أن المراد من الآية أهل الأهواء والبدع ، وقد روى هذا في خبر مسند عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي قال لها : ' إن الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا هم أهل الأهواء والبدع من هذه الأمة ، يا عائشة ، إن لكل قوم توبة إلا أهل الأهواء والبدع فليس لهم توبة ، أنا منهم برئ ، وهم مني براء ' .
وقوله : ( ^ كل حزب بما لديهم فرحون ) أي : راضون بما عندهم . وقال بعض أهل
____________________

( ^ أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ( 33 ) ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ( 34 ) أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا يشركون ( 35 ) وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون ) * * * * * * اللغة : الحزب بمعنى الناصر ، قال الشاعر : ( أم كيف أخنوا وبلال حزبي ** ) أي : ناصري < < الروم : ( 33 ) وإذا مس الناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا مس الناس ضر ) أي : شدة .
وقوله : ( ^ دعوا ربهم منيبين إليه ) أي : منقلبين إليه بالدعاء ، ومعناه : أنهم إذا وقعوا في الشدة تركوا دعاء الأصنام ، ودعوا الله وحده .
وقوله : ( ^ ثم إذا أذاقهم منه رحمة ) أي : كشف الشدة عنهم برحمته .
وقوله : ( ^ إذا فريق منهم بربهم يشركون ) أي : عادوا إلى رأس شركهم . < < الروم : ( 34 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ليكفروا بما آتيناهم ) قد بينا من قبل .
وقوله : ( ^ فتمتعوا فسوف تعلمون ) صورة أمر بمعنى التهديد ، وقرأ ابن مسعود : ' وليتمتعوا فسوف يعلمون ' . < < الروم : ( 35 ) أم أنزلنا عليهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أم أنزلنا عليهم سلطانا ) أي : حجة وعذرا ، ويقال : أم أنزلنا عليهم سلطانا أي : كتابا ينطق بشركهم ، وهذا معنى قوله تعالى : ( ^ فهو يتكلم بما كانوا به يشركون ) . < < الروم : ( 36 ) وإذا أذقنا الناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا أذقنا الناس رحمة ) أي : الخصب وكثرة المطر ، ويقال : الأمن والعافية .
وقوله : ( ^ فرحوا بها ) الفرح هاهنا فرح البطر وترك الشكر .
وقوله : ( ^ إن تصبهم سيئة ) أي : الجدب وقلة المطر ، ويقال : الخوف والبلاء .
____________________

( ( 36 ) أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( 37 ) فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون ( 38 ) وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ) * * * * * *
وقوله : ( ^ بما قدمت أيديهم ) يعني : من الذنوب .
وقوله : ( ^ إذا هم يقنطون ) أي : ييأسون ، وهذا علامة غير المؤمنين ، فأما علامة المؤمنين فهو شكر الله عند النعمة ، ورجاء الكشف عند الشدة . < < الروم : ( 37 ) أو لم يروا . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ) .
وقوله : ( ^ ويقدر ) أي : يضيق .
وقوله : ( ^ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) أي : يصدقون . < < الروم : ( 38 ) فآت ذا القربى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فآت ذا القربى حقه ) أكثر المفسرين على أن المراد من إيتاء ذي القربى هاهنا صلة الرحم بالعطية والهدية ، وقال قتادة : من لم يعط قرابته ، ويمشي إليه برجليه فقد قطع رحمه . وقد حمل بعضهم الآية على إعطاء ذوي قربى الرسول .
قوله : ( ^ والمسكين ) أي : الطواف .
وقوله : ( ^ وابن السبيل ) أي : المسافر ، وقيل : الضيف .
وقد صح أن النبي قال : ' من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ' .
وروى عنه عليه الصلاة والسلام قال : ' الضيافة ثلاثة أيام ، وجائزته يوم وليلة ' .
قال مالك : ومعنى الجائزة أنه يتكلف له في يوم وليلة ، وأما ما سوى ذلك فيقدم إليه ما حضر .
وقوله : ( ^ ذلك خير للذين يريدون وجه الله ) أي : يطلبون رضا الله عنه .
وقوله : ( ^ وأولئك هم المفلحون ) أي : الفائزون . < < الروم : ( 39 ) وما آتيتم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس ) أكثر أهل التفسير أن
____________________


( ^ وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ( 39 ) الله الذي خلقكم ثم ) * * * * * * المراد من الآية هو أن يعطي الرجل غيره عطية ليعطيه أكثر منها ، وهذا جائز للناس أن يفعلوا غير أنه في القيامة لا يثاب عليه ، فهو معنى قوله : ( ^ فلا يربوا عند الله ) وقد كان هذا الفعل حراما على النبي ، قال الله تعالى له : ( ^ ولا تمنن تستكثر ) أي : لا تعط وتطلب أن تعطى أكثر مما أعطيت . وعن إبراهيم النخعي قال : كان الرجل يعطى صديقه مالا ليكثر مال الصديق ، ولا ( يرد ) به وجه الله ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية . وقرئ ' لتربوا في أموال الناس ' من أموال الناس ' فلا يربوا عند الله ' أي : لا يكثر عند الله .
وقوله : ( ^ وما آتيتم من زكاة ) أي : صدقة .
وقوله : ( ^ تريدون وجه الله ) قد بينا .
وقوله : ( ^ فأولئك هم المضعفون ) أي : ذو الأضعاف .
تقول العرب : القوم مسمنون ومهزلون وملبنون ، والمعنى ما بينا . قال الشاعر : ( ( يخبرهم على حذر وقالت ** بنى ( معلكم ) بظل مسيف ) أي : ذو سيف . < < الروم : ( 40 ) الله الذي خلقكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم ) الآية ظاهر المعنى .
وقوله : ( ^ هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ ) أي : مثل ذلكم من شئ .
وقوله : ( ^ سبحانه وتعالى عما يشركون ) قد بينا من قبل .
____________________


( ^ رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون ( 40 ) ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ( 41 ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف ) * * * * * * < < الروم : ( 41 ) ظهر الفساد في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ظهر الفساد في البر والبحر ) في الآية أقول : أحدها : ما روى عن ابن عباس أنه قال : الفساد في البر هو قتل أحد ابني آدم أخاه ، والفساد في البحر هو غصب الملك السفينة ، فكلاهما في القرآن .
وعن الضحاك قال : كانت الأرض خضرة زهرة نضرة مؤنقة ، وكان لا يأتي ابن آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة ، وكان ماء البحر عذبا ، وكان لا يقصد الأسد البقر والغنم ، ولا السنور الفأرة ، وما أشبه ذلك ، فلما قتل أحد بني آدم أخاه اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار ، وصار ماء البحر ملحا زعاقا ، وقصد الحيوانات بعضها بعضا .
والقول الثاني في الآية أن المراد من الفساد في البر هو الجدوبة والقحط ، والفساد في البحر قلة المطر ، فإن قيل : وأي فساد بقلة المطر في البحر والبر ؟ قلنا : أما في البر فظهور الشدة والقحط ، وأما في البحر فقد قالوا : إنه إذا لم يأت المطر في البحر عميت دواب البحر ، ويقال : إذا لم يأت المطر في البحر خلت أجواف الأصداف من اللؤلؤ ، فإن الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر ، ويفتح فاه ، فما يقع فيه يصير لؤلؤا .
والقول الثالث في الآية - وهو الأظهر - أن البر هو البوادي والمفازة ، والبحر هو القرى والأمصار ، والعرب تسمى كل قرية أو مصر على ماء جار بحرا .
وقوله : ( ^ بما كسبت أيدي الناس ) أي : بما أذنبوا ، وقد قال الله تعالى : ( ^ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء ) .
وقوله : ( ^ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) أي : يرجعون إلى الله بالتوبة . < < الروم : ( 42 ) قل سيروا في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل ) أي : آخر أمر الذين كانوا من قبل .
____________________


( ^ كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين ( 42 ) فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون ( 43 ) من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ( 44 ) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه ) * * * * * *
وقوله : ( ^ كان أكثرهم مشركين ) أي : بالله . < < الروم : ( 43 ) فأقم وجهك للدين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأقم وجهك للدين القيم ) أي : اقصد جهة الدين القيم ، وقيل : سدد عملك للدين القيم ، ويقال : استقم على الدين القيم .
وقوله : ( ^ من قبل أن يأتي يوم لا مرد له ) أي : القيامة لا يقدر أحد على رده من الله .
وقوله : ( ^ يومئذ يصدعون ) أي : يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير .
قال الشاعر :
( وكنا كندمانى جذيمة حقبة ** من الدهر حتى قيل لن يتصدعا )
أي : لن يتفرقا . < < الروم : ( 44 ) من كفر فعليه . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ من كفر فعليه كفره ) أي : وبال كفره .
وقوله : ( ^ ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ) أي : موطئون المضاجع ، ويقال : يبسطون الفرش ، قال الشاعر :
( أمهد لنفسك حان السقم والتلف ** ولا تضيعن نفسا ما لها خلف ) < < الروم : ( 45 ) ليجزي الذين آمنوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين ) ظاهر المعنى . < < الروم : ( 46 ) ومن آياته أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ) الريح : جسم رقيق يجري في الجو يمينا وشمالا على ما دبر من حركاته في جهاته ممتنع القبض عليه للطفه . وعن عبد الله بن عمرو قال : الرياح أربعة للرحمة ، وأربعة للعذاب ، وجملتها ثمانية : فالتي للرحمة : المبشرات ، والناشرات ، والذاريات ، والمرسلات ، والتي للعذاب : العقيم ، والصرصر في البر ، والعاصف ، والقاصف في البحر .
____________________


( ^ لا يحب الكافرين ( 45 ) ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ( 46 ) ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر ) * * * * * *
وقوله : ( ^ وليذيقكم من رحمته ) أي : المطر ، ويقال : طيب الريح ولذتها .
وقوله : ( ^ ولتجري الفلك بأمره ) أي : لتجري الفلك في البحر بهذه الرياح بأمره .
وقوله : ( ^ ولتبتغوا من فضله ) أي : لتطلبوا من فضل الله تعالى بالتجارات في البحر .
وقوله : ( ^ ولعلكم تشكرون ) يعني : تشكرون الله تعالى . < < الروم : ( 47 ) ولقد أرسلنا من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات ) أي : بالدلالات .
وقوله : ( ^ فانتقمنا من الذين أجرموا ) أي : أجرموا بالتكذيب .
وقوله : ( ^ وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) أي : نصرة المؤمنين بإنجائهم ، وقيل : نصرة المؤمنين بالذب عنهم ، ودفع العذاب [ عنهم ] .
وفي بعض المسانيد برواية أم الدرداء أن النبي قال : ' من ذب عن غرض أخيه المسلم كان حقا على الله أن يرد عنه النار يوم القيامة ، ثم تلا قوله تعالى : ( ^ وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) ' . < < الروم : ( 48 ) الله الذي يرسل . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا ) أي : ينشر السحاب ، وفي بعض التفاسير أن الله تعالى يرسل ريحا فتقم الأرض قما ، ثم يرسل ريحا فتدر
____________________


( ^ المؤمنين ( 47 ) الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ( 48 ) وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين ( 49 ) فانظر إلى ) * * * * * * السحاب بالمطر ، فهذا معنى الآية .
وقوله تعالى : ( ^ فيبسطه في السماء كيف يشاء ) أي : مسيرة يوم ومسيرة يومين وأكثر على ما يشاء .
وقوله : ( ^ ويجعله كسفا ) أي : قطعا .
وقوله : ( ^ فترى الودق يخرج من خلاله ) قرأ الضحاك ' ' من خلله ' ، والودق : المطر ، قال الشاعر :
( فلا مزنة ودقت ودقها ** ولا أرض أبقل إبقالها )
وقيل : الودق : هو البرق ، والأول أظهر .
وقوله : ( ^ فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ) أي : يبشر بعضهم بعضا . < < الروم : ( 49 ) وإن كانوا من . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين ) أي : آيسين . وفي حرف ابن مسعود : ' وإن كانوا من قبل أن ننزل عليهم من قبله لمبلسين ' .
فإن قيل : فما معنى تكرار قوله : ( ^ من قبل ) هاهنا ، وأي فائدة فيه ؟ والجواب عنه من وجهين : أحدهما : أنه على طريق التأكيد وهو قول أكثر أهل النحو ، والعرب تفعل كثيرا مثل هذا . والثاني : أن معناه : من قبل : السحاب ، ' ومن قبل ، إنزال المطر ؛ فأحدهما يرجع إلى إنزال المطر ، والأخر يرجع إلى إنشاء السحاب . < < الروم : ( 50 ) فانظر إلى آثار . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فانظر إلى آثار رحمة الله ) وقرئ : ' أثر رحمة الله ' والآثار جمع
____________________


( ^ آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ( 50 ) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون ( 51 ) فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ( 52 ) وما أنت بهاد العمي عن ) * * * * * * الأثر ، والأثر بمعنى الآثار .
وقوله : ( ^ كيف يحيي الأرض بعد موتها ) أي : كيف يحيي الله الأرض بالمطر بعد موتها ؟ فهو يحيي الموتى يوم القيامة . وقد قال بعضهم : يحيي الأرض بعد موتها أي : القلوب الغافلة بنور العلم واليقين والتفسير .
وقوله : ( ^ وهو على كل شيء قدير ) أي : قادر . < < الروم : ( 51 ) ولئن أرسلنا ريحا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا ) فيه قولان : أحدهما : رأوا الريح مصفرا ، وإذا كان الريح على هذا الوجه لم ينفع . والقول الثاني وهو المعروف فرأوه مصفرا أي : رأوا الزرع مصفرا .
وقوله : ( ^ لظلوا من بعده يكفرون ) يقال : ظل فلان يفعل كذا أي : جعل يفعل كذا وهو مثل قولهم : أضحى فلان يفعل كذا ، إلا أن قوله ظل يفعل في العادة تستعمل في جميع النهار ، وقوله أضحى تستعمل في أول النهار .
وقوله : ( ^ يكفرون ) أي : يجحدون ، وقيل : يكفرون النعمة . < < الروم : ( 52 ) فإنك لا تسمع . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فإنك لا تسمع الموتى ) أي : الكفار ، وجعلهم بمنزلة الميت ؛ لأنهم لم ينتفعوا بحياتهم .
وقوله : ( ^ ولا تسمع الصم الدعاء ) جعلهم بمنزلة الصم ؛ لأنهم لم ينتفعوا بأسماعهم .
وقوله : ( ^ إذا ولوا مدبرين ) أي : معرضين ، فإن قيل : الأصم لا يسمع سواء أقبل أو أدبر ، فأيش معنى هذا الكلام ؟ والجواب عنه : إذا كان مقبلا إن لم يسمع يفهم بالإشارة ، وإذا كان مدبرا لم يسمع ولا يفهم بالإشارة .
____________________


( ^ ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ( 53 ) الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم ) * * * * * * < < الروم : ( 53 ) وما أنت بهادي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم ) أي : بصارف العمي عن ضلالتهم ، والعمي هم الكفار . ويقال : بمرشد العمى من ضلالتهم .
وقوله : ( ^ إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ) أي : ما تسمع إلا من يؤمن بآياتنا .
وقوله : ( ^ فهم مسلمون ) ظاهر المعنى . < < الروم : ( 54 ) الله الذي خلقكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الله الذي خلقكم من ضعف ) وقرئ : ' من ضعف ' بالفتح والضم جميعا ، وهما بمعنى واحد . والأولى ' من ضعف ' بالضم لما روي عن عطية أنه قال : ' قرأت على عبد الله بن عمر هذه الآية ، فقرات : ' من ضعف ' بالنصب ، فقال : ' من ضعف ' بالضم ، وقال : أخذ على رسول الله كما أخذته عليك ' .
وقوله : ( ^ من ضعف ) أي : من ماء مهين ، وقيل : من ذي ضعف .
وقوله : ( ^ ثم جعل من بعد ضعف قوة ) أي : شبابا ، وهو وقت القوة .
وقوله : ( ^ ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ) وهو الهرم والشيب ، [ والشيب ] : نذير الموت ، قال الشاعر :
( رأيت الشيب من نذر المنايا ** لصاحبه وحسبك من نذير )
وقوله : ( ^ يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) ظاهر المعنى . < < الروم : ( 55 ) ويوم تقوم الساعة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ) أي : يحلف المجرمون .
____________________


( ^ القدير ( 54 ) ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون ( 55 ) وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ( 56 ) فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون ( 57 ) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ) * * * * * *
وقوله : ( ^ ما لبثوا غير ساعة ) أي : في قبورهم ، وقيل : في الدنيا ، وإنما قالوا ذلك من هول ما رأوا من القيامة ؛ فنسوا ما كان قبل ذلك .
وقوله : ( ^ كذلك كانوا يؤفكون ) أي : يصرفون عن الحق . < < الروم : ( 56 ) وقال الذين أوتوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله ) أي : في حكم الله وعلمه ، قال الشاعر :
( ومال لولاء بالبلاء فملتم ** وما ذاك قال الله [ إذ ] هو يكتب )
أي : يحكم ، وقيل : في الآية تقديم وتأخير ومعناه : وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان لقد لبثتم إلى يوم البعث .
وقوله : ( ^ فهذا يوم البعث ) أي : القيامة .
وقوله : ( ^ ولكنكم كنتم لا تعلمون ) أي : لا تعلمون أن القيامة حق . < < الروم : ( 57 ) فيومئذ لا ينفع . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ) أي : عذرهم ، والمعذرة : إظهار ما يسقط اللائمة .
وقوله : ( ^ ولا هم يستعتبون ) أي : لا يستبانون . وقيل : لا يطلب منهم العتبى . < < الروم : ( 58 ) ولقد ضربنا للناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ) أي : من كل شبه .
وقوله : ( ^ ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ) ظاهر المعنى . < < الروم : ( 59 ) كذلك يطبع الله . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ) الطبع والختم بمعنى واحد ، وهو الذي يمنع القلب من البصر . وقد روي عن النبي أنه قال :
____________________

ً
( ^ ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ( 58 ) كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ( 59 ) فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ( 60 ) ) * * * * * * ' أعوذ بالله من طمع يدني إلى طبع ' ، قال الأعشي :
( له أكاليل بالياقوت فضلها ) صواعها لا ترى عيبا ولا طبعا ) < < الروم : ( 60 ) فاصبر إن وعد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فاصبر إن وعد الله حق ) يعني : وعد القيامة .
وقوله تعالى : ( ^ ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) أي : لا يستهجلنك ؛ فإن الخفة تؤدي إلى الجهل ، ومعناه : لا يحملنك الذين لا يوقنون وأتباعهم في الغي ، فأمره الله تعالى بالصبر على الحق وترك أتباعهم في الضلالات ، وأن لا يصغي إلى أقوالهم . وقد روي أن عليا رضي الله عنه كان يصلي مرة فناداه رجل ، وقال : لا حكم إلا لله ، وكان الرجل من الخوارج ؛ فقرأ علي في صلاته : ( ^ فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
>
( ^ الم ( 1 ) تلك آيات الكتاب الحكيم ( 2 ) هدى ورحمة للمحسنين ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ( 4 ) أولئك على هذى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( 5 ) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن ) * * * * * * <
> تفسير سورة لقمان <
>
كلها مكية إلا ثلاث آيات نبينها إذا وصلنا إليها ، والله أعلم . < < لقمان : ( 1 - 2 ) الم > >
قوله تعالى : ( ^ الم تلك آيات الكتاب الحكيم ) أي : المحكم بالحلال والحرام وذكر الأحكام ، ويقال : بالوعد والوعيد ، والثواب والعقاب . وقال بعضهم : الحكيم الذي يبين الحكمة ، كالحكيم الذين ينطق بالحكمة . < < لقمان : ( 3 ) هدى ورحمة للمحسنين > >
وقوله : ( ^ هدى ورحمة ) الأكثرون قرءوا بالنصب ، قال الزجاج : هو نصب على الحال . وقرا حمزة : ' هدى ورحمة ' أي : هو هدى ورحمة ، ومعناه : بيان من الضلالة ، ورحمة من العذاب .
وقوله : ( ^ للمحسنين ) أي : للمسلمين ، والمسلم محسن إلى نفسه ، وقد صح الخبر أن النبي سئل عن الإحسان فقال : ' أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ' . ويقال : المحسن هو الذي يحب للناس ما يحب لنفسه . < < لقمان : ( 4 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . . > >
وقوله : ( ^ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ) قد بينا . < < لقمان : ( 5 ) أولئك على هدى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أولئك على هدى من ربهم ) وقوله : ( ^ وأولئك هم المفلحون ) أي : السعداء ، ويقال : الناجون ، وقيل : هم الذين أدركوا ما أملوا ، ونجوا مما عنه هربوا . < < لقمان : ( 6 ) ومن الناس من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) ذكر الكلبي ومقاتل أن الآية
____________________

نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة ، وكان يأتي الحيرة فيشتري أحاديث العجم ، وكان النبي إذا قرأ القرآن ، قام وقال : أيها الناس إن محمدا يحدث عن عاد وثمود ، وأنا أحدثكم عن رستم واسفنديار والعجم ، فأنا أحسن حديثا منه ، فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية .
وروى أبو أمامة الباهلي عن لنبي أنه قال : ' حرام تعليم المغنيات وبيعهن وشرائهن وأثمانهن حرام ، ثم تلا قوله تعالى : ( ^ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) وقال : ما من رجل رفع عقيرته بالغناء إلا ويأتي شيطانان ، فيقعد أحدهما على كتفه الأيمن ، والآخر على كتفه الأيسر ، ويضربان برجلهما على ظهره وصدره حتى يكون هو يسكت ' .
وعن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس ومجاهد والحسن وعكرمة وأكثر المفسرين أن الآية نزلت في الغناء ، وكان عبد الله بن مسعود يحلف على ذلك . وعن إبراهيم النخعي قال : كانوا يقولون الغناء ينبت النفاق في القلب . قال إبراهيم : وكانوا يسدون أفواه السكك ويخرقون الدفوف . وعن الضحاك قال : ( ^ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) هي الشرك بالله . وعن ابن جريج : هو الطبل . وفي الأخبار المسندة أن النبي قال : ' هو المعازف والقيان ' . وعن سهل بن عبد الله التستري قال : لهو الحديث هو الجدال في الدين ، والخوض في الباطل .
وقوله : ( ^ ليضل عن سبيل الله ) أي : دين الله ، وقرئ ' ليضل عن سبيل الله ' .
____________________


( ^ سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين ( 6 ) وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم ( 7 ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم ( 8 ) خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم ( 9 ) خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن ) * * * * * * بفتح الياء ، فقوله : ( ^ ليضل ) أي : ليضل غيره .
وقوله : ( ^ ليضل ) أي : ليصير إلى الضلال .
وقوله : ( ^ بغير علم ويتخذها هزوا ) أي : يتخذ آيات الله هزوا ، ويقال : يتخذ سبيل الله هزوا ، والسبيل يذكر ويؤنث ، قال الشاعر :
( تمنى رجال أن أموت وإن أمت ** فتلك سبيل لست فيها بأوحد )
وقوله : ( ^ أولئك لهم عذاب مهين ) ظاهر المعنى ، وقد بينا من قبل . < < لقمان : ( 7 ) وإذا تتلى عليه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها ) أي : كأن لم يسمع الآيات .
وقوله : ( ^ كأن في أذنيه وقرا ) أي : صمما ، وإنما جعله كذلك ؛ لأنه لم ينتفع بما يسمع ، فصار بمنزلة الأصم ، والوقر هو الثقل في الأذن .
وقوله : ( ^ فبشرناه بعذاب أليم ) أي : مؤلم ، ومعنى المؤلم : هو الموجع . < < لقمان : ( 8 - 9 ) إن الذين آمنوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين آمنوا وعملوا لصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقا ) ومعناه : مقيمين في الجنة كما وعد الله .
وقوله : ( ^ وهو العزيز الحكيم ) والعزيز هو المنتقم من أعدائه ، والحكيم هو المصيب في تدبير خلقه . < < لقمان : ( 10 ) خلق السماوات بغير . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ خلق السموات بغير عمد ) أي : بغير عمد كما ، ترونها ، والمعنمى الثاني : أي بغير عمد ترونه ، وثم عمد لا ترونها ، وذلك العمد هو قدرة الله تعالى ، قال الله تعالى : ( ^ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ) .
وقوله : ( ^ وألقى في الأرض رواسي ) أي : جبالا ثوابت ، وذكر السدي أن الله
____________________


( ^ تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ( 10 ) هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين ) * * * * * * تعالى خلق الأرض فجعلت تميل ؛ فقالت الملائكة : يا ربنا ، هذه الأرض لا يستقر على ظهرها أحد ، فأصبحوا وقد أرسى الله تعالى بالجبال . فقالوا : يا ربنا ، هل خلقت شيئا أشد من الجبال ؟ قال : نعم ؛ الحديد . قالوا : يا ربنا ، وهل خلقت شيئا أشد من الحديد ؟ قال : نعم ؛ النار . قالوا : وهل خلقت شيئا أشد من النار ؟ قال : نعم ؛ الماء . قالوا : وهل خلقت شيئا أشد من الماء ؟ قال : نعم ؛ الريح . قالوا : وهل خلقت شيئا أشد من الريح ؟ قال : نعم ؛ الآدمي . وقد أسند هذا بعضهم إلى رسول الله ، وفي آخر الخبر : ' الآدمي يتصدق فيخفي صدقته حتى لا تعلم شماله ما تصدقت يمينه ، فهو أقوى من الجميع ' .
وقوله : ( ^ أن تميد بكم ) أي : لئلا تميد بكم ، ويقال : كراهة أن تميد بكم ، والميد : هو الميل .
وقوله : ( ^ وبث فيها من كل دابة ) أي : فرق فيها من كل دابة ، والدابة كل حيوان يدب على الأرض .
وقوله : ( ^ وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ) أي : صنف حسن . < < لقمان : ( 11 ) هذا خلق الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ) أي : الذين يعبدون من دونه ، وهم الأصنام ، وقد روي عن بعض السلف قال : ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله فيه . وذكر بعضهم هذا عن عامر بن عبد قيس وهو عامر بن عبد الله ، وهو تلو أويس القرني في زهاد التابعين رضي الله عنهم ورءوس الزهاد من التابعين
____________________


( ( 11 ) ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر ) * * * * * * ثمانية نفر : أولهم أويس ، ثم عامر بن عبد قيس ، ثم هرم بن حيان ، ثم أبو مسلم الخولاني ، ثم الأسود ، ثم مسروق بن الأجدع ، ثم الربيع بن خثيم ، ثم الحسن .
وقوله : ( ^ بل لظالمون في ضلال مبين ) أي : في خطأ بين . < < لقمان : ( 12 ) ولقد آتينا لقمان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد آتينا لقمان الحكمة ) اختلفوا في لقمان . هل كان نبيا أو لم يكن نبيا ؟ فذهب أكثر أهل العلم أنه لم يكن نبيا .
وقال الشعبي وعكرمة : إنه كان نبيا . وعن بعضهم : أن الله تعالى خيره بين النبوة والحكمة ، فاختار الحكمة ؛ نام نومة فذريت الحكمة على لسانه ، فانتبه ينطق بالحكمة . وذكر بعضهم أنه سئل : لم اخترت الحكمة على النبوة ؟ فقال : خشيت أن أضعف عنها ، ولو كان الله أعطانيها ابتداء ولم يخبرني أعانني عليها ، فلما خيرني خشيت الضعف .
وعن سعيد بن المسيب قال : كان لقمان عبدا أسود من سودان مصر . وعن غيره قال : كان عبدا حبشيا غليظ الشفتين متشقق القدمين ، وحكي أن عبدا أسود سأل سعيد بن المسيب عن مسألة فأجاب ، ثم قال له : لا يحزنك سوادك ، فقد كان قبلك ثلاثة من السودان هم من خير الناس ، ثم ذكر لقمان الحكيم ، وبلالا مؤذن رسول الله ، ومهجع مولى عمر بن الخطاب ، وهو أول شهيد في الإسلام ، استشهد يوم بدر .
واختلفوا في صناعة لقمان ؛ فقال بعضهم : كان خياطا . وقال بعضهم : كان نجارا . وقال بعضهم : كان راعي غنم . فروي أن بعضهم لقيه وهو يتكلم بالحكمة فقال : ألست فلانا الراعي ! فبم بلغت ما بلغت ؟ فقال : بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وتركي ما لا يعنيني .
ومن ( حكمه ) المنقولة : أن مولاه دفع إليه شاة وقال : اذبحها وائتني بأطيب مضغتين منها ، فجاءه بلسانها وقلبها ، فسأله مولاه عن ذلك ، فقال : لا شيء أطيب
____________________


( ^ فإن الله غني حميد ( 12 ) وإذا قا لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ( 13 ) ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ( 14 ) وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ) * * * * * * منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا . وعن وهب بن منبه قال : تكلم لقمان باثني عشر ألف باب من الحكمة ، أدخلها الناس في كلامهم ووصاياهم .
ومعنى الحكمة المذكورة في هذه الآية هو الفقه والإصابة في القول . ويقال : العقل الكامل .
وقوله : ( ^ أن اشكر لله ) أي : على نعمه .
وقوله : ( ^ ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ) أي : منفعة الشكر تعود إليه .
وقوله : ( ^ ومن كفر فإن الله غني حميد ) أي : غني عن خلقه ، محمود في فعله . < < لقمان : ( 13 ) وإذ قال لقمان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه ) يقال : كان اسم ابنه مشكم ، ويقال : أنعم ، وقيل : غيره .
وقوله : ( ^ يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) أي : لا تعدل بالله أحدا في الربوبية .
وقوله : ( ^ إن الشرك لظلم عظيم ) الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، من أشرك مع الله غيره فقد وضع الشيء في غير موضعه . < < لقمان : ( 14 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن ) أي : ضعفا على ضعف ، ويقال : مشقة على مشقة . قال الزجاج : المرأة اذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة . ويقال : الحمل ضعف ، والطلق ضعف ، والوضع ضعف .
وقوله : ( ^ وفصاله في عامين ) أي : فطامه في عامين ، والحولان نهاية مدة الفطام .
وقوله : ( ^ أن اشكر لي ولوالديك ) قال سفيان بن عيينة : من صلى الصلوات الخمس في مواقيتها فقد شكر الله تعالى ، ومن استغفر لأبويه في كل صلاة فقد شكر
____________________


( ^ ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ( 15 ) يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ) * * * * * * أبويه .
وقوله : ( ^ إلى المصير ) أي : إلى المرجع . < < لقمان : ( 15 ) وإن جاهداك على . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم ) قد بينا معنى هذه الآية ، وذكرنا أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وقال بعضهم : الآية عامة في الجميع .
وقوله : ( ^ فلا تطعهما ) أي : فلا تطعهما في الشرك ومعصيتي .
وقوله : ( ^ وصاحبهما في الدنيا معروفا ) أي : صاحبها في الدنيا بالبر والصلة ، وهو المعروف من غير أن تطيعهما في معصيتي .
وقوله : ( ^ واتبع سبيل من أناب إلي ) الأكثرون أنه محمد .
وقوله : ( ^ ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) ظاهر المعنى .
وروي [ عن ] عطاء عن ابن عباس في قوله : ( ^ واتبع سبيل من أناب إلي ) أن المراد منه أبو بكرالصديق رضي الله عنه قال ابن عباس : لما أسلم أبو بكر ، رضي الله عنه جاء عثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنهم فقالوا : يا أبا بكر ، قد صدقت هذا لرجل ، وآمنت به ؟ قال : نعم ، هو صادق فآمنوا به ، [ و ] حملهم إلى النبي حتى أسلموا ، فهؤلاء القوم لهم سابقة الإسلام ، وأسلموا بإرشاد أبي بكر رضي الله عنهم وأنزل الله تعالى في أبي بكر ، ( ^ واتبع سبيل من أناب إلي ) .
وقوله : ( ^ أناب ) أي : رجع إلي ، وعلى هذا القول هو أبو بكر رضي الله عنه . < < لقمان : ( 16 ) يا بني إنها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا بني إنها إن تك ) فإن قيل : قوله : ( ^ إنها ) هذه كناية ، والكناية لا بد لها من مكنى ، فأيش المكنى ؟ والجواب عنه : أنه روي أن ابن لقمان قال : يا
____________________


( ^ فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ( 16 ) يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من ) * * * * * * ( أبه ) ، أرأيت لو وقع شيء في مقل البحر ومقل البحر مغاصيه أي : وسطه أيعلم الله تعالى موضعه ؟ فقال : يا بني ، إنها إن تك مثقال حبة من خردل ، يعني : إن وقعت حبة على هذا الوزن على [ هذا ] البحر فالله تعالى يعلم موضعها . وذكر النقاش في تفسيره : أن لقمان ألقى خردلة في عرض نهر اليرموك ، وقعد على شطه وبسط يده ، فغاصت ذبابة وحملت الخردلة فوضعتها على كفه . وفي الآية قول آخر : وهو أن قوله تعالى : ( إنها إن تك ) يرجع إلى الخطيئة ، يعني : إن تكن الخطيئة كمثقال حبة من خردل يأت بها الله تعالى يوم القيامة أي : يجازك بها . قال الحسن البصري : معنى الآية : هو الإحاطة بالأشياء صغيرها وكبيرها .
وقوله : ( ^ فتكن في صخرة ) أي : في جبل ، وقال السدي : هي الصخرة التي عليها الأرضون السبع ، وهي صخرة خضراء ، خضرة السماء منها .
وقوله : ( ^ أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله ) .
وقوله : ( ^ إن الله لطيف خبير ) قال أبو العالية : لطيف باستخراج الخردلة ، خبير بمكانها ، وفي بعض التفاسير : أن هذه الحكمة آخر حكمة تكلم بها لقمان ، فلما تكلم بها انشقت مرارته من هيبتها فتوفى . < < لقمان : ( 17 ) يا بني أقم . . . . . > >
قوله : ( ^ يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ) قد بينا معنى المعروف ومعنى المنكر من قبل .
وقوله : ( ^ واصبر على ما أصابك ) أي : من الأذى .
وقوله : ( ^ إن ذلك من عزم الأمور ) أي : من الأمور التي يؤمر بها ويعزم عليها ، وقد روى حذيفة عن النبي أنه قال : ' ليس للمؤمن أن يذل نفسه ، فقيل : وكيف يذل
____________________


( ^ عزم الأمور ( 17 ) ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب ) * * * * * * نفسه ؟ قال : يتحمل من البلاء ما لا يطيق ' . وفي هذا الخبر رخصة في ترك الأمر بالمعروف على السلاطين والظلمة إذا خشي الهلاك ، وإن أمر بالمعروف فقتل فهو شهيد .
وقد ثبت عن النبي أنه قال : ' أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ' .
وروي عن الني أنه قال : ' سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب ، ثم رجل قام إلى سلطان يخاف منه ويرجو ، فأمره بمعروف أو نهاه عن منكر ، فقتله على ذلك ' . < < لقمان : ( 18 ) ولا تصعر خدك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولا تصعر خدك للناس ) أيك لا تعرض عنهم تكبرا . والصعر هو الميل . وفي بعض الأخبار أن النبي قال : ' يأتي عل الناس زمان لا يبقى إلا من هو أصعر ' . يعني : ما يدعي الدين ' . ويقال : إن قوله : ( ^ ولا تصعر خدك للناس ) نهى عن التشدق في الكلام ، وعن الربيع بن أنس قال : ليكن الغني والفقير عندك سواء .
وقوله : ( ^ ولا تمش في الأرض مرحا ) أي : لا تمشي في الأرض مختالا .
وقوله : ( ^ إن الله لا يحب كل مختال فخور ) أي : مختال على الأرض ، فخور
____________________


( ^ كل مختال فخور ( 18 ) واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات ) * * * * * * بالدنيا . < < لقمان : ( 19 ) واقصد في مشيك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واقصد في مشيك ) يعني : أسرع في مشيك ، ويقال معناه : واقصد في مشيك أي : لا تسرع في مشيتك ، وفي بعض الأخبار عن النبي قال : ' سرعة المشي تذهب بها الوجه ' .
وقوله : ( ^ واغضض من صوتك ) أي : لا تجهر ، ومعنى اغضض أي : انقص . يقال : غض فلان من فلان أي : نقص من حقه .
وقوله : ( ^ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) أي : أقبح الأصوات لصوت الحمير . يقال : جاءني فلان بوجه منكر أي : قبيح ، فإن قال قائل : لم جعل صوت الحمار أقبح الأصوات ؟ والجواب عنه إنما جعله أقبح الأصوات ، لأن أوله زفير ، وآخره شهيق ، والزفير والشهيق : صوت أهل النار . وعن سفيان الثوري قال : كل شيء يسبح إلا الحمار ؛ فلهذا جعل صوته أقبح الأصوات .
وذكر النقاش في تفسيره : أن أهل الجاهلية كانوا يتنافسون في شدة الصوت ، وكانوا يقولون : من كان أجهر صوتا فهو أعز عند الله . وكانوا يجهرون بأصواتهم ويرفعونها بغاية الإمكان ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ومعناه : أنه ليست العزة في شدة الصوت ، ولو كان من هو أشد أعز ، لكان الحمار أعز من الكل . وعن جعفر بن محمد بن الصادق أنه قال في قوله تعالى : ( ^ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) : هي العطسة القبيحة المنكرة .
____________________


( ^ لصوت الحمير ( 19 ) ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض ) * * * * * *
ومن حكم لقمان سوى ما ذكرنا ما روي أنه قال : لا مال كصحة البدن ، ولا نعيم كطيب النفس . ومن حكمه أيضا أنه قال : أدب الوالد لولده كالسماد للزرع .
وحكى عكرمة أن لقمان دخل على داود عليه السلام وهو يصنع درعا ، فلم يدر ما يصنع ؛ فأراد أن يسأله ، وكان ( حكمه ) تمنعه منه ، فلما أتم داود الدرع لبسها ، وقال : نعم جبة الحرب هي . فقال لقمان : الصمت حكم وقليل فاعله .
وحكى أيضا عكرمة أن مولاه خاطر قوما على شرب ماء البحر في حال سكره ، فدعا لقمان وقال : لمثل هذا اليوم كنت أعدك ، وذكر له القصة . فقال : اجمع القوم الذين خاطرتهم ؛ فجمعهم ، فقال لهم : احبسوا مواد البحر حتى يشرب ماء البحر . فقالوا : كيف نحبس مواد البحر ؟ فقال : كيف يشرب ماء البحر ومواده غير منقطعة ؟ فخلص مولاه .
وحكى أيضا عكرمة أنه كان لمولى لقمان عبيد سواه ، ولم يكن فيهم أخس منه عنده ، فبعثهم إلى بستان له ليحملوا له فاكهة ، فذهبوا وأكلوا الفاكهة ؛ فلما رجعوا أحالوا على لقمان أنه هو الذي أكل ، وصدقهم مولاه لخسة لقمان عنده ، وأراد أن يؤذيه ، فقال لقمان لمولاه : إن ذا اللسانين وذا الوجهين لا يكون وجيها عند الله ، فاسقني ماء حميما ، واسق هؤلاء العبيد ماء حميما ؛ فسقاهم ، فقاء سائر العبيد ما أكلوا من الفاكهة ، وقاء هو ماء بحتا ، فعرف صدقه وكذبهم . < < لقمان : ( 20 ) ألم تروا أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض ) أي : ذلل .
وقوله : ( ^ وأسبغ عليهم نعمة ) أي : أتم عليكم وأكمل نعمه ظاهرة وباطنة ، قال ابن عباس : النعمة الظاهرة هي الإسلام وحسن الخلق ، والنعمة الباطنة هي ما يستر من العيوب . وقال بعضهم : النعمة الظاهرة هي الإقرار باللسان ، والباطنة هي الاعتقاد
( ^ وأسبع عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منيروإذا قيل لهم إتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ومن يسلم وجهه إلى اللهوهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا ) بالقلب . ويقال النعمة الظاهرة : نعمة الدنيا ، والباطنة : نعمة العقبى . وقيل النعمة الظاهرة : نعمة الأبدان ، والباطنة : نعمة الأديان . ويقال : النعمة الظاهرة : تمام الرزق ، والنعمة الباطنة : حسن الخلق ، ويقال النعمة الظاهرة : الزى والرياش الحسن . والنعمة الباطنة : ما أخفى من المعصية وسترها . وقال بعضهم : النعمة الظاهرة : الولد ، والباطنة : الوطء .
وقوله : ( ^ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ) نزلت هذه الآية في أمية بن خلف وأبي بن خلف وأبي جهل بن هشام والنضر بن الحارث وأشباههم ؛ كانوا يجادلون النبي بالباطل في الله وفي صفاته . < < لقمان : ( 21 ) وإذا قيل لهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ) ظاهر المعنى .
وقوله : ( ^ أو لو كان الشيطان يدعوهم ) هذا جواب عن محذوف , والمحذوف : أيتبعون الشيطان ، وإن كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير . < < لقمان : ( 22 ) ومن يسلم وجهه . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ ومن يسلم وجهه إلى الله ) أى : ومن يخلص دينه لله ، وقيل : يسلم نفسه وعمله إلى الله . وقرأ أبو عبد الحمن السلمى : ( ( يسلم ) ) بالتشديد ، وقوله : ( ^ يسلم ) من التسليم , وقوله : ( ( يسلم ) ) من الإنقياد .
وقوله : ( ^ [ وهو محسن ] فقد استمسك بالعروة الوثقى ) : قول لا إله إلا الله . وقيل العروة الوثقى : السبب الذي يوصل إلى رضا الله تعالى . والوثقى تأنيث الأوثق . والعهد الوثيق ، هوالعهد المحكم الشديد ، والأوثق الأشد .
وقوله : ( ^ وإلى الله عاقبة الأمور ) أى : خاتمة الأمور .
( ^ يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نطرهم إلى عذاب غليظ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السموات و الأرض إن الله هو الغني الحميد ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعد سبعة أبحر ما نفدت كلما ت الله إن الله عزيز حكيم ما خلقكم ) < < لقمان : ( 23 ) ومن كفر فلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن كفر فلا يحزنك كفره ) أى : لا تحزن بكفره .
وقوله : ( ^ إلينا مرجعهم ) أى : مصيرهم .
وقوله : ( ^ فننبئهم بما عملوا ) أى : نخبرهم بما عملوا .
وقوله : ( ^ إن الله عليم بذات الصدور ) أى : عالم بما في الصدور . < < لقمان : ( 24 ) نمتعهم قليلا ثم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ نمتعهم قليلا ) الإمتاع هو التمتع بما في الدنيا من نعيمها .
وقوله : ( ^ ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ) أى : نلجئهم إلى عذاب غليظ . < < لقمان : ( 25 ) ولئن سألتهم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) قد بينا . < < لقمان : ( 26 ) لله ما في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغنى الحميد ) أى : الغنى عن خلقه ، المحمود في فعله . < < لقمان : ( 27 ) ولو أنما في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ) روى أن المشركين قالوا : إن ما أتى به محمد من الكلام ينقطع ويفنى ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، بمعنى : أن جميع أشجار العالم ونباتها لو بريت أقلاما ، وصارت البحور مدادا ما نفدت كلمات الله أى : كلام الله وعلمه .
وقوله : ( ^ إن الله عزيز حكيم ) قد بينا . < < لقمان : ( 28 - 30 ) ما خلقكم ولا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ) معناه : ما خلقكم إلا
____________________


( ^ ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير ( 28 ) ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ( 29 ) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ( 30 ) ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن ) * * * * * * كخلق نفس واحدة ، ولا بعثكم إلا كبعث نفس واحدة ، يعني : في قدرته .
وقوله : ( ^ إن الله سميع بصير ) سميع لأقوال العباد ، بصير بأفعالهم . والآية التي تلي هذه الآية إلى آخرها قد بينا معناها ، وأما الآيات الثلاث التي نزلت بالمدينة فهي من قوله تعالى : ( ^ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام ) إلى آخر الآيات الثلاث .
قوله تعالى : ( ^ ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ) أي : بإنعام الله . < < لقمان : ( 31 ) ألم تر أن . . . . . > >
وقوله : ( ^ ليريكم من آياته ) أي : من عجائب صنعه وقدرته .
وقوله : ( ^ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) روي عن النبي أنه قال : ' الصبر نصف الإيمان ، والشكر نصف الإيمان ، واليقين هو الإيمان كله ' . وفي بعض الأخبار : أن أحب العباد إلى الله من يصبر عند البلاء ، ويشكر عند النعماء ، ويرضى بالقضاء .
____________________


( ^ في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( 31 ) وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ( 32 ) يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن ) * * * * * * < < لقمان : ( 32 ) وإذا غشيهم موج . . . . . > >
قوله : ( ^ وإذا غشيهم موج كالظلل ) الظلل : جمع الظلة ، والظلة : هي الجبل .
وقوله : ( ^ دعوا الله مخلصين له الدين ) أي : أخلصوا في الدعاء ، وفي التفسير : أن الآية نزلت في عكرمة بن أبي جهل حين هرب من مكة يوم فتحها رسول الله ، وكان رسول الله أمن جميع الناس إلا نفرا منهم عكرمة بن أبي جهل ، فهرب عكرمة إلى البحر ، فجاءهم ريح عاصف ، فقال صاحب السفينة : أخلصوا ، فإنه لا ينجيكم إلا الإخلاص . وروي أنه قال لهم : لا تدعوا آلهتكم ؛ فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ، وادعوا الله وحده .
فقال عكرمة : إنما هربت من هذا ، ولئن نجاني الله من هذا لأرجعن إلى محمد ، ولأضعن يدي في يده . ثم سكن الريح ، وخرج عكرمة ورجع إلى مكة ، وأسلم وحسن إسلامه ، واستشهد يوم اليرموك بالشام .
وقوله : ( ^ فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ) أي : عدل في فعله على معنى الوفاء بما وعده ، ومنهم من قال : مقتصد أي : مقتصد في القول لا يسرف ، ومنهم من يسرف .
وقوله : ( ^ وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ) الختر : هو أشد الغدر .
قال الشاعر :
( فإنك لو رأيت أبا عمير ** ملأت يديك من ختر وغد ) < < لقمان : ( 33 ) يا أيها الناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ) أي :
____________________

( ^ والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ( 33 ) إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في لأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ( 34 ) ) * * * * * * لا يغني والد عن ولده ، قال ابن عباس : كل امرء تهمه نفسه .
وقوله : ( ^ ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ) أي : مغني عن والده شيئا .
وقوله : ( ^ إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) يعني : الشيطان ، وتغريره للإنسان هو تزيينه للمعاصي وتمنيه المغفرة من الله ، وعبر عنه بتزيينه له المعاصي وتمنيه المغفرة . وفي الخبر أن النبي قال : ' الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ( أي حاسب نفسه ) والفاجر من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله ( المغفرة ) ' . < < لقمان : ( 34 ) إن الله عنده . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ) الآية . في التفسير : أن رجلا من بني محارب بن خصفة أتى النبي وقال : يا محمد ، إن أرضنا أجدبت ، فمتى ينزل الغيث ؟ وإني تركت امرأتي حبلى ، فماذا تلد ؟ وقد علمت ما أعمل اليوم ، فماذا أعمل غدا ؟ وأخبرني أنى بأي أرض أموت ؟ وأخبرني متى الساعة ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى آخرها .
وقد روينا برواية أبي هريرة أن النبي قال : ' مفاتيح الغيب خمسة ، وقرأ هذه الآية إلى آخرها ' . وهو خبر مشهور .
وقوله : ( ^ [ ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ] وما تدري نفس بأي أرض تموت ) يقال معناه : على أي قدم تموت . فإنه ما من قدم يرفعها ويضعها إلا ويجوز أن تموت قبل ذلك ( ^ بأي أرض تموت ) أي : على أي صفة تموت من الشقاوة والسعادة .
وقوله : ( ^ إن الله عليم خبير ) ظاهر المعنى .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ الم ( 1 ) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ( 2 ) أم يقولون افتراه بل هو ) * * * * <
> تفسير سورة السجدة <
>
وهي مكية إلا ثلاث آيات نزلت في علي رضي الله عنه سنذكرها .
وقد روى جابر أن النبي كان لا ينام كل ليلة حتى يقرأ . ' الم تنزيل ' السجدة ، و ' تبارك الذي بيده الملك ' .
وقد ثبت أن النبي كان يقرأ في صلاة الصبح من يوم الجمعة سورة السجدة ، وسورة ' هل أتى ' . < < السجدة : ( 1 - 2 ) الم > >
قوله تعالى : ( ^ الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) أي : لا شك فيه ، والريب : هو الشك ، وقد بينا من قبل < < السجدة : ( 3 ) أم يقولون افتراه . . . . . > > قوله : ( ^ أم يقولون افتراه ) معناه : بل يقولون افتراه ، قال الشاعر في أم بمعنى : بل :
( كذبتك عينك أم رأيت بواسط ** غلس الظلام على الرباب جبالا )
____________________

( ^ الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ( 3 ) الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ( 4 ) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه ) * * * * معناه : بل رأيت .
وقوله : ( ^ بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم [ من نذير من قبلك ] )
ما ها هنا بمعنى النفي ، ومعناه : لتنذر قوما لم [ يشاهدوا ] وآباؤهم قبلك نبيا ، فإن قيل : إذا لم يشاهدوا نبيا ولم ينذروا ، كيف يستجوبوا النار بترك الإيمان ؟ والجواب : أنه لزمهم الإيمان بالله بإرسال الرسل الذين كانوا من قبل ، وقد سمعوا ذلك .
وقال بعضهم : إن إسماعيل كان نبيا إلى العرب ، وقد تركوا دينه ، ويقال : إنهم تركوا دين إبراهيم صلوات الله عليه .
وقوله : ( ^ لعلهم يهتدون ) أي : يرشدون . < < السجدة : ( 4 ) الله الذي خلق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ) قد بينا ، وعن الحسن أنه قال : هو يوم من أيام الدنيا . فإن قال قائل : حين خلق الله السموات والأرض لم يكن نهارا ولا ليلا ، فكيف يستقيم هذا الكلام ؟ والجواب : أن معناه : بقدر ستة أيام من أيام الدنيا .
وقوله : ( ^ ثم استوى على العرش ) قد بينا .
وقوله : ( ^ ما لكم من دونه ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ) معناه : أفلا تتعظون . < < السجدة : ( 5 ) يدبر الأمر من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ) أي : يحكم ويقضي الأمر من السماء إلى الأرض .
____________________


( ^ في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( 5 ) ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز ) * * * *
وقوله : ( ^ ثم يعرج إليه ) ثم فيه قولان : أحدهما : ثم يعرج الملك إليه بعد نزوله بالأمر . والقول الثاني : ثم يعرج إليه أي : يعرج الأمر إليه ، ومعنى عروج الأمر إليه : صيرورة الأمر كله إليه ، وسقوط أمر الخلق كلهم .
وقوله : ( ^ في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) هذه الآية تعد مشكلة ، ووجه الإشكال : أن الله تعالى قال في آية أخرى : ( ^ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال مجاهد : ( ^ في يوم كان مقداره ألف سنة ) معناه : أن من السماء إلى الأرض إذا نزل الملك خمسمائة سنة ، وإذا صعد خمسمائة سنة فيكون ألف سنة .
وأما قوله : ( ^ خمسين ألف سنة ) هو من قرار الأرض إلى العرش . وقال بعضهم : خمسين ألف سنة ، وألف سنة كلها في القيامة ، فيكون يوم القيامة على بعضهم ألف سنة ، وعلى بعضهم خمسين ألف سنة ، واليوم واحد .
وفي بعض الأخبار : ' أن الله تعالى يقصره على المؤمن حتى يكون كما بين صلاتين ' .
وقال بعضهم : يعرج بعض الأملاك في مقدار ألف سنة ، ويعرج بعض الأملاك في مقدار خمسين ألف سنة ، والله أعلم . < < السجدة : ( 6 ) ذلك عالم الغيب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ذلك عالم الغيب والشهادة ) أي : ما غاب عن العباد ، وما لم يغب
____________________


( ^ الرحيم ( 6 ) الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ( 7 ) ثم جعل نسله من سلاسة من ماء مهين ( 8 ) ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ( 9 ) وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق ) * * * * عنهم ، ويقال : الغيب ما في الآخرة ، والشهادة ما في الدنيا .
وقوله : ( ^ العزيز الرحيم ) أي : المنيع في ملكه ، الرحيم بخلقه . < < السجدة : ( 7 ) الذي أحسن كل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الذي أحسن كل شيء خلقه ) وقرئ : ' خلقه ' بفتح اللام ، فمن قرأ : ' خلقه ' أي : أحسن خلق كل شيء ، ومن قرأ : ' خلقه ' معناه : حسن كل شيء خلقه . قال ابن عباس : ( ^ أحسن كل شيء خلقه ) أي : أتقن وأحكم . وقيل : أما إن است القرد ليس بحسن ، ولكنه محكم ، وقيل : خلق البهائم على صورة البهائم ، والآدميين على صورة الآدميين ، ولم يخلق الآدميين على صورة البهائم ، ولا البهائم على صورة الآدميين ، فكل حيوان كامل حسن في خلقته ، وهذا معنى قول الحكماء الذين مضوا : كل حيوان كامل في نقصانه ؛ يعني : أنه لو قوبل بغيره كان ناقصا ، وهو في نفسه وأداته كامل . وذكر بعضهم في معنى الآية : طول رجل البهيمة ، وطول عنق الطائر ؛ ليصل كل واحد منهما إلى معاشه .
وقوله : ( ^ وبدا خلق الإنسان من طين ) أي : آدم وذريته . < < السجدة : ( 8 ) ثم جعل نسله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ) قد بينا معنى السلالة . وقوله : ( ^ من ماء مهين ) أي : ضعيف . < < السجدة : ( 9 ) ثم سواه ونفخ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ثم سواه ونفخ فيه من روحه ) قد ذكرنا .
وقوله : ( ^ وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) أي : الأسماع والأبصار والأفئدة .
وقوله : ( ^ قليلا ما تشكرون ) أي : قليلا تشكرون . < < السجدة : ( 10 ) وقالوا أئذا ضللنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقالوا أئذا ضللنا في الأرض ) أي : هلكنا في الأرض ، يقال : ضل
____________________


( ^ جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون ( 10 ) قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم ) * * * * اللبن في الماء أي : هلك ، ويقال : بلينا وصرنا ترابا ، وقرئ في الشاذ : ' صللنا ' بالصاد غير معجمة . أي : تغيرنا ، يقال : صل اللحم إذا أنتن .
وقوله : ( ^ أئنا لفي خلق جديد ) أي : نرجع أحياء بعد ما متنا ، وقالوا هذا على طريق الجحد والإنكار .
وقوله : ( ^ بل هم بلقاء ربهم كافرون ) أي : بالبعث بعد الموت جاحدون . < < السجدة : ( 11 ) قل يتوفاكم ملك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) ملك الموت هو عزرائيل ، وقيل : يتوفاكم بنفسه ، ويقال : بأعوانه . وفي بعض الأخبار : أن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض ، فينزع أعوانه روح الإنسان فإذا بلغ ثغرة نحره قبضه ملك الموت . وروى أن الدنيا عند ملك الموت كطست بين رجلي إنسان .
وعن أنس رضي الله عنه أنه قال : لقي جبريل ملك الموت ببحر فارس ، فقال : يا ملك الموت ، كيف تقبض أرواح الناس إذا وقع الوباء ، فيموت من هذا الجانب عشرة آلاف ، ومن هذا الجانب عشرة آلاف ؟ فقال : تزوي الأرض بين عيني فألتقطهم التقاطا .
وروى جعفر بن محمد عن أبيه : ' أن النبي دخل على رجل من الأنصار يعوده ، فرأى ملك الموت عند رأسه ، فقتال له : ارفق بهذا الرجل من أصحابي ، فقال : طب نفسا وقر عينا ، فإني بكل مؤمن رفيق ، ثم قال : يا محمد ، والذي نفسي بيده لو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت عليه حتى يأمر الله بقبضه ، وإني أتصفح وجوه الناس كل يوم خمس مرات ' والخبر غريب .
____________________


( ^ إلى ربكم ترجعون ( 11 ) ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ( 12 ) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( 13 ) فذوقوا بما نسيتم ) * * * *
وفي بعض المسانيد برواية أنس أن النبي قال : ' الأمراض والأوجاع رسل الموت ، فإذا قبض ملك الموت روح عبد ، فتصارخوا عليه قال : ماذا تصرخون ؟ والله ما نقصت له رزقا ، ولا قدمت له أجلا ، ولا ظلمت منكم أحدا ، وإنما دعاه الله فأجابه ، فليبك كل امرئ على نفسه ، وإن لي إليكم عودات ثم عودات حتى لا أبقى منكم أحدا ' والخبر من الغرائب أيضا .
وأما التوفي فهو استيفاء العدد ، ومعناه : أنه يقبض أرواحهم حتى لا يبقى أحد من العدد الذي كتب موتهم ، قال الشاعر :
( إن بنى الأدرم ليسوا من أحد ** ولا توفيهم قريش من عدد )
يعني : ما استوفاهم قريش من عددهم .
وقوله : ( ^ ثم إلى ربكم ترجعون ) أي : تصيرون . < < السجدة : ( 12 ) ولو ترى إذ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم ) معناه : ولو ترى المجرمين ناكسين رءوسهم من فرط الندم وشدة الوجل ، وفي الآية حذف ، والمحذوف هو : أنك لو ترى المجرمين ناكسين رءوسهم عند ربهم لرأيت ما يعتبر به .
وقوله : ( ^ ربنا أبصرنا وسمعنا ) أي : قائلين ربنا أبصرنا وسمعنا أي : أبصرنا صدق وعيدك ، وسمعنا منك تصديق رسلك . قال قتادة : أبصروا حين لم ينفعهم البصر . وسمعوا حين لم ينفعهم السمع . ويقال : أبصرنا معاصينا ، وسمعنا ما قيل فينا .
وقوله : ( ^ فارجعنا نعمل صالحا ) أي : ردنا نعمل صالحا .
وقوله : ( ^ إنا موقنون ) أي : مصدقون بالبعث . < < السجدة : ( 13 ) ولو شئنا لآتينا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) أي : هدايتها ، ومعناه : لو شئنا
____________________


( ^ لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ( 14 ) إنما يؤمن ) * * * * لأدخلناهم في الإيمان .
وقوله : ( ^ ولكن حق القول مني ) أي : وجب القول مني ، ويقال : سبق القول مني . قال الشاعر :
( فإن تكن العتبى فأهلا ومرحبا ** وحقت لك العتبى لدينا وقلت )
وقوله : ( ^ لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) ،
وقوله : ( ^ الجنة ) هم الجن ، والجآن : أب الجن ، كآدم أب ( الإنس ) .
ورفع خارجة خبرا إلى النبي ' أنه سئل هل يدخل مؤمنو الجن الجنة ؟ فقال : نعم . قيل : هل يصيبون من نعيمها ؟ قال : يلهمهم الله تسبيحة وذكره ، فيصيبون من لدنه ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة ' حكاه النقاش في تفسيره .
وقد ثبت عن النبي أنه قال : ' تحاجت الجنة والنار ؛ فقالت النار : أوثرت بالجبابرة والمتكبرين ، وقالت الجنة : ما بالي يدخلني سفلة الناس وسقطهم وفي رواية : ضعفاء الناس ومساكينهم ، وهو الأشهر فقال الله تعالى للجنة : أنت رحمتي ، أرحم بك من شئت ، وقال للنار : أنت عذابي ، أعذب بك من شئت ، ولكل واحدة منكما ملؤها ' . < < السجدة : ( 14 ) فذوقوا بما نسيتم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ) أي : بما تركتم من التصديق بلقاء يومكم هذا .
وقوله : ( ^ إنا نسيناكم ) أي تركناكم من الخير والرحمة ، وقيل : تركناكم في العذاب .
وقوله : ( ^ وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ) أي : العذاب الدائم جزاء على
____________________


( ^ بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ( 15 ) تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ( 16 ) ) * * * * عملكم . وحكى عن قتادة أنه قال في قوله : ( ^ ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) أي : بذنوبهم . قال الأزهري : وهو كما قال . < < السجدة : ( 15 ) إنما يؤمن بآياتنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها ) أي : إذا دعوا إلى الصلوات الخمس أجابوا إليها ، حكاه أبو معاذ النحوي ، ويقال : إذا وعظوا بآيات الله اتعظوا .
وقوله : ( ^ خروا سجدا ) أي : وقعوا سجدا ، والخرور في اللغة : هو السقوط ، وعن حكيم بن حزام قال : ' بايعت رسول الله أن لا أخر إلا قائما ' أي : لا أموت إلا وأنا ثابت على الإسلام ، وقوله : ( ^ وسبحوا بحمد ربهم ) أي : وصلوا بأمر ربهم .
ويقال : سبحوا [ الله ] وحمدوه .
وقوله : ( ^ وهم لا يستكبرون ) أي : لا يتكبرون ، ويقال : من سجد لله فقد طرح التكبر عن رأسه ، وفي بعض الأخبار : من سجد لله سجدة رفعه الله بها درجة . < < السجدة : ( 16 ) تتجافى جنوبهم عن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ تتجافى جنوبهم ) أي : تنبوا وترتفعوا ، ومعناه : أنهم يتركون المضاجع ويقومون إلى الصلاة ، قال حسان بن ثابت :
( يبيت يجافي جنبه عن فراشه ** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع )
واختلف القول في هذه الآية ، فروى عن عطاء أنه قال : كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة ، فانزل الله هذه الآية .
وعن الحسن وقتادة قالا : هو الصلاة بين المغرب والعشاء .
وقال الضحاك : إذا استيقظوا ذكروا الله وسبحوه .
وعن أبي الدرداء وأبي ذر وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم أنهم قالوا : هو
____________________


( ^ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ( 17 ) أفمن كان ) * * * * صلاة العشاء الآخرة والفجر في جماعة .
وأشهر الأقاويل : أن المراد منه صلاة الليل ، قاله مجاهد ومالك والأوزاعي وجماعة .
وعن النبي أنه قال : ' عليكم بصلاة الليل ، فإنها دأب الصالحين قبلكم ' .
وقد ثبت عن النبي أنه قال في عبد الله بن عمر : نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي بالليل ، فلم يترك بعد ذلك صلاة الليل حتى توفاه الله تعالى ' .
وفي حديث معاذ بن جبل أن النبي قال : ' الصوم جنة ، والصدقة تكفر الخطيئة ، والصلاة جوف الليل ، ثم قرأ قوله تعالى : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) ' .
وقوله : ( ^ يدعون ربهم خوفا وطمعا ) أي : خوفا من النار ، وطمعا في الجنة .
وقوله : ( ^ ومما رزقناهم ينفقون ) يقال : إن المراد منها الزكاة المفروضة ، ويقال : الصدقة والتطوع .
____________________


( ^ مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ( 18 ) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات ) * * * * < < السجدة : ( 17 ) فلا تعلم نفس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) وقرئ : ' قرات أعين ' .
وقد ثبت عن النبي برواية أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن ابي هريرة أن النبي قال : ' يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فاقرءوا إن شئتم قوله تعالى : ( ^ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ) ' .
قال الشيخ الإمام : أخبرنا بهذا بالحديث أبو علي الشافعي ، أخبرنا أبو الحسن بن [ فراس ] أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن المقرئ ، أخبرنا جدي محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد . . الخبر .
وقوله : ( ^ من قرة أعين ) أي : ما تقر به أعينهم ، وحكى النقاش في تفسيره عن موسى بن يسار قال : يمكث المؤمن في الجنة مع زوجته حينا ، فتطلع عليه أخرى ، فتقول له : أما آن يكون لنا منك دولة ؟ فيقول لها : من أنت ؟ فتقول : أنا من الذين قال الله تعالى : ( ^ فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين ) فينتقل إليها ويمكث معها حينا ، فتشرف عليه أخرى ، وتقول مثل ما قالت الأولى ، فيقول لها : من أنت ؟ فتقول : أنا من الذين قال الله تعالى : ( ^ ولدينا مزيد ) .
وعن ابن سيرين قال : ما أخفي لهم من قرة أعين : هو النظر إلى الله تعالى . ( وعن بعضهم ) قال : أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم .
قال الحسن البصري : الخفية بالخفية ، والعلانية بالعلانية .
وقوله : ( ^ جزاء بما كانوا يعملون ) ظاهر المعنى .
____________________


( ^ المأوى نزلا بما كانوا يعملون ( 19 ) وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ( 20 ) ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ( 21 ) ومن أظلم ) * * * * < < السجدة : ( 18 ) أفمن كان مؤمنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ) أكثر المفسرين أن الآية نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وذكر بعضهم : عقبة ، والأصح هو الأول . قال الوليد : أنا أحد منك سنانا ، وأبسط منك لسانا ، وأملأ منك للكتيبة . فقال له علي : اسكت ، إنما انت فاسق ، فانزل الله تعالى هذه الآية . وقد بينا أن ثلاث آيات من هذه السورة نزلت بالمدينة ، وهي من هذه الآية إلى آخر الثلاث ، واستدل أهل الاعتزال بهذه الاية في القول بالمنزلة بين المنزلتين ، وأن الفاسق لا يكون مؤمنا ، والدليل عليهم ظاهر . وأما الفاسق ها هنا بمعنى الكافر . وقال بعضهم : سماه فاسقا على موافقة قول علي رضي الله عنه وقيل : إن الآية على العموم .
قوله تعالى : ( ^ لا يستوون ) أي : لا يستوون في الدنيا والآخرة . < < السجدة : ( 19 ) أما الذين آمنوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون ) أي : عطاء بما كانوا يعملون ، وجنات المأوى هي الجنات التي يأوي المؤمنون إليها . < < السجدة : ( 20 ) وأما الذين فسقوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأما الذين فسقوا فمأواهم النار ) أي : [ يأوون ] إلى النار ، ويأوون : ينقلبون .
وقوله : ( ^ كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ) في بعض التفاسير : أن لجهنم ساحلا كساحل البحر ، فيخرج الكفار إليه فتحمل عليهم حيات لها أنياب كالنخيل ، فيرجعون إلى النار ويستغيثون بها .
وقوله : ( ^ وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ) والأثر الذي ذكرناه أورده أبو الحسين بن فارس في تفسيره .
____________________


( ^ ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون ( 22 ) ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل ( 23 ) وجعلنا منهم أئمة ) * * * * < < السجدة : ( 21 ) ولنذيقنهم من العذاب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ) قال ابن مسعود : هو الجوع الذي أصاب الكفار حتى أكلوا الميتات والجيف ، وذلك بما دعا عليهم رسول الله من السنين ، وعن ابن عباس قال : هو القتل ببدر ، وعن جماعة من التابعين أنهم قالوا : هو المصائب . وعن بعضهم : هو الحدود ، وعن جعفر بن محمد : العذاب الأدنى هو غلاء السعر ، والعذاب الأكبر هو خروج المهدي بالسيف . وعلى أقوال من ذكرنا من قبل العذاب الأكبر : يوم القيامة ، ونعوذ بالله منها .
وقوله : ( ^ دون العذاب الكبر ) أي : سوى العذاب الأكبر .
وقوله : ( ^ لعلهم يرجعون ) أي : يرجعون عن الكفر . < < السجدة : ( 22 ) ومن أظلم ممن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ) أي : وعظ بآيات ربه ، وآيات ربه هو القرآن .
وقوله : ( ^ ثم أعرض عنها إنا من لمجرمين منتقمون ) روى معاذ أن النبي قال : ' ثلاث من فعلهن فهو مجرم ، من عقد لواء بغير حق فهو مجرم ومن مشى مع ظالم لينصره فهو مجرم ، ومن عق والديه فهو مجرم ، ثم قرأ قوله تعالى : ( ^ إنا من المجرمين منتقمون ) ' . < < السجدة : ( 23 ) ولقد آتينا موسى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد آتينا موسى الكتاب ) أي : التوراة .
وقوله : ( ^ فلا تكن في مرية من لقائه ) أي : في شك في لقائه ، وفي معناه أقاويل :
____________________


( ^ يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ( 24 ) إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( 25 ) أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون ) * * * * أحدها : ما روى أبو صالح عن ابن عباس أن معناه : فلا تكن في شك من لقائك موسى ، وقد كان لقيه ليلة الإسراء . وفي الخبر ان النبي قال : ' رأيت موسى آدم طوالا جعد الشعر كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى رجلا ربعة إلى الحمرة سبط الشعر . . . ' والخبر طويل . والقول الثاني : فلا تكن في مرية من لقائه أي : من لقاء موسى الكتاب ، ولقاء موسى الكتاب : تلقيه بالقبول ، ذكره الزجاج وغيره ، والقول الثالث : فلا تكن في مرية من لقاء موسى ربه ، حكاه النقاش ، وفي الآية قول رابع : وهو أن معناه على التقديم والتأخير كأنه قال : ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل .
وقوله : ( ^ فلا تكن في مرية من لقائه ) راجع إلى ما سبق من قوله تعالى : ( ^ ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر ) ومعناه : فلا تكن في مرية من لقاء يوم العذاب ، والله أعلم . ( ^ وجعلناه هدى لبني إسرائيل ) يقال : إنه راجع إلى موسى ، ويقال : راجع إلى الكتاب . < < السجدة : ( 24 ) وجعلنا منهم أئمة . . . . . > >
وقوله : ( ^ وجعلنا منهم أئمة ) أي : قادة إلى الخير ، وقال بعضهم : هم الأنبياء ، وقال بعضهم : أتباع الأنبياء .
وقوله : ( ^ يهدون بأمرنا لما صبروا ) أي : يرشدون بوحينا لما صبروا ، وقرئ ' لما صبروا ' أي : عن المعاصي ، وقيل : عن شهوات الدنيا .
وقوله : ( ^ وكانوا بآياتنا يوقنون ) أي : يصدقون . < < السجدة : ( 25 ) إن ربك هو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة ) أي : يحكم بينهم حكم الفصل .
وقوله : ( ^ فيما كانوا فيه يختلفون ) ظاهر المعنى .
____________________


( ^ يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ( 26 ) أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ( 27 ) ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ( 28 ) قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا ) * * * * < < السجدة : ( 26 ) أولم يهد لهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو لم يهد لهم ) معناه : أو لم يبين لهم محمد ؟ وقيل : الكتاب ، وقرئ : ' أو لم نهد لهم ' أي : نبين لهم .
وقوله : ( ^ كما أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ) أي : يمشي أهل مكة في مساكنهم .
وقوله : ( ^ إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون ) أي : سماع قبول . < < السجدة : ( 27 ) أولم يروا أنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ) أي : اليابس الذي لا ينبت شيئا ، قال ابن عباس : هو ارض باليمن ، وقال مجاهد : بأندلس ، ويقال : الأرض الجرز هو الذي أكل زرعها ولم يبق فيها شيء .
وقوله : ( ^ فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم ) يعني : من العشب والتبن .
وقوله : ( ^ وأنفسهم ) من الحنطة والشعير وسائر الأقوات .
وقوله : ( ^ أفلا يبصرون ) ظاهر المعنى . < < السجدة : ( 28 ) ويقولون متى هذا . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ ويقولون متى هذا الفتح عن كنتم صادقين ) فيه أقوال : أحدهما : أن الفتح هو فتح مكة . والآخر : أنه القتل بالسيف . والثالث : هو يوم القيامة . والرابع : هو قضاء الله بين العباد . < < السجدة : ( 29 ) قل يوم الفتح . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ) يعني : يوم القيامة . ومن حمل الفتح على فتح مكة أو القتل بالسيف يوم بدر ، فقال : معنى قوله : ( ^ لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ) ، أي : بعد الموت .
وقوله : ( ^ ولا هم ينظرون ) أي : يمهلون ليتوبوا أو يعتذروا ، وقد كانوا يمهلون في
____________________


( ^ إيمانهم ولا هم ينظرون ( 29 ) فاعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ( 30 ) . * * * * الدنيا ليتوبوا أو يعتذروا . < < السجدة : ( 30 ) فأعرض عنهم وانتظر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأعرض عنهم ) هذه الآية قبل آية السيف ، وقد نسختها آية السيف ، ويقال : فأعرض عن أذاهم وإن أذوك .
وقوله : ( ^ وانتظر إنهم منتظرون ) أي : وانتظر عذابهم ووعيدنا فيهم فإنهم منتظرون . كذلك فإن قيل : كيف قال : ( ^ إنهم منتظرون ) العذاب ، وما كانوا آمنوا بالعذاب ؟ والجواب : لما كان الله تعالى وعدهم بالعذاب ، وكان ذلك واصلا إليهم لا محالة ؛ سماهم : منتظرين على مجاز الكلام ، ويقال : فإنهم منتظرون : أي موتك وحوادث الدهر لك ؛ ليستريحوا منك .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
>
( ^ يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما ( 1 ) واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا ( 2 ) وتوكل على الله ) * * * * <
> تفسير سورة الأحزاب <
>
وهي مدنية في قول الجميع < < الأحزاب : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . . > >
( ^ يا أيها النبي اتق الله ) فيه أقوال : أحدها : ( أي ) دم على التقوى ، كالرجل يقول لغيره وهو قائم قم ها هنا أي : اثبت قائما ، والقول الثاني : أن الخطاب مع الرسول ، والمراد أمته .
وقيل أيضا في الآية : ( ^ اتق الله ) أي : استكثر من أسباب التقوى ، والتقوى : هي العمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله ، وترك معصية الله خوف عذاب الله على نور من الله ، وفي الآية قول رابع : وهو ما روي أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا المدينة في مدة الهدنة ، وطلبوا من رسول الله أشياء كريهة ؛ فهم رسول الله والمسلمون أن يقتلوهم ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( ^ يا أيها النبي اتق الله ) يعني : لا تنقض العهد الذي بينك وبينهم ، ذكره الضحاك .
وقوله : ( ^ ولا تطع الكافرين والمنافقين ) أى : الكافرين من أهل مكة ، والمنافقين من أهل المدينة .
وقوله : ( ^ إن الله كان عليما حكيما ) أي : عليما بخلقه قبل أن يخلقهم ، حكيما فيما دبره لهم . < < الأحزاب : ( 2 ) واتبع ما يوحى . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ واتبع ما يوحى إليك من ربك ) أي : من القرآن .
وقوله : ( ^ إن الله كان بما تعملون خبيرا ) أي : خبيرا بأعمالكم . < < الأحزاب : ( 3 ) وتوكل على الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وتوكل على الله ) أي : ثق بالله .
____________________


( ^ وكفى بالله وكيلا ( 3 ) ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم ) * * * *
وقوله : ( ^ وكفى بالله وكيلا ) أي : وكفى بالله حافظا لك ، ويقال : وكفى بالله كفيلا يرزقك . < < الأحزاب : ( 4 ) ما جعل الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) في الآية أقوال : أحدها : ما ذكر السدي وغيره : أن رجلا كان يقال له : جميل بن معمر والأصح أبو معمر جميل ابن أسد ، وكان أهل الجاهلية يسمونه ذا القلبين لشدة ذكائه وفطنته ، فلما هزم الله تعالى المشركين يوم بدر فكان هو معهم انهزم أيضا ؛ فلقيه أبو سفيان وإحدى نعليه في رجله والأخرى قد علق بيده . فقال له : ما شأن الناس ؟ قال : هزموا . فقال : ما شأن نعلك بيدك ؟ فقال : ما علمت إلا أنها في رجلي ؛ فعلموا أنه ليس له إلا قلب واحد ، وأنزل الله تعالى هذه الآية .
والقول الثاني : أن المنافقين كانوا يقولون : لمحمد قلبان ؛ قلب معكم ، وقلب مع أصحابه ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية وأخبر أنه ليس له إلا قلب واحد .
والقول الثالث : ما روي عن الحسن البصري أنه قال : كان الواحد منهم يقول : إن لي نفسا تأمرني بالخير ، ونفسا تأمرني بالشر ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأخبر أنه ليس لأحد إلا نفس واحدة وقلب واحد ، وإنما الأمر بالخير بإلهام الله ، والأمر بالشر بإلهام الشيطان .
والقول الرابع : ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه أي : ما جعل لرجل أبوين ، وقد احتج به الشافعي في مسألة القائفة ، وقال هذا : لأن زيد بن حارثة كان ينسب إلى النبي بالنبوة ، فقال الله تعالى : ( ^ ما جعل الله لرجل ) أبوين أي : هو ابن حارثة ، وليس بابن النبي .
وقوله : ( ^ وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ) والظهار هو أن يقول الرجل لزوجته : أنت علي كظهر أمي ، وقد كانوا يعدونه طلاقا ، فإن قيل : كيف
____________________


( ^ والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( 4 ) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ) * * * * وجه الجمع بين هذا وبين ما سبق ؟ والجواب عنه : أن معناه ليس الأمر كما زعمتم من اجتماع قلبين لرجل أو أبوين ، ولا كما زعمتم من أن المرأة تصير كالأم بالظهار . وأما معنى الظهار وحكمه فسنذكر في سورة المجادلة .
وقوله : ( ^ وما جعل أدعياءكم أبناءكم ) في الآية نسخ التبني ، وقد كان الرجل في الجاهلية يتبنى الرجل ويجعله ابنا له مثل الابن المولود ، وعلى ذلك تبنى رسول الله زيد بن حارثة ، فنسخ الله تعالى ذلك .
وقوله : ( ^ ذلكم قولكم بأفواهكم ) أي : هو قول لا حقيقة له .
وقوله : ( ^ والله يقول الحق ) أي : قوله الحق بما نهى من التبني .
وقوله : ( ^ وهو يهدي السبيل ) أي : يرشد إلى طريق الحق . < < الأحزاب : ( 5 ) ادعوهم لآبائهم هو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ادعوهم لآبائهم ) قد ثبت برواية موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن ابن عمر أنه قال : ' ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى أنزل الله تعالى : ( ^ ادعوهم لآبائهم ) ' .
قال الشيخ الإمام : أخبرنا بذلك مكي بن عبد الرزاق ، أخبرنا أبو الهيثم ، أخبرنا الفربري ، أخبرنا البخاري أخبرنا معلى بن أسد ، عن عبد العزيز بن المختار عن موسى ابن عقبة . . الحديث .
وقوله : ( ^ هو أقسط عند الله ) أي : أعدل عند الله .
وقوله : ( ^ فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ) أي : سموهم بأسماء إخوانكم في الدين ، وذلك مثل ، عبد الله ، وعبد الكريم ، وعبد الرحمن ، وعبد العزيز ، وأشباه ذلك .
____________________


( ^ ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ( 5 ) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين ) * * * *
وقوله : ( ^ ومواليكم ) هذا قول الرجل للرجل : أنا أخوك ومولاك ، أو يقول : أنا أخوك ووليك ، ويقال : إخوانكم في الدين من كانوا في الأصل أحرارا ومواليكم من أعتقوا ، ويقال : مواليكم من أسلم على أيديكم .
وقوله : ( ^ وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ) الخطأ في هذا أن يقول لغيره : يا بن فلان ، وهو يظن أنه ابنه ، ثم يتبين أنه ليس بابنه .
والقول الثاني : الخطأ ها هنا هو ما فعلوا قبل النهي ، والتعمد ما فعلوه بعد النهي .
وقوله : ( ^ وكان الله غفورا رحيما ) أي : ستورا عطوفا . < < الأحزاب : ( 6 ) النبي أولى بالمؤمنين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) أي : من بعضهم ببعض .
وقد ثبت أن النبي قال : ' أنا أولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه ، فمن ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي ' .
وفي الآية قول آخر : وهو أن معناه : أن الرسول إذا دعاه إلى شيء ، ونفسه دعته إلى شيء ، فيتبع الرسول ولا يتبع النفس ، والقول الثالث : هو ما روي أن النبي كان يخرج إلى الجهاد ، فيقول قوم : يا رسول الله ، نذهب فنستأذن من آبائنا وأمهاتنا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وقوله : ( ^ وأزواجه أمهاتهم ) أي : في الحرمة خاصة دون النظر إليهن والدخول عليهن ، وفي قراءة ابن مسعود وأبي : ' وأزواجه امهاتهم وهو أب لهم ' .
____________________


( ^ والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا ( 6 ) ) * * * *
واختلفوا في المرأة التي فارقها النبي قبل الوفاة على ثلاثة أوجه : فأحد الوجوه : أنها محرمة أيضا ، والوجه الآخر : أنها ليست بمحرمة ، والوجه الثالث : أنها إن كان دخل بها فهي محرمة ، وإن لم يكن دخل بها فليست بمحرمة .
واختلف الوجه أيضا في أنهن هل يكن أمهات المؤمنات ، فأحد الوجهين أنهن أمهات المؤمنات كما أنهن أمهات المؤمنين ، والوجه الآخر : انهن أمهات الرجال دون النساء ، وروى أن امرأة قالت لعائشة : يا أماه ، فقالت : أنا أم رجالكم دون نسائك .
وأما أخوة أزواج النبي فليسوا بأخوال المؤمنين ، وكذلك أخوات أزواج النبي لستن خالات المؤمنين .
وقد روى أنه كانت عند الزبير أسماء بنت أبي بكر ، فقالت الصحابة : عند الزبير أخت أم المؤمنين ، ولم يقولوا : عنده خالة المؤمنين .
وقوله : ( ^ وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) أي : أولى بعضهم ببعض ميراثا في حكم الله ، وقد كانوا يتوارثون بالهجرة ، فنسخ الله تعالى ذلك إلى التوارث بالقرابة . وروى أن النبي آخى بين المهاجرين والأنصار ، وكان يرث بعضهم بعضا ' ، ثم نسخ ذلك .
وقوله : ( ^ من المؤمنين والمهاجرين ) دليل على أن المؤمنين لا يرث الكافر ، والكافر لا يرث المؤمن .
وقوله : ( ^ والمهاجرين ) دليل على أن المهاجر لا يرث من غير المهاجرين ، ولا غير المهاجر من المهاجر .
وقوله : ( ^ إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) فيه قولان : أحدهما : إلا أن توصوا وصية لغير الأقرباء الذين هم أهل دينكم ، وحقيقة المعنى : أنه نسخ ميراثهم ، وأبقى جواز الوصية ، والقول الثاني : أن المراد من الآية هو الوصية للكفار ، فالمعنى على
____________________


( ^ وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( 7 ) ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا ) * * * * هذا : أن الكفار لا يرثون المسلمين ، ولو أوصى لهم جاز .
وقوله : ( ^ كان ذلك في الكتاب مسطورا ) أي : في اللوح المحفوظ ، ويقال : في القرآن وسائر كتب الله . < < الأحزاب : ( 7 ) وإذ أخذنا من . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ) الميثاق : العهد الغليظ ، وأشد العهد هو التحليف بالله .
وقوله : ( ^ ومنك ومن نوح ) اختلف القول في تقديم النبي ، فأحد القولين : ما رواه أبو هريرة عن النبي أنه قال : ' أنا أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا ' .
وعن قتادة قال : بدأ به في الخلق ، وختم به في البعث ، والقول الثاني : أن الواو توجب الجمع ، ولا توجب تقديما ولا تأخيرا ، فكأنه قال : أخذنا من هؤلاء النبيين ميثاقهم ، وخص هؤلاء لأنهم كانوا أصحاب الشرائع وهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى [ ابن مريم ] ، ومحمد . وأما معنى الميثاق : قال أهل التفسير : أخذ عليهم أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادة الله ، ويصدق بعضهم بعضا ، وينصحوا الناس ، ويقال : أخذ على نوح أن يبشر بإبراهيم ، وعلى إبراهيم أن يبشر بموسى ، [ وعلى موسى أن يبشر بعيسى ] ، وهكذا إلى محمد .
وقوله : ( ^ وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ) قد بينا من قبل .
وروى عن أبي بن كعب أنه قال : أخذ ذرية آدم من ظهر آدم ، والنبيون فيهم ،
____________________


( ^ أليما ( 8 ) يا أيها وا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم ) * * * * كأنهم سرج تزهو ، وأخذ عليهم الميثاق . وعن بعضهم : خلق الأرواح قبل الأجساد ، وأخذ الميثاق على الأرواح . < < الأحزاب : ( 8 ) ليسأل الصادقين عن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ليسأل الصادقين عن صدقهم ) أي : ليسأل النبيين عن تبليغهم الرسالة ، فإن قال قائل : وأي حكمة في سؤالهم عن تبليغ الرسالة ؟ والجواب عنه : الحكمة في ذلك تبكيت الذين أرسلوا إليهم ، وعلى هذا المعنى قوله تعالى : ( ^ وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) .
ويقال : ليسأل الصادقين عن عملهم لله ، وقيل : ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم في قلوبهم .
وقوله : ( ^ وأعد للكافرين عذابا أليما ) قد تم الكلام الأول ، وهذا ابتداء كلام ، ومعناه معلوم . < < الأحزاب : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ) أى : منة الله عليكم .
وقوله : ( ^ إذ جاءتكم جنود ) المراد من الجنود هم الأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله وهم : قريش عليهم أبو سفيان ، وأسد عليهم طليحة بن ( خويلد ) ، وغطفان عليهم عيينة بن حصن ، وكانت عدتهم بلغت اثني عشر ألفا ، ( ورئيس الجماعة ) أبو سفيان ، وقصدوا استئصال النبي وأصحابه ، ودخل يهود قريظة معهم وأمرهم معهم ، ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين النبي في قصة طويلة ؛ فلما بلغ النبي أمرهم حفر الخندق حول المدينة ، [ وهذه هي ] غزوة الخندق وجمع الأحزاب .
____________________


( ^ تروها وكان الله بما تعملون بصيرا ( 9 ) إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ( 10 ) هنالك ابتلي ) * * * *
وقوله : ( ^ فأرسلنا عليهم ريحا ) في التفسير : أن الله تعالى أرسل عليهم ريح الصبا حتى هزمتهم ، قال عليه الصلاة والسلام : ' نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد ، بالدبور ' . وكانت الريح تقلع فساطيطهم ، وتقلب قدورهم ، وتسف التراب في وجوههم ، وجالت خيلهم بعضا في بعض ؛ فانهزموا ومروا ، وكفى الله أمرهم .
وقوله : ( ^ وجنودا لم تروها ) أي : الملائكة .
وقوله : ( ^ وكان الله بما تعملون بصيرا ) ظاهر المعنى . < < الأحزاب : ( 10 ) إذ جاؤوكم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إذ جاءوكم من فوقكم ) في التفسير : أن الذين جاءوا من فوقهم هم أسد وغطفان .
وقوله : ( ^ ومن أسفل منكم ) هم قريش وكنانة . ويقال : الذين جاءوا من فوقهم قريظة ، ومن أسفل منكم قريش وغطفان .
وقوله : ( ^ وإذ زاغت الأبصار ) أي : شخصت الأبصار ، وفي العربية معنى زاغت : مالت ، فكأنها مالت شاخصة ، فهذا من الرعب والخوف .
وقوله : ( ^ وبلغت القلوب الحناجر ) أي : بنت عن أماكنها وارتفعت ، قال قتادة : لو وجدت مسلكها لخرجت من الحناجر ، ولكنها ضاقت عليها . والأصح من المعنى أن هذا على طريق التمثيل ، والعرب تقول : بلغ قلب فلان حنجرته ، أي : من الرعب والخوف والحنجرة حرف الحلقوم وهو كلمة عبارة عن شدة الفزع .
وقوله : ( ^ وتظنون بالله الظنونا ) أي : ودخلت الألف لموافقة ( أواخر ) الآيات في السورة .
____________________


( ^ المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ( 11 ) وإذ يقول المنافقون الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ( 12 ) وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم ) * * * *
قال الشاعر :
( أقلى اللوم عاذل والعتابا ** وقولي إن أصبت لقد أصابا )
أي : أقلى يا عاذلي اللوم والعتاب . < < الأحزاب : ( 11 ) هنالك ابتلي المؤمنون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هنالك ابتلى المؤمنون ) هنالك في اللغة للبعيد ، وهنا للقريب ، وهناك للوسط ، ومعنى هنالك ها هنا أي : عند ذلك ابتلي المؤمنون .
وقوله : ( ^ وزلزلوا زلزالا شديدا ) أي : حركوا حركة شديدة ، وقرئ : ' زلزالا ' بفتح الزاي ، والأشهر بكسر الزاي ' زلزالا ' ، وهو الأصح في العربية . ومن الأخبار المشهورة : أن رجلا قال لحذيفة رضي الله عنه : رأيت رسول الله وصحبته ، والله لو رأيناه حملناه على أعناقنا . فقال حذيفة : أخبرك أيها الرجل أنا كنا مع رسول الله في غزوة الخندق ، فبلغ بنا الجهد والجوع والخوف ما الله به أعلم ، فقال رسول الله من منكم يذهب فيأتي بخبر القوم ، والله يجعله رفيقي في الجنة ؟ فما أجابه منا أحد من شدة الأمر ، ثم قال ثانيا ، فما أجابه منا أحد ، ثم قال ثالثا ، فما أجابه منا أحد فقال : يا حذيفة ، فلم أستطع أن لا أجيب فجئته ، فقال : اذهب وأتنى بخبر القوم ، ولا تحدثن أمرا حتى تأتيني ، ودعاني فذهبت ، وأتيته بخبر القوم في قصة . . ' .
وإنما أراد حذيفة بهذه الرواية أن لا يتمنى ذلك الرجل ما لم يدركه ، فلعله لا يصبر على البلوى إن أدركته . < < الأحزاب : ( 12 ) وإذ يقول المنافقون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) اختلفوا في القائل لهذا القول ، قال بعضهم : هو أوس بن قيظي ، وقال
____________________

بعضهم : عبد الله بن أبي ، وقال بعضهم : معتب بن قشير ، وأما الوعد الذي سموه غرورا فهو ما روي ' أن النبي لما أمر بحفر الخندق قسم الحفر على أصحابه ، فوقع سلمان مع بني هاشم ، فجعل يحفر فبلغ صخرة لا يستطيع حفرها ، فأخذ رسول الله المعول من يده ، وضرب على الصخرة ضربة فاضاءت كالشهاب ، ثم كذلك في الثانية والثالثة ، فقال سلمان : يا رسول الله ، لقد رأيت عجبا ! فقال رسول الله : ولقد رأيتها ؟ قال نعم ، رأيت في الضربة الأولى قصور اليمن ، وفي الضربة الثانية المدائن البيض أي : قصر كسرى ، وفي الضربة الثالثة رأيت قصور الشام ، فقال : : ليفتحنها الله على أمتي ، فانتشر ذلك في الناس ؛ فلما بلغ بهم الأمر ما بلغ ، قال هؤلاء القوم : إن محمدا يعدنا ملك كسرى وقيصر ، وإن أحدنا لا يستطيع أن يفارق رحله ( ويذهب ) إلى الخلاء ، ما هذا إلا الغرور ، فأنزل الله تعالى ما ذكرنا من الآية ' . < < الأحزاب : ( 13 ) وإذ قالت طائفة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب ) هو المدينة ، ويقال : يثرب موضع والمدينة منه ، قال حسان بن ثابت شعرا :
( سأهدي لها في كل عام قصيدة ** وأقعد مكفيا بيثرب مكرما ) .
وفي بعض الأخبار : ' أن النبي نهى أن تسمى المدينة يثرب ، وقال : هي طابة ' كأنه عليه الصلاة والسلام كره هذه اللفظة ؛ لأنه من التثريب .
وقوله : ( ^ لا مقام لكم ) وقرئ ' لا مقام لكم ' برفع الميم ، فقوله : ( ^ لا مقام لكم ) أي : لا إقامة لكم ، وقوله : ( ^ لا مقام لكم ) بفتح الميم أي : لا منزل لكم .
____________________


( ^ فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ( 13 ) ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ( 14 ) ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا ) * * * *
وقوله : ( ^ فارجعوا ) أي : ارجعوا عن أتباع محمد ، وخذوا أمانكم من المشركين .
وقوله : ( ^ ويستأذن فريق منهم النبي ) هؤلاء بنو سلمة وبنو حارثة ، وقيل : غيرهم .
وقوله : ( ^ يقولون إن بيوتنا عورة ) أي : ذات عورة ، وقيل : معورة يسهل عليها دخول السراق ، ويقال : إن بيوتنا عورة أي : ضائقة ، وقال الفراء : عورة ذليلة الحيطان ، وليست بحريزة ، وقرئ في الشاذ : ' عورة ' بفتح العين وكسر الواو ، والمعنى يرجع إلى ما بينا .
وقوله : ( ^ وما هي بعورة ) يعني : إنهم كاذبون في قولهم ، وإنما يريدون الفرار ، فهو معنى قوله تعالى : ( ^ إن يريدون إلا فرارا ) وأنشدوا في العورة :
( حتى إذا ألقت يدا في كافر ** وأجن عورات الثغور ظلامها ) < < الأحزاب : ( 14 ) ولو دخلت عليهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولو دخلت عليهم من أقطارها ) أي : من نواحيها .
وقوله : ( ^ ثم سئلوا الفتنة ) أي : الشرك ، ويقال : القتال في العصبية .
وقوله : ( ^ لآتوها ) بالمد ، وقرئ : ' لأتوها ' ، فقوله ' لآتوها ' بالمد أي : لأعطوها ، وقوله : ' لآتوها ' . أي : [ لقصدوها ] .
وقوله : ( ^ وما تلبثوا بها إلا يسيرا ) أي : ما احتسبوا إلا يسيرا ، وأعطوا ما طلب منهم طيبة بها أنفسهم . < < الأحزاب : ( 15 ) ولقد كانوا عاهدوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ) الأدبار : جمع
____________________


( ( 15 ) قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا ( 16 ) قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ( 17 ) قد يعلم الله المعوقين منكن والقائلين ) * * * * الدبر ، أي : لا ينهزمون . وذكر مقاتل وغيره أن هذا في الذين بايعوا مع رسول الله ليلة العقبة ، وقالوا : يا رسوا الله ، اشترط لربك ، فقال : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، فقالوا : اشترط لنفسك . فقال : أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأولادكم ' وكان الذين بايعوا ليلة العقبة [ سبعين ] نفرا ، وأول من بايع أبو الهيثم بن التيهان ، وهذا القول ليس بمرض ؛ لأن أصحاب العقبة لم يكن فيهم شاك ، ولا من يقول مثل هذا القول ، وإنما الآية في قوم عاهدوا أن يقاتلوا ولا يفروا حتى يقتلوا ونقضوا العهد .
وقوله : ( ^ وكان عهد الله مسئولا ) أي : مسئولا عنه . < < الأحزاب : ( 16 ) قل لن ينفعكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت الموت أو القتل ) يعني : أن الأجل يدرككم في وقته .
وقوله : ( ^ وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) معناه : إلى منتهى آجالكم ، وفي بعض الحكايات : أن رجلا انهزم [ في ] بعض الحروب ، فكان يلام على ذلك ، ويقرأ عليه هذه الآية ( ^ قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل إذا لا تمتعون إلا قليلا ) فقال : ذلك القليل أطلب . < < الأحزاب : ( 17 ) قل من ذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل من ذا الذي يعصمكم من الله ) أي : يجيركم ويمنعكم .
وقوله : ( ^ إن أراد بكم سوءا ) أي : الهزيمة وظفر عدوكم بكم .
وقوله : ( ^ أو أراد بكم رحمة ) أي : خيرا ونصرة .
وقوله : ( ^ ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ) أي : قريبا ينفعهم ، وناصرا يمنعهم . < < الأحزاب : ( 18 ) قد يعلم الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قد يعلم الله المعوقين منكم ) يقال : عاقه واعتاقه وعوقه إذا صرفه
____________________


( ^ لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا ( 18 ) أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف * * * * عما يريده . ويقال : المعوقين منكم أي : المثبطين منكم .
وقوله : ( ^ والقائلين لإخوانكم هلم إلينا ) أي : ارجعوا إلينا
وقوله : ( ^ ولا يأتون البأس إلا قليلا ) أي : لا يقاتلون إلا قليلا رياء وسمعة من غير حسبة ، والآية نزلت في قوم من المنافقين قالوا حين أحاط الجنود بالمسلمين : إن محمدا وقومه أكله رأس ، والله لو كان محمد وأصحابه لحما لالتهمهم أبو سفيان وحزبه أي : ابتلعهم ، وكانوا يقولون لأصحاب محمد من الأنصار : دعوا محمد ، فإن محمدا يريد أن يقتلكم جميعا . وقال الكلبي في قوله : ( ^ إلا قليلا ) يعني : إلا رميا بالحجارة . < < الأحزاب : ( 19 ) أشحة عليكم فإذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أشحة عليكم ) أي : بخلا بالنصرة والموافقة في القتال ، وقال قتادة : بخلاء عند الغنيمة ، فكأن الله تعالى قال : هم احسن قوم عند القتال ، وأشح قوم عند الغنيمة .
وقوله : ( ^ فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ) والمغشي عليه من الموت قد ذهب عقله ، وشخص بصره ، وهو المحتضر الذي قرب من الموت .
وقوله : ( ^ فإذا ذهب الخوف سلقوكم ) قال الفراء : وقعوا فيكم بألسنة سليطة ذرية . وعن بعضهم : سلقوكم بألسنة حداد يعني : عند طلب الغنائم ، وعند المجادلات بالباطل ، وقد روى عن النبي أنه قال : ' البذاء ( والبيان ) شعبتان من النفاق ، والحياء والعي شعبتان من الإيمان ' .
____________________


( ^ سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ( 19 ) يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ( 20 ) * * * *
وتقول العرب : خطيب مسلاق وسلاق إذا كان بليغا في الخطابة ، وعن ابن عباس قال : سلقوكم أي : عضهوكم وتناولوكم بالنقص والغيبة ، قال الأعشى :
( فيهم الخصب والسماحة والنجدة فيهم والخاطب السلاق )
وقوله : ( ^ أشحة على الخير ) قد بينا أنها عند الغنيمة .
وفي الخبر : ' أن النبي قال للأنصار : إنكم لتكثرون عند الفزع ، وتقلون عند الطمع ' أي : تجمعون عند القتال ، وتتفرقون عند أخذ المال ، وأما وصف المنافقين على الضد من هذا ، فإنهم كانوا جبناء عند القتال ، بخلاء عند المال .
وقوله : ( ^ أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم ) أي : أبطل الله أعمالهم .
وقوله : ( ^ وكان ذلك على الله يسيرا ) أي : سهلا . < < الأحزاب : ( 20 ) يحسبون الأحزاب لم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ) أي : من الجبن والخوف .
وقوله : ( ^ وإن يأت الأحزاب ) أي : يرجعوا بعد الذهاب .
وقوله : ( ^ يودوا لو أنهم بادون في الأعراب ) البادون : خلاف الحاضرين ، وهم الذين يسكنون البادية ، وقولة : ( ^ في الأعراب ) أي : مع الأعراب .
وقوله : ( ^ يسألون عن أنبأكم ) أي : [ عن ] أخباركم ، ومعنى سؤالهم عن الأخبار هو أن الظفر كان للمشركين ، أو لمحمد وأصحابه .
وقوله : ( ^ ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ) أي : تعذيرا ، ومعنى تعذيرا أي :
____________________


( ^ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ( 21 ) ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ) * * * * يقاتلون شيئا يسيرا يقيمون به عذرهم ، فيقولون قد قاتلنا . < < الأحزاب : ( 21 ) لقد كان لكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) أي : قدوة حسنة ، والتأسي : هو الإقتداء ، وإنما ذكر الأسوة ها هنا حتى ينصروا ( ويقومون ) ويصبروا على ما يصيبهم ، كما فعل رسول الله فإنه كسرت رباعيته يوم أحد ، وشج في جبهته ، وكسرت البيضة على رأسه ، وقتل عمه فلم يفتر في أمر الله ، وصبر على جميع ذلك .
وقوله : ( ^ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) أي : يرجو ثواب الله ، وقيل : لمن كان يخشى الله واليوم الآخر ، والرجاء يكون بمعنى الخشية ، وقد يكون بمعنى الطمع .
وقوله : ( ^ وذكر الله كثيرا ) أي : في جميع المواطن على السراء والضراء . < < الأحزاب : ( 22 ) ولما رأى المؤمنون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) قال قتادة : معنى هذه الآية راجع إلى قوله تعالى في سورة البقرة : ( ^ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ) والآية تتضمن أن المؤمنين يلقاهم ويستقبلهم مثل هذا البلاء ، فلما رأوا ذلك يوم الخندق قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله .
وعن بعضهم أن النبي قال لأصحابه : ' إن المشركين سائرون إليكم فنازلون بكم عشرا ' أو كما قال فلما رأى المؤمنون الأحزاب [ قالوا : هذا ما وعدنا الله
____________________


( ^ ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ( 22 ) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله * * * * ورسوله ] وقد ساروا إليهم ( ^ وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) أي : تصديقا بالله ، وتسليما لأمر الله . < < الأحزاب : ( 23 ) من المؤمنين رجال . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) أي : قاموا بما عاهدوا الله عليه ، ويقال : قاموا بالأمر على الوفاء والصدق .
وقوله : ( ^ فمنهم من قضى نحبه ) النحب يرد بمعاني كثيرة ، وأولى المعاني أنه بمعنى العهد ، فمعنى الآية : اتم العهد وقام به ، قال الحسن البصري : أي أقام بالوفاء والصدق . وقال ابن قتيبة : النحب هو النذر ، ومعنى قضى نحبه ها هنا أي : قتل في سبيل الله ، كأن القوم بقبولهم الإيمان نذروا أن يموتوا على ما يرضاه الله ، فمن قتل في سبيل الله فقد قضى نذره .
قال محمد بن إسحاق : الآية في الذين استشهدوا يوم أحد ، وهم حمزة رضي الله عنه ومن استشهد معه .
وقد ثبت برواية يزيد بن هارون ، عن حميد ، عن انس رضي الله عنه أن عمه النضر بن أنس كان تخلف عن بدر فقال : تخلفت عن أول غزوة غزاها رسول الله ، لئن أراني الله قتالا مع المشركين ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد وانهزم المسلمون ، ورأى ذلك النضر بن أنس قال : اللهم إني أعتذر إليك ما جاء به هؤلاء يعني المسلمين وابرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين ثم مضى بوجوه الكفار ، فلقي سعد بن معاذ دون أحد ، فقال له سعد : أنا معك ، قال سعد : فلم أستطع أن أصنع ما صنع ، فوجد به بضع وثمانون من ضربة سيف ، وطعنة برمح ، ورمية بسهم . وفي رواية أخرى : فلم تعرفه إلا أخته بثناياه . قال أنس : ففيه وفيمن استشهد نزل قوله : ( ^ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ) .
____________________


( ^ عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ( 23 ) ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ( 24 ) ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان ) * * * *
يعني : من المؤمنين من بقي بعد هؤلاء الذين استشهدوا ، وهم ينتظرون أحد الأمرين إما الشهادة في سبيل الله وإما الظفر ، وأنشدوا في النحب شعرا :
( قضى نحب الحياة وكل حي ** إذا يدعي لميتته أجابا )
ومن المعروف أيضا أن النحب هو الخطر العظيم . قال جرير في النحب :
( بطخفة جالدنا الملوك وخلينا ** عشية بسطام جرين على نحب )
أي : على الخطر العظيم
وقوله : ( ^ وما بدلوا تبديلا ) أي : لم يتركوا ما قبلوه وعاهدوا عليه . < < الأحزاب : ( 24 ) ليجزي الله الصادقين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ليجزي الله الصادقين بصدقهم ) أي : جزاء صدقهم ، وصدقهم هو وفاؤهم بالعهد .
وقوله : ( ^ ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم ) فيهديهم للإيمان .
وقوله : ( ^ وكان الله غفورا رحيما ) أي : ستورا عطوفا . < < الأحزاب : ( 25 ) ورد الله الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ورد الله الذين كفروا بغيظهم ) أي : ردهم ولم يشتفوا من محمد وأصحابه ، وقد كانوا قصدوا قصد الإستئصال .
وقوله : ( ^ لم ينالوا ) أي : لم يظفروا بما أرادوا .
وقوله : ( ^ [ خيرا ] وكفى الله المؤمنين القتال ) أي : بما أرسل من الريح عليهم ، وفي بعض الروايات الغريبة عن ابن عباس : وكفى الله المؤمنين القتال أي : لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد كان قتل عمرو بن عبدود في ذلك اليوم ، وكان رأسا من رءوس الكفار كبيرا فيهم ، وضربه عمرو بن عبدود في ذلك اليوم على رأسه
____________________


( ^ الله قويا عزيزا ( 25 ) وانزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ( 26 ) وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ) * * * * ضربة فلما ضربه ، ابن ملجم وقعت ضربة ابن ملجم على موضع ضربة عمرو بن عبدود ، فهلك في ذلك رضي الله عنه .
وقوله : ( ^ وكان الله قويا عزيزا ) أي : قويا في ملكه ، عزيزا في انتقامه . < < الأحزاب : ( 26 ) وأنزل الذين ظاهروهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب ) أي : عاونوهم من أهل الكتاب ، وهم قريظة ، وقد كانوا في عهد النبي ، وسيدهم كعب بن أسد ، وأما بنو النضير فسيدهم حيي بن أخطب ، فلما أجلى رسول الله بني النضير إلى الشام ، ذهب حيي بن أخطب ، إلى قريش و ( استنصرهم ) ، وجمع الأحزاب وجاء بهم لقتال النبي ، ثم جاء إلى قريظة وحملهم على نقض العهد في قصة طويلة ، وعاهد معهم أن المشركين لو رجعوا ولم يظفروا دخل معهم في حصنهم ليصيبه ما يصيبهم ، فلما هزم المشركون دخل معهم في حصنهم ، وأما قريظة فنقضوا العهد ، وقصدوا حرب النبي مع الأحزاب في قصة مذكورة في المغازي .
وقوله : ( ^ من صياصيهم ) أي : من حصونهم ، ومنه صياصي البقر أي : قرونها لأنها تمتنع بها .
وقوله : ( ^ وقذف في قلوبهم الرعب ) أي : الخوف .
وقوله : ( ^ فريقا تقتلون ) قتل رسول الله من قريظة أربعمائة وخمسين ، وفي رواية ستمائة ، وفيهم حيي بن أخطب وسادتهم ، وكانوا يقولون : هذا ذبح كتبه الله على بني إسرائيل .
وقوله : ( ^ وتأسرون فريقا ) أسر منهم سبعمائة وخمسين ، وفي رواية سبعمائة
____________________


( ^ وأرضا لم تطئووها وكان الله على كل شيء قديرا ( 27 ) يا أيها النبي قل لأزواجك إن ) * * * * < < الأحزاب : ( 27 ) وأورثكم أرضهم وديارهم . . . . . > > ( ^ وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ) أي : أغنمكم .
وقوله : ( ^ وأرضا لم تطئوها ) أظهر الأقاويل : أنها خيبر ، وقال عكرمة : جميع ما فتح الله تعالى ويفتحه من أراضي المشركين إلى يوم القيامة . وعن بعضهم فارس والروم .
وقوله : ( ^ وكان الله على كل شيء قديرا ) أي : قادرا .
وأما قصة قتل قريظة [ فهو على ] ما روى ' أن النبي لما رجع من الخندق إلى بيته ووضع لامته أي : درعه واغتسل جاء جبريل عليه السلام على فرس ودعاه ، فلما خرج من بيته قال : أتضع سلاحك ولم تضع الملائكة أسلحتكم ! وكان الغبار على وجهه ووجه فرسه ، وقال : يا جبريل ، إلى أين ؟ قال : إلى قريظة ' ، ' فخرج النبي وخرج أصحابه إلى قريظة ، ونادى في أصحابه : لا يصلين أحد منكم العصر إلا في [ بني ] قريظة ، فلم يصلوا حتى غربت الشمس ، فبعضهم صلى العصر ، وبعضهم لم يصل حتى وصل ، فلم يعنف واحدا من الفريقين ' وحاصرهم إحدى وعشرين ليلة ، ونزلوا على حكم سعد بن معاذ ، وكانوا حلفاءه في الجاهلية وسعد بن معاذ سيد الأوس ، وسعد بن عبادة سيد الخزرج فلما نزلوا على حكمه ، وكان سعد مريضا بالمدينة في بيته برمية أصابت أكحله يوم الخندق ، وكان الدم لا يرقأ ، فدعا الله تعالى وقال : اللهم أبقني حتى تريني ما يقر عيني في قريظة ، فرقأ الدم .
____________________


( ^ كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعتكن وأسرحكن سراحا جميلا ( 28 ) وإن ) * * * *
فلما نزلوا على حكمه استحضره رسول الله ، فجاء على حمار موكف وقد حف به قومه ، وجعلوا يقولون له : حلفاؤك ومواليك ، فقال سعد : قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم ، فلما جاء إلى النبي قال عليه الصلاة والسلام للأنصار : قوموا إلى سيدكم ، ثم إنه حكم بأن يقتل المقاتلة ، وتسبى الذرية ، ويقسم المال ، فقال له النبي : حكمت بحكم الملك . وروى أنه قال : حكمت بحكم الله من فوق عرشه ، ثم إنه فعل بهم ما حكم ، ثم إن سعدا قال لما قتلوا : اللهم إن كنت أبقيت حربا بين رسولك وبين قريش فأبقني لها ، وإن كنت قد وضعت الحرب بين رسولك وبين قريش فاقبضني إليك ، فانفجر كلمه في الحال ، فلم يرعهم إلا والدم يسيل إليهم ، وتوفى في ذلك رضي الله عنه . < < الأحزاب : ( 28 ) يا أيها النبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ) الآية . قال المفسرون : سبب نزول الآية أن نساء النبي سألنه شيئا من الدنيا ، ولم يكن عنده ، وطلبن منه زيادة في النفقة ، وآذينه بغيره بعضهن على بعض ؛ فأنزل الله تعالى آية التخيير .
وحكى النقاش في تفسيره عن الضحاك : أن زينت بنت جحش سألته ثوبا ممصرا ، وهو البرد المخطط ، وميمونة سألته حلة يمانية ، وأم حبيبة سألته ثوبا من ثياب خضر ، وجويرية سألته معجرا ، وعن بعضهن : أنها سألته قطيفة ، ولم يكن عنده شيء من ذلك . وحكى أنهن قلن : لو كنا عند غيره كان لنا حليا وثيابا ، فأنزل الله تعالى آية التخيير . وقد ثبت أن النبي آلى منهن شهرا واعتزل في غرفة في قصة
____________________


( ^ كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ( 29 ) يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ) * * * * طويلة .
وفي بعض الروايات عن ابن عباس أن النبي كان في بيت حفصة فتشاجرا ، فقال لها رسول الله : أجعل بيني وبينك رجلا ، أتريدين أباك ؟ قالت : نعم ، فدعا عمر رضي الله عنه فلما دخل قال النبي لحفصة : تكلمي .
فقالت حفصة : يا رسول الله ، تكلم ولا تقل إلا حقا . فرفع عمر يده وضرب وجهها ، وقال : يا عدوة نفسها ، أتقولين هذا لرسول الله ؟ ثم إن رسول الله آلى منهن شهرا واعتزل ، وأنزل الله تعالى آية التخيير ، فلما أنزل الله آية التخيير بدأ بعائشة رضي الله عنها .
وقد ثبت هذا برواية الزهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة أن النبي بدأ بها لما أنزل الله تعالى آية التخيير ، قالت عائشة : فدخل علي وقال : ' يا عائشة ، إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك ، وقد علم أن أبوي لا يأمرانني بفراقه ، ثم تلا على الآية ، فقلت : أفي هذا أستأمر أبواي ؟ لقد اخترت الله ورسوله والدار الآخرة ، ثم عرض ذلك على سائر نسائه ؛ فقلن مثل ذلك ' . وروى هذا الخبر البخاري عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، والإسناد كما بينا من قبل ، وأما أزواجه اللاتي خيرهن فكن تسعا ، خمسة قرشيات هن : عائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمر ، وأم سلمة بنت أمية ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وسودة بنت زمعة ، وأما غير القرشيات : فزينب بنت جحش الأسدية ، وصفية بنت حيي الخيبرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية .
____________________


قال المفسرون : فلما اخترنه شكر الله تعالى لهن ذلك ، فنهى النبي أن يتزوج بسواهن أو يتبدل بهن ، وذلك في قوله تعالى : ( ^ لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن ) وسنذكر حكم ذلك من بعد واختلف العلماء في هذا الخيار ، أكان طلاقا ؟ وإنما خيرهن على إن اخترن الدنيا فارقهن بلا طلاق ، وإن اخترنه أمسكهن ، وذهب جماعة إلى أن هذا الخيار كان طلاقا فكأنه خيرهن ، ولو اخترن أنفسهن كان طلاقا .
واختلف الصحابة في الرجل يقول لإمرأته : اختاري . فتقول : اخترت نفسي ، فذهب عمر إلى أنها لو اختارت زوجها لا تكون شيئا ، وإن اختارت نفسها فطلقة واحدة ، والزوج أحق برجعتها .
وقال علي : إن اختارت زوجها فطلقة واحدة ، والزوج أحق برجعتها ، وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة ، ولا يملك الزوج رجعتها ، وذهب إلى أنها إن اختارت زوجها فواحدة رجعية ، وإن اختارت نفسها فثلاث ، وقد قيل غير هذا . وهذه الأقوال الثلاثة هي المعروفة ، وقد ذهب إلى كل قول من هذه الأقوال جماعة من العلماء ، والدليل على أنها إذا اختارت زوجها لا تكون طلاقا أن عائشة قالت : خيرنا رسول الله فاخترناه ، أفكان طلاقا ؟ !
وقوله : ( ^ فتعالين أمتعكن ) أي : متعة الطلاق ، وقد بينا في سورة البقرة .
وقوله تعالى : ( ^ وأسرحكن سراحا جميلا ) السراح الجميل هو المفارقة الجميلة ، وذلك من غير تعنيف ولا أذى . < < الأحزاب : ( 29 ) وإن كنتن تردن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات ) والمحسنات هي اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، وجميع نساء النبي قد اخترن ذلك ، فجميعهن محسنات . ويجوز أن تذكر ' من ' ولا تكون للتبعيض ، فلا يدل ذلك على أن منهن من ليست بمحسنة .
____________________


( ^ ذلك على الله يسيرا ( 30 ) ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها ) * * * *
وقوله : ( ^ أجرا عظيما ) وفي التفسير : أن الله تعالى خيرهن بين الدنيا والآخرة ، وبين الجنة والنار ، فاخترن الآخرة على الدنيا ، والجنة على النار . < < الأحزاب : ( 30 ) يا نساء النبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة ) فإن قيل : أيدل هذا الخطاب على أن منهن من أتت بفاحشة أو تأتي بفاحشة ؟ قلنا : لا ، كما أن الله تعالى قال للنبي : ( ^ لئن أشركت ليحبطن عملك ) وهذا لا يدل على أنه قد أتى بشرك أو يأتي .
جواب آخر : أنه قد حكى عن ابن عباس أنه قال : الفاحشة ها هنا بمعنى النشوز وسوء الخلق .
وقوله : ( ^ يضاعف لها العذاب ضعفين ) وقرئ : ' يضعف ' من التضعيف ، وقرئ : ' نضعف ' بالنون ، فقوله ( ^ نضعف ) بالنون ظاهر المعنى ، وهو نسبة الفعل إلى نفسه ، وقوله : ' يضعف ' و ' يضاعف ' خبر .
وقوله : ( ^ ضعفين من العذاب ) أي : مثلي عذاب غيرها ، فإن قيل : ولم تستحق مثلي عذاب غيرها ؟ قلنا : لشرف حالها بصحبة النبي ، وهذا كما أن الحرة تحد مثلي حد الأمة لشرف حالها . وقد استدل أبو بكر الفارسي في أحكام القرآن بهذه الآية على أنهن أشرف نساء العالم .
وقوله : ( ^ وكان ذلك على الله يسيرا ) أي : هينا ، وقد ذكر بعضهم أن قوله : ( ^ يضاعف لها العذاب ) يقتضى ثلاثة أعذبة ؛ لأن ضعف الواحد مثلاه ، والأصح هو الأول . < < الأحزاب : ( 31 ) ومن يقنت منكن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن يقنت منكن لله ورسوله ) القنوت هو المداومة على الطاعة ، ومنه القنوت في الصلاة ، وهو المداومة على الدعاء .
وقوله : ( ^ وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين ) أي : مثلي أجر غيرها ، وهذا على
____________________


( ^ مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما ( 31 ) يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ( 32 ) وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما ) * * * * طريق مقابلة الثواب بالعقاب .
وقوله : ( ^ وأعتدنا لها رزقا كريما ) أي : الجنة . < < الأحزاب : ( 32 ) يا نساء النبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ) فإن قيل : هلا قال كواحدة من النساء ؟ والجواب ، أنه قال : ( ^ كأحد من النساء ) ليكون أعم في الكل .
وقوله : ( ^ إن اتقيتن ) التقوى هي الاحتراز عن المعاصي ، والحذر عما نهى الله عنه .
وقوله : ( ^ فلا تخضعن بالقول ) أي : لا تلن في القول ، ولا ترققن فيه . ويقال : الخضوع في القول أن تتكلم على وجه يقع بشهوة المريب .
وقوله : ( ^ فيطمع الذي في قلبه مرض ) قال قتادة : أي النفاق ، وقال عكرمة : شهوة الزنا .
وقوله : ( ^ وقلن قولا معروفا ) أي : قولا يوجبه الدين والإسلام بصريح وبيان . < < الأحزاب : ( 33 ) وقرن في بيوتكن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقرن في بيوتكن ) وقرئ بكسر القاف ؛ فقوله بالكسر من السكون والهدوء وترك الخروج . والقراءة بالنصب تحتمل هذا ، وتحتمل الأمر بالوقار . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ما تعبدت الله امرأة بمثل تقوى الله وجلوسها في بيتها . وفي بعض الآثار ، أنه قيل لسودة : ألا تخرجين كما تخرج أخواتك ؟ قالت : قد حججت واعتمرت ، وقد أمرني الله تعالى أن أقر في بيتي ، فلا أريد أن أعصي الله تعالى ، فلم تخرج من بيتها حتى أخرجت على جنازتها .
وقوله : ( ^ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) قال المبرد : التبرج هو أن تظهر من
____________________


( ^ يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( 33 ) واذكرن ما يتلى ) * * * * نفسها ما أمرت بستره . وعن ابن أبي نجيح قال : هو التبختر . وعن قتادة قال : المشي بالتغنج والتكسر . وعن مجاهد قال : هو المشي بين يدي الرجال .
وأما الجاهلية الأولى فقيل : هي زمان نمروذ ، وقد كانت المرأة تخرج وعليها قميص من لؤلؤ ثم تخيط جانباه ، وعن بعضهم : ما بين نوح وإدريس ، وعن الشعبي : مل بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ويقال : إن أول ما ظهر من الفاحشة في بني آدم أنه كان بطنان من بني آدم أحدهما يسكنون الجبل ، والآخر يسكنون السهل ، وكان رجال الجبل صباحا ، وفي النساء دمامة ، ونساء السهل صبيحات ، وفي الرجال دمامة ، فاحتال إبليس حيلة حتى أتخذ عيدا ، وجمع بينهم فارتكب بعضهم من بعض الفاحشة . وذكر بعضهم أن في الجاهلية الأولى [ كانت المرأة تكون ] بين رجلين ، فنصفها الأسفل لأحدهما والأعلى للآخر ، فيجتمع على المرأة زوجها وحبها ، وقال في ذلك بعضهم شعرا :
( أترغب في البدال أبا جبير ** وأرضى بالكواعب والعجوز )
وأما الجاهلية الأخرى فقوم يفعلون مثل فعلهن وذلك في آخر الزمان ، وقال بعضهم : يجوز أن يذكر الأولى وإن لم يكن لها أخرى ، ألا ترى أن الله تعالى قال : ( ^ وأنه أهلك عادا الأولى ) ولم يكن لها أخرى .
وقوله : ( ^ وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ) ظاهر المعنى .
وقوله : ( ^ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) في الآية أقوال : روى سعيد بن جبير عن أبن عباس : أنها نزلت في نساء النبي ، وقد [ قاله ] عكرمة وجماعة .
____________________


وذهب أبو سعيد الخدري وأم سلمة وجماعة كثيرة من التابعين منهم مجاهد وقتادة وغيرهما أن الآية في أهل بيت النبي ، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين .
وروت أم سلمة ' أن النبي كان في بيتها وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين ، فأنزل الله تعالى هذه الآية فجللهم بكساء وقال : اللهم ؛ هؤلاء أهل بيتي . قالت أم سلمة : فقلت : يا رسول الله ، وأنا من أهل بيتك ، فقال : إنك إلى خير ' . ذكره أبو عيسى في جامعه .
وروى أيضا بطريق أنس ' أن النبي كان يمر بعد نزول هذه الآية على بيت فاطمة بستة أشهر ، ويقول : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ' .
واستدل من قال بهذا القول أن الله تعالى قال : ( ^ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ) ولم يقل : ' عنكن ' ، ولو كان المراد به نساء النبي لقال : ' عنكن ' ألا ترى أنه في الإبتداء والإنتهاء لما كان الخطاب مع نساء النبي خاطبهن بخطاب الإناث .
والقول الثالث : أن الآية عامة في الكل ، وهذا أحسن الأقاويل ، فآله قد دخلوا في الآية ، ونساؤه قد دخلن في الآية . واستدل من قال : إن نساءه قد دخلن في الآية ؛ أنه قال : ( ^ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) وأهل بيت الرسول هن نساءه ؛ ( ولأنه تقدم ذكر نسائه ) ، والأحسن ما بينا من التعميم .
____________________


( ^ في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا ( 34 ) إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات ) * * * *
وقد روى أن زيد بن أرقم سئل : من آل النبي . فقال : هم الذين حرم عليهم الصدقة . وأما الرجس فمعناه : ما يدعو إلى المعصية . وقال بعضهم : عمل الشيطان . والرجس في اللغة هو كل مستقذر مستخبث .
وقوله : ( ^ ويطهركم تطهيرا ) أي : من المعاصي بتقوى الله تعالى ، وذهب بعض ( أصحاب ) الخواطر إلى أن معنى قوله : ( ^ ويذهب عنكم الرجس ) أي : الأهواء والبدع ( ^ ويطهركم تطهيرا ) بالسنة ، وقال بعضهم : يذهب عنكم الرجس أي : الغل والحسد ( ويطهركم تطهيرا ) بالتوفيق والهداية ، وقال بعضهم : يذهب عنكم الرجس : البخل والطمع ( ^ ويطهركم تطهيرا ) بالقناعة والإيثار ، والتفسير ما بينا من قبل . < < الأحزاب : ( 34 ) واذكرن ما يتلى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) أي : القرآن والسنة .
وقوله : ( ^ إن الله كان لطيفا خبيرا ) أي : رحيما بهم ، خبيرا بأعمالهم . < < الأحزاب : ( 35 ) إن المسلمين والمسلمات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن المسلمين والمسلمات ) سبب نزول الآية ما روى أن أم سلمة قالت : ' يا رسول الله ، ما بال الرحال يذكرون في القرآن ، ولا يذكر النساء ، ونخشى ألا يكون فيهن خير ' .
وفي رواية أسماء بنت عميس : قدمت من الحبشة فدخلت على نساء النبي : وقالت لهن : هل ذكر الله تعالى النساء بخير في القرآن ؟ قلن : لا . قالت : هذا هو
____________________

ً
( ^ والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين ) * * * * الخيبة والخسار ، أخشى ألا يكون لله فيهن حاجة ، ثم أتت النبي وذكرت ذلك له ' .
وفي رواية ثالثة : ' أن التي قالت ذلك أم عمارة الأنصارية ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وذكر النساء بخير كما ذكر الرجال ' .
قوله تعالى : ( ^ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ) قد بينا معنى الإسلام ومعنى الإيمان ، وقد فرق بعض أهل السنة بين الإيمان والإسلام ، ولم يفرق بعضهم . والمسألة فيها كلام كثير .
وقوله : ( ^ والقانتين والقانتات ) المطيعين والمطيعات .
وقوله : ( ^ والصادقين والصادقات ) أي الصادقين في إيمانهم ، والصادقات في إيمانهن . يقال : إن المراد بالصدق هو صدق القول في جميع الأشياء .
وقوله : ( ^ والصابرين والصابرات ) أي : الصابرين على الطاعة ، والصابرين عن المعصية ، وكذلك معنى الصابرات .
وقال قتادة : الصبر عن المعصية أفضل من الصبر على الطاعة ، وعليه الأكثرون .
وقوله : ( ^ والخاشعين والخاشعات ) أي : المتواضعين والمتواضعات . ويقال : إن المراد بالخشوع هو الخشوع في الصلاة .
وعن سعيد بن جبير قال : الخشوع في الصلاة ألا يعلم من على يمينه ولا من على
____________________


( ^ والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله ) * * * * يساره . وقال غيره : من الخشوع أن لا تلتفت .
وقوله : ( ^ والمتصدقين والمتصدقات ) أي : المتصدقين على الفقراء والمتصدقات عليهم .
وقوله : ( ^ والصائمين والصائمات ) معلوم . وروى عن بعضهم : من صام ثلاثة أيام في كل شهر فهو من الصائمين والصائمات ، ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين ، ومن لم يلتفت في صلاته فهو من الخاشعين ، أورده النقاش في تفسيره .
وقوله : ( ^ والحافظين فروجهم والحافظات ) أي : من ارتكاب الفواحش .
وحكى النقاش : أن من لم يزن فهو من الحافظين لفروجهم .
وقوله : ( ^ والحافظات ) أي : والحافظاتها .
وقوله : ( ^ والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ) أي : والذاكراته ، قال الشاعر :
( فكمتا مدماة كأن متونها ** جرى فوقها واستشعرت لون مذهب )
يعني : جرى فوقها لون مذهب واستشعرته .
وأما الذكر الكثير ، فروى عن مجاهد أنه قال : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكره قائما وقاعدا ومضطجعا .
وروى الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس أن النبي قال : ' من قال سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، كتب من الذاكرين الله كثيرا ، وتحات عنه خطاياه كما يتحات الورق عن الشجر ، ونظر الله إليه ، ومن نظر إليه ( لم ) يعذبه ' .
وفي بعض المسانيد برواية أبي سعيد الخدري أن النبي قال : ' أيما رجل أيقظ
____________________


( ^ لهم مغفرة وأجرا عظيما ( 35 ) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ) * * * * امرأته من الليل ، فقاما وتوضيا وصليا ركعتين ، كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات ' .
وقوله : ( ^ أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما ) أي : مغفرة للذنوب ، وأجرا عظيما : هو الجنة . < < الأحزاب : ( 36 ) وما كان لمؤمن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ) الآية نزلت في شأن زينب بنت جحش وأخيها عبد الله بن جحش ، وكانا ولدي عمة رسول الله ، وهي أميمة بنت عبد المطلب ، فكانا من قبل الأب من بني أسد من أولاد غنم بن دودان ، فروى ' أن النبي خطب زينب لزيد بن حارثة مولاه ، فكرهت ذلك ، وقالت : أنا بنت عمتك ، أتزوجني من مولاك ؟ ! وكذلك كره أخوها ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( ^ وما كان لمؤمن ) أي : عبد الله بن جحش ( ^ ولا مؤمنة ) أي : زينب ' .
وقوله : ( ^ إذا قضى الله ورسوله أمرا ) أي : أراد الله ورسوله أمرا ، وذلك هو نكاح زيد لزينب .
____________________


( ^ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ( 36 ) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت أمسك عليك عليه زوجك واتق الله وتخفي في ) * * * *
وقوله : ( ^ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) أي : يكون لهم الاختيار ، والمعنى : أن يريد غير ما أراد الله ، أو يمتنع مما أمر الله ورسوله به .
وقوله : ( ^ ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) أي : أخطأ خطأ ظاهرا ؛ فلما سمعا ذلك سلما الأمر ، وزوجها رسول الله من زيد بن حارثة . < < الأحزاب : ( 37 ) وإذ تقول للذي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ) أي : أنعم الله عليه بالإسلام .
وقوله : ( ^ وأنعمت عليه ) أي : بالعتق ، وهو زيد بن حارثة ، وقد كان جرى عليه سبي في الجاهلية ، فاشتراه رسول الله وأعتقه وتبناه على عادة العرب .
وقوله : ( ^ أمسك عليك زوجك ) أي : امرأتك ، وأما سبب نزول هذه الآية : ' أن النبي لما زوج زينب من زيد ومضت على ذلك مدة ، دخل عليها رسول الله يوما فرآها قائمة ، وكانت بيضاء جميلة ذات خلق ، وهي في درع وخمار ، فلما رآها وقعت في قلبه وأعجبه حسنها ، وقال : سبحان مقلب القلوب . وسمعت ذلك زينب ، وخرج رسول الله وفي قلبه ما شاء الله ، فلما دخل عليها زيد ذكرت ذلك له ' . وفي بعض التفاسير : ' أن زيدا جاء يشكو زينب ، وكانت امرأة لسنة ، فذهب رسول الله ليعظها ، فكان الأمر على ما ذكرنا ، ثم إن زيدا أتى رسول الله وقال : يا رسول الله ، إني أشكو إليك سوء خلق زينب ، وإن فيها كبرا ، وإني أريد أن أطلقها ، فقال له رسول الله : أمسك عليك زوجك أي امرأتك واتق الله في أمرها ' .
____________________


( ^ نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا ) * * * *
وقوله : ( ^ وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) قال قتادة : هو محبته لها . وقال الحسن : ود النبي طلاقها ولم يظهره . وذكر علي بن الحسين أن معنى الآية : هو أن الله تعالى كان أخبره أن زيدا يطلقها وهو يتزوج بها ، فالذي أخفاه هو هذا ، وهذا القول هو الأولى وأليق بعصمة الأنبياء . ومنهم من قال : الذي أخفي في نفسه هو أنه لو طلقها زيد تزوج بها ، وهذا أيضا قول حسن .
وقوله : ( ^ وتخشى الناس ) أي : تستحي من الناس ، ويقال : تخشى مقالة الناس ولائمتهم ، وأنهم يقولون إنه تزوج بامرأة ابنه .
وقوله : ( ^ والله أحق أن تخشاه ) فإن قيل : هذا يدل على أنه لم يخش الله فيما سبق منه في هذه القصة . والجواب من وجهين : أحدهما : أن معنى قوله : ( ^ والله أحق أن تخشاه ) ابتداء كلام في جميع الأشياء ، وقد أمر الله تعالى جميع عباده بالخشية في عموم الأحوال .
والجواب الثاني : أنك أضمرت شيئا ولم تظهره ، فإن خشيت الله تعالى في إظهاره فاخشه في إضماره . وحقيقة المعنى : أنه لا خشية إلا من الله فيما تظهر و [ إلا ] فيما تضمر ، فلا تراقب الناس .
فإن قيل : إذا كان قد ود أن يطلقها كيف قال أمسك عليك زوجك ؟ والجواب : أن ذاك الود ود طبع وميل نفس ، والبشر لا يخلو عنه .
وأما قوله : ( ^ أمسك عليك زوجك واتق الله ) أمر بالمعروف ، وليس عليه إثم فيما يقع في قلبه من غير اختياره ، وعلى أنا قد ذكرنا سوى هذا من الأقوال ، وقد ثبت برواية مسروق عن عائشة أنها قالت : ' لو كتم النبي شيئا من الوحي لكتم هذه الآية ' ، وروى أنه لم تكن آية أشد عليه من هذه الآية .
وقوله : ( ^ فلما قضي زيد منها وطرا زوجناكها ) في التفسير : أن زيدا لما أخبر
____________________

بالأمر طلقها ، وقد ذكر بعضهم : أن النبي تركها حتى انقضت عدتها ثم تزوجها ' .
وليس في أكثر التفاسير ذكر عدة ، ولا ذكر تزويج من ولي ، وإنما المنقول أن زيدا طلقها ، وأن الله زوجها منه ، وهو ظاهر .
قوله تعالى : ( ^ فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) وقوله : ( ^ وطرا ) أي : حاجة ، وهو بلوغ منتهى ما في النفس ، قال الشاعر :
( أيها الرايح المجد ابتكارا ** قد قضى من تهامة الأوطار )
وقال جرير :
( وبان الخليط غداة الجناب ** ولم تقض نفسك أوطارها )
وقد ثبت في الصحيحين : أن زينب كانت تفتخر على سائر زوجات النبي وتقول : زوجكن أهلوكن ، وزوجني الله من فوق سبع سموات ' .
وروى ' أن النبي لما أراد أن يتزوجها بعث زيدا يخطبها ، فدخل عليها زيد وخطبها لرسول الله ، فقالت : حتى أوآمر ربي ، وقامت إلى مسجدها ، وأنزل الله تعالى : ( ^ فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) ' وهذا خبر معروف ، قال أهل التفسير : ' ولما نزلت هذه الآية جاء رسول الله ودخل عليها بغير إذن ، وأولم عليها بالخبز واللحم ' . وقد ثبت برواية أنس ' أن النبي ما أولم على أحد من نسائه ما أولم على زينب بنت جحش ، أشبع الناس من الخبز واللحم ' . ومن فضائل زينب ' أن النبي قال لنسائه عند الوفاة : ' أسرعكن بي لحوقا أطولكن ،
____________________

( ^ زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا ( 37 ) ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا ( 38 ) الذين يبلغون رسالات الله ) * * * * يدا ' فكانت زينب أول من توفيت من أزواج النبي بعده ، وكانت امرأة صناعا ، تكثر الصدقة بكسب يدها ، فعرفوا أن معنى طول اليد هو كثرة الصدقة ' .
وهي أيضا أول من اتخذ عليها النعش ، فإنه روى أنها لما ماتت في زمن عمر رضي الله عنه وكانت امرأة خليقة ، كره عمر أن تخرج كما يخرج الرجال ؛ فبعثت أسماء بنت عميس النعش فأمر عمر حتى ( اتخذ ) ذلك ، وأخرجت في النعش ، وقال عمر : نعم خباء الظعينة هذا ، فجرت السنة على ذلك إلى يومنا هذا . قالوا : وقد كانت أسماء رأت ذلك بالحبشة .
وقوله : ( ^ لكيلا يكون على المؤمنين حرج ) أي : إثم .
وقوله : ( ^ في أزواج أدعيائهم ) أي : في نساء يتبنونهم ، وقد كانت العرب تعد ذلك حراما ، فنسخ الله التبني ، وأحل امرأة ( المتبنين ) .
وقوله : ( ^ إذا قضوا منهن وطرا ) قد ذكرنا .
وقوله : ( ^ وكان أمر الله مفعولا ) أي : كان حكم الله نافذا لا يرد . < < الأحزاب : ( 38 ) ما كان على . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله ) أي : فيما أحل الله .
وقوله : ( ^ [ له ] سنة الله في الذين خلوا من قبل ) أي : كسنة الله في الذين خلوا من قبل ، فلما نزع ( الخافض انتصب ) ، وقيل : إنه نصب على الإغراء كأنه قال : الزموا سنة الله .
أما قوله : ( ^ في الذين خلوا من قبل ) أي : داود وسليمان ، فقد بينا عدد ما كان
____________________


( ^ ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ( 39 ) ما كان محمد أبا أحد من ) * * * * لداود وسليمان من النساء . وذكر ( بعضهم ) ، أن المراد من الآية تشبيه حال النبي بحال داود ؛ فإن داود هوى امرأة فجمع الله بينهما على وجه الحلال ، وكذلك الرسول هوى امرأة فجمع الله بينهما على وجه الحلال .
قوله : ( ^ وكان أمر الله قدرا مقدورا ) أي : قضاء مقضيا . < < الأحزاب : ( 39 ) الذين يبلغون رسالات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله ) أي : [ خشية ] تحول بينهم وبين معصيته ، وهذا هو الخشية حقيقة .
وقوله : ( ^ ولا يخشون أحدا إلا الله ) أي : غير الله ، ومعناه : أنهم لا يراقبون أحدا فيما أحل لهم . وفي بعض ( الآثار ) : من لم يستح مما أحل الله له خفت مؤنته .
وقوله : ( ^ وكفى بالله حسيبا ) أي : حافظا ، ويقال : محاسبا ، تقول العرب : ( أحسبني ) الشيء أي : كفاني . < < الأحزاب : ( 40 ) ما كان محمد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) أكثر المفسرين أن المراد منه زيد بن حارثة ، ومعناه : أنه ليس بأبي زيد بن حارثة ، فإن قيل : أليس انه قد كان له أولاد ذكور وإناث ، وكذلك الحسن والحسين كانا ولديه .
وقد ثبت عن النبي أنه قال للحسن بن علي : ' إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ' .
وفيه إشارة إلى الصلح الذي وقع بين أهل العراق وأهل الشام حين بايع الحسن معاوية وسلم إليه الأمر ، والقصة معروفة . والجواب عنه من وجهين : أحدهما : أن
( ^ رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ( 40 ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ( 41 ) وسبحوه بكرة وأصيلا ( 42 ) هو الذي يصلي ) * * * * معنى قوله : ( ^ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) أي : أبا رجل لم يلده ، ولم يكن ولد زيد بن حارثة ؛ فلم يكن أباه ، وقد كان له أولاد ذكور ولدهم وهم : القاسم ، والطيب ، والطاهر ، وإبراهيم رضي الله عنهم وجعل بعضهم بدل الطاهر المطهر .
والجواب الثاني : أنه قال : ( ^ من رجالكم ) وهؤلاء كانوا صغارا ، والرجال اسم يتناول البالغين . وروى عطاء عن ابن عباس أن الله تعالى لما حكم أنه لا نبي بعده لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلا ، ولو أعطاه ولدا ذكرا يصير رجلا لجعله نبيا .
وقد قال بعض العلماء : ليس هذا بمستنكر ، ويجوز أن يكون له ولد رجل ولا يكون نبيا ، وما ذكرناه محكى عن ابن عباس ، والله أعلم .
وقوله : ( ^ ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) وقرئ : ' خاتم ' بنصب التاء ، فأما قوله : ( ^ وخاتم النبيين ) بالفتح أي : آخر النبيين ، وأما بالكسر أي : ختم به النبيين .
وقوله : ( ^ وكان الله بكل شيء عليما ) أي : عالما ، وقد ثبت برواية جابر بن عبد الله أن النبي قال : ' مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة منها ، فجعل كل من يدخل الدار يقول : ما أحسنها وأكملها لولا موضع اللبنة ، فأنا اللبنة ، ولا نبي بعدي ' .
وفي بعض الغرائب من الأخبار : أن النبي قال : ' لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين ، كلهم يزعم أنه نبي ، ولا نبي بعدي ' . < < الأحزاب : ( 41 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ) فيه قولان : أحدهما :
____________________


( ^ عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ( 43 ) ) * * * * أن المراد بالذكر الكثير هو الصلوات الخمس ، والثاني : أن المراد بالذكر الكثير هو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وأشباهها ، وهذه الأذكار هي التي لا يمنع منها مسلم بجنابة ولا حدث ولا بغير ذلك . وقال بعضهم : الذكر الكثير يكون بالقلب ، وهو الذكر الذي يستديم به طاعة الله ، وينتهي به عن معصيته . < < الأحزاب : ( 42 ) وسبحوه بكرة وأصيلا > >
وقوله : ( ^ وسبحوه بكرة وأصيلا ) أي : صلوا لله بكرة وأصيلا ، والأصيل : ما بين العصر والمغرب ، ويقال : صلاة الأصيل هي الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة . < < الأحزاب : ( 43 ) هو الذي يصلي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هو الذي يصلي عليكم وملائكته ) اختلفوا في معنى ( الصلوات ) من الله تعالى ؛ قال أبو العالية : هو الثناء من الله على عباده ، ( وعن ) بعضهم : إشاعة الذكر الجميل لهم ، وأشهر الأقوال : ان الصلاة من الله تعالى بمعنى الرحمة والمغفرة ، وأما صلاة الملائكة بمعنى الاستغفار للمؤمنين . وذكر الحسن البصري : أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام : أيصلي ربك ؟ فذكر موسى ذلك لله تعالى ؛ فقال الله تعالى : إني أصلي ، وصلواتي أن رحمتي سبقت غضبي ' .
وفي بعض التفاسير : أن الله تعالى لما أنزل قوله تعالى : ( ^ إن الله وملائكته يصلون على النبي ) قالت الصحابة : يا رسول الله ، هذا لك ! فما لنا ؟ فأنزل الله تعالى : ( ^ هو الذي يصلي عليكم وملائكته ) .
وقوله : ( ^ ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) أي : من ظلمة الضلالة إلى نور الهداية ، ومن ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، وقيل : من ظلمة النار إلى نور الجنة .
وقوله : ( ^ وكان بالمؤمنين رحيما ) يعني : لما حكم لهم من السعادة .
____________________

( ^ تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ( 44 ) يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( 45 ) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ( 46 ) وبشر المؤمنين بأن ) * * * * < < الأحزاب : ( 44 ) تحيتهم يوم يلقونه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ تحيتهم يوم يلقونه سلام ) وفيه أقوال : أحدها : أن معنى ' يلقونه ' أي : يلقون الله تعالى ، والسلام من الله تعالى لهم إثبات السلامة الأبدية والأمن من الآفات . وقيل : يسلم الله عليهم تسليما .
والقول الثاني : أن معنى قوله : ' يلقونه ' أي : ملك الموت عليه السلام ، وقد وردت الكناية عن غير مذكور في مواضع كثيرة من القرآن . قال البراء بن عازب : ما من مؤمن إلا ويسلم عليه ملك الموت إذا أراد قبض روحه . والقول الثالث : أن المراد منه تسليم الملائكة ، ومعناه : أنهم إذا بعثوا سلم عليهم ملائكة الله وبشروهم بالجنة .
وقوله : ( ^ وأعد لهم أجرا كريما ) أي : الجنة ، واعلم أنه قد ورد أخبار في الحث على ذكر الله تعالى ؛ منها ما ثبت عن النبي أنه قال : ' يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ' .
وقد ثبت أيضا عن النبي قال : ' يقول الله تعالى : إذا ذكرني العبد في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم . . ' الخبر .
وفي بعض المسانيد أن النبي قال : ' من عجز عن الليل أن يكابده ، وجبن عن العدو أن يجاهده ، وبخل بالمال أن ينفقه ، فعليه بذكر الله تعالى ' . < < الأحزاب : ( 45 ) يا أيها النبي . . . . . > >
( ^ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ) أي : شاهدا على إبلاغ الرسل رسالة ربهم .
وقوله : ( ^ ومبشرا ) أي : بالجنة ، وقوله : ( ^ ونذيرا ) أي : من النار .
____________________


( ^ لهم من الله فضلا كبيرا ( 47 ) ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ( 48 ) يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من ) * * * * < < الأحزاب : ( 46 ) وداعيا إلى الله . . . . . > >
وقوله : ( ^ وداعيا إلى الله ) أي : إلى الإسلام . وقيل : إلى شهادة أن لا إله إلا الله .
وقوله : ( ^ بإذنه ) أي : بأمره . وقوله : ( ^ وسراجا منيرا ) أي : ذا سراج منير ، والسراج المنير هو القرآن . وقيل : وسراجا هو الرسول ؛ سماه سراجا لأنه يهتدي به كالسراج يستضاء به ، قال الشاعر :
( إن الرسول لنور يستضاء به ** مهند من سيوف الله مسلول ) < < الأحزاب : ( 47 ) وبشر المؤمنين بأن . . . . . > >
وقوله : ( ^ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ) روى أن الله تعالى لما أنزل قوله : ( ^ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) قالت الصحابة : يا رسول الله ، هذا لك فما لنا ؟ فأنزل الله تعالى : ( ^ وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ) . < < الأحزاب : ( 48 ) ولا تطع الكافرين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولا تطع الكافرين والمنافقين ) الكافرين : أبو سفيان ، وعكرمة بن أبي جهل وقد أسلموا من بعد وأبو الأعور السلمي ، والمنافقين : عبد الله بن أبي ، وطعمة بن أبيرق ، وابن ( سفنة ) ، وأشباههم .
وقوله : ( ^ ودع أذاهم ) قال مجاهد : اصبر على أذاهم ، ويقال : إن هذه الآية نسختها آية السيف .
وقوله : ( ^ وتوكل على الله ) أي : ثق بالله .
وقوله : ( ^ وفكى بالله وكيلا ) أي : حافظا . < < الأحزاب : ( 49 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ) في الآية دليل على أن الطلاق لا يجوز قبل النكاح ؛ لأنه رتب الطلاق على النكاح فدل [ على ] أنه لا يتقدمه ، وقد حكى هذا المعنى عن ابن عباس .
____________________


( ^ قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ( 49 ) يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما ) * * * *
وقد روي عن النبي أنه قال : ' لا طلاق قبل النكاح ' وهذا يقوي ما ذكرناه من الاستدلال بالآية .
وقوله : ( ^ من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) في الآية دليل على أنه لو طلق قبل الدخول لا تجب العدة ، وأما إذا خلا بالمرأة ثم طلقها هل تجب العدة ؟ في المسألة خلاف معروف على ما عرف .
وقوله : ( ^ تعتدونها ) أي : تستوفون عدتها .
وقوله : ( ^ فمتعوهن ) قد بينا المتعة في سورة البقرة . وعن بعضهم : أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : ( ^ وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) ولهذا وجب نصف المفروض قبل الدخول ولم تجب المتعة ، وإنما تجب المتعة للمطلقة التي لا تجب لها نصف المفروض .
وقوله : ( ^ وسرحوهن سراحا جميلا ) والتسريح الجميل هو الطلاق مع قضاء الحقوق . < < الأحزاب : ( 50 ) يا أيها النبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ) أي : مهورهن .
قوله : ( ^ وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ) أي : أغنمك الله . ويقال : رد الله عليك من الكفار ، ومما أفاء الله عليه صفية بنت حيي بن أخطب وجويرية بنت أبي ضرار المصطلقية ، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه ، وولد له منها إبراهيم ابنه .
وقوله : ( ^ وبنات عمك ) أي : أولاد عبد المطلب .
____________________


( ^ أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من ) * * * *
وقوله : ( ^ وبنات عماتك ) أي : من أولاد بنات عبد المطلب .
وقوله : ( ^ وبنات خالك وبنات خالاتك ) أي : من أولاد عبد مناف بن زهرة بن كلاب .
وقوله : ( ^ اللاتي هاجرن معك ) فيه قولان : أحدهما : أسلمت معك ، فيقتضى أن غير المسلمة لا تحل له وإن كانت يهودية أو نصرانية ، وهي حلال لأمته . والقول الثاني : هاجرن معك إلى المدينة ، فاقتضت الآية أن غير المهاجرة لا تحل له ؛ وفي معناه قولان : أحدهما : أن غير المهاجرة لا تحل له من الأجنبيات والقرابات . والقول الثاني : أن غير المهاجرة لا تحل من القرابات واللاتي ذكرهن ، فأما من الأجنبيات فحلال .
وروى أبو صالح عن أم هانئ أن رسول الله لما فتح مكة خطبني ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فلم أحل له لأني لم أكن من المهاجرات ، وكنت من الطلقاء . وأم هانئ أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وقوله : ( ^ وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) وقرئ : ' إن وهبت ' بالفتح إذ بالكسر على العموم ، وبالفتح على امرأة بعينها .
وعن ابن عباس أنه قال : لم يكن ممن أمسكها النبي من النساء أحد وهبت نفسها .
وعن غيره أن ميمونة بنت الحارث كانت ممن وهبت ، وممن وهبت نفسها أم شريك ، وكانت امرأة صالحة . وروى أنها عطشت في سفر ، فأنزل الله تعالى عليها دلوا من السماء ، وعلقت عكة فارغة فأصاب فيها سمنا ، فيقال : من آيات الله عكة أم
____________________


( ^ دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون ) * * * * شريك ، ' وقد كان رسول الله عهدها جميلة ، فسأل عنها يوم فتح مكة فبلغها ذلك ، فجاءت ووهبت نفسها للنبي ، فلم يرها كما عهدها فتركها ' .
وعن عائشة رضي الله عنها أن خولة بنت حكيم ممن وهبت نفسها للنبي .
وعن الشعبي : أن التي وهبت نفسها للنبي زينب بنت خزيمة الأنصارية أم المساكين .
وقوله : ( ^ إن أراد النبي أن يستنكحها ) أي : يطلب نكاحها .
وقوله : ( ^ خالصة لك من دون المؤمنين ) فيه قولان : أحدهما : أن معني خالصة : أنها حلال لك بغير صداق ، ولا تحل لغيرك بغير صداق ، وهذا قول عكرمة وجماعة . والقول الثاني : أن معنى قوله : ( ^ خالصة لك ) يعني : أن جواز النكاح بلفظ الهبة [ خالص ] لك ، نسب هذا إلى الشافعي رحمه الله .
وقوله : ( ^ قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ) أي : أوجبنا عليهم في أزواجهم من الأحكام ؛ والأحكام أن النكاح لا يجوز إلا بشهود وولي وصداق وفراغ عن العدة وأشباه ذلك .
وقوله : ( ^ وما ملكت أيمانهم ) أي : وما أوجبنا من الأحكام فيما ملكت أيمانهم .
وقوله : ( ! ( عليهم و ) ! أيمانهم ) ينصرف إلى المؤمنين .
وقوله : ( ^ لكيلا يكون عليك حرج ) أي : ضيق . معناه : وسعنا عليك الأمر لكي لا يكون عليك حرج .
____________________


( ^ عليك حرج وكان الله غفورا رحيما ( 50 ) ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين ) * * * *
وقوله : ( ^ وكان الله غفورا رحيما ) قد بينا . < < الأحزاب : ( 51 ) ترجي من تشاء . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ترجى من تشاء منهن ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : تطلق من تشاء منهن ، وتؤوي إليك من تشاء أي : تمسك من تشاء منهن ، حكي هذا عن ابن عباس . والقول الثاني : ترجى من تشاء منهن : لا تتزوجهن . وقوله : ( ^ وتؤوى إليك من تشاء ) أى : من تشاء نكاحهن . والقول الثالث : ترجى من تشاء منهن أي : تؤخرهن فيخرجن من القسم .
وقوله : ( ^ وتؤوي إليك من تشاء ) أي : تدخلهن في القسم ، وهذا أشهر الأقاويل ، فكأن الله تعالى جوز أن يقسم لمن شاء ، ويترك من شاء منهن . ثم اختلف القول في أنه هل أخرج احدا منهن عن القسم ؟ فأحد القولين : أنه لم يخرج أحدا منهن عن القسم . والقول الثاني : حكاه أبو رزين أنه أخرج خمسة وقسم لأربعة ، فالخمسة التي أخرجهن : سودة ، وأم حبيبة ، وصفية ، وجويرية ، وميمونة ، وأما اللاتي قسم لهن : فعائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، وزينب ، والأظهر هو القول الأول .
وقد روى ' أنه كان في مرض موته يدور على نسائه حتى رضين بأن يمرض في بيت عائشة ' .
وقوله : ( ^ ومن ابتغيت ممن عزلت ) أي : ممن رأيت منهن وقد أخرتها ( ^ فلا جناح عليك ) أي : لا إثم عليك .
وقوله : ( ^ ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن ) معناه : أنهن إذا علمن أن هذا مما أنزل الله تعالى كان أطيب لأنفسهن ، وأقل لحزنهن ، وأقرب إلى رضاهن . ويقال : إذا علمن أن لك أن تؤوي من شئت ، فمن عزلت كان أقرب إلى
____________________


( ^ بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما ( 51 ) لا يحل لك النساء من بعد ولا من أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك ) * * * * ما ذكرنا . وفي بعض التفاسير : ' أن النبي أراد أن يطلق جماعة من نسائه ، فقلن له : اتركنا على حالنا ، واقسم كما شئت ' .
وقوله : ( ^ والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما ) أي : عليما بأمر خلقه ، حليما عن فعل خلقه . < < الأحزاب : ( 52 ) لا يحل لك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا يحل لك النساء من بعد ) قد بينا أن الله تعالى لما أمر رسوله أن يخير أزواجه فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة ؛ شكر لهن اختيارهن وحرم عليه ما سواهن من النساء ، ونهاه عن الاستبدال بهن ، ثم اختلف القول أنه هل أحل له النساء من بعد أولا ؟ فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ' ما توفي رسول الله حتى أحل له النساء ' .
والقول الثاني : أن الحرمة بقيت إلى أن توفي النبي .
وقوله : ( ^ ولو أعجبك حسنهن ) ظاهر المعنى ، وفي الآية قول آخر . وهو ما روي عن مجاهد أنه قال : ( ^ لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ) أي : ليس لك أن تختار غير المسلمات على المسلمات ، ومعناه : أنه لا يجوز له أن يتزوج يهودية ولا نصرانية . وفي بعض التفاسير : أن التي أعجبته هي أسماء بنت عميس الخثعمية ، وكانت عند جعفر بن أبي طالب ، فلما استشهد عنها أراد النبي أن يخطبها ، فنهى عن ذلك .
وقوله : ( ^ إلا ما ملكت يمينك ) يعني : سوى ما ملكت يمينك ، وقوله ( ^ وكان الله على كل شيء وقيبا ) أي : حفيظا .
____________________


( ^ وكان الله على كل شيء رقيبا ( 52 ) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا ) * * * * < < الأحزاب : ( 53 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ) سبب نزول الآية : ما روى أن الصحابة كانوا يدخلون بيوت النبي بغير إذن ، وينتظرون إدراك الطعام ، فإذا فرغوا من الطعام جلسوا يتحدثون وأطالوا الجلوس ، وكان النبي يتأذى بهم ويستحي منهم ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وعلمهم هذا الأدب بينهم وبين النبي .
وقد ثبت برواية أنس ' أن النبي أو لم على زينب بنت جحش ودعا أصحابه ، فلما فرغوا وخرجوا ، جلس رجلان يتحدثان ، وأحب النبي أن يخرجا فيخلوا بأهله فلم يخرجا ' . وفي رواية : أنه خرج مرات ليتبعاه فلم يخرجا أيضا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . ومن المعروف أيضا أن نساء النبي لم يكن يحتجبن عن الرجال على عادة العرب ، وكان عمر يقول : يا رسول الله ، احجب نساءك ؛ فإنه يدخل عليك البر والفاجر ؛ وكان النساء يتزرن بالليل ، ويخرجن إلى المناصع لحاجتهن ، فخرجت سودة ليلة وكانت امرأة طويلة ، فقال عمر : قد عرفناك يا سودة ، ورفع صوته حرصا على أن ينزل الحجاب ، فأنزل الله تعالى آية الحجاب ' . ومن المعروف أيضا ' أن النبي كان يأكل مع عائشة حيسا ، فمر عمر فدعاه فجعل يأكل معهما ، فوقع أصبعه على أصبع عائشة ، فقال عمر : حس لو أطاع فيكن [ ما رأتكن ] عين ، فأنزلت آية الحجاب ' .
____________________


( ^ مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان ) * * * *
وقوله : ( ^ غير ناظرين إناه ) أي : إدراكه ونضجه ، قال الشاعر :
( تمخضت المنون له بيوم ** أنى ولكل حاملة تمام )
وقوله : ( ^ ولكن إذا دعيتم فادخلوا )
وقوله : ( ^ فإذا طعمتم فانتشروا ) قال الحسن البصري وغيره : نزلت الآية في الثقلاء . وعن إبراهيم النخعي : من عرف أنه ثقيل فليس بثقيل .
وقوله : ( ^ ولا مستأنسين لحديث ) أي : لا يقعدوا في بيت النبي بعد الفراغ من الطعام يتحدثون مستأنسين بالحديث .
وقوله : ( ^ إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم ) أي : يستحي من إخراجكم .
وقوله : ( ^ والله لا يستحي من الحق ) أي : لا يترك بيان الحق [ وذكره ] حياء .
وقوله : ( ^ وإذا سألتموهن متاعا ) أي : حاجة .
وقوله : ( ^ فاسألوهن من وراء حجاب ) أي : من وراء ستر . وفي التفسير : أنه لم يكن يحل بعد آية الحجاب لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء النبي ، منتقبة كانت أو غير منتقبة ؛ لأن الله تعالى قال : ( ^ من وراء حجاب ) وروى أن عائشة كانت إذا طافت ستروا وراءها .
وقوله : ( ^ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) أي : أطهر من الريب .
وقوله : ( ^ وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ) قال أهل التفسير : لما نزلت آية الحجاب ومنع الرجال من الدخول في بيوت النبي ، قال رجل من الصحابة : ما بالنا نمنع من الدخول على بنات أعمامنا ، والله لئن حدث أمر لأتزوجن عائشة ، والأكثرون على أن القائل لهذا طلحة بن عبيد الله ، وكان من رهط أبي بكر الصديق .
____________________


( ^ لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا أن ذلكم كان عند الله عظيما ( 53 ) إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما ( 54 ) لا جناح ) وكان ذلك القول زلة منه ؛ فأنزل الله تعالى [ قوله هذا ] : ( ^ وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ) .
وقوله : ( ^ ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما ) أي : ذنبا عظيما . < < الأحزاب : ( 54 ) إن تبدوا شيئا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن تبدوا شيئا أو تخفوه ) والذي أبدى وأظهرهو قول ذلك القائل : ما بالنا نمنع من الدخول على بنات أعمامنا .
وقوله : ( ^ أو تخفوه ) والذي أخفي هو إضماره نكاح عائشة بعد النبي ، وروى أنه لم يقل هذا ، ولكنه أضمر .
وقوله : ( ^ فإن الله كان بكل شيء عليما ) أي : عالما . في تفسير النقاش : أن النبي خطب بعد نزول هذه الآية ، وقال : ' أيها الناس ، إن الله فضلني على سائر الرجال ، وفضل نسائي على سائر النساء ، وإن الله حرمهن عليكم وجعلهن كأمهاتكم ، فلا تعتدوا حدوده فسيحتكم بعذاب أليم ، ألا وإن صفوتي من نسائي عائشة بنت أبي بكر إلا ما كان من خديجة بنت خويلد ، وإن فاطمة سيدة نساء العالمين إلا ما كان من مريم بنت عمران ، والحسن والحسين رضي الله عنهما سيدا شباب أهل الجنة ، وإن أبا بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة ما خلا النبيين والمرسلين ' . < < الأحزاب : ( 55 ) لا جناح عليهن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا جناح عليهن في آبائهن ) الآية . روى أن الآية الأولى لما نزلت قام الآباء والأبناء ، فقالوا : ما حالنا يا رسول الله أندخل عليهن أم لا ؟ فأنزل الله تعالى قوله : ( ^ لا جناح عليهن ) أي : لا إثم عليهن ( ^ في آبائهن ولا أبنائهن ، ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ) فإن قيل : لم يذكر الأعمام ، وبالإجماع يجوز للأعمام أن يدخلوا عليهن ، إنه قد قال : ( ^ في آبائهن ) وقد دخل الأعمام في جملة
____________________


( ^ عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا ( 55 ) إن ) * * * * الآباء وقد سمى الله تعالى العم أبا في القرآن ، قال الله تعالى حاكيا عن الأسباط أنهم قالوا ليعقوب : ( ^ نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) وقد كان إسماعيل عم يعقوب .
وقوله : ( ^ ولا نسائهن ) فيه قولان : أحدهما : أن المراد من نسائهن المسلمات ، فعلى هذا القول لم يكن يجوز لليهوديات والنصرانيات الدخول عليهن . والقول الثاني : أن قوله : ( ^ ولا نسائهن ) عام في المسلمات وغير المسلمات ، فعلى هذا القول إنما قال : ( ^ ولا نسائهن ) لأنهن من أجناسهن ، وعلى القول الأول قال : ( ^ ولا نساءهن ) لأن نسائهن المسلمات دون غير المسلمات .
وقوله : ( ^ ولا ما ملكت أيمانهن ) فيه قولان : أحدهما : أن ما ملكت أيمانهن هن الإماء ، قال سعيد بن المسيب : لا يغرنكم قوله : ( ^ ولا ما ملكت أيمانهن ) فإنما المراد منه الإماء دون العبيد .
والقول الثاني : أن المراد منه العبيد والإماء .
واختلف القول أن العبيد إلى ماذا يحل لهم النظر على هذا القول ؟ فأحد القولين : أنه يحل لهم النظر إلى ما يحل للمحارم .
والقول الآخر : أنه يحل [ النظر ] إلى ما يبدو في العادة من الوجه واليدين والقدمين ، ولا يحل النظر إلى ما سوى ذلك ، هذا هو الأحوط .
وقوله : ( ^ واتقين الله ) هذا خطاب لأزواج النبي حتى لا يبرزن ولا يكشفن الستر عن أنفسهن .
وقوله : ( ^ إن الله كان على كل شيء شهيدا ) أي : شاهدا .
____________________


( ^ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ( 56 ) إن ) * * * * < < الأحزاب : ( 56 ) إن الله وملائكته . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ إن الله وملائكته يصلون على النبي ) الصلاة من الله بمعنى الرحمة والمغفرة ، والملائكة والمؤمنين بمعنى الدعاء .
قال ثعلب : قول القائل : اللهم صل على محمد أى : زده بركة ورحمة ، وأصل الصلاة في اللغة الدعاء ، وقد بينا من قبل . وقد ثبت عن النبي أنه قال : ( ( صلى على مرة صلى الله عليه عشرا ) ) .
وفي بعض الأخبار : ( ( أن جبريل عليه السلام لما نزل بهذا سجد الرسول الله شكرا ) ) .
وقد ثبت برواية كعب بن عجرة أنه قال : يارسول الله ، قد عرفنا السلام عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ فقال : ( ( قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) ) .
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : إذا صليتم على رسول الله فأحسنوا الصلاة عليه ؛ فلعلها تعرض عليه ؛ قالوا له : فعلمنا . قال : قولوا اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ، سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وخاتم النبيين ، إمام الخير ، وقائد الخير ، ورسول الرحمة ، اللهم ابعثه المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون
( ^ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا ) والآخرون .
وروى الأصمعي قال : سمعت المهدي وهو محمد بن عبد الله بن جعفر المنصوري على منبر البصرة يقول : إن الله تعالى أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ، وثنى بملائكته ، فقال : ( ^ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .
وأما السلام على الرسول فهو أن تقول : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، هذا في حق أصحاب رسول الله ، وكانت السنة لهم أن يواجهوا الرسول على هذا الوجه ، فأما في حق سائر المؤمنين ففي التشهد يقول على ما هو المعروف .
وقد ذكر بعض العلماء أنه يقول في التشهد : السلام على النبي ورحمة الله وبركاته . ولا يقول : عليك .
والصحيح ما بينا ، وإنما خارج المصلى ، فإنه يقول : السلام على النبي ورحمة الله وبركاته .
ويستدل بهذه الآية في وجوب الصلاة على النبي إذا صلى ، على ما هو مذهب الشافعي رحمه الله ووجه الاستدلال : أن الله تعالى أمرنا بالصلاة على النبي ، وأولى موضع بوجوب الصلاة فيه هو الصلاة . فوجب في الصلاة ، أن يصلي على رسول الله . < < الأحزاب : ( 57 ) إن الذين يؤذون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين يؤذون الله ورسوله ) قد ثبت عن النبي أنه قال : ' يقول الله تعالى : يشتمني عبدي ، وما ينبغي له أن يشتمني ، ويكذبني عبدي ، وما ينبغي له أن يكذبني . أما شتمه إياي هو أن يزعم أني اتخذت ولدا . وأما تكذيبه إياي هو أنه يزعم أني لن أعيد خلقي ، وأنا المبدئ المعيد ' .
____________________


( ^ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ( 58 ) يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) * * * *
وقال بعضهم : ( ^ إن الذين يؤذون الله ورسوله ) أي : أولياء الله .
وأصح القولين أن قوله : ( ^ يؤذون الله ) على طريق المجاز ، وأما على الحقيقة فلا يلحقه أذى من قبل أحد .
وقوله : ( ^ لعنهم الله في الدنيا والآخرة ) أي : طردهم وأبعدهم من رحمته .
وقوله : ( ^ وأعد لهم عذابا مهينا ) أي : يهينهم ويخزيهم . < < الأحزاب : ( 58 ) والذين يؤذون المؤمنين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ) أي : يقعون فيهم ، ويعيبونهم بغير جرم وجد من قبلهم .
وذكر [ هنا ] مقاتل أن الآية نزلت في قوم كانوا يؤذون علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر الكلبي أن الآية نزلت في قوم من المنافقين كانوا يمشون في الطريق ويغمزون النساء .
وقوله : ( ^ فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) ظاهر المعنى . < < الأحزاب : ( 59 ) يا أيها النبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) ذكر المفسرون أن المدينة كانت ضيقة المنازل ، وكان النساء يخرجن إلى البوار بالليالي لقضاء الحاجات ، وكان قوم من المنافقين والفاسقين يرصدونهن ويتعرضون لهن ، فمن كانت عفيفة منهن صاحت وتركوها ، ومن كانت غير عفيفة أعطوها شيئا وواقعوها .
وفي رواية : أنهم كانوا يتعرضون للإماء ، ولا يتعرضون للحرائر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وقوله تعالى : ( ^ يدنين عليهن من جلابيبهن ) أي : يشتملن بالجلابيب ، والجلباب
____________________


( ^ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ( 59 ) لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا ) * * * * هو الرداء ، وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار .
قال عبيدة السلماني : تتغطى المرأة بجلبابها فتستر رأسها ووجهها وجميع بدنها إلا إحدى عينيها .
وروى أن الله تعالى لما أنزل هذه الآية اتخذ نساء الأنصار أكيسة سوداء واشتملن بها فخرجن كأن رءوسهن الغربان .
وقوله : ( ^ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) أي : يعرفن أنهن حرائر ( ^ فلا يؤذين ) أي : لا يتعرض لهن .
وقوله : ( ^ وكان الله غفورا رحيما ) قد بينا من قبل .
وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة قد تقنعت وتجلببت علاها بالدرة ، ويقول : أتتشبهين بالحرائر . < < الأحزاب : ( 60 ) لئن لم ينته . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض ) أي : شهوة الزنا .
وقوله : ( ^ والمرجفون في المدينة ) قد كان قوم من المنافقين يكثرون الأراجيف ، وكان إذا خرجت سرية أو غازية ، قالوا : قد هزموا وقتلوا ، ويوقعون بين المسلمين أمثال هذه الأشياء ؛ لتضعف قلوبهم ويحزنوا .
وقوله : ( ^ لنغرينك بهم ) أي : نسلطنك عليهم ، ونحملنك على قتلهم .
وفي بعض التفاسير : أن قوما منن المنافقين هموا بإظهار الكفر ، فأمر الله تعالى رسوله أن يقتلهم إذا أظهروا .
وقال السدي : من تتبع امرأة في طريق وكابرها قتل محصنا كان أو غير محصن لهذه الآية .
____________________


( قليلا ( 60 ) ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ( 61 ) سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ( 62 ) يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ( 63 ) إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا ) * * * *
وقوله : ( ^ ثم لا يجاورونك فيها ) أي : في المدينة .
وقوله : ( ^ إلا قليلا ) أي : إلا وقتا قليلا . < < الأحزاب : ( 61 ) ملعونين أينما ثقفوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ملعونين ) وهو نصب على الحال .
وقوله : ( ^ أينما ثقففوا ) معناه : أينما صدفوا ووجدوا .
وقوله : ( ^ أخذوا وقتلوا تقتيلا ) فقوله : قتلوا تقتيلا ، قال السدي : ( ما قال ) < < الأحزاب : ( 62 ) سنة الله في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ سنة الله في الذين خلوا من قبل ) وفعلوا مثل هذا الفعل .
وقوله : ( ^ ولن تجد لسنة الله تبديلا ) أي : تغييرا . < < الأحزاب : ( 63 ) يسألك الناس عن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يسألك الناس عن الساعة ) أي : متى قيامها .
وقوله : ( ^ قل إنما علمها عند الله ) أي : علم قيامها عند الله .
وقوله : ( ^ وما يدريك ) أي : وما يعلمك ؟ أي : لا تعلم وقت قيامها .
وقوله : ( ^ لعل الساعة تكون قريبا ) أي : قريبة . < < الأحزاب : ( 64 ) إن الله لعن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الله لعن الكافرين ) أي : أبعدهم عن الرحمة ، وطردهم من الخيرات .
وقوله : ( ^ وأعد لهم سعيرا ) أي : نارا مسعرة . < < الأحزاب : ( 65 ) خالدين فيها أبدا . . . . . > >
وقوله : ( ^ خالدين فيها أبدا ) قد بينا .
قوله تعالى : ( ^ [ لا يجدون وليا ولا نصيرا ] < < الأحزاب : ( 66 ) يوم تقلب وجوههم . . . . . > > يوم تقلب وجوههم في النار ) أي :
____________________


( ( 64 ) خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا ( 65 ) يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ( 66 ) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلوا السبيلا ( 67 ) ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ( 68 ) يا أيها ) * * * * يسحبون على وجوههم في النار .
وقوله : ( ^ يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ) أي : الرسول ، وذكر الرسولا على موافقة رءوس الآي على ما بينا من قبل . < < الأحزاب : ( 67 ) وقالوا ربنا إنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ) وقرئ : ' ساداتنا ' ، وقوله : ( ^ وكبراءنا ) هم الأشراف ورءوس الناس .
قوله : ( ^ فأضلونا السبيلا ) أي : السبيل ، ومعناه : صدونا عن طريق الحق . < < الأحزاب : ( 68 ) ربنا آتهم ضعفين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ربنا آتهم ضعفين من العذاب ) أي : عذبهم ضعفي عذاب غيرهم . وقيل : عذبهم عذاب الدنيا والآخرة ، والأول أولى .
وقوله : ( ^ والعنهم لعنا كبيرا ) أي : مرة بعد مرة ، وقرئ : ' كثيرا ' بالثاء ، والمعنى واحد . < < الأحزاب : ( 69 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ) معناه : لا تؤذوا محمدا فتكونوا كالذين آذوا موسى ، وفيما أوذي به الرسول قولان : أحدهما : أنهم آذوه في أمر زيد بن حارثة ونكاحه زينب .
والثاني : ما روى أنه قسم غنيمة فقام رجل وقال : اعدل ، فإنك لم تعدل ، فقال النبي : ' رحم الله موسى ؛ لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ' .
وأما الذي أوذي به موسى ففيه قولان : أحدهما وعليه أكثر أهل التفسير ما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : ' كان موسى رجلا حييا ، وكان لا يغتسل إلا وحده ، وكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى ( عورة
____________________


( ^ الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ( 69 ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ( 70 ) يصلح لكم أعمالكم ) * * * * البعض ) ، فقالوا : إن موسى لا يغتسل إلا وحده ؛ لأن به آفة ، وقالوا : إنه آدر ، فاغتسل موسى مرة ووضع ثوبه على حجر ، فعدا الحجر بثوبه ، فأخذ موسى العصا وجعل يقول : ثوبي يا حجر ، ثوبي يا حجر ، حتى مر على ملأ من بني إسرائيل فنظروا إليه ولم يروا به بأسا ، وقام الحجر فطفق يضربه بالعصا ' .
قال أبو هريرة : قال رسول الله : ' وكأني بالحجر ندبا من أثر ضربه أربعا أو خمسا ' . والخبر في الصحيحين ' .
وفي الخبر : ' أن الله تعالى أنزل في هذا قوله [ تعالى ] : ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى ) الآية .
وفي بعض الروايات : أن الحجر قال له : يا موسى ، لم تضربني ، إنما أنا عبد مأمور .
والقول الثاني في الآية : ما روى عن علي رضي الله عنه أنه قال : صعد هارون وموسى الجبل ، فمات هارون ونزل موسى وحده ، فقالت له بنو إسرائيل : أنت قتلت هارون ، وقد كان ألين جانبا منك وأحب إلينا ، فبعث الله الملائكة حتى حملوا هارون ميتا إليهم ، وتكلموا بموته حتى سمعوا بني إسرائيل ذلك ، ثم إن الملائكة حملوا هارون ودفنوه فلم يعرف أحد موضع قبره إلا الرخم ، فجعله الله تعالى أصم أبكم .
وقوله : ( ^ فبرأه الله مما قالوا ) أي : طهره الله مما قالوا .
وقوله : ( ^ وكان عند الله وجيها ) أي : بتكليمه إياه ، والوجيه في اللغة هو ذو الجاه . < < الأحزاب : ( 70 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ) أي : صوابا ،
____________________


( ^ ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ( 71 ) إنا عرضنا الأمانة ) * * * * ويقال : صدقا .
وعن ابن عباس : هو كلمة لا إله إلا الله . وقال بعضهم : سديدا ، أي : مستقيما ، يقال : سدد أي : استقم ، قال زهير :
( فقلت له سدد وأبصر طريقه ** وما هو فيه عن وصاتي شاغله )
أي : عن وصيتي ، وقال بعضهم : قولا سديدا أي : قولا يوافق باطنه ظاهره . < < الأحزاب : ( 71 ) يصلح لكم أعمالكم . . . . . > >
وقوله : ( ^ يصلح لكم أعمالكم ) أي : يزك لكم أعمالكم . وقيل : يصلح لكم أعمالكم : يتقبل منكم الحسنات .
وقوله : ( ^ ويغفر لكم ذنوبكم ) أي : يسترها ويعف عنها .
وقوله : ( ^ ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) أي : ظفر بالخير كله . < < الأحزاب : ( 72 ) إنا عرضنا الأمانة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا عرضنا الأمانة ) قال ابن عباس : الأمانة الفرائض . وقال الضحاك : الطاعة . وعن أبي العالية الرياحي : ما أمر به ونهى عنه . وقال أبي بن كعب : الأمانة ها هنا حفظ الفرج .
وأولى الأقاويل ما ذكرنا عن ابن عباس ، وقول الضحاك وأبي العالية قريب من ذلك . وفي بعض التفاسير : أن أول ما خلق الله تعالى من ابن آدم فرجه وأتمنه عليه ، وقال : إن حفظته حفظتك .
وعن أبي حمزة السكري أنه قال : إني أعلم من نفسي أني أؤدي الأمانة في مائة ألف دينار ، ومائة ألف دينار ، ومائة ألف دينار إلى أن ينقطع النفس ، ولو باتت عندي امرأة وأتمنت عليها خفت ألا أسلم منها .
وعن ابن مسعود أنه قال : من الأمانة أداء الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ، والصدق في الحديث ، وقضاء الدين ، والعدل في المكاييل والموازين ، قال : وأشد من هذا كله الودائع . وهذا القول قريب من قول ابن عباس .
____________________


( ^ على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه ) * * * *
وقال أهل العلم : الأمانة قطب الإيمان ، قال النبي : ' لا إيمان لمن لا أمانة له ' .
ومن الأمانة أن يكون الباطن موافقا للظاهر ، فكل من عمل عملا يخالف عقيدته فقد خان الله ورسوله . وقد قال الله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ) نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر ، وقد كان وضع أصبعه على حلقه ، يشير إلى بني النضير إنكم إن نزلتم فهو الذبح ، وقد بينا .
وقوله : ( ^ على السموات والأرض والجبال ) فيه أقوال :
الأول : وهو قول أكثر السلف ، وهو المحكي عن ابن عباس وجماعة التابعين : هو أن الله تعالى عرض أوامره على السموات والأرض والجبال عرض تخيير لا عرض إلزام ، وقال لهن : أتحملن هذه الأمانة بما فيها ؟ قلن : وما فيها ؟ ! فقال : إن أحسنتن جوزيتن ، وإن عصيتن عوقبتن ، فقلن : لا نتحمل الأمانة ، ولا نريد ثوابا ولا عقابا ، وعرضها على آدم فتحملها بما فيها . وفي بعض التفاسير : أنه قال : بين أذني وعاتقي .
قال ابن جريج : عرض على السماء ، فقالت : يا رب ، خلقتني وجعلتني سقفا محفوظا ، وأجريت في الشمس والقمر والنجوم ، ومالي قوة لحمل الأمانة ، ثم عرضها على الأرض ، فقالت : يا رب ، خلقتني وجعلتني بساطا ممدودا ، وأجريت في الأنهار ، وأنبت في الأشجار ، وما لي قوة لحمل الأمانة ، وذكر عن الجبال قريبا من هذا ، وجملها آدم وأولاده . وعن مجاهد قال : أبت السموات والأرض والجبال أن يحملوا الأمانة ، وجملها آدم فما كان بين أن حملها وخان فيها وأخرج من الجنة إلا ما بين الظهر والعصر .
وحكى النقاش بإسناده عن ابن مسعود أنه قال : مثلت الأمانة كصخرة ملقاة ،
____________________


( ^ كان ظلوما جهولا ( 72 ) ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ) * * * * ودعيت السموات والأرض والجبال إليها فلم يقربوا منها ، وقالوا : لا نطيق حملها ، وجاء آدم من غير أن يدعي وحرك الصخرة ، وقال : لو أمرت بحملها . فقلن له : احمل ، فحملها إلى ركبتيه ثم وضعها وقال : والله لو أردت أن أزداد لزدت فقلن : احمل ، فحملها حتى بلغ حقوه ثم وضعها وقال : والله لو أردت أن أزداد لزدت ، فقلن : احمل ، فحملها حتى وضع على عاتقه ، وأراد أن يضعها ، فقال الله تعالى : مكانك ، فهي في عنقك وعنق ذريتك إلى يوم القيامة .
فإن قال قائل : كيف عرضها على السموات والأرض والجبال ، وهي لا تعقل شيئا ؟ قلنا : قد بينا الجواب عن أمثال هذا من قبل . وقال بعض أهل العلم : يحتمل أن الله تعالى خلق فيها عقلا وتمييزا حين عرض الأمانة عليهن حتى أعقلت الخطاب ، وأجابت بما أجابت .
وأما قوله : ( ^ فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ) أي : لم يقبلوا حمل الأمانة وخافوا منها .
وقوله : ( ^ وحملها الإنسان ) يعني : آدم عليه السلام .
وقوله : ( ^ إنه كان ظلوما جهولا ) قال الحسن البصري : ظلوما لنفسه ، جهولا بربه ، حكاه أبو الحسين بن فارس . والقول الثاني : ظلوما لنفسه بأكل الشجرة ، جهولا بعاقبة أمره .
وعن جماعة من العلماء : أن المراد بالظلوم الجهول هو المنافق والمشرك . وقد حكى هذا عن الحسن في رواية .
والقول الثاني ، في أصل الآية أن المراد من العرض على السموات والأرض والجبال هو العرض على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال وهو مثل قوله : ( ^ واسأل القرية ) أي : أهل القرية .
____________________


( ^ ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما ( 73 ) . ) * * * *
والقول الثالث ذكره الزجاج وغيره من أهل المعاني قالوا : إن الله تعالى ائتمن آدم وأولاده على شيء ، وأتمن السموات والأرض والجبال على شيء ، فأما الأمانة في حق بني آدم معلومة ، وأما الأمانة في حق السموات والأرض والجبال فهو بمعنى الخضوع والطاعة . قال الله تعالى : ( ^ ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أوكرها قالتا أتينا طائعين ) .
وحكى السجود عن السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ، وذكر في الحجارة قوله : ( ^ وإن منها لما يهبط من خشية الله ) .
وقوله : ( ^ فأبين أن يحملنها ) أي : أدين الأمانة فيها ، يقال : فلان لم يتحمل الأمانة أي : لم يخن فيها .
وقوله : ( ^ وأشفقن منها ) أي : أدين الأمانة خوفا منها .
وقوله : ( ^ وحملها الإنسان ) أي : خان فيها وأثم ، يقال : فلان حمل الأمانة أي : أثم فيها بالخيانة ، قال الله تعالى : ( ^ وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ) وقوله : ( ^ إنه كان ظلوما جهولا ) قد بينا ، قال الأزهري : وقد أحسن وأجاد أبو إسحاق الزجاج في هذا القول وأثنى عليه ، وقول السلف ما بينا من قبل . < < الأحزاب : ( 73 ) ليعذب الله المنافقين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ليعذب الله المنافقين والمنافقات ) اللام ها هنا لام كي ، ومعناه : كي يعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات يعني إذا خانوا .
وقوله : ( ^ ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات ) أي : يهديهم ويرحمهم إذا أدوا الأمانة . وعن ابن قتيبة قال معناه : ليظهر المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ، ويعذبهم على الخيانة في الأمانات ، ويظهر المؤمنين والمؤمنات بأداء الأمانة .
وقوله : ( ^ وكان الله غفورا رحيما ) ظاهر المعنى .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
>
( ^ الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير ( 1 ) يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج ) * * * * <
> تفسير سورة سبأ <
>
وهي مكية . < < سبأ : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . . > >
( ^ الحمد لله الذي له ما في السموت وما في الأرض ) أي : له ملك السموات والأرض . ويقال : خلق ما في السموات وما في الأرض .
وقوله : ( ^ وله الحمد في الآخرة ) فيه قولان : أحدهما : أن معناه له الحمد في الأولى والآخرة على ما قال في موضع آخر . وفي الأولى والآخرة وجهان : أحدهما : أنهما الدنيا والآخرة ، والآخر : أنهما السموات والأرض .
والقول الثاني : أن قوله : ( ^ وله الحمد في الآخرة ) وهو ما جاء من ذكر الحمد عن أهل الجنة ، وهو في قوله تعالى : ( ^ وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) ، وفي قوله : ( ^ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) ، وفي قوله : ( ^ الحمد لله الذي صدقنا وعده ) .
وقوله : ( ^ وهو الحكيم الخبير ) أي : الحكيم في ملكه ، الخبير بخلقه . < < سبأ : ( 2 ) يعلم ما يلج . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ يعلم ما يلج في الأرض ) أي : يدخل فيها من المطر .
وقوله : ( ^ وما يخرج منها ) أي : من الزرع ، ويقال : إن المراد منه الأموات يدخلون إذا قبروا ، ويخرجون إذا حشروا .
وقوله : ( ^ وما ينزل من السماء ) أي : من المطر والملائكة والأحكام والأقضية .
وقوله : ( ^ وما يعرج فيها ) أي : يصعد إليها من الملائكة والأعمال والأدعية
____________________


( ^ فيها وهو الرحيم الغفور ( 2 ) وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ( 3 ) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك ) * * * * المقبولة .
وقوله : ( ^ وهو الرحيم الغفور ) قد بينا . < < سبأ : ( 3 ) وقال الذين كفروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة ) قالوا هذا تكذيبا بالبعث .
وقوله : ( ^ قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب ) فيه تقديم وتأخير ، ومعناه : قل بلى وربي عالم الغيب لتأتينكم الساعة ، وقرأ حمزة : ' علام الغيب ' .
وقوله : ( ^ لا يعزب عنه ) أي : لا يغيب عنه ، وقرأ يحيى بن وثاب : ' لا يغرب عنه ' بالغين المعجمة والراء .
وقوله : ( ^ مثقال ذرة في السموات ولا في والأرض ) أي : وزن ذرة ( ^ ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ) أي : أصغر من الذرة إلى أن لا يحيط به العقل ، وأكبر إلى ألا يحيط به العقل ، والمعنى أن كل ذلك في علمه .
وقوله : ( ^ إلا في كتاب مبين ) أي : بين . < < سبأ : ( 4 ) ليجزي الذين آمنوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي : ليثيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات .
وقوله : ( ^ أولئك لهم مغفرة ورزق كريم ) أي : العيش الهنيء . < < سبأ : ( 5 ) والذين سعوا في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين سعوا في آياتنا معاجزين ) معناه : اضطربوا وعملوا في التكذيب بآياتنا .
وقوله : ( ^ معاجزين ) أي : مشاقين ، ويقال : مسابقين ، ويقال : فائتين ، وقرئ : ' معجزين ' أي : مثبطين ، وقيل : ظانين أنا نعجز عنهم ، فيكون معنى معجزين أنهم نسبوا العجز إلينا .
____________________


( ^ لهم مغفرة ورزق كريم ( 4 ) والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم ( 5 ) ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ( 6 ) وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ( 7 ) أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين ) * * * *
وقوله : ( ^ أولئك لهم عذاب من رجز أليم ) ظاهر المعنى . < < سبأ : ( 6 ) ويرى الذين أوتوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويرى الذين أوتوا العلم ) قال بعضهم : هذا في مؤمني أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وغيره ، والصحيح أن الآية في الذين آمنوا بالنبي من أهل مكة وغيرهم ، وهو بمكة ؛ لأن السورة مكية ، وعبد الله بن سلام وأشباهه إنما آمنوا بالمدينة .
وقوله : ( ^ الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ) يعني : أنه من الله تعالى .
وقوله : ( ^ ويهدي إلى صراط العزيز الحميد ) يعني : أن القرآن الذي أنزله الله يهدي إلى صراط العزيز الحميد ، وهو الله تعالى . < < سبأ : ( 7 ) وقال الذين كفروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم ) أي : يخبركم .
وقوله : ( ^ إذا مزقتم كل ممزق ) أي : إذا فرقتم كل تفريق ، وقطعتم كل تقطيع ، والمعنى : إذا أكلتم الأرض ، وصرتم رفاقا وترابا ينبئكم محمد إنكم لفي خلق جديد ، قالوا ذلك على طريق الجحد والتكذيب . < < سبأ : ( 8 ) أفترى على الله . . . . . > >
وقوله : ( ^ أفترى على الله كذبا ) وقرئ بنصب الألف وكسرها ، أما من قرأ بالكسر فهو راجع إلى الحكاية عن الكفار ، كأنهم قالوا : افترى محمد على الله كذبا .
وقوله : ( ^ أم به جنة ) معناه : أو به جنون لا يدري ما يقول .
وأما من قرأ بالنصب ففيه قولان : أحدهما معناه : أفترى على الله كذبا يعني : لم يفتر ، ويكون ابتداء كلام من الله تعالى . قال الشاعر :
____________________


( ^ لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ( 8 ) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ( 9 ) ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي ) * * * *
( استحدث القلب من أشياعهم خبرا ** أم راجع القلب من أطرابهم طرب )
ومعناه : استحدث . والقول الثاني : أن معنى قوله : ( ^ أفترى على الله كذبا ) أي أفترونه افتراء على الله كذبا .
وقوله : ( ^ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) فعلى القراءة الأولى وهو بالكسر هذا ابتداء كلام من الله تعالى ردا عليهم ، وعلى القراءة الثانية هو مسوق على ما تقدم .
وقوله : ( ^ في العذاب والضلال البعيد ) أي : الشقاء الطويل ؛ ذكره السدي ، وقال : في الخطأ البعيد من الحق . < < سبأ : ( 9 ) أفلم يروا إلى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ) قال أهل التفسير : إنما ذكر هذا ؛ لأن الإنسان إذا خرج من داره لا يرى إلا السماء والأرض وما فيهما . ويقال : إنما قال هذا ؛ لأن السماء والأرض محيطتان بالخلق ، فكأن أحدهما بين أيديهم ، والأخرى خلفهم بمعنى الإحاطة .
وقوله : ( ^ إن نشأ نخسف بهم الأرض ) أي : يغيبهم في الأرض .
وقوله : ( ^ أو نسقط عليهم كسفا من السماء ) أي : جانبا من السماء . وقيل : قطعة من السماء .
وقوله : ( ^ إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ) أي : راجع إلى الله تعالى بقلبه . وقيل : منيب : أي : مجيب .
قال الشاعر :
( أناب إلى قولي فأصبحت مرصدا ** له بالمكافأة المنيبة والشكر )
____________________


( ^ معه والطير وألنا له الحديد ( 10 ) أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا ) * * * * < < سبأ : ( 10 ) ولقد آتينا داود . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد آتينا داود منا فضلا ) اختلف القول في الفضل الذي أوتي داود ؛ فقال بعضهم : هو النبوة . وقال بعضهم : هو الملك . ويقال : القضاء بالعدل . وقيل : حسن الصوت . وقيل : تليين الحديد له ، وجميع ما أعطي وخص به .
وقوله : ( ^ يا جبال أوبي معه ) أكثر أهل التفسير على أن معناه : سبحي معه ؛ وهو عن ابن عباس وغيره ، ويقال : رجعي معه .
وقرأ الحسن : ' أوبي معه ' بضم الألف وسكون الواو ، وهو في معنى الأول .
وفي بعض التفاسير : أن داود عليه السلام كان إذا لحقه فتور أسمعه الله تعالى تسبيح الجبال منشطا له .
وقوله : ( ^ والطير ) أي : وأمرنا الطير أن تسبح معه .
وقوله : ( ^ وألنا له الحديد ) قال قتادة : كأن الحديد جعل له كالعجين ، فيعمل الدرع من غير نار ولا مطرقة . < < سبأ : ( 11 ) أن اعمل سابغات . . . . . > >
وقوله : ( ^ أن اعمل سابغات ) أي : الدروع الكوامل . ويقال : الطوال التي تسحب في الأرض .
قال الشاعر :
( وأكثرهم دروعا سابغات ** وأمضاهم إذا طعنوا سنانا )
وقوله : ( ^ وقدر في السرد ) أي : عدل في السرد ، ومعناه : قدر المسامير في حلق الدروع حتى يكون بمقدار لا يغلظ المسمار ويضيق الخلق فتفصم الحلقة ، ولا توسع الحلقة وتدقق المسمار فيسلس ويقلق وهذا قول مجاهد ، وقال : قدر في السرد أي : احكم نسج الدرع . وقال قتادة : السرد : المسامير في الحلق . وهو قريب من قول مجاهد ، وأنشدوا :
( أجاد المسدي سردها وأذا لها )
____________________


( ^ إني بما تعملون بصير ( 11 ) ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب ) * * * *
يقول : وسعها وأجاد حلقها يقال : درع مسرودة إذا كانت مسمورة الحلق ، ويقال : قدر في السرد أي : اجعله على القصد وقدر الحاجة .
وقوله : ( ^ واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير ) ظاهر المعنى .
وفي القصة : أن داود عليه السلام كان يعمل كل يوم درعا ، ويبيعه بستة آلاف درهم ، فينفق ألفين منها على نفسه وعياله ، ويتصدق بأربعة آلاف على فقراء بني إسرائيل . وفي بعض التفاسير : أنه عمل ألف درع . < < سبأ : ( 12 ) ولسليمان الريح غدوها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولسليمان الريح غدوها شهر ) أي : وسخرنا لسليمان الريح .
وقوله : ( ^ غدوها شهر ورواحها شهر ) أي : مسيرة غدوها شهر ، ومسيرة رواحها شهر ، ومعناه : أنه كان يسير مسيرة شهرين في يوم واحد . وفي القصة : أنه كان يسير من بيت المقدس إلى اصطخر مسيرة شهر للراكب المسرع غدوة ، ويقيل بها ثم يروح مسيرة شهر إلى بابل مسيرة شهر للركب المسرع . وقيل : كان يتغدى بالري ، ويتعشى بسمرقند . وقيل : كان يتغدى بصنعاء ، ويتعشى ببابل وهو العراق والله أعلم .
وفي التفسير : أن الريح كانت تحمله وجنوده ولا تثير ترابا ولا تقلب ورقة على الأرض ، ولا تؤذي طائرا في السماء .
وقوله : ( ^ وأسلنا له عين القطر ) أى : أسلنا له عين النحاس .
وفي التفسير : أن الله تعالى أذاب له النحاس ، وجعل يسيل ثلاثة أيام من كل شهر مثل الماء .
وقوله : ( ^ ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ) أي : بأمر ربه .
وقوله : ( ^ ومن يزغ منهم عن أمرنا ) أي : يعدل منهم عن أمرنا فلا يعمل لسليمان .
وقوله : ( ^ نذقه من عذاب السعير ) أي : في الآخرة ، هذا أحد القولين ، والقول
____________________


( ^ السعير ( 12 ) يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور ) * * * * الآخر : أنه كان ( يكون ) عند سليمان ملك قائم بيده سوط من نار ، فإذا عصى أحد من الشياطين ضربه فيحرقه ، فهو معنى قوله : ( ^ نذقه من عذاب السعير ) . < < سبأ : ( 13 ) يعملون له ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يعملون له ما يشاء من محاريب ) أي : المساجد ، ويقال : الأبنية المرتفعة . وفي القصة : أنه أمرهم ببناء الحصون بالصخر ، فبنوا باليمن حصونا كثيرة عجيبة ، وهي صرواح ومرواح وفلتون وهندة وهنيدة وغمدان وغير ذلك .
وقوله : ( ^ وتماثيل ) أي : الصور . فإن قال قائل : أليس أن عمل الصور مكروه ؟ قلنا : هو في هذه الشريعة ، ويحتمل أنها كانت مباحة في شريعته ، وقد كان عيسى يصور من الطين وينفخ فيه فيجعله الله طيرا . واختلف القول في الصور التي اتخذتها الشياطين ؛ فأحد القولين : أنها صورة السباع والطيور من العقبان والنسور ، وما أشبه ذلك .
والقول الثاني : أنه أمرهم باتخاذ صورة الأنبياء والزهاد والعباد ، حتى إذا نظرت بنو إسرائيل إليهم ازدادوا عبادة .
وقوله : ( ^ وجفان كالجواب ) أي : كالحياض ، والجفان جمع جفنة . وفي القصة : أن كل جفنة كان يقعد عليها ألف إنسان . وأنشد حسان في الجفنة شعرا :
( لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ** وأسيافنا من نجدة تقطر الدما )
وأنشدوا في الجابية :
( كجابية الشيخ العراقي تفهق )
أي : تمتلئ .
وحكى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه رأى مرة من هذه القصاع الصغار فقال : والله لقد ذهبت البركة من كل شيء ، وقرأ قوله : ( ^ وجفان كالجواب ) .
وفي القصة : أنه كان لسليمان عليه السلام سماط يسع أربعمائة ألف إنسان ،
____________________


( ^ راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور ( 13 ) فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا ) * * * * وكان يأكل خبز الشعير ، ويطعم أهله وحاشيته خبز الخشكار ويطعم الفقراء الدرمك ، وهو الخبز النقي .
وقوله : ( ^ وقدور راسيات ) أي : ثابتات مرتفعات ، ومنه الجبال الرواسي . وفي القصة ، أنه كان يصعد إليها بالسلاليم .
وقوله : ( ^ اعملوا آل داود شكرا ) قال : تقدر اشكروا الله شكرا ، ويقال : إن الشكر هو تقوى الله والعمل بطاعته . وقيل : إن آل داود هو داود نفسه ، ويقال : داود وسليمان وأهل بيته . وفي القصة : أنه لما نزل هذا على داود قال : والله لا يزال منا بالليل والنهار قائم وصائم ، فكان لا يأتي يوم إلا ومن آل داود فيه صائم ، ولا تأتي ساعة من الليل إلا ومن آل داود فيها قائم . وروى أنه ناوب ساعات الليل وكان يقوم ما شاء الله ، فإذا أراد أن يرقد أيقظ بعض أهله .
وروى أنه قال لسليمان عليه السلام يا بني ، اكفني أمر النهار يعني : في العبادة أكفك أمر الليل ، فقال سليمان : لا أقدر ، فقال : اكفني أول النهار وأكفك الباقي . وروى أنه قال : يا رب ، كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك علي ؟ فقال : الآن شكرتني .
وقوله : ( ^ وقليل من عبادي الشكور ) ظاهر المعنى . والفرق بين الشاكر والشكور : أن الشكور هو الذي يتكرر منه الشكر ، والشاكر الذي يشكر مرة . وقيل : هما واحد . < < سبأ : ( 14 ) فلما قضينا عليه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قلما قضينا عليه الموت ) أي : على سليمان الموت .
وقوله : ( ^ ما دلهم على موته إلا دابة الأرض ) قال بعض المفسرين : كانت الجن تعمل لسليمان عليه السلام في بناء مسجد بيت المقدس ؛ فقرب موت سليمان وقد بقي من العمل بقية ، فقبض الله روح سليمان وهو متكئ على عصا ، وكانوا يظنون أنه حي ، ويجتهدون في العمل ، فأكلت الأرضة العصا فخر سليمان عليه
____________________

السلام ميتا بعد حول ، وقد فرغوا من العمل ؛ فلما عرفوا موته تفرقوا بعد أن بقوا في العمل سنة بعد موته . قال ابن عباس : فشكرت الجن ذلك للأرضة ، فهم يأتونه بالطين والماء في جوف الخشب . وذكر بعضهم : أن سليمان عليه السلام كان إذا رأى شجرة نابتة سألها : ما اسمك ؟ فتخبره إن كانت للغرس غرست ، وإن كانت للدواء كتب اسمها ، فصلى مرة فرأى شجرة نبتت في مصلاة ، فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : الخروب ، فقال : لم نبت ؟ قالت : لخراب هذه الأرض ، فعلم أن موته قد قرب ، فسأل الله تعالى أن يعمي على الجن موته . فقال أهل التفسير : وكانت الجن تزعم أنهم يعلمون الغيب ، فأمر الله تعالى سليمان أن يتخذ عصا ويتوكأ عليها . وقيل : اتخذها من تلك الشجرة فقبض الله تعالى روحه وهو قائم متوكئ على العصا ، فكانت الجن ينظرون إليه ويظنون أنه حي ، ويعملون إلى أن سقط بعد حول . وأراد الله تعالى بذلك أن يعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب ، وقيل : ليعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب وكانوا قد شبهوا على الإنس ذلك ، فإن قيل على التأويل الأول : كيف يشتبه على أحد أنه يعلم الغيب أو لا يعلم الغيب ؟ وإن خفي عليه أمر غيره لا يخفى عليه أمر نفسه ؟ والجواب : أن مردة الجن كانوا صوروا لضعفاء الجن أنهم يعلمون الغيب ، وكان يقع بعض الاتفاقات ، فكانوا يظنون أنهم يعلمون الغيب لغلبة الجهل ، وعند بعضهم : أن عملهم لم يكن في بناء مسجد بيت المقدس ، فإنه قد كان وقع الفراغ عن فعل ذلك بسنين ، وإنما كانوا يعملون غير ذلك من الأعمال .
وقوله : ( ^ تأكل منسأته ) أي : عصاته ، والمنسأة : العصا بلغة الحبشة ، وقرئ : ' منسأته ' بسكون الهمزة ، وهي ما بينا .
قال الشاعر :
( إذا ادببت على المنساة من كبر ** فقد تباعد عنك اللهو والغزل )
ويقال كلاهما بالعربية . ويقال : نسأت الغنم إذا زجرتها وسقتها ويقال : نسأ الله في أجلك أي : أخره .
وقوله : ( ^ فلما خر تبينت الجن ) أي : تبينت الجن للإنس أن لو كانوا يعلمون
____________________


( ^ يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( 14 ) لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان ) * * * * الغيب ما لبثوا في العذاب المهين أي : التعب والشقاء الطويل ، ذكره الأزهري على هذا التقرير . وأما المتقدمون قالوا معناه : تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ، والقراءة هكذا في مصحف ابن مسعود ، وهكذا قرأ ابن عباس أيضا . والتأويل الثالث : أن ، معنى الآية : ( ^ تبينت الجن ) أي : عرفت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين . وروى الضحاك عن ابن عباس في رواية أخرى : أن سليمان لم يكن متوكئا على العصا ، وإنما كان في بيت مغلق وتوفاه الله تعالى ، وأكلت الأرضة عتبة الباب ، فسقط الباب بعد حول ، وظهر للجن موته .
وأشهر القولين هو الأول ، وفي القصة : أن سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء المسجد ذبح [ اثنتي عشرة ] ألف بقرة ومائة وعشرين ألف شاة تقربا إلى الله تعالى وأطعمها الناس ، وكان بناه بالصخر والقار ، وزخرف الحيطان ، وزين المحراب بالجواهر واليواقيت ، وعملوا شيئا عجيبا ، ثم إنه قام على الصخرة وقال : اللهم ، أنت أعطيتني هذا السلطان العظيم ، وسخرت لي ما سخرت ، فأوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وتوفني مسلما ، وألحقني بالصالحين ، اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد ليصلي فيه خمس خصال : إن كان مذنبا تغفر له ذنبه ، وإن كان فقيرا أغنيته ، وإن كان سقيما شفيته ، وإن كان خائفا أمنته ، وأسألك ألا تصرف بصرك عمن دخله حتى يخرج منه ، إلا من دخله بإلحاد أو ظلم . < < سبأ : ( 15 ) لقد كان لسبإ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لقد كان لسبأ ) أكثر أهل التفسير على أن سبأ اسم رجل ، ونسبت القبيلة إليه ، كما أن تميما اسم رجل ، ونسبت القبيلة إليه . وروى فروة بن ( مسيك الغطيفي ) أن رسول الله قال : سبأ اسم رجل ولد عشرة من الذكور
____________________


( ^ عن يمين وشمال من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ( 15 ) فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل ) * * * * فتيامن منهم ستة ، وتشام أربعة ، وأما الستة الذين تيامنوا : فحيمر ، وكندة ، ومذحج ، والأزد ، والأشعر ، وأنمار ، وأما الأربعة الذين تشاموا : فعاملة ، وغسان ، ولخم ، وجذام ' . وأما سبأ فهو ابن يشخب بن يعرب بن قحطان . وقد قيل : إن سبأ اسم بلد ، والأصح هو الأول .
وقوله : ( ^ في مساكنهم آية ) وقرئ : ' في مسكنهم ' والآية هي العلامة ، ومعناها : أنا جعلنا لهم آية تدلهم على أن النعم التي لهم من الله تعالى .
وقوله : ( ^ جنتان عن يمين وشمال ) في القصة : أنه كان لهم واد يسيل ، وعلى يمين الوادي جنات مصطفة أي : البساتين وكذلك على يسار الوادي .
وقوله : ( ^ كلوا من رزق ربكم ) أي : قلنا لهم كلوا من رزق ربكم .
وقوله : ( ^ واشكروا له ) أي : واشكروا الله على نعمه .
وقوله : ( ^ بلدة طيبة ) أي : طيبة الهواء ، عذبة الماء ، كثيرة الفواكه ، وذكر ابن زيد : أنه لم يكن بها بعوض ولا بق ولا ذباب ولا عقرب ولا حية ولا شيء من أمثال هذا ، وكان الرجل الغريب يدخلها وفي ثيابه القمل ، فيموت القمل في ثيابه من صحة الهواء وطيبه .
وقوله : ( ^ ورب غفور ) أي : ورب غفور للذنوب إن شكرتم نعمه .
فإن قيل : أي فائدة لتخصيصهم بهذا ، والله غفور لكل العباد ؟ والجواب عنه : أن مغفرة الرب مع طيب البلدة على تلك الغاية لم تكن إلا لهم . < < سبأ : ( 16 ) فأعرضوا فأرسلنا عليهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأعرضوا ) أي : فأعرضوا عن شكر النعم .
وقوله : ( ^ فأرسلنا عليهم سيل العرم ) اختلفوا في العرم على أربعة أقاويل : أولها :
____________________

أنه اسم الوادي ، والآخر : أنه اسم المسنأة ، وقد كانوا بنوا المسناة بالصخر والقار بينه وبين الماء ، وجعلوا على المسناة أبوابا تفتح وتسد ، فإذا احتاجوا إلى الماء فتحوا ، وإذا استغنوا سدوا .
وذكر النقاش : أنه كان ذلك من عمل بلقيس ، وكانت جعلت على المسناة اثني عشرة مخرجا ، يخرج منها اثنا عشر نهرا ، وكانت المسناة سدا بين جبلين ، والمياه وراء السد تجتمع من السيول . والقول الثالث : أن العرم هو السيل الشديد أي : أرسلنا عليهم السيل الشديد . والقول الرابع : أن العرم هو اسم الجرذ ، وهو الفأرة ، وقيل : كان اسم الخلد ، وسلطه الله تعالى على المسناة حتى نقبها ، ودخل الماء وغرق البلد والبساتين . قال ابن الأعرابي : العرم والبر من أسماء الفأرة ، ومنه قولهم : فلان لا يعرف هرا من برا أي : السنور من الفأرة ، وذكر أبو ( الحسين ) بن فارس في تفسيره : أن القوم كانوا قد سمعوا أن هلاك بلدهم بالفأر من كهانهم ، فجاءوا بالسنانير وربطوها عند كل جرف ( في المسناة ) ، فجاءت فأرة حمراء كبيرة وساورت السنور وهزمته ودخلت في الجرف ، وتغلغلت المسناة حتى نقبتها وخرقتها .
وقوله : ( ^ وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي ) أي : بدلناهم بجنتيهم اللتين كانتا ذواتي فاكهة بجنتين ذواتي ( ^ أكل خمط ) بتنوين اللام ، وقرئ : ' أكل خمط ' بغير التنوين على الإضافة ، والقراءة على الإضافة أظهر القرائتين في المعنى لأن الخمط اسم لشجر له شوك . قال أبو عبيدة : كل شجر له شوك فهو خمط إذا لم يكن له ثمر . وعن بعضهم : أن الخمط شجر له ثمر يسمى فسوة الضبع ، لا ينتفع به ويتفرك إذا أدرك من غير أن ينفع أحدا ، والمعروف في التفسير أن ثمر الخمط هو البربر ، والبربر ثمر الأراك ، فالخمط هو الأراك ، فهو معنى قوله : ( ^ أكل خمط ) . والأكل هو الثمر .
____________________


( ^ وشيء من سدر قليل ( 16 ) ذلك جريناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ( 17 ) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ) * * * *
وأما قراءة التنوين : قال الفراء والزجاج : كل نبت له مرارة وعصوفة فهو خمط ، فعلى هذا قوله : ( ^ خمط ) صفة الأكل ، ومعناه : ذواتي ثمر على هذا الوصف ، وهو المرارة والعفوصة .
وقوله : ( ^ [ وأثل ] وشيء من سدر قليل ) السدر : شجر معروف ، وهو شجر النبق . وقيل : إن هذا السدر كان بريا لا ينتفع به ، وأما السدر الذي ينتفع به لغسل اليد وغيره ، فهو الذي كنا نعرف في البساتين ، ولم يكن لهم ذلك . < < سبأ : ( 17 ) ذلك جزيناهم بما . . . . . > >
وقوله : ( ^ ذلك جزيناهم بما كفروا ) النعمة .
وقوله : ( ^ وهل نجازي إلا الكفور ) يقال في العقوبة : نجازي ، وفي المثوبة : نجزي ، يعني : وهل نجازى مثل هذه المجازاة إلا من كفر النعم ؟ ويقال : وهل نجازى إلا الكفور ؟ أى : هل نحاسب إلا الكفور ؟ وقد ثبت برواية عائشة رضي الله عنها أن النبي قال : ' من نوقش الحساب عذب ' . قالت عائشة : فقلت يا رسول الله : أليس قال الله تعالى : ( ^ فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) فقال : ذلك العرض ، ومن نوقش [ الحساب ] عذب ' .
فإن قيل : قد قال : ( ^ بدلناهم بجنتيهم جنتين ) والأرض التي فيها أشجار الأثل والخمط لا تسمى جنة ؟ والجواب عنه : إنما سمي ذلك على طريق المقابلة ، وهو مثل قوله تعالى : ( ^ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وقوله : ( ^ وجزاء سيئة سيئة مثلها ) . < < سبأ : ( 18 ) وجعلنا بينهم وبين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة ) القرى التي
____________________


( ^ ليالي وأياما آمنين ( 18 ) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم ) * * * * باركنا فيها ( هي ) الشام ، ومعنى القرى الظاهرة أي : المتصلة ، وقيل : ظاهرة يعني : [ للرائي ] ، على معنى أنهم كانوا إذا نزلوا بقرية رأوا قرية أخرى .
وقوله : ( ^ وقدرنا فيها السير ) أي : السير أي : قدرنا سيرهم بين هذه القرى ، والمعنى : أنهم كانوا إذا غدوا يقيلون بقرية ، وإذا رجعوا يبيتون بقرية . وقيل : تقدير السير أن سيرهم كان في الرواح والغدو على قدر نصف يوم ، فكانوا إذا ( جازوا ) نصف يوم وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار . قال قتادة : كانوا لا يحتاجون أن يحملوا زادا . وقال أيضا : كانت المرأة تضع مكتلها على رأسها ، وتمر تحت الأشجار فيمتلئ المكتل من الثمار من غير اجتناء .
وقوله : ( ^ سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ) أي : قلنا لهم سيروا فيها بالليالي والأيام آمنين من الخوف والجوع والظمأ ، ومعنى قوله : ( ^ سيروا ) أي : مكناهم من السير . ويقال : إن معنى قوله : ( ^ سيروا ) أي : يسيرون ، أمر بمعنى الخبر ، ومعناه : يسيرون فيها ليالي وأياما آمنين ، وعلى ما ذكرنا . < < سبأ : ( 19 ) فقالوا ربنا باعد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ) وقرئ : ' بعد بين أسفارنا ' بغير ألف ، وقرأ يحيى بن يعمر : ' ربنا باعد بين أسفارنا ' بنصب العين والدال ، فعلى القراءة المعروفة معنى الآية سؤال ، وعلى القراءة الشاذة معنى الآية على وجه الخبر . قال مجاهد : بطروا النعمة وسأموا الراحة . ومثله عن ابن عباس فقالوا : [ ربنا ] بعد بين القرى لنركب الرواحل ، ونحمل الأزواد في الفلوات ، وهذا مثل قول بني إسرائيل : ( ^ وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ) الآية . وأما القراءة الشاذة فكأنهم استبعدوا القريب على ما يفعله الجهلة .
وقوله : ( ^ وظلموا أنفسهم ) أي : بترك الشكر .
____________________


( ^ أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( 19 ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ( 20 ) وما كان له عليهم من سلطان إلا ) * * * *
وقوله : ( ^ فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ) أي : أحاديث في القرون التي تأتي ، وفرقناهم وبددناهم كل مفرق ومبدد . قال الشعبي : تفرقوا في البلاد لما غرقت قراهم وهلكت جناتهم ، فمر الأزد إلى عمان ، وخزاعة إلى تهامة ، وغسان إلى الشام ، وآل ( خزيمة ) إلى العراق ، والأوس والخزرج إلى يثرب . وكان الذي قدم المدينة منهم عمرو بن عامر وهو جد الأوس والخزرج .
وفي بعض التفاسير : أن قراهم كانت [ أربع ] آلاف وسبعمائة قرية ، وكانت متصلة من سبأ إلى الشام قرية قرية . وعن بعضهم في معنى قوله : ( ^ فجعلناهم أحاديث ) أن الناس يضربون بهم المثل في التمزق والتفرق ، والعرب تقول : صارت بنو فلان أيدي سبأ وأيادي سبأ إذا تفرقوا وتبددوا . وأنشد الأزهري :
( غيبا نرى الناس إليه تنسبا ** من صادر أو وارد أيدي سبا )
وقوله : ( ^ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) أي : صبار على البلاء ، شكور للنعمة . < < سبأ : ( 20 ) ولقد صدق عليهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ) وقرئ : ' صدق ' بالتخفيف أما بالتشديد فمعناه : أنه ظن ظنا وصدقه ، وظنه في قوله تعالى : ( ^ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم ) إلى قوله : ( ^ ولا تجد أكثرهم شاكرين ) ويقال : إنه ظن أنه إذا أغواهم اتبعوه ، وكان كذلك .
وفي التفسير أن إبليس قال : لقد أخرجت آدم من الجنة مع كثرة علمه وأغويته ، فأنا على ذريته أقدر .
____________________


( ^ لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ( 21 ) قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما ) * * * *
وأما قراءة التخفيف فمعناه : صدق عليهم في ظنه .
وقوله : ( ^ فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ) يعني : إلا كل المؤمنين ، هكذا قاله أكثر أهل التفسير ؛ لأن المؤمنين لم يتبعوه في أصل الدين ، وقد قال الله تعالى : ( ^ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) يعني : المؤمنين وعن بعضهم : إلا فريقا من المؤمنين : خواص المؤمنين ؛ وهم الذين يطيعون الله ولا يعصونه .
قال الحسن البصري : والله إنه لم يسل عليهم سيفا ولا ضربهم بسوط ، وإنما وعدهم ومناهم فاغتروا . < < سبأ : ( 21 ) وما كان له . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما كان له عليهم من سلطان ) أي : من سلطان على المؤمنين .
وقوله : ( ^ إلا لنعلم ) معناه : لكي نعلم ( ^ من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ) أي : لنعلم المؤمن من الكافر علم وقوع ، وقد علم علم الغيب ، وقد بينا هذا من قبل . قال ابن فارس : هذا على عادة كلام العرب مع الجهلة ، فإنك لو قلت : السكين تقطع اللحم ، أو اللحم يقطع السكين ، وقد علم قطعا أن السكين هو الذي يقطع اللحم ، ولكن يخرج الكلام على خطاب الجاهل ، وتقرير الأمر له .
وقوله : ( ^ وربك على كل شيء حفيظ ) أي : رقيب . < < سبأ : ( 22 ) قل ادعوا الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله ) أي : الذين زعمتم [ أنهم ] آلهة من دون الله . وفي الآية حذف ، والمحذوف ادعوهم ليكشفوا عنكم الضر الذي نزل بكم ، وذلك في سني الجوع ، وكان الله تعالى ضربهم بالجوع حتى أكلوا الميتات يعني قريش ثم قال : ( ^ لا يملكون مثقال ذرة ) أي : الأصنام لا تملك مثقال ذرة أي : وزن ذرة من النفع والضر ، والذرة هي النملة الحمراء .
____________________


( ^ لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ( 22 ) ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ( 23 ) قل ) * * * *
وقوله : ( ^ في السموات ولا في الأرض ) ظاهر .
وقوله : ( ^ وما لهم فيهما من شرك ) أي : ما للآلهة التي تدعون من دون الله شركة في السموات والأرض .
وقوله : ( ^ وما له منهم من ظهير ) أي : معين . < < سبأ : ( 23 ) ولا تنفع الشفاعة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) أي : أذن الله له ، وقرئ : ' إلا لمن أذن له ' أي : إلا لمن أذن له في شفاعته .
وقوله : ( ^ حتى إذا فزع عن قلوبهم ) لا بد أن يكون ها هنا محذوف ؛ لأن حتى من ضرورته أن يتصل بما تقدم ، ولم يوجد شيء يتصل به ، فيجوز أن يكون المحذوف إثبات فزع والملائكة وخوفهم إذا قضى الله تعالى بأمر من السماء إلى الأرض .
وقوله : ( ^ فزع عن قلوبهم ) أي : كشف الفزع عن قلوبهم .
وقرئ في الشاذ : ' فزع عن قلوبهم ' أي : فرغت قلوبهم عن الخوف .
وقد ثبت عن النبي برواية أبي هريرة : ' أن الملائكة تسمع صوت الوحي شبه السلسلة على الصفوان فيصعقون ، ويضربون بأجنحتهم خضعانا لله تعالى ' .
وفي رواية : ' يخرون على جباههم ، فإذا كشف الفزع عنهم ( ^ قالوا ماذا قال ربكم ) ' أي : قال بعضهم لبعض : ماذا قال ربكم ؟
وقوله : ( ^ قالوا الحق ) أي : قالوا : قال الله تعالى الحق أي : الوحي وذكر السدي وغيره : أنه لما كان زمان الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام وكانت بمقدار ستمائة سنة ، فلم تسمع الملائكة وحيا في هذه المدة ، فلما بعث محمد
____________________


( ^ من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) * * * * نزل جبريل بالوحي ، ففزعوا لذلك خوفا من قيام الساعة ، فلما كشف الفزع عن قلوبهم سألوا عما قضاه الله من أمره ، فذكر لهم أن الله تعالى أوحى إلى محمد .
وقوله : ( ^ وهو العلي الكبير ) أي : المتعالي العظيم في صفاته . < < سبأ : ( 24 ) قل من يرزقكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل من يرزقكم من السموات والأرض ) فالرزق من السموات هو المطر ، ومن الأرض هو النبات .
وقوله : ( ^ قل الله ) يعني : إن لم يقولوا : إن رازقنا هو الله تعالى ، فقل أنت إن رازقكم هو الله تعالى .
وقوله : ( ^ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) فإن قيل : ' أو ' في كلام العرب للشك ، فكيف تستقيم كلمة أو في هذا الموضع ؟ ولا يجوز لأحد أن يشك أنه على الهدى أو على الضلال ، والجواب عنه من وجوه : أحدها : ما ذكره الفراء وهو : أو ها هنا بمعنى الواو ، والألف صلة ، فكأنه قال : ' وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ' يعني : نحن على الهدى وأنتم في الضلال . قال أبو الأسود الدؤلي شعرا :
( يقول الأرذلون بنو قشير ** طوال الدهر لا تنسى عليا ؟ )
( أحب محمدا حبا شديدا ** وعباسا وحمزة والوصيا )
( فإن يك حبهم رشدا أصبه ** وفيهم أسوة إن كان غيا )
فقيل : ما شككت ، وقرأ قوله تعالى : ( ^ وإنا أو إياكم لعلى هذى أو في ضلال مبين ) . وروى معنى هذا القول عن عكرمة .
والجواب الثاني : أن قوله : ( ^ وإنا أو إياكم ) خرج على شدة الاستبصار ، وعلى طريق المناصفة في الكلام ، كالرجل يقول لغيره : أحدنا كاذب ، فهل من سامع ؟ وهو متيقن أن الصادق هو ، والكاذب صاحبه . وكذلك يقول المولى لعبده عند شدة الغضب : تعال ننظر أينا يضرب صاحبه ، وهو يعلم أنه هو الذي يضرب غلامه .
والثالث : ما روي عن قتادة أنه فال معنى الآية : ما نحن وأنتم على طريقة واحدة ،
____________________


( ( 24 ) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ( 25 ) قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم ( 26 ) قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم ( 27 ) وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس ) * * * * بل أحدنا على الهدى ، والآخر على الضلالة ، ثم المهتدى من الفريقين معلوم ، والضال من الفريقين معلوم ، وهذا القول قريب من الأول ، وهو حسن . < < سبأ : ( 25 ) قل لا تسألون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل لا تسألون عما أجرمنا ) أي : عن جرمنا .
وقوله : ( ^ ولا نسأل عما تعملون ) أي : عن عملكم من الكفر والمعاصي . < < سبأ : ( 26 ) قل يجمع بيننا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل يجمع بيننا ربنا ) يعني : يوم القيامة .
وقوله : ( ^ ثم يفتح بيننا ) أي : يحكم بيننا ، والعرب تسمي الحاكم فتاحا ، وقد ذكرنا .
وقوله : ( ^ وهو الفتاح العليم ) ظاهر . ويقال : هو الحاكم العالم بوجوه المصلحة . < < سبأ : ( 27 ) قل أروني الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل أروني الذين ألحقتهم به شركاء ) أي : ألحقتموهم بالله شركاء .
وقوله : ( ^ أروني ) أي : أعلموني ماذا خلقوا ؟ وماذا صنعوا ؟
وقوله : ( ^ كلا ) يعني : فإن لم تجيبوا بالحق ، فقل : كلا أي : ليس الأمر على ما زعمتم .
وقوله : ( ^ بل هو الله العزيز الحكيم ) أي : الغالب على أمره ، الحكيم في تدبيره . < < سبأ : ( 28 ) وما أرسلناك إلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما أرسلناك إلا كافة للناس ) أي : جامعا بالإنذار والإبلاغ . وقيل : وما أرسلناك إلا للناس كافة ، على التقديم والتأخير ، وقد ثبت عن النبي أنه قال : ' بعثت إلى الأحمر والأسود ' .
وعن ابن زيد : كافة للناس أي : كافا للناس عن الكفر ، والهاء للمبالغة .
وقوله : ( ^ بشيرا ونذيرا ) أى : مبشرا ومنذرا .
وقوله : ( ^ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أي : لا يعلمون أنك نبي . وفي بعض التفاسير : أن أجل فائدة للعباد من الله هو العلم والقدرة ؛ لأن بهما يكتسب الإنسان
____________________


( ^ لا يعلمون ( 28 ) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( 29 ) قل لكم ميعاد يوما لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ( 30 ) وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين ( 31 ) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ) * * * * ما يوصله إلى رضا الله تعالى ، قال : والعلم أكثر فائدة من القدرة ؛ لأن العلم يتمخض نفعا ، والقدرة قد يكتسب بها المعصية . < < سبأ : ( 29 ) ويقولون متى هذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) يعني : القيامة . < < سبأ : ( 30 ) قل لكم ميعاد . . . . . > >
وقوله : ( ^ قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ) قد فسر هذا بيوم البعث ، وقد فسر بيوم الموت ، وكلاهما صحيح . < < سبأ : ( 31 ) وقال الذين كفروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ) إي : أشركوا .
وقوله : ( ^ ولا بالذي بين يديه ) يعني : من التوراة والإنجيل .
وقوله : ( ^ ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ) أي : محبوسون عند ربهم .
وقوله : ( ^ يرجع بعضهم إلى بعض القول ) أي : يجادل بعضهم بعضا .
وقوله : ( ^ يقول الذين استضعفوا ) أي : استحقروا ، وهم الأتباع .
وقوله : ( ^ للذين استكبروا ) أي : تجبروا ، وهم القادة والأشراف .
وقوله : ( ^ لولا أنتم لكنا مؤمنين ) أي : لولا أنكم كنتم قادتنا ورؤساءنا لآمنا بالله وبرسوله . < < سبأ : ( 32 ) قال الذين استكبروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال الذين استكبروا ) أي : تكبروا .
وقوله : ( ^ للذين استضعفوا ) أي : الأتباع .
وقوله : ( ^ أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم ) أي : منعناكم .
____________________


( ( 32 ) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ( 33 ) وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون ( 34 ) وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن )
وقوله : ( ^ بل كنتم مجرمين ) أي : الجرم كان لكم في اتباعكم أهواءكم . < < سبأ : ( 33 ) وقال الذين استضعفوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار ) أي : مكركم بنا في الليل والنهار . والعرب قد تضيف الفعل إلى الليل والنهار على توسع الكلام ، قال الشاعر :
( لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ** ونمت وما ليل المطي بنائم )
وقيل : بل مكر الليل والنهار معناه : طول الأمل ، وطول الأمل هو مكر الليل والنهار على طريق المجاز ، وقرئ في الشاذ : ' بل مكر الليل والنهار ' أي : كرور الليل والنهار .
وقوله : ( ^ إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ) أي : أشباها .
وقوله : ( ^ وأسروا الندامة ) قد بينا أن قوله : ( ^ وأسروا ) قد يكون بمعنى أخفوا ، وقد يكون بمعنى أظهروا .
قوله : ( ^ لما رأوا العاب ) أي : عاينوه .
وقوله : ( ^ وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ) هو فرع من عذاب أهل النار .
وقوله : ( ^ هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) أي : يعملون من الكفر والمعاصي . < < سبأ : ( 34 ) وما أرسلنا في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها ) أي : منعموها وأغنياؤها ، والترفة : النعمة .
وقوله : ( ^ إنا بما أرسلتم به كافرون ) أي : جاحدون . < < سبأ : ( 35 ) وقالوا نحن أكثر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا ) يعني : قال المترفون للفقراء الذين آمنوا نحن أكثر أموالا وأولادا .
____________________


( ^ بمعذبين ( 35 ) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 36 ) وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا )
وقوله : ( ^ وما نحن بمعذبين ) العذاب الذي يعذبون به في الدنيا ، وهو الفقر . والقول الثاني وهو أظهر القولين أن الذي خولنا وأعطانا الأموال والأولاد في الدنيا لا يعذبنا في الآخرة . < < سبأ : ( 36 ) قل إن ربي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) الآية . وردت لرد قولهم ، ومعناه : يبسط الرزق امتحانا وابتلاء ، ويضيق الرزق ( نظرا ) .
وقوله : ( ^ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ظاهر . < < سبأ : ( 37 ) وما أموالكم ولا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما أموالكم وأولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ) أي : قربى . وروى عن طاوس اليماني أنه كان يدعو ، ويقول : اللهم جنبني المال والولد ، وارزقني الإيمان والعمل .
وفي الأخبار أن النبي قال : ' اللهم من أحبني فارزقه العفاف والكفاف ، ومن أبغضني فأكثر ماله وولده ' .
وقوله : ( ^ إلا من آمن وعمل صالحا ) فيه قولان : أحدهما : أن هذا استثناء منقطع ، ومعناه : لكن [ من ] آمن وعمل صالحا .
والقول الثاني : أن معنى الآية ( ^ إلا من آمن وعمل صالحا ) فأولئك تقربهم أموالهم وأولادهم إلى طاعة الله ، وهذا أظهر القولين .
____________________


( ^ فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ( 37 ) والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون ( 38 ) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ) * * * *
وقوله : ( ^ فأولئك لهم جزاء الضعف ) أي : التضعيف ، ويقال : جزاء المضاعفة . والمضاعفة هو أنه يجزي بالواحد عشرا إلى سبعمائة .
وقوله : ( ^ وهم في الغرفات آمنون ) أي : ( في ) غرفات الجنة آمنون من العذاب ، وقيل : من الموت ، وقيل : من الأحزان . < < سبأ : ( 38 ) والذين يسعون في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين يسعون في آياتنا معاجزين ) قد بينا معنى قوله : ( ^ معاجزين ) و ( ^ معجزين ) .
وقوله : ( ^ أولئك في العذاب محضرون ) أي : مدخلون . < < سبأ : ( 39 ) قل إن ربي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ) فإن قيل : هذا تكرار للآية الأولى فلا يكون فيه فائدة ؟ والجواب عنه : أن فيه فائدة ، وهو أن الآية الأولى فيمن لا يعلم ؛ لأنه قال : ( ^ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) والآية الثانية فيمن يعلم حكمة الله تعالى ( في ) البسط والتقدير .
وقوله : ( ^ وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ) أي : يعطي خلفه . واختلف القول في موضع إعطاء الخلف فالأكثرون أن ( ذلك ) في الآخرة أو الدنيا .
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال : ' ما من صباح إلا وينادي ملكان ، يقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا ' .
وعن الحسن البصري قال : هو في الدنيا خاصة ، ولو لم يكن يخلف في الدنيا لبقي العبد بلا رزق . والقول الأول أحسن .
____________________


( ^ من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ( 39 ) ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ( 40 ) قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ( 41 ) فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا أو ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها ) * * * *
وقوله : ( ^ وهو خير الرازقين ) أي : خير من يرزق ويعطي . < < سبأ : ( 40 ) ويوم يحشرهم جميعا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ) يقول الله تعالى ذلك للملائكة توبيخا لمن عبدهم ، وهو مثل قوله تعالى : ( ^ وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) والمعنى على ما بينا . < < سبأ : ( 41 ) قالوا سبحانك أنت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قالوا سبحانك ) تسبيح الله : تعظيم له على وجه ينفي عنه كل سوء .
وقوله : ( ^ أنت ولينا من دونهم ) أي : نحن نتولاك ولا نتولاهم .
وقوله : ( ^ بل كانوا يعبدون الجن ) ( فإن قيل : كيف يصح قوله : ( ^ بل كانوا يعبدون الجن ) ) وهم عبدوا الملائكة ؟ والجواب من وجهين : أحدهما : أنه قال : ( ^ بل كانوا يعبدون الجن ) لأن الجن هم الذين زينوا لهم عبادة الملائكة ، ( والمراد من الجن الشياطين ، والقول الثاني : أنهم صوروا صور الجن ، وقالوا : هؤلاء الملائكة ) فاعبدوهم .
وقوله : ( ^ أكثرهم بهم مؤمنون ) ظاهر المعنى . < < سبأ : ( 42 ) فاليوم لا يملك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ) أي : جلب نفع ودفع ضر .
وقوله : ( ^ ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ) أي :
____________________


( ^ تكذبون ( 42 ) وإذ تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين ( 43 ) وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ( 44 ) وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف ) * * * * تجحدون . < < سبأ : ( 43 ) وإذا تتلى عليهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ) أي : واضحات .
وقوله : ( ^ قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم ) أي : يمنعكم ( ^ غما كان يعبد آباؤكم ) أي : من الأصنام .
وقوله : ( ^ وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى ) يعني : القرآن كذب مختلق .
وقوله : ( ^ وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين ) أي : بين . < < سبأ : ( 44 ) وما آتيناهم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما آتيناهم من كتب يدرسونها ) أي : يقرءونها .
وقوله : ( ^ وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ) أي : لم يأت العرب قبلك نبي ، ولا ينزل عليهم كتاب ، والمراد منه قريش . < < سبأ : ( 45 ) وكذب الذين من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وكذب الذين من قبلهم ) معناه : الذين مضوا من قبلهم ، وهم عاد وثمود وقوم موسى وقوم إبراهيم وقوم لوط وغيرهم .
وقوله : ( ^ وما بلغوا معشار ما آتيناهم ) أكثر أهل التفسير أن المراد من الآية هو أن هؤلاء الكفار وهم قريش ما بلغوا معشار ما آتينا الذين من قبلهم في القوة والمال والآلة . والقول الثاني أن معناه : وما بلغ الذين من قبلهم معشار ما آتينا هؤلاء يعني : أن كتاب هؤلاء أبين كتاب ، ورسولهم أفضل رسول ، والقول الأول هو المعروف . وأما المعشار فهو العشر ، وقيل : عشر العشر ، وذلك جزء من مائة ( جزء ) ، وقيل : هو عشر عشر العشر ، وهو جزء من ألف جزء .
____________________

( ^ كان نكير ( 45 ) قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ( 46 ) قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد ( 47 ) قل إن ربي يقذف ) * * * *
وقوله : ( ^ فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ) أي : إنكاري وتغييري . < < سبأ : ( 46 ) قل إنما أعظكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل إنما أعظكم بواحدة ) وقال مجاهد : بطاعة الله . وقيل : بتوحيد الله ، وهو قوله لا إله إلا الله . وذكر أهل المعاني مثل الفراء والزجاج وغيرهما أن معنى قوله : ( ^ أعظكم بواحدة ) أي : آمركم بخصلة واحدة ، ثم بين الخصلة ( فقال ) : ( ^ أن تقوموا لله مثنى وفرادى ) أي : تجتمعون فتنظرون وتحاورون وتنفردون ، وتخلون فتتفكرون والمعنى : انظروا في حال محمد عند الاجتماع وعند الخلوة فتعرفوا أنه ليس بساحر ، ولا بكاهن ، ولا به جنون ، ولا الذي أتى به شعرا .
وقوله : ( ^ تقوموا لله ) قال أهل التفسير : ليس المراد منه القيام الذي هو ضد الجلوس ، وإنما هو مثل قوله تعالى : ( ^ وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) .
وقوله : ( ^ ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ) أي : جنون .
وقوله : ( ^ إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) أي : عظيم . < < سبأ : ( 47 ) قل ما سألتكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل ما سألتكم من أجر ) أي : من جعل فهو لكم أي : تركته لكم . والمعنى : أني ما سألتكم من جعل ، لا أنه سأل وترك .
وقوله : ( ^ إن أجري إلا على الله ) أي : ما ثوابي إلا على الله .
وقوله : ( ^ وهو على كل شيء شهيد ) أي : شاهد . < < سبأ : ( 48 ) قل إن ربي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل إن ربي يقذف بالحق ) أي : يأتي بالحق .
وقوله : ( ^ علام الغيوب ) منصوب بأن ، وقرئ : ' علام الغيوب ' بالرفع أي : هو علام الغيوب .
____________________


( ^ بالحق علام الغيوب ( 48 ) قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد ( 49 ) قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب ) * * * * < < سبأ : ( 49 ) قل جاء الحق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل جاء الحق ) أي : القرآن ، وقيل : الرسول .
وقوله : ( ^ وما يبدئ الباطل ) قال قتادة : الباطل هو الشيطان ها هنا أي : ما يبدئ الشيطان شيئا [ ( ^ وما يعيد ) ] . وفي الآية قول آخر : وهو أن الله تعالى يقذف بالحق على الباطل ، فيذهب الباطل ولا يبقى منه بقية تبدئ شيئا أو تعيده . وقيل : الباطل هو الأصنام . < < سبأ : ( 50 ) قل إن ضللت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ) قال المفسرون : لما بعث رسول الله وجعل يعيب الأصنام ، قال له المشركون : إنك قد ضللت بتركك دين آبائك ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وقوله : ( ^ فإنما أضل على نفسي ) أي : إثم ضلالتي علي .
وقوله : ( ^ وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ) أي : من القرآن والحجج .
وقوله : ( ^ إنه سميع قريب ) ظاهر المعنى . < < سبأ : ( 51 ) ولو ترى إذ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولو ترى إذ فزعوا ) معناه : ولو ترى إذ فزعوا حين يبعثون ، وفي الآية جواب محذوف ، والمحذوف : ولو ترى إذا فزعوا حين يبعثون لرأيت عبرة يعتير بها ، ويقال : ولو ترى إذ فزعوا أراد به وقت الموت .
وقوله : ( ^ فلا فوت ) أى : لا يفوتون من الله ، كما قال الله في موضع آخر : ( ^ ولات حين مناص ) .
وقوله : ( ^ وأخذوا من مكان قريب ) في التفسير : أخذوا من تحت أقدامهم . ويقال : أخذوا من بطن الأرض ( إلى ظهرها ) .
____________________


( ( 50 ) ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ( 51 ) وقولوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ( 52 ) وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان ) * * * * < < سبأ : ( 52 ) وقالوا آمنا به . . . . . > >
قوله : ( ^ وقالوا آمنا به ) يعني : في القيامة ، وقيل : عند الموت ، وهو في معنى قوله تعالى : ( ^ فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ) .
وقوله : ( ^ وأنى لهم التناوش ) قال مجاهد وقتادة وكثير من المفسرين : التناوش هو التناول قال الشاعر :
( وهي تنوش الحوض نوشا من علا ( نوشا به تقطع ) أجواز الفلا )
ومعنى الآية على هذا أنهم يريدون أن يتناولوا الإيمان ، وقد بعد عنهم ذلك وفاتهم ، فأنى لهم ذلك . وقرئ ' وأنى لهم التناوش ' بالهمز ، وذكر أهل اللغة أن النئيش هو الحركة في إبطاء ، فالمعنى على هذا أنه من أنى لهم حركتهم فيما لا حيلة لهم فيه . وعن ابن عباس قال : معنى قوله : ( ^ وأنى لهم التناوش ) أنهم يسألون الرد إلى الدنيا ، وأنى لهم الرد .
وقوله : ( ^ من مكان بعيد ) أى : من الآخرة إلى الدنيا . < < سبأ : ( 53 ) وقد كفروا به . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ وقد كفروا به من قبل ) أي : بالقرآن ، وقيل : بمحمد .
وقوله : ( ^ من قبل ) أي : في الدنيا .
وقوله : ( ^ ويقذفون بالغيب ) أي : يظنون ظن الغيب ، ومعنى ظن الغيب : أنهم يقولون ما لا يعلمون ؛ وقولهم فيما لا يعلمون هو أنهم قالوا : محمد ساحر ، وكاذب ، وكاهن ، وشاعر ، ويقال : قولهم فيما لا يعلمون أنهم يقولون : ( لا بعث ولا جنة ) ولا نار .
____________________


( ^ بعيد ( 53 ) وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب ( 54 ) . * * * *
وقوله : ( ^ من مكان بعيد ) أنهم يقولون : ما أبعد هذا ، ( ويقال ) : من مكان بعيد أي : بعيد من ( علمهم ) . والقذف هو الرجم والرمي ، وجملة المعنى أنهم يخوضون فيما لا علم لهم به . < < سبأ : ( 54 ) وحيل بينهم وبين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) قال الحسن البصري : هو الإيمان وقبول التوبة . ويقال : المال والولد . ( وقيل ) : نعمة الدنيا وزهوتها . وعن إبراهيم النخعي أنه قال : ما تلوت هذه الآية إلا وذكرت الماء البارد .
وقوله : ( ^ كما فعل بأشياعهم من قبل ) أي : الأمم الماضية . وقيل : بأصحاب الفيل . والأشياع : جمع شيعة ، وهم الفرق .
وقوله : ( ^ إنهم كانوا في شك مريب ) أي : في شك مرتابين ، وفي الآية دليل على أن الشاك كافر بخلاف ما قاله بعض الناس ، وهو غلط عظيم في الدين ، وقد دلت هذه الآية على أن الشاك كافر وهو في النار ، وكذلك دل على هذا قوله تعالى : ( ^ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ) فقد أوجب لهم الكفر والنار بالظن . وقد روي عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : ( ^ وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش ) قال : هذه الآية نزلت في جيش السفياني ، وهو رجل [ يخرج ] في أخواله من كلب ، فخسف الله بهم بالبيداء إلا رجلا واحدا يخبر الناس ما صنع الله بهم ، وفيه قصة .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
>
( ^ الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ) * * * * <
> تفسير سورة فاطر <
>
وهي مكية < < فاطر : ( 1 ) الحمد لله فاطر . . . . . > >
( ^ الحمد لله فاطر السموات والأرض ) قد بينا معنى الحمد ، قوله : ( ^ فاطر السموات والأرض ) أي : مبدعهما ومنشئهما بلا مثال .
( وقوله ) : ( ^ جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة ) أي : ذوي أجنحة .
وقوله : ( ^ مثنى وثلاث ورباع ) أي : مثنى مثنى ، وثلاث وثلاث ، ورباع ورباع أي : اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة . شعر في المثنى : ( أحم الله ذلك من لقاء ** أحاد أحاد في شهرحلال )
قال الضحاك : مثنى جبريل ، وثلاث ميكائيل ، ورباع إسرافيل ، ومن المشهور أن النبي قال : ' رأيت جبريل ( عليه السلام ) وله ستمائة جناح قد سد الأفق ' . وروي أنه لما رآه على هذه الصورة صعق ' . وفي بعض الأخبار : ' أن جبريل عليه السلام يغتسل كل يوم في نهر ثم ينتقضن فما تقع قطرة إلا خلق الله تعالى منها ملكا ' . وفي بعض الأخبار أيضا أن الله تعالى خلق ملكا في
____________________


( ^ ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ( 1 ) ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ( 2 ) يا ) * * * * السماء شرفه ورفعه ، وذلك في الخبر ما شاء الله من عظمه ، فهو يسبح الله تعالى ، فما ينطق بتسبيحه إلا خلق الله تعالى منها ملكا .
وقوله : ( ^ يزيد في الخلق ما يشاء ) أظهر الأقاويل : أن الله تعالى يزيد في خلق الملائكة وأجنحتهم ما يشاء على ما ذكرنا . وعن قتادة قال : يزيد في الخلق ما يشاء : هو الملاحة في العيش . وعن الزهري قال : هو حسن الصوت . وحكى النقاش في تفسيره : أنه الشعر الجعد . وعن بعض التفاسير : أنه زيادة العقل والتمييز . وعن بعضهم : هو العلم بالصناعات .
وقوله : ( ^ إن الله على كل شيء قدير ) أي : قادر . < < فاطر : ( 2 ) ما يفتح الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ) أي : من رزق وغيث . وقيل : من عافية ( ^ فلا ممسك لها ) أي : لا حابس لها .
وقوله : ( ^ وما يمسك فلا مرسل له من بعده ) أي : ما يمنع فلا مرسل له من بعد الله أي : سوى الله وقد ثبت أن النبي كان يقول عقيب صلاة الفريضة : ' لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ' .
وثبت هذه اللفظة عنه أنه قالها في القيام بين الركوع والسجود .
وقوله : ( ^ وهو العزيز الحكيم ) أي : الغالب في ملكة ( الجحيم في تدبير خلقه ) . < < فاطر : ( 3 ) يا أيها الناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم ) أي : منة الله عليكم .
____________________


( ^ أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ( 3 ) وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور ( 4 ) يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ( 5 ) إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من ) * * * * *
وقوله : ( ^ هل من خالق غير الله ) استفهام على وجه التقرير ، كأنه قال : لا خالق غير الله .
وقوله : ( ^ يرزقكم من السماء والأرض ) أي : من السماء المطر ، ومن الأرض النبات .
وقوله : ( ^ لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ) أي : تصرفون عن الحق . < < فاطر : ( 4 ) وإن يكذبوك فقد . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور ) أي : ترد الأمور . < < فاطر : ( 5 ) يا أيها الناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الناس إن وعد الله حق ) يعني : وعد القيامة حق .
وقوله : ( ^ فلا [ تغرنكم ] الحياة الدنيا ) وفي الأثر : أن الله تعالى ما أعطي أحدا شيئا من الدنيا إلا اغترارا ، وما زوى من أحد شيئا من الدنيا إلا اختبارا .
وقوله : ( ^ ولا يغرنكم بالله الغرور ) أي : لا يغرنكم الغرور ، وهو الشيطان . قال الحسن : من الغرور أن تعمل المعصية ، وتتنمى على الله المغفرة . < < فاطر : ( 6 ) إن الشيطان لكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) أي : عادوه بطاعة الله .
وقوله : ( ^ إنما يدعو حزبه ) أي : أتباعه .
وقوله : ( ^ ليكونوا من أصحاب السعير ) أي : ليكونوا في السعير ، والسعير هو النار المتوقدة .
____________________


( ^ أصحاب السعير ( 6 ) الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كريم ( 7 ) أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله ) < < فاطر : ( 7 ) الذين كفروا لهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصلحات لهم مغفرة وأجر كبير ) أي : عظيم . < < فاطر : ( 8 ) أفمن زين له . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفمن زين له سوء عمله ) نزلت الآية في أبي جهل وأبي بن خلف وعتبة وشيبة والعاص بن وائل والأسود بن عبد يغوث وعقبة بن أبي معيط وأشباههم . والقول الثاني : أن الآية نزلت في أهل الأهواء والبدع ، والأولى أن يقال : إن الآية نزلت في الكفار ؛ لأن عليه أكثر أهل التفسير . وعن قتادة : أنه قال : منهم الخوارج الذين يستحلون الدماء والأموال ، قال : وأما أهل الكبائر فليس منهم ؛ لأنهم لا يستحلون الكبائر . وكذلك العمال الظلمة ، لأنهم يظلمون ، ويعلمون أنها ليست بحلال لهم .
وقوله : ( ^ فرآه حسنا ) ( وفي الآية حذف على طريقتين أحدهما : أن معنى الآية أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ) كمن هداه الله ( ^ فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) والطريق الثاني ، أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليه حسرة ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإن الله يضل من يشاء ، ويهدي من يشاء ، والحسرة هو الندم الشديد على ما فات .
وقوله : ( ^ إن الله عليم بما يصنعون ) ظاهر المعنى . < < فاطر : ( 9 ) والله الذي أرسل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والله الذي أرسل الرياح فتشير سحابا فسقناه إلى بلد ميت ) أى : لا ينبت فيها .
وقوله : ( ^ فأحيينا به الأرض بعد موتها [ كذلك ] النشور ) أي : كذلك النشور
____________________


( ^ يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون ( 8 ) والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور ( 9 ) من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد ) * * * * * في الآخرة . وروى وكيع بن عدس عن أبي رزين العقيلي أنه قال : ' يا رسول الله ، كيف يحيي الله الموتى ؟ قال له : هل مررت قط بأرض قحل أي : يابس ثم مررت بها وهي تهتز خضرا قال : نعم . قال : كذلك يحيي الله الموتى ' . < < فاطر : ( 10 ) من كان يريد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ من كان يريد العزة ) العزة : هي المنعة .
وقوله : ( ^ فلله العزة جميعا ) قال الفراء : معنى الآية : من كان يريد أن يعلم لمن العزة ، فلله العزة جميعا . وقال قتادة معناه : من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله . قال أهل النحو : هذا مثل ما يقول الإنسان : من كان يريد المال فالمال لفلان أي : ليطلب المال عند فلان ، كذلك معنى قوله : ( ^ من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) أي : فليطلب العزة من عنده . وقال بعض أهل التفسير : كان أهل الجاهلية يعبدون الأصنام ، ويتقربون بذلك إلى الله تعالى ، ويطلبون العز من عند الأصنام ، قال الله تعالى ( ^ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ) فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمرهم أن يطلبوا العز من الله لا من الأصنام .
وقوله : ( ^ إليه يصعد الكلم الطيب ) في الكلم الطيب أقوال أحدها : أنه لا إله إلا الله . والآخر : أنه القرآن ، ذكره شهر بن حوشب ، والثالث : أنه ذكر الله . وعن قتادة
____________________


( ^ الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر ) * * * * قال : إليه يصعد الكلم الطيب [ أي ] : يقبل الله الكلم الطيب . وعن ( ابن مسعود ) قال : ما نحدثكم بحديث إلا أتيناكم تصديق ذلك من كتاب الله تعالى ، ثم قال : ما من عبد يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتبارك الله ، إلا قبض عليهن ( ملك ) وضمهن تحت جناحه ، ثم يصعد بها إلى السماء ، ثم [ لا ] يمر بجمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يجيء بهن وجه الرحمن ثم تلا قوله تعالى : ( ^ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وقيل : الكلم الطيب هو الدعاء من العباد .
وفي بعض المسانيد برواية أنس عن النبي أنه قال : ' يقول الله تعالى كل يوم : أنا العزيز ، فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز ' .
وقوله : ( ^ والعمل الصالح يرفعه ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : ما روي عن الحسن وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك وغيرهم أنهم قالوا : والعمل الصالح يرفعه أي : العمل الصالح يرفع الكلم الطيبِ ، والقول الثاني : قول قتادة ؛ قال : والعمل الصالح يرفعه أي : يرفعه الله .
والقول الثالث : والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب . وأولى الأقاويل هو الأول ،
____________________


( ^ أولئك هو يبور ( 10 ) والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ) * * * * وقد روي عن الحسن البصري أنه قال : يعرض القول على العمل ، فإن وافقه رفع القول مع العمل ، وإن خالفه كان العمل أولى به . وفي بعض الآثار : أن العبد إذا قال : لا إله إلا الله بنية صادقة رفع إلى الله تعالى وله دوى كدوى النحل ، حتى يلقى بين يديه فينظر الله تعالى [ له ] نظرة لا ييأس بعدها أبدا ؛ هذا إذا وافقه عمله ، وإن خالفه وقف قوله حتى يتوب من عمله . ( وإن خالفه وقف ) .
قوله تعالى : ( ^ والذين يمكرون السيئات ) أي : يعملون السيئات ، ويقال : نزلت في مكر الكفار برسول الله حتى خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة على ما ذكرنا .
وقوله : ( ^ لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ) أي : يهلك ويبطل . < < فاطر : ( 11 ) والله خلقكم من . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ والله خلقكم من تراب ) التراب ( جسم ) مدقق من جنس الطين .
وقوله : ( ^ ثم من نطفة ) ذكر السدي أن النطفة إذا وقعت في الرحم طارت في كل عظم وشعر و ( عصب ) فإذا مضت أربعون يوما نزلت إلى الرحم ، وخلق الله منها العلقة .
وقوله : ( ^ ثم جعلكم أزواجا ) أي : أصنافا . وفي تفسير ابن فارس : ( ^ جعلكم أزواجا ) أي : زوج بعضكم من بعض .
وقوله : ( ^ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ) أي : لا يغيب عنه شيء من ذلك .
وقوله : ( ^ وما يعمر من معمر ) يعني : ما يطول عمر معمر حتى يدركه الهرم . وقوله : ( ^ ولا ينقص من عمره ) فيرجع إلى الأول ، والجواب : أنه يجوز أن يذكر على
____________________


( ^ ذلك على الله يسير ( 11 ) وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه ) * * * * هذا الوجه ، ويراد به غير الأول ، وهذا كما أن الرجل يقول : عندي درهم ونصفه أي : نصف درهم آخر ، أورده الزجاج وغيره . والقول الثاني : ( ^ وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره ) هو منصرف إلى الأول . قال كعب الأحبار حين حضرا [ عمر ] الوفاة : والله لو دعا عمر ربه أن يؤخر أجله لأخره ، فقالوا له : إن الله يقول : ( ^ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) . فقال : هذا إذا حضره الأجل ، فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد وينقص ، وقرأ هذه الآية . وذكر بعضهم : أن مثال هذا أن الله تعالى يكتب أن عمر فلان مائة سنة إن أطاعني ، وعمره خمسون أو ستون إن عصاني ، وهذا جائز .
وقوله : ( ^ إلا في كتاب ) معناه : إلا وهو مكتوب في كتاب . وفي التفسير أن الله تعالى يكتب أجل العبد في كتاب ، ثم يكتب في كتاب ( آخر ) : قد انتقص من عمره يوم ، شهر ، سنة ، إلى أن يستوفى أجله . وذكر بعضهم أنه يكتب تحت ذلك الكتاب الأول .
وقوله : ( ^ إن ذلك على الله يسير ) أي : هين . < < فاطر : ( 12 ) وما يستوي البحران . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما يستوي البحران هذا عذب فرات ) أي : شديد العذوبة .
وقوله : ( ^ سائغ شرابه ) أي : سهل المدخل .
وقوله : ( ^ وهذا ملح أجاج ) أي : ملح شديد الملوحة . وفي الآية بيان القدرة في خلق الماء العذب والأجاج .
وقوله : ( ^ ومن كل تأكلون لحما طريا ) أي : الحيتان .
وقوله : ( ^ وتستخرجون حلية تلبسونها ) الدر والمرجان والجواهر . قال عكرمة : ما
____________________


( ^ مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ( 12 ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ( 13 ) إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو ) * * * * قطرت من السماء قطرة إلى الأرض إلا أنبتت عشبة ، وما قطرت في البحر قطرة إلا صارت درة ، فإن قيل : قد قال : ( ^ وتستخرجون حلية تلبسونها ) والدر والمرجان والجواهر لا تخرج من الأجاج ، وإنما تخرج من العذب ؟ وقد قال : ( ^ ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون [ حلية ] ) الجواب عنه : يجوز أن ينسب إليهما وإن كان يستخرج من أحدهما ، ومثل هذا في كلام العرب كثير .
والثاني : وهو أن في البحر الأجاج تكون عيونا عذبة ، فتمتزج بالملح ، وتكون من بين ذلك الجواهر .
وقوله : ( ^ وترى الفلك فيه مواخر ) قال الحسن : مواقير أي : ممتلئة . وعن بعضهم : معترضة تجيء وتذهب . وقيل : جواري . والمخر : هو الشق ، فكأن الفلك يشق الماء بصدره ، فذكر مواخر على هذا المعنى .
وقوله : ( ^ ولتبتغوا من فضله ) أي : لتطلبوا من فضله ، وفضله هو التجارات في البحر .
وقوله : ( ^ ولعلكم تشكرون ) أي : تشكرون نعم الله . < < فاطر : ( 13 ) يولج الليل في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يولج الليل في النهار ) قد بينا هذا من قبل .
وقوله : ( ^ [ ويولج النهار في الليل ] وسخر الشمس والقمر ) قال قتادة : طول الشمس ثمانون فرسخا ، وعرضها ستون فرسخا . وعن عكرمة قال : جرم الشمس كسعة الدنيا ( وزيادة ثلث ، وجرم القمر كسعة الدني ) بلا زيادة .
وقوله : ( ^ كل يجري لأجل مسمى ) ظاهر المعنى .
وقوله : ( ^ ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ) أي : من الأصنام .
____________________


( ^ سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ( 14 ) يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ( 15 ) إن يشأ ) * * * * * *
وقوله : ( ^ ما يملكون من قمطير ) قال مجاهد : القطمير : لفافة النواة ، وهو كسحل البصلة ، وعن بعضهم : القمطير وسط النواة ، والمعنى أنه يملك شيئا قليلا ولا كثيرا . < < فاطر : ( 14 ) إن تدعوهم لا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ) يعني : إن تدعوا الأصنام لا يسمعوا دعاءكم .
وقوله : ( ^ ولو سمعوا ما استجابوا لكم ) أي : ما أجابوكم .
وقوله : ( ^ ويوم القيامة يكفرون بشرككم ) أي : يجحدون بشرككم وموالاتكم إياهم .
وقوله : ( ^ ولا ينبئك مثل خبير ) أي : ولا ينبئك بهذا أحد مثلي ، والخبير هو الله تعالى ، والمعنى أن الذي أنبأك بهذا خبير بالأمور ، عالم بها . < < فاطر : ( 15 ) يا أيها الناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ) أي : إلى فضل الله ، والفقير هو المحتاج .
وقوله : ( ^ والله هو الغني الحميد ) أي : الغني عن خلقه ، المحمود في إحسانه بخلقه . < < فاطر : ( 16 ) إن يشأ يذهبكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن يشأ يذهبكم ) أي : يهلككم حتى لا يبقى منكم عين تطرف .
وقوله : ( ^ ويأت بخلق جديد ) أي : خلق لم يكونوا أنشأهم وابتدأهم . < < فاطر : ( 17 ) وما ذلك على . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما ذلك على الله بعزيز ) أي : بشديد . < < فاطر : ( 18 ) ولا تزر وازرة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولا تزر وازرة وزر أخرى ) أي : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره .
وقوله : ( ^ وإن تدع مثقلة ) أي : مثقلة بالذنوب ( ^ إلى حملها ) أي : إن دعوت أحدا أن يحمل ذنوبه عنه .
____________________


( ^ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( 16 ) وما ذلك على الله بعزيز ( 17 ) ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير ( 18 ) وما يستوي الأعمى والبصير ( 19 ) ولا الظلمات ولا النور ( 20 ) ولا الظل ولا ) * * * * *
وقوله : ( ^ لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ) أي : لا يجد من يحمل عنه ، وإن كان المدعو قريبا أبا أو أبناء . وعن ابن عباس أنه قال : إن الرجل ( يلقي ) يوم القيامة أباه أو ابنه ، فيقول : احمل عني بعض ذنوبي ، فيقول : لا أستطيع ، حسبي ما علي . وفي بعض التفاسير : أن الوليد بن المغيرة المخزومي قال لمن اسلم من بني مخزوم : ارجعوا عن الإسلام ، وأنا أحمل ذنوبكم يوم القيامة إن خفتم من الذنوب ؛ فانزل الله تعالى هذه الآية .
وقوله : ( ^ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ) قد بينا الخشية بالغيب .
وقوله : ( ^ وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ) معنى التزكي ها هنا هو العمل الصالح .
وقوله : ( ^ وإلى الله المصير ) أي : المرجع . < < فاطر : ( 19 ) وما يستوي الأعمى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما يستوي الأعمى والبصير ) معنى الأعمى : عن الهدى ، والبصير بالهدى . وعن بعضهم : الأعمى عن الحق ، والبصير بالحق . < < فاطر : ( 20 ) ولا الظلمات ولا . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولا الظلمات ولا النور ) والظلمات هي الضلالات ( ^ ولا النور ) هو الهداية والبيان من الله تعالى . وقيل : هذا تمثيل الكفر والإيمان . < < فاطر : ( 21 ) ولا الظل ولا . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولا الظل ولا الحرور ) أي : الجنة والنار . قال أبو عبيدة : الحرور يكون بالنهار مع الشمس . وعن غيره : السموم بالنهار ، والحرور بالليل . وعن بعضهم : الحرور هو الحر الدائم ليلا كان أو نهارا ، قال الشاعر :
____________________


( ^ الحرور ( 21 ) وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور ( 22 ) إن أنت إلا نذير ( 23 ) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ( 24 ) وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم ) * * * * *
( وهاجرة يشوي الوجوه حرورها ** ) < < فاطر : ( 22 ) وما يستوي الأحياء . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما يستوي الأحياء ولا الأموات ) أي : المؤمنون والكفار . وعن [ ابن ] قتيبة قال : العلماء والجهال .
وقوله : ( ^ إن الله يسمع من يشاء ) أي : من يشاء إسماعه .
وقوله : ( ^ وما أنت بمسمع من في القبور ) أي : لا تسمع الكفار ، وشبههم بالأموات في القبور . < < فاطر : ( 23 ) إن أنت إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن أنت إلا نذير ) أي : منذر . < < فاطر : ( 24 ) إنا أرسلناك بالحق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ) أي مبشرا ومنذرا .
وقوله : ( ^ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) أي : منذر . وفي بعض التفاسير : إلا العرب لم يكن لهم نبي سوى النبي . وفي بعض الحكايات : أن بهلول المجنون لقي أبا يوسف القاضي ، فقال له : إن الله تعالى يقول : ( ^ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) وقال النبي : ' لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ' ، فما نذير الكلاب ؟ ! فتحير أبو يوسف ؛ فأخرج حجرا من كمه وقال : هذا نذير الكلاب . < < فاطر : ( 25 ) وإن يكذبوك فقد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ) أي : الكتاب الواضح ، وذكر الكتاب بعد الزبر على طريق
____________________


( ^ رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ( 25 ) ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ( 26 ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ( 27 ) ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ) * * * * * * التأكيد . < < فاطر : ( 26 ) ثم أخذت الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير ) أي : إنكاري وتغييري . < < فاطر : ( 27 ) ألم تر أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ) ( قوله ) : ( ^ فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ) أي : أبيض وأحمر وأصفر ، وما أشبه ذلك .
وقوله : ( ^ ومن الجبال جدد ) أي : طرائق ( وخطط ) ( ^ بيض ) ، والجدد : جمع جدة ، وهو الطريق .
وقوله : ( ( وحمر ) ) أي : طرائق حمرة .
قوله : ( ^ مختلف ألوانها وغرابيب سود ) أي : سود غرابيب على التقديم والتأخير ، يقال : أسود غربيب أي : شديد السواد ، وفي بعض الأخبار : ' أن الله يكره الشيخ الغربيب ' أي الذي يسود لحيته ، والخضاب بالحمرة سنة ، أما بالسواد مكروه . ومعنى الآية أى : طرائق سود . < < فاطر : ( 28 ) ومن الناس والدواب . . . . . > >
وقوله : ( ^ ومن الناس والدواب والأنعاممختلف ألوانه كذلك ) أى : مختلف ألوان هذه الأشياء ، كما اختلفت ألوان ما سبق ذكره .
____________________


( ( 28 ) إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ( 29 ) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ( 30 ) والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده ) * * * * * *
وقوله : ( ^ إنما يخشى الله من عباده العلماء ) ومن المعروف في الآثار : ' رأس العلم خشية الله ' . ومن المعروف أيضا : كفى بخشية الله علما ، وبالاغترار به جهلا . ويقال : أول كلمة في الزبور رأس الحكمة خشية الله . وعن ابن عباس قال : إنما يخشى الله من عباده العلماء أي : من يعلم ملكي وعزي وسلطاني . وعن بعضهم : إنما يخشى الله من عباده العلماء الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير ، وعن بعض التابعين قال : من لم يخش الله فليس بعالم . ويقال : خف الله بقدر قدرته عليك ، واستح من الله بقدر قربه منك .
وقوله : ( ^ إن الله عزيز غفور ) أي : عزيز في ملكه ، غفور ( لذنوب عباده ) . < < فاطر : ( 29 ) إن الذين يتلون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ) أي : لن تهلك ولن تفسد ، والمراد من التجارة ما وعده الله من الثواب . < < فاطر : ( 30 ) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ليوفيهم أجورهم ) أي : ثواب أعمالهم .
وقوله : ( ^ ويزيدهم من فضله ) هو تضعيف الحسنات ، قال بعضهم : هو الشفاعة لمن أحسن إليهم ، فعلى هذا يشفع الفقير للغنى الذي تصدق عليه .
وقوله : ( ^ إنه غفور شكور ) يقال : يغفر الكثير من الذنوب ، ويشكر اليسير من الطاعات .
____________________


( ^ لخبير بصير ( 31 ) ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ( 32 ) جنات ) * * * * * * < < فاطر : ( 31 ) والذي أوحينا إليك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه ) أي : من الكتب المتقدمة .
وقوله : ( ^ إن الله بعباده لخبير بصير ) أي خبير بما في ضمائرهم ، بصير [ بأفعالهم ] . < < فاطر : ( 32 ) ثم أورثنا الكتاب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) الأكثرون على أن المراد من قوله : ( ^ الذين اصطفينا من عبادنا ) هذه الأمة ، وعن بعضهم : أن المراد منه الأنبياء ، وعن بعضهم : أن المراد منه بنو إسرائيل ، والقول الأول هو المشهور .
وقوله : ( ^ وأورثنا الكتاب ) المراد من الكتاب : هو القرآن .
ومعنى الآية : أى انتهى إليهم الأمر بإنزالنا عليهم القرآن ، وبإرسالنا محمدا إليهم .
وقوله : ( ^ فمنهم ظالم لنفسه ) اختلف القول في المراد بالظالم ، فقال بعضهم : المراد بالظالم هو الكافر ، ذكره الكلبي وغيره . وعن بعضهم : أن المراد منه المنافق ، فعلى هذا لا يدخل الظالم في قوله : ( ^ جنات عدن يدخلونها ) وقد روي هذا القول أيضا عن ابن عباس أنه حمل الظالم على الكافر .
والقول المشهور أن الظالم لنفسه من المؤمنين ، وعلى هذا يستقيم نسق الآية ، وعلى القول الأول يحمل قوله : ( ^ الذين اصطفينا من عبادنا ) على الاصطفاء في الخلقة وإرسال الرسول وإنزال الكتاب ، وعلى القول الثاني يحمل الأصطفاء على الزيادة التي جعلها الله تعالى لهذه الأمة من بين سائر الأمم . وقد روى شهر بن جوشب أن عمر رضي الله عنه قال : سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور . وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : السابق هم الذين مضوا على عهد النبي ، والمقتصد هم الذين اتبعوهم ، والظالم مثلي ومثلك ، تقول ذلك للمخاطب .
____________________


( ^ عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ( 33 ) * * * * *
وعن أبي الدرداء قال : السابق هو الذي لا يحاسب أصلا يوم القيامة ، والمقتصد هو الذي يحاسب حسابا يسيرا ويدخل الجنة ، والظالم هو الذي يحاسب حسابا شديدا ويدخل النار ثم ينجو .
وعن بعضهم : أن الظالم لنفسه هم أصحاب المشأمة ، والمقتصد هم أصحاب الميمنة ، والسابقون هم المقربون ، ذكره السدي ، فعلى هذا الظالم لنفسه كافر . وعن بعضهم : أن الظالم لنفسه هم أصحاب الكبائر ، والمقتصد هم أصحاب الصغائر ، والسابق هو الذي لم يرتكب صغيرة ولا كبيرة ، وعبر بعضهم عن هذا ؛ قال : المقتصد هم أصحاب التوسط في الطاعات ، فعلى هذا من غلبت سيئاته على حسناته فهو ظالم ، ومن استوت سيئاته وحسناته فهو مقتصد ، ومن غلبت حسناته على سيئاته فهو سابق ، وهذا قول معروف مأثور [ عن رسول الله ] .
وعن بعضهم قال : الظالم آدم ، والمقتصد إبراهيم ، والسابق هو محمد . وقال بعضهم : الظالم هو المريد ، والمقتصد هو المحب ، والسابق هو الواله . وقال بعضهم : الظالم هو الذي همه نفسه والدنيا ، والمقتصد هو الذي همه الجنة ، والسابق هو الذي همه ربه .
وعن بعضهم قال : الظالم هو الواقف ، والمقتصد هو السائر ، والسابق هو الواصل . وفي الآية كلام كثير .
وقوله : ( ^ [ ومنهم مقتصد ومنهم سابق ] بالخيرات بإذن الله ) أي : بالطاعات : بعلم الله .
وقوله : ( ^ ذلك هو الفضل الكبير ) أي : الفضل العظيم . < < فاطر : ( 33 ) جنات عدن يدخلونها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ جنات عدن يدخلونها ) روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه
____________________


( ^ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ( 34 ) الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ( 35 ) والذين كفروا لهم ) * * * * * أنه قال : أرجى آية في كتاب الله تعالى هذه الآية ؛ لأنه جمع بين الظالم والمقتصد والسابق ، ثم قال : ( ^ جنات عدن يدخلوها ) وعن بعضهم قال : إن الواو في قوله : ( ^ يدخلونها ) أحب إلي من كذا وكذا . وعن كثير من السلف أنهم قالوا : كل هؤلاء من هذه الآية .
وقوله : ( ^ يحلون فيها من أساور من ذهب ) ظاهر المعنى . والأساور : جمع السوار .
وقوله : ( ^ ولؤلؤ ) أي : من ذهب ولؤلؤ ، وقرئ : ' ولؤلؤا ' بالنصب أي : يحلون لؤلؤا .
وقوله : ( ^ ولباسهم فيها حرير ) أي : الديباج . ومن المعروف أن النبي قال : ' من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ' ، وقال : ' هو لهم في الدنيا ، ولنا في الآخرة ' . < < فاطر : ( 34 ) وقالوا الحمد لله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) قال ابن عباس : حزن النار . وعن قتادة : حزن الموت . وعن بعضهم : هم المعيشة .
وقال مجاهد : هم الخبز . والأولى أن يحمل على جميع الأحزان ، فهم ينجون عن كلها ، ومن المعروف أن الحزن : هو حزن أهوال القيامة .
وقوله : ( ^ إن ربنا لغفور شكور ) قد بينا . < < فاطر : ( 35 ) الذي أحلنا دار . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الذي أحلنا دار المقامة من فضله ) قد بينا معنى المقامة والمقامة .
وقوله تعالى : ( ^ لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) أي : تعب وإعياء . < < فاطر : ( 36 ) والذين كفروا لهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ) أي : لا يقضي عليهم الموت فيموتوا .
وقوله : ( ^ ولا يخفف عنهم من عذابها ) أي : من عذاب النار .
____________________


( ^ نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور ( 36 ) وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ( 37 ) ) * * * * * * *
وقوله : ( ^ كذلك نجزي كل كفور ) أي : كفور للنعمة . < < فاطر : ( 37 ) وهم يصطرخون فيها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وهم يصطرخون فيها ) يصطرخون يفتعلون من الصراخ ، وهو الصياح .
وقوله : ( ^ ربنا أخرجنا ) أي : يصطرخون ويقولون : ( ^ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ) أي : نعمل من الصالحات بدل ما كنا نعمل من السيئات .
وقوله : ( ^ أو لم نعمركم ) أي : يقول الله تعالى لهم : ( ^ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) معناه : أو لم نعمركم العمر الذي يتذكر فيه من تذكر . واختلف القول في ذلك العمر ؛ فالأكثرون على أنه ستون سنة ، ( وهذا ) مروي عن علي رضي الله عنه وقد روى أبو هريرة عن النبي أنه قال : ' من عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر ' . وعن بعضهم : أنه أربعون سنة . وعن بعضهم : ثمانية عشر سنة . وقال الحسن البصري : هو البلوغ . وعن بعضهم : هو سبعون سنة ؛ لأنه ، عند ذلك يدخل في الهرم .
وقوله : ( ^ وجاءكم النذير ) أي : محمد .
والقول الثاني : أنه الشيب ، حكى ذلك عن وهب بن منبه وغيره . وفي الأثر : ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها : يا أختي ، استعدي فقد قرب الموت . وقال بعضهم : الشيب ( حطام ) المنية . وسماه بعضهم بريد الموت .
____________________


( ^ إن الله عالم غيب السموات والأرض إنه عليم بذات الصدور ( 38 ) هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ( 39 ) قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون ) * * * *
والقول الثالث : أن قوله : ( ^ وجاءكم النذير ) كل ما ينذر ويخوف بها . وفي غريب التفسير : أنه الحمى . وقيل أيضا : هو العقل .
وقوله : ( ^ فذوقوا فما للظالمين من نصير ) أي : ناصر . < < فاطر : ( 38 ) إن الله عالم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الله عالم غيب السموات والأرض ) ( الآية ) ظاهر المعنى . < < فاطر : ( 39 ) هو الذي جعلكم . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ) أي : يخلف بعضكم بعضا ، وكل من تلا إنسانا ، وقام بعده فهو خليفته ، ولهذا سمي أبو بكر خليفة رسول الله ؛ لأنه قام بالأمر بعده ، وإلا فعند أهل العلم أن الرسول توفي ، ولم يستخلف أحدا . ومن هذا قول عمر رضي الله عنه حين حضرته الوفاة . وقيل له : استخلف . فقال : إن لم أستخلف فلم يستخلف رسول الله ، وإن استخلف فقد أستخلف أبو بكر ، وهذا قو ل ثابت عن عمر .
وقوله : ( ^ فمن كفر فعليه كفره ) أي : فعليه وبال كفره .
وقوله : ( ^ ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ) أي : بغضا . وقيل : ما يوجب لهم المقت .
وقوله سبحانه وتعالى : ( ^ ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ) أي : خسرانا . < < فاطر : ( 40 ) قل أرأيتم شركاءكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله ) أي : الذين جعلتموهم شركائي على زعمكم من الأصنام والملائكة .
وقوله : ( ^ اروني ماذا خلقوا من الأرض ) أي : أعلموني .
وقوله : ( ^ أم لهم شرك في السموات ) أي : شركة .
____________________


( ^ الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ( 40 ) إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا ( 41 ) ) * * * * *
وقوله : ( ^ أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه ) أي : على دلائل واضحة منه .
وقوله : ( ^ بل إن يعد الظالمون ) أي : ما يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ، والغرور كل ما يغر الإنسان مما لا أصل له . < < فاطر : ( 41 ) إن الله يمسك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ) معناه : لئلا تزولا ، وقيل : كراهة أن تزولا .
وقوله : ( ^ ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ) أي : لا يمسكهما أحد سواه ، فإن قيل : ما معنى قوله : ( ^ ولئن زالتا ) وهي لا تزول ؟
والجواب : أن الله تعالى قد قال : ( ^ تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا ) والله تعالى يمسكهما عن هذه الأشياء . وفي بعض الآثار : أن موسى عليه السلام قال : يا رب ، كيف أعلم [ أنك ] لا تنام ؟ فوضع في يديه قارورتين على ما ذكرنا .
وفي بعض التفاسير : أن الأرض ثقيلة متسلفة ، والسماء خفيفة مستطيرة ، وقد ألصق الله تعالى أطراف السموات بأطراف الأرضين ، فالسماء تمنع الأرض بتصعدها عن التسفل ، والأرض تمنع السماء بثقلها عن الصعود ، حكاه النقاش ، والله أعلم .
وقوله : ( ^ إنه كان حليما غفورا ) فإن قيل : ما معنى ذكر الحلم ها هنا ؟
قلنا : لأن هذه الأشياء همت بما همت عقوبة للكفار ، فأمسكها الله تعالى ، ولم يدعها أن تزول تركا للمعالجة في العقوبة ، وكان ذلك حلما منه جل جلاله .
____________________


( ^ وأقسموا بالله جهد أيمانكم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا ( 42 ) استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا ( 43 ) أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين ) * * * * * * < < فاطر : ( 42 ) وأقسموا بالله جهد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) هذا في مشركي مكة ، فإنهم كانوا قالوا : لو جاءنا نذير لكنا أهدى أي : أقبل للكتاب ، وألزم له من اليهود والنصارى ، فلم يفوا بما قالوا حين جاءهم الرسول ، فأنزل الله تعالى في شأنهم ، فهو معنى قوله : ( ^ لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ) أي : اليهود والنصارى .
وقوله : ( ^ فلما جاءهم نذير ) أي : محمد ( ^ ما زادهم إلا نفورا ) أي : ما زادهم المجيء إلا نفورا . < < فاطر : ( 43 ) استكبارا في الأرض . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ استكبارا في الأرض ) يعني : أنهم ردوا ما ردوا استكبارا في الأرض .
وقوله : ( ^ ومكر السيئ ) أي : وفعل المكر السيئ ، وفي قراءة ابن مسعود : ' ومكرا سيئا ' . وفي المكر السيئ قولان : أحدهما : أنه الشرك ، والآخر : أنه المكر برسول الله .
وقوله : ( ^ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) أي : لا تنزل عقوبة المكر السيئ إلا بأهله ، وحقيقة المعنى : أن وبال المكر راجع إليهم .
وقوله : ( ^ فهل ينظرون إلا سنة الأولين ) ( أي : طريقة الأولين ) في الإهلاك ونزول العذاب لهم .
وقوله : ( ^ فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ) ظاهر المعنى ، والمراد من التكرار هو التأكيد . < < فاطر : ( 44 ) أو لم يسيروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه ) أي : ليفوت عنه .
____________________


( ^ من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ( 44 ) ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ( 45 ) ) . * * * * * * * *
وقوله : ( ^ من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ) ظاهر المعنى . < < فاطر : ( 45 ) ولو يؤاخذ الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ) من القبائح والمعاصي .
وقوله : ( ^ ما ترك على ظهرها من دابة ) أي : على ظهر الأرض بما كسب الناس من الذنوب . وعن ابن مسعود قال : إن الجعل تعذب في حجرها بذنب ابن آدم .
وقوله : ( ^ ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ) أي : إلى مدة معلومة .
وقوله : ( ^ فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ) أي : بصيرا بأعمالهم يجازيهم عليها ، الحسنة بالحسنة ، والسيئة بالسيئة . <
> بسم الله الرحمن الرحيم <
>
( ^ يس ( 1 ) والقرآن الكريم ( 2 ) إنك لمن المرسلين ( 3 ) على صراط مستقيم ) * * * * * * * <
> تفسير سورة يس <
>
وهي مكية ، وروى مقاتل بن حيان ، عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي قال : ' إن لكل شيء قلبا ، وإن قلب القرآن سورة يس ، ومن قرأ سورة يس أعطاه الله ثواب قراءة القرآن عشر مرات .
والخبر غريب أورده أبو عيسى في جامعه ، والله أعلم . < < يس : ( 1 ) يس > >
قوله تعالى : ( ^ يس ) قال ابن عباس : قسم أقسم الله به ، وقال قتادة : اسم للسورة ، وقال مجاهد : يس من فواتح القرآن ، وقال ( الحسن ) وسعيد بن جبير والضحاك وجماعة معنى قوله : ( ^ يس ) يا إنسان ، وهذا هو أشهر الأقاويل ، قال ثعلب : هو يا إنسان بلغة طي ، وقال غيره : بلغة كلب ، وقرأ عيسى بن عمر : ' يسن ' بالنصب ، ويقال معناه : يا محمد . < < يس : ( 2 ) والقرآن الحكيم > >
وقوله : ( ^ والقرآن الحكيم ) يعني : والقرآن الذي أحكم بالأمر والنهي والثواب والعقاب ، < < يس : ( 3 ) إنك لمن المرسلين > > وقوله ، ( ^ إنك لمن المرسلين ) على هذا وقع القسم ؛ فكأن الله تعالى أقسم بالقرآن أن محمدا من المرسلين .
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : سمى الله رسوله محمدا في
____________________


( ( 4 ) تنزيل العزيز الرحيم ( 5 ) لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون ( 6 ) لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ( 7 ) إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى ) * * * * * القرآن بسبعة أسماء : محمد ، وأحمد ، وطه ، ويس ، والمدثر ، والمزمل ، وعبد الله . < < يس : ( 4 ) على صراط مستقيم > >
وقوله : ( ^ على صراط مستقيم ) فيه وجهان : أحدهما : أنه خبر بعد خبر ، والآخر أن معناه : إنك لمن المرسلين الذين هم على صراط مستقيم . < < يس : ( 5 ) تنزيل العزيز الرحيم > >
وقوله : ( ^ تنزيل العزيز الرحيم ) أي : هو تنزيل العزيز الرحيم ، وقرئ : ' تنزيل ' بنصب اللام أي : أنزله الله تنزيل العزيز الرحيم . < < يس : ( 6 ) لتنذر قوما ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ) فيه قولان : أحدهما : أن ' ما ' للنفي ، والمعنى . لم ينذر آباؤهم أصلا ؛ فإن الله تعالى ما بعث إلى قريش سوى النبي .
والقول الثاني : أن ' ما ' ها هنا بمعنى الذي ، فمعنى الآية على هذا لتنذر قوما بالذي أنذر آباؤهم .
وقوله : ( ^ فهم غافلون ) أي : عن الإنذار ، وحكى النقاش في تفسيره عن النبي ' أن مضر كان قد أسلم ' .
وحكى أبو عبيدة أن تميما كان يكنى أبا زيد ، وكان له صنم يعبده ، فأسلم ودفن صنمه ، ثم إن ابنه زيدا استخرج الصنم من ذلك المكان ، وعبده فسمى زيد مناة . < < يس : ( 7 ) لقد حق القول . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لقد حق القول ) أي : وجب القول على أكثرهم ، ومعنى وجوب القول هو وجوب الحكم بالعذاب ، وقوله : ( ^ [ على أكثرهم ] فهم لا يؤمنون ) أي : لا يصدقون . < < يس : ( 8 ) إنا جعلنا في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ) فإن قيل : الغل إنما يكون على اليد ! والجواب عنه : أن العادة أن اليد تغل إلى العنق ، فذكر الأعناق لهذا المعنى ، واكتفى
____________________


( ^ الأذقان فهم مقحمون ( 8 ) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم ) * * * * بذكرها عن ذكر الأيدي ، قال الأزهري : معنى الآية : إنا جعلنا في أعناقهم وأيديهم أغلالا ، فهي كناية عن الأيدي .
فإن قيل : فكيف يكنى عن الأيدي ولم يجر لها ذكر ؟ والجواب عنه : أن العرب تكني عن الشيء وإن لم تجر له ذكرا ، إذا كان معلوما .
قال الشاعر :
( ولا أدري إذا يممت أرضا ** أريد الخير أيهما يليني )
( أألخير الذي أنا أبتغيه ** أم الشر الذي هو يبتغيني )
فقد كنى بقوله : أيهما عن الشر والخير ، والشر غير مذكور .
وقوله : ( ^ إلى الأذقان ) معناه : إلى الأعناق إلا أنه ذكر الأذقان لقرب الأعناق من الأذقان ، وقوله : ( ^ فهم مقحمون ) المقمح : هو الذي رفع رأسه وغض طرفه ، والعرب تسمى الكانونين شهري القماح ؛ لأن الإبل ترد الماء وتشرب ، فترفع رأسها من شدة البرد ، قال الشاعر :
( ونحن على جوانبه قعود ** نغض الطرف كالإبل القماح )
وقرأ ابن مسعود : ' إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا ' ، وهي قراءة معروفة عنه . < < يس : ( 9 ) وجعلنا من بين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وجعلنا من بين أيديهم سدا ) وقرئ : ' سدا ' برفع السين .
قال عكرمة : ما كان من صنع الله فهو سد ، وما كان من صنع المخلوقين فهو سد ، وقال غيره : السد ما يرى ، والسد ما لا يرى ، ومنهم من لم يفرق بينهما ، وقال هما بمعنى واحد .
قال أهل التفسير : ذكر السد ها هنا على طريق ضرب المثل ، وكذلك ذكر الأغلال في الآية الأولى على قول بعضهم ، والمعنى من ذكر الأغلال منعهم عن الإنفاق في
____________________

( ^ فهم لا يبصرون ( 9 ) وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ( 10 ) إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم ( 11 ) إنا نحن ) * * * * * * سبيل الله . والمعنى من السد هو المنع من الهداية . وذكر بعضهم : أن الآية نزلت على سبب ، وهو أن قوما من بني مخزوم تشاوروا في قتل النبي ، فجاء أحدهم ليقتله وهو في الصلاة ؛ فجعل يسمع صوته ولا يرى شخصه ، وجاء آخر فرأى شيئا عظيما يقصده بالهلاك ، فخاف ورجع ، ويقال : إن الثاني كان أبو جهل عليه لعنة الله ، فأنزل الله تعالى هذه الآية في هذا ، وهو قوله ' ( ^ وجعلنا من بين أيديهم سدا ) .
وقوله : ( ^ فأغشيناهم ) من التغشية والتغطية ، وقرأ ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ' فأغشيناهم ' بالعين غير المعجمة ، من قوله تعالى : ( ^ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا [ فهو له قرين ] ) أي : تعمى ، فمعنى قوله : [ ( ^ أغشيناهم ) ] أي : أعميناهم .
وقوله : ( ^ فهم لا يبصرون ) أى : طريق الحق . < < يس : ( 10 ) وسواء عليهم أأنذرتهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وسواء عليهم أانذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) هذا في أقوام بأعيانهم ، وقد مضوا ولم يؤمنوا على ما قال الله تعالى . < < يس : ( 11 ) إنما تنذر من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنما تنذر من اتبع الذكر ) أي : استمع الذكر ، وهو القرآن ، واتبع ما فيه ، وقوله : ( ^ وخشي الرحمن بالغيب ) أي : خاف الرحمن بالغيب .
وقوله تعالى : ( ^ فبشره بمغفرة وأجر كريم ) أي : الجنة . < < يس : ( 12 ) إنا نحن نحيي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا نحن نحيي الموتى ) أي : في الآخرة ، ويقال : يحيي القلوب الميتة بنور الإيمان ، وقوله : ( ^ ونكتب ما قدموا ) أي : ما عجلوا .
وقوله : ( ^ وآثارهم ) أي : ونكتب آثارهم ، وفي آثارهم قولان :
____________________


( ^ نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ( 12 ) واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون ( 13 ) إذ أرسلنا إليهم اثنين ) * * * * * * أحدهما : أن معناها ما سنوا من سنة حسنة أو سيئة .
والقول الثاني : أن قوله : ( ^ وآثارهم ) أي : الخطا إلى المساجد ، وروى أبو سعيد الخدري : ' أن بني سلمة كانت منازلهم في ناحية من المسجد أي : بعيدة ؛ فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد ، وقال لهم النبي : منازلكم ، منازلكم ، تكتب آثاركم ، فتركوا الانتقال ' .
وقد ورد في الخبر عن النبي أنه قال : ' من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص من أوزارهم شيء ' .
وقوله : ( ^ وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) أي : جمعناه في كتاب مبين ، والإمام المبين هو اللوح المحفوظ . < < يس : ( 13 ) واضرب لهم مثلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واضرب لهم مثلا ) ضرب المثل هو تمثيل المثل ، ومعنى الآية : واذكر لهم مثل حالهم من قصة أصحاب القرية .
وأما القرية : فأكثر أهل التفسير أن القرية هي أنطاكية ، وقال بعضهم : هي بلد من بلاد الروم ، وقوله : ( ^ إذ جاءها المرسلون ) في القصة : أن عيسى عليه السلام بعث إليهم برجلين من الحواريين ، ثم بعث بثالث بعدهما ، فهو معنى قوله تعالى :
____________________


( فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون ( 14 ) قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون ( 15 ) قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ( 16 ) وما علينا إلا البلاغ المبين ( 17 ) قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم ) * * * * * < < يس : ( 14 ) إذ أرسلنا إليهم . . . . . > > ( ^ إذا أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ) والثالث كان اسمه شمعون رأس الحواريين ، وقوله : ( ^ عززنا ) أي : شددنا وقوينا ، وقرأ عاصم وحده : ' فعززنا ' بالتخفيف ، وهو في معنى الأول .
وفي التفسير : أن القوم كذبوا الرسولين الأولين وهموا بقتلهما ، فجاء هذا الثالث وتلطف الدخول على الملك ، وكانت قد توفيت ابنته ودفنت ، فقال للملك : اطلب من [ هذين ] الرجلين أن يحييا ابنتك ، فإن أحيياها فهما [ صادقان ] فطلب منهما الملك ذلك ؛ فقاما وصليا [ ودعيا ] الله تعالى ، ودعا شمعون معهما في السر ، فأحيا الله تعالى المرأة ، وانشق القرب عنها وخرجت ، وقالت للقوم : أسلموا ، فإنهما صادقان ، ولا أظنكم تسلمون ، ثم طلبت من الرسولين أن يرادها إلى مكانها ، فذريا ترابا على رأسها ، وعادت إلى قبرها كما كانت ، ولم يؤمن القوم . < < يس : ( 15 ) قالوا ما أنتم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون ) ظاهر المعنى . < < يس : ( 16 ) قالوا ربنا يعلم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ) فإن قيل : كيف يكون علم الله تعالى أنهم رسل الله حجة عليهم ؟
الجواب عنه : أن معناه : ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون بما أظهر على أيدينا من الآيات والمعجزات ؛ فصارت الحجة قائمة بالآيات والمعجزات ، لا بنفس العلم . < < يس : ( 17 ) وما علينا إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما علينا إلا البلاغ المبين ) أي : الإبلاغ البين . < < يس : ( 18 ) قالوا إنا تطيرنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قالوا إنا تطيرنا بكم ) أي : تشاءمنا بكم ، وفي التفسير : أنه كان
____________________


( ^ وليمسنكم منا عذاب أليم ( 18 ) قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون ( 19 ) وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ( 20 ) اتبعوا من ) * * * * * * حبس عنهم المطر حين جاءهم هؤلاء الرسل .
واختلف القول في أنهم كانوا رسل الله أو رسل عيسى ، فأحد القولين : انهم كانوا رسل عيسى عليه السلام كما بينا ، والقول الآخر : أنهم كانوا رسل الله .
قوله : ( ^ لئن لم تنتهوا لنرجمنكم ) أي : [ لنقتلنكم ] بالحجارة ، وقيل : نشتمنكم ، والأول أولى .
وقوله : ( ^ وليمسنكم منا عذاب أليم ) أي : مؤلم ، والمؤلم هو الموجع . < < يس : ( 19 ) قالوا طائركم معكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قالوا طائركم معكم ) أي : شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم الرسل . وقيل : طائركم معكم أي : أقداركم وأعمالكم تابعة إياكم ، تقول العرب : طار بمعنى صار قال الشاعر :
( تطير غدائر الإشراك شفعا ** ووترا والزعامة للغلام )
وقيل : طائركم معكم أي : ما طار لكم من عمل خير أو شر فهو معكم ولازم إياكم . وقوله : ( ^ أئن ذكرتم ) معناه : أئن ذكرتم بالله تطيرتم ، وقرئ ' أن ذكرتم ' أي : لأن ذكرتم تطيرتم . وقوله : ( ^ بل أنتم قوم مسرفون ) أي : مجاوزون الحد . < < يس : ( 20 ) وجاء من أقصى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ) ذهب أكثر المفسرين أنه كان رجل يسمى حبيب النجار ، وقال السدي : كان قصارا . وعن بعضهم : أنه كان إسكافا قال قتادة : كان رجلا يعبد الله في غار ؛ فسمع بخبر الرسل فجاءهم ، وقال : أتطلبون جعلا على رسالتكم ؛ قالوا : لا ؛ فأقبل على قومه ، وقال لهم ما قال الله ، وهو قوله : ( ^ يا قوم اتبعوا المرسلين ) والمدينة : هي القرية التي ذكرناها ، وهي الأنطاكية . < < يس : ( 21 ) اتبعوا من لا . . . . . > >
وقوله : ( ^ اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ) ظاهر المعنى .
وعن بعضهم أنه قال : مسكن الأشراف الأطراف ، واستدل بهذه الآية ، وهو قوله :
____________________


( ^ لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ( 21 ) وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ( 22 ) أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون ( 23 ) إني إذا لفي ضلال مبين ( 24 ) إني آمنت بربكم فاسمعون ( 25 ) قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون ( 26 ) بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ( 27 ) ) * * * * * * ( ^ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ) أي : من أبعد موضع بالمدينة . < < يس : ( 22 ) وما لي لا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما لي لا أعبد الذي فطرني ) معناه : ولم لا أعبد الذي فطرني ( ^ وإليه ترجعون ) .
فإن قيل : كيف أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم ؟
والجواب عنه : أنه أضاف الفطرة إلى نفسه ؛ لأن النعمة كانت عليه أظهر ، وأضاف الرجوع إليهم ؛ لأن الزجر كان بهم أحق ، وفي ذكر الرجوع معنى الزجر . < < يس : ( 23 ) أأتخذ من دونه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أأتخذ من دونه آلهة ) استفهام بمعنى الإنكار أي : لا أتخذ ، وقوله : ( ^ إن يردن الرحمن بضر ) أي : بسوء ومكروه ، وقوله : ( ^ لا تغن عني شفاعتهم شيئا ) أي : لا تغني عني الأصنام شيئا ؛ لأنه لا شفاعة لهن ، وقد كانوا يزعمون الكفار أنها تشفع لهم يوم القيامة .
وقوله : ( ^ ولا ينقذون ) أي : لا ينقذونني من العذاب لو عذبني الله . < < يس : ( 24 ) إني إذا لفي . . . . . > >
قوله : ( ^ إني إذا لفي ضلال مبين ) أي : في خطأ ظاهر لو فعلت هذا . < < يس : ( 25 ) إني آمنت بربكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إني آمنت بربكم فاسمعون ) قال أبو عبيدة : مجازه فاسمعوا مني ، < < يس : ( 26 - 27 ) قيل ادخل الجنة . . . . . > > قوله : ( ^ قيل ادخل الجنة ) في التفسير : أنه لما قال هذا القول وثب القوم عليه وثبة واحدة فوطئوه بأرجلهم حتى قتلوه ، وحكى هذا عن ابن مسعود ، ويقال : وطئوه حتى خرج قصبه من دبره ؛ فأدخله الله الجنة ، فهو ثم حي يرزق ، وهو معنى قوله : ( ^ قيل ادخل الجنة ) .
وقوله : ( ^ يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي ) أي : بمغفرة ربي لي ، قال قتادة :
____________________


( ^ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين ( 28 ) إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ( 29 ) يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا ) * * * * * * * نصحهم حيا وميتا ، وقوله : ( ^ وجعلني من المكرمين ) أي : ممن دخل الجنة ، ومن أدخل الجنة فقد أكرم ، ومن أدخل النار فقد أهين . < < يس : ( 28 ) وما أنزلنا على . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء ) أي : من ملائكة ، وقوله : ( ^ وما كنا منزلين ) أي : وما كنا لنفعل هذا ، بل الأمر في هلاكهم كان أيسر مما تظنون . < < يس : ( 29 ) إن كانت إلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن كانت إلا صيحة واحدة ) أي : ما كانت إلا صيحة واحدة . وفي القصة : أن جبريل عليه السلام جاء ووقف على باب المدينة وصاح بهم صيحة فخروا ميتين كأن لم يكونوا ، وصاروا كرماد خامدين هامدين .
وفي الأخبار : أن عروة بن مسعود الثقفي لما أسلم استأذن من رسول الله أن يذهب لى قومه وهم ثقيف ويدعوهم إلى الإسلام ، فقال رسول الله : ' إني أخشى أن يقتلوك ، فقال : لو كنت نائما ما أيقظوني ، ثم إنه ذهب إليهم ودعاهم إلى الإسلام ، فرماه رجل بسهم فأصاب أكحله ومات ، فبلغ النبي فقال : هو في هذه الأمة مثل صاحب يس ، وهو حبيب النجار ' . < < يس : ( 30 ) يا حسرة على . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا حسرة على العباد ) فإن قيل : كيف يستقيم نداء الحسرة ، والحسرة لا تعقل شيئا ؟ وأيضا كيف يتحسر الله تعالى على العباد الذين أهلكهم ،
____________________


( ^ كانوا به يستهزءون ( 30 ) ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون ( 31 ) وإن كل لما جميع لدينا محضرون ( 32 ) وآية لهم الأرض الميتة أحييناها ) * * * * * * ولا يجوز عليه هذه الصفة ؟ والجواب عنه : أن معنى قول القائل يا حسرة مثل قوله : يا عجبا ، وكذلك قوله : يا حسرتاه ، مثل قوله : يا عجباه ، والعرب تقول هذا على طريق المبالغة ، والنداء عندهم بمعنى التنبيه ، فيستقيم فيمن يعقل وفيمن لا يعقل ، وقوله : يا عجباه أبلغ من قولهم : أنا أتعجب من كذا ، فكأنه قال : أيها العجب هذا وقتك ، وأيها الحسرة هذا زمانك ، وحقيقة المعنى : أن هذا الزمان زمان الحسرة والتعجب .
وأما قوله : إن الحسرة على الله لا تجوز ، قلنا : نعم ، ومعنى الآية : يا حسرة على العباد من أنفسهم ؛ وكأنهم يتحسرون على أنفسهم غاية الحسرة ، والحسرة هي التلهف على أمر فائت بأبلغ وجوهه حتى يبقى الرجل حسيرا منقطعا من شدته ، وقرئ في الشاذ : ' يا حسرة العباد ' وجواب آخر : أنه تعالى قال : ( ^ يا حسرة على العباد ) لأنهم صاروا بمنزلة يتحسر عليهم ، ويقال معناه : يا حسرة الرسل والملائكة على العباد ، والجواب الأول أحسن الأجوبة .
وقوله : ( ^ ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون ) أي : استهزاء التكذيب . < < يس : ( 31 ) ألم يروا كم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم يروا كم أهلكنا ) قرأ ابن مسعود ' ألم يروا من أهلكنا ' ، والمعروف كم أهلكنا ، وهو للتكثير .
وقوله : ( ^ قبلهم من القرون ) اختلفوا في مدة القرن ، وقد بينا من قبل ، وقد روي عن النبي : أنه قال لعبد الله بن بسر المازني : ' إنك تعيش قرنا ؛ فعاش مائة سنة ' ، وقوله : ( ^ أنهم إليهم لا يرجعون ) أي : لا يرجعون إلى الدنيا . < < يس : ( 32 ) وإن كل لما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإن كل لما ) ' إن ' ها هنا بمعنى : ما ، و ' لما ' بمعنى : إلا ، فمعنى الآية : وما كل إلا جميع لدينا محضرون ، وفي مصحف أبي بن كعب على هذا الوجه .
____________________


( ^ وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ( 33 ) وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ( 34 ) ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون ( 35 ) سبحان ) * * * * * * * < < يس : ( 33 ) وآية لهم الأرض . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وآية لهم الأرض الميتة ) وقرئ : ' الميتة ' بالتشديد .
وقوله : ( ^ أحييناها ) أي : بالمطر .
وقوله : ( ^ وأخرجنا منها حبا ) أي : الحنطة والشعير وما أشبه هذا ، وقوله : ( ^ فمنه يأكلون ) أي : من الحب يأكلون . < < يس : ( 34 - 35 ) وجعلنا فيها جنات . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب ) أي : في الأرض جنات من نخيل وأعناب .
وقوله : ( ^ وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره ) أي : وفجرنا فيها المياه من العيون ؛ ليأكلوا من الثمر الحاصل بالماء .
وقوله : ( ^ وما عملته أيديهم ) أي : وليأكلوا مما عملته أيديهم مما يحرثون ويزرعون ويغرسون ، وقرئ : ' وما عملت أيديهم ' بمعنى الأول .
والقول الثاني في الآية : أن ' ما ' للنفي ها هنا ، ومعناه : أنا رزقناهم مما لم تعمله أيديهم .
وقوله : ( ^ أفلا يشكرون ) يعني : هذه النعم . < < يس : ( 36 ) سبحان الذي خلق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ سبحان الله الذي خلق الأزواج كلها ) أى : الأصناف كلها .
وقوله : ( ^ سبحان الذي ) أي : سبحوا الله الذي خلق الأزواج كلها . وقوله : ( ^ مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ) أي : من النبات ، والحيوان الذي لا يعلمونه .
وذكر بعض أهل التفسير : أن ما لا يعلمون ها هنا هو الروح ، والله تعالى خلق الروح في النفس ولا يعلمه أحد ، وذكر بعضهم أن قوله : ( ^ وما عملته أيديهم ) راجع إلى العيون ، ومن العيون والأنهار ما لم تعلمها أيدي الخلق مثل : دجلة ،
____________________


( ^ الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ( 36 ) وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ( 37 ) والشمس تجري لمستقر لها ذلك ) * * * * * * * والفرات ، والنيل ، وسيحان ، وجيجان . < < يس : ( 37 ) وآية لهم الليل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) أي : نكشط ونزيل ، ومعناه : نذهب بالنهار ، ونجيء بالليل ، فكأنه استخرج منه ، وقوله : ( ^ فإذا هم مظلمون ) أي : داخلون في الظلمة . < < يس : ( 38 ) والشمس تجري لمستقر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والشمس تجري لمستقر لها ) قرأ ابن عباس رضي الله عنهما ' والشمس تجري لمستقر لها ' أي : تسير وتجري أبدا من غير قرار ولا وقوف . وأما القراءة المعروفة ' لمستقر لها ' وفيه قولان : أحدهما : أن مستقرها هو نهاية دورانها إذا قامت الساعة .
والقول الثاني : أن مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف ، ونهاية هبوطها في الشتاء ، وقد ثبت عن النبي برواية الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر أنه قال : ' كنت عند النبي حتى غابت الشمس ، فقال : يا أبا ذر ، أتدري أين تذهب ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، فقال : إنها تذهب وتستأذن في السجود ' . وفي رواية : ' تذهب إلى تحت العرش وتستأذن في السجود ؛ فيؤذن لها في السجود ، ويقال لها : اطلعي من حيث كنت تطلعين ، وكأنها قد قيل لها يوما يا أبا ذر : اطلعي من حيث جئت ؛ فتطلع من مغربها ، ثم قرأ النبي قوله تعالى : ' وذلك مستقر لها ' . قال : وفي هذا الخبر أنه كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود .
قال الشيخ الإمام : أخبرنا بهذا الخبر عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد ، أخبرنا أبو العباس الطحان ، أخبرنا أبو العباس بن محبوب ، أخبرنا أبو عيسى الترمذي ، أخبرنا
____________________


( ^ تقدير العزيز العليم ( 38 ) والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ( 39 ) لا ) * * * * * * [ هناد بن السري ، أخبرنا ] أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش . . الخبر .
وقوله : ( ^ ذلك تقدير العزيز العليم ) ظاهر المعنى ، وذكر البخاري في الصحيح برواية أبي ذر أيضا : ' أنه سأل النبي عن قوله تعالى : ( ^ والشمس تجري لمستقر لها ) قال : مستقرها تحت العرش ' .
وذكر الأزهري في قوله : ( ^ تجري لمستقر لها ) أي : تجري للأجل الذي أجل لها ، والتقدير الذي قدر لها . < < يس : ( 39 ) والقمر قدرناه منازل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والقمر قدرناه منازل ) قرئ بالرفع ، وقرئ بالنصب ، فأما بالنصب : وقدرنا القمر منازل ، وأما بالرفع فمعناه : وآية لهم القمر قدرناه منازل .
وروى أن سعيد بن المسيب سمع رجلا ينشد :
( وغاب قمير كنت أرجو أفوله ** وروح رعيان ونوم سمر )
فقال : قاتله الله ، لقد صغر ما عظمه الله ، قال الله تعالى : ( ^ والقمر قدرناه منازل ) .
وقوله : ( ^ حتى عاد كالعرجون القديم ) قال جعفر بن محمد : كعذق النخلة القديمة ، والأكثرون أن العرجون هو عود الكباسة إذا دق ويبس وتقوس .
وقوله : ( ^ القديم ) هو البال ، ويقال القديم هو الذي مضى عليه حول .
وأما منازل القمر فهي ثمانية وعشرون منزلا : السرطان ، والبطين ، والثريا ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذراع ، والنثرة ، والطرف ، والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ،
____________________


( ^ الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ( 40 ) ) * * * * * * والعواء ، والسماك ، والغفر ، والزبانا ، والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعائم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد بلع وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، وفزع الدلو المقدم وفزع الدلو المؤخر ، وبطن الحوت .
فهذه ثمانية وعشرون منزلا للقمر ينزل كل ليلة منزلا منها ، ويكون أربعة عشر منها أبدا ظاهرة ، وأربعة عشر منها غائبة ، كلما طلع منزل غاب منزل ، ويقال : الذي يغرب رقيب الذي يطلع ، واثنا عشر منها تكون في سواد الليل من وقت غروب الشمس إلى وقت طلوع الصبح ، واثنان منها من عند طلوع الصبح إلى طلوع الشمس . < < يس : ( 40 ) لا الشمس ينبغي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ) أي : لا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه ، ولا يدخل النهار على الليل قبل انقضائه .
قوله : ( ^ ولا الليل سابق النهار ) أي : يتعاقبان بحساب معلوم إلى أن تنقضي الدنيا ، ويقول : لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ، يعني : لا تطلع الشمس بالليل ، ولا يطلع القمر بالنهار ، ويكون له ضوء ، فلا يدخل واحد منهما في سلطان الآخر .
وقيل : لا يذهب واحد منهما بمعنى الآخر ، وذكر يحيى بن سلام أن قوله تعالى : ( ^ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ) هذا ليلة البدر خاصة ؛ فإن الشمس لا تطلع إلا وقد غاب القمر ، فلا يجتمعان في رؤية العين ، ويقال : لا تدركه أي : لا يجتمع معه في فلك واحد ؛ فإنهم قالوا : إن الشمس في السماء الرابعة ، والقمر في السماء الدنيا .
وقوله : ( ^ ولا الليل سابق النهار ) أي : لا يتصل ليل بليل لا يكون بينهما نهار فاصل .
وقوله : ( ^ وكل في فلك يسبحون ) أي : يجرون ويدورون .
____________________


( ^ وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ( 41 ) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ( 42 ) وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون ( 43 ) إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ( 44 ) وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ( 45 ) وما ) * * * * * * * * < < يس : ( 41 ) وآية لهم أنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وآية لهم أنا حملنا ذريتهم ) أي : آباءهم ، هكذا قاله ثعلب وغيره ، واسم الذرية كما يقع على الأبناء يقع على الآباء .
وقوله : ( ^ في الفلك المشحون ) أي : الموفر ، وقيل : الممتلئ ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : المراد بالآية أنا حملناهم في بطون الأمهات ، وشبه بطون الأمهات بالسفن المشحونة . < < يس : ( 42 ) وخلقنا لهم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) فيه قولان : أحدهما : أن المراد به الزواريق الصغار والسفن التي تجري في الأنهار ، فهي في الأنهار كالسفن الكبار في البحر ، وهذا القول قول قتادة والضحاك وغيرهما .
والقول الثاني : وهو ما رواه أبو صالح عن ابن عباس أن معنى قوله : ( ^ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ) أي : الإبل ، الإبل في البوادي كالسفن في البحار . < < يس : ( 43 ) وإن نشأ نغرقهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ) أى : لا مغيث لهم ( ولا هم ينقذون ) أى : ولا هم ينجون ، < < يس : ( 44 ) إلا رحمة منا . . . . . > > وقوله : ( ^ إلا رحمة منا ) معناه : أن إنقاذهم برحمتنا .
وقوله : ( ^ ومتاعا إلى حين ) وليمتعوا إلى مدة معلومة . < < يس : ( 45 ) وإذا قيل لهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ) أي : اتقوا ما بين أيديكم أي : القيامة فاحذروها ( ^ وما خلفكم ) أي : الدنيا فلا تغتروا بها .
والقول الثاني : أن معنى قوله : ( ^ اتقوا ما بين أيديكم ) أي : اتقوا مثل عذاب الأمم الذين كانوا بين أيديكم ؛ لئلا يصيبكم مثل ما أصابهم .
وقوله : ( ^ وما خلفكم ) أي : اتقوا عذاب النار ، وقوله : ( ^ لعلكم ترحمون ) أي : كونوا على رجاء الرحمة .
____________________


( ^ تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ( 46 ) وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين ( 47 ) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( 48 ) ما ينظرون إلا ) * * * * * * < < يس : ( 46 ) وما تأتيهم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ) أي : معرضين بالجحد والتكذيب . < < يس : ( 47 ) وإذا قيل لهم . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله ) أي : مما أعطاكم الله .
وقوله : ( ^ قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه )
قال ابن عباس : كان بمكة زنادقة ، فكان إذا قيل لهم : أنفقوا على الفقراء مما ( أعطاكم ) الله ؛ قالوا هذا القول على سبيل الاستهزاء ، وعن البصري قال : هذا قول اليهود ، وكانوا يقولون : كيف نعطيهم وقد أفقرهم الله تعالى ، ولو شاء أن يعطيهم أعطاهم ؟ وذكر القتيبي في كتاب ' المعارف ' : أن أبا الأسود الدؤلي كان من خلقه أغناهم ، فهذا حجة البخلاء في البخل ، وهي حجة باطلة ؛ لأن الله تعالى منع الدنيا من الفقراء لا بخلا ولكن ابتلاء ، وأمر الأغنياء بالإنفاق لا بحكم الحاجة إلى أموالهم لكن ابتلاء شكرهم .
وقوله : ( ^ إن أنتم إلا في ضلال مبين ) أي : في خطأ بين . < < يس : ( 48 ) ويقولون متى هذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) أي : وعد القيامة . < < يس : ( 49 ) ما ينظرون إلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ) أي : يختصمون ، وهكذا في قراءة أبي بن كعب ، ويقال : هم يخصمون أي : يتقاولون في حاجاتهم ، وفي الخبر عن النبي : ' إن الساعة تقوم والرجل يسقي ماشيته ، وتقوم والرجل يلط حوضه ، وتقوم والرجل يعرض سلعته على البيع ، وتقوم والرجل قد رفع لقمته ليضعها في فيه ، فتقوم قبل أن يضعها في فيه ' .
____________________


( ^ صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ( 49 ) فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ( 50 ) ونفخ في الصور فإذا همم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ( 51 ) قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( 52 ) إن كانت إلا ) * * * * * * * * < < يس : ( 50 ) فلا يستطيعون توصية . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فلا يستطيعون توصية ) أي : إيصاء وقوله : ( ^ ولا إلى أهلهم يرجعون ) أي : ينقلبون ، والمعنى : أن الساعة لا تمهلهم بشيء . < < يس : ( 51 ) ونفخ في الصور . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ونفخ في الصور ) الأول : هي النفخة الأولى ، والثاني : هي النفخة الأخرى ، وبينهما أربعون سنة .
وقوله : ( ^ فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ) أي : من القبور .
وقوله : ( ^ إلى ربهم ينسلون ) أي : يسرعون ، قال الشاعر :
( ( عسلان ) الذئب أمسى قاربا ** برد اليل عليه فنسل )
وقال امرؤ القيس :
( فسلى ثيابي من ثيابك تنسل ** )
والنسلان فوق المشي ودون العدو . < < يس : ( 52 ) قالوا يا ويلنا . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ) قال ابن عباس : يرفع عنهم العذاب ما بين النفختين . وعن أبي بن كعب قال : ينامون نومة قبل البعث . وعن مجاهد قال : يرفع عنهم العذاب فيهجعون ويرقدون .
وعن بعضهم : أن هذا القول من المؤمنين . وأظهر القولين هو القول الأول ، وأنه قول الكافرين ، وقرأ ابن مسعود : ' من أهبنا من مرقدنا ' .
وقوله : ( ^ هذا ما وعد الرحمن ) هو قول المؤمنين إجابة للكفار ، وعلى القول الآخر قول المؤمنين ، ويجيبون به أنفسهم وقوله : ( ^ وصدق المرسلون ) ظاهر . < < يس : ( 53 ) إن كانت إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ) أي :
____________________


( ^ صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ( 53 ) فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ( 54 ) إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ( 55 ) هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ( 56 ) لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون ) * * * * * * * * حاضرون . < < يس : ( 54 ) فاليوم لا تظلم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ) ظاهر المعنى . < < يس : ( 55 ) إن أصحاب الجنة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل ) وقرئ : ' في شغل ' بالجزم ، قال ابن عباس : في افتضاض الأبكار ، وعنه أيضا أنه قال : في ضرب الأوتار ، والأول هو المعروف بين المفسرين .
والقول الثالث : في شغل عن عذاب أهل النار .
وقوله : ( ^ فاكهون ) وقرئ : ' فكهون ' فمنهم من قال : هما بمعنى واحد مثل الحذر والحاذر ، ومنهم من فرق بينهما ، قال : الفكه هو طيب النفس معجب بحاله ، والفاكه هو ذو الفاكهة . والمزاح يسمى فكاهة ، قال الحطيئة :
( ودعوتني وزعمت أنك لابن بالضيف تامر )
أي : ذو تمر ، وذو لبن ، وقال آخر :
( فكه إلى جنب الخوان إذا غدت ** نكبا تقلع ثابت الأطناب ) < < يس : ( 56 ) هم وأزواجهم في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هم وأزواجهم في ظلال ) الظلال : جمع الظل ، وقوله : ( ^ على الأرائك ) في التفسير : سرر من الذهب مكللة بالدر والزبرجد والياقوت ، عليها حجال .
قال ثعلب : لا تكون الأرائك أريكة حتى تكون تحت حجلة .
وقوله : ( ^ متكئون ) أي : أنهم ذوو اتكاة ، وذكر الاتكاء في الجنة ؛ لأنهم لا ينامون . < < يس : ( 57 ) لهم فيها فاكهة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون ) أي : ما يتمنون ، تقول العرب : ادع على ما شئت أي تمن على ما شئت ، قال الأعشى :
____________________


( ( 57 ) سلام قولا من رب رحيم ( 58 ) وامتازوا اليوم أيها المجرمون ( 59 ) ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 60 ) وأن اعبدوني هذا ) * * * * * * * *
( ركا شهي نشأة الذي ** سار ملكه له ما ادعى )
( راح عتيق ما ادعى ** ) < < يس : ( 58 ) سلام قولا من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ سلام قولا من رب رحيم ) أكثر المفسرين أن معناه : يسلم الله عليهم سلاما . وقوله : ( ^ قولا ) أي : يقول قولا .
وفي رواية جابر عن النبي قال : ' بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور وأشرف عليهم ربهم جل وعلا فيسلم عليهم ' الخبر إلى آخره ، ويقال : تسلم عليهم الملائكة من ربهم ، وقيل : يعطيهم الله السلامة ، ويقول : اسلموا السلامة الأبدية ، وقوله : ( ^ من رب رحيم ) أي : عطوف . < < يس : ( 59 ) وامتازوا اليوم أيها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) أي : امتازوا من المؤمنين . وفي التفسير : اليهود قوم ، والنصارى قوم ، والمجوس قوم ، والصابئون قوم ، والمشركون قوم ، والمؤمنون قوم ، والمعنى أن الله تعالى يميز بين أهل الصلاح وأهل الفساد ، وبين المشركين وبين المؤمنين ، وبين المنافقين وبين المخلصين . < < يس : ( 60 ) ألم أعهد إليكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم أعهد إليكم ) أي : ألم آمركم ( ^ يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان ) أي : لا تطيعوا الشيطان ، وعبادة الشيطان طاعته ، وقوله : ( ^ إنه لكم عدو مبين ) أي : عدو بين العداوة . < < يس : ( 61 ) وأن اعبدوني هذا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) أي : طريق مستقيم على الحق .
____________________


( ^ صراط مستقيم ( 61 ) ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون ( 62 ) هذه جهنم التي كنتم توعدون ( 63 ) اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ( 64 ) اليوم نختم على ) * * * * * * * * * < < يس : ( 62 ) ولقد أضل منكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد أضل منكم جبلا ) وقرئ : ' جبلا كثيرا ' ، وقرئ : ' جبلا ' برفع الجيم والباء ، ومعناه : خلقا كثيرا ، قال الضحاك : عشرة آلاف فما زاد ، وعن بعضهم : خلقا كثيرا لا يحصى عددهم إلا الله ، وقوله : ( ^ أفلم تكونوا تعقلون ) يعني : أفلم تعقلوا آياتي ، وتنظروا فيها نظر من يعقل ، < < يس : ( 63 ) هذه جهنم التي . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ هذه جهنم التي كنتم توعدون ) أي : توعدون دخولها بكفركم . < < يس : ( 64 ) اصلوها اليوم بما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ اصلوها اليوم ) أي : ادخلوها وقاسوا حرها [ ( ^ بما كنتم تكفرون ) ] ، < < يس : ( 65 ) اليوم نختم على . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ اليوم نختم على أفواههم ) قال أهل التفسير : هذا حين ينكر الكفار كفرهم وتكذيبهم رسل الله ، فيختم الله على أفواههم ، ويأذن للجوارح في الشهادة بما عملت ، وفي المشهور من الأخبار أن النبي قال : ' يقول العبد يوم القيامة : يا رب ، لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني ، فيختم الله على فمه ، ويقول لجوارحه : انطقي ، فتتكلم الجوارح بما عملت ، ثم يخلي بينه وبين لسانه ، فيقول لجوارحه : بعدا لكن وسحقا ، فعنكن أناضل ' .
وفي الخبر أيضا أن النبي قال : ' يجاء بالناس يوم القيامة مفدمة أفواههم بالفدام ، وتشهد جوارحهم بما عملت ، فأول ما يشهد فخذ الإنسان وكفه ' .
____________________


( ^ أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ( 65 ) ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون ( 66 ) ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ( 67 ) ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون ) * * * * * * *
وقوله : ( ^ وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) قد بينا .
وقد أنكر بعضهم كلام الجوارح ، وقال : معنى الكلام وجود دلالة تدل على أنها قد عملت ما عملت ، والصحيح أنها تتكلم حقيقة ، وغير مستبعد كلام الجوارح في قدرة الله تعالى . < < يس : ( 66 ) ولو نشاء لطمسنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولو نشاء لطمسنا على أعينهم ) أي : أعميناهم ، ويقال : أضللناهم عن الهدى . قال المبرد وثعلب : المطموس والطميس هو الذي ليس في عينيه شق .
قوله تعالى : ( ^ فاستبقوا الصراط ) أى : فتبادروا الطريق ، وقوله : ( ^ فأنى يبصرون ) معناه : من أين يبصرون ؟ وقيل : فكيف يبصرون ؟ < < يس : ( 67 ) ولو نشاء لمسخناهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم ) أي : جعلناهم قردة وخنازير في منازلهم ، وقيل : أقعدناهم من أرجلهم ، وقوله : ( ^ فما استطاعوا مضيا ) أي : ذاهبا ، وقوله : ( ^ ولا يرجعون ) أي : لا يرجعون إلى أهاليهم . < < يس : ( 68 ) ومن نعمره ننكسه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن نعمره ننكسه في الخلق ) وقرىء : ( ( ننكسه في الخلق ) ) أى : ومن نطل عمره ننكسه في الخلق أي : نرده إلى أرذل العمر ، ويقال : التنكيس في الخلق هو ضعف الجوارح بعد قوتها ، وقوله : ( ^ أفلا يعقلون ) معناه : أفلا يعقلون آياتي ؟ . < < يس : ( 69 ) وما علمناه الشعر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) قالوا : كان المشركون يزعمون أن محمدا شاعر ، وأن القرآن شعر ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( ^ وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) أي : لا يسهل ولا يتزن له شعر ، وفي الخبر : ' أن النبي أنشد
____________________


( ( 68 ) وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ( 69 ) لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ( 70 ) أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما ) * * * * * * * * * * يوما :
( كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا ** )
فقال أبو بكر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله هو :
( كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا ** )
فقال النبي : ' كلاهما واحد ' فقال أبو بكر : أشهد أنك لا تقول الشعر ، ولا ينبغي لك ' .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي أنشد شعر طرفة :
( ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ** ويأتيك بالأخبار من [ لم ] تزود )
فقال النبي : ' ويأتيك من لم تزود بالأخبار ' .
وقوله : ( ^ إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) أي : تذكرة وقرآن بين . < < يس : ( 70 ) لينذر من كان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لينذر من كان حيا ) أي : عاقلا ، وقيل : مؤمنا ، وقال قتادة : حي القلب ، وقوله : ( ^ ويحق القول على الكافرين ) أي : تجب حجة العذاب على الكافرين . < < يس : ( 71 ) أو لم يروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا ) أي : مما تولينا خلقه وإبداعه ، والأولى في الأيدي أن يؤمن بها ولا تفسر .
وقوله : ( ^ أنعاما فهم لها مالكون ) أي : ضابطون ، وأنشد سيبويه :
____________________


( ^ فهم لها مالكون ( 71 ) وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ( 72 ) ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون ( 73 ) واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ( 74 ) لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ( 75 ) فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما ) * * * * * * * *
( ( لست من أجمل الأنام السلام ** ولا أملك رأس البعير إذ نفرا ) )
أي : أضبط . < < يس : ( 72 ) وذللناها لهم فمنها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وذللناها لهم ) أي : جعلناها ذليلة لهم ، وقوله : ( ^ فمنها ركوبهم ) الركوب : ما يركب ، وقوله : ( ^ ومنها يأكلون ) ظاهر المعنى . < < يس : ( 73 ) ولهم فيها منافع . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون ) أي : في الأنعام منافع من الأصواف والأوبار والأشعار ، وقوله : ( ^ ومشارب ) أي : من الألبان ، وقوله : ( ^ أفلا يشكرون ) يعني : هذه النعم . < < يس : ( 74 ) واتخذوا من دون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ) أي : تدفع عنهم العذاب ، < < يس : ( 75 ) لا يستطيعون نصرهم . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ لا يستطيعون نصرهم ) أي : لا تستطيع الأصنام دفع العذاب عنهم .
وقوله : ( ^ وهم لهم جند محضرون ) فيه قولان : أحدهما : وهم لهم جند أي : الكفار للأصنام جند وأتباع .
القول الثاني : أن هذا في القيامة ، وهو أنه يدعا بكل معبود عبد من دون الله ، فيجاء به ومعه أتباعه ، والذين عبدوه كأنهم جنده ، وقوله : ( ^ فهم محضرون ) أي : يحضرون النار ، ومعناه : يدخلونها . < < يس : ( 76 ) فلا يحزنك قولهم . . . . . > >
قوله : ( ^ فلا يحزنك قولهم ) أي : قولهم فيك إنه ساحر أو كاذب أو شاعر .
وقوله : ( ^ إنا نعلم ) هذا ابتداء كلام ، وقوله : ( ^ ما يسرون ) يعني : من
____________________


( ^ يسرون وما يعلنون ( 76 ) أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ( 77 ) وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ( 78 ) قل يحييها ) * * * * * * * * التكذيب ، وقوله : ( ^ وما يعلنون ) أي : من عبادة الأصنام . < < يس : ( 77 ) أو لم ير . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ) نزلت الآية في شأن أبي بن خلف ، فإنه روي أنه أخذ عظما باليا ففتته بين أصابعه ، وقال : يا محمد ، أتزعم أن هذا يحيي ويبعث .
وفي بعض التفاسير : أن القائل هذا كان هو العاص بن وائل السهمي ، والأول أشهر ؛ فقال رسول الله : ' نعم ، وإن الله تعالى يميتك ثم يبعثك ثم يدخلك نار جهنم ' .
وقوله : ( ^ فإذا هو خصيم مبين ) أي : مخاصم بين الخصمومة . وأما وجه الحجة عليهم في خلق الإنسان من نطفة ، هو أن إعادة الخلق أهون فيما يعقله الناس من إنشاء الخلق . < < يس : ( 78 ) وضرب لنا مثلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه ) ضربه المثل ما بينا من قوله . وقوله : ( ^ ونسي خلقه ) أي : وترك النظر في إنشاء خلقه .
وقوله : ( ^ قال من يحيي العظام وهي رميم ) الرمة : من العظام هي التي بليت . < < يس : ( 79 ) قل يحييها الذي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) أي : عالم .
____________________


( ^ الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ( 79 ) الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ( 80 ) ) * * * * * * * * * < < يس : ( 80 ) الذي جعل لكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ) قال أهل التفسير : والمراد منه هو المرح والعفار ، وهما خشبتان توري العرب منهما النار كما يوري الناس من الحديد والحجر ، وقوله : يوري أي : يقدح ، تقول العرب : في كل شجر نار واستمجد المرح والعفار وعن أبي صالح قال : في الأشجار نار سوى شجرة العفار .
وقوله : ( ^ فإذا أنتم منه توقدون ) أي : تقدحون وتورون .
وقوله : ( ^ أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ) على أن ينشىء خلقا مثلهم ، وقيل : على أن يعيدهم يوم القيامة ؛ فيكونوا خلقا كما كانوا .
وقوله : ( ^ بلى وهو الخلاق العليم ) معناه : قل : بلى ، وهو خطاب للرسول ، وقد بينا [ الفرق ] بين بلى ونعم فيما سبق ، ولا يستقيم في جواب النفي إلا بكلمة بلى ، وقيل : إن الله تعالى قال مجيبا لنفسه : بلى وهو الخلاق العليم ، والخلاق هو الذي يخلق مرة بعد مرة ، والعليم هو ( العالم ) بخلقه .
قوله تعالى : ( ^ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) قد بينا هذا من قبل ، قوله : ( ^ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ) أي : ملك كل شيء .
وقوله : ( ^ وإليه ترجعون ) أي : تردون يوم القيامة .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ والصافات صفا ( 1 ) فالزاجرات زجرا ( 2 ) فالتاليات ذكرا ( 3 ) إن إلهكم لواحد ( 4 ) رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق ( 5 ) إنا زينا السماء الدنيا ) * * * * * * * * * * <
> تفسير سورة الصافات <
>
وهي مكية < < الصافات : ( 1 ) والصافات صفا > >
قوله تعالى : ( ^ والصافات صفا ) روى مسروق عن ابن مسعود ، وعكرمة عن ابن عباس : أنهم الملائكة ، وروى الضحاك عن ابن عباس : أنهم عباد السماء .
وعن بعضهم : أن المراد منه صفوف المسلمين في الجماعات ، وروي عن النبي أنه قال : ' ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ) .
وأشهر الأقاويل هو القول الأول ، والملائكة صفوف في السماء يذكرون الله تعالى ويذكرهم ، ويقال : إن معنى الآية أن الملائكة تصف أجنحتها إذا نزلت إلى الأرض . < < الصافات : ( 2 ) فالزاجرات زجرا > >
وقوله تعالى : ( ^ فالزاجرات زجرا ) ذهب أكثر المفسرين أن المراد بهم الملائكة تزجر السحاب لتسوقه إلى الموضع الذي يريده الله تعالى .
والقول الثاني : أنها زواجر القرآن . < < الصافات : ( 3 ) فالتاليات ذكرا > >
فأما قوله : ( ^ فالتاليات ذكرا ) ذهب أكثرهم أن المراد بها الملائكة وهي تتلوا ذكر الله .
والقول الثاني : انهم الأنبياء يتلون ما أنزل الله تعالى والقول الثالث : أنها آيات القرآن تتلى لذكر الله تعالى . < < الصافات : ( 4 ) إن إلهكم لواحد > >
وقوله : ( ^ إن إلهكم لواحد ) هذا هو موضع القسم ، فأقسم الله تعالى بما قدم ذكره ، وقوله : ( ^ والصافات ) أي : ورب الصافات صفا ، وهكذا فيما بعده . < < الصافات : ( 5 ) رب السماوات والأرض . . . . . > >
وقوله : ( ^ رب السموات والأرض وما بينهما ) ومعنى الآية أن إلهكم لواحد ، وهو
____________________


( ^ بزينة الكواكب ( 6 ) وحفظا من كل شيطان مارد ( 7 ) لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ) * * * * * * * * * رب السموات والأرض وما بينهما ( ^ ورب المشارق ) أي : ورب المسارق والمغارب .
فإن قيل : قد قال في موضع آخر ( ^ رب المشرق والمغرب ) وقال في موضع آخر : ( ^ رب المشرقين ورب المغربين ) وقال ها هنا : ( ^ رب المشارق ) فكيف وجهه التوفيق بين هذه الآية وأخواتها ؟
والجواب عنه : أما قوله : ( ^ رب المشرق والمغرب ) فالمراد منه الجهة ، وللمشرق جهة واحدة ، وللمغرب جهة واحدة .
وأما قوله : ( ^ رب المشرقين ورب المغربين ) فالمراد من المشرقين : مشرق الشتاء ، ومشرق الصيف ، فأما قوله : ( ^ ورب المشارق ) فللشمس مشارق تطلع كل يوم من مشرق غير المشرق الذي طلعت فيه أمس ، وكذلك المغارب ، فاستقام على هذا وجوه الآيات . < < الصافات : ( 6 ) إنا زينا السماء . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ) أي : بحسن الكواكب وضيائها ، وقرأ عاصم : ' بزينة الكواكب ' أي : بتزيينا الكواكب ، وقرأ حمزة : ' بزينة الكواكب ' بخفض الباء وتنوين الزينة ، والكواكب على هذه الرواية تدل على الزينة ، والمعنى : إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب . < < الصافات : ( 7 ) وحفظا من كل . . . . . > >
وقوله : ( ^ وحفظا ) أي : وحفظناها حفظا ، وقوله : ( ^ من كل شيطان مارد ) أي : متمرد ، والشيطان : كل متمرد عات من إنس أو جن أو جنة ، قال الشاعر :
( ما ليلة القفير إلا شيطان ** )
والقفير : البئر البعيدة القعر ، < < الصافات : ( 8 ) لا يسمعون إلى . . . . . > > قوله ( ^ لا يسمعون ) وقرئ : ' لا يسمعون ' بنصب السين ، وقوله : ( ^ لا يسمعون ) أي : لا يستمعون ، وقوله : ( ^ لا يسمعون ) أي : لا يستمعون .
____________________


( ^ ويقذفون من كل جانب ( 8 ) دحورا ولهم عذاب واصب ( 9 ) إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ( 10 ) فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من ) * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ إلى الملأ الأعلى ) أي : الملائكة ، ومعنى الآية : أنهم لا يستطيعون الاستماع إلى الملأ الأعلى .
وقوله : ( ^ ويقذفون ) أي : يرجمون ، وقوله : ( ^ من كل جانب ) من جوانب السماء ، < < الصافات : ( 9 ) دحورا ولهم عذاب . . . . . > > وقوله : ( ^ دحورا ) قال مجاهد : أي : مطرودين ، وقال قتادة : يرمون رميا ، والدحر هو الإبعاد ، ويقال : دحره الله أي : أبعده الله .
وقوله : ( ^ ولهم عذاب واصب ) أي : دائم ، < < الصافات : ( 10 ) إلا من خطف . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ إلا من خطف الخطفة ) قال أهل التفسير : هذا استثناء منقطع ، ومعناه : لكن من خطف الخطفة ، والخطف هو الاستلاب بسرعة ، واختطافهم واستلابهم كلام الملائكة .
وقوله : ( ^ فأتبعه شهاب ثاقب ) أي : شهاب مضيء ، وقيل : محرق ، وعن يزيد الرقاشي قال : ثاقب أي : يثقبهم فينفذ من جانب آخر ، والشهاب : هو النجم ها هنا . < < الصافات : ( 11 ) فاستفتهم أهم أشد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فاستفتهم ) أي : فاسألهم ( ^ أهم أشد خلقا أم من خلقنا ) قال ابن عباس وغيره : المراد منه السموات والأرض والجبال ، وزعم أهل المعاني : أنه لا بد أن تكون الملائكة وما خلقه الله من الجن والذين يعقلون مرادا بالآية ؛ لأن الله تعالى قال ( ^ أم من خلقنا ) ومن لا تذكر إلا فيما يعقل .
وقوله : ( ^ إنا خلقناهم من طين لازب ) أي : لاصق ، وقال أبو عبيدة : هو لازم ؛ قال الشاعر : ( ^ ولا تحسبون الخير لا شر بعده ** ولا تحسبون الشر ضربة لازب )
أي : لازم . < < الصافات : ( 12 ) بل عجبت ويسخرون > >
وقوله : ( ^ بل عجبت ) وقرأ حمزة والكسائي : ' بل عجبت ' على إضافة التعجب إلى الله ، وهي قراءة علي وابن مسعود وابن عباس .
____________________


( ^ طين لازب ( 11 ) بل عجبت ويسخرون ( 12 ) وإذا ذكروا لا يذكرون ( 13 ) وإذا ) * * * * * * * *
وفي بعض الآثار المسندة عن شقيق بن سلمة أنه قال : كنت عند شريح ؛ فقرأت ' بل عجبت ويسخرون ' فقال شريح : بئس القراءة هكذا ، والله تعالى لا يتعجب من شيء ، وهو عالم بالأشياء كلها ؛ فقال شقيق : قد ذكرت ذلك لإبراهيم النخعي ، فقال إبراهيم : إن شريحا رجل معجب بعلمه ، وعبد الله بن مسعود أعلم منه .
فأما القراءة بالنصب ، فهو خطاب للنبي ومعناه : بل عجبت من وحينا إليك ، وقيل : من تكذيبهم إياك مع وضوح الدلائل .
وقوله : ( ^ ويسخرون ) أي : يسخرون ويستهزءون بك ، وأما القراءة بضم التاء فالتعجب من الله ليس هو مثل التعجب من الآدميين ، وقد قال الله تعالى في موضع آخر : ( ^ فيسخرون منهم سخر الله منهم ) وقال تعالى : ( ^ الله يستهزئ بهم ) فمعنى قوله : ( ^ عجبت ) أي : عظم حلمي عن ذنوبهم ، والمتعجب هو الذي يرى ما يعظم عنده ، وقيل : ( ^ بل عجبت ) أي : حل فعلهم محل ما يتعجب منهم .
وقد روي عن النبي أنه قال : ' عجب ربكم من شاب ليس له صبوة ) )
وروى عن النبي - - أنه قال : ( ( عجب ربكم من إلكم وقنوطكم وسرعة
____________________


( ^ رأوا آية يستسخرون ( 14 ) وقالوا إن هذا إلا سحر مبين ( 15 ) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ( 16 ) أو آباؤنا الأولون ( 17 ) قل نعم وأنتم داحرون ( 18 ) فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون ( 19 ) وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين ( 20 ) هذا ) * * * * * * * * * إجابته [ إياكم ] ' . < < الصافات : ( 13 ) وإذا ذكروا لا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإذا ذكروا لا يذكرون ) وإذا وعظوا لا يتعظون . < < الصافات : ( 14 ) وإذا رأوا آية . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإذا رأوا آية يستسخرون ) أي : يسخرون ، ويقال : يستدعى بعضهم من بعض سخريا ، < < الصافات : ( 15 ) وقالوا إن هذا . . . . . > > وقوله : ( ^ وقالوا إن هذا إلا سحر مبين ) أي : سحر بين . < < الصافات : ( 16 ) أئذا متنا وكنا . . . . . > >
وقوله : ( ^ أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما ائنا لمبعوثون ) قالوا ذلك على طريق الإنكار ، < < الصافات : ( 17 ) أو آباؤنا الأولون > > وقوله : ( ^ أو آباؤنا الأولون ) أي : نبعث ويبعث آباؤنا الأولون . < < الصافات : ( 18 ) قل نعم وأنتم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل نعم ) أي : نعم لتبعثون ، وقوله : ( ^ وأنتم داخرون ) أي : صاغرون ذليلون ، قال الشاعر :
( ( ولم يبق إلا داخر في مخيس ** ومنجحر في غير أرضك في جحري ) ) < < الصافات : ( 19 ) فإنما هي زجرة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فإنما هي زجرة واحدة ) أي : صيحة واحدة .
قوله : ( ^ فإذا هم ينظرون ) أي : ينتظرون ، وقيل : ينظر بعضهم إلى بعض . < < الصافات : ( 20 ) وقالوا يا ويلنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين ) أي : يوم الحساب ويوم الجزاء ، < < الصافات : ( 21 ) هذا يوم الفصل . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ هذا يوم الفصل ) أي : يوم القضاء ، وقيل : يوم الفصل بين المحسن والمسيء ، وقوله : ( ^ الذي كنتم به تكذبون ) أي : تجحدون . < < الصافات : ( 22 - 23 ) احشروا الذين ظلموا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) الذين ظلموا هم المشركون .
____________________


( ^ يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ( 21 ) احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون ( 22 ) من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ( 23 ) وقفوهم إنهم مسئولون ( 24 ) ما لكم لا تناصرون ( 25 ) بل هم اليوم مستسلمون ( 26 ) وأقبل ) * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ وأزواجهم ) أي : وأشباههم ، وقيل : وقرناءهم ، ويقال : وأتباعهم .
وقوله : ( ^ وما كانوا يعبدون من دون الله ) من الأصنام ، وقوله تعالى : ( ^ فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) أي : ارشدوهم إلى طريق النار . < < الصافات : ( 24 ) وقفوهم إنهم مسؤولون > >
قوله تعالى : ( ^ وقفوهم ) فإن قيل : كيف قال : ( فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) ثم قال : ( ^ وقفوهم ) قلنا : لأنهم يوقفون على الصراط للمساءلة ، ويقال : إن هذا أشد في التعذيب والتوبيخ . وفي الخير عن النبي قال : ' لا تزول قدما بني آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن شبابه فيما أبلاه ، وعن عمره فيما أفناه ، وعن ماله من أين اكتسبه وأين وضعه ، وعن علمه ماذا فعل به ؟ ' . < < الصافات : ( 25 ) ما لكم لا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما لكم لا تناصرون ) أي : لا تتناصرون ؛ فينصر بعضكم بعضا . وفي التفسير : أن أبا جهل هو القائل : نحن جميع منتصر ، على ما حكى الله تعالى فقال الله تعالى ردا لقوله : ( ^ ما لكم لا تناصرون ) أي : لينصر بعضكم البعض اليوم إن كنتم صادقين . < < الصافات : ( 26 ) بل هم اليوم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ بل هم اليوم مستسلمون ) يعني : استسلموا وعضوا بأيديهم ، وعرفوا أنه لا خلاص لهم من الهلاك والعذاب . < < الصافات : ( 27 ) وأقبل بعضهم على . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) معناه أي : ويتلاومون ، قوله تعالى : ( ^ قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ) قال الفراء والزجاج وغيرهما من أهل المعاني : أي من قبل الذين تلبسونه علينا ، وقيل : من قبل الجنة تثبطوننا عنها ، وذكر بعضهم : أن رؤساء الكفار كان يحلفون [ للأتباع ] أنهم على الحق .
____________________


( ^ بعضهم على بعض يتساءلون ( 27 ) قالوا إنكم تأتوننا عن اليمين ( 28 ) قالوا بل لم تكونوا مؤمنين ( 29 ) وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين ( 30 ) فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون ( 31 ) فأغويناكم إنا كنا غاوين ( 32 ) فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون ( 33 ) إنا كذلك نفعل بالمجرمين ( 34 ) إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ( 35 ) ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ( 36 ) بل جاء ) * * * * * * * * * < < الصافات : ( 28 ) قالوا إنكم كنتم . . . . . > >
فقوله : ( ^ إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ) أي : عن الأيمان التي حلفوا بها أنهم صادقون ، واليمين يذكر ويراد به القوة ، قال الشاعر :
( إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين )
أي : بالقوة . < < الصافات : ( 29 ) قالوا بل لم . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ قالوا بل لم تكونوا مؤمنين ) أي : رؤساء يقولون ذلك للأتباع ، < < الصافات : ( 30 ) وما كان لنا . . . . . > > وقوله : ( ^ وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين ) يعني : إنكم فعلتم ما فعلتم بأنفسكم ، ولم نفعل بكم شيئا . < < الصافات : ( 31 ) فحق علينا قول . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فحق علينا قول ربنا ) أي : وجب علينا عذاب ربنا ، قال الحسن : الضال والمضل جميعا في النار ؛ فهو معنى قوله تعالى : ( ^ إنا لذائقون ) أي : ذائقون العذاب . < < الصافات : ( 32 ) فأغويناكم إنا كنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأغويناكم إنا كنا غاوين ) أي : أضللناكم إنا كنا ضالين . < < الصافات : ( 33 ) فإنهم يومئذ في . . . . . > > قوله : ( ^ فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون ) يعني : أنهم جميعا في العذاب . < < الصافات : ( 34 ) إنا كذلك نفعل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا كذلك نفعل بالمجرمين ) ظاهر المعنى ، والجرم ها هنا هو الشرك . < < الصافات : ( 35 ) إنهم كانوا إذا . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ) عن كلمة التوحيد ، ويمتنعون منها . < < الصافات : ( 36 ) ويقولون أئنا لتاركوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ) قالوا ذلك للنبي ، فقال الله تعالى ردا عليهم : < < الصافات : ( 37 ) بل جاء بالحق . . . . . > > ( ^ بل جاء بالحق وصدق المرسلين ) أي : المرسلين الذين سبقوا في الرسالة .
____________________


( ^ بالحق وصدق المرسلين ( 37 ) إنكم لذائقوا العذاب الأليم ( 38 ) وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ( 39 ) إلا عباد الله المخلصين ( 40 ) أولئك لهم رزق معلوم ( 41 ) فواكه وهم مكرمون ( 42 ) في جنات النعيم ( 43 ) على سرر متقابلين ( 44 ) يطاف عليهم بكأس من معين ( 45 ) بيضاء لذة للشاربين ( 46 ) لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ) * * * * * * * * < < الصافات : ( 38 - 39 ) إنكم لذائقوا العذاب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنكم لذائقوا العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ) ظاهر المعنى ، < < الصافات : ( 40 ) إلا عباد الله . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ إلا عباد الله المخلصين ) أي : الذين أخلصوا في التوحيد . < < الصافات : ( 41 ) أولئك لهم رزق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أولئك لهم رزق معلوم ) أي : مقدر ، ورزقهم المقدر هو رزقهم بكرة وعشيا ، < < الصافات : ( 42 ) فواكه وهم مكرمون > > وقوله : ( ^ فواكه وهم مكرمون ) الفواكه جمع الفاكهة .
وقوله : ( ^ وهم مكرمون ) أي : بإدخالهم الجنة . < < الصافات : ( 43 ) في جنات النعيم > >
قوله تعالى : ( ^ في جنات النعيم ) يعني : إنهم في جنات النعيم . < < الصافات : ( 44 ) على سرر متقابلين > >
وقوله : ( ^ على سرر متقابلين ) قال أهل التفسير : لا ينظر بعضهم في قفا البعض . < < الصافات : ( 45 ) يطاف عليهم بكأس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يطاف عليهم بكأس من معين ) أي : الخمر الجاري . < < الصافات : ( 46 ) بيضاء لذة للشاربين > >
وقوله : ( ^ بيضاء لذة للشاربين ) قال الحسن البصري : خمر الجنة أبيض من اللبن ، قرأ ابن مسعود : ' صفراء لذة للشاربين ' . < < الصافات : ( 47 ) لا فيها غول . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا فيها غول ) أي : لا تغتال عقولهم ، قال الشاعر :
( فما زالت الكأس تغتالنا ** وتصرع بالأول الأول )
ويقال : الخمر غول العقل ، والحرب غول النفس ، ويقال : الغول هو الغائلة ، ومن الغائلة ذهاب عقلهم ، وسائر المفاسد التي في الخمر ، ويقال في الخمر أربعة أشياء : السكر ، والصداع ، والقيء ، و ( البول ) ، ولا يوجد من هذه الأربع في خمر الجنة .
وقوله : ( ^ ولا هم عنها ينزفون ) يقال : أنزف الرجل إذا سكر ، قال الشاعر :
( لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم ** لبئس الندامى كنتم آل أبجرا )
____________________


( ( 47 ) وعندهم قاصرات الطرف عين ( 48 ) كأنهن بيض مكنون ( 49 ) فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( 50 ) قال قائل منهم إني كان لي قرين ( 51 ) يقول أئنك لمن ) * * * * * * < < الصافات : ( 48 ) وعندهم قاصرات الطرف . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وعندهم قاصرات الطرف ) أي : اللاتي قصرن أطرافهن على أزواجهن أي : عينهن أي : حبسن فلا ينظرن إلى غير أزواجهن .
وقوله : ( ^ عين ) أي : حسان الأعين ، وفي التفسير : البياض شديد البياض ، والسواد شديد السواد ، يعني في العين . < < الصافات : ( 49 ) كأنهن بيض مكنون > >
وقوله : ( ^ كأنهن بيض مكنون ) العرب تشبه وجه المرأة في البياض بيضة النعامة ، ويقولون : أحسن اللون بياض اللون مشوب بالصفرة ، قال ذو الرمة :
( كحلاء في بزخ صفراء في دعج ** كأنها فضة قد مسها ذهب )
وقوله : ( ^ مكنون ) أي : مستور مصون من الريش ( والخمار ) .
وقال بعضهم : في قوله ( ^ بيض مكنون ) شبههن ببياض البيضة عند خروجها من قشرتها ، وقيل : شبه بالسحاء الذي بين القشر الأعلى وبين البياض . < < الصافات : ( 50 ) فأقبل بعضهم على . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) أي : يسأل بعضهم بعضا عن حاله في الدنيا . < < الصافات : ( 51 ) قال قائل منهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال قائل منهم إني كان لي قرين ) قال مجاهد : القرين ها هنا : هو الشيطان ( يغويه ) ، ويقال : القرين ها هنا : قرينه الذي كان يدعوه إلى الكفر .
قال عطاء الخراساني : نزلت الآية في رجلين كانا في بني إسرائيل اكتسبا مالا عظيما ، ويقال : ورثا مالا عظيما واقتسماه ، فأنفق أحدهما نصيبه على الفقراء ، وأما الآخر فاشترى به عقارا ودورا وأثرى ، وهما اللذان ذكرهما الله تعالى في سورة الكهف ، وقال بعضهم : هما أخوان سواهما .
____________________


( ^ المصدقين ( 52 ) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ( 53 ) قال هل أنتم مطلعون ( 54 ) فاطلع فرآه في سواء الجحيم ( 55 ) قال تالله إن كدت لتردين ( 56 ) ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ( 57 ) أفما نحن بميتين ( 58 ) إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين ( 59 ) إن هذا لهو الفوز العظيم ( 60 ) لمثل هذا فليعمل العاملون ( 61 ) ) * * * * * * * * * < < الصافات : ( 52 ) يقول أئنك لمن . . . . . > >
وقوله : ( ^ يقول أئنك لمن المصدقين ) أي : المصدقين بالبعث . < < الصافات : ( 53 ) أئذا متنا وكنا . . . . . > >
وقوله : ( ^ أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ) هذا قول قرينه ، وقوله : ( ^ لمدينون ) أي : محاسبون ، وقيل : مجزيون ، يقال : كما تدين تدان . < < الصافات : ( 54 ) قال هل أنتم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال هل أنتم مطلعون ) اختلف القول في هذا ، فأحد القولين : أن الله تعالى يقول لهم : ( ^ هل أنتم مطلعون ) .
والآخر : أن هذا المؤمن يقول لإخوانه من أهل الجنة هل أنتم مطلعون ؟ < < الصافات : ( 55 ) فاطلع فرآه في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فاطلع فرآه في سواء الجحيم ) أي : في وسط الجحيم ، وإنما سمي وسط الشيء سواء لاستواء الجوانب منه . < < الصافات : ( 56 ) قال تالله إن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال تالله إن كدت لتردين ) أي : لتهلكني ، يقال : كاد يفعل كذا أي : قارب ، وقرأ ابن مسعود : ' إن كدت لتغويني ' من الإغواء . < < الصافات : ( 57 ) ولولا نعمة ربي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ) أي : ولولا رحمة ربي لكنت من المحضرين النار أي : الذين دخلوا النار . < < الصافات : ( 58 - 60 ) أفما نحن بميتين > >
قوله تعالى : ( ^ أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين ) فيقال : أجيبونا فلا يجيبون لاستغراقهم في العذاب ، يقولون : ( ^ إن هذا لهو الفوز العظيم ) وعن بعضهم : ' أنه يجاء بالموت على صورة كبش فيذبح على ما ورد به الخبر ' ، فحينئذ يقولون : أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى على طريق الإقرار والتعجب والسرور بذلك . < < الصافات : ( 61 ) لمثل هذا فليعمل . . . . . > >
( ^ لمثل هذا فليعمل العاملون ) أي : لمثل هذا المنزل ، ولمثل هذا النعيم ، فليعمل
____________________


( ^ أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ( 62 ) إنا جعلناها فتنة للظالمين ( 63 ) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ( 64 ) طلعها كأنه رءوس الشياطين ( 65 ) فإنهم لآكلون منها ) * * * * * * * * * * العاملون . < < الصافات : ( 62 - 64 ) أذلك خير نزلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أذلك خير نزلا ) النزل : هو العطاء الدار ، ويقال : النزل هو إصلاح ما ينزل عليهم .
فإن قيل : كيف قال : ( ^ أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ) ولا خير في شجرة الزقوم أصلا ؟
الجواب عنه قد سبق وعن مثل هذا ، والعرب تقول : تعال ننظر الصلح خير أم الحرب ، والفقر خير أم الغنى ، والصحة خير أم السقم ، وإنما يريد تقرير الأمر للمخاطب أنه لا خير إلا في أحدهما .
وقوله : ( ^ أم شجرة الزقوم ) اختلفوا في هذه الشجرة ، فالأكثرون أنها شجرة لا يعرف لها مثل في الدنيا ، وقال قطرب : هي شجرة مرة خبيثة تكون بتهامة ، وقال بعضهم : نبت قاتل .
وفي التفسير : أنه لما نزلت هذه الآية ؛ قال أبو جهل : هل تعرفون الزقوم ؟ فقال عبد الله بن الزبعري : نعم نعرفه ؛ هو بلسان البربر الزبدة والتمر وأورد بعضهم : أنه بلغة اليمن فقال أبو جهل لجاريته : ابغي لنا زبدا وتمرا ، فجاءت بذلك ، فقال : هو الزقوم الذي خوفكم به محمد ، فتزقموا ؛ فأنزل الله تعالى ( ^ إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ) أي : في قعر الجحيم . < < الصافات : ( 65 ) طلعها كأنه رؤوس . . . . . > >
وقوله : ( ^ طلعها كأنه رءوس الشياطين ) فإن قيل : كيف قال : ( ^ طلعها كأنه رءوس الشياطين ) ورءوس الشياطين لم يرها أحد ، ولا يجوز التعريف إلا بما يعرف ؟
والجواب عنه : أنه كان مستقرا في النفوس قبح رءوس الشياطين ، وأن جميعهم على أقبح صورة ؛ فشبه بها على ما استقر في النفوس ، قال الشاعر :
( يقاتلني والمشرفي مضاجعي ** ومسنونة زرق كأنياب أغوال )
____________________


( ^ فمالئون منها البطون ( 66 ) ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ( 67 ) ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ( 68 ) إنهم ألفوا آباءهم ضالين ( 69 ) فهم على آثارهم يهرعون ( 70 ) ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ( 71 ) ولقد أرسلنا فيهم منذرين ( 72 ) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ( 73 ) إلا عباد الله المخلصين ( 74 ) ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ) * * * * * * *
فشبه بأنياب الأغوال ، ولم ير الأغوال ، ولكن صح التشبيه لما تقرر في النفوس قبحها ، وقال بعضهم : الشيطان ها هنا حية قبيحة المنظر ، فمعناه : كأنها رءوس الحيات ، والعرب تسمي كل قبيح مكروه شيطانا ، وقال بعضهم : هو اسم لنبت من الثمر خشن اللمس منتن الريح .
وقوله : ( ^ إنا جعلناهم فتنة للظالمين ) فتنتهم بها هو ما قال أبو جهل ، وزعم أنه الزبد والتمر ، ومن فتنتهم أيضا بها أنهم قالوا كيف تنبت شجرة في النار ، والنار تحرق الشجر ؟ < < الصافات : ( 66 ) فإنهم لآكلون منها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ) ظاهر المعنى . < < الصافات : ( 67 ) ثم إن لهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ) أي : لخلطا من حميم . < < الصافات : ( 68 ) ثم إن مرجعهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ) أي : منقلبهم ، ويقال : إن شجرة الزقوم في الباب السادس من أبواب النار ؛ فيخرجون من الجحيم إليه حتى يأكلون الزقوم ثم يردون إلى الجحيم ؛ فهو معنى قوله تعالى : ( ^ قم ثم إن مرجعكم لإلى الجحيم ) . < < الصافات : ( 69 ) إنهم ألفوا آباءهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنهم ألفوا آباءهم ضالين ) أي : وجدوا آباءهم على الضلالة ، < < الصافات : ( 70 ) فهم على آثارهم . . . . . > > وقوله : ( ^ فهم على آثارهم يهرعون ) أي : يسرعون ، والإهراع هو الإسراع ، < < الصافات : ( 71 - 73 ) ولقد ضل قبلهم . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ) معلوم المعنى . < < الصافات : ( 74 ) إلا عباد الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إلا عباد الله المخلصين ) وقرئ : ' مخلصين ' بكسر اللام ، فقوله : ( ^ مخلصين ) أي : الذين أخلصهم الله واختارهم ، وأما بالكسر أي : الذين أخلصوا العمل لله تعالى .
____________________


( ( 75 ) ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ( 76 ) وجعنا ذريته هم الباقين ( 77 ) وتركنا عليه في الآخرين ( 78 ) سلام على نوح في العالمين ( 79 ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( 80 ) إنه من عبادنا المؤمنين ( 81 ) ثم أغرقنا الآخرين ( 82 ) وإن من شيعته لإبراهيم ( 83 ) إذ جاء ربه بقلب سليم ( 84 ) إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ( 85 ) أئفكا آلهة ) * * * * * * * * * < < الصافات : ( 75 ) ولقد نادانا نوح . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ) أي : نعم المجيب نحن له ، وإنما قال : ( ^ المجيبون ) على ما يقول الملوك والعظماء ، ويخبرون عن أنفسهم بلفظ الجماعة . < < الصافات : ( 76 ) ونجيناه وأهله من . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ ونجيناه وأهله من الكرب العظيم ) أي : الغم العظيم ، < < الصافات : ( 77 ) وجعلنا ذريته هم . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ وجعلنا ذريته هم الباقين ) قد بينا أن الناس من نسل نوح عليه السلام ولم يبق أحد من نسل غيره . < < الصافات : ( 78 ) وتركنا عليه في . . . . . > >
وقوله : ( ^ وتركنا عليه في الآخرين ) أي : وتركنا عليه الذكر الجميل والثناء الحسن في الآخرين ، < < الصافات : ( 79 ) سلام على نوح . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ سلام على نوح في العالمين ) أي : السلامة له منا في العالمين ، ويقال : السلام منا عليه في العالمين ، < < الصافات : ( 80 - 81 ) إنا كذلك نجزي . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ) معلوم المعنى . < < الصافات : ( 82 ) ثم أغرقنا الآخرين > >
وقوله : ( ^ ثم أغرقنا الآخرين ) هم الكفار ، وقد سبق ذكر نوح من قبل . < < الصافات : ( 83 ) وإن من شيعته . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإن من شيعته لإبراهيم ) يقال : أن الهاء ها هنا راجع إلى محمد والأصح انه راجع إلى نوح ، والشيعة هم الأتباع ، وإنما قال من شيعته ؛ لأنه كان على مسلكه ، ومنهاجه . < < الصافات : ( 84 ) إذ جاء ربه . . . . . > >
وقوله : ( ^ إذ جاء ربه بقلب سليم ) أي : سليم من الشرك ، قال عروة بن الزبير : لم يلعن شيئا قط ، فهم معنى قوله : ( ^ سليم ) . < < الصافات : ( 85 ) إذ قال لأبيه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ) معناه : أي شيء تعبدون ؟ وهو استفهام بطريق الإنكار والتوبيخ .
____________________


( ^ دون الله تريدون ( 86 ) فما ظنكم برب العالمين ( 87 ) فنظر نظرة إلى النجوم ( 88 ) فقال إني سقيم ( 89 ) فتولوا عنه مدبرين ( 90 ) فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ) * * * * * * * * * < < الصافات : ( 86 ) أئفكا آلهة دون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أئفكا آلهة ) أي : تطلبون آلهة مؤتفكة ، ومعنى تطلبون أي : تطلبون منها ما يطلب من الله تعالى ، والإفك : الكذب ، ومعنى المؤتفكة : أي كذبتم لأجلها على الله ، واخترعتموها من قبل أنفسكم .
قوله تعالى : ( ^ [ أئفكا آلهة دون الله تريدون ] < < الصافات : ( 87 ) فما ظنكم برب . . . . . > > فما ظنكم برب العالمين ) معناه : فما ظنكم برب العالمين إذا لقيتموه ، وأي شيء تتوقعون منه ، وقد فعلتم ما فعلتم { < الصافات : ( 88 - 89 ) فنظر نظرة في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم )
قال الخليل والمبرد : تقول العرب لكل من نظر في أمره وتدبر ماذا يفعل قد نظر في النجوم ، هذا قول ، والقول الثاني : أنه كان نجم يطلع في ذلك الزمان ، وكان كل من نظر إليه يزعمون أنه يصيبه الطاعون ، ويقال : إنه كان زحل ؛ فقوله : ( ^ فنظر نظرة في النجوم ) أي : نظر إلى النجم : ( ^ فقال إني سقيم ) أي : أصابني الطاعون على ما تزعمون ، وكانوا يفرون من المطعون فرارا عظيما ، ويزعمون أنه يعدي ، ذكره السدي .
والقول الثالث : أن معنى قوله : ( ^ فنظر نظرة في النجوم ) أي : فيما نجم له من الأمر أي : ظهر .
والقول الرابع : أن قوله : ( ^ فنظر نظرة في النجوم ) أي : ينظر في النجوم على ما ينظر فيه أهل النجوم ، وكايدهم بذلك عن دينه ، وكانوا أهل نجوم ، ويزعمون أن الأحكام تصدر منها ، والحوادث تكون عنها ؛ فنظر في النجوم ، وقال هذه المقالة ليتركوه ، ويتوصل بذلك إلى كيد أصنامهم .
وعن عائشة رضي الله عنها أن علم النجوم كان حقا إلى أن حبست الشمس ليوشع بن نون فتشوش الأمر عليهم ، والله أعلم .
وقوله : ( ^ إني سقيم ) قد بينا ، سقيم أي : سأسقم ، ولا بد لكل صحيح أن يسقم ، وقيل : يسقم القلب لقبح أفعالكم ، وهذا هو إحدى الكذبات الثلاث التي كذبها
____________________


( ( 91 ) ما لكم لا تنطقون ( 92 ) فراغ عليهم ضربا باليمين ( 93 ) فأقبلوا إليه يزفون ( 94 ) قال أتعبدون ما تنحتون ( 95 ) والله خلقكم وما تعملون ( 96 ) قالوا ابنوا له ) * * * * * * * * * إبراهيم في الله ، والخبر في ذلك معروف صحيح ، وقد روينا .
وقال بعضهم : كان ذلك من معاريض الكلام ، ولم يكن كذبا صريحا . < < الصافات : ( 90 ) فتولوا عنه مدبرين > >
قوله تعالى : ( ^ فتولوا عنه مدبرين ) أي : تولوا عنه وتركوه .
وقد ذكرنا أنهم خرجوا إلى عيد لهم ، فلما خرجوا وبقي إبراهيم وحده عمد إلى بيت أصنافهم ودخله ، وكان الطعام موضوعا بين أيديهم ؛ فقال : ألا تأكلون ؟ فهو معنى < < الصافات : ( 91 ) فراغ إلى آلهتهم . . . . . > > قوله : ( ^ فراغ إلى آلهتهم ) وقوله : ' راغ ' أي : مال .
وقوله : ( ^ ألا تأكلون ) هذا على طريق الإنكار على المشركين ؛ لأنهم كانوا قدموا الطعام إليهم ليأكلوا . < < الصافات : ( 92 ) ما لكم لا . . . . . > >
قوله : ( ^ ما لكم لا تنطقون ) أي : لا تتكلمون ، وهو أيضا مذكور على طريق الإنكار ، < < الصافات : ( 93 ) فراغ عليهم ضربا . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ فراغ عليهم ) أي : فمال عليهم يضرب ضربا باليمين .
وقوله : ( ^ باليمين ) فيه أقوال : أحدها أن معناه : يضربهم بيمينه ، ومعنى يضربهم أي : يكسرهم ، ويقال باليمين أي : بالقوة .
والقول الثالث : باليمين أي : باليمين التي سبقت منه ، وهو قوله تعالى : ( ^ وتالله لأكيدن أصنامكم ) . < < الصافات : ( 94 ) فأقبلوا إليه يزفون > >
قوله تعالى : ( ^ فأقبلوا إليه يزفون ) أي : يسرعون ، < < الصافات : ( 95 ) قال أتعبدون ما . . . . . > > وقوله : ( ^ قال أتعبدون ما تنحتون ) أي : تنحتون بأيديكم ، < < الصافات : ( 96 ) والله خلقكم وما . . . . . > > وقوله : ( ^ والله خلقكم وما تعملون ) من هذه الأصنام ، فإذا كان الله خلقها فلا يصلح أن تتخذوها آلهة ، وفي الآية دليل على أهل الاعتزال في أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى والدليل في ذلك واضح ، وهو معلوم في ( الكتب ) . < < الصافات : ( 97 ) قالوا ابنوا له . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قالوا ابنوا له بنيانا ) أي : حظيرة ، وقيل : إيوانا .
____________________


( ^ بنيانا فألقوه في الجحيم ( 97 ) فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين ( 98 ) وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ( 99 ) رب هب لي من الصالحين ( 100 ) فبشرناه بغلام حليم ) * * * * * * * * * * * *
وقال ابن عباس : بنوا موضعا وجعلوا حوائطه من حديد ، طوله في السماء ثلاثون ذراعا ، وعرضه عشرون ذراعا .
وقوله : ( ^ فألقوه في الجحيم ) الجحيم كل موضع عظمت فيه النار وكثرت ، ويقال : الجحيم نار على نار ، وجمر على جمر . < < الصافات : ( 98 ) فأرادوا به كيدا . . . . . > >
وقوله : ( ^ فأرادوا به كيدا ) كيدهم : هو قصدهم إحراقه بالنار ، وقوله : ( ^ فجعلناهم الأسفلين ) أي : المهلكين ، وقيل : الأسفلين في الحجة ، كان حجة إبراهيم عليهم ، وظهرت عليهم . < < الصافات : ( 99 ) وقال إني ذاهب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) .
في القصة : أن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار ؛ قال حين ألقي : حسبي الله ونعم الوكيل ؛ فجعل الله النار عليه بردا وسلاما ، قال كعب : لم تحرق شيئا منه إلا وثاقه ، وفي القصة : أن نمروذ اطلع عليه فرآه في روضة خضراء عن يمينه شخص ، وكان هو جبريل عليه السلام وعن يساره فراش من حرير أنزله الله عليه من الجنة .
وقوله : ( ^ وقال إني ذاهب إلى ربي ) فيه قولان : أحد القولين : أنه قال بعد أن خرج من النار ، وأمره الله بالهجرة إلى الشام .
والقول الآخر : أنه قال هذا قبل أن [ يلقى ] في النار ، وكان عنده أنه إذا ألقي في النار هلك ، ولم يتخلص منها ؛ فقال هذا القول إني ذاهب إلى ربي .
وقوله : ( ^ سيهدين ) على هذا القول معناه : إلى طريق الجنة ، وعلى القول الأول سيهدين أي : سيرشدني إلى الموضع الذي أمرت بالهجرة إليه . < < الصافات : ( 100 ) رب هب لي . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ رب هب لي من الصالحين ) أي : هب لي ولدا صالحا من الصالحين ، < < الصافات : ( 101 ) فبشرناه بغلام حليم > > قوله تعالى ( ^ فبشرناه بغلام حليم ) أي : غلام حليم في صغره ، عليم في
____________________


( ( 101 ) فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ( 102 ) فلما أسلما وتله ) * * * * * * * * * كبره ، وفي الآية دليل على أنه بشره بأنه يكبر ، ويعمر حتى يوصف ( بالحلم ) والوقار .
واختلفوا أن هذا الغلام كان إسماعيل أو إسحاق .
فذهب قوم إلى أنه إسحاق عليه السلام وهو قول علي وابن مسعود وكعب وقتادة وجماعة ، وذهب جماعة إلى أنه إسماعيل عليه السلام وهو مروي عن ابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن وغيرهم . < < الصافات : ( 102 ) فلما بلغ معه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فلما بلغ معه السعي ) قال ثعلب : السعي مشي بسرعة ، واختلفوا في السعي هاهنا ، قال بعضهم : هو العمل معه ، كأنه صار يعينه في عمله ، وقيل : السعى إلى الجبل ، ويقال : بلغ معه السعي أي : العبادة لله تعالى .
وقوله : ( ^ قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ) أي : أمرت بذبحك ، قال ابن عباس : رؤيا الأنبياء وحي ، ويقال : رأيت في المنام ما يدل على أني أمرت بذبحك .
وقوله : ( ^ فانظر ماذا ترى ) وقرأ حمزة : ' ماذا ترى ' أما قوله : ( ^ ماذا ترى ) أي : ماذا ترى فيما أمر الله به ، فإن قيل : كيف يشاوره فيما أمره الله به ، وهو أمر حتم لا يجوز تركه ؟
والجواب عنه على وجهين : أحدهما : أن المراد منه إخباره .
والآخر : أنه أراد امتحانه في التسليم بحكم الله .
وأما القراءة الأخرى ، وهي قوله : ( ^ ماذا ترى ) فيه معنيان أحدهما : ماذا تشير ؟ والآخر : ماذا ترى من صبرك ؟ ذكره الفراء .
وقوله : ( ^ قال يا أبت افعل ما تؤمر ) قال ذلك انقيادا لأمر ربه وطواعية ، وقوله :
____________________


( ^ للجبين ( 103 ) وناديناه أن يا إبراهيم ( 104 ) قد صدقت الرءيا إنا كذلك نجزي ) * * * * * * * * ( ^ ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) أي : الصابرين على حكم الله . < < الصافات : ( 103 ) فلما أسلما وتله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فلما أسلما ) قرأ ابن مسعود : ' فلما سلما ' .
وقوله : ( ^ أسلما ) أي : استسلما ، ومعناه : أن إبراهيم سلم ابنه للذبح ، والولد سلم روحه .
وقوله : ( ^ وتله للجبين ) أي : صرعه للجبين ، والجبهة بين الجبينين ، قال الشاعر :
( شككت له بالرمح جنبي قميصه ** فخر تليلا اليدين للفم )
وقال آخر : ( فتله للجبينمنعفرا ** منه مناط الوتين منتصب )
واختلفوا في الموضع الذي أراد ذبحه فيه ، فمن قال : إن الذبيح كان إسماعيل قال : كان بمنى ، ومن قال : إن الذبيح كان إسحاق قال : كان بالشام .
وفي التفسير : أن إسماعيل عليه السلام قال لإبراهيم : اقذفني على جبيني ؛ لئلا ترى وجهي فترحمني ، وحتى لا أرى الشفرة فأجزع منها ، وفي القصة : أن إبراهيم عليه السلام خرج إلى جانب منى ، وأمر إسماعيل أن يتبعه بالشفرة والحبل ، فرفعهما واتبعه ؛ فجاء إبليس عليه اللعنة وقال لإسماعيل : هل تدري ما يريد بك أبوك ؟ فقال : لا ، قال : إنه يريد أن يذبحك ؛ فقال : ولم ؟ قال : يزعم أن الله أمره به . فقال : هو أهل أن يطاع ، ثم جاء إلى أمه ووسوس كذلك ؛ فأجابت كما قلنا ، يعني : كما قال إسماعيل عليه السلام .
وفي التفسير : أن إبراهيم عليه السلام جعل يحز ولا يقطع ، وروى أن الله تعالى ضرب على عنق إسماعيل عليه السلام صفيحة من نحاس ؛ فجعل لا يقطع ، وأورد بعضهم : أنه كان يقطع ويلتئم . < < الصافات : ( 104 ) وناديناه أن يا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وناديناه أن يا إبراهيم ) فإن قيل : أين جواب قوله : ( ^ فلما أسلما وتله
____________________


( ^ المحسنين ( 105 ) إن هذا لهو البلاء المبين ( 106 ) وفديناه بذبح عظيم ( 107 ) وتركنا ) * * * * * * * * * * للجبين ) ؟
الجواب : أن جوابه قوله ( ^ وناديناه ) والواو صلة ، وجعل بعضهم الجواب محذوفا ، وقوله : ( ^ وناديناه أن يا إبراهيم < < الصافات : ( 105 ) قد صدقت الرؤيا . . . . . > > قد صدقت الرؤيا ) أي : حققت الرؤيا بما أمرت به . وقوله : ( ^ إنا كذلك نجزي المحسنين ) أي : الموحدين ، فإن قيل : كيف قال : صدقت الرؤيا ، ورأى أنه يذبح ولم يذبح ؟
والجواب : أنه قد أتى بما قدر عليه من الذبح ؛ فجعله مصدقا بهذا المعنى ، والآخر : أن المقصود من الأمر والمطلوب منه كان هو استسلامهما ، هذا لولده ، وهذا لروحه ، فلما فعلا ذلك سماهما مصدقين .
واختلفوا في سن إسماعيل في ذلك الوقت ، منهم من قال : كان سنه [ ثلاث ] عشرة سنة ، ومنهم من قال : كان سنه سبع سنين . < < الصافات : ( 106 ) إن هذا لهو . . . . . > >
( ^ إن هذا لهو البلاء المبين ) أي : البلاء البين ، ومنهم من قال : النعمة البينة ، والنعمة في صرف الذبح عنه ، والفداء الذي أنزل عليه . < < الصافات : ( 107 ) وفديناه بذبح عظيم > >
قوله تعالى : ( ^ وفديناه بذبح عظيم ) قال ابن عباس : أنزل الله تعالى عليه كبشا من الجنة ، وهو الكبش الذي تقبله الله تعالى من هابيل ، ويقال : كبش رعى في الجنة أربعين خريفا ، وقال الحسن البصري : أروية من الجبل .
وقوله : ( ^ عظيم ) منهم من قال : المراد منه العظيم في الشخص ، وقيل : عظيم في الثواب ، وقال مجاهد : عظيم ؛ لأنه كان مقبولا من الله .
وفي التفسير : أن الكبش نزل عليه من جبل منى ؛ فقال لإسماعيل : قم فإن الله تعالى أرسل فداك ، وفي القصة : أن الكبش هرب ؛ فتبعه إبراهيم حتى أخذه ، فلما
____________________


( ^ عليه في الآخرين ( 108 ) سلام على إبراهيم ( 109 ) كذلك نجزي المحسنين ( 110 ) إنه من عبادنا المؤمنين ( 111 ) وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ( 112 ) وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ( 113 ) ولقد مننا على موسى وهارون ( 114 ) ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ( 115 ) ونصرناهم فكانوا هم ) * * * * * * * كان بين الجمرتين اضطجع ، ولم يطق إبراهيم حمله ؛ فذبحه هنالك . < < الصافات : ( 108 ) وتركنا عليه في . . . . . > >
وقوله : ( ^ وتركنا عليه في الآخرين ) أي : تركنا له في الآخرين حسنا وذكرا جميلا ، < < الصافات : ( 109 ) سلام على إبراهيم > > وقوله : ( ^ سلام على إبراهيم ) قد بينا ، < < الصافات : ( 110 - 111 ) كذلك نجزي المحسنين > > وقوله : ( ^ كذلك نجزي المحسنين ) قد بينا . < < الصافات : ( 112 ) وبشرناه بإسحاق نبيا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) استدل من قال إن إسماعيل كان هو الذبيح ؛ فإنه ذكر قصة الذبيح بتمامه ، ثم قال : ( ^ وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) دل أنه كان غير إسحاق ، وأما من قال : كان الذبيح إسحاق ، فقال في هذه الآية : إن البشارة وقعت بالنبوة في إسحاق ، والبشارة الأولى بولادته وإعطائه إياه . < < الصافات : ( 113 ) وباركنا عليه وعلى . . . . . > >
وقوله : ( ^ وباركنا عليه وعلى إسحق ) أى : باركنا على إبراهيم وعلى إسحق ، والبركة هاهنا : كثرة الولد ، ويقال : البركة كثرة الأنبياء [ فى ] أولادهما .
وقوله : ( ^ ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ) أي : موحد ومشرك . < < الصافات : ( 114 ) ولقد مننا على . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد مننا على موسى وهارون ) أي : أنعمنا . < < الصافات : ( 115 ) ونجيناهما وقومهما من . . . . . > >
وقوله : ( ^ ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ) أي : من الغم العظيم ، وهو الغرق والهلاك . < < الصافات : ( 116 ) ونصرناهم فكانوا هم . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ ونصرناهم فكانوا هم الغالبين ) أي : ونصرناهما ، فذكر الاثنين بلفظ الجمع ، وقد يذكر الواحد بلفظ الجمع أيضا ، وقد بينا من قبل . < < الصافات : ( 117 ) وآتيناهما الكتاب المستبين > >
وقوله : ( ^ وآتيناهما الكتاب المستبين ) أي : التوراة .
____________________


( ^ الغالبين ( 116 ) وآتيناهما الكتاب المستبين ( 117 ) وهديناهما الصراط المستقيم ( 118 ) وتركنا عليهما في الآخرين ( 119 ) سلام على موسى وهارون ( 120 ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( 121 ) إنهما من عبادنا المؤمنين ( 122 ) وإن إلياس لمن المرسلين ( 123 ) إذ قال لقومه ألا تتقون ( 124 ) أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين ( 125 ) الله ربكم ) * * * * * * * * * < < الصافات : ( 118 ) وهديناهما الصراط المستقيم > >
وقوله : ( ^ وهديناهما الصراط المستقيم ) أي : الإسلام ، < < الصافات : ( 119 ) وتركنا عليهما في . . . . . > > وقوله : ( ^ وتركنا عليهما في الآخرين ) قد بينا ، < < الصافات : ( 120 - 122 ) سلام على موسى . . . . . > > وقوله : ( ^ سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين ) قد بينا . < < الصافات : ( 123 ) وإن إلياس لمن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإن إلياس لمن المرسلين ) في التفسير : أن إلياس كان من ولد هارون ، وبعثه الله إلى بني إسرائيل ، وياقل بعثه الله إلى بعلبك ، وهي بلدة ، وقد كان أهلها يعبدون صنما يسمى بعلا . < < الصافات : ( 124 ) إذ قال لقومه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إذ قال لقومه ألا تتقون ) معناه : ألا تخافون الله وتحذرونه . < < الصافات : ( 125 ) أتدعون بعلا وتذرون . . . . . > >
قوله سبحانه : ( ^ أتدعون بعلا ) هو الصنم الذي قلنا ، ويقال : إنه كان من ذهب مزين بالجواهر ، وعن ابن عباس أنه قال : أتدعون بعلا أي : ربا ، والبعل هو الرب ، ومعناه : أتدعون هذا الصنم ربا ؟ .
وروى عن ابن عباس أنه كان جالسا ، فسئل عن هذه الآية ؛ فسكت ؛ فمر رجل من الأزد ومعه بقرة ؛ فقال له رجل : أتبيعها ؟ قال : إنما يبيعها بعلها أي : ربها ؛ فعرف ابن عباس أن البعل هو الرب ، وكان الأزد من أفصح اليمن ، وسمي الزوج بعلا من هذا ، قال الشاعر :
( ورأيت بعلك في الوغى ** متقلدا سيفا ورمحا )
وقوله : ( ^ وتذرون أحسن الخالقين ) أي : المقدرين ، وهو الله تعالى ، < < الصافات : ( 126 ) الله ربكم ورب . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ الله ربكم ) أي : هو ربكم ، وقرئ بالنصب : ' الله ربكم ' ، وهو منصرف إلى قوله : ( ^ وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين ) . < < الصافات : ( 127 ) فكذبوه فإنهم لمحضرون > >
قوله تعالى : ( ^ فكذبوه فإنهم لمحضرون ) أي : لمحضرون النار ، وفي القصة : أن ذلك
____________________


( ^ ورب آبائكم الأولين ( 126 ) فكذبوه فإنهم لمحضرون ( 127 ) إلا عباد الله المخلصين ( 128 ) وتركنا عليه في الآخرين ( 129 ) سلام على إل ياسين ( 130 ) إنا كذلك نجزي المحسنين ( 131 ) إنه من عبادنا المؤمنين ( 132 ) وإن لوطا لمن المرسلين ( 133 ) إذ نجيناه وأهله أجمعين ( 134 ) إلا عجوزا في الغابرين ( 135 ) ثم دمرنا الآخرين ( 136 ) * * * * * * * * * الملك كانت له امرأة قتالة للأنبياء ، وكانت قد تزوجت سبعة من الملوك ، قالوا : هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام فقصدت قتل إلياس ؛ فدعا الله تعالى وسأله أن يرفعه إليه ، ويؤخر عنه الموت ؛ فبعث الله إليه بفرس من نار ، وقيل : لونه كلون النار ، وأمره أن يركبه ؛ فركبه فألبسه الله النور ، وذكر بعضهم : أن الله تعالى أنبت له الريش ، وجعله أرضياً سمائيا ملكيا إنسيا ، وروى أنه موكل بالفيافي ، والخضر موكل بالبحار . < < الصافات : ( 128 ) إلا عباد الله . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلا عباد الله المخلصين ) وقد بينا ، < < الصافات : ( 129 ) وتركنا عليه في . . . . . > > وقوله : ( ^ وتركنا عليه في الآخرين ) قد بينا . < < الصافات : ( 130 - 132 ) سلام على إل . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ سلام على إل ياسين ) وقرأ نافع : ' آل إلياس ' . وقرأ ابن مسعود : ' سلام على إدراسين ' وعلى هذه القراءة : ( ^ وإن إدريس لمن المرسلين ) وقد روي أن إلياس هو إدريس .
وأما قوله : ( ^ إلياسين ) أي : إلياس وأتباعه وذووه ؛ فسمي الجميع باسم واحد ، مثل قول الرجل : رأيت المحمدين ، أي : محمدا وأتباعه وأتباعه .
وأما قوله : ( ^ سلام على إل ياسين ) وقيل فيه قولان : أحدهما : أنه الرسول وآله ، وهذا قول ضعيف ؛ لأنه لم يسبق لهم ذكر .
والثاني : إن معنى قوله : ( ^ إل ياسين ) هو قوله ( ( إلياسين ) ) كأنه قال : آل إلياس ، فعبر بياسين عن إلياس ، وباقي الآيتين قد بينا . < < الصافات : ( 133 ) وإن لوطا لمن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإن لوطا لمن المرسلين ) أي : من جملة المرسلين ، وهم الأنبياء ، < < الصافات : ( 134 - 135 ) إذ نجيناه وأهله . . . . . > > وقوله : ( ^ إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ) أي : الباقين في العذاب
____________________


( ^ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ( 137 ) وبالليل أفلا تعقلون ( 138 ) وإن يونس لمن المرسلين ( 139 ) إذ أبق إلى الفلك المشحون ( 140 ) فساهم فكان من المدحضين ) * * * * * * * * * * والهلاك ، ومعنى الآية : أنها لم تنج وبقيت في العذاب مع قوم لوط . < < الصافات : ( 136 ) ثم دمرنا الآخرين > >
وقوله : ( ^ ثم دمرنا الآخرين ) التدمير : هو الإهلاك بوصف التنكيل . < < الصافات : ( 137 - 138 ) وإنكم لتمرون عليهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل ) أي : تمرون عليهم بالليل والنهار إذا ذهبتم إلى أسفاركم ورجعتم . < < الصافات : ( 139 ) وإن يونس لمن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإن يونس لمن المرسلين ) أي : من جملة رسل الله . < < الصافات : ( 140 ) إذ أبق إلى . . . . . > >
وقوله : ( ^ إذ أبق إلى الفلك المشحون ) أي : السفينة الموفرة المملوءة . < < الصافات : ( 141 ) فساهم فكان من . . . . . > >
وقوله : ( ^ فساهم ) أي : قارع .
وقوله : ( ^ فكان من المدحضين ) أي : من المقروعين ، وقيل : من المغلوبين ، يقال : دحضت حجة فلان إذا بطلت ، وأدحض الله حجته إذا أبطلها ، والدحض الزلق ، قال الشاعر :
( أبا منذر رمت الوفاء فهبته ** وحدت كما حاد البعير عن الدحض )
وفي التفسير : أن يونس صلوات الله عليه وعد قومه العذاب ، وكان الله تعالى أخبره أنه يرسل عليهم العذاب في يوم كذا ؛ فأخبرهم يونس صلوات الله عليه بذلك فلم يصدقوه ؛ فخرج من بينهم ، وظن أن الله تعالى إذا أرسل العذاب أهلكهم ، ولم يصرفه عنهم ، وقد كان الله تعالى أخبره بإرسال العذاب عليهم ، ولم يخبره بإهلاكهم ، ثم إن الله تعالى أرسل العذاب ، فلما رأوا ذلك ، ولم يكن نزل بهم بعد ، خرجوا إلى الصحراء ، وأخرجوا معهم النساء والصبيان والبهائم ، وفرقوا بين الأمهات والأولاد ، فضجوا إلى الله ضجة واحدة ، واستغاثوا وبكوا ودعوا ؛ فصرف الله عنهم العذاب ، فلما بلغ يونس عليه السلام أنه لم ينزل بهم العذاب ، ولم يهلكوا ، خرج من الموضع الذي كان التجأ إليه كالمنشور الخجل من قومه ، وظن أنه وعدهم وعدا من الله تعالى ، ولم يحصل مصداق ذلك ، فتوجه إلى جانب البحر .
____________________


( ( 141 ) فالتقمه الحوت وهو مليم ( 142 ) فلولا أنه كان من المسبحين ( 143 ) للبث في ) * * * * * * * * * *
وقوله تعالى : ( ^ أبق ) أي : ذهب وتباعد ، ويقال : شبه بآبق ، فعتب الله تعالى عليه في ذلك ، وابتلاه ببطن الحوت وسجنه فيه .
وفي القصة : أنه لما وصل إلى البحر كان معه امرأته وابنان له ؛ فجاء مركب وأراد أن يركب معهم في السفينة ، قدم امرأته في المركب ليركب بعدها ؛ فجاءت موجة وحالت بينه وبين المركب ، ومر المركب ، ثم جاءت موجة أخرى وأخذت ابنه الأكبر ، وجاء ذئب وأخذ ابنه الأصغر وبقي فريدا وحيدا ، فظهر مركب آخر فلوح لهم ليحملوه فجاء المركب وركب فيه ، وقعد ناحية من القوم ، فلما مرت السفينة في البحر ركدت ولم تسر ، واضطرب البحر ، وخافوا الغرق ، فقال صاحب السفينة : إن فيكم رجلا مشئوما وفي رواية : مذنبا وقال : لا بد أن نلقيه في البحر حتى يسكن البحر وننجو وفي رواية قال : إن فيكم عبدا آبقا ؛ فقام يونس عليه السلام فقال : أنا العبد المذنب ، وأنا الآبق ، فقالوا : من أنت ؟ قال : أنا يونس بن متي ؛ فعرفوه ، وقالوا : لا نلقيك يا رسول الله ، ولكن نتساهم ؛ فتساهموا ثلاث مرات ، وخرجت القرعة عليه ، وروى أنهم قالوا : نكتب اسم كل واحد منا على خشبة ؛ فمن غرق اسمه فهو المطلوب ؛ فغرق اسم يونس من بينهم ، وأوحى الله إلى حوت عظيم حتى قصد السفينة ، قالوا : فلما رآه أهل السفينة وقد فغر فاه ، وهو مثل الجبل عظيما ؛ خافوا الهلاك ، وجعل الحوت ينظر إلى من في السفينة ، كأنه يطلب شيئا ، ثم إن يونس لما رأى ذلك زج نفسه في الماء ، وروى أن القوم ألقوه برضاه فالتقمه الحوت ومر به ، وسكن البحر وسارت السفينة .
وفي بعض الآثار : أن الله تعالى أوحى إلى الحوت : إني لم أجعله لك رزقا ، فإياك أن تكسر له عظما أو تخدش له لحما ، وإنما جعلت بطنك له حرزا ومسجدا . < < الصافات : ( 142 ) فالتقمه الحوت وهو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فالتقمه الحوت وهو مليم ) قد بينا الالتقام .
وقوله : ( ^ وهو مليم ) أي : أتى بما يلام عليه .
____________________

( ^ بطنه إلى يوم يبعثون ( 144 ) فنبذناه بالعراء وهو سقيم ( 145 ) وأنبتنا عليه شجرة من ) * * * * * * * * * * < < الصافات : ( 143 ) فلولا أنه كان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فلولا أنه كان من المسبحين ) أي : من المصلين لله تعالى والذاكرين إياه قبل أن يلتقمه الحوت < < الصافات : ( 144 ) للبث في بطنه . . . . . > > ( ^ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) أي : جعلنا بطن الحوت له قبرا فيحشر منه ، وقيل : فلولا أنه كان من المسبحين في بطن الحوت ، وتسبيحه ما ذكرنا من قبل : ( ^ إني كنت من الظالمين ) .
قال الضحاك : شكر الله تعالى له طاعته القديم ، وعن بعضهم قال : العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر ، ويأخذ بيده إذا صرع .
وفي بعض الآثار : أن يونس صلوات الله عليه لما دعا الله تعالى في بطن الحوت ، قالت الملائكة : صوت معروف من بلاد غريبة ؛ فقالت الملائكة : يا ربنا من هو ؟ قال : عبدي يونس عصاني ؛ فسجنته في بطن الحوت .
وذكر النقاش في تفسيره : أن يونس صلوات الله عليه دعا ربه في بطن الحوت ، وقال : إلهي من البيوت أخرجتني ، وفي البحار سترتني ، وفي بطن الحوت حبستني ، فإن كنت عملت لك عملا صالحا ففرج عني .
وذكر أيضا : أنه لقي قارون في لجج البحار ؛ فسمع قارون صوت يونس عليه السلام فكان في عذاب شديد ؛ فطلب أن يمسك عنه العذاب ، حتى يسأل يونس ؛ فأمر الله تعالى بإمساك العذاب عنه ، فسأل قارون يونس عن ابن عمه موسى ؛ فقال : قد توفي ، وسأل عن هارون ؛ فقال : قد توفي قبله ؛ فقال : واحزناه فأمر الله تعالى أن يرد عنه العذاب إلى يوم القيانة لما سأل عن ابن عمه .
وذكر أيضا : أن الحوت قر به في لجج البحار مسيرة ستة آلاف سنة ، وذكر أنه بلغ به نجوم الأرضين السابعة ؛ فسمع من تسبيح الحصى وما في قعر البحر شيئا عظيما ، وذكر أن البحر تكلم معه ، وقال : إلى أين كنت تريد أن تهرب من مولاي أيها العبد الخاطئ ؟ ! إلى الأرض ، أم إلى السماء ، أم إلى البحار ، أم إلى الجبال ! وإنا نسبح الله تعالى منذ خلقنا ونعبده ، ونخاف أن يعذبنا ، والله أعلم .
____________________


( ^ يقطين ( 146 ) وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ( 147 ) فآمنوا فمتعناهم إلى حين ( 148 ) * * * * * * * * < < الصافات : ( 145 ) فنبذناه بالعراء وهو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فنبذناه بالعراء وهو سقيم ) اختلف القول في مقدار مكث يونس في بطن الحوت ، فذكر ابن جريج ( والسدي ) : أنه مكث أربعين يوما ، وذكر مقاتل : أنه مكث ثلاثة أيام ، وذكر الضحاك : أنه مكث عشرين يوما وذكر عطاء : أنه مكث سبعة أيام ، وذكر الشعبي أنه مكث دون يوم ، والتقمه الحوت ثم لفظه بعد ساعات يسيرة .
وعن ابن مسعود قال : ألقاه الحوت ، وهو مثل الفرخ ، وفي التفسير : أنه ألقاه الحوت وقد بلي لحمه ، ورق عظمه ، ولم يبق له قوة .
وقوله : ( ^ بالعراء ) فيه قولان : أحدهما : أن العراء وجه الأرض ، والآخر : أنه الموضع الخالي ، ذكره أبو عبيدة ، قال الشاعر :
( ورفعت رجلي لا أخاف عثارها ** ونبذت بالبلد العراء ثيابي )
قوله : ( ^ وهو سقيم ) أي : ضعيف ، وقيل : بمنزلة السقيم ، < < الصافات : ( 146 ) وأنبتنا عليه شجرة . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ) ها هنا هو [ الدباء ] في قول جميع المفسرين ، وقال ثعلب : كل شجرة ليس لها ساق ، وهي تنبسط على وجه الأرض فهو يقطين ، والقطينة معروف ، وجمعه القطاني .
وذكر النقاش : أن ذلك [ الدباء ] كان من بذر الجنة ، وكان عليه ألف ورقة . < < الصافات : ( 147 ) وأرسلناه إلى مائة . . . . . > >
وفي القصة : أن يونس استظل بتلك الشجرة ، وجعل يأكل منها ، ويشرب من مائها حتى قوي ، ثم إن الله تعالى أيبس الشجرة ، وقد نام نومة فاستيقظ ، وقد يبست الشجرة ؛ فحزن حزنا شديدا ، وأصابه أوار الشمس ، وجعل يبكي ؛ فبعث الله إليه جبريل عليه السلام وقال : أتحزن على شجرة ، ولا تحزن على مائة ألف من أمتك ، وقد أسلموا وتابوا إلي ، ثم إن الله تعالى أمره أن يرجع إلى قومه ، فهو معنى قوله : ( ^ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) .
____________________


( ^ فاستفهم ألربك البنات ولهم البنون ( 149 ) أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ) * * * * * * * * *
قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : كانت نبوته بعد أن أخرجه الله تعالى من بطن الحوت ، والأصح أنه كان نبيا من قبل ، وقد دل على هذا قوله تعالى : ( ^ وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق ) .
وقوله : ( ^ إلى مائة ألف أو يزيدون ) قال الفراء : بل يزيدون ، وقيل : يزيدون ، وقال المبرد : كلمة ' أو ' ها هنا على بابها ، ومعناه : أو يزيدون على تقديركم وظنكم ، وهو كالرجل يرى فوما ؛ فيقول : هؤلاء ألف ثم يقول : ألف أو يزيدون ؛ فيكون الشك راجع إلى من رآهم لا إلى الله تعالى ، وأما قدر الزيادة فأشهر الأقاويل : أنها عشرون ألفا ، وذكره أبو عيسى في جامعه مرفوعا إلى النبي .
والقول الثاني : خمسة وثلاثون ألفا ، والقول الثالث : سبعون ألفا .
وأما البلد الذي أرسل إليه فهو ' نينوي ) من بلاد الموصل . < < الصافات : ( 148 ) فآمنوا فمتعناهم إلى . . . . . > >
قوله : ( ^ فآمنوا فمتعناهم إلى حين ) أي : إلى منتهى آجالهم .
فإن قيل : قال ها هنا : ( ^ فنبذناه بالعراء وهو سقيم ) وقال في موضع آخر ( ^ لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء ) وهو يدل على أنه لم ينبذ ، فكيف وجه التوفيق بين الآيتين ؟
والجواب عنه : أن الله تعالى قال في تلك الآية : ( ^ لنبذ بالعراء وهو مذموم ) أي : لولا رحمتنا ونعمتنا لنبذ بالعراء وهو مذموم ، ولكن تداركته النعمة ؛ فنبذ وهو غير مذموم ، وأنشد ' أو ' بمعنى بل .
( بدت مثل عين الشمس في رونق ** الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح )
أي : بل أنت . < < الصافات : ( 149 ) فاستفتهم ألربك البنات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فاستفتهم ) معناه : سلهم ، وهو سؤال توبيخ وتقرير ، وقوله :
____________________


( ( 150 ) ألا أنهم من إفكهم ليقولون ( 151 ) ولد الله وإنهم لكاذبون ( 152 ) أصطفى البنات على البنين ( 153 ) ما لكم كيف تحكمون ( 154 ) أفلا تذكرون ( 155 ) أم لكم سلطان مبين ( 156 ) فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين ( 157 ) وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) * * * * * * * ( ^ ألربك البنات ولهم البنون ) معناه : جعلوا لربك البنات ، ولأنفسهم البنين ، أي : اختاروا كذلك . < < الصافات : ( 150 ) أم خلقنا الملائكة . . . . . > >
وقوله : ( ^ أم خلقنا الملائكة إناثا ) معناه : أخلقنا الملائكة إناثا ( ^ وهم شاهدون ) خلقنا إناثا ، وقد كانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله . قال أهل التفسير : ولم يكن يزعم هذا جميع قريش ، وإنما قال هذا بعض قريش ، وقوم من بني كنانة ، وهم بنو مدلج . < < الصافات : ( 151 - 152 ) ألا إنهم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألا إنهم من إفكهم ) أي : من كذبهم ، وقوله : ( ^ ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون ) وهو على ما قال الله تعالى . < < الصافات : ( 153 ) أصطفى البنات على . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ أصطفى البنات على البنين ) معناه : أصطفى البنات على البنين ، وهو استفهام بمعنى الزجر والتوبيخ ، وقرئ : ' إصطفى ' بكسر الألف ( على ) الخبر ، ومعناه : إصطفى البنات على البنين في زعمكم وقولكم . < < الصافات : ( 154 ) ما لكم كيف . . . . . > >
وقوله : ( ^ ما لكم كيف تحكمون ) أي : كيف تقولون أن الله تعالى اختار البنات على البنين ، وأنتم لا تختارون إلا البنين . < < الصافات : ( 155 ) أفلا تذكرون > >
وقوله : ( ^ أفلا تذكرون ) أي : أفلا تتعظون ، < < الصافات : ( 156 ) أم لكم سلطان . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ أم لكم سلطان مبين ) أي : حجة بينة ، < < الصافات : ( 157 ) فأتوا بكتابكم إن . . . . . > > وقوله : ( ^ فأتوا بكتابكم ) أي : بكتاب من عندكم يدل على ما قلتموه ( ^ إن كنتم صادقين ) . < < الصافات : ( 158 ) وجعلوا بينه وبين . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) الجنة : ها هنا هم الملائكة في قول أكثر المفسرين ، وعن بعضهم : أنهم الجن ، وقد كان زعم بعض قريش أن الملائكة بنات الله على ما ذكرنا ؛ فقال أبو بكر الصديق لهم : فمن أمهاتهم ؟ فقالوا : سروات الجن ؛ فهذا معنى قوله تعالى : ( ^ وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) .
____________________


( ^ ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ( 158 ) سبحان الله عما يصفون ( 159 ) إلا عباد الله المخلصين ( 160 ) فإنكم وما تعبدون ( 161 ) ما أنتم عليه بفاتنين ( 162 ) إلا من هو صال الجحيم ( 163 ) وما منا إلا له مقام معلوم ( 164 ) وإنا لنحن الصافون ( 165 ) وإنا لنحن ) * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ) أي : محضرون الحساب ، وقيل : محضرون العذاب ، < < الصافات : ( 159 ) سبحان الله عما . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ سبحان الله عما يصفون ) نزه نفسه عما وصفوه به من هذا القول الشنيع .
وقوله : ( ^ إلا عباد الله المخلصين ) قد ذكرنا من قبل ، فإن قيل : أي : اتصال < < الصافات : ( 160 ) إلا عباد الله . . . . . > > لقوله : ( ^ إلا عباد الله المخلصين ) بقوله : ( ^ سبحان الله عما يصفون ) وكيف يصح الاستثناء في هذا الباب ، وكلمة إلا للاستثناء ؟
والجواب عنه : أن في الآية تقديما وتأخيرا ، فكأن الله تعالى قال : ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون العذاب إلا عباد الله المخلصين فإنهم لا يحضرون ، ثم قال سبحان الله عما يصفون ؛ فهذا هو التقدير في الآية . < < الصافات : ( 161 ) فإنكم وما تعبدون > >
قوله : ( ^ فإنكم وما تعبدون ) أي : من الأصنام ، < < الصافات : ( 162 ) ما أنتم عليه . . . . . > > وقوله : ( ^ ما أنتم عليه بفاتنين ) أي : ما أنتم على الله بمضلين إلا من أضله الله ، قال ابن عباس : لا يضلون إلا من كتب الله له الضلال ، وروى هذا القول عن الحسن البصري ومحمد بن كعب القرظي وإبراهيم النخعي والضحاك وغيرهم .
قال الشاعر :
( فرد بنعمته كيده ** عليه وكان لنا فاتنا )
أي : مضلا . < < الصافات : ( 163 ) إلا من هو . . . . . > >
وقال بعضهم : لا يضلون إلا من كتب الله أنه يدخل الجحيم ، وقيل : إلا من أشقاه الله ؛ فهذا معنى قوله : ( ^ إلا من هو صال الجحيم ) < < الصافات : ( 164 ) وما منا إلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما منا إلا له مقام معلوم ) هذا خبر عن الملائكة ، ومعناه : وما منا
____________________


( ^ المسبحون ( 166 ) وإن كانوا ليقولون ( 167 ) لو أن عندنا ذكرا من الأولين ( 168 ) لكنا عباد الله المخلصين ( 169 ) فكفروا به فسوف يعلمون ( 170 ) ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ( 171 ) إنهم لهم المنصورون ( 172 ) وإن جندنا لهم الغالبون ( 173 ) ) * * * * * * * * * ملك إلا وله مقام معلوم ، وفي الخبر عن النبي أنه قال : ' ليس موضع قدم في السماء إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد ' .
ويقال : إن مقام جبريل عند سدرة المنتهى ولا مجاوزة له إلى مأواها . < < الصافات : ( 165 ) وإنا لنحن الصافون > >
قوله تعالى : ( ^ وإنا لنحن الصافون ) أي : المصطفون في السماء للعبادة < < الصافات : ( 166 ) وإنا لنحن المسبحون > > ( ^ وإنا لنحن المسبحون ) أي : الممجدون لله ، والمنزهون إياه عما لا يليق به . < < الصافات : ( 167 ) وإن كانوا ليقولون > >
قوله تعالى : ( ^ وإن كانوا ليقولون ) معناه : وقد كانوا يقولون ؛ أي : قريش . < < الصافات : ( 168 ) لو أن عندنا . . . . . > > وقوله : (^لو أن عندنا ذكرا من الأولين) أي : كتابا ككتاب الأولين .
أي : كتابا ككتاب الأولين . < < الصافات : ( 169 ) لكنا عباد الله . . . . . > >
وقوله : ( ^ لكنا عباد الله المخلصين ) ظاهر المعنى . < < الصافات : ( 170 ) فكفروا به فسوف . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فكفروا به ) فيه حذف ، والمحذوف : أنه قد جاءهم الكتاب والذكر فكفروا به ، وقوله : ( ^ فسوف يعلمون ) تهديد من الله لهم . < < الصافات : ( 171 - 172 ) ولقد سبقت كلمتنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد سبقت كلمتنا ) أي : حكمنا ، وقوله : ( ^ لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون ) أي : النصرة تكون لهم ، وقد قال [ الله ] في موضع آخر : ( ^ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) . < < الصافات : ( 173 ) وإن جندنا لهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإن جندنا لهم الغالبون ) أي : الغلبة تكون للمؤمنين ، وهذا لقوم دون
____________________


( ^ فتول عنهم حتى حين ( 174 ) وأبصرهم فسوف يبصرون ( 175 ) أفبعذابنا يستعجلون ( 176 ) فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين ( 177 ) وتول عنهم حتى حين ( 178 ) ) * * * * * * قوم ، وفي وقت دون وقت ؛ لأن المسلمين قد يغلبون وينصر عليهم غيرهم ، وقيل : العاقبة تكون لهم . < < الصافات : ( 174 ) فتول عنهم حتى . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ فتول عنهم حتى حين ) أي : أعرض عنهم حتى حين أي : حين الموت ، وقيل : إلى أن يأتيهم عذاب الله . < < الصافات : ( 175 ) وأبصرهم فسوف يبصرون > >
وقوله : ( ^ وأبصرهم فسوف يبصرون ) قال قتادة : أبصروا حين لم ينفعهم البصر ، < < الصافات : ( 176 ) أفبعذابنا يستعجلون > > قوله تعالى : ( ^ أفبعذابنا يستعجلون ) قد بينا أنهم قالوا : ( ^ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ) على ما قال الله ، وقال تعالى في موضع آخر : ( ^ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ) أي : يستعجل بالقيامة الذين لا يؤمنون بها . < < الصافات : ( 177 ) فإذا نزل بساحتهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فإذا نزل بساحتهم ) أي : نزل بساحتهم ، ومعناه : أصابهم العذاب ، وقوله : ( ^ فساء صباح المنذرين ) أي : فبئس صباح الذين أنذروا بالعذاب ، وقد ثبت أن النبي لما غزا خيبر ، ووصل إليها رأى اليهود وقد خرجوا بمكاتلهم ومساحيهم من حصونهم ؛ فلما رآوا الجيش ، قالوا : محمد والخميس ؛ فقال النبي : ' الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ' . < < الصافات : ( 178 ) وتول عنهم حتى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وتول عنهم حتى حين ) هو بمعنى الأول ، وذكره على التأكيد ، < < الصافات : ( 179 ) وأبصر فسوف يبصرون > > وقوله : ( ^ وأبصر فسوف يبصرون ) أي : انتظر حالتهم وما يؤول إليه أمرهم ؛ فينتظرون لحالهم وما ينزل بهم .
____________________


( ^ وأبصر فسوف يبصرون ( 179 ) سبحان ربك رب العزة عما يصفون ( 180 ) وسلام على المرسلين ( 181 ) والحمد لله رب العالمين ( 182 ) ) * * * * * * * < < الصافات : ( 180 ) سبحان ربك رب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) أي : ذو العزة ، < < الصافات : ( 181 ) وسلام على المرسلين > > وقوله : ( ^ وسلام على المرسلين ) أي : الأنبياء الذين أرسلوا إلى الخلق . < < الصافات : ( 182 ) والحمد لله رب . . . . . > >
وقوله : ( ^ والحمد لله رب العالمين ) على ما ذكرنا ، وروى الأصبغ بن نباتة عن علي رضي الله عنه أنه قال : من أراد أن يكتال الأجر يوم القيامة بالمكيال الأوفى ، فليكن آخر كلامه في مجلسه : ( ^ سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) إلى آخر السورة ' .
وفي بعض الأخبار برواية أبي سعيد الخدري ( ( أن النبي كان إذا صلى أو انصرف من مجلسه قال ( ^ سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) إلى ى خر السورة ) ) ( 1 ) .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
>
( ^ ص والقرآن ذي الذكر ( 1 ) بل الذين كفروا في عزة وشقاق ( 2 ) كم أهلكنا من ) * * * * * * * * * * <
> تفسير سورة ص <
>
وهي مكية < < ص : ( 1 ) ص والقرآن ذي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ص ) قرأ الأكثرون : ( ^ ص ) بالتسكين ، وقرأ الحسن : ( ^ ص ) بخفض الدال ، وقرأ عيسى بن عمر النحوي : ( ^ ص ) بفتح الدال ، والقراءة المعروفة بالتسكين .
وعلة التسكين أنه حرف من حروف التهجي ، وعند العرب أن هذا يكون ساكنا ، وأما قراءة الحسن فمعناه : صاد القرآن بعملك أي : عارضه بعملك ، واما قراءة الفتح فمعناه : إنك صاد .
وأما معنى ' ص ' : روى عن ابن عباس أنه قال : صدق محمد ، وعن الضحاك : صدق الله ، وقال مجاهد : هذا من فواتح السور ، وقال قتادة : اسم من أسماء القرآن ، وهو قسم ، وذكر الكلبي أن معناه : والصادق المعنى على القسم .
وقوله : ( ^ والقرآن ذي الذكر ) أي : ذي الشرف ، وقد قال في موضع آخر : ( ^ لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ) أي : شرفكم . < < ص : ( 2 ) بل الذين كفروا . . . . . > >
وقوله : ( ^ بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) وقرئ في الشاذ : ' في غرة وشقاق ' بالغين المعجمة ، والمعروف بالعين والزاي .
وقوله : ( ^ في عزة ) أي : في حمية ، قال قتادة : معنى قوله : ( ^ عزة ) أي : نفروا عن قبول الحق ، وتكبروا عن الانقياد ، وأما القراءة بالغين فهو من الغرور والغفلة ، وقوله : ( ^ وشقاق ) أي : عداوة واختلاف . < < ص : ( 3 ) كم أهلكنا من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كم أهلكنا ) اعلم أنه اختلف قول أهل التفسير في جواب القسم ؛ فقال بعضهم : جواب القسم هو قوله تعالى : ( ^ إن ذلك لحق تخاصم أهل
____________________


( ^ قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص ( 3 ) وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ( 4 ) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ) * * * * * * النار ) وهذا قول ضعيف ؛ لأنه قد تخلل بين القسم وبين هذا الجواب أقاصيص وأخبار كثيرة ، والقول الثاني : أن جواب القسم قوله : ( ^ كم أهلكنا ) وفيه حذف ، ومعناه : لكم أهلكنا .
والقول الثالث : أن جواب القسم محذوف ، ومعناه : صاد والقرآن ذي الذكر ، ليس الأمر على ما زعموا يعني : الكفار .
وقوله : ( ^ كم أهلكنا من قبلهم من قرن ) كم للتكثير ، والقرن قد بينا من قبل .
وقوله : ( ^ فنادوا ) أي : استغاثوا عند الهلاك ، وقوله : ( ^ ولات حين مناص ) أي : ليس حين ( فرار ) ، وقيل : ليس حين ( مغاب ) ، ويقال : نادوا وليس حين نداء .
' ولات ' بمعنى ليس لغة يمانية ، وقيل : ضمت ' التاء ' إلى ' لا ' للتأكيد ، كما يقال : ربت وثمت بمعنى رب وثم ، وقال أهل اللغة : ناص ينوص إذا تأخر ، وباص يبوص إذا تقدم ، قال الشاعر :
( أمن ذكر سلمى إن نتك تنوص ** فتقصر عنها خطوة حين وتبوص )
وقال آخر في ( ( لات ) ) بمعنى ليس : ( طلبوا صلحنا ولات أوان ** فأجبنا أن ليس حين بقاء )
وذكر بعضهم : أنه كان من عادة العرب إذا اشتدت الحرب ، يقول بعضهم لبعض : مناص مناص ، أي : احملوا حملة واحدة ينجو فيها من نجا ، ويهلك [ فيها ] من
____________________


( ( 5 ) وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ( 6 ) ما ) * * * * * * * * * هلك فقالوا ذلك حين أصابهم العذاب من الله تعالى ، فقال الله تعالى لهم : ' ولات حين مناص ' أي : وليس ( حين هذا ) القول ، وأنشد بعضهم شعرا :
( تذكر حب ليلى لات حينا ** ويضحي الشيب قد قطع القرينا ) < < ص : ( 4 ) وعجبوا أن جاءهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وعجبوا أن جاءهم منذر منهم ) أي : محمد ، وقوله : ( ^ وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ) أي : خادع كذاب . < < ص : ( 5 ) أجعل الآلهة إلها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ) أي : عجب ، وعجيب وعجاب بمعنى واحد ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : ' إن هذا لشيء عجاب ' بالتشديد ، وهو بمعنى الأول . < < ص : ( 6 ) وانطلق الملأ منهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وانطلق الملأ منهم ) سبب نزول هذه الآية هو ' أنه جاء وجوه قريش إلى أبي طالب ، وهم أبو جهل ، والوليد بن المغيرة ، وعتبة وشيبة وطعيمة بن عدي ، وعقبة بن أبي معيط ، وأبي وأمية ابنا خلف ، وزمعة بن الأسود ، وغيرهم ، وشكوا إليه محمدا ، وقالوا : إنه يسب آلهتنا ويسفه أحلامنا ، ويذكر أن آباءنا في النار ؛ فدعا أبو طالب النبي وقال : يا بن أخ ، هؤلاء قومك جاءوا يشكونك ، ويذكرون كذا وكذا ، فماذا تطلب منهم ؟ قال : أطلب منهم كلمة واحدة إن قالوها دانت لهم العرب ، وأدت إليهم العجم الجزية ، فقال القوم : نحن نقول عشر كلمات ، فماذا تريد ؟ فقال : قولوا لا إله إلا الله ، فنفروا وقاموا ، وقالوا : لا نقولها أبدا ، وجعل بعضهم يقول لبعض : امشوا واصبروا على آلهتكم أي : الزموها ، وأقيموا على عبادتها ' .
وقوله : ( ^ إن هذا لشيء يراد ) أي : أمر محمد شيء ، يراد بالناس فيه الشر
____________________


( ^ سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ( 7 ) أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب ( 8 ) أم عندهم خزائن رحمة ربك ) * * * * * * * * * * * والهلاك ، وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه ' وانطلق الملأ يمشون أن اصبروا على آلهتكم ' ، ويقال : إن هذا لشيء يراد أي : لشيء يراد بأهل الأرض في إرسال محمد ويقال : يراد أي : يراد بمحمد ويملك علينا ويرأس .
وفي الآية قول آخر ، وهو أنها نزلت في إسلام عمر رضي الله عنه وما حصل للمسلمين من القوة بمكانه ، فقال الكفار لما أسلم عمر : إن هذا لشيء يراد أي : إن أمر محمد لشيء يراد ، حيث قوي بإسلام عمر . < < ص : ( 7 ) ما سمعنا بهذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ) أي : النصرانية ، هكذا قاله ابن عباس وابن جريج والسدي ، وهي آخر الملل ، ولم يكونوا موحدين ، فإنهم كانوا يقولون : إن الله ثالث ثلاثة ، وقال مجاهد : ما سمعنا هذا في الملة الآخرة أي : في ملة قريش ، وقيل : في ملتنا هذه ، وعن مؤرج بن عمرو قال : في الملة الآخرة أي : في الملة الأولى ، وهو لغة لبعض العرب .
وقوله : ( ^ إن هذا إلا اختلاق ) أي : افتعال وكذب . < < ص : ( 8 ) أأنزل عليه الذكر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أأنزل عليه الذكر من بيننا ) معناه : أن أهل مكة قالوا : أأنزل على محمد القرآن من بيننا ، وليس بأفضلنا ولا أشرفنا ؟ .
وقوله : ( ^ بل هم في شك من ذكري ) أي : مما أنزلت .
وقوله : ( ^ بل لما يذوقوا عذاب ) أي : لم يذوقوا عذابي وسيذقونه . < < ص : ( 9 ) أم عندهم خزائن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أم عندهم خزائن رحمة ربك ) معناه : أعندهم خزائن رحمة ربك ؟ والخزائن : هي البوت التي تعد فيها الأشياء النفيسة .
وحقيقة المعنى : أنه ليس عندهم خزائن الرحمة والنبوة ، فيعطونها من شاءوا ، ويمنعونها من شاءوا .
____________________


( العزيز الوهاب ( 9 ) أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب ( 10 ) جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ( 11 ) كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ) * * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ العزيز الوهاب ) العزيز : هو المنيع في ملكه ، الغالب على خلقه ، الوهاب : المعطي لخلقه ، < < ص : ( 10 ) أم لهم ملك . . . . . > > وقوله تعالى : ( ^ أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما ) أي : ليس لهم ذلك .
وقوله : ( ^ فليرتقوا في الأسباب ) أي : فليعلوا في أسباب القوة والمنعة إن كان لهم ذلك على ما زعموا ، قاله أبو عبيدة ، وقيل : فليقعدوا إلى أبواب السماء . والأسباب هي الموصلاة في الغة ، والحبل يسمى سببا ؛ لأته يوصل به إلى الشيء ، فالارتقاء في الأسباب هو التوصل من شيء إلى شيء حتى يبلغ أعلاه ، والمراد من الآية إثبات عجزهم ، وإبطال زعمهم فيما ادعوه من المنعة والقوة . < < ص : ( 11 ) جند ما هنالك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ) أي : جند هنالك ، ' وما ' صلة ، والمعنى أنهم مهزومون مقموعون ، واختلف القول في المعنى لهم ، فأحد القولين : هم الأصنام ، والقول الآخر : أن المعنى هم مشركو قريش ، وهم الذين قتلوا وأسروا ببدر ، وقيل : إن هنالك إشارة إلى مصارعهم من بدر .
وقوله : ( ^ من الأحزاب ) أي : من الذين تحزبزا وتجمعوا على الأنبياء بالتكذيب ، < < ص : ( 12 ) كذبت قبلهم قوم . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ كذبت قبلهم قوم نوح وعاد ) قد بينا .
وقوله : ( ^ وفرعون ذو الأوتاد ) في الأوتاد أقوال : أحدها : أنها البنيان ، قال الشاعر :
( ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ** في ظل ملك ثابت الأوتاد )
أي : الأبنية ، وقيل : الأوتاد جمع الوتد ، وكان إذا أراد قتل إنسان وتد في يديه ورجليه أربعة أوتاد وهو مستلقي ، ووجهه إلى السماء .
والقول الثالث : أن الأوتاد هي الملاعب بالأرسان المشدودة بالأوتاد ، وقد كان
____________________


( ^ ذو الأوتاد ( 12 ) وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أؤلئك الأحزاب ( 13 ) إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ( 14 ) وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ( 15 ) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ( 16 ) اصبر على ما يقولون واذكر ) * * * * * * * * * * لفرعون ذلك . < < ص : ( 13 ) وثمود وقوم لوط . . . . . > >
وقوله : ( ^ وثمود وقوم لوط ) قد بينا ، وحكى عطاء عن ابن عباس : أنه ما من نبي إلا ويكون له أمة يوم القيامة سوى لوط عليه السلام فإنه يأتي وحده ، وذكر بعضهم : أن قوم لوط كانوا أربعمائة ألف بيت ، في كل بيت عشرة نفر ، ولم يسلم أحد منها .
وقوله : ( ^ وأصحاب الأيكة ) أي : الغيضة ، وقوله : ( ^ أولئك الأحزاب ) يعني : الذين تحزبوا على الأنبياء . < < ص : ( 14 ) إن كل إلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن كل إلا كذب الرسل ) أي : ما منهم قوم إلا وقد كذب الرسل ، وقوله : ( ^ فحق عقاب ) أي : فوجب عذابي عليهم . < < ص : ( 15 ) وما ينظر هؤلاء . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ) والصيحة ها هنا هي نفخة في الصور ، وقوله : ( ^ ما لها من فواق ) قرئ بالنصب والرفع ، وقال بعضهم : هما بمعنى واحد . وقال بعضهم : هما مختلفان ؛ فقوله بالنصب : من الإفاقة ، وقيل : مثنوية ، ويقال : رجوع وتأخير ، وقوله بالرفع أي : من انتظار ، والفواق في اللغة ما بين الحلبتين ، والمعنى أن العذاب لا يمهلهم ، ولا يلبثهم بذلك القدر . < < ص : ( 16 ) وقالوا ربنا عجل . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ وقالوا ربنا عجل لنا قطنا ) قال سعيد بن جبير : أي : نصيبنا ( من ) الجنة ، وقال الحسن البصري : قطنا أي : نصيبنا من العذاب ، وإنما قالوا ذلك تكذيبا واستهزاء ، والقط هو الكتاب الذي يكتب فيه الجائزة ، والقطوط كتب الجوائز . وفي الآية قول آخر : وهو أن الله تعالى لما أنزل قوله : ( ^ فأما من أوتي كتابه
____________________


( عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب ( 17 ) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق * * * * بيمينه ) ( ^ وأما من أوتي كتابه بشماله ) فسمع المشركون ذلك ؛ فقالوا : ربنا عجل لنا قطنا أي : صحيفتنا .
وقوله : ( ^ قبل يوم الحساب ) ظاهر ، وإنما قالوا تكذيبا واستهزاء . < < ص : ( 17 ) اصبر على ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واصبر على ما يقولون ) أي : على ما يقول الكفار .
وقوله : ( ^ واذكر عبدنا داود ) هو داود بن إيشا ، وقد بينا ، قوله : ( ^ ذا الأيد ) أي : ذا القوة ، فيقال : ذا القوة في العبادة ، ويقال : ذا القوة في الملك .
وأما قوله في العبادة ؛ فقد كان يصوم يوما ويفطر يوما ، وكان يقوم سدس الليل وينام نصفه ، ويقوم ثلثه ، وقد ثبت عن النبي أنه قال : ' أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود ، وأحب القيام إلى الله قيام داود ' ، وقوله : ( ^ إنه أواب ) أي : تواب ، وقيل : رجاع ، فقال : آب يئوب إذا رجع ، قال الشاعر :
( وكل ذي غيبة يئوب ** وغائب الموت لا يئوب )
وقيل : أواب معناه : أنه كان كلما ذكر ذنبه استغفر الله تعالى . < < ص : ( 18 ) إنا سخرنا الجبال . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي ) العشي : آخر النهار .
وقوله : ( ^ والإشراق ) هو وقت الضحى ، وعن ابن عباس قال : ما كنت أعرف معنى الإشراق حتى أخبرتني أم هانئ رضي الله عنها أن النبي صلى صلاة الضحى
____________________


( ( 18 ) والطير محشورة كل له أواب ( 19 ) وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ( 20 ) وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ( 21 ) إذ دخلوا على داوود ) * * * * * * * * * * * في بيتها ، ثم قال : ' هذه صلاة الإشراق ' والإشراق : أنه تشرق الشمس حتى تتناهى في ضوئها . < < ص : ( 19 ) والطير محشورة كل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والطير محشورة ) وسخرنا الطير محشورة ، وقوله : ( ^ محشورة ) مجموعة ، وقوله : ( ^ كل له أواب ) اختلف القول في معنى قوله : ( ^ كل له أواب ) فأحد القولين معناه : كل لله أواب أي : مسبح .
والقول الثاني : كل له أواب أي : لداود يعني : أواب معه .
والأواب ها هنا هو المسبح ، والتسبيح هو عبادة أهل السموات والأرض . < < ص : ( 20 ) وشددنا ملكه وآتيناه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وشددنا ملكه ) أي : وقوينا ملكه ، قال مجاهد : كان له أربعمائة ألف رجل يحرسونه ، ومن المعروف ستة وثلاثون ألفا يحرسونه . وعن بعضهم : أربعون ألفا مستلأمة أي : في السلاح ، وقد لبس لأمته أي : درعه وسلاحه .
وقوله تعالى : ( ^ وآتيناه الحكمة ) أي : النبوة ، وقيل : الفقه في الدين ، ويقال : الفهم في القضاء .
وقوله : ( ^ وفصل الخطاب ) فيه أقوال :
أحدها : البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر ، وهو فصل الخطاب ، وهذا قول مشهور ومعروف .
والقول الثاني : أن فصل الخطاب هو البيان الفاصل بين الحق والباطل .
____________________


( ^ ففرع منهم قالوا لا تخف خصمان بغي بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ( 22 ) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ) * * * * * * * * *
والقول الثالث : أن معناه : أما بعد ، ذكره الشعبي ، وإنما سمي : أما بعد فصل الخطاب ؛ لأن الإنسان يذكر الله ويحمده ، فإذا شرع في كلام آخر قال : أما بعد ، فقد كان كذا ، وكان كذا .
وقد ورد في القصة : أن رجلا أتى داود عليه السلام وادعى أن فلانا اغتصب منه بقرا ، فدعا المدعي عليه ، فجحد ؛ فرأى في المنام أنه أمر بقتل المدعى عليه فلم يفعل فرأى ثانيا وثالثا وأنذر بالعذاب إن لم يفعل فدعا المدعى عليه وأخبره أن الله تعالى أمره بقتله ؛ فقال : أو حق هو ؟ قال : نعم .
فقال : أتقتلني بغير حجة ؟ فقال له : والله لأنفذن أمر الله فيك .
فقال : إني لم أقتل بهذا ، ولكني كنت اغتلت أبا هذا الرجل وقتلته ، وأقر به ، فقتله داود عليه السلام فلما رأت بنو إسرائيل ذلك هابوه أشد الهيبة ، فهي معنى قوله ( ^ وشددنا ملكه ) . < < ص : ( 21 ) وهل أتاك نبأ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وهل أتاك نبأ الخصم ) أي : خبر الخصم ، وأنشدوا في النبأ بمعنى الخبر :
( إني أرقت فلم أغمض جاري ** جزعا من النبأ العظيم السار )
والخصم اسم يقع على الواحد والاثنين والجماعة ، وقيل معناه : ذو خصم ذوا خصم وذوو خصم ، فعلى هذا يتناول الكل .
وقوله : ( ^ إذ تسوروا المحراب ) أي صعدوا وعلوا ، والمعنى : أنهم دخلوا من جانب سور المحراب لا من مدخل الذي يدخل الناس .
واتفقت عامة المفسرين على أن الذين دخلوا كانوا ملكين ، وقيل : إنه كان أحدهما جبريل والآخر ميكائيل ، وذكر تسوروا بلفظ الجمع ؛ لأن الجمع يتناول الاثنين فصاعدا .
____________________

< < ص : ( 22 ) إذ دخلوا على . . . . . > >
وقوله : ( ^ إذ دخلوا على داود ففزع منهم ) أي : خاف منهم واختلف القول في علة الخوف ، فقال بعضهم : إنه خاف منهم ، لأنهم دخلوا في غير وقت الدخول ، وقيل : خاف منهم ؛ لأنهم دخلوا من أعلى السور .
وقوله : ( ^ قالوا لا تخف ) يعني : فلا تخف ( ^ خصمان بغى بعضهم على بعض ) فإن قيل : كيف قال : ( ^ خصمان بغى بعضنا على بعض ) ولم يكن من الملكين من بغى أحدهما على الآخر ؟
والجواب عنه أن معناه : أرأيت خصمين بغى أحدهما على الآخر ، فهذا من معاريض الكلام ، وليس على معنى تحقيق بغي أحدهما على الآخر .
وقيل معناه : قالا : ما قولك في خصمين بغى أحدهما على الآخر ؟ وهذا قريب من الأول ، وقوله : ( ^ فاحكم بيننا بالحق ) أي : بالعدل .
وقوله : ( ^ ولا تشطط ) يقال : أشط يشط إذا جار ، وشطا يشط إذا أبعد ، قال الشاعر :
( شطت مزار العاشقين ، فأصبحت ** عسرا علي طلابك ابنة مخرم ) وقال عمر بن أبي ربيعة : ( ^ تشط غدا دار جيراننا ** وللدار بعد غد أبعد )
فمعنى قوله : ( ^ ولا تشطط ) أي : لا تجر ، وقرئ بنصب التاء أي : لا تبعد عن الحق ، وقوله : ( ^ واهدنا إلى سواء الصراط ) أي : إلى الطريق المستقيم الصواب والعدل ، وقوله : ( ^ واهدنا ) أي : وأرشدنا .
قوله تعالى : ( ^ إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ) ذكر أهل التفسير أن سبب ابتلاء داود عليه السلام أنه فتن بامرأة أوريا بن حنان ، وسبب ذلك أن داود صلوات الله عليه كان قسم أيامه ، فكان يخلو يوما للعبادة ، ويخلو يوما لنسائه ، ويجلس للقضاء يوما مع بني إسرائيل فيذاكرهم ويذاكرونه ، فجلس يوما مع بني إسرائيل يذاكرهم ، فذاكروا فتنة النساء ، فأضمر داود في نفسه أنه إن ابتلي اعتصم .
____________________


وفي بعض التفاسير : أن داود عليه السلام رأى قرينيه من الملائكة ، فقال لهما : ما بالكما معي ، فقالا : نحفظك ونحرسك ، فتفكر في نفسه أنه كان ما يحترز عنه من الأشياء يكون بحفظهما ، أو ما يفعل من العبادة فيكون بحفظهما ، فهو لا يحمد في ذلك ؛ فأمر الله تعالى الملكين أن يخلياه يوما .
وفي بعض القصص : أن الله تعالى حذره يوما ، وقال : هو يوم فتنتك ، وفي بعضها : أنه سمع بني إسرائيل يقولون في دعواتهم : يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فأحب أن يذكر معهم ، فذكر ذلك لله تعالى في مناجاته ، فقال : يا داود إني ابتليتهم فصبروا . فقال : لو ابتليتني صبرت ، فقال : يا داود إني مبتليك يوم كذا ، فلما كان ذلك اليوم دخل في متعبده ، وتخلى للعبادة ، وهذا الوجه الثالث غريب ، والمشهور ما ذكرنا من قبل ، قالوا : ولما كان في ذلك اليوم وتخلى للعبادة وجعل يصلي ويقرأ التوراة والزبور ويكب على قراءتهما ، فبينما هو خلال ذلك ؛ إذ سقط طير من ذهب قريبا منه ، ويقال : إنه إبليس تصور في صورة طير ، وكان جناحاه من الدر والزبرجد ، فأعجبه حسن الطير ، فقصد أن يأخذه فتباعد منه ، وجعل هو يتبعه إلى أن أسرف في اتباعه إلى دار من دور جيرانه ، فرأى امرأة تغتسل ، فأعجبه حسنها وخلقها ، وفتن بها ، فلما أحست المرأة بمن ينظر إليها ؛ حللت شعرها ، فغشاها شعرها ؛ فازداد داود فتنة ، ورجع وسأل عن المرأة ؛ فقيل : إنها امرأة أوريا بن حنان ، فكان في ذلك الوقت توجه غازيا إلى بعض الثغور ، فأحب أن يقتل ويتزوج بامرأته ، فذكر بعضهم أن ذنبه كان هذا القدر .
وذكر بعضهم : انه كتب إلى أمير الجيش أن يجعل أوريا قدام التابوت ، وكان من جعل قدام التابوت فإما أن يقتل أو يفتح الله على يديه ، فلما جعل قدام التابوت قتل ، فتزوج داود المرأة بعدما انقضت عدتها .
وروى مسروق عن ابن مسعود ، وسعيد بن جبير عن ابن عباس أنهما قالا : كان ذنب داود انه التمس من الرجل أن ينزل عن امرأته ، هذا قول ابن مسعود ، وأما لفظ ابن عباس : التمس أن يتحول له عنها .
____________________


( ^ فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب ( 23 ) قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن ) * * * * * * * * *
قال أهل التفسير : وقد كان ذلك مباحا لهم غير أن الله تعالى لم يرض له بذلك ، لأنه كان ذلك رغبة في الدنيا ، وازدياد من النساء ، وقد أغناه الله تعالى عنها بما أعطاه من غيرها .
وذكر بعضهم : أن ذنبه كان هو أنه خطب امرأة ، وقد خطبها غيره ، فدخل على خطبة غيره ، وكان ذلك منهيا في شريعتهم ، كما هو منهي في شريعتنا . < < ص : ( 23 ) إن هذا أخي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ) النعجة ها هنا كناية عن المرأة ، والعرب تكنى عن المرأة بالنعجة والشاة ، قال الشاعر :
( فرميت غفلة عينه عن شاته ** فأصبت حبة قلبه وطحالها )
والمراد من الشاة ها هنا هي المرأة ، وقرأ ابن مسعود : ' تسعة وتسعون نعجة أنثى ' قال بعضهم : ذكر أنثى على طريق التأكيد .
وقد روي عن النبي أنه قال : ' ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ' فقوله : ' ذكر ' مذكور على وجه التأكيد .
وقيل : يجوز أن يقال : تسعة وتسعون نعجة ، وإن كان في خلالها ذكر ، فلما قال : تسعة وتسعون نعجة أنثى ، عرف قطعا أنه ليس في خلالها ذكر .
وقوله : ( ^ ولي نعجة واحدة ) في التفسير : أنه كان لأوريا امرأة واحدة ، ولداود تسعة وتسعون امرأة ، فهذا هو المعني بالنعاج والنعجة .
وقوله : ( ^ فقال أكفلنيها ) أي : ضمها إلي : وقيل : انزل لي عنها ، وقيل : اجعلني قيمها وكفيلا بأمرها .
وقوله : ( ^ وعزني في الخطاب ) أي : غلبني في الخطاب ، وقهرني في الخطاب أي :
____________________


( ^ كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ( 24 ) فغفرنا له ذلك وإن له ) * * * * * * * * * * * في القول لقوة ملكه .
وحقيقة المعنى : أن الغلبة كانت له لضعفي في يده ، وإن كان الحق معي ، وعن مجاهد قال : تحدث بنو إسرائيل عند داود أنه لا يمضي على ابن آدم يوما إلا ويذنب فيه ذنبا ، واعتقد داود صلوات الله عليه أنه يحفظ نفسه من الذنب ، وعين يوما ، فلما كان ذلك اليوم تخلى في متعبده ، وجعل يصلي ويسبح ، ويقرأ التوراة والزبور ، فابتلي بما ابتلي به على ما ذكرنا .
وعن علي رضي الله عنه أنه قال : من زعم أن داود ارتكب محرما من تلك المرأة جلدته مائة وستين جلدة ، يعني ضعف ما يجلد الإنسان في غيره . < < ص : ( 24 ) قال لقد ظلمك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال لقد ظلمك ) معناه : لقد ظلمك بسؤاله نعجتك إلى نعاجه ، فإن قيل : كيف قال : لقد ظلمك بمجرد قوله ، ولم يكن سمع قولة صاحبه ؟
الجواب عنه : أن يحتمل لقد ظلمك بمجرد قوله ، ولم يكن صاحبه أقر بذلك ، ويحتمل أنه قال : إن كان الأمر على ما ذكرت فقد ظلمك بسؤاله نعجتك إلى نعاجه ، وفي الآية حذف ، والمحذوف بسؤاله أن تضم نعجتك إلى نعاجه ، وقد ثبت عن ابن عباس أنه كان سأل زوج المرأة أن ينزل له عن امرأته ، رواه سعيد بن جبير عنه .
وقوله : ( ^ وإن كثيرا من الخلطاء ) أي : من الشركاء ، يقال : هذا خليطي أي : شريكي ، وقوله : ( ^ ليبغي بعضهم على بعض ) أي : يظلم بعضهم بعضا .
وقوله : ( ^ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) يعني : أنهم لا يظلم بعضهم بعضا ، وقوله : ( ^ وقليل ما هم ) أي : وقيل هم ، و ' ما ' صلة .
وقوله : ( ^ وظن داود أنما فتناه ) أي : وأيقن داود أنما فتناه أي : ابتليناه ، وأوقعناه في الفتنة ، وقرئ : ' إنما فتناه ' بالتخفيف ، يعني : أن الملكين فتناه .
____________________


وقوله : ( ^ فاستغفر ربه ) أي : طلب المغفرة من ربه ( وخر راكعا ) أي : ساجدا ، فعبر عن السجود بالركوع ؛ لأن كل واحد منهما نوع من الانحناء .
وقوله : ( ^ وأناب ) أي : رجع وتاب ، قال مجاهد : مكث داود ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه . ويقال : مكث في السجود وبكى حتى نبت العشب حول رأسه .
وذكر النقاش في تفسيره : أن الله تعالى بعث إليه ملكا بعد أربعين يوما أن أرفع رأسك ، فلم يرفع ، فقال له الملك : أيها العبد ، أول أمرك ذنب وآخره معصية ، ارفع رأسك حين أمرك ربك .
وذكر وهب بن منبه : أن داود صلوات الله عليه لم يشرب بعد ذلك ماء ، إلا وقد مزجه بدموعه ، ولم يأكل طعاما إلا وقد بله بدموعه ، ولم ينم على فراش إلا وقد غرقه بدموعه .
وأم حكم السجود في هذه الآية ، فذكر بعضهم : أنها سجدة شكر ، وذكر بعضهم : أنها سجدة عزيمة ، وقد روى الشافعي رحمه الله بإسناده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان لا يسجد في ' سورة ص ' ويقول : إنها توبة نبي .
وفي بعض التفاسير : أن داود عليه السلام لما قال ما قال ضحك أحد الملكين إلى صاحبه ، ثم ارتفعا إلى السماء ، فعلم داود أنهما أراداه بذلك القول وأنهما ملكان مبعوثان من قبل الله تعالى فحينئذ وقع على الأرض ساجدا . < < ص : ( 25 ) فغفرنا له ذلك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فغفرنا له ذلك ) فغفرنا له ذنبه ذلك ، وعن [ أبي ] سليمان الداراني : أن الله تعالى قال : يا داود قد غفرت ذنبك ، وأما المودة التي كانت بيني وبينك فقد مضت .
وفي القصة : أن الوحوش والطيور كان تستمع إلى قراءاته وتصغي إليها ، فلما فعل ما فعل ، [ كان ] يقرأ الزبور بعد ذلك ، ولا تصغي الطيور ولا الوحوش إلى ذلك ،
____________________


( ^ عندنا لزلفى وحسن مآب ( 25 ) يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ( 26 ) وما خلقنا ) * * * * * * * * * فروى أنها قالت يعني الوحوش والطيور : يا داود ذهبت خطيئتك بحلاوة صوتك .
وقوله : ( ^ وإن له عندنا لزلفى ) أي : قربى ( ^ وحسن مآب ) أي : حسن مرجع ومنقلب ، وفي بعض التفاسير : أن داود صلوات الله عليه يحشر وخطيئته منقوشة في كفه ، فحين يراها ؛ يقول : يا رب ، ما أرى خطيئتي إلا مهلكي ، فيقول الله تعالى له : إلي يا داود ، فهو معنى قوله تعالى : ( ^ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) وأنشدوا في الركوع بمعنى السجود على ما بينا شعرا :
( فخر على وجهه راكعا ** وتاب إلى الله من كل ذنب ) < < ص : ( 26 ) يا داود إنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) أي : خليفة عمن سبق ، ويقال : خليفتي ؛ ومن هذا يجوز أن يسمى الخلفاء خلفاء الله .
وقوله : ( ^ فاحكم بين الناس بالحق ) أي : بالعدل ، وقوله : ( ^ ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) أي : يصدك ويردك عن سبيل الله .
وقوله : ( ^ إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) فيه تقديم وتأخير ، ومعناه : لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا أي : تركوا أمر الله وغفلوا عن القيامة .
وفي القصة : أن الله تعالى كان قد بعث سلسلة من السماء ، وكان يختصم إلى داود ، والخصمان والسلسلة قدام مجلسه ، فكان يأمر كل واحد منهما أن يأخذ السلسلة ، وكان ينالها المحق ولا ينالها المبطل ، فاشتدت هيبته في بني إسرائيل لذلك ، فاختصم رجلان في عقد لؤلؤ أودعه أحدهما من صاحبه وجحده المودع ، فعمد المودع إلى عصا وقورها ، وجعل العقد فيها ، فلما اختصما إلى داود أمرهما بالتحاكم إلى السلسلة ، فذهب المدعي إلى السلسلة ، وقال : اللهم إن كنت تعلم أني أودعت هذا
____________________


( ^ السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ( 27 ) أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ( 28 ) كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ( 29 ) * * * * * * * * * * * الرجل عقد لؤلؤ ، ولم يرده إلى ، فأنلني السلسلة ، ثم رفع يده ونالها ، وجاء صاحبه إلى السلسلة ، والعصا في يده ، فقال للمدعي : أمسك هذه العصا حتى آخذ السلسلة ، فأخذها منه ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني قد رددتها إليه فأنلني السلسلة ، ثم إنه رفع يده ، ونال السلسلة ؛ فتحير داود وبنو إسرائيل في ذلك .
ورفع الله السلسلة ، وأمر داود عليه السلام بأن يقضي بين الناس بالبينة واليمين ؛ فجرت السنة على ذلك إلى قيام الساعة . < < ص : ( 27 ) وما خلقنا السماء . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ) أي : لعبا ، وقيل : لغير حكمة ، وقوله : ( ^ ذلك ظن الذين كفروا ) وهذا دليل على أن الله تعالى يعذب الكفار بالظن الباطل ، وقوله : ( ^ فويل للذين كفروا من النار ) أي : من نار جهنم . < < ص : ( 28 ) أم نجعل الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أم نجعل الذين آمنوا ) معناه : أنجعل الذين آمنوا ( وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ) أي : لا نجعل .
وقوله : ( ^ أم نجعل المتقين كالفجار ) أي : المؤمنين كالكفار ، ويقال : المراد بالمتقين ها هنا أصحاب رسول الله ، وقيل : بنو هاشم وبنو المطلب ، والفجار هم وجوه المشركين وسادتهم . < < ص : ( 29 ) كتاب أنزلناه إليك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كتاب أنزلناه إليك مبارك ) أي : هذا كتاب أنزلناه إليك مبارك .
وقوله : ( ^ ليدبروا آياته ) أي : ليتدبروا ويتفكروا في آياته ، وقوله : ( ^ وليتذكروا أولو الألباب ) أي : يتذكر أولو العقول ، قال الحسن في قوله : ( ^ أولو الألباب ) عاتبهم لأنه أحبهم . < < ص : ( 30 ) ووهبنا لداود سليمان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ) قد بينا .
____________________


( ^ ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب ( 30 ) إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ( 31 ) فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ( 32 ) ) * * * * * * * * * * * * * * < < ص : ( 31 ) إذ عرض عليه . . . . . > >
قوله : ( ^ إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ) أي : الخيل الجياد ، والصافنات : هي الخيل التي قامت على ثلاث قوائم ، وثنى إحدى قوائمه ، وقام على السنبك .
وقيل : والصافن في اللغة : هو القائم ، وقد روى عن النبي أنه قال : ' من سره أن يكون الناس له صفونا فليتبوأ مقعده من النار ' أي : قياما . قال الشاعر :
( ألف الصفون فما يزال كأنه ** مما يقوم على الثلاث كسيرا )
وقوله : ( ^ الجياد ) أي : السراع ، قال إبراهيم التيمي : كانت [ عشرين ] فرسا لها أجنحة ، وقال عكرمة : عشرون ألف فرس لها أجنحة ، وقال بعضهم : كانت ألفا من الخيل العتاق أي : الكرام ، ويقال أيضا : إن الله تعالى كان أخرجها له من البحر . < < ص : ( 32 ) فقال إني أحببت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إني أحببت حب الخير ) أي : آثرت حب الخير ، وأما الخير ؛ فأكثر المفسرين على أنها الخيل في هذه الآية ، وكذا قرأ ابن مسعود باللام .
وروى أن زيد الخيل الطائي وفد إلى النبي فقال له النبي : ' من أنت ؟ فقال : أنا زيد الخيل . فقال : أنت زيد الخير ' .
____________________


( ^ ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق ( 33 ) ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه ) * * * * * * * *
والقول الثاني : أن الخير ها هنا هو الدنيا أي : آثرت الدنيا على ذكر ربي أي : صلاة العصر .
قوله : ( ^ حتى توارت بالحجاب ) أي : توارت الشمس بالحجاب ، فكنى عن الشمس وإن لم يجر لها ذكر ، وقد بينا مثال هذا ، ويقال : قد سبق ما يدل على ذكر الشمس ، فاستقامت الكناية عنها ، وذلك قوله تعالى : ( ^ إذ عرض عليه بالعشي ) والعشي لا يعرف إلا بالشمس .
وأما الحجاب ، فيقال : إنه جبل قاف ، والشمس تغرب من ورائه ، ويقال : إنه جبل من ياقوت أخضر ، وخضرة السماء منه . < < ص : ( 33 ) ردوها علي فطفق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ردوها علي ) أي : ردوا الخيل علي ، وقوله : ( ^ فطفق مسحا بالسوق والأعناق ) ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد منه أنه قطع عراقيبها وأعناقها ، وهذا مروي عن ابن عباس والحسن وقتادة ، وأورده الفراء والزجاج .
قال الحسن : كسف عراقيبها وضرب أعناقها ، قال الزجاج : ويجوز أن يكون الله تعالى أباح له في ذلك الوقت وحرم في هذا الوقت علينا ولم يكن ليقدم نبي الله تعالى على ذلك ، وهو محرم عليه ، وكيف يستغفر من ذنب بذنب ؟ ! .
وعن ابن عباس في بعض الروايات : أن سليمان عليه السلام جعل يمسح عراقيبها وأعناقها بيده وثوبه ؛ شفقة عليها ، وهذا قول ضعيف ، ولا يليق هذا الفعل بما سبق ، والمشهور هو القول الأول .
وذكر الكلبي : أن الخيل كانت ألفا ، فقتل منها تسعمائة وبقيت مائة ، فهي أصل الخيل العتاق التي بقيت في أيدي الناس .
ويقال : إنها كانت خيلا أخذها من العمالقة ، وكانت تعرض عليه ؛ فغفل عن صلاة العصر حتى غربت الشمس ، فأمر بردها عليه ، وقطع عراقيبها ، وضرب أعناقها ؛ لأنها ألهته عن ذكر الله ، ويقال : ذبحها ذبحا وتصدق بلحومها ، وكان الذبح حلالا في شريعته على ذلك الوجه .
____________________


( ^ جسدا ثم أناب ( 34 ) قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك ) * * * * * < < ص : ( 34 ) ولقد فتنا سليمان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد فتنا سليمان ) أي : اختبرنا سليمان فابتليناه ، ويقال : فتنا سليمان أي : ألقيناه في الفتنة .
وقوله : ( ^ وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ) ذهب أكثر المفسرين إلى أن الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان هو صخر الجني .
قال السدي : كان اسمه حبقيق ، وعن بعضهم : ان اسمه كان آصف ، والمعروف هو الأول ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وأما قصته : فزعموا أن صخرا كان شيطانا ماردا لا يقوى عليه أحد ، فابتلى الله تعالى سليمان به ، وسلبه ملكه ، وقعد هذا الشيطان على كرسيه يقضي بين الناس ، وكان سبب ذلك فيما زعموا أن ملك سليمان كان في خاتمه ، قال وهب : وكان ذلك الخاتم فما ألبسه الله تعالى آدم عليه السلام في الجنة ، وكان يضيء كضوء الشمس ، فلما أكل آدم من الشجرة ، وعصى الله تعالى سلب الخاتم .
ثم إن الله تعالى أنزله على سليمان ، وعقد به ملكه ، قالوا : وكان الخاتم مربعا له أربعة أركان ، في ركن منه مكتوب : أنا الله لم أزل ، وفي الركن الثاني مكتوب : أنا الله الحي القيوم ، وفي الركن الثالث مكتوب : أنا العزيز لا عزيز غيري ، وفي الركن الرابع مكتوب : محمد رسول الله .
ويقال : كان المكتوب عليه آية الكرسي ، قالوا : وكان سليمان عليه السلام إذا دخل مغتسله سلم الخاتم إلى جارية له ، فدخل مرة وسلم الخاتم إلى الجارية ، فجاء صخر في صورة سليمان فأخذ الخاتم من الجارية ، وخرج سليمان يطلب الخاتم ، فقالت : قد أخذت مني الخاتم مرة ، فعلم [ سليمان ] أن الله تعالى سلبه ملكه .
وذهب سليمان يسيح في الأرض ، ولم يعرفه أحد بصورته ، وكان يستطعم الناس
____________________

ويقول : أنا سليمان بن داود ، فيكذبونه ويؤذونه ويزعمون أنه مجنون . حتى روى أنه استطعم مرة من قوم وزعم أنه سليمان بن داود ، فقام رجل وشج رأسه بعصا في يده ، ثم إنهم أعطوه كسرة يابسة ، فحمل الكسرة إلى شط نهر ليبليها بالماء ، وكان جائعا لم يصب طعاما منذ أيام ، فذهب الماء بالكسرة .
ويقال : إنه كان على شط البحر ، فجاءت موجة وحملت الكسرة ، فدخل هو البحر في إثرها حتى خاف الغرق فرجع ورجعت الكسرة ثم إنه طمع فيها وذهب ليأخذها ، فذهبت الكسرة ، هكذا مرات ؛ فبكى سليمان وتضرع إلى الله تعالى فرحمه الله تعالى ورد إليه ملكه .
وكان سبب رد ملكه إليه أنه مر على قوم صيادين ؛ فسألهم شيئا ليأكله فأعطوه سمكة ميتة ، فشق جوفها ، فوجد خاتمة فيها ، فجعله في إصبعه ، وعاد إليه ملكه ، وعكفت الطير في الوقت على رأسه ، واجتمع إليه الإنس والجن والشياطين .
وأما مدة ذهاب ملكه كان [ أربعين ] يوما ، وأما حديث صخر الجني فإنه لما أخذ الخاتم ، وقد تحول في صورة سليمان ، ذهب وقعد على كرسيه ، وجعل ينفذ ما كان ينفذه سليمان إلا أن الله تعالى منعه نساء سليمان ، هكذا روي عن الحسن .
وقد ذكر غيره أنه كان يصيب من نساء سليمان في الحيض ، وذكر أنه يصيب في الحيض وغير الحيض ، والله أعلم .
واختلف القول في أنه هل بقي معه الخاتم أولا ؟ فأحد القولين : أنه ذهب وطرح الخاتم في البحر .
والقول الآخر : أنه كان معه ، والقول الأشهر أولى وأعرف .
وذكر النقاش في تفسيره : أن بني إسرائيل أنكروا أمر صخر الجني ؛ لأنه كان يقضي بغير الحق ؛ فذهبوا إلى نساء سليمان ، وقالوا لهن : تنكرون من أمر سليمان شيئا ، فقلن : نعم ؛ فحينئذ وقع في قلبهم أن سليمان قد ابتلي ، وأن الله تعالى سلبه ملكه ، وأن الشخص الذي على الكرسي شيطان .
____________________


فأخذوا التوراة وجاءوا إلى حول الكرسي وجعل يقرءونها ؛ فطار صخر إلى أشرف القصر ، ثم طار من شرف القصر ومر فوقع في البحر .
وفي التفسير : أن الله تعالى لما رد على سليمان ملكه ، أمر الشياطين يطلب صخر ، فوجدوه وحملوه إلى سليمان ؛ فصفده بالحديد ، وجعله في صندوق ، وألقاه في البحر ، فهو في البحر إلى يوم القيامة .
وأما السبب [ الذي ] ابتلي الله لأجله سليمان ، ففيه أقوال كثيرة :
أحدها : أن الله تعالى كان أمره ألا يتزوج امرأة من غير بني إسرائيل ، فخالف وتزوج امرأة من غيرهم ، فابتلاه الله تعالى بما ذكرنا .
والقول الثاني : أنه تزوج بامرأة ؛ فعبدت المرأة صنما في داره من غير أن يشعر سليمان بذلك ، فابتلاه الله تعالى لغفلته ، وهذا قول مشهور .
والقول الثالث : أنه كانت عنده امرأة ، وكان يحبها حبا شديدا ، فخاصم أخوها إلى سليمان في شيء مع إنسان ، فطلبت المرأة من سليمان أن يقضي لأخيها ؛ فقال لها : نعم ، ولم يفعل ذلك ، فابتلاه الله تعالى .
والقول الرابع : أنه احتجب من الناس ثلاثة أيام ، ولم ياذن لأحد ، ذكره شهر بن حوشب ، وابتلاه الله تعالى بما ذكرنا ، وأوحى الله تعالى يا سليمان ، إني إنما بعثتك وأعطيتك هذا الملك ؛ لتنصف المظلومين ، وتكون عونا للضعفاء على الأقوياء ، ولم أعطك لتحتجب عن الناس .
والقول الخامس : أنه قال مرة : والله لأطوفن الليلة على نسائي ، وكان له ثلثمائة امرأة ، وسبعمائة سرية ، ولتحملن كل امرأة منهن ، وتلد غلاما يقاتل في سبيل الله ، فقال له الملك : قل إن شاء الله ، فلم يقل ، فلم تحمل امرأة منهن إلا امرأة واحدة حملت ، فولدت نصف إنسان ، وابتلاه الله تعالى .
____________________


( ^ أنت الوهاب ( 35 ) فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ( 36 ) ) * * * * * * * وهذا خبر مرفوع إلى النبي وعلى هذا القول كان الجسد الذي ألقي على كرسيه هو ولده ، وذكر بعضهم : أن سليمان عليه السلام ولدله ابن ، فخاف عليه من الشياطين ، فأودعه السحاب لتربيه ؛ فسقط على كرسيه ميتا ، فهو معنى قوله تعالى : ( ^ وألقينا على كرسيه جسدا ) والله أعلم .
والقول السادس : ما روي عن الحسن قال : إنه كان أصاب من بعض نسائه في حالة الحيض ، فابتلاه الله تعالى بما ذكرنا ، والله أعلم بما كان ، ولا شك أن الآية تدل على أن الله تعالى قد أقعد على كرسيه غيره ، وسلبه شيئا كان له .
وقوله : ( ^ ثم أناب ) أي : رجع إلى ملكه . < < ص : ( 35 ) قال رب اغفر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ) فإن قال قائل : كيف قال : ( ^ لا ينبغي لأحد من بعدي ) وهل كان هذا حسدا منه لغيره ، حتى لا ينال غيره ما نال هو ؟
والجواب : أن معنى قوله : ( ^ لا ينبغي لأحد من بعدي ) أي : لا يكون لأحد من بعدي على معنى انك تسلبه وتعطيه غيره ، كما سلبت من قبل ملكي وأعطيت صخرا . . الخبر .
ويقال : إنما طلب ذلك لتظهر كرامته وخصوصيته عند الله تعالى وقد ثبت برواية أبي هريرة عن النبي أنه قال : ' عرض لي الليلة شيطان ، وأراد أن يفسد علي صلاتي ؛ فأمكنني الله تعالى منه ، فأخذته وأردت أن أربطه حتى تصبحوا فتنظروا إليه ، ثم ذكرت قول أخي سليمان ( ^ رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ) فتركته ، ورده الله خائبا خاسئا ' .
وقوله : ( ^ إنك أنت الوهاب ) أي : المعطي .
____________________


( ^ والشياطين كل بناء وغواص ( 37 ) وآخرين مقرنين في الأصفاد ( 38 ) هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ( 39 ) وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ( 40 ) واذكر ) * * * * * * < < ص : ( 36 ) فسخرنا له الريح . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء ) أي : لينة ، وقيل : رخاء مطيعة ليست بعاصية .
وقوله : ( ^ حيث أصاب ) معناه : حيث أراد ، ويقال : إنه كان يغدو بإيلياء ، ويقيل بقزوين ، ويبيت ببابل ، والعرب تقول : أصاب الصواب فاخطأ الجواب أي : أراد الصواب فأخطأ الجواب وقال الشاعر :
( وغيرها ما غير الناس قبلها ** فناءت وحاجات الفؤاد تصيبها )
أي : تريدها ، < < ص : ( 37 ) والشياطين كل بناء . . . . . > > وقوله : ( ^ والشياطين كل بناء وغواص ) أي : وسخرنا الشياطين له كل بناء وغواص منهم ، وتسخير الريح والشياطين له بعد ابتلائه بما ذكرنا . < < ص : ( 38 ) وآخرين مقرنين في . . . . . > >
وقوله : ( ^ وآخرين مقرنين في الأصفاد ) أي : مغلولين في السلاسل ، وكان يأخذ [ الشيطان ] فيقربه بالشيطان ويصفدها في الحديد ويوبقهما في السلاسل ثم يجعلهما في صندوق من حديد ، ويلقي الصندوق في قعر البحر . < < ص : ( 39 ) هذا عطاؤنا فامنن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هذا عطاؤنا ) فيه أقوال : أحدها وهو الأولى أن الملك عطاؤنا لك ( ^ فامنن ) أي : أعط من شئت .
وقوله : ( ^ أو امسك ) أي : امنع من شئت ( ^ بغير حساب ) أي : بغير حرج .
والقول الثاني : ( ^ هذا عطاؤنا ) أي : تسخير الشياطين .
وقوله : ( ^ فامنن أو أمسك ) أي : أرسل من شئت ، واحبس من شئت .
والقول الثالث : ( ^ هذا عطاؤنا ) أي : النسوة عطاؤنا . وقوله : ( ^ فامنن أو أمسك ) أي : طلق من شئت ، واحبس من شئت ( ^ بغير حساب ) أي : بغير حرج ، < < ص : ( 40 ) وإن له عندنا . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) أي : حسن مرجع .
____________________


( ^ عبدنا أيوب إذ نادى ربه إني مسني الشيطان وعذاب ( 41 ) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ( 42 ) ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي ) < < ص : ( 41 ) واذكر عبدنا أيوب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب ) وقرئ : ' بنصب وعذاب ' بفتح النون والصاد ، والنصب والنصيب بمعنى واحد كالحزنن والحزن ، ويقال : بنصب في الجسد ، وعذاب في المال .
وقد بينا قصة أيوب من قبل وما أصابه من البلاء ، وذكرنا مدة بلائه ، ويقال : إنه مكث في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام ، وكانت الدواب تجري في جسده ، وقد ألقى على مزبلة ، وتأذى منه قومه غاية الأذى . < < ص : ( 42 ) اركض برجلك هذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ اركض ) أي : اركض الأرض برجلك ، فيقال : إنه داس الأرض دوسة ، فنبعت عين [ ماء ] ؛ فأمره الله تعالى أن يغتسل منها ، فاغتسل فذهب كل داء كان في جسده ، ومشى أربعين خطوة ، فأمره الله تعالى أن يدوس الأرض برجله دوسة أخرى ؛ ففعل ؛ فنبعت عين أعذب ما تكون وأبرده ؛ فأمره الله تعالى أن يشرب منها ؛ فذهب كل داء كان في باطنه ، وصار كأصح ما يكون من الرجال وأكملهم ؛ فهو معنى قوله تعالى : ( ^ هذا مغتسل بارد وشراب ) . < < ص : ( 43 ) ووهبنا له أهله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ووهبنا له أهله ) قد بينا أن الله تعالى رد عليه أهله وأولاده الذين أهلكهم بأعيانهم ، وقد قلنا غير هذا ، والقول الأول أشبه بظاهر القرآن ، ويقال : إن الأرض انشقت ؛ فرأى إبله وبقره وغنمه على هيئتها وخرجت إليه ، ورأى أيضا أهله وأولاده كهيئتهم وخرجوا إليه .
وقوله : ( ^ ومثلهم معهم ) يقال : [ إنهم كانوا سبعة ] بنين ، وثلاث بنات فأعطاه الله تعالى مثل عددهم ، وردهم الله بأعيانهم .
وقوله : ( ^ رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ) أي : لأولي العقول .
____________________


( ^ الألباب ( 43 ) وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ( 44 ) واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ( 45 ) ) * * * * * < < ص : ( 44 ) وخذ بيدك ضغثا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وخذ بيدك ضغثا ) أي : فقلنا له : وخذ بيدك ضغثا ، والضغث : كل ما يملأ الكف من خشب أو حشيش أو غيره .
قوله : ( ^ فاضرب به ولا تحنث ) يعني : فاضرب به امرأتك ، ولا تحنث في يمينك ، وكان سبب يمينه أن المرأة أتته بطعام يوما أكثر مما كانت تأتيه كل يوم ؛ فاتهمها بخيانة في نفسها ، وكانت بريئة ، فحلف ليضربنها [ مائة ] سوط إذا برأ من مرضه .
ويقال : إن إبليس قعد على طريق المرأة طبيبا يداوي الناس ، فمرت به المرأة ، وقالت : إن لي مريضا وأحب أن تداويه ، فقال لها : أنا أداويه ، فلا أريد شيئا سوى أن يقول إذا شفيته : أنت شفيتني ، فجاءت إلى أيوب وذكرت له ذلك ، فعرف أنه كان إبليس اللعين ، فغضب وحلف على ما ذكرنا .
ويقال : إنها باعت ذؤابتيها برغيفين لطعامه ، فلما رأى ذلك أيوب عليه السلام غضب وحلف ، وهذا قول غريب .
وقوله : ( ^ فاضرب به ولا تحنث ) يعني : فاضرب بالضغث الذي يشتمل على مائة عود صغار ( ^ ولا تحنث ) أي : ولا تدع الضرب فتحنث ، قال مجاهد : هذا لأيوب خاصة ، وقال عطاء : له وللناس عامة .
وقوله : ( ^ إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ) أي : رجاع إلى طاعة الله . وفي القصة : أن أيوب قيل له : ما أشد ما مر عليك في بلائك ؟ فقال : شماتة الأعداء . < < ص : ( 45 ) واذكر عبادنا إبراهيم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار ) إنما خص هؤلاء الثلاثة ؛ لأن الله تعالى ابتلاهم فصبروا ، أما ابتلاء إبراهيم فكان بالنار ، وابتلاء إسحق كان بالذبح ، وأما ابتلاء يعقوب بفقد الولد .
وقوله : ( ^ أولي الأيدي والأبصار ) معناه : أولي القوة في الطاعة ، وأولي الأبصار
____________________


( ^ إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ( 46 ) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ( 47 ) واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار ( 48 ) هذا ذكر وإن للمتقين ) * * * * * * * * * في المعرفة ، وقيل : أولي القوة ظاهرا ، وأولي الأبصار باطنا ، فالقوة قوة الجوارح ، والأبصار أبصار القلوب ، قال الله تعالى ( ^ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) . < < ص : ( 46 ) إنا أخلصناهم بخالصة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا أخلصناكم بخالصة ذكرى الدار ) وقرئ : ' بخالصة ' من غير تنوين ، فأما بالتنوين : فمعناه : بخلة خالصة ، وهي ذكرى الدار .
وقيل : إن ذكرى الدار بدل عن قوله : ( ^ خالصة ) على هذه القراءة ، وأما القراءة بالإضافة ، [ فمعناها ] : أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة ، حكى هذا عن أبي زيد ، وقال مجاهد : أخلصناهم ما ذكرنا بالجنة لهم .
وعن مالك بن دينار قال ابن عباس : أزلنا عن قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها ، وعن بعضهم : وأخلصناهم عن الآفات والعاهات ، وجعلناهم يذكرون الدار الآخرة ، والأولى في قوله : ( ^ أخلصناهم ) أي : جعلناهم مخلصين بما أخبرنا عنهم ، < < ص : ( 47 ) وإنهم عندنا لمن . . . . . > > وقوله : ( ^ وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) ظاهر المعنى . < < ص : ( 48 ) واذكر إسماعيل واليسع . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واذكر إسماعيل واليسع ) إسماعيل : هو إسماعيل بن إبراهيم ، وقوله : ( ^ واليسع ) اليسع : هو نبي من الأنبياء ، ويقال : اليسع هو تلميذ إلياس النبي _ عليه السلام _ ولما رفع الله إلياس _ عليه السلام _ خلف اليسع في قومه ، وقوله : ( ^ وذا الكفل ) قد بينا ، ويقال : إنه رجل كفل لملك بالجنة إن آمن وأطاع الله تعالى وقوله : ( ^ وكل من الأخيار ) ظاهر المعنى . < < ص : ( 49 ) هذا ذكر وإن . . . . . > >
[ قوله تعالى : ( ^ هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ) ] .
____________________


( ^ لحسن مآب ( 49 ) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ( 50 ) متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ( 51 ) وعندهم قاصرات الطرف أتراب ( 52 ) هذا ما توعدون ليوم الحساب ( 53 ) إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ( 54 ) هذا وإن للطاغين لشر مآب ( 55 ) جهنم يصلونها فبئس المهاد ( 56 ) هذا فليذوقوه حميم وغساق ( 57 ) وآخر ) * * * * * * < < ص : ( 50 ) جنات عدن مفتحة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ) أي : أبوابها . < < ص : ( 51 ) متكئين فيها يدعون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ) أي : بفاكهة الجنة وشرابها ، وذكر كثيرة ؛ لأن ما في الجنة كثير لعدم انقطاعه ، واتساع وجوده . < < ص : ( 52 ) وعندهم قاصرات الطرف . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وعندهم قاصرات الطرف ) أي : قصرن أطرافهن على أزواجهن ، وقوله : ( ^ أتراب ) أي : أمثال ، ويقال : لدات مستويات الأسنان ، وعن مجاهد : أتراب متواخيات لا تتعادين ولا تتباغضن ، وقيل : لا تتغايرن ، قال يحيى بن سلام : بنات ثلاث وثلاثين سنة ، وعن بعضهم : أتراب أي : خلقن على مقادير أزواجهن ، وأنشد الشاعر في القاصرات :
( من القاصرات الطرف لو دق محول ** من الذر فوق الإتب منها لأثرا ) < < ص : ( 53 ) هذا ما توعدون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هذا ما توعدون ليوم الحساب ) أي : هذا الذي أخبرنا عنه هو ما توعدون ليوم الحساب . < < ص : ( 54 ) إن هذا لرزقنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ ) أي : انقطاع ، ومعنى قوله : ( ^ لرزقنا ) أي : إعطاؤنا . < < ص : ( 55 ) هذا وإن للطاغين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هذا وإن للطاغين لشر مآب ) أي : مرجع : والمراد من الطاغين هم الكفار . < < ص : ( 56 ) جهنم يصلونها فبئس . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ جهنم يصلونها ) أي : يدخلونها ، وقيل : يقاسون حرها ، وقوله : ( ^ فبئس المهاد ) أي : فبئس ما مهدوا لأنفسهم ، ويقال : بئس الفراش . < < ص : ( 57 ) هذا فليذوقوه حميم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هذا فليذوقوه حميم وغساق ) يقال : في الآية تقديم وتأخير
____________________


( ^ من شكله أزواج ( 58 ) هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار ( 59 ) ) * * * * * * * ومعناه : هذا حميم وغساق فليذوقوه ، وأما معنى الحميم فقد بينا ، وهو الماء الحار الذي انتهى في الحرارة ، وأما الغساق فهو القيح الذي يسيل من جلودهم ، وعن السدي قال : الدموع التي تسيل من أعينهم ، وحكى بعضهم عن ابن عباس : أنه الزمهرير يحرقهم ببرده ، وحكى النقاش : أن الغساق هو المنتن بالتركية ، فعرب ، وقد قرئ بالتشديد والتخفيف ، فبعضهم قال : لا فرق بينهما في المعنى ، وبعضهم فرق بينهما ببعض الوجوه التي ذكرناها . < < ص : ( 58 ) وآخر من شكله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأخر من شكله أزواج ) وقرئ : ' وآخر من شكله ' ، فقوله : ( ^ وأخر ) يتناول العدد وقوله : ( ^ وأخر ) بالمد يتناول الواحد .
وقوله : ( ^ من شكله ) أي : مثله ، وقوله : ( ^ أزواج ) أي : أصناف ، وقيل : أنواع . قال الشاعر :
( لما اكتست من ضرب كل شكل ** حمرا وخضرا كاخضرار البقل )
ومعنى الآية : أن لأهل النار أنواعا أخر من العذاب على شكل ما سبق ذكره يعني : في الشدة . < < ص : ( 59 ) هذا فوج مقتحم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هذا فوج مقتحم معكم ) أي : فوج مقتحم معكم بعد الفوج الأول ، والاقتحام هو الدخول ، واختلف القول في الفوج الأول والفوج الثاني .
فأحد القولين : الفوج الأول هم بنو إسرائيل ، والفوج الثاني هم بنو آدم ، ويقال : الفوج الأول هم الرؤساء والقادة ، والفوج الثاني هم الأتباع .
وقوله : ( ^ لا مرحبا بهم ) الرحب هو السعة ، وقول القائل : لا مرحبا بفلان أي : لا رحبت أي : لا اتسعت عليه ، قال الشاعر :
( إذا جئت بوابا له قال مرحبا ** ألا مرحبا ناديك غير مضيق )
____________________


( ^ قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار ( 60 ) قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ( 61 ) وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ( 62 ) أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار ( 63 ) إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ) * * * * *
وقوله : ( ^ إنهم صالوا النار ) أي : داخلوا النار معكم ، < < ص : ( 60 ) قالوا بل أنتم . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم ) يعني : قال الأتباع للقادة بل أنتم لا مرحبا بكم .
وقوله : ( ^ أنتم قدمتموه لنا ) أي : قدمتم هذا العذاب لنا بدعائكم إيانا إلى الضلالة والكفر ، وقوله : ( ^ فبئس القرار ) أي : فبئس دار القرار النار . < < ص : ( 61 ) قالوا ربنا من . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ قالوا ربنا من قدم لنا هذا ) أي : قال الأتباع : ربنا من قدم لنا هذا ؟ وقوله : ( ^ فزده عذابا ضعفا في النار ) أي : ضاعف عليه العذاب في النار . < < ص : ( 62 ) وقالوا ما لنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ) قال ابن عباس : يقول أبو جهل وذووه حين يدخلون النار : أين بلال ؟ أين عمار ؟ أين خباب ؟ وفلان وفلان ؟
وعن بعضهم قال : أهل النار يقولون هذا حين يفقدون أهل الجنة .
وقوله : ( ^ كنا نعدهم من الأشرار ) قال بعضهم : من الأرذال ، وقال بعضهم : كنا نعدهم من شرار قومنا ؛ لأنهم قد تركوا دين آبائهم . < < ص : ( 63 ) أتخذناهم سخريا أم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ اتخذناهم سخريا ) أي : كنا سنخر منهم ، وقرئ : ' أتخذناهم سخريا ' على الاستفهام ، قال أهل المعاني : والقراءة الأولى أولى ، لأنهم قد علموا حقيقة الأمور في القيامة ، فلا يتصور منهم الاستفهام ، وقال الفراء : الألف في قوله : ( ^ اتخذناهم ) ألف التوبيخ والتعجب ، والعرب تذكر مثل هذه الألف على طريق التوبيخ والتعجب .
وقوله : ( ^ أم زاغت عنهم الأبصار ) أي : مالت عنهم الأبصار ، ومعناه : أنهم معنا في النار ولا نراهم .
____________________


( ( 64 ) قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار ( 65 ) رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ( 66 ) قل هو نبأ عظيم ( 67 ) أنتم عنه معرضون ( 68 ) ما كان ) * * * * * * < < ص : ( 64 ) إن ذلك لحق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ) أي : مراجعة بعضهم بعضا القول بمنزلة المتخاصمين . < < ص : ( 65 ) قل إنما أنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل أنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار ) أي : أنا الرسول المنذر ، والله الواحد القهار [ القاهر ] عباده بما يريد . < < ص : ( 66 ) رب السماوات والأرض . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ) أي : المنيع في ملكه ، الغفار لذنوب عباده . < < ص : ( 67 ) قل هو نبأ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل هو نبأ عظيم ) أي : القرآن نبأ عظيم ، وقيل : ذو شأن عظيم ، وأول بعضهم النبأ العظيم بالقيامة ، < < ص : ( 68 ) أنتم عنه معرضون > > وقوله : ( ^ انتم عنه معرضون ) أي : عنه لاهون ، وله تاركون . < < ص : ( 69 ) ما كان لي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصون ) ذهب أكثر أهل التفسير إلى أن المراد بالملأ الأعلى هم الملائكة ، وهذا قول ابن عباس وغيره .
وقوله : ( ^ إذ يختصمون ) قال ابن عباس رضي الله عنه هو قولهم لله تعالى في أمر آدم : ( ^ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) الآية إلى آخرها .
وأما المأثور عن النبي في الآية فهو ما رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه ' أن النبي احتبس عنا ذات غداة حتى كدنا نتراءى عين الشمس ، ثم خرج سريعا ، وثوب بالصلاة ، وصلى ركعتين تجوز فيهما ، ثم قال : هل تدرون بما احتبست عنكم ؟ فقلنا : لا . فقال : إني قمت من الليل وتطهرت وصليت ما شاء الله ، ثم نعست واستثقلت ،
____________________


( ^ لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ( 69 ) إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ) ) * * * * * فإذا ربي في أحسن صورة .
فقال : يا محمد ، قلت : لبيك .
فقال : اتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت : لا
فوضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله في ثندوتي ؛ فتجلى لي كل شيء ، وعرفته .
ثم قال لي : يا محمد ، أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟
فقلت : نعم في الكفارات ، قال : ما هن ؟ قلت : في مشي الأقدام إلى الجماعات ، وإسباغ الوضوء على المكروهات ، والجلوس في المساجد بعد الصلاة .
قال : وفيم أيضا ؟
قلت : في إطعام الطعام ، ولين الكلام ، والصلاة بالليل والناس نيام .
فقال لي : سل يا محمد .
فقلت : أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وأسألك حبك ، وحب من يجبك وحب عمل يقربني إلى حبك .
ثم قال النبي : ' إنهن حق فادرسوهن وتعلموهن ' قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث صحيح ، وقد روى هذا الخبر بوجوه أخر ، ولم يذكر في بعضها النوم ، وأصحها هذه الرواية ، والله أعلم .
وفي الآية قول آخر : أن الملأ الأعلى هم أشراف قريش واختصامهم أن بعضهم قالوا : الملائكة بنات الله ، وبعضهم قالوا غير ذلك ، فهو اختصامهم ، والأصح هو القول الأول .
____________________


( ( 70 ) إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ( 71 ) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ( 72 ) فسجد الملائكة كلهم أجمعون ( 73 ) إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ( 74 ) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين ( 75 ) قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) * * * * * * *
واختصام الملائكة هو كلامهم في هذه الأعمال ، وأقدار المثوبة فيها ، وزيادة بعض الأعمال على البعض في الثواب . < < ص : ( 70 ) إن يوحى إلي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ) أي : ما يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين . < < ص : ( 71 ) إذ قال ربك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ) يعني : آدم صلوات الله عليه < < ص : ( 72 ) فإذا سويته ونفخت . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ فإذا سويته ) أي : جمعت خلقه وأتممته .
وقوله : ( ^ ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) ظاهر المعنى . < < ص : ( 73 - 74 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ) قد بينا ، < < ص : ( 75 ) قال يا إبليس . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) قد بينا .
وقوله : ( ^ أستكبرت ) أي : تعظمت ، وقوله : ( ^ أم كنت من العالين ) أي : من القوم المتكبرين ، قال ابن عباس : كان إبليس من أشراف الملائكة ، وكان خازن الجنان ، وأمين السماء الدنيا ، فأعجبته نفسه ، ورأى أن له فضلا على غيره ، فلما أمره الله تعالى بالسجود لآدم امتنع لذلك الذي كان في نفسه . < < ص : ( 76 ) قال أنا خير . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) وإنما قال إبليس هذا لأنه [ ظن ] أن الدنيا فضلا على الطين ، ولم يكن على ما ظن ، بل الفضل لمن أعطاه الله الفضل . < < ص : ( 77 ) قال فاخرج منها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال فاخرج منها فإنك رجيم ) أي : مرجوم ، والمرجوم : هو المبعد
____________________


( ( 76 ) قال فاخرج منها فإنك رجيم ( 77 ) وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ( 78 ) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ( 79 ) قال فإنك من المنظرين ( 80 ) إلى يوم الوقت المعلوم ( 81 ) قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ( 82 ) إلا عبادك منهم المخلصين ( 83 ) قال فالحق والحق أقول ( 84 ) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ( 85 ) قل ) * * * * * باللعنة ، < < ص : ( 78 ) وإن عليك لعنتي . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ) أي : إلى يوم القيامة ، وقيل : إلى يوم الحساب . < < ص : ( 79 ) قال رب فأنظرني . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ) أي : أمهلني ، < < ص : ( 80 - 81 ) قال فإنك من . . . . . > > وقوله : ( ^ قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ) أي : إلى نفخ الصور ، وهو النفخة الأولى ، وإنما أراد اللعين أن يمهل إلى النفخة الثانية فينجو من الموت ، فعلم الله تعالى مراده ، فلم يجبه إلى مراده ، وأمهله إلى أن ينفخ في الصور للنفخة الأولى ، ويموت الخلق فيموت معهم . < < ص : ( 82 ) قال فبعزتك لأغوينهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) أي : لأضلنهم أجمعين . < < ص : ( 83 ) إلا عبادك منهم . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ إلا عبادك منهم المخلصين ) أي : الذين أخلصتهم لنفسك . < < ص : ( 84 ) قال فالحق والحق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال فالحق والحق أقول ) وقرئ : ' فالحق والحق أقول ' ، أما القراءة بالنصب فيهما فعلى معنين :
أحدهما : حقا حقا أقول : والمعنى الثاني : أن الأول نصب على معنى أقول الحق ، والثاني : نصب على الإغراء كأنه قال : الزموا الحق ، ذكره الأزهري ، وأما القراءة الثانية قوله : ( ^ فالحق ) أي : أنا الحق ، وقيل : مني الحق ، وقوله : ( ^ والحق ) أي : أقول الحق ، < < ص : ( 85 ) لأملأن جهنم منك . . . . . > > وقوله : ( ^ لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) ظاهر المعنى . < < ص : ( 86 ) قل ما أسألكم . . . . . > >
قوله : ( ^ قل ما أسألكم عليه من أجر ) أي : من جعل ، وقوله : ( ^ وما أنا من المتكفلين ) أي : لم أقل ما قلته من تلقاء نفسي ، وكل من قال شيئا من تلقاء نفسه فقد تكلف له .
____________________

( ^ ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ( 86 ) إن هو إلا ذكر للعالمين ( 87 ) ولتعلمن نبأه بعد حين ( 88 ) . ) * * * * * < < ص : ( 87 ) إن هو إلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن هو إلا ذكر للعالمين ) أي : ما هو إلا ذكر للعالمين أي : شرف للعالمين تذكير لهم . < < ص : ( 88 ) ولتعلمن نبأه بعد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولتعلمن نبأه بعد حين ) أي : يوم القيامة ، ويقال : بعد الموت ، وقيل : يوم بدر ، وكان الحسن البصري يقول : يا ابن آدم ، عند الموت يأتيك الخبر .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
>
( ^ تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ( 1 ) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ( 2 ) ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما ) * * * * * <
> تفسير سورة الزمر <
>
ويقال : سورة الغرف ، وهي مكية إلا قوله تعالى : ( ^ الله نزل أحسن الحديث ) وإلا قوله تعالى : ( ^ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) وعن وهب بن منبه أنه قال : من أحب أن يعرف قضاء الله تعالى بين خلقه ، فليقرأ سورة الغرف . < < الزمر : ( 1 ) تنزيل الكتاب من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ تنزيل الكتاب ) الآية . معناه : هذا تنزيل الكتاب ، ويقال : تنزيل الكتاب ، مبتدأ ، وخبره ' من الله ' ، وقوله : ( ^ العزيز الحكيم ) أي : العزيز في ملكه ، الحكيم في أمره . < < الزمر : ( 2 ) إنا أنزلنا إليك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ) أي : بما حق إنزاله لما حكمت بذلك في كتب المتقدمين ، ويقال : بالحق أي : بحقي عليك وعلى جميع خلقي .
وقوله ( ^ فاعبد الله مخلصا له الدين ) الإخلاص هو التوحيد ، ويقال : الإخلاص هو تصفية النية في طاعة الله تعالى . < < الزمر : ( 3 ) ألا لله الدين . . . . . > >
وقوله : ( ^ ألا لله الدين الخالص ) أي : الدين الذي ليس فيه شرك هو لله أي : واقع برضاه ، وأما الدين الذي فيه شرك فليس لله ، وإنما ذكر هذا ؛ لأنه قد يوجد دين ولا توحيد ولا إخلاص منه ، ويقال : ( ^ ألا لله الدين الخلاص ) يعني : هو ينبغي أن يوحد ، ولا يشرك به سواه ، وهذا لا ينبغي لغيره ، وعن قتادة قال : ألا لله الدين الخالص : هو قول القائل لا إله إلا الله .
قوله تعالى : ( ^ والذين اتخذوا من دونه أولياء ) أي : من دون الله أولياء ( ^ [ ما ] نعبدهم ) قرأ ابن عباس [ وابن ] مسعود ومجاهد قالوا : ( ^ ما نعبدهم ) ، وفي
____________________


( ^ عبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ( 3 ) لو أراد الله أن يتخذ ولدا لأصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار ( 4 ) خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو ) * * * * * حرف أبي بن كعب : ( ^ ما نعبدكم ) ، والمعنى على القراءة المعروفة أي : قالوا ما نعبدهم ، أو يقولون : ما نعبدهم أي : ما نعبد الملائكة ( ^ إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) أي : القربة .
ومعنى الآية : انهم يشفعون لنا عند الله .
وقوله : ( ^ إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون ) يعني : يوم القيامة .
قوله تعالى : ( ^ إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) أي : كاذب على الله ، كفار بنعم الله تعالى . < < الزمر : ( 4 ) لو أراد الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى ) أي لاختار ( ^ مما يخلق ) ثم نزه نفسه ، فقال : ( ^ سبحانه ) يعني : لا ينبغي له أن يفعل ، ولا يليق بطهارته .
وقوله : ( ^ هو الله الواحد القهار ) أي : الواحد في ذاته ، القهار لعباده . < < الزمر : ( 6 ) خلقكم من نفس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ خلقكم من نفس واحدة ) أي : آدم ، وقوله : ( ^ وخلق منها زوجها ) أي : حواء ، وقد بينا أنه خلقها من ضلع من أضلاعه .
وقوله : ( ^ وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) أي : وخلق لكم من الأنعام ثمانية أزواج ، وهو مثل قوله تعالى : ( ^ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم ) أي : خلقنا ، ومثل قوله : ( ^ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) أي :
____________________


( ^ العزيز الغفار ( 5 ) خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون ( 6 ) إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا ) * * * * * * * خلقنا ، وفي بعض التفاسير : أن الله تعالى خلق الأنعام في سماء الدنيا [ ثم ] . أنزلها إلى الأرض ، وهي ثمانية أزواج : جمل وناقة ، وثور وبقرة ، وكبش ونعجة ، وتيس وعنز .
وفي تفسير النقاش : أن الله تعالى أنزل على آدم المعلاة والمطرقة والكلبتين ، وكان على جبل ، فرأى قضيبا ثابتا من حديد ؛ فأخذه وضرب به الأشجار ، وكانت يابسة ، فتكسرت يعني : الأشجار ثم أورى نارا من الحديد والحجر ، وأوقد بالأشجار على الحديد حتى ذاب ، ثم ضرب منه مدية ، ثم بعد ذلك اتخذ منه تنورا ، وهو التنور الخابزة ، وذلك أول ما اتخذه آدم .
وقوله : ( ^ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ) أي : نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما .
وقوله : ( ^ في ظلمات ثلاث ) قال ابن عباس : ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة . وعن بعضهم : ظلمة الصلب ، وظلمة الرحم ، وظلمة البطن ، وهذا لأن الولد يخلق حين يخلق في الرحم ، ثم يرتفع إلى البطن .
قوله تعالى : ( ^ ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون ) أي : عن الحق ، < < الزمر : ( 7 ) إن تكفروا فإن . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر ) فيه قولان : أحدهما : لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر .
والآخر : أنه لا يرضى لجميع عباده الكفر ، وعلى هذا القول فرق بين الإرادة وبين الرضا ، فقال : إن المعاصي بإرادة الله تعالى وليست برضاه ومحبته ، وقد نقل هذا
____________________


( ^ يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور ( 7 ) وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله ) * * * * * * * * عن قتادة ، وكلا القولين محتمل .
والثاني هو الأولى والأقرب بمذهب السلف .
وقوله : ( ^ وإن تشكروا يرضه لكم ) أي : يختار الشكر لكم ، وقوله : ( ^ ولا تزر وازرة وزر أخرى ) أي : لا يحمل على أحد ذنب أذنبه غيره ، وقوله : ( ^ ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور ) . < < الزمر : ( 8 ) وإذا مس الإنسان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا مس الإنسان ضر ) أي : بلاء وشدة ( ^ دعا ربه منيبا إليه ) راجعا إليه ، وقوله : ( ^ ثم إذا خوله ) أي : أعطاه ، قال الشاعر : ( أعطى فلم يبخل ولم يبخل ** كوم الذرى من خول المخول )
وقوله : ( ^ نعمة منه ) أي : عطية منه ، وقوله : ( ^ نسي ما كان يدعو إليه من قبل ) أي : نسي دعاءه الذي كان يدعو من قبل ، ويقال : نسي الله الذي كان يدعوه من قبل .
وقوله : ( ^ وجعل لله أندادا ) أي : وصف الله بالأنداد والأشباه ، وقوله : ( ^ ليضل عن سبيله ) أي : عن سبيل الحق .
وقوله : ( ^ قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ) أي : يوم القيامة . قال أهل التفسير : نزلت هذه الآية في أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله المخزومي ، وقيل : في كل كافر . < < الزمر : ( 9 ) أم من هو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أمن هو قانت ) وقرئ : ' أمن هو قانت ' أي : مطيع ، وقيل : قائم ، وقوله : ( ^ آناء الليل ) أي : ساعات الليل ، وقوله : ( ^ ساجدا وقائما ) أي : ساجدا على وجهه ، قائما على رجليه كمن ليس حاله هذا ، وهو ما ذكرنا من قبل ، وقيل : أهذا أفضل أو هذا ؟ وأما القراءة بالتخفيف ففيه قولان :
____________________


( ^ أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار ( 8 ) أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ( 9 ) قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ) * * * * *
أحدهما أمن هو قانت كمن ليس بقانت ، والقول الآخر : معناه : يا من هو قانت عل النداء ، قال الشاعر : ( أبني لبينى لستم بيد ** إلا يدا ليست لها عضد )
أي : يا بني لبيني ، واختلف القول في أن الآية فيمن نزلت ، فعن ابن عمر . أنها نزلت في عثمان بن عفان ، وعن الضحاك : أنها نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وحكى الكلبي : أنها نزلت في ابن مسعود وعمار وسلمان ، وفي بعض الروايات : أبو ذر وصهيب معهم .
وقوله : ( ^ يحذر الآخرة ) أي : يخاف الآخرة ( ويرجو رحمة ربه ) أي : يطمع في رحمة ربه .
وقوله : ( ^ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) بمعنى : لا يستوون ، ويقال : الذين يعلمون هم المؤمنون ، والذين لا يعلمون هم الكفار ، ويقال : الذين يعلمون العلماء ، والذين لا يعلمون الجهال .
وحكى النقاش في تفسيره عن أبي جعفر محمد بن علي الباقرأنه قال : الذين يعلمون محبونا وشيعتنا ، والذين لا يعلمون أعداؤنا ، وقوله : ( ^ إنما يتذكر أولو الألباب ) أي : أولو العقول . < < الزمر : ( 10 ) قل يا عباد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم ) أي : احذروا ربكم وخافوه .
وقوله : ( ^ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ) أحسنوا أي : آمنوا ، ويقال : أحسنوا بطاعة الله ، وقوله : ( ^ في هذه الدنيا حسنة ) أي : الصحة والعافية ، وقيل : الرزق الواسع ، ويقال : العيش في طاعة الله .
____________________


( ^ ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( 10 ) قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ( 11 ) وأمرت لأن أكون أول المسلمين ( 12 ) قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ( 13 ) قل ) * * * * * * *
وقوله : ( ^ وأرض الله واسعة ) قال سعيد بن جبير : من أمر بالمعاصي فليهرب ، وفي الآية أمر بالهجرة عن البلد الذي تظهر فيه المعاصي إلى بلد لا تظهر فيه المعاصي ، ويقال فيه : أرض الله واسعة أي : المدينة ، فأمر بالمهاجرة من مكة إلى المدينة ، ويقال : نزلت الآية في جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، حيث هاجروا من مكة إلى الحبشة .
وقوله : ( ^ إنما يوفى الصابرون ) أي : الغربة والخروج من الوطن فرارا بدينهم ( ^ أجرهم بغير حساب ) أي : بغير تقدير ، وفي الخبر أن النبي قال : ' لما أنزل الله تعالى : ( ^ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) رب زد أمتي ، فأنزل الله تعالى : ( ^ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ) ثم قال : زد أمتي ؛ فأنزل الله تعالى : ( ^ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .
وعن علي رضي الله عنه قال : كل مطيع يكال كيلا ويوزن وزنا إلا الصابرون ؛ فإنهم يحثى لهم حثيا . < < الزمر : ( 11 ) قل إني أمرت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ) أي : مخلصا له التوحيد ، وإخلاص التوحيد : أن لا تشرك به غيره . < < الزمر : ( 12 ) وأمرت لأن أكون . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأمرت لأن أكون أول المسلمين ) أي : أول المسلمين من قريش ، قوله
____________________


( ^ الله أعبد مخلصا له ديني ( 14 ) فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين ( 15 ) لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون ( 16 ) والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد ( 17 ) الذين ) * * * * * < < الزمر : ( 13 ) قل إني أخاف . . . . . > > تعالى ( ^ قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) أي : عصيت ربي بالشرك . وقيل بالشرك وغيره ، ويجوز أن يكون الخطاب معه ، والمراد به الأمة . < < الزمر : ( 14 ) قل الله أعبد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل الله أعبد مخلصا له ديني ) أي : توحيدي ، < < الزمر : ( 15 ) فاعبدوا ما شئتم . . . . . > > وقوله : ( ^ فاعبدوا ما شئتم من دونه ) هذا على طريق التهديد والوعيد .
وقوله : ( ^ قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) فإن قال قائل : أيش معنى خسران الأهلين ؟
قلنا : الجواب من وجهين : أحدهما : أنه ما من أحد إلا وباسمه أهل في الجنة ، فإذا كفر وأدخل النار خسر أهله على معنى أنه يعطي الذي كان باسمه غيره .
والوجه الثاني : أن خسران النفس بإدخاله النار ، وخسران الأهل بأن يفرق بينه وبين أهله .
وقوله : ( ^ ألا ذلك هو الخسران المبين ) أي : البين ، < < الزمر : ( 16 ) لهم من فوقهم . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ لهم من فوقهم ظلل من النار ) والظلل : جمع الظلة ، والظلة : الجبل ، والمراد من قوله : ' ظلل ' كثرة العذاب ، وقوله : ( ^ ومن تحتهم ظلل ) قد بينا .
وقوله : ( ^ ذلك يخوف الله به عباده ) أي : يحذرهم .
وقوله : ( ^ يا عباد فاتقون ) أي : فاحذروا عذابي . < < الزمر : ( 17 - 18 ) والذين اجتنبوا الطاغوت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ) أي : الشيطان ، ويقال : الطاغوت اسم أعجمي ، وقيل : اسم عربي مشتق من الطغيان .
وقوله : ( ^ وأنابوا إلى الله ) أي : رجعوا إلى الله .
____________________


( ^ يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ( 18 ) أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ( 19 ) لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله ) * * * * * *
وقوله : ( ^ لهم البشرى ) أي : البشارة بالجنة ، وقوله : ( ^ فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) .
في الآية أقاويل :
أحدها : يستمعون القول أي : القرآن ، فيتبعون أحسنه ، والأحسن هو العفو ، والانتصار على الظالم مذكور في القرآن ، والعفو مذكور ، والعفو أحسن الأمرين .
والقول الثاني : يستمعون القول أي : يستمعون القرآن وغير القرآن .
وقوله : ( ^ فيتبعون أحسنه ) أي : القرآن ، وقال بعضهم : يستمعون الرخص والعزائم ، فيتبعون أحسنها أي : العزائم .
والقول الرابع : يستمعون القول أي : الكلام ، فيتبعون أحسنه أي : قول لا إله إلا الله ، وقوله : ( ^ أولئك الذين هداهم الله ) أي : أرشدهم الله إلى الحق .
وقوله : ( ^ وأولئك هم أولوا الألباب ) أي : أولوا العقول . < < الزمر : ( 19 ) أفمن حق عليه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفمن حق عليه كلمة العذاب ) كلمة العذاب : قوله تعالى : ( ^ لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) ويقال : كلمة العذاب : قوله ' هؤلاء في النار ولا أبالي ' .
وقوله : ( ^ أفأنت تنقذ من في النار ) أي : لا تنفذه ، < < الزمر : ( 20 ) لكن الذين اتقوا . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد ) أي : ميعاده . < < الزمر : ( 21 ) ألم تر أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ) أي :
____________________


( ^ الميعاد ( 20 ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ( 21 ) أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم ) * * * * * أجراه أنهارا في الأرض .
وقوله : ( ^ ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ) أي : أصفر وأحمر وأخضر .
وقوله : ( ^ ثم يهيج ) أي : ييبس ، يقال : هاج النبات إذا يبس .
وقوله : ( ^ فتراه مصفرا ) أي : ترى النبات مصفرا ، وقوله : ( ^ ثم يجعلهه حطاما ) أي : فتاتا ، وقوله : ( ^ إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ) ظاهر المعنى ، والذكرى هي : التذكرة . < < الزمر : ( 22 ) أفمن شرح الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) أي : وسع الله صدره للإسلام .
وقوله : ( ^ فهو على نور من ربه ) في الخبر : أن النبي قال : ' إذا دخل النور في قلب المؤمن انشرح وأنفسح ، قيل يا رسول الله ، وهل لذلك من علامة ؟ قال : نعم ؛ التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل حلول الموت ' .
وقوله : ( ^ فهو على نور من ربه ) يحتمل أن يكون النور قبل أن يسلم ، ويحتمل أن يكون بعد الإسلام ، ثمرة إسلامه ، وأما شرح الصدر : هو التوطئة للإسلام والتمهيد له .
وقوله : ( ^ فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) أي : الذين لا يذكرون الله ، وكل من ترك ذكر الله فقد قسا قلبه ، قوله : ( ^ أولئك في ضلال مبين ) أي : بين .
____________________


( ^ من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ( 22 ) الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى ) * * * * * * < < الزمر : ( 23 ) الله نزل أحسن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الله نزل أحسن الحديث ) أي : القرآن ، وسماه حديثا ؛ لأنه حديث إنزاله ، وقيل : ' الله نزل أحسن الحديث ' أي : أحسن الكلام .
وقد ورد في الأخبار : ' فضل كلام الله على كلام خلقه كفضله على خلقه ' .
وقوله : ( ^ كتابا متشابها ) أي : يشبه بعضه بعضا في الصدق وصحة المعنى ، ويقال : متشابها أي : الآية بعد الآية ، والسورة بعد السورة .
وقوله : ( ^ مثاني ) أي : ثنى فيه ذكر الوعد والوعيد ، وذكر الأمر والنهي ، ويقال : مثاني أي : الآية بعد الآية ، والسورة بعد السورة .
وقوله : ( ^ تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ) أي : قلوب الذين يخشون ربهم ؛ فكنى بالجلود عن القلوب ، ويقال : معنى الجلود هي نفس الجلود ، وفي بعض الآثار : ' من أخذته قشعريرة من خوف الله تعالى تحاتت عنه خطاياه كما يتحايت ورق الشجر ' .
وقوله : ( ^ ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) أي : بذكر الله ، وحقيقة
____________________


( ^ الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ( 23 ) أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون ( 24 ) كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ( 25 ) فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( 26 ) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ( 27 ) قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ( 28 ) ضرب الله ) * * * * * * المعنى : أن قلوبهم تقشعر عند الخوف ، وتلين عند الرجاء .
وقوله : ( ^ ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ) أي : من يشاء من عباده ، وقوله : ( ^ ومن يضلل الله فما له من هاد ) أي : من مرشد . < < الزمر : ( 24 ) أفمن يتقي بوجهه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ) فيه قولان : أحدهما : أنه سحب في النار سحبا على وجهه .
والقول الآخر : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب ؛ لأن يد الكافر تكون مغلولة ، فيتقي بوجهه العذاب ، كما يتقي الرجل بيده .
وقوله : ( ^ وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون ) ظاهر المعنى . < < الزمر : ( 25 ) كذب الذين من . . . . . > >
وقوله : ( ^ كذب الذين من قبلهم ) أي : بالقيامة ، وقوله : ( ^ فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) أي : لا يعلمون . < < الزمر : ( 26 ) فأذاقهم الله الخزي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ) أي : العذاب الذي يخزيهم ، وقوله : ( ^ ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) أي : عذاب الآخرة وهو عذاب النار أكبر من كل عذاب . < < الزمر : ( 27 ) ولقد ضربنا للناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ) أي : شبه ومثال ، وقوله : ( ^ لعلهم يتذكرون ) أي : يتذكرون ما فيه من الأمثال . < < الزمر : ( 28 ) قرآنا عربيا غير . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قرآنا عربيا غير ذي عوج ) أي : أنزلنا قرآنا عربيا غير ذي عوج أي : غير ذي لبس ، قال مجاهد : ويقال : غير مختلف ؛ لأن بعضه يصدق البعض ، وروى الوالبي عن ابن عباس أنه قال : غير ذي عوج أي : غير مخلوق ، وحكى سفيان بن
____________________


( ^ مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( 29 ) إنك ميت وإنهم ميتون ( 30 ) ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم ) * * * * عيينة عن سبعين من التابعين : أن القرآن ليس بخالق ولا مخلوق ، وهذا اللفظ أيضا منقول عن علي بن الحسين زين العابدين ، وقوله : ( ^ لعلهم يتقون ) أي : يتقون الله . < < الزمر : ( 29 ) ضرب الله مثلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ) أي : متعاسرون ، وقوله : ( ^ ورجلا سلما لرجل ) أي : سلما خالصا لرجل ، وهذا ضرب مثل للمؤمن والكافر ؛ فإن الكافر يعبد أصناما كثيرة ، والمؤمن لا يعبد إلا الله وحده .
وقوله : ( ^ هل يستويان مثلا ) أي : شبها ، وقوله : ( ^ الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ) معناه : الحمد لي على ما بينته من الحق ، وقوله : ( ^ بل أكثرهم لا يعلمون ) أي : الكفار . < < الزمر : ( 30 ) إنك ميت وإنهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنك ميت وإنهم ميتون ) أي : ستموت ، والميت والميت واحد ، وفرق بعضهم بينهما ؛ فقال : الميت : هو الذي مات حقيقة ، والميت هو الذي سيموت ؛ قال الشاعر :
( ليس من مات فاستراح بميت ** إنما الميت ميت الأحياء )
وفائدة الآية أن الله تعالى بين أن محمدا يموت لما علم من اختلاف أصحابه في موته . < < الزمر : ( 31 ) ثم إنكم يوم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) ظاهر المعنى .
وفي بعض المسانيد برواية الزبير بن العوام رضي الله عنه انه قال لرسول الله حين نزلت هذه الآية : ( ^ ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) : ' يا رسول الله ، أيكرر علينا ما كان بيننا من خواص الذنوب ؟ قال رسول الله : نعم ،
____________________


( ^ تختصمون ( 31 ) فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ( 32 ) والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ( 33 ) ) * * * * * * فقال الزبير : إن الأمر إذا لشديد ' .
وعن عبد الله بن عمر أنه قال : لما نزلت هذه الآية : ( ^ ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) لم ندر ما هذه الخصومة حتى وقع بين أصحاب رسول الله ما وقع ؛ فعرفنا أنها هي . < < الزمر : ( 32 ) فمن أظلم ممن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فمن أظلم ممن كذب على الله ) قال مجاهد وقتاة : كذبهم على الله : زعم اليهود أن عزيرا ابن الله ، وزعم النصارى أن المسيح ابن الله .
وقال بعضهم : كذبهم على الله : تكذيب أنبياء الله ، وقال السدي : هو الشرك ، وزعم قريش أن الملائكة بنات الله .
وقوله : ( ^ وكذب بالصدق إذ جاءه ) أي : بالقرآن إذ جاءه ، ويقال : بالرسول إذ جاءه . وقوله : ( ^ أليس في جهنم مثوى للكافرين ) استفهام بمعنى التقرير . < < الزمر : ( 33 ) والذي جاء بالصدق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذي جاء بالصدق وصدق به ) أظهر الأقاويل : أن معنى قوله : ( ^ والذي جاء بالصدق ) محمد ( ^ وصدق به ) هم المؤمنون . وفي قراءة عبد الله ابن مسعود : ' والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به ' ومعنى قوله : ( ^ والذين جاءوا بالصدق ) هم المؤمنون ( ^ وصدقوا به ) أي : صدقوا به في الدنيا ، وجاءوا بالصدق في الآخرة ، وأول مجاهد القراءة المعروفة على هذا .
قال أهل اللغة : وقد يذكر الذين والذي بمعنى واحد ، قال الشاعر :
____________________


( ^ لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ( 34 ) ليكفر الله عنهم أسوأ الذي ) * * * * * * *
( وإن الذي جاثت بفلح دماؤهم ** هم القوم كل القوم يا أم خالد )
والقول الثاني في الآية : أن الذي جاء بالصدق هو جبريل - عليه السلام - وصدق به هو محمد .
والقول الثالث : والذي جاء بالصدق محمد وصدق به أبو بكر - رضي الله عنه - قاله عوف بن عبد الله وغيره .
والقول الرابع : والذي جاء بالصدق محمد ، وصدق به علي - رضي الله عنه - حكاه ليث عن مجاهد وقوله : ( ^ أولئك هم المتقون ) ظاهر المعنى . < < الزمر : ( 34 ) لهم ما يشاؤون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لهم ما يشاءون عند ربهم ) أي : ما يختارون .
هذه الآية تدل على النائم قد خرجت الروح من جسده ، ونحن نعلم قطعا أن الروح في جسده ، ألا ترى أنه يتنفس ويرى الرؤيا ، وذلك لا يكون إلا مع قيام الروح ؟
والجواب عنه : أن النفس على وجهين : أحدهما : النفس المميزة التي تكون لها إدراك الأشياء .
والآخر : هي النفس التي بها الحياة ، وفي الخبر : ' أن النبي قال : ' كما تنامون تموتون ، وكما تستيقظون تبعثون ' .
ويقال : للإنسان نفس وروح ، فعند النوم تخرج النفس وتبقى الروح ، وهذا القول قريب من القول الأول .
وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال : تخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه في الجسد ؛ فبذلك ترى الرؤيا ، وإذا نبه من النوم عادت الروح إلى جسده بأسرع من اللحظة ، والله أعلم .
وقد ثبت عن النبي أنه كان يقول عند النوم : ' اللهم إنك تتوفاها ؛ فإن
____________________


( ^ عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ( 35 ) أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ( 36 ) ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ( 37 ) ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ( 38 ) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون ( 39 ) من يأتيه عذاي يجزيه ويحل عليه عذاب مقيم ( 40 ) إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل ( 41 ) الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( 42 ) أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو ) * * * * * * أمسكتها فاغفر لها وارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ' . < < الزمر : ( 42 ) الله يتوفى الأنفس . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) أي : لعبرا لقوم يتفكرون في آياتنا . < < الزمر : ( 43 ) أم اتخذوا من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أم اتخذوا من دون الله شفعاء ) أي : أصناما تشفع لهم ، وهذا على طريق الإنكار والتوبيخ .
وقوله : ( ^ قل أو لو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ) أي : طلبوا الشفاعة ممن لا يملك شيئا ولا يعقل ، < < الزمر : ( 44 ) قل لله الشفاعة . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ قل لله الشفاعة جميعا ) معناه : أنه لا يشفع أحد إلا بإذنه ، فالشفاعة من عنده ؛ لأنها لا تكون إلا بإذنه .
وقوله : ( ^ له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون ) ظاهر المعنى .
وروي أن جبريل - عليه السلام - قال للنبي : لله خلق السموات وما فيهن ،
____________________


( ^ كانوا لا يمكلكون شيئا ولا يعقلون ( 43 ) قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون ( 44 ) وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ( 45 ) قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ( 46 ) ) * * * * * * وخلق الأرض وما فيهن ، وخلق ما بينهم مما يعلم ومما لا يعلم . < < الزمر : ( 45 ) وإذا ذكر الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا ذكر الله وحده اشمأزت ) أي : نفرت وانقبضت ، وقوله : ( ^ قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ) أي : الكفار .
وفي التفسير : أن رسول الله كان إذا قال : لا إله إلا الله نفروا جميعا ( عن ) قوله .
وقوله : ( ^ وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ) أي : يفرحون ، ويقال : إن هذه الآية نزلت حين ألقى الشيطان على لسان النبي من ذكر الأصنام بالشفاعة ، وهو قوله : تلك الغرانيق العلى على ما ذكرنا ، فهو معنى قوله : ( ^ إذا هم يستبشرون ) لأنهم لما سمعوا ذلك استبشروا وفرحوا ، وقالوا للنبي : يا محمد ، ما كنا نريد منك إلا هذا ، وهو ألا تعيب آلهتنا ، ولا تذكرها إلا بالخير ، وإلا فنحن نعلم أن الله خالق السموات والأرض . < < الزمر : ( 46 ) قل اللهم فاطر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل اللهم فاطر السموات والأرض ) أي : خالق السموات والأرض ( ^ عالم الغيب والشهادة ) أي : السر والعلانية .
وقوله : ( ^ أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ) أي : من أمر دينهم ، وعن بعضهم قال : صحبت الربيع بن خثيم كذا كذا سنة ، فلم أسمع منه كلاما إلا ذكر الله تعالى ، فلما قتل الحسين - رضي الله عنه - قلنا : الآن يتكلم بشيء ؛ فأخبر بذلك ؛ فلما سمع قرأ هذه الآية : ( ^ قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ) الآية .
____________________


( ^ ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ( 47 ) وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ( 48 ) فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون ( 49 ) قد قالها الذين ) * * * * * * < < الزمر : ( 47 ) ولو أن للذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ) قد بينا هذا من قبل ، وقد ثبت عن النبي : ' أن الله تعالى يقول يوم القيامة للكافر : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا ، أكنت مفتديا بها ؟ فيقول : نعم . فيقول الله تعالى : سألتك أهون من ذلك وأنت في صلب أبيك أن لا تشرك بي شيئا ؛ فأبيت إلا أن تشرك بي ' .
وقوله : ( ^ من سوء العذاب يوم القيامة ) أي : من العذاب القبيح والشديد يوم القيامة ، وقوله : ( ^ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ) أي : ظهر لهم من الله ما لم يأملوه ، ولم يكن في حسابهم وظنهم ، وروى أن محمد بن المنكدر جزع عند الموت ؛ فسئل عن ذلك ؛ فقال : أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أحتسب . < < الزمر : ( 48 ) وبدا لهم سيئات . . . . . > >
وقوله : ( ^ وبدا لهم سيئات ما كسبوا ) أي : ظهر لهم مساوئ أعمالهم . وقوله : ( ^ وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) أي : نزل بهم جزاء ما كانوا به يسخرون . < < الزمر : ( 49 ) فإذا مس الإنسان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فإذا مس الإنسان ضر ) أي : شدة وبلية ، وقوله : ( ^ دعانا ) أي : طلب منا كشفه ، وقوله : ( ^ ثم إذا خولناه نعمة منا ) أي : أعطيناه نعمة منا .
وقوله : ( ^ قال إنما أوتيته على علم ) أي : أعطيته على علم أي : لعلمي وجهدي ، ويقال : أعطيته على علم الله منه - جل جلاله - أني أهل لما أعطانيه ، ويقال : على شرف مني وكرامة لي .
وقوله : ( ^ بل هي فتنة ) أي : اختبار وبلية ، وقوله : ( ^ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أي : لا يعلمون أن ما نعطي من النعمة اختبار وبلية .
____________________


( ^ من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( 50 ) فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين ( 51 ) أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( 52 ) قل يا عبادي ) * * * * * * < < الزمر : ( 50 ) قد قالها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قد قالها الذين من قبلهم ) أي : قال هذه الكلمة الذين من قبلهم ، وفي التفسير : أن المراد من هذا هو قارون ، فإنه قال : إنما أوتيته على علم عندي .
وقوله : ( ^ فما أغنى عنهم ما يكسبون ) أي : لم يغن عنهم ما اكتسبوا شيئا . < < الزمر : ( 51 ) فأصابهم سيئات ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا ) أي : يصيب الكفار من هذه الأمة من البلاء والعقوبة ما أصاب الأمم الماضية .
وقوله : ( ^ وما هم بمعجزين ) أي : بفائتين ولا سابقين . < < الزمر : ( 52 ) أولم يعلموا أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) يبسط أي : يوسع ، ويقدر أي : يقلل .
وفي بعض الأخبار ( ( أن الله يخير لعبده ، فإن كان الخيرة له في التوسع وسع عليه ، وإن كان الخيرة له في التضيق ضيق عليه ) ) ( 1 ) .
وقوله : ( ^ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) أي : يصدقون . < < الزمر : ( 53 ) قل يا عبادي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) يقال : نزلت الآية في
____________________


( ^ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو ) * * * * * * وحشي مولي مطعم بن عدي ، ويقال : نزلت في قوم من رؤساء الكفار أسلموا يوم فتح مكة مثل : سهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام ، وصفوان بن أمية ، وغيرهم .
وفي التفسير : أنهم قالوا : إن محمدا يقول : من أشرك بالله أو زنا أو قتل نفسا فقد هلك ، ونحن قد فعلنا هذا كله ؛ فكيف يكون حالنا ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وروى أن وحشيا لما أسلم كان النبي لا يطيق أن يراه ؛ فظن وحشي أن إسلامه لم يقبل ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وروى ثوبان عن النبي أنه قال : ' ما يسرني بهذه الآية الدنيا وما فيها '
وعن زيد بن علي رضي الله عنهما أنه قال : هذه الآية أوسع آية في القرآن .
وعن عبيد بن عمير : أن آدم صلوات الله عليه قال : يا رب ، إنك سلطت إبليس علي وعلى ولدي ، وإني لا أطيقه إلا بك .
فقال : يا آدم ، إنه لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه ، فقال : يا رب ، زدني فقال : باب التوبة مفتوح على ولدك لا يغلق حتى تقوم الساعة .
قال : يا رب ، زدني ، قال : الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها .
قال : يا رب ، زدني ، قال : ( ^ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) الآية .
____________________


( ^ الغفور الرحيم ( 53 ) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( 54 ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة ) * * * * *
وقرأ ابن مسعود : ' لا تأيسوا من رحمة الله ' ، وهو معنى قوله : ( ^ لا تقنطوا ) .
وقوله : ( ^ إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) ظاهر المعنى ، قال أهل التفسير : يغفر الذنوب جميعا إن شاء .
وروى انه لما نزلت هذه الآية ؛ قال رجل : ' يا رسول الله ، ومن أشرك ؟ فسكت النبي ، ثم قال : ومن أشرك ؟ قال : إلا من أشرك ' .
وروى أن عبد الله بن مسعود مر بقاص يقص ، ويشدد على القوم فقال : أيها الرجل ، لا تفعل كذلك ، وقرأ هذه الآية : ' قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ' الآية .
وروى شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد . ' أن النبي قرأ : ' قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي ' ذكره أبو عيسى في جامعه . < < الزمر : ( 54 ) وأنيبوا إلى ربكم . . . . . > >
قوله تعالى ( ^ وأنيبوا إلى ربكم ) معناه : وارجعوا إلى ربكم ، وقوله : ( ^ وأسلموا له ) أي : وأخلصوا له ، ويقال : واستسلموا له ، وقوله : ( ^ من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ) أي : لا تمنعون . < < الزمر : ( 55 ) واتبعوا أحسن ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ) قد بينا معنى الأحسن فيما سبق ، ويقال : ( ^ واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ) أي : الحسن الذي أنزل إليكم من ربكم .
____________________


( وأنتم لا تشعرون ( 55 ) أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ( 56 ) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( 57 ) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ( 58 ) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( 59 ) ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على ) * * * * * *
وقوله : ( ^ من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة ) أي : فجأة ( ^ وأنتم لا تشعرون ) أي : لا تعلمون . < < الزمر : ( 56 ) أن تقول نفس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أن تقول ) معناه : واتبعوا طاعة الله حذرا وحذارا من أن تقول ( ^ نفس يا حسرتا ) أي : يا ندامتا ، ويقال : معنى قوله : ( ^ يا حسرتا ) أي : يا [ أيتها ] الحسرة هذا وقتك .
وقوله : ( ^ على ما فرطت في جنب الله ) أي : ضيعت في ذات الله .
وقال مجاهد : في أمر الله ، وقال الحسن : في طاعة الله ، وقيل : في ذكر الله ، وقال بعضهم : على ما فرطت في الجانب الذي يؤدي إلى رضى الله تعالى ، وقيل : ' في جنب الله ' أي : في قرب الله وجواره ، حكاه النقاش وغيره .
وقوله : ( ^ وإن كنت لمن الساخرين ) أي : من المستهزئين . < < الزمر : ( 57 ) أو تقول لو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ) معناه : على الوجه الذي بينا من الحذار . < < الزمر : ( 58 ) أو تقول حين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة ) أي : رجعة .
وقوله : ( ^ فأكون من المحسنين ) أي : المحسنين في طاعة الله . < < الزمر : ( 59 ) بلى قد جاءتك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت ) أي : تكبرت ، وقوله : ( ^ وكنت من الكافرين ) أي : الجاحدين لنعمي .
وقوله : ( ^ بلى ) في الابتداء تقدير تحسراتهم وتأسفهم ونداماتهم على ما سبق .
____________________


( ^ الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ( 60 ) وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ( 61 ) الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ( 62 ) له مقاليد السموات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ( 63 ) * * * * * < < الزمر : ( 60 ) ويوم القيامة ترى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على وجوههم مسودة ) ومعنى كذبوا على الله أي : زعموا أن الله اتخذ ولدا أو شريكا ، ويقال : هو عام في كل كذب على الله .
وقوله : ( ^ أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) هو استفهام بمعنى التقرير ، < < الزمر : ( 61 ) وينجي الله الذين . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ وينجي الله الذين اتقوا بمفازاتهم ) أي بالطرق التي تؤديهم إلى الفوز والنجاة .
وقوله : ( ^ لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ) ظاهر . < < الزمر : ( 62 ) الله خالق كل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) أي : حافظ ، ويقال مدبر الأمور على مشيئته . < < الزمر : ( 63 ) له مقاليد السماوات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ له مقاليد السموات والأرض ) أي : عنده خزائن السموات والأرض ، ويقال : مفاتيح الخزائن ، وفي بعض الأخبار برواية عثمان رضي الله عنه أن النبي قال في تفسير المقاليد : ' سبحان الله ، والله أكبر ، ولا إله إلا الله ، والحمد لله ، وأستغفر الله ، ولا قوة إلا بالله ، هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم ' .
____________________

( ^ قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( 64 ) ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ( 65 ) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ( 66 ) وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات ) * * * * *
فهذا تفسير المقاليد ، وأنشدوا في الإقليد : ( لم يؤده الديك بصوت يعريك ** ولم تعالج غلقا بإقليد )
قوله تعالى : ( ^ والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ) أي : خسروا الثواب وحل بهم العقاب . < < الزمر : ( 64 ) قل أفغير الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) روى أن المشركين قالوا للنبي : استلم بعض آلهتنا ونحن نؤمن بك ، وروى انهم قالوا : نعبد إلهك سنة ، وتعبد آلهتنا سنة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
قوله : ( ^ أيها الجاهلون ) أي : الجاهلون بالله وسلطانه وقدرته وعظمته . < < الزمر : ( 65 ) ولقد أوحي إليك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ) يقال : هذا خطاب للرسول ، والمراد منه غيره ، ويجوز أن يكون تأديبا للرسول ، وتخويفا له ليتمسك بما عليه .
وقوله : ( ^ ولتكونن من الخاسرين ) أي : الذين خسروا جميع ما يأملون . < < الزمر : ( 66 ) بل الله فاعبد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) خطاب للرسول .
وقوله : ( ^ وكن من الشاكرين ) أي : الشاكرين لنعمي . < < الزمر : ( 67 ) وما قدروا الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما قدروا الله حق قدره ) معناه : وما عظموا الله حق عظمته ، ويقال : ما وصفوا الله حق صفته .
وقوله : ( ^ والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ) وقد ثبت برواية عبد الله بن مسعود : أن يهوديا أتى النبي وقال : إذا كان يوم القيامة يضع الله السموات على
____________________


( ^ مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ( 67 ) ونفخ في الصور فصعق من في ) * * * * * * إصبع ، والأرضين على إصبع ، والجبال على إصبع ، وجميع الخلائق على إصبع ؛ فضحك النبي ، وقرأ قوله تعالى : ( ^ وما قدروا الله حق قدره ) وفي رواية : ' فضحك النبي تعجبا وتصديقا له ' والخبر على الوجه في الصحيحين .
وفي رواية [ ابن عمر ] عن النبي : ' إن الله يقبض الأرض ويطوي السموات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ؟ قال ابن عمر : وجعل النبي يتحرك على منبره ؛ حتى قلنا : يكاد يسقط ' . وفي رواية : ' جعل المنبر يتحرك هكذا وهكذا ' .
وفي رواية عائشة رضي الله عنها ' أن النبي قرأ : ( ^ والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ) قالت عائشة : فأين يكون الناس ؟ قال : على الصراط ' . وروى أنه قال : ' على جسر جهنم ' .
ويقال : إن قبضته ويمينه لا بوصف ، قال سفيان بن عيينة : كل ما ورد في القرآن من هذا فتفسيره قراءته ، حكاه النقاش وغيره . وقيل : قبضته قدرته ، والأول أولى بما بينا من قبل .
وقوله : ( ^ سبحانه وتعالى عما يشركون ) نزه نفسه عما وصفه به المشركون . < < الزمر : ( 68 ) ونفخ في الصور . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ونفخ في الصور ) روى عن بعض السلف أنه قال : من أراد أن يشاهد يوم القيامة يعني : بقلبه فليقرأ آخر سورة الزمر .
____________________


( ^ السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( 68 ) وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم ) * * * * * *
وأما الصور وقد بينا انه قرن ينفخ فيه ، رواه عبد الله بن عمرو عن النبي .
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي أنه قال : ' كيف أنعم ، والتقم صاحب [ القرن ] ، وحنى جبهته وأصغى سمعه ينظر حتى يؤمر فينفخ ' .
وقوله : ( ^ فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) في قوله : ( ^ إلا من شاء الله ) قولان :
أحدهما : أنهم الشهداء ، والآخر : أنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت .
وفي تفسير الكلبي وغيره : لا يبقى إلا هؤلاء الأربعة بعد ما ينفخ في الصور ، ثم إن الله تعالى يقبض روح ميكائيل ، ويقبضه ملك الموت ، ثم روح إسرافيل ، ثم روح ملك الموت ، ثم يكون آخرهم موتا جبريل عليه السلام فيسقطون ، ويكون فضل جبريل عليه السلام عليهم كفضل الجبل على الظراب .
وقوله : ( ^ ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) أي : ينظرون ماذا يؤمر في حقهم ، وقد ثبت عن النبي ، برواية أبي هريرة أن يهوديا قال في سوق المدينة : لا والذي اصطفى موسى على البشر ؛ فرفع رجل من الأنصار يده وصك وجهه ، وقال : كذبت ، فذكروا ذلك للنبي ، فقال النبي : ' إن الله تعالى يبعث الخلق فأكون أول من يرفع رأسه ، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ؛ فلا أدري أبعث قبلي أو هو ممن استثنى الله تعالى ؟ ثم قال : من قال أنا خير من موسى فقد كذب ' . < < الزمر : ( 69 ) وأشرقت الأرض بنور . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأشرقت الأرض بنور ربها ) أي : بنور خالقها ومالكها ، وعن الحسن : بعدل ربها ، ويقال : يخلق الله نورا ؛ فتشرق به أرض القيامة .
____________________


( ^ بالحق وهم لا يظلمون ( 69 ) ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ( 70 ) وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم ) * * * * *
وقوله : ( ^ ووضع الكتاب ) المراد من الكتاب : كتاب الأعمال . وعن عطاء بن السائب أنه قال : إن أول من يحاسب جبريل عليه السلام لأنه كان أمين الله على جميع وحيه ، وروى أن أول من يحاسب الأنبياء ، وثبت في بعض الروايات أن النبي قال : ' أول ما يقضي الله تعالى فيه بين الخلق هو الدماء ' .
وقوله : ( ^ وجيء بالنبيين والشهداء ) أي : الذين يشهدون للأنبياء التبليغ ، وعلى الأمم بالتكذيب ، وقد بينا هذا من قبل .
وقوله : ( ^ وقضى بينهم بالحق ) أي : بالعدل ، وقوله : ( ^ وهم لا يظلمون ) أي : لا يزاد في سيئاتهم ، ولا ينقص من حسناتهم . < < الزمر : ( 70 ) ووفيت كل نفس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ) أي : يصنعون ، وقد روى أبو سعيد الخدري عن النبي ' أن الله تعالى يأمر من ينادي يوم القيامة : يا أهل الجنة ، إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا ، وأن تصحوا فلا تسقموا ، وأن تشبوا فلا تهرموا ، وأن تنعموا فلا تبأسوا ؛ ثم قرأ قوله تعالى : ( ^ ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ) ' . < < الزمر : ( 71 ) وسيق الذين كفروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ) أي : أفواجا زمرة بعد زمرة ، وقوله : ( ^ حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا ) أي : يخوفونكم .
وقوله : ( ^ قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب ) هو قوله تعالى : ( ^ لأملأن جهنم
____________________


( ^ يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ( 71 ) قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ( 72 ) وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ( 73 ) وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر ) * * * * * * من الجنة والناس أجمعين ) وقوله : ( ^ على الكافرين ) ومعنى حقت : وجبت . < < الزمر : ( 72 ) قيل ادخلوا أبواب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ) أي : منزل المتكبرين عن الإيمان بالله . < < الزمر : ( 73 ) وسيق الذين اتقوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ) .
واعلم أن عند الكوفيين هذه الواو محذوفة في المعنى ، وعند البصريين ليست بمحذوفة ، والتقدير على قول البصريين : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها دخلوها .
وقوله : ( ^ وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم ) أي : نعمتم ، ويقال : صححتم للجنة ، وعن علي رضي الله عنه قال : يكون [ على ] باب الجنة عينان ، يغتسل المؤمن من أحدهما ؛ فيظهر ظاهره ، ويشرب من الأخرى ؛ فيظهر باطنه ، ثم يدخله الله الجنة ، وقرأ قوله تعالى : ( ^ طبتم فادخلوها خالدين ) . < < الزمر : ( 74 ) وقالوا الحمد لله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده ) أي : وفى لنا بوعده وأتمه ، وقوله : ( ^ وأورثنا الأرض ) أي : أرض الجنة ( ^ نتبوأ منها ) أي : ننزل منها ( ^ حيث نشاء فنعم أجر العاملين ) بالطاعات . < < الزمر : ( 75 ) وترى الملائكة حافين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وترى الملائكة حافين من حول العرش ) أي : محدقين محيطين
____________________


( ^ العاملين ( 74 ) وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ( 75 ) ) * * * * * به ، وقوله : ( ^ يسبحون بحمد ربهم ) أي : بأمر ربهم ، وقيل : يسبحون حامدين لربهم ، ويقال : إن هذا التسبيح تسبيح تلذذ لا تعبد .
وقوله : ( ^ وقضى بينهم بالحق ) أي : بالعدل .
وقوله : ( ^ وقيل الحمد لله رب العالمين ) يعني : وقال أهل الجنة : الحمد لله رب العالمين ، وقد ذكر في موضع آخر : ( ^ وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) وقد بينا هذا من قبل .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ حم ( 1 ) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( 2 ) غافر الذنب وقابل التوب شديد ) * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * <
> تفسير سورة المؤمن <
> <
> ويقال : سورة الطول ، وهي مكية <
>
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : إذا وقعت في آل حميم وقعت في روضات أتأنق فيهن ، وتسمى الحواميم ديابيج القرآن . وفي بعض الأخبار : ' أن مثل الحواميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب ' .
وفي بعض الأخبار أيضا أن النبي قال : ' من قام بالحواميم في ليلة غفر الله له ' . < < غافر : ( 1 ) حم > >
قوله تعالى : ( ^ حم ) قال ابن عباس : قسم أقسم الله به . وقال قتادة : اسم من أسماء القرآن . وعن بعضهم : الحاء من ( الحليم ) ، والميم من الملك . وعن سعيد بن جبير قال : ' الر ' و ' حم ' و ' نون والقلم ' بمجموعها هو اسم الرحمن . ويقال : ' حم ' معناه : حم ما هو كائن أي : قضى ما هو كائن . وقرأ عيسى بن عمر : ' حم ' على نصب الميم على معنى اتل حميم .
قال الأشتر النخعي شعرا :
( يذكرني حميم والرمح شاجر ** فهلا تلا حميم قبل التقدم )
وقال الشاعر في حم بمعنى قضى :
( فحم يومي فسر قوم ** كأن ليس للشامتين يوم ) < < غافر : ( 2 ) تنزيل الكتاب من . . . . . > >
وقوله : ( ^ تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ) أي : المنيع في ملكه ، العليم بخلقه . < < غافر : ( 3 ) غافر الذنب وقابل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ غافر الذنب ) أي : ساتر الذنب .
____________________

( ^ العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ( 3 ) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( 4 ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ) * * * * *
وقوله : ( ^ وقابل التوب ) أي : التوبة .
وقوله : ( ^ شديد العقاب ) أي : شديد العقاب للكفار .
وقوله : ( ^ ذي الطول ) أي : القدرة . وقيل : السعة والغنى . ويقال : هو التفضيل . وقال بعضهم : غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله . وروى حماد عن ثابت قال ثابت : كنت في فسطاط مصعب بن الزبير أقرأ هذه الآية ( ^ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ) فمر شيخ على بغلة شهباء ، فقال لي : قل يا غافر الذنب اغفر لي ، ويا قابل التوب اقبل توبتي ، ويا شديد العقاب [ اعف ] عني ، وياذا الطول طل علي بخير ، ثم لم أر الشيخ بعد .
وقوله ( ^ لا إله إلا هو إليه المصير ) أي : المرجع . < < غافر : ( 4 ) ما يجادل في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما يجادل في آيات الله ) أي : في دفع آيات الله بالتكذيب .
وقوله : ( ^ إلا الذين كفروا ) أي : جحدوا . وقوله : ( ^ فلا يغررك تقلبهم في البلاد ) أي : تقلبهم سالمين في البلاد . قال ابن جريج : لا يغررك تجارتهم من مكة إلى الشام ، ومن الشام إلى اليمن . وفي بعض التفاسير : أن أصحاب رسول الله قالوا متوجعين : نحن فقراء ، والكفار مياسير ذو أموال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . فعلى هذا معنى قوله : ( ^ لا يغررك تقلبهم في البلاد ) أي لا يغررك يسارتهم وسعتهم . < < غافر : ( 5 ) كذبت قبلهم قوم . . . . . > >
قوله : ( ^ كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ) وهم الذين تحدثوا على الأنبياء .
وقوله : ( ^ وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه ) أي : ليقتلوه . ويقال : ليأسروه .
____________________

( ^ وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب ( 5 ) وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ( 6 ) الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم ) * * * * *
والعرب تسمي الأسير أخيذا ، قال الأزهري : ليأخذوه فيتمكنوا من قتله .
وقوله : ( ^ وجادلوا بالباطل ) أي : بالجدال الباطل ليدحضوا به الحق . والجدال : هو فتل الخصم عما هو عليه بحق أو باطل ، وأما المناظرة لا تكون إلا بين محقين ، أو بين محق ومبطل ، والجدال قد يكون بين المبطلين .
وقوله : ( ^ فأخذتهم ) أي : أخذتهم بالعقوبة .
وقوله : ( ^ فكيف كان عقاب ) قال قتادة : شديد والله . < < غافر : ( 6 ) وكذلك حقت كلمة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا ) أي : وجب حكم ربك على الذين كفروا أنهم ( ^ أصحاب النار ) ظاهر المعنى . < < غافر : ( 7 ) الذين يحملون العرش . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الذين يحملون العرش ومن حوله ) ذكر النقاش : أن حملة العرش الكروبيون ، وهم سادة الملائكة . وفي بعض التفاسير : أن أقدامهم في تخوم الأرضين ، والأرضون والسموات إلى حجزهم ، وهم يقولون : سبحان ذي العز والجبروت ، سحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبوح قدوس رب الملائكة والروح .
وقوله : ( ^ ومن حوله ) أي : حول العرش .
وقوله : ( ^ يسبحون بحمد ربهم ) قد بينا .
وقوله : ( ^ ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) أي : وسع [ علمك ] ووسعت رحمتك كل شيء .
وقوله : ( ^ فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ) أي : دينك وطاعتك .
____________________

( ^ عذاب الجحيم ( 7 ) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم ( 8 ) وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ( 9 ) إن الذين كفروا ينادون لمقت الله ) * * * * * * * *
وقوله : ( ^ وقهم عذاب الجحيم ) معناه : وادفع عنهم عذاب الجحيم ، والجحيم معظم النار . وعن بعض السلف : أنصح الخلق للمؤمنين هم الملائكة ، وأغش الخلق للمؤمنين هم الشياطين . < < غافر : ( 8 ) ربنا وأدخلهم جنات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ) بينا أن جنة عدن هي بطنان الجنة . ويقال : مصر الجنة .
وقوله : ( ^ ومن صلح من آبائهم ) أي : ومن وحد من آبائهم ، ويقال : ومن عمل صالحا من آبائهم .
وقوله : ( ^ وأزواجهم وذرياتهم ) أي : وأهليهم وأولادهم ، قال سعيد بن جبير : يدخل المؤمن الجنة فيقول : أين أبي ؟ أين أمي ؟ أين زوجتي ؟ فيقال : إنهم لم يعملوا مثل عملك ، فيقول : إني عملت لنفسي ولهم ، فيدخلهم الله الجنة ويجمعهم إليه .
وعن بعض السلف أنه قال : إن المؤمن يحب أن يجمع شمله ، ويضم إليه أهله ، فيجمع الله شمله ، ويضم إليه أهله في الآخرة . < < غافر : ( 9 ) وقهم السيئات ومن . . . . . > >
وقوله : ( ^ وقهم السيئات ) قد بينا .
وقوله : ( ^ ومن تق السيئات يومئذ ) أي : ومن تق السيئات يومئذ أي : العقوبات ، ويقال : جزاء السيئات .
وقوله : ( ^ فقد رحمته ) أي : أنعمت عليه .
وقوله : ( ^ وذلك هو الفوز العظيم ) يعني : النجاة العظيمة . < < غافر : ( 10 ) إن الذين كفروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين كفروا ينادون ) في التفسير : أن الكافر تعرض إليه أعماله السيئة فيمقت نفسه أشد المقت ، فيناديهم الله تعالى : ( ^ لمقت الله أكبر من مقتكم
____________________

( ^ أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ( 10 ) قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحيينا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج في سبيل ( 11 ) ذلكم بأنه إذا دعي الله ) * * * * * * * * * * أنفسكم ) أي : مقت الله إياكم في الدنيا أعظم من مقتكم اليوم أنفسكم بما ظهر لكم من أعمالكم السيئة . وقد حكى معنى هذا عن ابن عباس . وقال بعضهم : لمقت الله أياكم في الدنيا أكبر من مقت بعضكم بعضا ، وذلك حين يتبرأ بعضهم من بعض .
قوله : ( ^ إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ) يعني : إن مقت الله إياكم كان لأن الله دعاكم إلى الإيمان فكفرتم . < < غافر : ( 11 ) قالوا ربنا أمتنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ) الإماتة الأولى : هو أنهم كانوا نطفا في أصلاب الآباء موتى ، ثم أحياهم بالخلق وإدخال الروح ، ثم يميتهم الموت المعلوم الذي لا بد من ذوقه ، ثم يحييهم يوم القيامة . هذا قول مجاهد وقتادة وجماعة .
والقول الثاني في الآية : أن الإحياء الأول حين أخرجهم من صلب آدم وأخذ عليهم الميثاق ، ثم أماتهم بالرد إلى الأصلاب ، ثم أحياهم بالإخراج ثانيا ، ثم يميتهم الموت المعروف . فإن قيل : فأين الحياة في الآخرة ؟ قلنا : المراد على هذا القول حياتان وموتتان في الدنيا سوى الحياة في الآخرة .
والقول الثالث : أن الإماتة الأولى هو الموت المعروف ، والإحياء الأول هو الإحياء في القبر للمسائلة ، والإماتة الثانية هي الإماتة بعد الإحياء في القبر ، والإحياء الثانية هي الإحياء للبعث ، هكذا ذكره السدى .
وقوله : ( ^ فاعترفنا بذنوبنا ) أي خطايانا
وقوله ( ^ فهل إلى خروج من سبيل ) أي : فهل إلى خروج عن النار من سبيل . < < غافر : ( 12 ) ذلكم بأنه إذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم ) معناه : أن تخليدكم في النار
____________________

( ^ وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير ( 12 ) هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب ( 13 ) فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ( 14 ) رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من ) * * * * * * * * * * ومكثكم فيها كان بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم .
( ^ وإن يشرك به تؤمنوا ) أي : يشرك بالله تؤمنوا ، أي : تصدقوا بالشرك .
وقوله : ( ^ فالحكم لله العلي الكبير ) ظاهر المعنى . < < غافر : ( 13 ) هو الذي يريكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هو الذي يريكم آياته ) أي : عبره ودلائله .
وقوله : ( ^ وينزل لكم من السماء رزقا ) أي : المطر ؛ لأنه سبب الأرزاق .
وقوله : ( ^ وما يتذكر إلا من ينيب ) أي : وما يتعظ إلا من يرجع إلى الله في جميع أموره . < < غافر : ( 14 ) فادعوا الله مخلصين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فادعوا الله مخلصين له الدين ) أي : مخلصين له التوحيد . ومعناه : وحدوا الله ولا تشركوا به شيئا .
وقوله : ( ^ ولو كره الكافرون ) أي : سخط الكافرون ، وهو مثل قوله تعالى : ( ^ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) وقد بينا هذا من قبل . < < غافر : ( 15 ) رفيع الدرجات ذو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ رفيع الدرجات ذو العرش ) قال ابن عباس برواية عطاء : رافع السموات ، سماء فوق سماء . وعن بعضهم : رافع درجات الأنبياء والأولياء . وقال بعضهم : رفيع الدرجات أي : عظيم الصفات ، وهو راجع إلى الله تعالى ، قاله مقاتل . قال : الله فوق كل شيء ، وليس فوقه شيء .
وقوله : ( ^ ذو العرش ) أي : له العرش خلقا وملكا .
وقوله : ( ^ يلقي الروح من أمره ) قال مجاهد : هو الوحي ، وسمي روحا ؛ لأنه يحيا به الخلق . وقال قتادة : هو النبوة . وقيل : هو جبريل يرسله على من يشاء من أنبيائه
____________________

( ^ يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ( 15 ) يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ( 16 ) اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم ) * * * * * * * * * وروح الإنسان ما يحيا به الإنسان .
وقوله : ( ^ من أمره ) أي : بأمره .
وقوله : ( ^ على من يشاء من عباده ) من النبيين والرسل .
وقوله : ( ^ لينذر يوم التلاق ) المعروف بالياء ، وقرئ بالتاء .
بالياء أي : لينذر الله ، وقيل : لينذر الوحي . وأما بالتاء فالمراد به الرسول .
وقوله : ( ^ يوم التلاق ) قال قتادة : يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، الأولون والآخرون . وعن بعضهم : يلتقي فيه الخلق والخالق . وقال ميمون بن مهران : يلتقي فيه الظالم والمظلوم . وعن ابن عباس : يلتقي فيه آدم وآخر ولد من أولاده . < < غافر : ( 16 ) يوم هم بارزون . . . . . > >
وقوله : ( ^ يوم هم بارزون ) أي : بادون ظاهرون ولا يتسترون بشيء من جبل وغيره .
قوله تعالى : ( ^ لا يخفى على الله منهم شيء ) أي : من أعمالهم .
وقوله : ( ^ لمن الملك اليوم ) قال ابن عباس : يقول الله تعالى هذا حين تفنى الخلائق ، ولا يكون أحد يجيبه ، فيجيب نفسه [ بنفسه ] ويقول : لله الواحد القهار . وعلى هذا عامة المفسرين . وقد ثبت برواية ابن عمر وغيره أن النبي قال : ' يقبض الله السموات والأرض بيمينه ، ثم يهزهن ويقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ' ؟
وفي الآية قول آخر : وهو أن الله تعالى يبعث الخلائق ويحشرهم ، ثم يقول لهم : لمن الملك اليوم ؟ فيجيبون : لله [ الواحد ] القهار .
وقيل : إنهم لا يقدرون على الجواب هيبة ، فيجيب الله تعالى نفسه . والقول الأول
____________________

( ^ اليوم إن الله سريع الحساب ( 17 ) وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر ) * * * * * * * * * * هو المشهور . < < غافر : ( 17 ) اليوم تجزى كل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ) أي : المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .
قوله : ( ^ لا ظلم اليوم ) أي : أنه تعالى يفعل ما يفعل بالعدل لا بالظلم .
وقوله : ( ^ أن الله سريع الحساب ) في التفسير : أن الله تعالى يحاسبهم في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا . وعن الضحاك : ما بين صلاتين . وقيل : بقدر شربة ماء .
وقد ثبت أن النبي [ قال ] : ' أول ما يقضي الله تعالى بين الخلق في الدماء ' .
وفي بعض الآثار : أن الله تعالى يقول يوم القيامة : ' أنا الملك الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ، ولا لأحد من أهل النار أن يدخل النار ، وعليه مظلمة لأحد إلا وأقتصه منه ' . < < غافر : ( 18 ) وأنذرهم يوم الآزفة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنذرهم يوم الآزفة ) أي : يوم القيامة . وسميت آزفة لقربها ، كأنها قريبة عند الله تعالى ، وإن كان الناس يستبعدونها . وقيل : هي قريبة لأنها كائنة لا محالة ، وكل كائن قريب .
وقوله : ( ^ إذ القلوب لدى الحناجر ) وعن عكرمة أنه قال : تضيق للناس أرض القيامة ، حتى لا يكون لأحد إلا موضع قدمه ، ثم يضيق لهم أيضا حتى يوضع القدم على القدم ، ثم يبكون حتى تنفد دموعهم ، ثم يبكون الدم حتى ينفد ، ثم تشخص قلوبهم إلى حناجرهم ، ثم قرأ قوله تعالى : ( ^ وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى
____________________

( ^ كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ( 18 ) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ( 19 ) والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو ) * * * * * * * * * * * * الحناجر [ كاظمين ] ) قال قتادة : ترتفع القلوب من الصدور إلى الحلوق ، وتلتصق بها من الخوف والفزع ، فلا هي ترجع من أماكنها ، ولا هي تخرج .
وقوله : ( ^ كاظمين ) الكاظم هو الممسك على قلبه بما فيه . وقيل : مغمومين مكروبين . ويقال : باكين . ومن هذا كظم الغيظ إذا أمسكه ( وصبر ) عليه .
وقوله : ( ^ وما للظالمين من حميم ولا شفيع ) الحميم : القريب . والشفيع : الذي يدعو فيجاب . وعن الحسن البصري أنه قال : استكثروا من أصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة عند الله تعالى .
وقوله : ( ^ يطاع ) أي : يجاب . < < غافر : ( 19 ) يعلم خائنة الأعين . . . . . > >
وقوله : ( ^ يعلم خائنة الأعين . أي : خيانة الأعين وخيانة الأعين مسارعة النظر إلى ما لا يحل .
قال ابن عباس : هو الرجل يكون بين الرجال ، فتمر بهم امرأة فينظر إليها ، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره . قال السدى : خائنة الأعين هو الرص بالعين .
وقوله : ( ^ وما تخفي الصدور ) هو شهوة القلب . وقيل : هو أنه لو قدر عليها هل يزنى أو لا ؟
وعن السدى قال : هو وسوسة القلب . وعن بعضهم قال ( خيانة العين ) أن يقول : رأيت ولم ير ، وخيانة القلب هو أن يقول : علمت ولم يعلم . < < غافر : ( 20 ) والله يقضي بالحق . . . . . > >
وقوله : ( ^ والله يقضي بالحق ) أي : بالعدل .
وقوله : ( ^ والذين يدعون من دونه ) أي : الأصنام وما أشبهها .
____________________

( ^ السميع البصير ( 20 ) أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ( 21 ) ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب ( 22 ) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ( 23 ) إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب ( 24 ) فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا ) * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ لا يقضون بشيء ) أي : لا يحكمون بشيء ؛ لأنه ليس بأيديهم شيء .
وقوله : ( ^ إن الله هو السميع البصير ) ظاهر المعنى . < < غافر : ( 21 ) أولم يسيروا في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض ) الآثار في الأرض : هو الأبنية والمساكن وسائر العمارات .
وقوله : ( ^ فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ) أي : لم يكن لهم من يمنعهم من الله . < < غافر : ( 22 ) ذلك بأنهم كانت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ) أي : بالدلالات والمعجزات .
وقوله : ( ^ فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب ) ظاهر المعنى . < < غافر : ( 23 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ) أي : بالمعجزات البينة والحجة الظاهرة . < < غافر : ( 24 ) إلى فرعون وهامان . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب ) أي : كثير الكذب . وعن الضحاك قال : لم يكن هامان من بني إسرائيل ، ولا من القبط ، وكان من غير الفريقين . وقد طعن بعضهم فقال : إن هامان رجل معروف ( بين ) الفرس ، ولم يكن صاحب فرعون . وليس هذا بشيء ؛ لأنه يجوز أن يكون في الفرس رجل يسمى هامان ، وكان
____________________

( ^ اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال ( 25 ) وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في ) * * * * * * * * * * صاحب فرعون هو هامان ، فكل ما في القرآن حق وصدق . < < غافر : ( 25 ) فلما جاءهم بالحق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه ) في القصة : أن فرعون كان رفع القتل عن أولاد بني إسرائيل ؛ فلما جاء موسى إليه رسولا أعاد القتل عليهم .
وقوله : ( ^ واستحيوا نساءهم ) قد بينا .
وقوله : ( ^ وما كيد الكافرين إلا في ضلال ) أي : في هلاك ، وإنما جعل كيدهم هلاكا ؛ لأنه يؤدي إلى هلاكهم . < < غافر : ( 26 ) وقال فرعون ذروني . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال فرعون ذروني أقتل موسى ) فإن قال قائل : ومن الذي كان يمنع فرعون من قتل موسى حتى يقول ذروني أقتل موسى ؟ والجواب من وجهين : أحدهما أن معناه : ذروني أقتل موسى أي : أشيروا علي بقتل موسى ، كأنه طلب المشورة منهم أيقتله أو لا يقتله ؟
والثاني : كان في جملة قومه من يحذره من قتل موسى خوفا من هلاك فرعون ، فقال على هذا : ذروني ، لا تمنعوني واتركوني أقتله .
وقوله : ( ^ وليدع ربه ) أي : وليدع ربه لينصره . قال هذا على طريق الاستبعاد .
وقوله : ( ^ إني أخاف أن يبدل دينكم ) أي : يبدل دينكم الذي أنتم عليه بغيره .
وقوله : ( ^ أو أن يظهر في الأرض الفساد ) هذا بأربعة وجوه ' أن يظهرا ' ، و ' أن يظهر ' بغير ألف ، ' أو أن يظهرا ' مع الألف ونصب الياء ، ' وأن يظهر ' بغير الألف ونصب الياء ، ومعنى يظهر أي : يظهر موسى الفساد ، ومعنى يظهر بفتح الياء أي : يظهر الفساد كأنه جعل الفعل للفساد بعينه . وقال بعضهم : معنى الفساد هاهنا : أن
____________________

( ^ الأرض الفساد ( 26 ) وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ( 27 ) وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم ) * * * * * * * * * * * * * موسى إذا ظهر يقتل أبناءكم ، ويستحي نساءكم كما فعلتم أنتم بهم ، فهو إظهار موسى الفساد في الأرض . < < غافر : ( 27 ) وقال موسى إني . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال موسى إني عذت بربي وربكم ) قال أهل التفسير : لما سمع موسى كلام فرعون استعاذ بالله والتجأ إليه ، وقال : إني عذت بربي وربكم .
وقوله : ( ^ من كل متكبر ) أي : من كل متعظم ( ^ لا يؤمن بيوم الحساب ) ويوم الحساب : يوم القيامة . < < غافر : ( 28 ) وقال رجل مؤمن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال رجل مؤمن من آل فرعون ) قال الكلبي : هو كان من ولي العهد لفرعون ، وكان يكون له من بعده ، ويقال : كان ابن عم فرعون . وعن بعضهم : كان من بني إسرائيل ، وعلى هذا القول في الآية تقديم وتأخير ، فمعناه : وقال رجل يكتم إيمانه من آل فرعون . وأما اسمه قال بعضهم : اسمه حزبيل ، وفي معاني الزجاج : أن اسمه سمعان ، وقيل : حبيب . وفي التفسير : أنه لم يؤمن من القبط إلا ثلاثة نفر : امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون ، والذي جاء فقال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك .
وقوله : ( ^ أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) أي : لأن قال ربي الله .
وقوله : ( ^ وقد جاءكم بالبينات من ربكم ) أي : بالدلالات الواضحات .
وقوله : ( ^ وإن يك كاذبا فعليه كذبه ) أي : وبال كذبه .
وقوله : ( ^ وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ) هذه آية مشكلة ؛ لأنه قال : ( ^ بعض الذي يعدكم ) وكل ما وعده الرسل وموسى حق . والجواب عن هذا من وجوه :
أحدها : أن معنى قوله : ( ^ يصبكم بعض الذي يعدكم ) أي : كل الذي يعدكم ،
____________________

بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ( 28 ) يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما ) * * * * * * * فيكون البعض بمعنى الكل ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد :
( أو يرتبط بعض النفوس حمامها ** )
أي : كل النفوس
وأنشد غيره :
( قد يدرك المتأني بعض حاجته ** وقد يكون مع المستعجل الزلل ** )
وقوله : بعض حاجته أي : كل حاجته .
والوجه الثاني : أنه قال : ( ^ بعض الذي يعدكم ) على طريق الاستظهار ، كأنه قال : أقل ما في تكذيبكم إن كان صادقا أن يصبكم بعض الذي يعدكم . وفي ذلك البعض هلاككم . وزعم أهل النحو أن هذا أحسن من الأول ؛ لأن البعض بمعنى الكل لا يعرف في اللغة .
والوجه الثالث : أن قوله : ( ^ يصبكم بعض الذي يعدكم ) أي : عذاب الدنيا ، وقد كان وعدهم عذاب الدنيا والآخرة .
والوجه الرابع : أن قوله : ( ^ يصبكم بعض الذي يعدكم ) أي : من العقاب ، وقد كان وعد العقاب إن أنكروا ، والثواب إن صدقوا ، والعقاب بعض الوعيد .
وقوله : ( ^ إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ) أي : مشرك كذاب . < < غافر : ( 29 ) يا قوم لكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض ) أي : عالين غالبين .
وقوله : ( ^ فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ) أي : من يمنع منا عذاب الله إن جاءنا .
وقوله : ( ^ قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى ) يعني : ما أرشدكم إلا إلى ما أنا عليه ،
____________________

( ^ أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ( 29 ) وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ( 30 ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ( 31 ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ) * * * * * * * * وما رأيت لكم من الحق .
وقوله : ( ^ وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) أي : طريق الرشد والهدي . وعن معاذ بن جبل أنه قرأ : ' إلا سبيل الرشاد ' بتشديد الشين أي : سبيل الله ، والرشاد هو الله تعالى . < < غافر : ( 30 ) وقال الذي آمن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ) الأحزاب : الأمم الخالية مثل : قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، ومعنى يوم الأحزاب أي : يوم عذابهم . < < غافر : ( 31 ) مثل دأب قوم . . . . . > >
وقوله : ( ^ مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود ) الدأب في اللغة بمعنى العادة ، ومعنى قوله : ( ^ مثل دأب قوم نوح ) أي : مثل حال قوم نوح وعاد وثمود . ويقال : كذب هؤلاء وتعودوا التكذيب مثل عادة أولئك في التكذيب .
وقوله : ( ^ وما الله يريد ظلما للعباد ) معناه : أنه لا يعذب أحدا حتى يقيم الحجة عليه . < < غافر : ( 32 ) ويا قوم إني . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ) يعني : يوم التنادي . وفي معنى التنادي وجوه : أحدها : أنه تنادى كل أمة بكتابها وإمامها ، قاله قتادة .
والثاني أن معناه : تنادى أهل الجنة أهل النار ، وأهل النار أهل الجنة ، وذلك وذكور في سورة الأعراف ، وهو قوله تعالى : ( ^ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ) الآية ، وقوله : ( ^ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة . . . ) الآية .
____________________

( ^ يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد ( 33 ) ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن ) * * * * * * * * * * * * *
والثالث : أن معنى الآية مناداتهم بالويل والثبور ودعاؤهم على أنفسهم : واهلاكاه ، واويلاه ، وغير ذلك . وقرئ في الشاذ : ' يوم التناد ' بتشديد الدال ، من ند يند إذا هرب ، وحكى هذه القراءة عن الضحاك ، وهو معنى قوله تعالى : ( ^ أين المفر ) وعن بعضهم : يظهر عنق من النار فيفر الناس ، فيحيط بهم ذلك العنق ، حينئذ يعلمون أن لا مفر لهم . < < غافر : ( 33 ) يوم تولون مدبرين . . . . . > >
وقوله : ( ^ يوم تولون مدبرين ) في الحديث أن للناس جولة يوم القيامة ، فيتبعهم الملائكة ويردونهم . وقيل : إنهم إذا سمعوا زفير النار فروا ، فهو معنى قوله تعالى : ( ^ يوم تولون مدبرين ) وفي الآية قول آخر : أن معنى قوله : ( ^ يوم تولون مدبرين ) هو انطلاقهم إلى النار بسوق الملائكة .
وقوله : ( ^ ما لكم من الله من عاصم ) أي : مانع ، وقيل : ناصر .
وقوله : ( ^ ومن يضلل الله فما له من هاد ) ظاهر المعنى . < < غافر : ( 34 ) ولقد جاءكم يوسف . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ) هو يوسف بن يعقوب نبي الله . وعن بعضهم : أن الله تعالى أرسل إليهم يعني : إلى القبط نبيا من الجن يسمى يوسف ، وهذا قول ضعيف ، والصحيح هو الأول ؛ لأنه أطلق ذكر يوسف ، فينصرف إلى يوسف المعروف مثل إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم . وفي القصة : أن الله تعالى بعث يوسف بن يعقوب إليهم رسولا فدعاهم إلى الله تعالى ، ومكث فيهم عشرين سنة بعد وفاة يعقوب عليه السلام .
وقوله : ( ^ بالبينات ) أي : بالدلالات الواضحات .
وقوله : ( ^ فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ) وقرأ أبي وابن مسعود : ' ألن يبعث الله من بعده رسولا ' بزيادة الألف .
____________________

( ^ يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ( 34 ) الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ( 35 ) وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي ) * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ) أي : مسرف على نفسه بالكفر والظلم ، والمرتاب هو الشاك . < < غافر : ( 35 ) الذين يجادلون في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ) فمعنى المجادلة هو المجادلة بالتكذيب ، ومعنى السلطان هو الحجة .
وقوله : ( ^ كبر مقتا ) أي : كبر جدالهم مقتا ، وفي التفسير : أنه يمقتهم الله تعالى ، ويمقتهم الملائكة والأنبياء ، ويمقتهم المؤمنون ، وهو معنى قوله : ( ^ عند الله وعند الذين آمنوا ) .
وقوله : ( ^ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ) فالقراءة الأولى على الإضافة ، والطبع على القلب هو الختم عليه حتى لا يدخله الحق .
وأما القراءة الثانية فهي على وصف القلب بالتكبر ، يقال : قلب متكبر أي : صاحبه متكبر ، وقرأ ابن مسعود : ' على قلب كل متكبر جبار ' . < < غافر : ( 36 - 37 ) وقال فرعون يا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال فرعون يا هامان ) قال الحسن البصري : كان هامان صاحب شرط فرعون ، فكان من همدان ، أورده أبو الحسن بن فارس في تفسيره .
وقوله : ( ^ ابن لي صرحا ) أي : قصرا عاليا ، ويقال : إن أول من طبخ اللبن حتى صار آجرا هو هامان ، فعله لفرعون . وفي تفسير النقاش : أن هامان استعمل خمسين ألف إنسان في البناء سوى من يطبخ الآجر ، ومن يعمل في الخشب وغيره .
ويقال : إنه عمل في بناء الصرح سبع سنين ، وكان فرعون يصعد عليه راكبا ، ثم إن الله تعالى بعث ريحا عاصفا فجعله ثلاث قطع ، فألقى قطعة في البحر ، وقطعة بالهند ، وقطعة ببلاد المغرب .
____________________

( ^ أبلغ الأسباب ( 36 ) أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب ( 37 ) وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ( 38 ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار ( 39 ) من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا ) * * * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ لعلى أبلغ الأسباب أسباب السموات ) والأسباب هي الأبواب هاهنا . ويقال معناه : الأسباب التي تؤديني إلى السماء ، وتبلغني إليها . فإن قيل : كيف يتصور هذا في عقل عاقل أن يقصد صعود السماء ، وذلك مستحيل بهذه الحيلة ؟
والجواب : أن الجهل في العالم كثير ، وليس هذا بأبدع من ادعائه الربوبية ، وهو يعرف حال نفسه ويشاهدها .
وقوله : ( ^ فأطلع إلى إله موسى ) أي : أنظر إلى إله موسى .
وقوله : ( ^ وإني لأظنه كاذبا ) في دعواه أن له إلها .
وقوله : ( ^ وكذلك زين لفرعون سوء عمله ) أي : قبيح عمله .
وقوله : ( ^ وصد عن السبيل ) وقرئ : ' وصد ' بنصب الصاد ، فقوله بالرفع أي : صد فرعون عن السبيل . وبالنصب أي : وصد فرعون الناس عنة سبيل الله .
وقوله : ( ^ وما كيد فرعون إلا في تباب ) أي : وما حيلة فرعون ومكره إلا في هلاك وخسران ، وقال ذلك لأنه أدى إليه . < < غافر : ( 38 ) وقال الذي آمن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال الذي آمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد ) أي : سبيل الرشد . < < غافر : ( 39 ) يا قوم إنما . . . . . > >
وقوله : ( ^ يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع ) أي : سريع فناؤه ، والتمتع به قليل .
وقوله : ( ^ وإن الآخرة هي دار القرار ) أي : المستقر . < < غافر : ( 40 ) من عمل سيئة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ) أي : بغير انقطاع ،
____________________

( ^ من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ( 40 ) ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ( 41 ) تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ( 42 ) لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار ( 43 ) فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ( 44 ) ) * * * * * * * * * * * ويقال : بغير حساب أي : لا يحسب عليهم قدر مكثهم في الجنة واستمتاعهم ، فيقول : مكثهم كذا ، وأكلهم كذا ، وفعلهم كذا . وقيل : بغير حساب أي : يزيد في مدة بقائهم في الجنة على مدة أعمالهم إلى ما لا يتناهى من المدة . < < غافر : ( 41 - 42 ) ويا قوم ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ) العزيز هو المنتقم من أعدائه ، والغفار هو الساتر لذنوب عباده . < < غافر : ( 43 ) لا جرم أنما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا جرم ) قد بينا معناه فيما سبق ، وعن المفضل الضبي الكوفي أنه قال : لا جرم أي : لابد .
وقوله : ( ^ أنما تدعونني إليه ليس له دعوة ) أي : استجابة دعوة في الدنيا . ويقال : إيصال نفع في الدنيا ولا في الآخرة . ويقال : جواب قوله : ( ^ في الدنيا ولا في الآخرة ) .
وقوله : ( ^ وأن مردنا إلى الله ) أي : مرجعنا إلى الله .
وقوله : ( ^ وأن المسرفين هم أصحاب النار ) أي : المشركين . < < غافر : ( 44 ) فستذكرون ما أقول . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فستذكرون ما أقول لكم ) يعني : حين تعاينون العذاب .
وقوله : ( ^ وأفوض أمري إلى الله ) أي : أسلم أمري إلى الله ، وقال يحيى بن سلام : أي : أتوكل على الله .
وقوله : ( ^ أن الله بصير بالعباد ) ظاهر المعنى .
____________________

( ^ فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب ( 45 ) النار يعرضون عليها ) * * * * * * * * * * < < غافر : ( 45 ) فوقاه الله سيئات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فوقاه الله سيئات ما مكروا ) اختلف القول في نجاته ، منهم من قال : نجا حين نجا موسى وبنو إسرائيل ، وذلك عند مجاوزة البحر . وفي القصة : أنه كان قدام موسى حين توجهوا إلى البحر ، فقال : إلى أين يا نبي الله ؟
قال : أمامك .
فقال : إنما أمامي البحر .
فقال : والله ما كذبت وما كذبت .
والقول الثاني : أن مؤمن آل فرعون لما قال هذه الأقوال ، ونصح هذه النصيحة طلبه فرعون ليقتله فهرب ، فبعث في طلب جماعة ، فوجدوه في حبل يصلي وحواليه السباع يحرسونه ففزعوا ورجعوا .
وقوله : ( ^ وحاق بآل فرعون ) أي : نزل بآل فرعون ، ( ^ سوء العذاب ) أي : العذاب السيء . < < غافر : ( 46 ) النار يعرضون عليها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ) أكثر المفسرين أن هذا في القبر . ومن المعروف عن ابن مسعود أنه قال : أرواح آل فرعون في حواصل طير سود يردون النار غدوا وعشيا . وقد ثبت برواية مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي قال : ' إن أحدكم إذا مات يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل فالجنة ، وإن كان من أهل النار النار ، ويقال : هذا مقعدك يوم القيامة ' . قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك المكي بن عبد الرزاق الكشميهني ، أخبرنا أبو الهيثم جدي ، أخبرنا الفربري ، أخبرنا البخاري ، أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك . . . الحديث .
وفي الآية قول آخر : وهو أنه العرض على النار يوم القيامة .
____________________

( ^ غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ( 46 ) وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ) * * * * * * * * *
قال الفراء : وفي الآية تقديم وتأخير ، وكأنه قال : ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ، النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ، وهذا قول فاسد ، والصحيح هو الأول .
وقوله : ( ^ ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) قرئ : ' ادخلوا آل فرعون أشد العذاب ' على الأمر لآل فرعون بالدخول .
وقرئ : ( ^ أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) على الأمر لخزنة النار .
والدليل على أن الصحيح هو القول الأول أنه قال : ( ^ يعرضون عليها غدوا وعشيا ) إذا كان يوم القيامة ، فهو الإدخال حقيقة لا العرض ، وإنما العرض في القبر على ما ورد في الحديث . وفي بعض التفاسير : أن الكافر يحيا في القبر كل غدوة وعشية حتى ينظر إلى مقعده من النار ، ثم يميته الله تعالى ثانيا ، فيكون نظره إلى مقعده من النار أشد عليه من موته ، وهو قول شاذ .
وأما آل فرعون فهو فرعون وقومه ، وقيل : فرعون نفسه .
قال الشاعر :
( فلا تبك ميتا بعد ميت أحبة ** علي وعباس وآل أبي بكر )
معناه : وأبي بكر نفسه . وروى عن عبد الله بن أوفى أنه قال : أتيت رسول الله بصدقة بعثها أبي إليه ، فقال : ' اللهم صل على آل أبي أوفى ' . أي : أبي أوفى نفسه . < < غافر : ( 47 ) وإذ يتحاجون في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذ يتحاجون في النار ) أي : يتخاصمون في النار .
وقوله : ( ^ فيقول الضعفاء للذين استكبروا ) أي : الأتباع قالوا للقادة .
____________________

( ^ قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ( 48 ) وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ( 49 ) قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ( 50 ) )
وقوله : ( ^ إنا كنا لكم تبعا ) أي : أتباعا .
وقوله : ( ^ فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ) أي : هل تتحملون عنا بعض عذاب النار ؟ < < غافر : ( 48 ) قال الذين استكبروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال الذين استكبروا إنا كل فيها ) أي : القادة والأتباع جميعا .
وقوله : ( ^ إن الله قد حكم بين العباد ) أي : فصل بين العباد فأدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار . < < غافر : ( 49 ) وقال الذين في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال الذين في النار لخزنة جهنم ) في القصة : أنهم يقولون ذلك بعد أن دعوا الله تعالى ألف عام ، ولم يروا إجابة .
وقوله : ( ^ ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ) أي : يوما واحدا من أيام الدنيا . < < غافر : ( 50 ) قالوا أولم تك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) أي : في هلاك وبطلان ، ومعناه : أن دعاءهم غير مستجاب . < < غافر : ( 51 ) إنا لننصر رسلنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا لننصر رسلنا ) قال أبو العالية : بإيضاح الحجة . وقال غيره : بالانتقام من أعدائهم . وعن السدى قال : الأنبياء قد تولى الله نصرتهم ، وإن قتلوا في الدنيا ، فإن الله يبعث من بعدهم من ينتقم لهم من أعدائهم .
وقوله : ( ^ والذين آمنوا في الحياة الدنيا ) أي : وينصر الذين آمنوا في الحياة الدنيا .
وقوله : ( ^ ويوم يقوم الأشهاد ) يعني : يوم القيامة .
والأشهاد جمع شاهد ، كالأصحاب جمع صاحب . ويقال : شهيد وأشهاد مثل :
____________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق