Translate

الجمعة، 2 سبتمبر 2022

ج9.تفسير القرآن أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني سنة الولادة 426هـ/ سنة الوفاة 489هـ

 

9. تفسير القرآن
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني
سنة الولادة 426هـ/ سنة الوفاة 489هـ

( ^ والليل إذا يسر ( 4 ) هل في ذلك قسم لذي حجر ( 5 ) ) إلى النبي .
وهو مروي عن ابن عباس أيضا .
وهو قول معروف .
وعن ابن الزبير : أن الشفع هو قوله تعالى : ( ^ فمن تعجل في يومين ) فاليومان الأولان من أيام الرمي شفع ، واليوم الثالث وتر .
وروى هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم أن الشفع هو الزوج ، والوتر هو الفرد .
قال مجاهد : هو العدد كله ، منه الشفع ، ومنه الوتر ، وهو قريب من قول إبراهيم .
وعن عطاء قال : الشفع هو عشر ذي الحجة ، والوتر أيام التشريق .
وعن جماعة أنهم قالوا : الشفع هو الخلق ، والوتر هو الله تعالى .
ويقال : الشفع هو آدم وحواء ، والوتر هو الله .
وقرئ ' والوتر ' بالفتح ، وقال أهل اللغة : بالفتح والكسر بمعنى واحد . < < الفجر : ( 4 ) والليل إذا يسر > >
وقوله : ( ^ والليل إذا يسر ) قال أبو العالية : إذا أقبل ، وقال إبراهيم : إذا استوى ، وعن بعضهم : ' إذا يسر ' يعني : إذا يُسرى فيه ، فيذهب بعضه في إثر بعض ، وقيل يُسرى فيه .
وقد أول بليلة جمع ، وهي ليلة يوم النحر . < < الفجر : ( 5 ) هل في ذلك . . . . . > >
وقوله : ( ^ هل في ذلك قسم لذي حجر ) أي : لذي عقل .
وقال الفراء : ' لذي حجر ' أي : لمن كان ضابطا لنفسه قاهرا لهواه .
ويقال : ' لذي حجر ' أي لذي حكم ، والحَجْر في اللغة : هو المنع ، والحِجْر مأخوذ منه ، وسمى
____________________

( ^ ألم تر كيف فعل ربك بعاد ( 6 ) إرم ذات العماد ( 7 ) ) العقل حِجرا ؛ لأنه يمنع الإنسان من القبائح ، وهذا لتأكيد القسم ، وليس بمقسم عليه . < < الفجر : ( 6 - 7 ) ألم تر كيف . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ) هو أبو عاد ؛ لأنهم قالوا : هو عاد ابن إرم بن عوص بن سام بن نوح ، ومنهم من قال : هو اسم بلدة ، ولهذا لم يصرف ، فإن قلنا : هو اسم رجل ، فلم نصرفه ؛ لأنها اسم أعجمي .
وعن مالك بن أنس : أن إرم كورة دمشق .
وعن محمد بن كعب القرظي : أنه الإسكندرية .
وقوله : ( ^ ذات العماد ) أي : ذات البناء الرفيع ، هذا إذا قلنا : إن إرم اسم بلدة .
والقول الثاني : أن قوله ( ^ ذات العماد ) أي : ذات الأجسام الطوال .
يقال : رجل معمد إذا كان طويلا ، فعلى هذا عاد اسم القبيلة ، فقوله : ( ^ ذات العماد ) منصرف إلى القبيلة .
وفي القصة : أن طول الطويل منهم كان خمسمائة ذراع ، والقصير ثلثمائة .
وعن أبي هريرة قال : كان الواحد منهم يتخذ المصراع من الحجر ، فلا ينقله خمسمائة نفر منكم ، وقال مجاهد : ذات عماد أي : ذات عمود ، والمعنى : أنهم أهل خيام لا يقيمون في موضع واحد ، بل ينتجعون لطلب الكلأ أي : ينتقلون من موضع إلى موضع ، وقال الضحاك : ذات العماد أي : ذات القوة ، مأخوذ من قوة الأعمدة .
وفي القصة : أن عاج بن عوج كان منهم .
وذكر النقاش : أن طول موسى كان سبعة أذرع ، وعصاه سبعة أذرع ، ووثب سبعة أذرع ، فأصاب كعب عاج بن عوج فقتله .
وفيما نقل فيه أيضا في القصص : أن ضلعا من أضلاعه جسر أهل مصر كذا كذا سنة أي : كان جسرا لهم وهو على النيل ، وفي التفسير أن عادا اثنان : عادا الأولى ، وعادا الأخرى ، فعاد الأولى عاد إرم ، وعاد الثانية هو عاد المعروفة ، وهو الذي أرسل إليهم هود النبي عليه السلام .
قال ابن قيس الرقيات :
____________________

( ^ التي لم يخلق مثلها في البلاد ( 8 ) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ( 9 ) وفرعون ذي الأوتاد ( 10 ) الذين طغوا في البلاد ( 11 ) فأكثروا فيها الفساد ( 12 ) فصب عليهم ربك سوط عذاب ( 13 ) إن ربك لبالمرصاد ( 14 ) )
( مجدا تليدا بناه أوله ** أدرك عادا وقبله إرما ) < < الفجر : ( 8 ) التي لم يخلق . . . . . > >
وقوله : ( ^ التي لم يخلق مثلها في البلاد ) أي : لم يخلق مثل ( أجسامهم ) في البلاد .
وفي رواية أبي بن كعب وابن مسعود : ' الذين لم يخلق مثلهم في البلاد ' . < < الفجر : ( 9 ) وثمود الذين جابوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ) قطعوا ونقبوا ، وهو في معنى قوله تعالى : ( ^ وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ) . < < الفجر : ( 10 ) وفرعون ذي الأوتاد > >
وقوله : ( ^ وفرعون ذي الأوتاد ) يقال : كان له أربعة أوتاد ، فإذا غضب على إنسان وعذبه زند يديه ورجليه على الأرض بتلك الأوتاد .
في القصة : أنه عذب امرأته آسية بمثل هذا العذاب ، ووضع على صدرها صخرة حتى ماتت ، وعن بعضهم : أنه كان له أربع أساطين ، يشد الرجل بيديه ورجليه بها .
وقيل : ذي الأوتاد أي : ذي الملك الشديد ، قال الشاعر :
( في ظل ملك ثابت الأوتاد ** ) < < الفجر : ( 11 ) الذين طغوا في . . . . . > >
وقوله : ( ^ الذين طغوا في البلاد ) أي : جاوزوا الحد بالمعاصي ، ويقال : تمادوا فيها . < < الفجر : ( 12 - 13 ) فأكثروا فيها الفساد > >
وقوله : ( ^ فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب ) أي : عذبهم وقيل : إنه جعل عذابهم موضع السوط في العقوبات ، وعن بعضهم : أنهم كانوا يعدون الضرب بالسياط إلى أن يموت أشد العذاب ، فذكر العذاب بذكر السوط هاهنا ، على معنى أنه بلغ النهاية في عذابهم . < < الفجر : ( 14 ) إن ربك لبالمرصاد > >
وقوله : ( ^ إن ربك لبالمرصاد ) أي : إليه مرجع الخلق ومصيرهم ، والمعنى : أنه
____________________

( ^ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ( 15 ) وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ( 16 ) كلا بل لا تكرمون اليتيم ( 17 ) ولا تحاضون على طعام المسكين ( 18 ) ) لا يفوت منه أحد ، وعن الحسن : أنه بمرصاد أعمال العباد ، وعن ابن عباس أن قوله : ( ^ إن ربك لبالمرصاد ) أي : يسمع ويرى ، وعنه أيضا : أن على جهنم سبع قناطر ، فيسأل على القنطرة الأولى عن الإيمان ، وعن الثانية عن الصلاة ، وعلى الثالثة عن الزكاة ، وعلى الرابعة عن صيام رمضان ، وعلى الخامسة عن الحج والعمرة ، وعلى السادسة عن صلة الرحم ، وعلى السابعة عن المظالم .
وقوله : ( ^ إن ربك لبالمرصاد ) وقع القسم . < < الفجر : ( 15 ) فأما الإنسان إذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ) نزلت الآية في أمية بن خلف الجمحي ، ويقال : هذا على العموم .
وقوله : ( ^ فيقول ربي أكرمن ) أي : أنا كريم عليه حيث أعطاني هذه النعم . < < الفجر : ( 16 ) وأما إذا ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ) أي : ضيق عليه .
[ وقوله ] ( ^ فيقول ربي أهانن ) أي : فعل ما فعل بي لهواني عليه ، والمعنى : أنهم زعموا أن الله يكرم بالغني ، ويهين بالفقر . < < الفجر : ( 17 ) كلا بل لا . . . . . > >
وقوله : ( ^ كلا ) رد لما قالوا يعنى : أن الله لا يكرم بالغنى ، ولا يهين بالفقر ، وإنما يكرم بالطاعة ، ويهين بالمعصية ، وعن كعب الأحبار قال : إني لأجد في بعض الكتب أن الله تعالى يقول : لولا أنه يحزن عبدي المؤمن ، لكللت رأس الكافر بالأكاليل ، فلا يصدع ، ولا ينبض منه عرق يوجع .
وقوله : ( ^ بل لا تكرمون اليتيم ) ذكر ما يفعله الكفار ، واستحقوا به العذاب في قوله : ( ^ لا تكرمون اليتيم ) فيه قولان : أحدهما : هو أكل مالهم أي : اليتامى .
والقول الثاني : أنه ترك الإحسان إليهم . < < الفجر : ( 18 ) ولا تحاضون على . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولا تحضون على طعام المسكين ) أي : لا يحثون ، وقرئ : ' ولا تحاضون
____________________

( ^ وتأكلون التراث أكلا لما ( 19 ) وتحبون المال حبا جما ( 20 ) كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ( 21 ) وجاء ربك والملك صفا صفا ( 22 ) وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ( 23 ) يقول يا ليتني قدمت لحياتي ( 24 ) ) على طعام المسكين ' أي : لا يحض بعضهم بعضا . < < الفجر : ( 19 ) وتأكلون التراث أكلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وتأكلون التراث أكلا لما ) التراث والوارث بمعنى واحد ، وهو الميراث .
وقوله : ( ^ أكلا لما ) أي : بخلط الحلال بالحرام .
وقال مجاهد : ( ^ لما ) أي : سفا ، فيجمع البعض إلى البعض ويسف سفا . < < الفجر : ( 20 ) وتحبون المال حبا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وتحبون المال حبا جما ) أي : كثيرا ، وقرئ بالتاء والياء ، فمن قرأ بالياء فعلى الخبر ، ومن قرأ بالتاء فهو على الخطاب . < < الفجر : ( 21 ) كلا إذا دكت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ) أي : فتت ودقت . < < الفجر : ( 22 ) وجاء ربك والملك . . . . . > >
وقوله : ( ^ وجاء ربك ) وهو من المتشابه الذي يؤمن به ولا يفسر ، وقد أول بعضهم : وجاء أمر ربك ، والصحيح ما ذكرنا .
وقوله : ( ^ والملك صفا صفا ) أي : صفوفا . < < الفجر : ( 23 ) وجيء يومئذ بجهنم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وجيء يومئذ بجهنم ) وفي بعض الأخبار عن النبي : ' أنه يجاء بجهنم مزمومة بسبعين ألف زمام ، ويقودها الملائكة ، فتقام على سائر العرش فحينئذ يجثوا الأنبياء على ركبهم ، ويقول كل واحد : نفسي ، نفسي ' .
والخبر غريب ، وهو معروف عن غير الرسول .
قوله : ( ^ يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ) أي : يتعظ ، وأنى له الاتعاظ ، أي : نفع الاتعاظ . < < الفجر : ( 24 ) يقول يا ليتني . . . . . > >
وقوله : ( ^ يقول يا ليتني قدمت لحياتي ) أي : لآخرتي ، وهو في معنى قوله : ( ^ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ) أي الحياة الدائمة ، والمعنى هاهنا : لحياتي في الآخرة . < < الفجر : ( 25 - 26 ) فيومئذ لا يعذب . . . . . > >
وقوله : ( ^ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ) بالكسر ، وهو الأشهر
____________________

( ^ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ( 25 ) ولا يوثق وثاقه أحد ( 26 ) يا أيتها النفس المطمئنة ( 27 ) ارجعي إلى ربك راضية مرضية ( 28 ) فادخلي في عبادي ( 29 ) ) من القراءتين ، ومعناه : لا يعذب أحد في الدنيا بمثل ما يعذبه الله في الآخرة ، ولا يوثق أحد في الدنيا مثل ما يوثقه الله في الآخرة ، وقرئ : ' فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ' بفتح الذال ، ومعناه : لا يعذب أحد مثل عذاب هذا الكافر ، أو لا يعذب أحد مثل عذاب هذا الصنف من الكفار ، وكذلك قوله : ( ^ يوثق ) بفتح الثاء . < < الفجر : ( 27 ) يا أيتها النفس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيتها النفس المطمئنة ) أي : المؤمنة الساكنة ، ويقال : المطمئنة إلى وعد ربها ، وقيل : إن المراد بالنفس هو الروح هاهنا ، ويقال : هو جملة الإنسان إذا كان مؤمنا . < < الفجر : ( 28 ) ارجعي إلى ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) أي : رضيت عن الله ، وأرضاها الله تعالى عن نفسه .
وفي بعض الآثار : أن ملكين يأتيان المؤمن عند قبض روحه ، فيقولان : أخرج أيها الروح إلى روح وريحان ، ورب غير غضبان . < < الفجر : ( 29 ) فادخلي في عبادي > >
وقوله : ( ^ فادخلي في عبادي ) أي : مع عبادي . < < الفجر : ( 30 ) وادخلي جنتي > >
( ^ وادخلي جنتي ) وهذا القول يوم القيامة .
وقرئ في الشاذ : ' فادخلي في عبدي ' أي : يقال للنفس - أي : الروح - ادخلي في عبدي أي : في جسده ، وادخلي في جنتي ، وذلك عند البعث .
وعن عكرمة : أنه لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر : إن هذا لخير كثير ، فقال النبي : ' أما إن الملك سيقولها لك ' .
وعن ( أبي بريدة ) : أن الآية نزلت في حمزة بن عبد المطلب .
____________________

( ^ وادخلي جنتي ( 30 ) )
وعن بعضهم : أنها نزلت في خبيب بن عدي ، وهو الذي أسر وصلب بمكة ، وهو أول من سن الصلاة ركعتين عند الصلب ، وهو القائل :
( فلست أبالي حين أقتل مسلما ** على أي جنب كان في الله مصرعي )
( وذلك في ذات الإله وإن يشأ ( يبارك في شلو الأديم الممزع ) )
وعن عامر بن قيس : أنه وفد على عثمان - رضي الله عنه - فجلس على بابه ، فخرج عليه عثمان فرأى أعرابيا في بت ، فلم يعرفه ، فقال : أين ربك يا أعرابي ؟ قال : بالمرصاد .
فأفحم عثمان ، وهذا على قوله : ( ^ إن ربك لبالمرصاد ) والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ لا أقسم بهذا البلد ( 1 ) وأنت حل بهذا البلد ( 2 ) <
> تفسير سورة البلد <
>
وهي مكية < < البلد : ( 1 ) لا أقسم بهذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا أقسم بهذا البلد ) معناه : أقسم ، و ' لا ' صلة .
قال الفراء : وهو على مذهب كلام العرب يقولون : لا والله لا أفعل كذا .
أي : والله ، وكذلك لا والله لأفعلن كذا ، أي : والله ، فيجوز أن تكون ' لا ' صلة ، ويجوز أن يكون ردا لقول سابق ، وابتداء القسم من قوله والله ، فكذلك قوله : ( ^ لا أقسم ) يجوز أن يكون ' لا ' صلة ، ويجوز أن يكون ردا لزعمهم من إنكار البعث أو إنكار نبوة الرسول ، والقسم من قوله : ( ^ أقسم ) وقال الفراء : هذا الثاني أولى .
وقوله : ( ^ بهذا البلد ) هو مكة في قول الجميع ، ذكره مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم . < < البلد : ( 2 ) وأنت حل بهذا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأنت حل بهذا البلد ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أي : حلال لك أن تقاتل في هذا البلد ، ولم يحل لأحد قبلك ، وقد ثبت أن النبي قال : ' إن مكة حرام ، حرمها الله يوم خلق السموات والأرض ، لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ' .
والقول الثاني : أن قوله : ( ^ وأنت حل بهذا البلد ) أي : استحلوا منك ما حرمه الله من الأذى ، وإيصال المكروه إليك مع اعتقادهم حرمة الحرم ، ذكره القفال .
والقول الثالث : ( ^ وأنت حل بهذا البلد ) أي : نازل بهذا البلد ، وهو إشارة إلى زيادة حرمة وشرف للبلد لمكان النبي فيه .
____________________

( ^ ووالد وما ولد ( 3 ) ) < < البلد : ( 3 ) ووالد وما ولد > >
وقوله : ( ^ ووالد وما ولد ) قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وأبو صالح معناه : آدم وولده ، وعن أبي عمران [ الجوني ] : هو إبراهيم وولده .
وروى عكرمة عن ابن عباس أن قوله : ( ^ ووالد وما ولد ) هو الوالد والعاقر ، معنى الذي يلد ، والذي لا يلد ، فتكون ما للنفي . < < البلد : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . . > >
وقوله : ( ^ لقد خلقنا الإنسان في كبد ) على هذا وقع القسم ، ( ومعنى القسم ) ومعنى الكبد : الشدة .
وروى شريك ، عن عاصم ، عن زر عن علي في قوله : ( ^ ووالد وما ولد ) آدم وذريته ، على ما ذكرنا .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك أبو محمد الصريفيني ، أخبرنا أبو القاسم بن حبابة ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، أخبرنا علي بن الجعد ، عن شريك . . . الأثر .
وأما الكبد بينا أنه الشدة .
وروى علي بن الجعد ، عن علي بن علي الرفاعي ، عن الحسن البصري قال : ليس أحد يكابد من الشدة ما يكابده الإنسان .
وقال سعيد ' خلقنا الإنسان في كبد ' أي : في مضائق الدنيا وشدائد الآخرة .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بما ذكرنا عن الحسن : الصريفيني ، عن [ ابن ] حبابة ، عن البغوي ، عن علي ابن الجعد .
وقيل في تفسير الكبد : هو أنه يكابد ضيق الرحم ، وعسر الخروج من بطن الأم ، ثم يكون في الرباط والقماط ، ثم نبات الأسنان ، ثم الختان ، ثم إذا بلغ التكليفات والأوامر والنواهي ، ثم يكابد أمر معيشته ، والأحوال المنقلبة عليه إلى أن
____________________

( ^ لقد خلقنا الإنسان في كبد ( 4 ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ( 5 ) يقول أهلكت مالا لبدا ( 6 ) أيحسب أن لم يره أحد ( 7 ) ) يموت ، ثم بعد ذلك ما يعود إلى أهوال القبر وأهوال القيامة ، إلى أن يستقر في إحدى المنزلتين .
وقال لبيد في الكبد .
( ^ يا عين هلا بكيت أربد إذ ** قمنا وقام الخصوم في كبد )
أي : في شدة .
وقال إبراهيم ومجاهد وعبد الله بن شداد : في كبد أي : في انتصاب ، والمعنى : أنه خلق منتصبا في بطن أمه ، غير منكب على وجهه بخلاف سائر الحيوانات .
وفي تفسير النقاش : أن الله تعالى وكل ملكا بالولد في بطن الأم فإذا قامت المرأة ، أو اضطجعت رفع رأس الولد ؛ لئلا يغرق في الدم . < < البلد : ( 5 ) أيحسب أن لن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أيحسب الإنسان أن لن يقدر عليه أحد ) نزلت الآية في [ أبي ] الأشدين ، فكان رجلا من بني جمح من أقوى قريش وأشدهم ، وكان يبسط له الأديم العكاظي ، فيقوم عليه ، ويجتمع القوم على الأديم ، فيجذبونه من تحت قدمه فينقطع ولا تزول قدمه ، وكان شديدا في عداوة النبي ، فأنزل الله تعالى هذه الآية فيه .
ومعناه : أيظن أن لن يقدر عليه الله ، وقال ذلك لأنه كان مغترا بقوته وشدته . < < البلد : ( 6 ) يقول أهلكت مالا . . . . . > >
وقوله : ( ^ يقول أهلكت مالا لبدا ) أي : أنفقت مالا كثيرا في عداوة محمد ، و ' لبدا ' أي : بعضه على بعض .
قال الكلبي : ( وكان يكذب في ذلك ، < < البلد : ( 7 ) أيحسب أن لم . . . . . > > فقال الله تعالى : ( ^ أيحسب أن لم يره أحد ) أيحسب أن الله لم ير ما أنفقه ، ويقال : أيحسب أن لم يطلع الله على فعله فيكذب ، ولا يعلم الله كذبه .
قال معمر : قرئت هذه الآية عند قتادة ، فقال : أيحسب أن لن يسأله الله تعالى من أين جمعه ، وأين أنفقه ؟ .
وعن أبي هريرة أن النبي قال : ' يؤتى بالعبد يوم
____________________

( ^ ألم نجعل له عينين ( 8 ) ولسانا وشفتين ( 9 ) وهديناه النجدين ( 10 ) ) القيامة ، فيقال له : ماذا عملت بمالك ؟ فيقول : أنفقت ، وزكيت طلبا لرضاك ، فيقول : كذبت إنما أنفقت وأعطيت ، ليقال : فلان سخي ، وقد قيل ذلك ، فجروه إلى النار ' .
والخبر طويل صحيح خرجه مسلم .
ومن المعروف أن النبي قال : ' لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله من أين كسبه وأين وضعه ' . < < البلد : ( 8 ) ألم نجعل له . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم نجعل له عينين ) قال أهل التفسير : ثم إن الله تعالى ذكر نعمه عليه وعظيم قدرته ، ليعرف أن الله تعالى قادر على إعادته يوم القيامة خلقا جديدا ، وأنه مسئول عما يفعله . < < البلد : ( 9 ) ولسانا وشفتين > >
وقوله : ( ^ ولسانا وشفتين ) ظاهر المعنى . < < البلد : ( 10 ) وهديناه النجدين > >
وقوله : ( ^ وهديناه النجدين ) قال ابن مسعود : سبيل الخير وسبيل الشر .
وروى عكرمة عن ابن عباس أن قوله : ( ^ وهديناه النجدين ) أي : اليدين .
والقول الأول أشهر ، وهو قول أكثر المفسرين .
وقد روي عن النبي أنه قال : ' إنما هما نجدان ، نجد خير ، ونجد شر ، فلا تجعل نجد الشر أحب السبيل من نجد الخير ' .
____________________

( ^ فلا اقتحم العقبة ( 11 ) وما أدراك ما العقبة ( 12 ) فك رقبة ( 13 ) ) < < البلد : ( 11 ) فلا اقتحم العقبة > >
وقوله : ( ^ فلا اقتحم العقبة ) أي : فهلا أنفق ماله الذي أنفقه في عداوة محمد في اقتحام العقبة ، ويقال : ( ^ فلا اقتحم العقبة ) أي : لم يقتحم العقبة ، ومعناه : لم يجاوزها ، وقيل : إن العقبة جبل في النار ، ويقال : هبوط وصعود ، مصعد سبعة آلاف سنة ، ومهبط ألف سنة .
وقيل : مصعد ألف عام ، وفيها غياض ممتلئة من الأفاعي والحيات والعقارب .
قال الحسن البصري في العقبة : إنها مجاهدة النفس والهوى والشيطان .
فعلى هذا ذكر العقبة تمثيل ؛ لأن العقبة يشق صعدوها ، كذلك الإنسان يشق عليه مجاهدة النفس والشيطان . < < البلد : ( 12 - 13 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما العقبة ) أي : فما أدراك ( ما تجاوز بها ) العقبة ، ثم فسر فقال : ( ^ فك رقبة ) وفك الرقبة إعتاقها .
وروى عقبة بن عامر : أن النبي قال : ' من أعتق رقبة ، كانت فكاكه من النار ' .
ومن المعروف أن رجلا أتى النبي فقال : ' يا رسول الله ، علمني عملا يدخلني الجنة ، فقال : لئن أقصرت الخطبة فقد أعرضت في المسألة ، أعتق النسمة ، وفك الرقبة ، فقال : أوليسا واحدا يا رسول ؟ قال : لا ، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها ، وعليك بالفيء على ذي الرحم الظالم ، فإن لم يكن ذلك ، فأطعم الجائع ، واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف ، وأنه
____________________

( ^ أو إطعام في يوم ذي مسغبة ( 14 ) يتيما ذا مقربة ( 15 ) ) . عن المنكر ، فإن لم تطق ذلك ، فكف لسانك إلا من خير ' .
وورد - أيضا - عن النبي أنه قال : ' من أعتق رقبة مسلمة ، أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ' .
والخبر صحيح .
وقرئ : ' فك رقبة ' ، فمن قرأ بالرفع فمعناه : هي فك رقبة ، ومن قرأ بالنصب فمعناه : لا يقتحم العقبة إلا من فك رقبة . < < البلد : ( 14 ) أو إطعام في . . . . . > >
وقوله : ( ^ أو إطعام في يوم ذي مسغبة ) أي : إطعام مسكين في يوم ذي جوع والسغب : الجوع ، والمسغبة : المجاعة .
قال الشاعر :
( فلو كنت جارا يابن قيس بن عاصم ** لما بت شبعانا وجارك ساغب )
أي : جائع . < < البلد : ( 15 ) يتيما ذا مقربة > >
وقوله : تعالى : ( ^ يتيما ذا مقربة ) أي : ذا قرابة ، واليتيم هو الذي لا والد له ، ويقال : هو الذي ليس له أبوان .
قال قيس بن الملوح :
( إلى الله أشكو فقد ليلي كما شكا ** إلى الله فقد الوالدين يتيم ) < < البلد : ( 16 ) أو مسكينا ذا . . . . . > >
وقوله : ( ^ أو مسكينا ذا متربة ) أي : لصق بالتراب من الفقر .
قال مجاهد : لا يحول بينه وبين التراب شيء .
وقيل : ذا متربة ، أي : ذا زمانة ، وقيل ذا متربة أي : ليس له أحد من الناس .
____________________

( ^ أو مسكينا ذا متربة ( 16 ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ( 17 ) أولئك أصحاب الميمنة ( 18 ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة ( 19 ) عليهم نار مؤصدة ( 20 ) ) . < < البلد : ( 17 ) ثم كان من . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم كان من الذين آمنوا ) يعني : يقتحم العقبة من فعل هذه الأشياء ، فكان من الذين آمنوا .
فإن قيل : كلمة ' ثم ' للتراخي باتفاق أهل اللغة ، فكيف وجه المعنى في الآية ، وقد ذكر الإيمان متراخيا عن هذه الأشياء ؟
والجواب : قال النحاس : هو مشكل ، وأحسن ما قيل فيه أن معناه : ثم أخبركم أنه كان من الذين آمنوا حين فعل هذه الأشياء ، وقد قيل : إن ' ثم ' بمعنى الواو ، وليس يصح .
وقوله : ( ^ وتواصوا بالصبر ) أي : بالصبر عن معاصي الله ، وقيل : بالصبر على طاعة الله ، وقيل : بالصبر عن لذات الدنيا وشهواتها .
وقوله : ( ^ وتواصوا بالمرحمة ) أي : مرحمة بعضهم على بعض ، وتواصوا بالمرحمة هو وصية البعضِ البعضَ . < < البلد : ( 18 ) أولئك أصحاب الميمنة > >
وقوله : ( ^ أولئك أصحاب الميمنة ) أي : أصحاب اليمين ، وهم الذين استخرجوا من شق آدم الأيمن ، ويقال : الذين [ يعطون ] الكتاب بأيمانهم ، وقيل : الميامين على أنفسهم . < < البلد : ( 19 ) والذين كفروا بآياتنا . . . . . > >
وقوله : ( ^ والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة ) أي : المشائيم على أنفسهم ، ويقال : هم الذين يعطون الكتاب بشمالهم ، وكذلك القول الأول . < < البلد : ( 20 ) عليهم نار مؤصدة > >
وقوله : ( ^ عليهم نار مؤصدة ) أي : مطبقة ، يقال : وصدت الباب ، وأصدته إذا أطبقته ، ويقال : مؤصدة أي : مبهمة لا باب لها .
قال الشاعر :
( قوم يصالح شدة أبنائهم ** وسلاسلا حلقا وبابا مؤصدا ) أي مطبقاً
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم ( ^ والشمس وضحاها ( 1 ) والقمر إذا تلاها ( 2 ) والنهار إذا جلالها ( 3 ) والليل إذا يغشاها ( 4 ) والسماء وما بناها ( 5 ) والأرض وما طحاها ( 6 ) ونفس وما ) . <
> تفسير سورة والشمس <
>
وهي مكية < < الشمس : ( 1 ) والشمس وضحاها > >
قوله تعالى : ( ^ والشمس وضحاها ) أي : وضوئها ، وقيل : هو النهار كله . < < الشمس : ( 2 ) والقمر إذا تلاها > >
وقوله : ( ^ والقمر إذا تلاها ) أي : تبعها ، وهو قول مجاهد وقتادة وعامة المفسرين ، وهو مروي أيضا عن ابن عباس ، ومعنى تبعها : يعني أن الشمس إذا غربت يليها القمر في الضوء ، ويقال : هو في الأيام البيض إذا غربت الشمس طلع القمر ، وقيل : هو في أول ليلة من الشهر ، إذا غربت الشمس رئي الهلال ، وعلى الجملة القمر أحد النيرين ، وهو يتلو الشمس إذا استدار واستتمه في إضاءة الدنيا . < < الشمس : ( 3 ) والنهار إذا جلاها > >
وقوله : ( ^ والنهار إذا جلاها ) فيه قولان : أحدهما : جلا الظلمة فكنى عن الظلمة من غير ذكرها ، وهو كثير في كلام العرب ، والقول الآخر : جلاها أي : جلا الشمس ؛ لأن النهار إذا ارتفع أضاءت الشمس وانبسطت . < < الشمس : ( 4 ) والليل إذا يغشاها > >
وقوله : ( ^ والليل إذا يغشاها ) يعني : إذا يغشى الشمس أي : يستر ضوءها . < < الشمس : ( 5 ) والسماء وما بناها > >
وقوله : ( ^ والسماء وما بناها ) معناه : ومن بناها ، وقيل : والذي بناها .
وعن ابن الزبير أنه سمع صوت الرعد فقال : سبحان ما سبحت له ، أي : الذي سبحت له ، ويقال : وما بناها أي : وبنائها . < < الشمس : ( 6 ) والأرض وما طحاها > >
وقوله : ( ^ والأرض وما طحاها ) أي : ومن بسطها ، وقيل : الأرض وطحوها أي : وبسطها . < < الشمس : ( 7 ) ونفس وما سواها > >
وقوله : ( ^ ونفس وما سواها ) أي : ومن سواها ، وقد بينا معنى التسمية ، وقيل : هو
____________________


( ^ سواها ( 7 ) فألهمها فجورها وتقواها ( 8 ) قد أفلح من زكاها ( 9 ) وقد خاب من دساها ( 10 ) ) . اعتدال القامة . < < الشمس : ( 8 ) فألهمها فجورها وتقواها > >
وقوله : ( ^ فألهمها فجورها وتقواها ) أي : عرفها وأعلمها ، وقال مجاهد والضحاك وغيرهما : جعل في قلبه فجورها وتقواها ، وهو أولى من القول الأول ؛ لأن الإلهام في اللغة فوق التعريف والإعلام .
وقال الزجاج : عدلها للفجور ، ووفقها للتقوى < < الشمس : ( 9 ) قد أفلح من . . . . . > > ( ^ قد أفلح من زكاها ) على هذا وقع القسم ، والمعنى : قد أفلحت نفس زكاها الله . < < الشمس : ( 10 ) وقد خاب من . . . . . > >
وقوله : ( ^ وقد خاب من دساها ) أي : وخاب نفس دساها الله ، وقيل : أفلح من زكى نفسه وأصلحها ، وخاب من أخمد نفسه ودسها ، فعلى هذا قوله : ( ^ دساها ) أي : دسيها .
يقول الشاعر :
( يقضي البازي إذا البازي انكسر ** )
أي : يقضض البازي .
قال الفراء : العامل بالفجور خامل عند الناس غامض الشخص ، منكسر الرأس ، والمتقي عال مرتفع .
وقال ثعلب : ' من دساها ' أي : أغواها ، وعنه أنه قال : دساها أي : دس نفسه في أهل الخير وليس منهم .
قال الشاعر :
( وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت ** حلائله منه أرامل ضيعا )
وقوله : ' دساها ' هاهنا : أهلكت ، فعلى هذا معنى قوله : ( ^ وقد خاب من دساها ) أي : أهلكها بالمعاصي .
وروى نافع بن عمر الجمحي ، عن ابن أبي مليكة قال : قالت عائشة - رضي الله عنها - انتبهت ليلة فوجدت رسول الله وهو يقول : ' أعط نفس تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك أبو
____________________


( ^ كذبت ثمود بطغواها ( 11 ) إذ انبعث أشقاها ( 12 ) فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ( 13 ) فكذبوه فعقروها ) . الغنائم عبد الصمد بن علي العباسي ، أخبرنا أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى ، أخبرنا البغوي ، أخبرنا داود بن عمرو الضبي ، عن نافع بن عمر . . . الحديث . < < الشمس : ( 11 ) كذبت ثمود بطغواها > >
وقوله : ( ^ كذبت ثمود بطغواها ) أي : بطغيانها ، ويقال : بأجمعها . < < الشمس : ( 12 ) إذ انبعث أشقاها > >
وقوله : ( ^ إذ انبعث أشقاها ) هو قدار بن سالف ، وقد بينا من قبل .
وروى رشدين ، عن يزيد بن عبد الله بن سلامة ، عن عثمان بن صهيب ، عن أبيه قال : قال رسول الله لعلي : ' من أشقى الأولين ؟ قال : عاقر الناقة ، قال : صدقت ، قال : فمن أشقى الآخرين ؟ قال : قلت : لا أعلم يا رسول الله .
قال : الذي يضربك على هذه ، وأشار بيده إلى يافوخه ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا كريمة بنت أحمد قالت : أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد ، أخبرنا محمد بن إدريس [ السامي ] ، أخبرنا سويد بن سعيد ، عن رشدين . . الخبر وهو غريب . < < الشمس : ( 13 ) فقال لهم رسول . . . . . > >
وقوله : ( ^ فقال لهم رسول الله ) ، وهو صالح .
وقوله : ( ^ ناقة الله وسقياها ) أي : ذروا ناقة الله وسقياها ، ومعنى سقياها : شربها على ما قال في موضع آخر : ( ^ لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ) . < < الشمس : ( 14 ) فكذبوه فعقروها فدمدم . . . . . > >
وقوله : ( ^ فكذبوه فعقروها ) أي : فكذبوا صالحا ، و عقروا الناقة .
____________________

( ^ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ( 14 ) ولا يخاف عقباها ( 15 ) ) .
وقوله : ( ^ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ) عن ابن الزبير : أنه ' فرمرم عليهم ربهم ' ، وهو معنى القراءة المعروفة ، ويقال : دمدم أي : غضب عليهم ربهم ، يقال : فلان يدمدم إذا كان يتكلم بغضب .
والقول المعروف أن معنى قوله : ( ^ فدمدم عليهم ) أي : أطبق عليهم بالعذاب يعني : عمهم ولم يبق منهم أحدا ، ويقال : الدمدمة هو الهلاك باستئصال .
وقوله : ( ^ بذنبهم فسواها ) أي : سواهم بالأرض ، فلم يبق منهم أحدا صغيرا ولا كبيرا .
ويقال : سوى بينهم بالعذاب . < < الشمس : ( 15 ) ولا يخاف عقباها > >
وقوله : ( ^ ولا يخاف عقبيها ) وقرئ : ' فلا يخاف عقباها ' وفيه قولان : أحدهما : أن الله تعالى لا يخاف أن يتبعه أحد بما فعل ، قاله الحسن وغيره ، والقول الثاني : لم يخف عاقر الناقة عاقبة فعله ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والليل إذا يغشى ( 1 ) والنهار إذا تجلى ( 2 ) وما خلق الذكر والأنثى ( 3 ) إن سعيكم لشتى ( 4 ) ) . <
> تفسير سورة والليل <
>
وهي مكية < < الليل : ( 1 ) والليل إذا يغشى > >
قوله تعالى : ( ^ والليل إذا يغشى ) قال قتادة : يغشى الأفق بظلمته ، وفي رواية عنه : يغشى ما بين السماء والأرض بظلمته .
وقيل : ( ^ والليل إذا يغشى ) أي : أظلم .
ويقال : يغشى النهار . < < الليل : ( 2 ) والنهار إذا تجلى > >
وقوله : ( ^ والنهار إذا تجلى ) معناه : إذا أضاء وانكشف ، ويقال : جل الظلمة فكأنه قال : تجلت الظلمة بها . < < الليل : ( 3 ) وما خلق الذكر . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما خلق الذكر والأنثى ) قرأ ابن مسعود وأبو الدرداء : ' والذكر والأنثى ' وقد صح هذا بروايتهما عن النبي أنه قرأ كذلك ، وأما القراءة المعروفة : ( ^ وما خلق الذكر والأنثى ) وفيه قولان : أحدهما : وما خلق الذكر والأنثى مثل قوله : ( ^ والسماء وما بناها ) أي : فمن بناها .
والقول الثاني : وما خلق الذكر والأنثى .
وذكر الفراء والزجاج : أن الذكر والأنثى هو آدم وحواء .
وقد قيل : إنه على العموم ، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه ، وقد ذكرنا أن القسم على تقديره ذكر الرب ، وكأنه قال : ورب الليل ، ورب النهار إلى آخره . < < الليل : ( 4 ) إن سعيكم لشتى > >
وقوله : ( ^ إن سعيكم لشتى ) على هذا وقع القسم ، والمعنى : إن عملكم
____________________


( ^ فأما من أعطى واتقى ( 5 ) وصدق بالحسنى ( 6 ) فسنيسره لليسرى ( 7 ) وأما من بخل واستغنى ( 8 ) ) . مختلف ، وقيل : إن سعيكم لشتى أي : منكم المؤمن والكافر ، والصالح والطالح ، والشكور والكفور ، وأمثال هذا .
قال الشاعر :
( سعى الفتى لأمور ليس يدركها ** فالنفس واحدة والهم منتشر )
( والمرء ما عاش ممدود له أثر ** لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر ) < < الليل : ( 5 ) فأما من أعطى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأما من أعطى واتقى ) ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه .
وقوله تعالى : ( ^ أعطى واتقى ) أي : بذل المال بالصدقة ، وحاذر من الله تعالى . < < الليل : ( 6 ) وصدق بالحسنى > >
وقوله تعالى : ( ^ وصدق بالحسنى ) أي : بالخلق من الله تعالى [ قاله ] عكرمة عن ابن عباس ، وهو أشهر الأقاويل .
والقول الثاني : وصدق بالحسنى أي : بالجنة ، قاله مجاهد .
وقيل : بالثواب ، وقال أبو عبد الرحمن السلمي وعطاء : صدق بالحسنى أي : بلا إله إلا الله . < < الليل : ( 7 ) فسنيسره لليسرى > >
وقوله : ( ^ فسنيسره لليسرى ) أي : للحالة اليسرى والمعنى : يسهل عليه طريق ( الطاعات ) ، والأعمال الصالحة ، قال الأزهري : ييسر عليه ما لا ييسر إلا على المسلمين . < < الليل : ( 8 ) وأما من بخل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأما من بخل واستغنى ) يقال : نزلت الآية في أمية بن خلف ، وقيل : في أبي سفيان بن حرب .
____________________

( ^ وكذب بالحسنى ( 9 ) فسنيسره للعسرى ( 10 ) ) .
وقوله : ( ^ بخل ) أي : بخل بماله ، واستغنى أي : عن ثواب ربه . < < الليل : ( 9 ) وكذب بالحسنى > >
وقوله : ( ^ وكذب بالحسنى ) هو ما بينا . < < الليل : ( 10 ) فسنيسره للعسرى > >
وقوله : ( ^ فسنيسره للعسرى ) أي : يسهل عليه طريق الشر ، وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : يحول بينه وبين الإيمان بالله وبرسوله .
قال الفراء : فإن سأل سائل قال : كيف يستقم قوله : ( ^ فسنيسره للعسرى ) وكيف ييسر العسير ؟ أجاب عن هذا : أن هذا مثل قوله تعالى ( ^ فبشر الذين كفروا بعذاب أليم ) فوضع البشارة موضع الوعيد بالنار ، وإن لم تكن بشارة على الحقيقة ، كذلك وضع التيسير في هذا الموضع ، وإن كان تعسيرا في الحقيقة .
وقد ذكر عطاء الخراساني أن الآية نزلت في رجل من الأنصار كان له حائط ، وله نخلة تتدلى في دار جاره ، ويأكل جاره مما يسقط من ثمارها ، فمنعه الأنصاري ، فشكى ذلك الفقير إلى رسول الله ، فقال النبي للأنصاري : ' بعني هذه النخلة بنخلة لك في الجنة ، فأبى أن يبيع ، فاشتراها منه أبو الدحداح بحائط له ، وأعطاها ذلك الفقير ، فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآيات .
والأصح أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لأن السورة مكية على قول الجميع ، فلا يستقيم أن تكون الآية منزلة في أحد من الأنصار .
وقد ( ورد ) في الآيتين خبر صحيح ، وهو ما روى منصور بن المعتمر ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب قال : ' كنا في جنازة بالبقيع ، فأتى النبي فجلس وجلسنا معه ، ومعه عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه إلى السماء وقال : ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مدخلها ، فقال القوم : يا رسول الله ، أفلا نتكل على كتابنا ، فمن كان من أهل السعادة فإنما يعمل للسعادة ، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ، قال :
____________________


( ^ وما يغني عنه ماله إذا تردى ( 11 ) إن علينا للهدى ( 12 ) وإن لنا للآخرة والأولى ( 13 ) فأنذرتكم نارا تلظى ( 14 ) لا يصلاها إلى الأشقى ( 15 ) الذي كذب وتولى ) . بل اعملوا فكل ميسر ، أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر بعمل الشقاء ، ثم قرأ : ( ^ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك أبو علي الشافعي بمكة ، أخبرنا أبو الحسن بن فراس ، أخبرنا الديبلي أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن منصور الحديث . < < الليل : ( 11 ) وما يغني عنه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما يغني عنه ماله إذا تردى ) معناه : إذا هلك ، يقال : تردى أي : سقط في النار ، وهو الأصح ؛ لأن التردي في اللغة هو السقوط ، يقال : تردى من مكان كذا أي : سقط . < < الليل : ( 12 ) إن علينا للهدى > >
وقوله : ( ^ إن علينا للهدى ) قال الزجاج : علينا بيان الحلال والحرام ، والطاعة والمعصية .
ويقال : من سلك سبيل الهدى ، فعلينا هداه مثل قوله ( ^ وعلى الله قصد السبيل ) أي : بيان السبيل لمن قصد . < < الليل : ( 13 ) وإن لنا للآخرة . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإن لنا للآخرة والأولى ) أي : ملك الآخرة والأولى ، وقيل : ثواب الآخرة والأولى . < < الليل : ( 14 ) فأنذرتكم نارا تلظى > >
وقوله : ( ^ فأنذرتكم نارا تلظى ) أي : تتلظى ، ومعناه : تتوهج . < < الليل : ( 15 - 16 ) لا يصلاها إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ) أي : كذب بالله ، وأعرض عن طاعته .
وفي الآية سؤال للمرجئة والخوارج ، فإن الله تعالى قال : ( ^ لا يصلاها إلا الأشقى ) أي : لا يقاسي حرها ، ولا يدخلها إلا الأشقى الذي كذب و تولى ، فدل أن
____________________


( ( 16 ) وسيجنبها الأتقى ( 17 ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( 18 ) ) .
المؤمن وإن ارتكب الكبائر لا يدخل النار ، هذا للمرجئة ، وأما الخوارج قالوا : قد وافقتمونا أن صاحب الكبائر يدخل النار ، فدل أنه كفر بارتكاب الكبيرة ، والتحق بمن كذب وتولى حيث قال الله تعالى : ( ^ لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ) .
والجواب من وجوه : أحدها : أن معناه : لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ، فالأشقى هم أصحاب الكبائر ، والذي كذب وتولى هم الكفار .
والعرب تقول : أكلت خبزا لحما تمرا .
أي : ولحما وتمرا ، وحذفوا الواو ، وكذلك هاهنا ، وأنشد أبو زيد الأنصاري :
( كيف أصبحت كيف أمسيت فما ** يثبت الود في فؤاد الكريم )
أي : وكيف أمسيت ؟
والوجه الثاني : أن للنار دركات ، و المراد من الآية دركة بعينها ، لا يدخلها إلا الكفار ، قال الله تعالى : ( ^ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) دلت الآية أنه مخصوص للمنافقين ، وهذا جواب معروف .
والوجه الثالث : أن المعنى : لا يصلاها ، لا يدخلها خالدا فيها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ، وصاحب الكبيرة وإن دخلها لا يخلد فيها . < < الليل : ( 17 - 18 ) وسيجنبها الأتقى > >
وقوله : ( ^ وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ) أي : يعطي ماله ليصير زاكيا طاهرا ، وهو وارد في أبي بكر الصديق على قول أكثر المفسرين ، ويقال : إن الآية الأولى نزلت في أمية بن خلف ، وأما إيتاؤه المال فهو أنه أعتق سبعة نفر كانوا يعذبون في الله ، منهم بلال الخير ، وعامر بن فهيرة ، والنهدية ، وزنيرة ، وغيرهم .
وروى أنه لما اشترى الزنيرة وأعتقها - وكانت قد أسلمت - عميت عن قريب ، فقال المشركون : أعماها اللات والعزى ، فقالت : أنا أكفر باللات والعزى ، فرد الله عليها بصرها .
ومن المعروف أن النبي مر على بلال ، وهو يعذب في رمضاء مكة ، وهو يقول : أحد أحد ، فقال النبي : ' سينجيك أحد ، ثم إنه أتى أبا بكر وقال : رأيت بلالا
____________________

( ^ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( 19 ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( 20 ) ولسوف يرضى ( 21 ) ) . يعذب في الله ، فذهب أبو بكر إلى بيته ، وأخذ رطلا من ذهب ، وجاء إلى أمية بن خلف واشتراه منه وأعتقه ، فقالت قريش : إنما أعتقه ليد له عنده ، < < الليل : ( 19 - 20 ) وما لأحد عنده . . . . . > > فأنزل الله تعالى : ( ^ وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) أي : إلا طلب رضاء ربه المتعالى . < < الليل : ( 21 ) ولسوف يرضى > >
وقوله : ( ^ ولسوف يرضى ) أي : يرضى ثوابه في الآخرة ، والمعنى : يعطيه الله حتى يرضى .
وذكر النقاش في تفسيره : ' أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي فقال : قل لأبي بكر يقول الله تعالى : أنا عنك راض ، فهل أنت عني راض ؟ ، فذكر ذلك لأبي بكر [ فبكى ] وخر ساجدا ، وقال : أنا عن ربي راض ، أنا عن ربي راض ' .
وروى علي أن النبي قال : ' رحم الله أبا بكر ، زوجني ابنته ، وحملني إلى دار الهجرة ، واشترى بلالا وأعتقه ' .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والضحى ( 1 ) والليل إذا سجى ( 2 ) ما ودعك ربك وما قلى ( 3 ) ) . <
> تفسير سورة الضحى <
>
وهي مكية < < الضحى : ( 1 - 2 ) والضحى > >
قوله تعالى : ( ^ والضحى ) أقسم بالنهار كله ، وقيل : بوقت الضحوة ، وهو وقت ارتفاع الشمس .
قال مجاهد : سجى : استوى ، وقال عكرمة : سكن الخلق فيه ، وقيل : استقرت ظلمته .
قال الأصمعي : سجو الليل : تغطية النهار ، يقال : ليل داج ، وبحر ساج ، وسماء ذات أبراج ، قال الراجز :
( يا حبذا القمراء والليل ( الداج ) وطرق مثل ملاء النساج )
وقال آخر :
( فما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم ** وبحرك ساج ( ما ) يواري الدعامصا ) < < الضحى : ( 3 ) ما ودعك ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ ما ودعك ربك وما قلى ) قال أهل التفسير : أبطأ جبريل عن الرسول مرة ؛ فقالت قريش : ودعه ربه وقلاه .
وروي أن امرأة قالت له : يا محمد ، أرى أن شيطانك قد تركك ؛ فأنزل الله تعالى هذه السورة ، و أقسم بما ذكرنا أنه ما ودعه وما قلاه .
وروى زهير ، عن الأسود بن قيس ، عن جندب البجلي قال : كنت مع النبي في غازية ، فدميت أصبعه ، فقال النبي .
____________________


( ^ هل أنت إلا أصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت )
قال : فأبطأ جبريل - عليه السلام - فقال المشركون : قد ودع محمد ؛ فأنزل الله تعالى قوله ( ^ ما ودعك ربك وما قلى ) قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو محمد المكي بن عبد الرزاق الكشميهني ، أخبرنا جدي أبو الهيثم الفربري ، أخبرنا البخاري ، أخبرنا أحمد بن يونس ، عن زهير بن معاوية بن حديج الحديث .
وذكر بعضهم : أن الآية نزلت حين سأل اليهود رسول الله عن خبر أصحاب الكهف وعن ذي القرنين ، وعن الروح فقال : سأخبركم غدا ، ولم يقل : إن شاء الله ، فتأخر جبريل - عليه السلام - سبعة عشر يوما ، وقيل : أقل أو أكثر ، فقال المشركون : قد ودعه ربه وقلاه ؛ فأنزل الله تعالى هذه السورة ' .
وقد قرئ في الشاذ بالتخفيف ، والمعروف بالتشديد أي : ما قطع عنك الوحي ، ( وقيل ) : ما أعرض عنك .
وبالتخفيف معناه : ما تركك ، تقول العرب : دع هذا ، وذر هذا ، واترك هذا بمعنى واحد .
وقوله : ( ^ وما قلى ) أي : ما قلاك بمعنى : ما أبغضك ، ( وقيل ) : ما تركك منذ قبلك ، وما أبغضك منذ أحبك .
قال الأخطل :
( المهديات هو من بيته ** والمحسنات لمن قلين مقالا )
أي : أبغضن .
____________________

( ^ وللآخرة خير لك من الأولى ( 4 ) ولسوف يعطيك ربك فترضى ( 5 ) ألم يجدك يتيما فآوى ( 6 ) ووجدك ضالا فهدى ( 7 ) ) . < < الضحى : ( 4 ) وللآخرة خير لك . . . . . > >
وقوله : ( ^ وللآخرة خير لك من الأولى ) يعني : ثواب الله خير لك من نعيم الدنيا ، وقد روى أن عمر - رضي الله عنه - دخل على النبي فرآه مضجعا على حصير ، قد أثر الحصير في جنبه ، فبكى عمر - رضي الله عنه - فقال رسول الله : ' وما يبكيك يا عمر ؟ فقال : ذكرت كسرى وقيصر وما هما فيه من النعيم ، وذكرت حالك وأنت رسول الله .
فقال له النبي : أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ' . < < الضحى : ( 5 ) ولسوف يعطيك ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولسوف يعطيك ربك فترضى ) أي : من الثواب والكرامة والمنزلة حتى [ ترضى ] ، وفي بعض التفاسير : هو ألف قصر من اللؤلؤ وترابها المسك ، والقول الثالث : أنه الشفاعة لأمته ، وعن محمد بن علي الباقر قال : إنكم تقولون : إن أرجى آية في كتاب الله تعالى قوله : ( ^ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) الآية ، ونحن نقول : أرجى آية في كتاب الله تعالى هو قوله : ( ^ ولسوف يعطيك ربك فترضى ) يعني : أنه يشفعه في أمته حتى يرضى . < < الضحى : ( 6 ) ألم يجدك يتيما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم يجدك يتيما فآوى ) سماه يتيما ؛ لأن أباه توفي وهو حمل ، وقيل : بعد ولادته بشهرين ، وتوفيت أمه وهو ابن ست سنين ، وكفله جده عبد المطلب ، ثم مات وهو ابن ثمان سنين ، وكفله عمه أبو طالب ، ومعنى قوله : ( ^ فأوى ) أي : جعل لك مأوى ، وهو أبو طالب ، والمعنى : يأوي إليه ، وتوفي أبو طالب قبل الهجرة بثلاث سنين . < < الضحى : ( 7 ) ووجدك ضالا فهدى > >
وقوله : ( ^ ووجدك ضالا فهدى ) أي : عن الشرائع والإسلام فهداك إليها ، ويقال : عن النبوة ، وقيل : ووجدك ضالا أي : غافلا عما يراد بك فهداك إليه ، وهو أحسن
____________________

( ^ ووجدك عائلا فأغنى ( 8 ) فأما اليتيم فلا تقهر ( 9 ) ) الأقاويل .
وقيل : ضالا عن طريق الحق فهداك إليه .
وعن بعضهم : وجدك في قوم ضال ، وأولى الأقاويل أن يكون محمولا على الشرائع ، وما أنزل الله مثل قوله سبحانه وتعالى : ( ^ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) أو يكون المعنى وجدك ضالا أي : غافلا عن النبوة والوحي الذي أنزل إليه مثل قوله في قصة موسى - صلوات الله عليه - : ( ^ قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ) أي : من الغافلين . < < الضحى : ( 8 ) ووجدك عائلا فأغنى > >
وقوله : ( ^ ووجدك عائلا فأغنى ) أي : فقيرا فأغناك بمال خديجة .
[ وقال الكلبي ومقاتل ] : أغناك بالرضا والقناعة بما أعطاك ، وهو أولى القولين ، وقد ثبت عن النبي أنه قال : ' ليس الغنى عن كثرة العرض ، إنما الغنى غنى القلب ' ، وأنشد بعضهم :
( فما يدري الفقير متى غناه ** وما يدري الغني متى يعيل )
أي : يفتقر .
ويقال : ( ^ ووجدك عائلا ) أي : ذا عيال ، فأغنى أي : كفاك مؤنتهم ، ومن المعروف أن النبي قال : ' يا رب ، إنك اتخذت إبراهيم خليلا وموسى كليما ، وسخرت مع داود الجبال ، وفعلت كذا وكذا ، فما فعلت بي ؟ فأنزل الله تعالى : ( ^ ألم يجدك يتيما فآوى ) والسورة الأخرى ، وهي قوله تعالى : ( ^ ألم نشرح لك
____________________

( ^ وأما السائل فلا تنهر ( 10 ) وأما بنعمة ربك فحدث ( 11 ) ) صدرك ) وفي هذا الخبر أن الرسول قال : ' وددت أني لم أقل ما قلت ' . < < الضحى : ( 9 ) فأما اليتيم فلا . . . . . > >
قوله سبحانه وتعالى : ( ^ فأما اليتيم فلا تقهر ) أي لا تحتقره ، والمعروف : لا تظلمه أي : تأخذ حقه وتتقوى به ، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك في أموال اليتامى .
وقرأ ابن مسعود : ' فلا تكهر ' أي : لا تزجره . < < الضحى : ( 10 ) وأما السائل فلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأما السائل فلا تنهر ) أي : رد برفق ولين ، فإما أن تعطيه ، وإما أن ترده بالرفق وتدعو له ، وحكى عن الحسن البصري أنه قال : محمول على سائل العلم دون سائل الطعام ، وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه كان إذا جاءه طالب علم قال : مرحبا بأحبة رسول الله ، وعن إبراهيم بن أدهم - قدس الله روحه - قال : إني أظن أن الله تعالى يصرف العقوبة عن أهل الدنيا برحلة أصحاب الحديث في طلب العلم . < < الضحى : ( 11 ) وأما بنعمة ربك . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ وأما بنعمة ربك فحدث ) أي : بالنبوة .
وقوله : ( ^ فحدث ) أي : ادع الناس إليها ، وقد كان يكتم زمانا ثم أظهرها ، وقيل : هو القرآن فعلى هذا قوله : ( ^ فحدث ) أي : اتله على الناس ، ويقال : جميع النعم .
وقوله : ( ^ فحدث ) أي : أظهر بالشكر ، وعن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - أنه قال : إذا أصبت خيرا أو نعمة فحدث به الثقات من إخوانك .
وعن عمرو بن ميمون أنه قال : من قام لورده في الليل فلا بأس أن يحدث به الثقة من إخوانه ، ويقول : رزقني الله كذا وكذا .
وفي
____________________

بعض الأخبار : ' أن إظهار النعمة شكر ، والسكوت عنها كفر ' والله أعلم .
وقرأ ابن كثير - رحمة الله عليه - من هذا الموضع بالتكبير في خواتم السور إلى آخر القرآن ، وذكر أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك ، وقرأ مجاهد على ابن عباس - رضي الله عنهما - فأمره بذلك ، وقرأن ابن عباس على أبي بن كعب - رضي الله عنهما - فأمره بذلك ، وقرأ ( ابن مسعود ) على النبي فأمره بذلك .
والتكبير هو قوله : الله أكبر ، قالوا : وسبب هذا أن المشركين لما قالوا للنبي إن ربه ودعه وقلاه ، وفي رواية أنهم قالوا : قد هجره شيطانه ، فلما أنزل الله تعالى هذه السورة وفيها قوله تعالى : ( ^ ما ودعك ربك وما قلى ) كبر النبي فرحا بنزول هذه السورة ، فصار سنة إلى آخر القرآن .
والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ ألم نشرح لك صدرك ) <
> تفسير سورة ألم نشرح <
>
وهي مكية < < الشرح : ( 1 ) ألم نشرح لك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم نشرح لك صدرك ) معناه : ألم نفتح لك صدرك ؟ وقيل : ألم نوسع لك صدرك ، والقول الأول ، قاله مجاهد والحسن .
وقال السدي : ألم نلين لك قلبك ، وقال الحسن في رواية أخرى : ( ^ ألم نشرح لك صدرك ) معناه : أنه ملئ حكمة وإيمانا .
وقد ورد في الأخبار برواية قتادة ، عن أنس ، [ عن ] مالك بن صعصعة ، أن نبي الله قال : ' بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول : هو بين الثلاثة ، فأتيت بطست من ذهب فيه ماء زمزم ، فشرح الله صدري إلى كذا وكذا .
قال قتادة : قلت : ما تعني ؟ قال : إلى أسفل بطني ، فاستخرج قلبي وغسله بماء زمزم ، ثم أعاده إلى مكانه ، ثم حشاه إيمانا وحكمة ' .
وفي الحديث قصة طويلة ، قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث القاضي الإمام أبو الدرداء ، أخبرنا أبو العباس بن سراج ، أخبرنا أبو العباس بن محبوب أخبرنا أبو عيسى الحافظ ، أخبرنا محمد بن بشار ، أخبرنا محمد بن جعفر ، وابن أبي عدي ، عن سعيد بن أبي ( عروبة ) ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك الحديث .
وهو حديث صحيح .
وورد أيضا في الأخبار أن النبي قال : ' إذا دخل النور في قلب المؤمن انشرح وانفسخ .
فقيل يا رسول الله وهل لذلك من علامة ؟ قال التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل حلول الموت ' .
____________________

( ^ ووضعنا عنك وزرك ( 2 ) الذي أنقض ظهرك ( 3 ) ورفعنا لك ذكرك ( 4 ) ) < < الشرح : ( 2 ) ووضعنا عنك وزرك > >
وقوله : ( ^ ووضعنا عنك وزرك ) قال مجاهد : أي غفرنا لك ، وهو في معنى قوله تعالى ( ^ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) .
وقوله : ( ^ وزرك ) قال مجاهد : أي : ثقلك .
وعن بعضهم : ووضعنا عنك وزرك ، أي : حططنا عنك ثقلك .
وفي رواية ابن مسعود : وحللنا عنك وقرك . < < الشرح : ( 3 ) الذي أنقض ظهرك > >
وقوله : ( ^ الذي أنقض ظهرك ) قال الزجاج ، أي : أثقلك ثقلا ، يسمع منه نقيض ظهرك : وهذا على طريق التشبيه والتمثيل ، يعني : لو كان شيئا يثقل ، يسمع من ثقله نقيض ظهرك .
فإن قال قائل : وأيش كان وزره ؟ وهل كان على دين قومه قبل النبوة أو لا ؟
والجواب : قد ورد في التفسير : أنه كان على دين قومه قبل ذلك ، ومعنى ذلك : أنه كان يشهد مشاهدهم ، ويوافقهم في بعض أمورهم من غير أن يعبد صنما أو يعظم وثنا ، وقد كان الله عصمه عن ذلك ، فما ذكرنا هو الوزر الذي أنقض ظهره . < < الشرح : ( 4 ) ورفعنا لك ذكرك > >
وقوله : ( ^ ورفعنا لك ذكرك ) فيه أقوال : أحدها : ورفعنا لك ذكرك بالنبوة والرسالة .
والآخر : رفعنا لك ذكرك أي : جعلت طاعتك طاعتي ، ومعصيتك معصيتي ، والقول المعروف في هذا أني لا أذكر إلا ذكرت معي ، قال ابن عباس : في الأذان والإقامة والتشهد وعلى المنابر في الجمع والخطب في العيدين ويوم عرفة وغير ذلك .
وقال قتادة : ما من متشهد ولا خطيب ولا صاحب صلاة إلا وهو ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله .
وقد ورد في بعض الأخبار هذا مرفوعا إلى جبريل - عليه السلام - برواية أبي سعيد الخدري عن النبي قال لي : ' إن جبريل قال : قال الله عز وجل : إذا ذكرت
____________________

( ^ فإن مع العسر يسرا ( 5 ) إن مع العسر يسرا ( 6 ) )
وقال حسان بن ثابت يمدح النبي :
( أغر عليه للبنوة خاتم ** من الله مشهود يلوح ويشهد )
( وضم الإله اسم النبي مع اسمه ** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد )
( وشق له من اسمه ليجله ** فذو العرش محمود وهذا محمد ) < < الشرح : ( 5 - 6 ) فإن مع العسر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فإن من العسر يسرا ) أي : مع العسر يسرا .
في التفسير أن المشركين عيروا النبي وأصحابه ، وقالوا : لو شئت جمعنا لك شيئا من المال لترجع عن هذا القول ، فأكربه ذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
والمعنى : إن مع الفقر غنى ، ومع الضيق سعة ، وإن مع الحزونة سهولة ، ومع الشدة رخاء .
وقد حقق الله ذلك في الدنيا بما فتح على النبي - عليه الصلاة والسلام - وعلى أصحابه ، فإن الله تعالى فتح للنبي الحجاز ، وتهامة ، وما والاها ، وعامة بلاد اليمن ، وكثيرا من البوادي إلى [ قريب ] من العراق والشام ، وفتح على أصحابه ما فتح وأغنمهم كنوز كسرى وقيصر ، وقد صار حال النبي في آخر أمره أنه كان يهب المائين من الإبل ، والألوف من الغنم ، ويدخر لعياله قوت سنة ، فهذا الذي ذكرناه هو معنى الآية .
وقد روى معمر ( عن أيوب ) عن الحسن ' أن النبي خرج يوما مسرورا إلى أصحابه وقال : أبشروا لن يغلب عسر يسرين ، ثم قرأ قوله تعالى : ( ^ فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد ، أخبرنا سهل بن عبد الصمد بن عبد الرحمن البراز أخبرنا العذافري ، أخبرنا الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن معمر . . . الحديث .
____________________


فإن قال قائل : ما معنى قوله : لن يغلب عسر يسرين ، وقد كرر كلاهما ؟
والجواب عنه : أن الفراء ذكر أن النكرة إذا كررت نكرة ، فالثاني غير الأول ، والنكرة إذا أعيدت معرفة فالثاني هو الأول تقول العرب : كسبت اليوم درهما ، وأنفقت الدرهم .
فالثاني هو الأول .
ونقول : وعلى معنى هذا ورد قوله تعالى : ( ^ كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ) وعن ابن مسعود قال : لو دخل العسر في جحر لتبعه اليسر حتى يستخرجه .
وفي معنى اليسرين قولان : أحدهما : يسر الدنيا ، والآخر يسر الآخرة ، فعلى هذا معنى الخبر ، إن غلب العسر يسر الدنيا ، فلا يغلب يسر الآخرة .
والقول الثاني : أن اليسر الأول هو للرسول ، واليسر الثاني لأصحابه .
قال رضي الله عنه : أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن عبد العزيز الجنوجردي قال : أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي الحسن بن محمد النيسابوري قال : سمعت محمد بن عامر البغدادي قال سمعت عبد العزيز بن يحيى قال : سمعت عمر قال العتبي يقول : كنت ذات ليلة في البادية ، فألقى في روعي بيت من شعر ، فقلت :
( أرى الموت لمن أصبح ** مغموما أروح )
فلما جن الليل سمعت هاتفا يهتف من الهواء :
( ألا أيها المرء الذي ** الهم به يبرح )
( وقد أنشد بيتا ** لم يزل في فكره يسنح )
( إذا اشتدت بك العسرى ** ففكر في ألم نشرح )
( فعسر بين يسرين ** إذا أبصرته فافرح )
قال : فحفظت الأبيات ، وفرج الله غمي .
قال رضي الله عنه : وأنشدنا أبو بكر قال : أنشدنا أبو إسحاق قال أنشدنا الحسن بن محمد بن الحسن قال : أنشدنا أحمد بن محمد بن إسحاق الحيري قال : أنشدنا
____________________

( ^ فإذا فرغت فانصب ( 7 ) وإلى ربك فارغب ( 8 ) ) إسحاق بن بهلول القاضي :
( فلا تيأس وإن أعسرت يوما ** فقد أيسرت في دهر طويل )
( ولا تظنن بربك ظن سوء ** فإن الله أولى بالجميل )
( وإن العسر يتبعه يسار ** وقول الله أصدق كل قيل )
قال رضي الله عنه : وأنشدنا أبو بكر قال : أنشدنا أبو إسحاق قال : أنشدنا الحسن قال : أنشدنا الحسن بن محمد قال : أنشدني محمد بن سليمان بن معاذ ( الكرخي ) قال أنشدنا أبو بكر بن الأنباري :
( إذا بلغ العسر مجهوده ** فثق عند ذاك بيسر سريع )
( ألم تر نحس الشتاء النطيع ** يتلوه سعد الربيع البديع )
قال رضي الله عنه : وأنشدنا أبو بكر ، أنشدنا أبو إسحاق ، أنشدني عيسى بن زيد الطفيلي أنشدني سليمان بن أحمد الرقي :
( توقع إذا ما عدتك الخطوب ** سرورا يسردها عندك فسرا )
( ترى الله يخلف ميعاده ** وقد قال إن مع العسر يسرا ) < < الشرح : ( 7 ) فإذا فرغت فانصب > >
قوله تعالى : ( ^ فإذا فرغت فانصب ) قال مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل : إذا فرغت من الصلاة فانصب للدعاء ، وارغب إلى الله في المسألة .
وقال الشعبي : إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك .
وروى نحو ذلك عن الزهري وعن ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب لقيام الليل .
وعن بعضهم إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب لجهاد الكفار . < < الشرح : ( 8 ) وإلى ربك فارغب > >
وقوله : ( ^ وإلى ربك فارغب ) هو الحث على الدعاء [ و ] المسألة .
وقال الزجاج : إلى ربك فارغب وحده ، ولا تكن رغبتك إلى أحد سواه .
والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والتين والزيتون ( 1 ) وطور سينين ( 2 ) وهذا البلد الأمين ( 3 ) لقد خلقها الإنسان في أحسن تقويم ( 4 ) ثم رددناه أسفل سافلين ( 5 ) ) <
> تفسير سورة التين <
>
وهي مكية
وقد ثبت برواية البراء بن عازب أن النبي قرأ هذه السورة في صلاة المغرب خرجه مسلم في كتابه . < < التين : ( 1 ) والتين والزيتون > >
قوله تعالى : ( ^ والتين والزيتون ) قال مجاهد والحسن : هو التين الذي يؤكل والزيتون الذي يعصر .
والمعنى : ورب التين والزيتون .
وقال قتادة : التين هو الجبل الذي عليه دمشق ، والزيتون هو الجبل الذي عليه بيت المقدس .
وقال كعب : هو دمشق وبيت المقدس .
وحكى الفراء أنهما جبلان ما بين حلوان إلى همذان .
ويقال : أراد منابت التين والزيتون .
قال النحاس : وهذا قول يخالف ظاهر الآية ، ولم ينقل عمن يكون قوله حجة . < < التين : ( 2 ) وطور سينين > >
وقوله : ( ^ وطور سنين ) أكثر المفسرين أنه الجبل الذي كلم الله عليه موسى .
وقد ثبت عن عمر أنه قرأ : ' وطور سَيْنَاء ' ، وفي حرف ابن مسعود : ' وطور سِيْنَاء ' بكسر السين .
وقال الحسن : الطور هو الجبل ، وسنين : المبارك .
وعن الأخفش : طور : اسم الجبل وسنين : اسم الشجر . < < التين : ( 3 ) وهذا البلد الأمين > >
وقوله : ( ^ وهذا البلد الأمين ) هو مكة بالإجماع ، ومعنى الأمين أي : آمن من فيه . < < التين : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . . > >
وقوله : ( ^ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) هو جواب القسم .
قال مجاهد وإبراهيم وجماعة : في أحسن تقويم أي : في أحسن صورة .
وقيل : في أحسن تقويم : هو اعتداله واستواؤه . < < التين : ( 5 ) ثم رددناه أسفل . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم رددناه أسفل سافلين ) قال مجاهد والحسن : إلى النار إلا من آمن .
فعلى هذا تكون الآية في الكفار .
وقد قيل : إنه ورد في كافر بعينه فيقال : إنه أبو
____________________

( ^ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ( 6 ) فما يكذبك بعد بالدين ( 7 ) أليس الله بأحكم الحاكمين ( 8 ) ) جهل .
وقيل : إنه الوليد بن المغيرة .
وقيل غيرهما .
وقال إبراهيم والضحاك وجماعة : ثم رددناه أسفل سافلين : هو أرذل العمر ، والسافلون هم الضعفاء والمرضى والشيوخ العجزة . < < التين : ( 6 ) إلا الذين آمنوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلا الذين آمنوا ) الاستثناء مشكل في هذه السورة ، فعلى قول الحسن ومجاهد يكون الاستثناء ظاهرا والمعنى : رد الناس إلى النار إلا من آمن وعمل صالحا فإنه لا يرد إلى النار ، ومعنى الإنسان : الناس .
وأما على قول إبراهيم والضحاك فالاستثناء مشكل على هذا القول ، قاله النحاس .
والمعنى على هذا إلا الذين آمنوا فلا يردون إلى أرذل العمر ، ومعناه : أنه يكتب لهم أعمالهم الصالحة بعد الهرم على ما كانوا يعملونها في حالة الشباب وإن عجزوا عنها ، فكأنهم لم يردوا إلى أرذل العمر ، وقد حكى معنى هذا عن إبراهيم ، وروى ذلك مرفوعا في بعض الأخبار إلى الرسول .
وقوله : ( ^ فلهم أجر غير ممنون ) فيه قولان : أحدهما : لا يمتن به عليهم أحد - سوى الله - منة تكدر النعمة عليهم .
والقول المعروف : غير مقطوع وهو مؤيد لما ذكرناه من التأويل . < < التين : ( 7 ) فما يكذبك بعد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فما يكذبك بعد بالدين ) المعنى : فما يكذبك أيها الشاك بيوم الحساب بعد ما شاهدت من قدرة الله تعالى ما شاهدت ، هذا هو القول المعروف .
وفي الآية قول آخر : أن معناه : فمن يكذبك بعد بالدين على خطاب النبي أي : من الذي يكذبك بيوم الحساب بعد أن ظهر من البراهين والآيات ما ظهر ، ذكره أبو معاذ النحوي ، القول الأول أولى ؛ لأن ما بمعنى من ، يبعد في اللغة . < < التين : ( 8 ) أليس الله بأحكم . . . . . > >
وقوله : ( ^ أليس الله بأحكم الحاكمين ) هو استفهام بمعنى التحقيق وهو مثل قول جرير :
( ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح )
أي : أنتم كذلك .
وقد ورد عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا إذا ختموا السورة قالوا : اللهم بلى ، وفي رواية : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين ؛ منهم أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ اقرأ باسم ربك الذي خلق ( 1 ) ) <
> تفسير سورة العلق <
>
وهي مكية < < العلق : ( 1 ) اقرأ باسم ربك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ اقرأ باسم ربك الذي خلق ) أكثر أهل العلم [ أن ] هذه السورة أول سورة أنزلت من القرآن ، وهو مروي عن علي ، وابن عباس ، وعائشة ، وابن الزبير .
وروى محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ' أن أول سورة أنزلت من القرآن ، سورة اقرأ باسم ربك الذي . . . ' قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث الحاكم أبو عمرو ومحمد بن عبد العزيز القنطري ، أخبرنا أبو الحارث علي بن القاسم الخطابي أخبرنا أبو لبابة محمد بن المهدي ، أخبرنا أبو عماد بن الحسين بن بشر ، عن [ سلمة ] بن الفضل عن محمد بن إسحاق .
الخبر .
وعن جابر : أن أول سورة أنزلت سورة المدثر ، [ و ] قد بينا ، والأصح هو القول الأول ، وقد ثبت برواية عائشة - رضي الله عنها - قالت : ' أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا ( الصادقة ) في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد - وهو التعبد - ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها ، حتى ( فجئه ) الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقر ، فقال النبي قلت : ما أنا بقارئ .
قال :
____________________

( ^ خلق الإنسان من علق ( 2 ) اقرأ وربك الأكرم ( 3 ) الذي علم بالقلم ( 4 ) علم الإنسان ما لم يعلم ( 5 ) كلا إن الإنسان ليطغى ( 6 ) ) فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم ، أرسلني ، فقال : اقرأ ، فقلت ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال اقرأ ، فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : ' اقرأ باسم ربك الذي خلق . . . حتى بلغ ما لم يعلم ' .
والخبر طويل مذكور في الصحيحين .
وقوله : ( ^ باسم ربك ) أي : اقرأ مفتتحا باسم ربك ، وقيل : اقرأ اسم ربك ، والباء زائدة ، قاله أبو عبيدة ، ومثله قول الشاعر :
( هن الحرائر لأرباب أخمرة ** سود المحاجر لا يقرأن بالسور )
أي : السور ، والباء زائدة .
وقيل : اقرأ على اسم ربك ، كما يقال : سر باسم الله أي : على اسم الله ، والقولان الأولان هما المعروفان .
وقوله : ( ^ الذي خلق ) يعني : خلق الناس . < < العلق : ( 2 ) خلق الإنسان من . . . . . > >
وقوله : ( ^ خلق الإنسان من علق ) أي : العلقة وهي الدم ، وذكرها هنا العلقة ؛ لأنها من الأمشاج ، فدل بها على غيرها . < < العلق : ( 3 ) اقرأ وربك الأكرم > >
وقوله : ( ^ اقرأ وربك الأكرم ) أي كريم ، ومن كرمه أن يحلم عن ذنوب العباد ، ويؤخر عقوبتهم ، وعن بعضهم : من كرمه أن يعبد الآدمي غيره ، ولا يقطع عنه رزقه . < < العلق : ( 4 ) الذي علم بالقلم > >
وقوله : ( ^ الذي علم بالقلم ) أي : الكتابة بالقلم ، وهي نعمة عظيمة ، قال قتادة : القلم نعمة من الله عظيمة ، لولا ذلك لم يقم دين ، ولم يصلح عيش ، واختلف القول في المراد بالتعليم ، فأحد القولين هو آدم صلوات الله عليه ، والقول الآخر : كل آدمي يخط بالقلم . < < العلق : ( 5 ) علم الإنسان ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ علم الإنسان ما لم يعلم ) قد بينا ، وهو ظاهر المعنى . < < العلق : ( 6 ) كلا إن الإنسان . . . . . > >
قوله : ( ^ كلا إن الإنسان ليطغى ) نزل في أبي جهل ، وقد ورد في بعض الأخبار
____________________

( ^ أن رآه استغنى ( 7 ) إن إلى ربك الرجعى ( 8 ) أرأيت الذي ينهى ( 9 ) عبدا إذا صلى ( 10 ) أرأيت إن كان على الهدى ( 11 ) أو أمر بالتقوى ( 12 ) أرأيت إن كذب وتولى ( 13 ) ألم يعلم بأن الله يرى ( 14 ) كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ) عن النبي أنه قال : ' إن لكل أمة فرعون ، وفرعون هذه الأمة أو جهل ' .
وهو خبر غريب .
وقوله : ( ^ ليطغى ) أي : يجاوز الحد في العصيان ، قال الكلبي : من الطغيان أن يتنقل من منزلة إلى منزلة في اللباس والطعام .
وفي بعض التفاسير : هو أنه إذا كثر ماله زاد في طعامه وشرابه وثيابه ( ومركبه ) .
وعن ابن مسعود أنه قال : منهومان لا يشبعان طالب علم ، وطالب مال لا يستويان ، أما طالب العلم فيبتغي رضا الرحمن ، وأما طالب المال فيطلب رضا الشيطان . < < العلق : ( 7 ) أن رآه استغنى > >
وقوله : ( ^ أن رآه استغنى ) أي : رأى نفسه غنيا . < < العلق : ( 8 ) إن إلى ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن إلى ربك الرجعى ) أي : الرجوع والمرجع . < < العلق : ( 9 - 10 ) أرأيت الذي ينهى > >
وقوله تعالى : ( ^ أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) هو أبو جهل أيضا ، والعبد الذي يصلي هو الرسول ، وقد ثبت برواية ابن عباس : أن أبا جهل قال : إن رأيت محمدا يصلي لأطأن على رقبته ، فذكر له أنه يصلي فجاء ليطأ على رقبته ، فلما قرب منه نكص على عقبيه ، فقيل له : ما لك يا أبا الحكم ؟ فقال : رأيت بيني وبينه خندقا من نار ، وهؤلاء ذوو أجنحة ، فقال النبي : لو دنى مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ' خرجه مسلم في كتابه .
وقوله : ( ^ أرأيت ) هو تعجيب للسامع ، وقيل
____________________

( ( 15 ) ناصية كاذبة خاطئة ( 16 ) فليدع نادية ( 17 ) سندع الزبانية ( 18 ) كلا لا تطعه واسجد واقترب ( 19 ) ) معناه : أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ، كيف يأمن عذابي ؟ وقيل معناه أمصيب هو ؟ يعني : ليس بمصيب ، وفي قول سيبويه معناه : أرأيت من كان هذا عمله ، أخبرني عن أمره في الآخرة ؟ وهو إشارة إلى أنه يصير إلى عقوبة الله في الآخرة . < < العلق : ( 11 - 12 ) أرأيت إن كان . . . . . > >
قول تعالى : ( ^ أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ) يعني : محمدا . < < العلق : ( 13 ) أرأيت إن كذب . . . . . > >
وقوله : ( ^ أرأيت إن كذب وتولى ) يعني : أبا جهل ، والمعنى : أن من كذب وتولى ونهى عبدا إذا صلى ، كيف يكون كمن آمن بربه واتقى وصلى ! . < < العلق : ( 14 ) ألم يعلم بأن . . . . . > >
وقوله : ( ^ ألم يعلم بأن الله يرى ) هو تهديد ووعيد . < < العلق : ( 15 ) كلا لئن لم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ) أي : لنجرن بناصيته إلى النار ، وقيل : لنسودن وجهه ، وذكر الناصية ليدل على الوجه ، وقيل : لنسمن موضع الناصية بالسواد ، فاكتفى به من سائر الوجه .
وفي اللغة : الأسفع : الثور الوحشي الذي في خديه سواد ، وأنشدوا على القول :
( قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ** من بين ملجم مهرة أو سافع )
أراد وأخذ بناصيته .
وأنشدوا على القول الثاني :
( وكنت ( إلى ) نفس الغوى نزت به ** سفعت على العرنين منه بميسم )
أراد وسمته على عرنينه . < < العلق : ( 16 ) ناصية كاذبة خاطئة > >
وقوله : ( ^ ناصية كاذبة خاطئة ) أي : ناصية صاحبها كاذب خاطئ . < < العلق : ( 17 ) فليدع ناديه > >
وقوله تعالى : ( ^ فليدع نادية ) روى : ' أن أبا جهل لما أنكر على النبي صلاته ،
____________________

انتهره النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال له أبو جهل : أتنهرني يا محمد ، وما بها أكثر ناديا مني ؛ أعمر مجلسا وأكثر قوما ، فأنزل الله تعالى : ( ^ فليدع نادية ) أي قومه الذي يتعزز بهم ، وهم أهل مجلسه . < < العلق : ( 18 ) سندع الزبانية > >
وقوله : ( ^ سندع الزبانية ) هم الملائكة الذين قال الله تعالى في وصفهم : ( ^ عليها ملائكة غلاظ شداد ) وقيل : هم أعوان ملك الموت .
( وواحد الزبانية زبنية في قول الكسائي زباني ، وعن بعضهم : زبان ) . < < العلق : ( 19 ) كلا لا تطعه . . . . . > >
وقوله : ( ^ كلا لا تطعه واسجد واقترب ) أي : واسجد لله واقترب منه بالطاعة ، وقيل : واسجد يا محمد واقترب يا أبا جهل ، لترى عقوبة الله وهو قول غريب .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إنا أنزلناه في ليلة القدر ( 1 ) <
> تفسير سورة القدر <
>
وهي مدنية < < القدر : ( 1 ) إنا أنزلناه في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا أنزلناه في ليلة القدر ) أي : القرآن ، وقد ذكرنا أن الله تعالى أنزل جميع القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ، ثم أنزله تفاريق على الرسول ، بعضه في إثر بعض والهاء كناية عن القرآن ، وإن لم يكن القرآن مذكورا ، وصح ذلك لأنه معلوم .
وليلة القدر : هي ليلة الحكم .
قال مجاهد في التفسير : إن الله تعالى يقسم فيها [ الأرزاق ] والأعمال .
واختلفوا في ليلة القدر ، فحكى عن بعضهم : أنها رفعت حين توفي النبي وليس بصحيح ، بل هي باقية إلى قيام الساعة .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : في الحول ، ومن يقم حولا يصيبها .
والصحيح أنها في العشر الأخير من رمضان ، وقد ثبت برواية زر بن حبيش أنه قال لأبي بن كعب : ' إن أخاك عبد الله بن مسعود يقول : إنها في الحول ، فقال أبي بن كعب : يرحم الله أبا عبد الرحمن ! لقد علم أنها في العشر الأخير من رمضان ، وعلم أنها ليلة السابع والعشرين ، ولكن أراد أن لا يتكل الناس على ذلك ، ثم حلف أبي بن كعب ، ولم يستثن أنها ليلة السابع والعشرين ، قال زر : فلما رأيته يحلف : قلت : يا أبا المنذر ، بم تعرف ذلك ؟ قال بالعلامة الذي ذكرها لنا رسول الله ، وهي أن تطلع الشمس في صبيحتها ولا شعاع لها ' .
____________________

( ^ وما أدراك ما ليلة القدر ( 2 ) ليلة القدر خير من ألف شهر ( 3 ) ) وقد ثبت أيضا عن النبي أنه قال : ' تحروها في العشر الأواخر من رمضان ' .
أي : اطلبوها ، وفي بعض الروايات : ' اطلبوها في الأفراد ' ، وفي رواية أبي سعيد الخدري : ' أنها ليلة الحادي والعشرين ' .
وقيل غير ذلك ، وأصح الأقاويل وأشهرها أنها ليلة السابع والعشرين ، ومن قام العشر أدركها قطعا وحقيقة . < < القدر : ( 2 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما ليلة القدر ) قد بينا أن ما ورد في القرآن على هذا اللفظ ، فقد أعلمه الله تعالى . < < القدر : ( 3 ) ليلة القدر خير . . . . . > >
وقوله : ( ^ ليلة القدر خير من ألف شهر ) أي : ثواب العمل فيها أكثر من ثواب العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، وذكر أبو عيسى الترمذي في جامعه برواية يوسف بن سعد ، أن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - لما بايع معاوية ، وسلم إليه الخلافة ، قال له رجل : يا مسود وجوه المؤمنين ، أو يا مذل المؤمنين ، فقال : لا تقل بها ، فإن رسول الله أري بني أمية على منبره ، فساءه ذلك ، فأنزل الله تعالى عليه : ( ^ إنا أعطيناك الكوثر ) ، وأنزل أيضا : ( ^ إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ، وقال ( ^ ليلة القدر خير من ألف شهر ) أي : خير من ألف شهر يملك فيها بنو أمية ' .
قال أبو عيسى : وهو غريب .
وفي بعض التفاسير : أن النبي قال : ' إن رجلا من بني
____________________

( ^ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ( 4 ) سلام هي حتى مطلع الفجر ( 5 ) ) إسرائيل جاهد أعداء الله ألف شهر ، وكان مع ذلك يقوم بالليل ، ويصوم النهار ، فاغتم من ذلك لقصر أعمار أمته ، وقلة أعمالهم ، فأنزل الله تعالى هذه السورة ، وأخبر أنه أعطاه ليلة يكون العمل فيها خيرا من عمل ذلك الرجل ألف شهر ' .
وقد ثبت في فضلها عن النبي أنه قال : ' من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ' . < < القدر : ( 4 ) تنزل الملائكة والروح . . . . . > >
وقوله : ( ^ تنزل الملائكة والروح فيها ) أي : جبريل فيها .
وقوله : ( ^ بإذن ربهم من كل أمر ) أي : لكل أمر ، وهو ما ذكرنا من مقادير الأشياء . < < القدر : ( 5 ) سلام هي حتى . . . . . > >
وقوله : ( ^ سلام هي ) فيه قولان :
أحدهما : أن المراد منه تسليم الملائكة على من يذكر الله تعالى في تلك الليلة .
والقول الثاني : ( ^ سلام ) أي : سلامة ، والمعنى : أنه لا يعمل فيها داء ولا سحر ولا شيء من عمل الشياطين والكهنة .
وقوله : ( ^ حتى مطلع الفجر ) وقرئ : ' مطلع الفجر ' بكسر اللام ، فالبفتح على المصدر وبالكسر على وقت الطلوع .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ( 1 ) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ( 2 ) فيها كتب قيمة ( 3 ) وما تفرق الذين ) <
> تفسير سورة لم يكن <
>
وهي مكية في قول بعضهم ، ( مدنية في قول بعضهم ، والله أعلم ) < < البينة : ( 1 ) لم يكن الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ) قرأ أبي بن كعب : ' ما كان الذين كفروا ' وهو شاذ ، والمعروف هو الأول .
وقوله تعالى : ( ^ من أهل الكتاب والمشركين منفكين ) أي : منتهين ، ومعناه : أن الكفار من أهل الكتاب والمشركين ما كانوا منتهين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة أي : حتى أتاهم الرسول ، مستقبل بمعنى الماضي ، وقيل : البينة هي القرآن ، وهذا قول معروف معتمد ، والقول الثاني : أن أهل الكتاب والمشركين الذين سمعوا منهم لم يزالوا على إقرار بالنبي قبل ظهوره ، فلما ظهر اختلفوا ، فأقر بعضهم ، وأنكر البعض ، < < البينة : ( 2 ) رسول من الله . . . . . > > وقوله : ( ^ رسول من الله ) أي : هو رسول من الله ، وقيل : حتى أتاهم رسول من الله .
وقوله : ( ^ يتلو صحفا مطهرة ) أي : ما في الصحف ، وقوله : ( ^ مطهرة ) أي : من التغيير والتبديل والإدناس والإنجاس . < < البينة : ( 3 ) فيها كتب قيمة > >
وقوله : ( ^ فيها كتب قيمة ) أي : أحكام مستقيمة عادلة ، والكتاب يأتي بمعنى الحكم ، والكتب بمعنى الأحكام ، وفي قصة العسيف أن النبي قال : ' لأقضين بينكما بكتاب الله ' أي : بحكم الله .
____________________

( ^ أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( 4 ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( 5 ) إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ( 6 ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ( 7 ) ) < < البينة : ( 4 ) وما تفرق الذين . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ) أي : في أمر النبي وما جاء به .
وقوله : ( ^ إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) أي : البينات والبراهين والدلائل . < < البينة : ( 5 ) وما أمروا إلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) قد ذكرنا معنى الحنيف ، وقيل : إذا كان مسلما فهو الحاج ، وإذا كان غير مسلم فهو الإسلام ، والمعنى : أمروا أن يكونوا حنفاء ، فإن كان الخطاب مع المسلمين فالمراد منه أن يكونوا حجاجا وإن كان الخطاب مع الكفار فالمراد أن يكونوا مسلمين .
وقوله : ( ^ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) أي : ذلك الملة القيمة ، وقيل : دين الأمة المستقيمة على الحق ، وقيل : دين الملة القيمة . < < البينة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ) قرئ بالهمز وترك الهمز ، فالقراءة بالهمز من برأ الله الخلق ، وبترك الهمزة من البرى ، وهو التراب أي : شر من خلق من البرى ، والعرب تقول : بفيك البرى والثرى . < < البينة : ( 7 ) إن الذين آمنوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) قد ذكرنا ، وروى سفيان الثوري ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك : ' أن رجلا قال للنبي يا خير البرية قال : ذاك إبراهيم - صلوات الله عليه ' أورده أبو عيسى الترمذي في جامعه ، وقال : هو صحيح غريب .
____________________

( ^ جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ( 8 ) ) < < البينة : ( 8 ) جزاؤهم عند ربهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري ) قال ابن عمر : خلق الله أربعة أشياء بيده : القلم ، والعرش ، وجنة عدن ، وآدم - صلوات الله عليه ، وقال لسائر الأشياء كوني فكانت .
وقوله : ( ^ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ) أي : رضي أعمالهم ، ورضوا ثوابه .
وقوله : ( ^ ذلك لمن خشي ربه ) أي : خاف ربه .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إذا زلزلت الأرض زلزالها ( 1 ) ) <
> تفسير سورة إذا زلزلت <
>
وهي مكية ، وقل : مدنية .
وقد روى أنس أن النبي قال : ' من قرأ : ( ^ إذا زلزلت الأرض زلزالها ) عدلت له بنصف القرآن ، ومن قرأ : ( ^ قل يا أيها الكافرون ) عدلت له بربع القرآن ، ومن قرأ : ( ^ قل هو الله أحد ) عدلت بثلث القرآن ' أورده أبو عيسى في جامعه وقال : هو حديث غريب .
وأورد - أيضا - برواية سلمة بن وردان عن أنس بن مالك قال : إن النبي قال لرجل من أصحابه : ' هل تزوجت يا فلان ؟ قال : لا والله ، ولا عندي ما أتزوج به ، فقال : أليس معك ( ^ قل هو الله أحد ) ؟ قال : بلى ، قال : ثلث القرآن ، قال : أليس معك ( ^ إذا جاء نصر الله والفتح ) ؟ قال : بلى ، قال : ربع القرآن ، قال : أليس معك ( ^ قل يا أيها الكافرون ) ؟ قال : بلى .
قال : ربع القرآن ، قال : أليس معك ( ^ إذا زلزلت الأرض زلزالها ) ؟ قال : بلى ، قال : ربع القرآن ، قال : تزوج تزوج ' .
____________________

( ^ وأخرجت الأرض أثقالها ( 2 ) وقال الإنسان ما لها ( 3 ) يومئذ تحدث أخبارها ( 4 ) ) < < الزلزلة : ( 1 ) إذا زلزلت الأرض . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إذا زلزلت الأرض زلزالها ) قال ابن عباس : حركت من أسفلها .
والزلزال هو التحريك الشديد ، وعن ابن عباس أنه عقيب النفخة الأولى .
وفي التفسير : أن إسرافيل إذا نفخ في الصور النفخة الأولى يكسر كل شيء على وجه الأرض من شدة نفخته ، ويدخل في جوف الأرض ، فإذا نفخ النفخة الثانية أخرجت جميع ما في جوفها ، وألقتها على ( وجهها ) . < < الزلزلة : ( 2 ) وأخرجت الأرض أثقالها > >
وقوله : ( ^ وأخرجت الأرض أثقالها ) هو ما ذكرنا ، وذلك عقيب النفخة الثانية ، قال مجاهد وقتادة : كنوزها وموتاها . < < الزلزلة : ( 3 ) وقال الإنسان ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وقال الإنسان ما لها ) أي : وقال الكافر ما لها ؟ يعني : ما للأرض أخرجت أثقالها .
وإنما قال الكافر ذلك ؛ لأنه لم يكن يؤمن بالبعث . < < الزلزلة : ( 4 ) يومئذ تحدث أخبارها > >
وقوله : ( ^ يومئذ تحدث أخبارها ) أي : تحدث بما عمل عليها من خير وشر - يعني الأرض - وروى سعيد بن أبي أيوب ، عن يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله هذه الآية : ( ^ يومئذ تحدث أخبارها ) قال : أتدرون ما أخبارها ؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، أن تقول : عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا ، قال : فهذه أخبارها .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو الحسين بن النقور أخبرنا أبو طاهر ( بن ) المخلص ، أخبرنا يحيى بن محمد بن صاعد ، أخبرنا [ الحسين
____________________

( ^ بأن ربك أوحى لها ( 5 ) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ( 6 ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ( 7 ) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( 8 ) ) بن الحسن ] المروزي ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي أيوب . . الحديث ، ويقال : المعنى : وقال الإنسان ما لها ؟ أي : ما للأرض تحدث أخبارها . < < الزلزلة : ( 5 ) بأن ربك أوحى . . . . . > >
قوله : ( ^ بأن ربك أوحى لها ) أي : أوحى إليها أن تحدث .
قال الشاعر :
( أوحى لها القرار فاستقرت ** )
أي : إليها .
والمعنى : أن الأرض أخبرت بوحي الله إليها .
قال أبو جعفر النحاس : الوحي على وجهين : أحدهما : وحي الله إلى أنبيائه عليهم السلام ، والآخر : بمعنى الإلهام ، مثل قوله تعالى : ( ^ وأوحى ربك إلى النحل ) ، ومثل هذه الآية ، وهو قوله تعالى : ( ^ بأن ربك أوحى لها ) أي : ألهمها أن تحدث . < < الزلزلة : ( 6 ) يومئذ يصدر الناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ) أي : متفرقين .
يقال : شتان ما بين فلان وفلان أي : ما أشد التفرقة بينهما .
وقوله : ( ^ ليروا أعمالهم ) أي : أعمالهم التي عملوها . < < الزلزلة : ( 7 - 8 ) فمن يعمل مثقال . . . . . > >
وقوله : ( ^ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) قال ابن مسعود : هذه الآية أحكم آية في القرآن .
وروى أن عمر بن الخطاب سأل قوما : أي آية في كتاب الله أحكم ؟ فقالوا : ( ^ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) فقال : أفيكم ابن أم عبد ؟ فقالوا : نعم ، وأراد أن هذا جائز منه .
وروى أن صعصعة عم الفرزدق أتى النبي فأسلم ، فسمع هذه الآية : ( ^ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) قال : حسبي لا أبالي ألا اسمع من القرآن غيرها .
رواه الحسن مرسلا .
____________________


وروى المغيرة بن قيس عن ابن الزبير ، عن جابر قال : ' قلت يا رسول الله ، إلى ما ينتهي الناس يوم القيامة ؟ قال : إلى أعمالهم ؛ من عمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن عمل مثقال ذرة شرا يره ' .
وفي الذرة قولان : أحدهما : أنها النملة الحمراء الصغيرة - وهو قول معروف ، والآخر : هي ما يعلق بيد الإنسان إذا وضع يده على الأرض ، وقيل : هي الذرة التي ترى في الكوة منبثا في الهواء في ضوء الشمس ، وذكر النقاش عن بعضهم : أن الذرة جزء من ألف وأربعة و ( عشرين ) جزءا من شعيرة .
وعن بعضهم : أنه بسط ذرات كثيرة على وجه إحدى كفتي الميزان ، فلم تمل عين الميزان .
وعن ابن عباس قال : [ يرى المؤمن حسناته وسيئاته فيرد عليه حسناته وتأخر سيئاته ] .
وعن بعضهم : أن ذكر الذرة على طريق التمثيل والتشبيه ، والمعنى أنه يلقى عمله الصغير والكبير ، فما أحب الله أن يغفر غفر ، وما أحب الله أن يؤاخذ به أخذ والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والعاديات ضبحا ( 1 ) فالموريات قدحا ( 2 ) فالمغيرات صبحا ( 3 ) فأثرن به نقعا ( 4 ) فوسطن به جمعا ( 5 ) إن الإنسان لربه لكنود ( 6 ) ) <
> تفسير سورة العاديات <
>
وهي مكية < < العاديات : ( 1 ) والعاديات ضبحا > >
قوله تعالى : ( ^ والعاديات ضبحا ) قال علي وابن مسعود : هي الإبل .
قال علي : لم يكن يوم بدر إلا فرسان : أحدهما للمقداد ، والآخر للزبير .
وقال ابن عباس : هي الخيل .
وهذا القول أظهر .
وأقسم بالخيل العادية في سبيل الله ، وضبيحها .
صوت أجوافها ، وقيل : صوت أنفاسها عند العدو .
قال ابن عباس : ليس بصهيل ولا حمحمة . < < العاديات : ( 2 ) فالموريات قدحا > >
وقوله : ( ^ فالموريات قدحا ) قال ابن مسعود : هي الإبل تقدح بمناسمها ، وعلى قول ابن عباس : هي الخيل تقدح الأحجار بحوافرها ، فتورى النار . < < العاديات : ( 3 ) فالمغيرات صبحا > >
وقوله : ( ^ فالمغيرات صبحا ) قال ابن مسعود : هي الإبل حين يفيضون من جمع ، وعلى قول ابن عباس : هي الخيل تغير في سبيل الله ، قال قتادة : أغارت حين أصبحت . < < العاديات : ( 4 ) فأثرن به نقعا > >
قوله تعالى : ( ^ فأثرن به نقعا ) على قول ابن مسعود أثرن بالوادي فكنى عنه وإن لم يكن مذكورا ، وعلى قول ابن عباس بالمكان المغار .
قال مجاهد عن ابن عباس : النقع التراب ، وقال قتادة : هو الغبار . < < العاديات : ( 5 ) فوسطن به جمعا > >
وقوله تعالى : ( ^ فوسطن به جمعا ) فعلى قول ابن مسعود أي : جمع المزدلفة ، وعلى قول ابن عباس جمع العدو ، فأقسم الله تعالى برب هذه الأشياء ، وقيل : بهذه الأشياء بأعيانها ، وقيل : إن النبي كان بعث سرية إلى بني كنانة فأغاروا عند الصباح ، وتوسطوا جمع العدو ، وكانوا أصحاب خيل ، فأقسم الله تعالى بهم . < < العاديات : ( 6 ) إن الإنسان لربه . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن الإنسان لربه لكنود ) على هذا وقع القسم .
____________________

( ^ وإنه على ذلك لشهيد ( 7 ) وإنه لحب الخير لشديد ( 8 ) )
وقوله : ( ^ لكنود ) أي : لكفور ، وقيل : هو البخيل السيء الخلق .
وفي بعض الأخبار مرفوعا إلى النبي برواية أبي أمامة عن النبي في قوله : ( ^ إن الإنسان لربه لكنود ) قال : ' هو الذي يأكل وحده ، ويمنع رفده ويضرب عبده ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث الحاكم محمد بن عبد العزيز القنطري ، أخبرنا محمد بن الحسين [ الحدادي ] ، أخبرنا محمد بن يحيى ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا ( المؤتمن ) بن سليمان ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة الحديث . < < العاديات : ( 7 ) وإنه على ذلك . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإنه على ذلك لشهيد ) أي : وإن الله على ذلك لشهيد أي : على كفره .
وقال عطاء عن ابن عباس : < < العاديات : ( 8 ) وإنه لحب الخير . . . . . > > وقوله : ( ^ وإنه لحب الخير لشديد ) معناه : إن الإنسان لأجل حب المال لبخيل .
يقال : شديد ومشدد أي : بخيل .
قال طرفة :
( أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى ** عقيلة مال الفاحش المتشدد )
أي : البخيل
____________________

( ^ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ( 9 ) وحصل ما في الصدور ( 10 ) إن ربهم بهم يومئذ لخبير ( 11 ) ) < < العاديات : ( 9 ) أفلا يعلم إذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ) أي : أخرج ، وقرأ ابن مسعود : ' بحث ' وعن غيره وهو أبي بن كعب : ' بحثر ' أي : قلب . < < العاديات : ( 10 ) وحصل ما في . . . . . > >
قوله : ( ^ وحصل ما في الصدور ) أي : أظهر ما فيها .
وقيل : جمع يعني : ما في صحائف الأعمال . < < العاديات : ( 11 ) إن ربهم بهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن ربهم بهم يومئذ لخبير ) أي : عالم ، ويقال : أي : يجازيهم بأعمالهم ، ومثله قوله تعالى : ( ^ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ) أي : يجازيهم الله بما في قلوبهم .
وكذلك قوله : ( ^ وما تفعلوا من خير يعلمه الله ) أي : يجازي عليه ، وقيل في قوله : ( ^ وحصل ما في الصدور ) أي : ميز ما فيها من الخير والشر ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ القارعة ( 1 ) ما القارعة ( 2 ) وما أدراك ما القارعة ( 3 ) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ( 4 ) وتكون الجبال كالعهن المنفوش ( 5 ) فأما من ثقلت ) <
> تفسير سورة القارعة <
>
وهي مكية < < القارعة : ( 1 - 3 ) القارعة > >
قوله تعالى : ( ^ القارعة ما القارعة ) هي القيامة ، سميت قارعة ؛ لأنها تقرع القلوب بالهول والشدة .
وقوله : ( ^ ما القارعة ) مذكور على وجه التعظيم والتهويل ، وكذلك ( ^ وما أدراك ما القارعة ) . < < القارعة : ( 4 ) يوم يكون الناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) الفراش هو صغار الحيوان من البق والبعوض والجراد وما يجتمع عند ضوء السراج ، والمبثوث سماه مبثوثا ؛ لأنه يركب بعضه بعضا ، وقيل : يمرج بعضه في بعض ، وهو مثل قوله تعالى : ( ^ كأنهم جراد منتشر ) وشبه الناس عند الحشر به ؛ لأنه يمرج بعضهم في بعض . < < القارعة : ( 5 ) وتكون الجبال كالعهن . . . . . > >
وقوله : ( ^ وتكون الجبال كالعهن ) أي : الصوف الذي يدف ، والعهن هو الصوف المصبوغ ، وهو أرخى ما يكون من الصوف ، وذكر هذا على معنى أن الجبال من هول يوم القيامة مع صلابتها وقوتها تصير كالعهن المنفوش . < < القارعة : ( 6 - 7 ) فأما من ثقلت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ) .
قال الفراء والزجاج : أي ذات رضا .
وقيل : مرضية . < < القارعة : ( 8 ) وأما من خفت . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأما من خفت موازينه ) في بعض التفاسير : أن لكل إنسان ميزانا على حدة لعمله من الخير والشر . < < القارعة : ( 9 ) فأمه هاوية > >
وقوله : ( ^ فأمه هاوية ) أي مرجعه إلى الهاوية ، وسماها أمه ؛ لأن الإنسان يأوي إلى
____________________

( ^ موازينه ( 6 ) فهو في عيشة راضية ( 7 ) وأما من خفت موازينه ( 8 ) فأمه هاوية ( 9 ) وما أدراك ما هية ( 10 ) نار حامية ( 11 ) ) أمه ؛ فالهاوية تؤوي الكفار ، فهي أمهم ، وفي بعض الأخبار في نعت النار : فبئست الأم ، وبئست المربية ، ويقال : الهاوية كل موضع يهوى فيه الإنسان ويهلك . < < القارعة : ( 10 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما هية ) الهاء في قوله : ( ^ ما هية ) هاء الوقف على فتحة الياء . < < القارعة : ( 11 ) نار حامية > >
وقوله : ( نار حامية ) أي : حامية على الكفار محرقة لهم ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ ألهاكم التكاثر ( 1 ) حتى زرتم المقابر ( 2 ) كلا سوف تعلون ( 3 ) ثم كلا سوف تعلمون ( 4 ) كلا لو تعلمون علم اليقين ( 5 ) لترون الجحيم ( 6 ) ثم ) <
> تفسير سورة التكاثر <
>
وهي مكية < < التكاثر : ( 1 ) ألهاكم التكاثر > >
قول تعالى : ( ^ ألهاكم التكاثر ) أي : شغلكم التكاثر بالأموال والأولاد عما أمرتم به . < < التكاثر : ( 2 ) حتى زرتم المقابر > >
وقوله : ( ^ حتى زرتم المقابر ) فيه قولان : أحدهما : حتى متم ، والقول الثاني : هو أنه تفاخر حيان من قريش ، وهما بنو عبد مناف ، وبنو الزهرة ، وقيل : بنو زهرة وبنو جمح - وهو الأصح - فعدوا الأحياء فكثرتهم بنو زهرة فعدوا الأموات فكثرتهم بنو جمح ، فهو معنى قوله تعالى : ( ^ حتى زرتم المقابر ) أي : عددتم من في القبور .
وروى شعبة ، عن قتادة ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن أبيه قال : انتهيت إلى رسول الله وهو يقول : ' ألهاكم التكاثر ' قال : يقول ابن آدم : مالي مالي ، وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟ ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو محمد عبد الله بن محمد الصريفيني المعروف بابن هزارمرد ، أخبرنا أبو القاسم بن حبابة ، أخبرنا البغوي ، أخبرنا علي بن الجعد ، عن شعبة . . الحديث ، خرجه مسلم عن بندار ، عن غندر ، عن شعبة . < < التكاثر : ( 3 ) كلا سوف تعلمون > >
وقوله تعالى : ( ^ كلا سوف تعلمون ) تهديد ووعيد . < < التكاثر : ( 4 ) ثم كلا سوف . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم كلا سوف تعلمون ) تهديد بعد تهديد ، ووعيد بعد وعيد ، والمعنى : ستعلمون عاقبة تفاخركم وتكاثركم إذا نزل بكم الموت .
____________________

( ^ لترونها عين اليقين ( 7 ) ) < < التكاثر : ( 5 ) كلا لو تعلمون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا لو تعلمون عل اليقين ) جوابه محذوف ، والمعنى : كلا لو تعلمون علم اليقين لارتدعتم عما تفعلون ، وقيل : ما ألهاكم التكاثر . < < التكاثر : ( 6 - 7 ) لترون الجحيم > >
وقوله : ( ^ لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ) قال بعضهم : الثاني تأكيد للأول ، والمعنى فيهما واحد ، وقال بعضهم : لترون الجحيم عن بعد إذا أبرزت ، ثم لترونها عين اليقين إذا دخلتموها .
وعن قتادة قال : كنا نتحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت .
ويقال : لترون الجحيم في القبر ، ثم لترونها عين اليقين في القيامة . < < التكاثر : ( 8 ) ثم لتسألن يومئذ . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، يسأل الله تعالى عباده يوم القيامة فيم استعملوها ؟ وهو أعلم بذلك منهم .
وعن ابن مسعود : أنه الأمن والصحة .
وعن قتادة : هو المطعم الهني والمشرب الروي .
وروى أبو هريرة مرفوعا إلى النبي ' أنه الظل البارد والماء البارد ' .
وروى عمر بن أبي سلمة أن النبي وأبا بكر وعمر أتوا منزل أبي الهيثم بن التيهان ، وأكلوا عنده لحما وتمرا ، ثم قال النبي : ' هذا من النعيم الذي تسألون عنه ' .
وروى أن عمر قال : ' يا رسول الله ، نسأل عن هذا ؟ قال : نعم إلا كسرة يسد الرجل بها جوعه ، وخرقة يستر بها عورته ، وحجرا يدخل فيه من الحر والقر ' .
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : كل لذات الدنيا .
وعن بعضهم : النوم مع العافية .
____________________

( ^ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( 8 ) )
وذكر أبو عيسى أخبارا في هذه ، منها ما روينا من حديث مطرف ، وقال : هو حديث حسن صحيح ، ومنها حديث المنهال بن عمرو ، عن زر بن حبيش ، عن علي قال : ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ( ^ ألهاكم التكاثر ) .
قال أبو عيسى : وهو حديث غريب .
ومنها حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عبد الله بن الزبير بن العوام ، عن أبيه قال : ' لما نزلت ( ^ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال الزبير : يا رسول الله ، وأي النعيم يسأل عنه ، وإنما هما الأسودان : التمر والماء ؟ قال : أما إنه سيكون ' قال : وهو حديث حسن .
وروى عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : ' لما نزلت هذه الآية : ( ^ ثم لتسألن يومئذ عن ا لنعيم ) قال الناس : يا رسول الله ، عن أي النعيم نسأل ، وإنما هما الأسودان ، والعدو حاضر ، وسيوفنا على عواتقنا ؟ قال : إن ذلك سيكون ' .
روى عن الضحاك بن عبد الرحمن [ بن ] عرزم الأشعري قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله : ' إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة - يعني العبد من النعيم - أن يقال له : ألم نصحح لك جسمك ، ونروك من الماء البارد ' .
قال : وهو حديث غريب ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والعصر ( 1 ) إن الإنسان لفي خسر ( 2 ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( 3 ) ) <
> تفسير سورة العصر <
>
وهي مكية < < العصر : ( 1 - 2 ) والعصر > >
قوله تعالى : ( ^ والعصر إن الإنسان ) قال ابن عباس : هو الدهر ، وفيه العبرة لمرور الليل والنهار أنهما على ترتيب واحد .
وعن الحسن وقتادة : أنه العشي .
قال الشاعر :
( تروح بنا عمر وقد قصر العصر ** وفي الروحة الأولى المثوبة والأجر )
والعصران : هما الليل والنهار ، ويقال : هما الغداة والعشي .
وقال مقاتل : العصر هو صلاة العصر .
وعن بعضهم : أنه عصر النبي أقسم به ، وحكى أن في حرف علي : ' العصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر .
وهو فيه إلى آخر العمر ' .
وقال الزجاج : والمعنى : ورب العصر .
وقوله : ( ^ إن الإنسان لفي خسر ) معناه : لفي غبن ، ويقال : في شر ، ويقال : في هلاك ، والخسران هو ذهاب رأس المال ، ورأس مال الآدمي هو عمره ونفسه ، فإذا كفر فقد ذهب رأس ماله ، والإنسان هو الكافر ، وقيل : واحد بمعنى الجمع ، وقيل : هو في كافر بعينه ، فقيل : إنه أبي بن خلف ، وقيل : وليد بن المغيرة ، وقيل : أبو جهل بن هشام . < < العصر : ( 3 ) إلا الذين آمنوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي : بالطاعات .
وقوله : ( ^ وتواصوا بالحق ) قال الحسن وقتادة : أي بالقرآن واتباعه ، وقيل : بالتوحيد .
وعن السدي : بالله أي : تواصوا بالله ، وعن الفضيل بن عياض قال : يحث بعضهم بعضا على طاعة الله .
____________________


وقوله : ( ^ وتواصوا بالصبر ) عن المعاصي ، وقيل : بالصبر على الطاعة ، وقد ورد خبر غريب برواية أبي أمامة أن قوله : ( ^ إن الإنسان لفي خسر ) هو أبو جهل بن هشام .
وقوله : ( ^ إلا الذين آمنوا ) هو أبو بكر ( ^ وعملوا الصالحات ) هو عمر ( ^ وتواصوا بالحق ) هو عثمان ( ^ وتواصوا بالصبر ) هو علي ، رضي الله عنهم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ ويل لكل همزة لمزة ( 1 ) الذي جمع مالا وعدده ( 2 ) يحسب أن ماله أخلده ( 3 ) كلا لينبذن في الحطمة ( 4 ) وما أدراك ما الحطمة ( 5 ) نار الله الموقدة ) <
> تفسير سورة الهمزة <
>
وهي مكية ، والله أعلم < < الهمزة : ( 1 ) ويل لكل همزة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويل لكل همزة ) قد بينا معنى الويل .
وقوله : ( ^ همزة لمزة ) قال ابن عباس : الهمزة الذي يطعن في الناس ويعيبهم ، واللمزة هو الذي يغتابهم ومثله عن مجاهد ، وقيل على العكس ، فالهمزة هو المغتاب ، واللمزة الذي يطعن في الناس ، قاله السدي وغيره ، وعن بعضهم : أن الهمزة هو الذي يؤذي الناس بلسان أو يد ، واللمزة هو الذي يؤذيهم بحاجب ( وعين ) ، وهو قول غريب ، وعن ابن عباس في رواية : أن الآية نزلت في الأخنس بن شريق الزهري ، وهو قول معروف ، وأنشدوا في الهمزة واللمزة :
( تدلى بودي إذا لاقيتني كذبا ** وإن تغيبت كنت الهامز اللمزة ) < < الهمزة : ( 2 ) الذي جمع مالا . . . . . > >
وقوله : ( ^ الذي جمع مالا وعدده ) بالتشديد والتخفيف ، فقوله : ( ^ جمع ) بالتخفيف معلوم ، وبالتشديد فالمعنى : أنه جمع من كل وجه شيئا فشيئا .
وقوله : ( ^ وعدده ) أي أعده لنفسه ولحوادثه ، وقرئ : ' وعدده ' بالتخفيف ، ومعناه : جمع عددا أي : قوما وأنصارا يتقوى بهم . < < الهمزة : ( 3 ) يحسب أن ماله . . . . . > >
وقوله : ( ^ يحسب أن ماله أخلده ) أي : يبقى حتى بقيته ، قاله الحسن ، وقال بعضهم : أي : يمنع الموت عنه . < < الهمزة : ( 4 ) كلا لينبذن في . . . . . > >
وقوله : ( ^ كلا لينبذن في الحطمة ) هو اسم من أسماء جهنم ، وقرأ ابن مصرف :
____________________

( ( 6 ) التي تطلع على الأفئدة ( 7 ) إنها عليهم مؤصدة ( 8 ) في عمد ممددة ( 9 ) ' لينبذن في الحطمة ' يعني : نفسه وماله ، وسميت النار حكمة ؛ لأنها تأكل كل شيء .
يقال : رجل حُطَمة أي : أكول ، وقيل : لأنها تكسر كل شيء من الحطم وهو الكسر . < < الهمزة : ( 5 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما الحطمة ) قد بينا . < < الهمزة : ( 6 - 7 ) نار الله الموقدة > >
وقوله : ( ^ نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ) يعني : يصل ألمها ووجعها إلى الفؤاد .
قال محمد بن كعب القرظي : تأكل النار أجسادهم ، فإذا وصلت النار إلى القلب أعيدوا كما كانوا ، وتعود النار إلى أكلهم فهكذا أبدا . < < الهمزة : ( 8 ) إنها عليهم مؤصدة > >
وقوله : ( ^ إنها عليهم مؤصدة ) قال ابن عباس وأبو هريرة : مطبقة ، وقيل : مغلقة .
يقال : أصدت الباب أي أغلقته . < < الهمزة : ( 9 ) في عمد ممددة > >
وقوله : ( ^ في عمد ) وقرئ ' في عمد ممددة ' بفتح العين ورفعه ، وقرأ الأعمش وطلحة ويحيى بن وثاب : ' بعمد ممدة ' وهو معنى القراءة المعروفة ، وعن بعضهم : أن العمد الممدة هي الأغلال في أعناقهم ، وعن بعضهم : [ هو ] القيود في أرجلهم ، وعن بعضهم : قيود على قبرهم من نار يعذبون فيها ، وأولى الأقاويل هو أنها مطبقة بعمد يعني : مسدودة لا يخرج منها غمر ، ولا يدخلها روح .
وعن قتادة : يعذبون بالعمد ، وهي جمع عمود .
وعن أبي جعفر القارئ : أنه بكى مرة حين قرئت هذه السورة عليه ، فقيل له : ما يبكيك يا أبا جعفر ؟ قال : أخبرني زيد بن أسلم أن أهل النار لا يتنفسون فذلك أبكاني .
وقوله : ( ^ ممدة ) وقيل : مطولة ، ويقال : ممدودة .
وذكر النقاش في تفسيره : أنه يبقى رجل من المؤمنين في النار ألف سنة يقول : يا حنان ، يا منان ، وهو في شعب من شعاب النار ، فيقول الله لجبريل : أخرج عبدي من النار ، فيجيء جبريل - عليه السلام - فيجد النار مؤصدة أي : مطبقة ، فيعود ويقول : يا رب ، إني وجدت النار مؤصدة ،
____________________

فيقول : يا جبريل عد وفكها ، وأخرج عبدي من النار ، فيعود جبريل ويخرجه ، وهو مثل الخلال ( أسود ) فيلقيه على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعرا ولحما ودما ويدخله الجنة .
رواه عن سعيد بن جبير ، وذكر أن النار تطبق عليهم لييأسوا من الخروج منها ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ( 1 ) ) <
> تفسير سورة الفيل <
>
وهي مكية < < الفيل : ( 1 ) ألم تر كيف . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) الفيل دابة معلومة ، ومعنى قوله : ( ^ ألم تر ) أي : ألم تعلم ؟ وقيل : ألم تر آثار ما فعل ربك بأصحاب الفيل . وأصحاب الفيل هم جند من الحبشة أميرهم أبرهة بن الصباح أبو يكسوم وقيل : غيره .
غزوا الكعبة ، وقصدوا تخريبها وهدمها ، وأصح ما حكى في سببه أن أبرهة كان نصرانيا بني بيعة بصنعاء اليمن ، وزينها بالفاخر من الثياب والجواهر ، وقال : بنيت هذا ، يحجه العرب وأكفهم عن حج الكعبة ، وأمر الناس بذلك وأجبرهم عليه ، فجاء رجل من العرب - وقيل : إنه كان من بني كنانة - ودخل البيعة ، وأحدث فيها وهرب ، فذكر ذلك لأبرهة فغضب غضبا شديدا وحلف بالنصرانية والمسيح ليغزون الكعبة ، وليهدمنها حجرا حجرا ، ثم إنه غزا الكعبة مع جيش عظيم .
وفيه قصة طويلة ، وساق مع نفسه فيلا يقال له : محمود ، وقيل : كانت ثمانية من الفيلة أكبرها هذا الفيل ، ولقي في الطريق جندا من العرب وهزمهم ، وقتل منهم حتى أتى الطائف ، ثم إنه توجه من الطائف إلى مكة ، ودليله أبو رغال ، فمات أبو رغال في الطريق فقبره هو القبر الذي ترجمه العرب ، وهو بين مكة والطائف ، ونزل أبرهة والجند بالمغمس ، وسمع أهل مكة بذلك ، وسيدهم يومئذ عبد المطلب بن هاشم ، وأغار الجند على ما وجدوا من أموال أهل مكة وإبلهم ، وأخذوا مائتي بعير لعبد المطلب ثم إنه جاء عبد المطلب ، إلى أبرهة في طلب بعيره - وكان رجلا جسيما وسيما - فلما رآه أبرهة أعجبه حسنه وجماله فقال : ما حاجتك ؟ فقال : أن ترد على إبلي .
فقال لترجمانه : قل
____________________

( ^ ألم يجعل كيدهم في تضليل ( 2 ) ) له : أعجبني ما رأيت من هيئتك ، ثم رغبت عنك حين سمعت كلامك ، فقال عبد المطلب : وما الذي رغب الملك عني ؟ فقال : جئت لأهدم شرفك وشرف آبائك ، فتركت ذكره وسألتني إبلا أخذت لك ! فقال له عبد المطلب : أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا يمنعه ، فأمر برد الإبل عليه ، فعاد عبد المطلب ، وأمر أهل مكة حتى تنصرف في رءوس الجبال ، وقال : قد جاءكم مالا قبل لكم به .
ثم أخذ عبد المطلب بحلقة الكعبة وقال :
( يا رب : لا أرجو لهم سواكا ** يا رب ، فامنع منهم حماكا )
( إن عدو البيت من عاداك ** )
ومن المعروف أيضا أنه قال :
( يا رب إن المرء يمنع ** حله فامنع حلالك )
( لا يغلبن صليبهم ** ومحالهم أبدا محالك )
والمحال : العقوبة .
( إن كنت تاركهم وكعبتنا ** فامر ما بدالك )
ثم خرج مع القوم وخلوا مكة ، فروى أن الفيل كان إذا أحس التوجه قبل مكة امتنع ، فإذا وجه نحو اليمن أسرع وهرول ، وحبس الله الفيل عن البيت ، وهو معنى ما ثبت عن النبي أنه قال يوم الحديبية حين بركت ناقته - وهي القصواء - وقال الناس : خلأت القصواء فقال النبي : ' لا ، لكن حبسها حابس الفيل ' ثم إن الله تعالى بعث عليهم طيرا خرجت من قبل البحر ، قال ابن عباس : لها خراطيم الطير وأنف الكلاب ، وقيل : كانت سوداء ، وقيل : حمراء ، ومع كل طير ثلاثة أحجار : حجران في كفيه ، وحجر في منقاره ، وفي القصة : أن الحجر كان دون الحمص وفوق
____________________

( ^ وأرسل عليهم طيرا أبابيل ( 3 ) ترميهم بحجارة من سجيل ( 4 ) فجعلهم كعصف مأكول ( 5 ) العدس ، فجاءت الطير ورمتهم بالأحجار ، وفي القصة : أن الحجر كان يصيب رأس الإنسان ، فيخرج من دبره ، فيسقط ويموت ، وكان إذا وقع على جانب منه خرج من الجانب الآخر ، وهرب القوم وتساقطوا في الطريق .
وقيل : إن الحجر إذا أصاب الواحد منهم نفط موضعه وأصابه الجدري ، فهو أول ما رئى الجدري في ديار العرب ، والله أعلم .
وأما أبرهة فتساقط في الطريق أنملة أنملة ، ثم إنه انصدع صدره عن قلبه ومات .
وعام الفيل هو العام الذي ولد فيه النبي ، وقد قيل : إنه ولد بعد ذلك بسنتين ، والصحيح هو الأول ، وقال أهل العلم : كان ذلك إرهاصا لنبوة النبي وتأسيسا بها . < < الفيل : ( 2 ) ألم يجعل كيدهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم يجعل كيدهم في تضليل ) أي : أبطل مكرهم وسعيهم ، ويقال : قوله : ( ^ في تضليل ) أي : ضل عنهم ، وفاتهم ما قصدوا . < < الفيل : ( 3 ) وأرسل عليهم طيرا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) قال أبو عبيدة : جماعات في تفرقة ، وعند أبي عبيدة والفراء : لا واحد لها ، وعند الكسائي : واحدها : أبول مثل عجاجيل وعجول .
ويقال : طيرا أبابيل أي : كثيرة ، ويقال : أقاطيع يتبع بعضها بعضا . < < الفيل : ( 4 ) ترميهم بحجارة من . . . . . > >
وقوله : ( ^ ترميهم بحجارة من سجيل ) قال ابن عباس : السجيل بالفارسية ( سنك ) كل ، ويقال : من سجيل من السماء ، وهو اسم سماء الدنيا . < < الفيل : ( 5 ) فجعلهم كعصف مأكول > >
وقوله : ( ^ فجعلهم كعصف مأكول ) العصف : هو ورق الزرع ، ومعناه : كعصف قد أكل ما فيه ، وقيل : كل ثمره .
والمعنى : أن الله تعالى شبههم بالزرع الذي أكلته الدواب وراثته وتفرقت ، ولم يبق من ذلك شيء فشبه هلاكهم بذلك ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ لإيلاف قريش ( 1 ) <
> تفسير سورة لإيلاف <
>
وهي مكية < < قريش : ( 1 - 2 ) لإيلاف قريش > >
قوله تعالى : ( ^ لإيلاف قريش ) روى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : ( ^ لإيلاف قريش ) قال : نعمتي على قريش بإيلافهم رحلة الشتاء والصيف .
والإيلاف في اللغة هو ضد الإيجاش ، وهو نظير الإيناس ، فإن قال قائل : ما معنى ابتداء السورة باللام ؟ والجواب من وجهين : أحدهما أن معناه : اعجبوا لإيلاف قريش وتركهم الإيمان بي ، كأنه يذكر نعمته عليهم ، ويذكر كفرانهم لنعمته بترك الإيمان ، والوجه الثاني أن معناه : أن هذا متصل في المعنى بالسورة المتقدمة ، وكأنه قال : ( ^ فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ) أي : ليبقى لهم ما ألفوه من رحلتي الشتاء والصيف .
وذكر القتيبي في معنى السورة : أن القوم لم يكن لهم زرع ولا ضرع إلا القليل ، وكانت معايشهم من التجارة وكانت لهم رحلتان : رحلة في الصيف إلى الشام ، ورحلة في الشتاء إلى اليمن ، وقيل : غير هذا ، وكانوا إذا خرجوا من مكة لا يتعرض لهم أحد ، فإذا لقيهم قوم قالوا : نحن أهل الله فيكفون عنهم ولا يحاجون .
وروى أنهم كانوا يقولون : نحن من حرم الله ، فتقول العرب : هؤلاء أهل الله فيكفون عنهم ، وهو معنى قوله تعالى : ( ^ أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) فذكر الله تعالى في هذه السورة والسورة المتقدمة منته عليهم في دفع أصحاب الفيل عنهم ، ليبقى لهم ما ألفوه من التجارة في رحلتي الشتاء والصيف .
وأما قريش : فهم أولاد النضر بن كنانة ، فكل من كان من أولاد النضر بن كنانة فهو
____________________

( ^ إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ( 2 ) فليعبدوا رب هذا البيت ( 3 ) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ( 4 ) ) قرشي واختلفوا في اشتقاق هذا الاسم ، فقال الأكثرون : سموا قريشا للتجارة ، وكانوا أهل تجارة ، والقرش : الكسب ، يقال : كان فلان يقرش لعياله ويقترش أي : يكتسب .
وعن ابن عباس : أنه سميت قريش قريشا بدابة تكون في البحر ، يقال لها : القرش ، لا تمر بغث ولا سمين إلا أكلته وأنشدوا في ذلك :
( وقريش هي التي تسكن البحر ** وبها سميت قريش قريشا )
( تأكل الغث والسمين ولا تترك ** فيه لذي الجناحين ريشا )
( هكذا في البلاد هي قريش ** يأكلون البلاد أكلا كميشا )
( ولهم آخر الزمان نبي ** يكثر القتل فيهم والخموشا ) < < قريش : ( 3 - 4 ) فليعبدوا رب هذا . . . . . > >
وقوله : ( ^ فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع ) قال ذلك لأنهم كانوا يجلبون الطعام من المواضع البعيدة وكان هو الذي يسهل لهم ذلك ، ويرزقهم إياها بتيسير أسبابها لهم .
وقوله : ( ^ وآمنهم من خوف ) أي : من خوف الغارة والقتل على ما قلنا ، وقيل : من خوف الجذام ، والأصح هو الأول .
وفي بعض التفاسير : أن أول من جمع قريشا على رحلتي الشتاء والصيف هاشم بن عبد مناف ، وكانوا يأخذون في بضائعهم باسم الفقراء شيئا معلوما فإذا رجعوا أعطوهم ذلك تقربا إلى الله .
وقال الشاعر في هاشم :
( عمرو العلا هشم الثريد لقومه ** ورجال مكة مسنتون عجاف )
( الخالطين فقيرهم بغنيهم ** حتى يصير فقيرهم كالكاف )
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ أرأيت الذي يكذب بالدين ( 1 ) فذلك الذي يدع اليتيم ( 2 ) ولا يحض على طعام المسكين ( 3 ) فويل للمصلين ( 4 ) ) <
> تفسير سورة أرأيت <
>
وهي مكية
وقيل : إنها مدنية ، وقيل : نصفها مكية ، ونصفها مدنية ، فالنصف الأول إلى قوله ( ^ فويل للمصلين ) مكية ، والنصف الباقي مدنية ، والله أعلم . < < الماعون : ( 1 ) أرأيت الذي يكذب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أرأيت الذي يكذب بالدين ) أي : بالجزاء ، وقيل : بالحساب ، قاله مجاهد ، والمعنى : أرأيت من يكذب بالدين أمخطئ هو أم مصيب ؟ يعني : أنه مخطئ فلا توافقه ولا تتبعه . < < الماعون : ( 2 ) فذلك الذي يدع . . . . . > >
وقوله : ( ^ فذلك الذي يدع اليتيم ) وورد في الحديث أن النبي قال : ' من ضم يتيما من بين المسلمين إلى نفسه ، وجبت له الجنة ' .
وقرئ في الشاذ : ' يَدعُ اليتيم ' أي : يترك العطف عليه والرحمة له . < < الماعون : ( 3 ) ولا يحض على . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ ولا يحض على طعام المسكين ) قيل : لا يطعم بنفسه ، ولا يأمر به غيره . < < الماعون : ( 4 - 5 ) فويل للمصلين > >
قوله تعالى : ( ^ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال قتادة : غافلون .
وروى المغيرة عن إبراهيم قال : مضيعون للوقت ، وهذا قول معروف ، وهو وارد عن جماعة من التابعين ، وذكروا أن المراد بالسهو هاهنا هو تأخير الصلاة عن وقتها ، والقول الثالث : وهو أن الآية وردت في المنافقين .
ومعنى قوله : ( ^ الذين هم عن صلاتهم ساهون ) يعني : أنهم إن صلوها لم يرجوا
____________________

( ^ الذين هم عن صلاتهم ساهون ( 5 ) الذين هم يراءون ( 6 ) ويمنعون الماعون ( 7 ) ) ثوابا ، وإن تركوها لم يخافوا عقابا .
قال ابن زيد : هم المنافقون صلوها ، وليست الصلاة من شأنهم .
وروى الوالبي عن ابن عباس قال : هم المنافقون ، كانوا إذا حضروا صلوها رياء ، وإذا غابوا تركوها .
وقال محمد بن كعب القرظي : هو المنافق ، إذا رأى الناس صلى ، وإذا لم ير الناس لم يصل .
وقيل : ساهون أي : لاهون ، والمعنى أنهم يشتغلون بغيره عنها . < < الماعون : ( 6 ) الذين هم يراؤون > >
وقوله : ( ^ الذين هم يراءون ) قد بينا . < < الماعون : ( 7 ) ويمنعون الماعون > >
وقوله : ( ^ ويمنعون الماعون ) قال علي : هو الزكاة ، حكاه مجاهد عنه ، وهذا القول محكي أيضا عن الحسن وإبراهيم التيمي .
وقال ابن عباس : هو العارية ، وسميت ماعونا : لأن الناس يعين بعضهم بعضا .
وقد ورد في الخبر : أنه مثل الماء والملح والفأس والقدر والمقدحة وما أشبه ذلك .
وفي بعض الأخبار عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سألت النبي ما الذي لا يحل منعه ؟ قال : ' الماء والملح والنار ' .
وفي بعض الروايات زيادة : ' والحجر والدلو ' .
وحكى أبو الحسين بن فارس عن أبيه فارس ، أن الماعون هو الماء ، حكاه عن أهل اللغة ، وقد ذكره النحاس أيضا في كتابه .
وأنشدوا :
( يمج صبيرة الماعون مجا ** )
وأنشدوا في الماعون بمعنى الزكاة :
( قوم على الإسلام لما يمنعوا ** ماعونهم ويضيعوا التهليلا )
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إنا أعطيناك الكوثر ( 1 ) ) <
> تفسير سورة الكوثر <
>
وهي مكية
روى المختار بن فلفل عن أنس قال : ' بينا رسول الله ذات يوم بين أظهرنا ، إذا أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما ، فقلت : ما أضحكك يا رسول الله ؟ فقال : أنزلت عليَّ آنفا سورة ' فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ( ^ إنا أعطيناك الكوثر فصلي لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم .
قال : فإنه نهر وعدنيه ربي خيرا كثيرا ، هو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد نجوم السماء ، فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ' .
رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن علي بن مسهر عن المختار بن فلفل . < < الكوثر : ( 1 ) إنا أعطيناك الكوثر > >
قوله تعالى : ( ^ إنا أعطيناك الكوثر ) قد بينا .
وروى همام ، عن قتادة عن أنس أن رسول الله قال : ' بينا أنا أسير في الجنة إذا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ فقال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، فضرب الملك بيده ، فإذا طينه مسك أذفر ' .
قال رضي الله عنه :
____________________

( ^ فصل لربك وانحر ( 2 ) ) أخبرنا بهذا الحديث أبو الحسن بن النقور ، أخبرنا أبو القاسم بن حبابة ، أخبرنا البغوي ، أخبرنا هدبة ، عن همام . . الحديث .
وأخرجه البخاري عن هدبة ، وذكره أبو عيسى في كتابه بروايته عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله : ' بينا أنا أسير في الجنة إذا عرض [ لي ] نهر حافتاه قباب اللؤلؤ ، قلت للملك : ما هذا ؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله ، قال : ثم ضرب بيده إلى طينه فاستخرج مسكا ، ثم رفعت لي ( سدرة المنتهى ) فرأيت عندها نورا عظيما ' .
قال : وهو حديث حسن صحيح ، وروى أيضا بطريق [ محارب ] بن دثار عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله : ' الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت ، [ و ] ترتبه أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل ، وأبيض من الثلج ' .
قال : هو حديث حسن .
وفي بعض التفاسير برواية عائشة - رضي الله عنها - أن النبي قال : ' من أراد أن يسمع خرير الكوثر ، فليدخل أصبعه في أذنه ' .
وهو غريب جدا .
وفي الكوثر قول آخر ، وهو أنه الخير الكثير ، فهو فوعل من الكثرة ، وقد أعطى الله
____________________

( ^ إن شانئك هو الأبتر ( 3 ) ) رسوله محمدا من الخير ما لا يحصى ولا يعد كثرة في الدنيا والآخرة ، وقال الحسن البصري : هو القرآن ، وقيل : العلم والقرآن . < < الكوثر : ( 2 ) فصل لربك وانحر > >
وقوله : ( ^ فصل لربك وانحر ) أي : صل الصلوات الخمس ، وانحر البدن ، وقيل : صل بجمع ، وانحر بمنى ، قاله مجاهد وعطاء ، وعن علي - رضي الله عنه - أن معنى قوله : ( ^ وانحر ) هو وضع اليمين على الشمال في الصلاة على النحر .
وقيل : وانحر واستقبل القبلة بنحرك .
قال الشاعر :
( أبا حكم هل أنت عم مجالد ** وسيد أهل الأبطح المتناحر )
أي : المتقابل .
وروى مقاتل بن حيان ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : ' لما نزلت على النبي ( ^ إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ) قال النبي لجبريل - عليه السلام - : ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ قال : إنها ليست بنحيرة ، ولكنه يأمرك إذا ( تحرمت ) بالصلاة ، أن ترفع يديك إذا كبرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، فإنها من صلاتنا وصلاة الملائكة في السموات السبع .
وعن محمد بن كعب القرظي : أن قوما كانوا يصلون وينحرون
____________________

لغير الله ، فقال الله تعالى : ( ^ فصل لربك وانحر ) أي : اجعل صلاتك ونحرك لله . < < الكوثر : ( 3 ) إن شانئك هو . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن شانئك هي الأبتر ) أكثر المفسرين أن المراد به هو العاص بن وائل السهمي ، كان إذا ذكر له رسول الله قال : دعوا ذكره ، فإنه أبتر يعني : أنه لا ولد له ، فإذا مات انقطع ذكره ، واسترحتم منه ، وكانت قريش تقول لمن مات ابنه ، أو لم يكن له ابن : أبتر .
فقال الله تعالى : ( ^ إن شانئك هو الأبتر ) يعني : مبغضك هو الأبتر أي : الذي انقطع خيره وذكره في الدنيا والآخرة والبتر هو القطع .
وقيل إن الآية في عقبة بن أبي معيط وقيل : إن المراد به كعب بن الأشرف ، قدم مكة ، فقالت له قريش : ما تقول أيها الحبر في هذا ( الصنبور ) ؟ أهو خير أم نحن ؟ إنه سب ألهتنا ، وفرق جمعنا ، ونحن أهل حرم الله وحجيج بيته وسدنته ، فقال : بل أنتم خير منه ، فأنزل الله تعالى : ( ^ إن شانئك هو الأبتر ) فيه .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ قل يا أيها الكافرون ( 1 ) لا أعبد ما تعبدون ( 2 ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( 3 ) ولا أنا عابد ما عبدتم ( 4 ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( 5 ) لكم دينكم ) <
> تفسير سورة ( ^ قل يا أيها الكافرون ) <
>
وهي مكية < < الكافرون : ( 1 - 2 ) قل يا أيها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل يا أيها الكافرون ) قال المفسرون : لما قرأ رسول الله سورة والنجم ، وألقى الشيطان على لسانه عند ذكر أصنامهم : وإن شفاعتهن لترتجى ، فقال الكفار : يا محمد ، نصطلح تعبد آلهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة ، ونعظم إلهك ، وتعظم آلهتنا ، وذكروا من هذا النوع شيئا كثيرا ، فحزن النبي لمقالتهم ، ورجع إلى بيته حزينا ، فأنزل الله تعالى هذه السورة ، وهي ( ^ قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ) أي : اليوم . < < الكافرون : ( 3 ) ولا أنتم عابدون . . . . . > >
( ^ ولا أنتم عابدون ما أعبد ) اليوم . < < الكافرون : ( 4 ) ولا أنا عابد . . . . . > >
( ^ ولا أنا عابد ما عبدتم ) في المستقبل . < < الكافرون : ( 5 ) ولا أنتم عابدون . . . . . > >
( ^ ولا أنتم عابدون ما أعبد ) في المستقبل . < < الكافرون : ( 6 ) لكم دينكم ولي . . . . . > >
( ^ لكم دينكم ولي دين ) لكم جزاء عملكم ، ولي جزاء عملي .
قالوا : وهذا في قوم بأعيانهم ، منهم الوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وقد كان الله أخبر أنهم يموتون على الكفر .
وقيل : إن هذه السورة نزلت قبل آية السيف ، ثم نسخت بأية السيف .
وقد ورد في الخبر : أن قراءة هذه السورة براءة من الشرك .
روى أبو خيثمة ، عن ابن إسحاق ، عن فروة بن نوفل ، عن أبيه أنه أتى النبي وقال : جئت يا رسول الله لتعلمني شيئا أقوله عند منامي ، فقال : ' إذا أخذت مضجعك فاقرأ : ( ^ قل يا أيها الكافرون ) ثم نم على خاتمتها ، فإنها براءة من الشرك ' .
وعن
____________________

( ^ ولي دين ( 6 ) ) بعضهم قال : ' كنت أمشي مع النبي في ليلة ظلماء ، فسمع رجلا يقرأ : ( ^ قل يا أيها الكافرون ) فقال : أما هذا فقد برئ من الشرك ، وسمع رجلا يقرأ : ( ^ قل هو الله أحد ) فقال : أما هذا فقد غفر له ' .
وفي السورة سؤال معروف ، وهو السؤال عن معنى التكرير ؟ وقد أجبنا ، ويقال : إنهم كرروا عليه الكلام مرة بعد مرة ، فكرر الله تعالى عليهم الإجابة .
وفي السورة سؤال آخر ، وهو في قوله : ( ^ قل ) كيف قرئت هذه الكلمة ، وهي أمره بالقراءة ؟ وكذلك في قوله : ( ^ قل هو الله أحد ) .
والجواب عنه : أن قوله : ( ^ قول يا أيها الكافرون ) جميعه قرآن ، ونحن أمرنا بتلاوة القرآن على ما أنزل ، فنحن نتلو كذلك .
وفي السورة سؤال ثالث وهو أنه قال : ( ^ ولا أنتم عابدون ما أعبد ) ولم يقل : من أعبد ؟
والجواب عنه أنه قال ذلك على موافقة قوله : ( ^ ولا أنا عابد ما عبدتم ) وقد قيل : إن ' ما ' بمعنى ' من ' هاهنا ، والله أعلم
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إذا جاء نصر الله والفتح ( 1 ) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ( 2 ) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( 3 ) ) <
> تفسير سورة النصر <
>
وهي مدنية < < النصر : ( 1 ) إذا جاء نصر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إذا جاء نصر الله والفتح ) أجمعوا على أن الفتح هو فتح مكة ، وقيل : إن النصر فيه أيضا ، ويقال : إن النصر هو يوم الحديبية ، والأول هو الأظهر والأشهر . < < النصر : ( 2 ) ورأيت الناس يدخلون . . . . . > >
وقوله : ( ^ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ) أي : زمرا زمرا ، وفوجا فوجا .
وفي التفسير : أن رسول الله لما فتح مكة قال المشركون : إن محمدا قد نصره الله على قريش ، وهم أهل الله وأهل حرمه ، فقد منع الله الفيل عنهم فلا يدان لأيد [ أحد ] بمحمد يعني : لا قوة ، فدخلوا في دينه أفواجا وكانت القبيلة بأسرها تسلم ، ووفد عليه الوفود من الجوانب ، ودخل أكثر ديار العرب في الإسلام ، ولم يبق إلا القليل ، وقد كان قبل ذلك يدخل الواحد والاثنان على خوف شديد ، فهو معنى قوله تعالى : ( ^ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ) . < < النصر : ( 3 ) فسبح بحمد ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ فسبح بحمد ربك ) أي : صل حامدا لربك .
والأصح أن معناه : ( ^ اذكره بالتحميد والشكر لهذه النعمة العظيمة ، فإن التسبيح هو بمعنى الذكر فصار معنى الآية على هذا : فاذكر ربك بالتحميد والشكر .
وقوله : ( ^ واستغفره ) أي : اطلب التجاوز والعفو عنه .
وقوله : ( ^ إنه كان توابا ) أي : توابا على عباده ، ويقال : التواب هو المسهل لسبيل التوبة ، ويقال : هو القابل لها .
____________________


وقد ثبت عن ابن عباس أن في الصورة نعي النبي إلى نفسه ، وأمره بالتسبيح والاستغفار ليكون ؛ آخر أمره وخاتمة عمله على زيادة الطاعة والذكر لله .
وورد أيضا أن عمر - رضي الله عنه - كان إذا حضر المهاجرين واستشارهم في شيء ، أحضر معهم عبد الله بن عباس ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن لنا أولادا مثله - يعني أنك لا تحضرهم - فقال : إنه من حيث تعلمون ، ثم إنه سألهم مرة عن هذه السورة فقالوا : إن الله تعالى أمر رسول الله بالتسبيح والاستغفار حين جاءه الفتح ، ودخل الناس في الدين أفواجا ، فسأل عبد الله بن عباس عن معنى السورة فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى نعى إلى رسول الله نفسه بهذه السورة ، وأمره بزيادة العمل والذكر ؛ ليكون خاتمة عمره عليه فقال لسائر المهاجرين : إنما أحضره لهذا وأمثاله ، أو كلام هذا معناه ، واللفظ المذكور في الصحيح في هذا الخبر أن ابن عباس قال : إنما هو أجل رسول الله أعلمه إياه فقال له عمر : والله لا أعلم منها إلا ما تعلم .
وقيل : إن السورة نزلت في أوسط أيام التشريق .
وقيل : إن رسول الله لم يعش بعد هذه السورة إلا ثمانين ليلة .
وقد قيل : إنها آخر سورة نزلت من القرآن كاملة ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ تبت يدا أبي لهب وتب ( 1 ) ) <
> تفسير سورة تبت <
>
وهي مكية < < المسد : ( 1 ) تبت يدا أبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ تبت يدا أبي لهب وتب ) سبب نزول هذه السورة هو ما روى أبو معاوية [ الضرير محمد بن خازم ] عن الأعمش ، عم عمرو بن مرة ، عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس أن النبي صعد ذات يوم الصفا وقال : ' يا صباحاه ' فاجتمعت قريش فقالوا له : مالك ؟ فقال : ' ( أرأيتم ) لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أما ( تصدقونني ؟ ) ' قالوا : بلى .
قال : ' فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ' فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا دعوتنا جميعا فأنزل الله تعالى : ( ^ تبت يدا أبي لهب وتب ) إلى آخر السورة ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو محمد المكي بن عبد الرزاق ، أخبرنا جدي أبو الهيثم ، أخبرنا الفربري ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا ( محمد ) بن سلام ، عن [ أبي ] معاوية . . الحديث
____________________

( ^ ما أغنى عنه ماله وما كسب ( 2 ) سيصلى نارا ذات لهب ( 3 ) )
قوله : ( ^ وتب ) قال مقاتل وغيره : خسرت ، والتباب في اللغة هو الهلاك ، وهو الخسران أيضا .
قال الفراء : الأول دعاء ، والثاني إخبار ، فالأول هو قوله ( ^ تبت يدا أبي لهب ) والثاني قوله : ( ^ وتب ) على ما معنى الخبر أي : وقد خسر وهلك ، وفي قراءة ابن مسعود : ' وقد تبت ' . < < المسد : ( 2 ) ما أغنى عنه . . . . . > >
وقوله : ( ^ ما أغنى عنه ماله وما كسب ) أي : لا يدفع عنه ماله وولده شيئا من عذاب الله ، فيكون قوله : ( ^ وما كسب ) بمعنى وما ولد على هذا القول .
قال أبو جعفر النحاس : ويبعد أن تكون ما بمعنى من في اللغة .
فقوله : ( ^ وما كسب ) أي : وما كسب من جاء وما يشبهه وأما أبو لهب فهو عم النبي واسمه عبد العزي ، ويقال : سمي أبو لهب لتلهب وجهه حسنا .
وذكره الله تعالى بكنيته ؛ لأنه كان معروفا بذلك أو لأن اسمه كان عبد العزي فكره أن تنسب عبوديته إلى غيره .
وفي تفسير النقاش : أن أبا لهب انتفى بني هاشم ، وانتسب إلى أبي أمية ، وقال : لا أكون من قوم فيهم كذاب مثل محمد .
ومن المعروف عن طارق المحاربي أنه قال : ' كنت بسوق ذي المجاز فإذا أنا بشاب يقول : أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ، وإذا الرجل خلفه يرميه بالحجر ، وقد أدمى ( عقبيه ) ، وهو يقول : أيها الناس ، لا تصدقوه فإنه كذاب .
قال : فسألت عنهما ، فقيل : إن الشاب محمد ، والرجل الذي خلفه عمه أبو لهب ' .
____________________

( ^ وامرأته حمالة الحطب ( 4 ) في جيدها حبل من مسد ( 5 ) ) .
ويقال في قوله : ( ^ ما أغنى عنه ماله ) : أي : أي شيء أغنى عنه ماله ( ^ وما كسب ) إذا دخل النار ؟ . < < المسد : ( 3 ) سيصلى نارا ذات . . . . . > >
وقوله : ( ^ سيصلى نارا ذات لهب ) يقال : صلى الشيء إذا قاسى شدته وحره .
ويقال : صليته أي شويته ، ومنه : شاة مصلية أي مشوية والمعنى : سوف يصلى أي يدخل نارا ذات لهب أي : ذات التهاب وتوقد .
وقوله : ( ^ وامرأته ) أي : تصلى امرأته أيضا . < < المسد : ( 4 ) وامرأته حمالة الحطب > >
وقوله : ( ^ حمالة الحطب ) فيه قولان : أحدهما : ما رواه الضحاك عن ابن عباس أنها كانت تحمل الشوك فتلقيه على طريق النبي لتعقر رجله .
قال عطية : كانت تلقى العضاة في طريق النبي .
وكانت كالكثيب من الرمل لقدم النبي ، والقول الثاني : أن قوله : ( ^ حمالة الحطب ) معناه : الماشية بالنميمة .
قال الشاعر :
( إن بني الأجرم حمالوا الحطب ** هم الوشاة في الرضا وفي الغضب )
( عليهم اللعنة تترى والحرب ** )
وامرأته هي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان .
وقد قرئ : ' حمالة الحطب ' بالنصب فالبرفع على معنى حمالة الحطب ، وبالنصب على معنى أعني حمالة الحطب . < < المسد : ( 5 ) في جيدها حبل . . . . . > >
وقوله : ( ^ في جيدها حبل من مسد ) فيه قولان : أظهرهما أنه السلسلة التي ذكر الله تعالى في كتابه : ( ^ في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ) والمسد هو الفتل والإحكام قال : لأنه أحكم من الحديد ، والقول الثاني : إن المراد من الآية أنها كانت تحمل الحطب بحبل من مسد في عنقها فذكر الله تعالى ذلك على أحد وجهين : إما
____________________

لبيان تخسيسها وتحقيرها ، أو لأنها عيرت رسول الله بالفقر فابتلاها الله تعالى بما هو من عمل الفقراء ، وقيل : حبل من مسد أي : حبل من شعر أحكمت فتله ، وقيل : من ليف أحكم فتله .
وروى ' أن هذه السورة لما نزلت وسمعتها امرأة أبي لهب أخذت ( فهرا ) بيدها ، وجاءت تطلب النبي وتقول :
( مذمم أبينا ** ودينه قلبينا ** وأمره عصينا ** )
وتعني بمذمم محمدا - عليه الصلاة والسلام - لأن كفار قريش كانوا يشتمونه مذمما ، فلما جاءت ، قال أبو بكر للنبي : إن هذه المرأة قد جاءت ، فقال : إنها لا تراني فدخلت ولم تر رسول الله ، فقالت لأبي بكر : أين صاحبك ؟ فقال : ما شأنك ؟ فقالت : بلغني أنه هجاني ، فجئت لأكسر رأسه بهذا الحجر ، فقال أبو بكر : إنه ما هجاك ، فرجعت وعثرت في مرطها ، فقالت : تعس مذمم ومضت ' .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ قل هو الله أحد ( 1 ) ) . <
> تفسير سورة الإخلاص <
>
وهي مدنية
وقيل : إنها مكية
يزيد بن كيسان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' احشدوا أقرأ عليكم ثلث القرآن فخرج رسول الله ، فقرأ عليهم : ( ^ قل هو الله أحد ) ثم دخل بيته قال : فقال القوم : قال لنا رسول الله : احشدوا أقرأ عليكم ثلث القرآن فقرأ : ( ^ قل هو الله أحد ) ثم دخل ، ما هذا إلا شيء ؟ قال : فسمعها فخرج إلينا فقال : إن هذه السورة تعدل ثلث القرآن ' رواه مسلم في كتابه عن محمد بن حاتم ويعقوب الدورقي ، عن يحيى بن سعيد ، عن ( يزيد ) بن كيسان . . الحديث .
وروى إسماعيل بن أبي ( زياد ) عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : دخلت اليهود على نبي الله فقالوا : يا محمد ، صف لنا ربك ، وانسبه لنا فقد وصف نفسه في التوراة ونسبها فارتعد رسول الله حتى خر مغشيا عليه ، فقال : ' كيف تسألونني عن صفة ربي ونسبه ، ولو سألتموني أن أصف لكم الشمس لم أقدر عليه ' ، فهبط جبريل - عليه السلام - فقال : يا محمد ، قل لهم : الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أي : ليس بوالد ولا بمولود ، وليس له
____________________


( ^ الله الصمد ( 2 ) لم يلد ولم يولد ( 3 ) ) . شبيه من خلقه ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث الشيخ العفيف أبو علي بن بندار بهمدان بإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد . . الحديث .
وفي بعض ( الأخبار ) : أن سورة قل يا أيها الكافرون وسورة قل هو الله أحدهما المقشقشتان أي : تبرئان من الشرك و النفاق ، ويقال : قشقش المريض من علته إذا برأ ، وسميت السورة سورة الإخلاص لأنه ليس فيها إلا وصف الرب عن اسمه وليس فيها أمر ولا نهى ولا وعد ولا وعيد .
وذكر أبو عيسى الترمذي في كتابه برواية أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا : يا رسول الله ، انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى : ( ^ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ) لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله لا يموت ولا يورث ، ( ^ ولم يكن له كفوا أحد ) قال : لم يكن له شبيه ولا عدل ، وليس كمثله شيء . < < الإخلاص : ( 1 ) قل هو الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل هو الله أحد ) أي : قل هو الله الواحد ، أحد بمعنى الواحد ، وقد فرق بين الأحد والواحد .
وقيل : إن الأحد أبلغ من الواحد ، يقال : فلان لا يقاومه أحد نفيا للكل ، ويقال : لا يقاومه واحد ، ويجوز أن يقاومه اثنان ، وأيضا فإن الواحد يكون الذي يليه الثاني والثالث في العدد ، والأحد لا يكون بمعنى هذا الحال ، وأكثر المفسرين أنه بمعنى الواحد .
وقوله : ( ^ هو ) الابتداء فيه اسم مضمر ، كأنه أشار إلى أن الذي سألتموني عنه هو الله الواحد ، فيكون قوله : ( ^ الله أحد ) تبيينا وكشفا لاسم المضمر في قوله : ( ^ هو ) . < < الإخلاص : ( 2 ) الله الصمد > >
وقوله : ( ^ الله الصمد ) فيه أقوال : أحدها : أنه الذي يصمد إليه في الحوائج ، والآخر : أنه هو الذي انتهى في السؤدد وبلغ كماله .
قال الشاعر :
( ألا بكر الناعي بخير لي بني أسد ** بعمر وابن مسعود وبالسيد الصمد )
____________________


( ^ ولم يكن له كفوا أحد ( 4 ) ) .
وقال آخر :
( علوته بحسام ثم قلت له ** خذها حذيف فأنت السيد الصمد )
والقول الثالث : أنه الذي ليس له جوف أي لا يأكل ، والقول الرابع : أن تفسيره قوله : ( ^ لم يلد ولم يولد ) وقيل : إنه الباقي الذي لا يفنى ، وقيل : إنه الدائم الذي لا يزول . < < الإخلاص : ( 3 ) لم يلد ولم . . . . . > >
وقوله : ( ^ لم يلد ولم يولد ) أي : ليس له والد ولا ولد .
وقيل : إنه نفي لقول اليهود والنصارى : عزير بن الله ، والمسيح ابن الله ، ونفي لقول المشركين : إن الملائكة بنات الله .
فهذا كله في قوله : ( ^ لم يلد ) .
وقوله : ( ^ ولم يولد ) فيه نفي لقول النصارى : إن مريم - عليها السلام - ولدت إلها ، وهو المسيح . < < الإخلاص : ( 4 ) ولم يكن له . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولم يكن له كفوا أحد ) أي لم يكن أحد نظيرا له ولا شبيها ، فهو على التقديم والتأخير كما ذكرنا ، ومعنى أحد في آخر السورة غير معنى أحد في أول السورة .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ قل أعوذ برب الفلق ( 1 ) من شر ما خلق ( 2 ) ومن شر غاسق إذا وقب ( 3 ) ) . <
> تفسير سورة الفلق <
>
وهي مكية < < الفلق : ( 1 ) قل أعوذ برب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل أعوذ برب الفلق ) فيه أقوال : أحدها - وهو الأظهر - : أن الفلق هو الصبح ، قال الله تعالى : ( ^ فالق الإصباح ) ، والقول الثاني : أنه جميع الخلق ، والقول الثالث : أنه بيت في النار ، إذا فتح بابه صاح أهل جهنم من شدة حره ، قاله كعب الحبر ، والقول الرابع : جب في جهنم ، قاله مجاهد . < < الفلق : ( 2 ) من شر ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ من شر ما خلق ) أي : من شر جميع ما خلق . < < الفلق : ( 3 ) ومن شر غاسق . . . . . > >
وقوله : ( ^ ومن شر غاسق إذا وقب ) فيه أقوال أيضا : أحدها : من شر الليل إذا أظلم ، فالغاسق هو الليل ، قاله الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة ، ويقال : من شر الليل إذا أقبل .
يقال : وقب : دخل ، وقيل : أقبل ، ومعنى الاستعاذة من الليل ؛ ( لأن ) فيه يكون تحرك الهموم وهجوم كل ذي شر بقصد ، والقول الثاني : أن قوله : ( ^ ومن شر غاسق إذا وقب ) هو القمر ، وفيه خبر معروف روى ابن أبي ذئب ، عن الحارث بن عبد الرحمن ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : ' أخذ رسول الله بيدي ، وأشار إلى القمر وقال : تعوذي بالله من شر هذا ، هو الغاسق إذا وقب ' .
وذكره أبو عيسى
____________________


( ^ ومن شر النفاثات في العقد ( 4 ) ومن شر حاسد إذا حسد ( 5 ) ) . في جامعه وقال : هو حديث صحيح .
قال النحاس : يجوز أن تكون الاستعاذة من القمر ، لأن قوما أشركوا بسببه ، فنسب إليه الاستعاذة على المجاز .
قال القتيبي : من شر غاسق إذا وقب : هو القمر إذا دخل في شاهوره - أي : في غلافه - وهو إذا غاب .
وذكر بعضهم : أن الاستعاذة من القمر ؛ لأن أهل البرية يتحينون وجه القمر - أي غروبه - وهم اللصوص وأهل الشر والفساد ، والقول الثالث : أن الغاسق هو الثريا .
وقوله : ( ^ إذا وقب ) إذا غاب ، وذكر ذلك إذا غاب الثريا ظهرت العاهات والبلايا ، وإذا طلع الثريا رفعت العاهات والبلايا .
وقد ورد عن النبي أنه قال : ' إذا طلع النجم رفعت العاهة عن كل بلد ' .
وذلك مثل الوباء والطواعين والأسقام وما يشبهها .
وقيل : ' من شر غاسق إذا وقب ' أي : من شر الشمس إذا غربت .
وذكر النقاش بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : من شر غاسق إذا وقب : من شر الذكر إذا دخل ، قال النقاش : فذكرت ذلك لمحمد بن إسحاق بن خزيمة ، وقلت : هل يجوز أن تفسر القرآن بهذا ؟ ! قال : نعم ، قال النبي : ' أعوذ بك من شر منيى ' ، وهو خبر معروف ، وهو أن النبي قال : ' أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ' فعدد أشياء ، وقال في آخرها : ومن شر منيى ' . < < الفلق : ( 4 ) ومن شر النفاثات . . . . . > >
وقوله : ( ^ ومن شر النفاثات في العقد ) أي : السواحر ، والنفث هو النفخ بالفم ،
____________________

والتفل هو إذا كان معه ريق . < < الفلق : ( 5 ) ومن شر حاسد . . . . . > >
وقوله : ( ^ ومن شر حاسد إذا حسد ) الحسد هو تمني زوال النعمة عن المنعم عليه ، وقد ذكرنا في الحسد أشياء من قبل ، وقيل : من شر حاسد إذا حسد أي : إذا ظلم .
واعلم أن المفسرين قالوا : إن هذه السورة والتي تليها نزلتا حين سحر النبي ، سحره لبيد بن أعصم اليهودي .
والنفاثات في العقد يقال : إنهن بناته .
وكان لبيد قد سحر النبي ، وجعل ذلك في بئر ( ذي أروان ) ( فاعتل ) النبي ، واشتدت علته وكان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله ، ثم إن جبريل - عليه السلام - أنزل المعوذتين .
وروى أنه قال لعائشة : ' هنا [ و ] أنا نائم نزل علي ملكان ، فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه : ما حال الرجل ؟ فقال : مطبوب ، فقال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي ، فقال : وأين ذلك ؟ فقال : في مشط ومشاطة تحت راعونة في بئر ( ذي أروان ) ، ثم إن النبي بعث علينا ، وقيل : إنه بعث عمارا ، وقيل : بعث أبا بكر وعمر حتى استخرجوا ذلك السحر ، وأنزل الله تعالى هاتين السورتين ، وكان على ذاك الشيء [ إحدى عشرة ] عقدة ، فقال له جبريل : اقرأ آية فانحلت عقدة ، وكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ، حتى انحلت العقد كلها ، وقام النبي كأنما أنشط من عقال ' .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ قل أعوذ برب الناس ( 1 ) ملك الناس ( 2 ) إله الناس ( 3 ) من شر الوسواس الخناس ( 4 ) الذي يوسوس في صدور الناس ( 5 ) من الجنة والناس ( 6 ) ) . <
> تفسير سورة الناس <
>
وهي مدنية < < الناس : ( 1 - 4 ) قل أعوذ برب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس ) هو الشيطان ، والمعنى من شر الشيطان ذي الوسواس ، ويقال : سمى وسواسا ؛ لأنه يجثم ، فإن ذكر العبد ربه خنس _ أي تأخر - وإن لم يذكر : وسوس .
وفي رواية : التقم ووسوس أي القلب .
وفيه خبر صحيح على هذا المعنى .
وقوله : ( ^ الخناس ) معناه ما قلنا يعني : إذا ذكر العبد ربه وسبح رجع أي : تأخر وخنس وتنحى . < < الناس : ( 5 ) الذي يوسوس في . . . . . > >
وقوله : ( ^ الذي يوسوس في صدور الناس ) هو الشيطان . < < الناس : ( 6 ) من الجنة والناس > >
وقوله : ( ^ من الجنة ) أي : من الجن .
وقوله : ( ^ والناس ) أي : ومن الناس .
والمعنى : أنه أمره بالاستعاذة من شياطين الجن والإنس ، والشيطان كل متمرد سواء كان جنيا أو إنسيا ، وقد ورد في الأخبار المعروفة ' أن النبي كان إذا أراد أن ينام قرأ سورة الإخلاص والمعوذتين ، وينفث في كفيه ، ثم يمسح بكفيه ما استطاع من جسده ، ويبدأ بوجهه ورأسه ' .
وروى أنه كان يعوذ بهما الحسن والحسين - رضي الله عنهما - وذكر أبو عيسى الترمذي برواية إسماعيل بن أبي خالد قال : حدثني قيس بن أبي حازم ، عن عقبة بن عامر الجهني ،
____________________

عن النبي أنه قال : ' قد أنزل الله تعالى عليّ آيات لم ير مثلهن ( ^ قل أعوذ برب الناس ) إلى آخر السورة ، و ( ^ قل أعوذ برب الفلق ) إلى آخر السورة ' قال : وهو حديث حسن صحيح .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك أبو عبد الله عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد أخبرنا أبو العباس بن سراج السبخي ، أخبرنا أبو العباس بن محبوب أخبرنا أبو عيسى الحافظ ، أخبرنا محمد بن بشار ، أخبرنا يحيى بن سعيد القطان ، عن إسماعيل بن أبي خالد . . الحديث .
فإن قال قائل : لمَ لمْ يكتب ابن مسعود هاتين السورتين في مصحفه ؟ وهل يجوز أن يشتبه على أحد أنهما من القرآن أو ليستا من القرآن ؟ والجواب عنه : أن حماد بن سلمة روى عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش قال : قلت لأبي بن كعب : إن ابن مسعود لم يكتب في مصحفه المعوذتين ! فقال أبي : قال رسول الله : ' قال جبريل - عليه السلام - ( ^ قل أعوذ برب الفلق ) فقلتها ، وقال ( ^ قل أعوذ برب الناس ) فقلتها ' فنحن نقول : يقول رسول الله .
كأن أبيا وافق ابن مسعود .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو الحسين بن النقور ، أخبرنا أبو القاسم بن حبابة ، أخبرنا البغوي ، أخبرنا هدبة ، عن حماد بن سلمة .
الحديث خرجه مسلم في الصحيح فيجوز أن ابن مسعود وأبيا من كثرة ما سمعا النبي يقرأ هاتين السورتين ويتعوذ بهما ظنا أنهما عوذة ، فلم يثبتاهما في المصحف ، وقد قيل : إنهما مكتوبتان في مصحف أبي .
____________________


وذكر بعضهم أن عبد الله بن مسعود لم يشتبه عليه أنهما من القرآن ، ولكن لم يكتبهما لشهرتهما ، كما ترك كتبة سورة الفاتحة لشهرتها ، والله أعلم وأحكم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين وسلم تسليما كثيرا .
____________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق