Translate

الجمعة، 2 سبتمبر 2022

ج8.تفسير القرآن أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني سنة الولادة 426هـ/ سنة الوفاة 489هـ

 

8. تفسير القرآن
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني
سنة الولادة 426هـ/ سنة الوفاة 489هـ

( ^ وما نحن بمسبوقين ( 60 ) على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ( 61 ) ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ( 62 ) أفرأيتم ما تحرثون ( 63 ) أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ( 64 ) لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( 65 ) إنا ) * * * * * < < الواقعة : ( 60 ) نحن قدرنا بينكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ نحن قدرنا بينكم الموت ) يعني : إنا نميتكم أي : لو كنا نعجز عن إحيائكم بعد الموت لعجزنا عن إماتتكم بإخراج أنفسكم .
وقوله تعالى : ( ^ وما نحن بمسبوقين ) أي : بمغلوبين . قال الفراء معناه : إذا أردنا أن نعيدكم لم يسبقنا سابق ، ولم يفتنا شيء . ويقال : لو أراد غيرنا أن يفعل مثل فعلنا لعجز عنه ، تقول العرب : ما أسبق في هذا الفعل أي : لا يفعل مثل فعلي أحد . < < الواقعة : ( 61 ) على أن نبدل . . . . . > >
وقوله : ( ^ على أن نبدل أمثالكم ) أي : لو شئنا أن نميتكم ونخلق أمثالكم لقدرنا عليه .
وقوله : ( ^ وننشئكم فيما لا تعلمون ) من الهيئة والصورة أي : لو شئنا فعلنا ذلك . ويقال : أن نجعلكم في صورة القردة والحنازير . ويقال : ننشئكم من مكان لا تعلمون أي : في عالم لا تعلمونه . < < الواقعة : ( 62 ) ولقد علمتم النشأة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد علمتم النشأة الأولى ) أي : الخلق الأول ، استدل عليهم بالنشأة الأولى على النشأة الثانية .
وقوله تعالى ( ^ فلولا تذكرون ) أى : هلا تتعظون وتعتبرون . < < الواقعة : ( 63 - 64 ) أفرأيتم ما تحرثون > >
وقوله تعالى : ( ^ أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) أي : تنبتونه . يقال للولد : زرعه الله أي : أنبته الله .
قوله : ( ^ أم نحن الزارعون ) أي : نحن المنبتون . < < الواقعة : ( 65 ) لو نشاء لجعلناه . . . . . > >
وقوله : ( ^ لو نشاء لجعلناه حطاما ) أي : يابسا يتفتت وينكسر لا شيء فيه .
وقوله : ( ^ فظلتم تفكهون ) أي : تتعجبون . ويقال : تندمون وتتحسرون .
____________________

( ^ لمغرمون ( 66 ) بل نحن محرومون ( 67 ) أفرأيتم الماء الذي تشربون ( 68 ) أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ( 69 ) لو نشاء جعلنا أجاجا ) * * * * * < < الواقعة : ( 66 ) إنا لمغرمون > >
وقوله : ( ^ إنا لمغرمون ) أي : معذبون . قاله مجاهد . وقال قتادة : ملقون بالشر ، وعن بعضهم : أنه من الغرام ، وهو الهلاك . وقيل : من الغرم ؛ لأنهم غرموا ولم يصيبوا شيئا . < < الواقعة : ( 67 ) بل نحن محرومون > >
وقوله : ( ^ بل نحن محرمون ) أي : حرمنا الجد ، ولم نصل إلى ما كنا نأمله ونرجوه . وعن تغلب : أن المغرم هو المولع ، يقال : فلان مغرم أي : مولع به ، فعلى هذا معنى قوله : ( ^ إنا لمغرمون ) أي : ولع بنا المصيبة والحرمان . ويقال : إنا لمغرمون أي : غرمنا كما غرمنا ولم نصب شيئا ، وقال الشاعر في الغرم بمعنى العذاب :
( ويوم النيار ويوم الجفا ** ركانا عذابا فكانا غراما ) < < الواقعة : ( 68 ) أفرأيتم الماء الذي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفرأيتم ) هذا مذكور للتنبيه على ما فيه من الدليل .
وقوله : ( ^ الماء الذي تشربون ) معلوم . < < الواقعة : ( 69 ) أأنتم أنزلتموه من . . . . . > >
وقوله : ( ^ أأنتم أنزلتموه من المزن ) أي : من السحاب . قال نفطويه : المزن هو السحاب الملآن من الماء ، قال جرير :
( كأنها مزنة غراء رائحة أو ** درة لا يواري لونها الصدف )
وقوله : ( ^ أم نحن المنزلون ) أي : نحن أنزلنا الماء من المزن ، ولم تنزلوه أنتم ، ينبههم بذلك على عظيم قدرته . < < الواقعة : ( 70 ) لو نشاء جعلناه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لو نشاء جعلناه أجاجا ) أي : مرا شديد المرارة . وقيل : ملحا شديد الملوحة . يقال : أج الماء تأج إذا ملح . والمعنى : أنا لو نشاء جعلناه أجاجا بحيث لا يمكن شربه ، ينبههم بذلك على الشكر . وفي بعض الأخبار : أن النبي كان إذا
____________________

( ^ فلولا تشكرون ( 70 ) أفرأيتم النار التي تورون ( 71 ) أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ( 72 ) نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين ( 73 ) ) * * * * * شرب قال : ' الحمد الله الذي جعله عذبا فراتا ، ولم يجعله ملحا أجاجا ' . أو لفظ هذا معناه .
قوله : ( ^ فلولا تشكرون ) أي : فهلا تشكرون . < < الواقعة : ( 71 ) أفرأيتم النار التي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفرأيتم النار التي تورون ) أي : تقتدحون .
يقال : أورت الزند إذا استخرج النار منه . ويقال : زند وزندة للحجر الذي يقدح منه النار . < < الواقعة : ( 72 ) أأنتم أنشأتم شجرتها . . . . . > >
وقوله : ( ^ أأنتم أنشأتم شجرتها ) أي : خلقتم شجرتها .
وقوله : ( ^ أم نحن المنشئون ) يعني : أم نحن خلقنا الشجرة . وشجرة النار شجرة معروفة ، ويقولون : في كل شجر نار ، واستمجد [ المرخ والعفار ] . < < الواقعة : ( 73 ) نحن جعلناها تذكرة . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ نحن جعلناها تذكرة ) أي : جعلنا النار تذكرة من النار الكبرى ، وهي نار جهنم . وقد ثبت عن النبي أنه قال : ' إن ناركم هذه هي جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ' . وفي بعض الروايات : ' ضربت بالماء مرتين ' .
وقوله : ( ^ ومتاعا للمقوين ) أظهر الأقاويل فيه : أن المقوين المسافرين ، وهم الذين ينزلون في الأرض القفر الخالية . والقول الثاني : أنه لجميع الناس المقيمين والمسافرين . وعلى القول الأول خص المسافرين ؛ لأن منفعتهم بالنار أكثر ؛ لأجل الاصطلاء من
____________________

( ^ فسبح باسم ربك العظيم ( 74 ) فلا أقسم بمواقع النجوم ( 75 ) ) * * * * البرد ، والاستضاءة بالليل ، وفي إيقاد النار رد السباع ، ومنفعة الاستضاءة الاهتداء عند ضلال الطريق .
قال أبو عبيدة : ومتاعا للمقوين أي : منفعة لكل من ليس له ( زاد ) ولا مال .
ويقال : أقوى المكان إذا خلا عن الشيء . وأنكر القتيبي وغيره هذا القول ، وقالوا : منفعة الغني بالنار أكثر من منفعة الفقير ، والعرب تقول للفقير مقوى ، وللغني مقوى ؛ تقول للفقير مقوى ؛ لنفاد ما معه وخلوه عنه ، وللغني مقوى لقوته وقدرته على ما لا يقدر عليه الفقير ، فعلى هذا معنى الآية : أن النار منفعة لجميع الناس من الفقراء والأغنياء والمقيمين والمسافرين . < < الواقعة : ( 74 ) فسبح باسم ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ فسبح باسم ربك العظيم ) لما ذكر الله الدلائل على الكفار في هذه الآية المتقدمة ، ووجه الدليل فيها أنهم كانوا مقرين أن فاعل هذه الأشياء هو الله ، وأنهم عاجزون عنها ، وينكرون البعث والنشأة الآخرة ؛ فقال الله تعالى لهم : لما لم تنكروا قدرة الله تعالى على هذه الأشياء وما فيها من عجيب الصنع ، فكيف تنكرون قدرته على بعثكم وإحيائكم بعد موتكم ؟ فلما ألزمهم الدليل قال لنبيه عليه الصلاة والسلام : ( ^ فسبح باسم ربك العظيم ) كأنه أرشده إلى الاشتغال بتنزيه الرب وتسبيحه وتقديسه حين لزم الكفار الحجة ، وقد ثبت أن النبي قال : ' أفضل الكلام سبحان الله وبحمده ' . < < الواقعة : ( 75 ) فلا أقسم بمواقع . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فلا أقسم بمواقع النجوم ) أي : أقسم ، و ' لا ' صلة . وقيل : إن معنى ' لا ' أي : ليس الأمر كما قالوا من أن القرآن شعر وسحر وكهانة ، بل أقسم بمواقع النجوم . وعن ابن عباس : أن معنى مواقع النجوم أي : مساقط النجوم . ويقال : مساقطها ومطالعها أقسم بها لما علق بها من مصالح العباد . وعن ابن عباس في رواية أخرى وهو قول جماعة كثيرة من التابعين ( منهم ) : الحسن ، وقتادة ، وعكرمة ،
____________________

( ^ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ( 76 ) إنه لقرآن كريم ( 77 ) في كتاب مكنون ( 78 ) لا ) * * * * * وغيرهم أن مواقع النجوم هاهنا نجوم القرآن ، ومعنى المواقع نزوله نجما نجما . وفي الخبر : أن الله تعالى أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا ، ثم أنزل نجما نجما في ثلاث وعشرين سنة إلى النبي .
وفي الآية قول ثالث : وهو أن المراد من مواقع النجوم انتثارها وتساقطها يوم القيامة . < < الواقعة : ( 76 ) وإنه لقسم لو . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) قال ذلك لان قسم الله عظيم ، وكل ما أقسم به . ويقال : إن تخصيصه هذا القسم بالعظم ؛ لأنه أقسم بالقرآن على القرآن ؛ قاله القفال الشاشي . < < الواقعة : ( 77 ) إنه لقرآن كريم > >
وقوله : ( ^ إنه لقرآن كريم ) هو موضع القسم ، وهو المقسم [ عليه ] .
وقوله : ( ^ كريم ) أي : كثير الخير والبركة . تقول العرب : هذه الناقة كريمة ، وهذه النخلة كريمة ، إذا كثرت فوائدها ومنافعها . < < الواقعة : ( 78 ) في كتاب مكنون > >
قوله : ( ^ في كتاب مكنون ) أي : مصون ، وقد فسر باللوح المحفوظ ، وفسر أيضا بكتاب في السماء عند الملائكة فيه القرآن . < < الواقعة : ( 79 ) لا يمسه إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ لا يمسه إلا المطهرون ) أكثر المفسرين على أن المراد به أنه لا يمس ذلك الكتاب إلا الملائكة المطهرون . قال قتادة : فأما المصحف يمسه كل أحد ، وإنما المراد ذلك الكتاب في السماء . والقول الثاني : أن المراد به المصحف ، وقوله : ( ^ لا يمسه إلا المطهرون ) خبر بمعنى النهي أي : لا تمسوه إلا على الطهارة . وقد ورد أن النبي كتب في كتاب عمرو بن حزم ' ولا يمس القرآن إلا طاهر ' . وعن علقمة والأسود
____________________

( ^ يمسه إلا المطهرون ( 79 ) تنزيل من رب العالمين ( 80 ) أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ( 81 ) وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ( 82 ) ) * * * * أنهما دخلا على سلمان ليقرأ عليه القرآن ، فجاء من الغائط ، فقالا له : توضأ لنقرأ عليك القرآن ، فقال : اقرآني ، لا أريد أن أمسه ، ثم قرأ : ( ^ لا يمسه إلا المطهرون ) . < < الواقعة : ( 80 ) تنزيل من رب . . . . . > >
وقوله : ( ^ تنزيل من رب العالمين ) أي : القرآن نزله رب العالمين . < < الواقعة : ( 81 ) أفبهذا الحديث أنتم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ) أي : مكذبون تكذيب منافق . والمدهن والمداهن بمعنى واحد ، والمداهن هو ذو الوجهين ، وهو الذي يكون قلبه خلاف لسانه ، ولسانه خلاف قلبه . ويقال : المدهنون : هم الذين يدفعون الصدق والحق بأحسن وجه يقدر عليه ، ومنه قوله تعالى : ( ^ ودوا لو تدهن فيدهنون ) يعني : تكذب فيكذبون ، وترائي فيراءون . < < الواقعة : ( 82 ) وتجعلون رزقكم أنكم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ) قرأ علي : ' وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ' وهو معنى القراءة المعروفة يعني : تضعون التكذيب موضع الشكر ، ومنه قول الشاعر :
( تحية بينهم ضرب وجيع ** )
أي : يضعون الضرب الوجيع موضع التحية . ويقال معنى الآية : تجعلون شكر رزقكم أنكم تكذبون ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، مثل قوله تعالى : ( ^ واشتعل الرأس شيبا ) أي : شعر الرأس .
وعن الحسن البصري : أن الرزق هاهنا بمعنى الهداية التي أعطاهم الله تعالى بالقرآن ، فكأن الله تعالى لما أنزل القرآن ، وبين لهم طريق الحق به فكذبوه وأنكروا ، سمي بذلك البيان رزقا ، وجعل تكذيبهم كفرانا لهذا الرزق . وروي عن الحسن البصري أنه قال : خسر قوم جعلوا حظهم من القرآن التكذيب . والقول الثالث وهو
____________________

( ^ فلولا إذا بلغت الحلقوم ( 83 ) وأنتم حينئذ تنظرون ( 84 ) ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ( 85 ) فلولا إن كنتم غير مدينين ( 86 ) ) * * * * * المعروف في الآية أن الرزق هاهنا هو المطر ، والتكذيب هو قولهم : مطرنا بنوء كذا . وقد ثبت برواية أبي هريرة أن النبي قال : ' ألا ترون إلى ما قال ربكم ؟ قال : ما أنعمت على عبادى نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون الكوكب وبالكوكب . . ' أورده مسلم في صحيحه . وفي خبر آخر برواية ( معاوية ) الليثي أن النبي قال : ' يصبح القوم مجدبين ، فيأتيهم الله برزق من عنده ، فيصبحوا مشركين يقولون : مطرنا بنوء كذا وكذا ' . < < الواقعة : ( 83 ) فلولا إذا بلغت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فلولا إذا بلغت الحلقوم ) أي : بلغت النفس الحلقوم . الآية في بيان عجزهم ، وذكر قدرته عليهم . < < الواقعة : ( 84 ) وأنتم حينئذ تنظرون > >
وقوله : ( ^ وأنتم حينئذ تنظرون ) الخطاب لأهل الميت . < < الواقعة : ( 85 ) ونحن أقرب إليه . . . . . > >
وقوله : ( ^ ونحن أقرب إليه منكم أى بالقدرة وقد قيل ملك الموت وأعوانه يعني : أنهم أقرب إلى الميت منكم .
وقوله : ( ^ ولكن لا تبصرون ) أي : لا ترون . < < الواقعة : ( 86 ) فلولا إن كنتم . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ فلولا إن كنتم ) أي : فهلا إن كنتم ، [ وقوله ] : ( ^ غير مدينين ) أي : غير مدبرين مملوكين مقهورين يعني : إن كنتم قادرين على ما شئتم ، ولم تكونوا في ملكنا وقهرنا [ فردوا ] روح الميت إلى مكانه ، وهو معنى قوله :
____________________

( ^ ترجعونها إن كنتم صادقين ( 87 ) فأما إن كان من المقربين ( 88 ) فروح وريحان ) * * * * * < < الواقعة : ( 87 ) ترجعونها إن كنتم . . . . . > > ( ^ ترجعونها إن كنتم صادقين ) ينبئهم بذلك على عجزهم . ويقال : غير مدينين أي : غير محاسبين ومجزيين .
والقول الأول هو الوجه في معنى الآية . < < الواقعة : ( 88 ) فأما إن كان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأما إن كان من المقربين ) ذكر الله تعالى في هذه الآيات حال الأصناف الثلاثة عند الموت ، وهي الأصناف التي ذكرهم في أول السورة ، فقال تعالى : ( ^ فأما إن كان من المقربين ) أي : السابقين إلى الخيرات ، المبرزين في الطاعات . < < الواقعة : ( 89 ) فروح وريحان وجنة . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ فروح ) قراءة عائشة رضي الله عنها : ' فروح ' واختاره يعقوب الحضرمي ، والأشهر : ' فروح ' بفتح الراء ، ومعناه : الرحمة . ويقال : [ الروح ] الاستراحة ، ومن قرأ بضم الراء فهو بمعنى الحياة الدائمة التي لا فناء بعدها . وفي الخبر : ' أنه إذا وضع المؤمن في قبره ، وأجاب بجواب الحق يقال له : نم نومة العروس لا هم ولا بؤس ' وفي خبر آخر ' يفتح له باب إلى الجنة ويقال له هذا موضعك ' .
وقوله تعالى : ( ^ وريحان ) أي : رزق ، وهو الرزق الذي يدر عليه من الجنة في القبر . وقد بينا من قبل الريحان بمعنى الرزق في شعر العرب :
( سلام الإله وريحانه ** ورحمته وسماء درر )
وقال الحسن البصري : هو الريحان الذي يشم . قال أبو الجوزاء : يؤتى بضبائر من ريحان الجنة فتجعل روحه فيها .
وقوله : ( ^ وجنة نعيم ) هي الجنة الموعودة . قال أهل التفسير : الروح والريحان في القبر ، وجنة نعيم يوم القيامة . ويقال : الروح عند الموت ، والريحان في القبر ، وجنة نعيم في القيامة عند البعث . وقد ثبت أن النبي قال : ' من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، وقيل : يا رسول الله ، لكنا نكره الموت قال :
____________________

( ^ وجنة النعيم ( 89 ) وأما إن كان من أصحاب اليمين ( 90 ) فسلام لك من أصحاب اليمين ( 91 ) وأما إن كان من المكذبين الضالين ( 92 ) فنزل من حميم ( 93 ) وتصلية جحيم ( 94 ) إن هذا لهو حق اليقين ( 95 ) فسبح اسم ربك العظيم ( 96 ) ) * * * * * لا ، إن المؤمن إذا بشر برحمة من الله أحب لقاء الله ، فأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا بشر بالنار كره لقاء الله وكره الله لقاءه ' وقرأ هذه الآية . < < الواقعة : ( 90 ) وأما إن كان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأما إن كان من أصحاب اليمين ) قد بينا أصحاب اليمين . < < الواقعة : ( 91 ) فسلام لك من . . . . . > >
وقوله : ( ^ فسلام لك من أصحاب اليمين ) أي : تسلم الملائكة عليهم . وقيل : يسلم الله عليهم ، فيقول : سلام عليك . ولك بمعنى عليك .
وقوله تعالى : ( ^ من أصحاب اليمين ) أي : لأنك من أصحاب اليمين . وهذا قول كثير من المفسرين . وقال بعضهم : الخطاب للنبي ومعناه : أبشر بالسلامة لأصحاب اليمين ، كأنه يقول : لا تشغل قلبك بهم ، فإنهم قد نالوا السلامة . وقيل : المراد من الآية تسليم بعضهم على بعض ، كأن بعضهم يسلم على بعض ، ويهنئ بالسلامة . < < الواقعة : ( 92 - 93 ) وأما إن كان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم ) أي : المعد له شراب من حميم . < < الواقعة : ( 94 ) وتصلية جحيم > >
وقوله : ( ^ وتصلية جحيم ) أي : دخول الجحيم يقال : أصلى كذا أي : قاسه ، فعلى هذا تصلية جحيم أي : مقاساة الجحيم . < < الواقعة : ( 95 ) إن هذا لهو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن هذا لهو حق اليقين ) أي : محض اليقين ، يشير إلى أنه كائن لا خلف فيه . ويقال معناه : إنه يقين أحق اليقين ، كما يقال : حق عالم أي : عالم حق . < < الواقعة : ( 96 ) فسبح باسم ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ فسبح باسم ربك العظيم ) أي : نزه ربك وعظمه ، كأنه أرشده إلى الاشتغال بثنائه وتسبيحه وتقديسه ليصل إلى درجة المقربين .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ( 1 ) له ملك السموات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ( 2 ) هو الأول والآخر والظاهر ) * * * * * <
> تفسير سورة الحديد <
>
وهي مكية في قول الكلبي وجماعة . وقال بعضهم : إنها مدنية . وعن سعيد بن جبير أنه قال : اسم الله الأعظم في ست آيات من أول سورة الحديد . وعن أبي التياح أنه قال : من أراد أن يعرف كيف وصف الجبار نفسه فليقرأ ست آيات من أول سورة الحديد . والله أعلم . < < الحديد : ( 1 ) سبح لله ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ سبح لله ما في السموات والأرض ) أي : صلي وتعبد ، ويقال : نزه وقدس . وقد ذكر بعضهم أن تسبيح الجمادات هو أثر الصنع فيها . والأصح أنه التسبيح حقيقة ، وهو قول أهل السنة ؛ لأنه لو كان المراد منه أثر الصنع لم يكن لقوله : ( ^ ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) معنى ، لأن أثر الصنع يعلمه ويفهمه كل واحد .
وقوله : ( ^ وهو العزيز الحكيم ) أي : الغالب الحكيم في أمره . < < الحديد : ( 2 ) له ملك السماوات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ له ملك السموات والأرض يحيي ويميت ) أي : له الملك في السموات والأرض محييا ومميتا . قال الزجاج : يحيي من النطفة الميتة ، ويميت الشخص الحي .
وقوله تعالى : ( ^ وهو على كل شيء قدير ) أي : قادر . < < الحديد : ( 3 ) هو الأول والآخر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هو الأول والآخر ) أي : الأول قبل كل شيء ، والآخر بعد كل شيء . وقيل : الأول فلا أول له ، والآخر فلا آخر له ، وهو في معنى الأول . وقيل : الأول بلا ابتداء ، والآخر بلا انتهاء .
____________________

( ^ والباطن وهو بكل شيء عليم ( 3 ) هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ( 4 ) له ملك السموات ) * * * * * *
وقوله : ( ^ والظاهر والباطن ) أي : الظاهر بالدلائل والآيات ، والباطن لأنه لا يرى بالأبصار ، ولا يدرك بالحواس . وقيل : الظاهر هو الغالب ؛ وهذا يحكى عن ابن عباس . والباطن المحتجب عن خلقه . ( وعن ) بعضهم : العالم بما ظهر وما بطن .
وقوله : ( ^ وهو بكل شيء عليم ) أي : عالم . < < الحديد : ( 4 ) هو الذي خلق . . . . . > >
قوله تعالى ( ^ هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ) في التفسير أن كل يوم ألف سنة وقيل أسامي الأيام أبجد هوز حطى كلمن سعفص قرشت .
قوله تعالى : ( ^ ثم استوى على العرش ) قد بينا . وعن وهب بن منبه قال : خلق العرش من نوره . وعن بعضهم : هو ياقوتة حمراء . وسمي العرش عرشا لارتفاعه .
وقوله : ( ^ يعلم ما يلج في الأرض ) أي : يدخل فيها من مطر وحب وميت .
وقوله : ( ^ وما يخرج منها ) أي : يدخل فيها منطر وحب وميت
وقوله تعالى ( ^ وما يخرج منها ) أى من نبات وشجرة ونحوه .
وقوله تعالى : ( ^ وما ينزل من السماء ) أي : من المطر والرزق والملائكة .
وقوله تعالى : ( ^ وما يعرج فيها ) أي : من الملائكة وأعمال بني آدم .
وقوله : ( ^ وهو معكم أينما كنتم ) أي : بعلمه وقدرته ، ذكره ابن عباس وغيره . وقال الحسن : هو معكم بلا كيف .
وقوله : ( ^ أينما كنتم ) أي : حيثما كنتم .
وقوله : ( ^ والله بما تعملون بصير ) أي : خبير . < < الحديد : ( 5 ) له ملك السماوات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور ) أي : ترد الأمور .
____________________

( ^ والأرض وإلى الله ترجع الأمور ( 5 ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور ( 6 ) آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجرا كبير ( 7 ) وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ( 8 ) هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم ( 9 ) وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوي منكم من ) * * * * * * * * * < < الحديد : ( 6 ) يولج الليل في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يولج الليل في النهار ) أي : ينقص من الليل ، ويزيد في النهار .
وقوله : ( ^ ويولج النهار في الليل ) أي : ينقص من النهار ، ويزيد في الليل .
وقوله : ( ^ وهو عليم بذات الصدور ) أي : بما فيها . < < الحديد : ( 7 ) آمنوا بالله ورسوله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) أي : أنفقوا من الأموال التي خلفتم فيها من قبلكم . وقيل : مستخلفين فيه أي : معمرين بالرزق .
وقوله : ( ^ فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) أي : عظيم . < < الحديد : ( 8 ) وما لكم لا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم ) أي : العهد منكم ( ^ إن كنتم مؤمنين ) أي : مصدقين . < < الحديد : ( 9 ) هو الذي ينزل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) أي : من الكفر إلى الإيمان .
وقوله : ( ^ وإن الله بكم لرءوف رحيم ) قد بينا . < < الحديد : ( 10 ) وما لكم ألا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ) معناه : أي : فائدة لكم إذا تركتم الإنفاق في سبيل الله ، وأموالكم تصير إلى غيركم ؟ والمعنى : هو الإنكار ، كأنه قال : ولم لا تنفقون أموالكم لتصلوا بها إلى ثواب الله ، وهي لا تبقى لكم إذا لم تنفقوا ؟
وقوله : ( ^ ولله ميراث السموات والأرض ) هو إشارة إلى ما بينا من قبل .
____________________

( ^ أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا ) * * * * * *
وقوله : ( ^ لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) أي : لا يستوي من أنفق وقاتل قبل فتح مكة ، ومن أنفق وقاتل بعد فتح مكة . وإنما لم يستويا ؛ لأن أصحاب النبي نالهم من التعب والمشقة والمكروه والشدة قبل الفتح ما لم ينلهم بعده . وذكر الكلبي أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد ورد في بعض المسانيد عن ابن عمر ' أن النبي كان جالسا وعنده أبو بكر الصديق ، وعليه عباءة قد خللها في صدره ؛ فجاء جبريل عليه السلام وقال للنبي : يقول الله تعالى : سلم على أبي بكر ، وقل له : أراض أنت عني في فقرك أم ساخط ؟ فقال النبي لأبي بكر : هذا جبريل يقرئك من ربك السلام ، ويقول كذا ، فبكى أبو بكر وقال : بل أنا راض عن ربي ، بل أنا راض عن ربي ' .
وذكر النقاش أن الآية نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان قد جهز جيش العسرة ، وأعطى سبعمائة وثلاثين بعيرا ، وأعطى سبعين فرسا ، وكان أعطاها بآلاتها .
وفي رواية : جاء بخمسة آلاف دينار وصبها بين يدي النبي ، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يقلبها بيده ويقول : ' ما ضر عثمان ما يفعل بعد هذا ' .
وقوله : ( ^ أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ) قد بينا المعنى في ذلك .
____________________

( ^ وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير ( 10 ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) * * * * *
وقوله : ( ^ وكلا وعد الله الحسنى ) أي : الجنة .
وقوله : ( ^ والله بما تعملون خبير ) أي : عالم ، والمعنى : أن الله تعالى وعد جميع المتقين الجنة ، وإن تفاضلوا في الدرجة . < < الحديد : ( 11 ) من ذا الذي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) قال عكرمة : لما أنزل الله تعالى هذه الآية تصدق أبو الدحداح بحائط فيه ستمائة نخلة . وفي رواية : تصدق بنصف جميع ماله حتى نعليه تصدق بأحدهما ، ثم جاء إلى أم الدحداح وقال : إني بعت ربي ، فقالت : ربح البيع . فقال رسول الله : ' كم من نخلة مدلاة لأبي الدحداح في الجنة ، عروقها من زبرجد وياقوت ' .
وعن بعضهم : أنه لما نزلت هذه الآية جاء اليهود إلى النبي ، وقالوا : أفقير ربنا فيستقرضنا ؟ فأنزل الله تعالى قوله : ( ^ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) .
وقال الزجاج : العرب تقول لكل من كل فعل فعلا حسنا : قد أقرض ، قال الشاعر :
( وإذا جوزيت قرضا فاقضه ** إنما يجزي الفتى ليس الإبل )
فمعنى الآية على هذا : من الذي يعفه فعلا حسنا فيجازيه الله بذلك . وهو على العموم .
____________________

( ^ فيضاعفه له وله أجر كريم ( 11 ) يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ( 12 ) يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من )
وقوله تعالى : ( ^ فيضاعفه له ) قرئ برفع الفاء ونصبها ، فبالرفع هو معطوف على قوله : ( ^ يقرض ) وبالنصب يكون على جواب الاستفهام بالفاء .
وقوله : ( ^ وله أجر كريم ) أي : حسن . < < الحديد : ( 12 ) يوم ترى المؤمنين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم ) قال الحسن البصري : على الصراط . وعن ابن مسعود قال : نور كل إنسان على قدر عمله ، فمنهم من نوره كالجبل العظيم ، ومنهم من نوره كنخلة ، ومنهم من نوره على إبهامه ينطفي مرة ويتقد أخرى . وفي بعض الأخبار : أن نورهم ما بين صنعاء إلى عدن . يعني : في القدر . وعن ابن عباس في رواية الضحاك قال : الصراط في دقة الشعرة ، وحدة ( الشفرة ) ، والمؤمنون يمرون عليه نورهم من بين أيديهم ، بعضهم كالبرق ، وبعضهم كالريح ، وبعضهم كالطير ، وبعضهم ( كحضرة ) الفرس .
وقوله تعالى : ( ^ وبأيمانهم ) أي : النور بأيمانهم .
وقوله : ( ^ بشراكم اليوم ) أي : بشارتكم اليوم ( ^ جنات تجري من تحتها الأنهار ) .
وقوله : ( ^ خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ) أي : النجاة [ العظيمة ] . < < الحديد : ( 13 ) يوم يقول المنافقون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا ) من الإنظار ، وأشهر القراءتين هي الأولى ، ومعناه : انظرونا . وأما بنصب الألف فمعناه : اصبروا لنا ،
قال الشاعر :
( أبا هند فلا تعجل علينا ** وأنظرنا نخبرك اليقينا )
____________________

( ^ نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ( 13 ) ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور )
وقوله : ( ^ نقتبس من نوركم ) في الأخبار : أن الناس يحشرون والمنافقون مختلطون بالمؤمنين ، ثم إن الله تعالى يرسل نورا للمؤمنين فيمشون في نورهم ، فيتبعهم المنافقون ويقولون : انظرونا نقتبس من نوركم ، وكانوا قد بقوا في الظلمة ، وفي رواية أخرى : أن الناس يحشرون فيغشاهم أمر من أمر الله ، فيبيض وجوه المؤمنين ، ويسود وجوه الكفار ، ثم يغشاهم أمر آخر ، فيقسم بين المؤمنين النور على قدر أعمالهم ، ويبقى الكفار والمنافقون في الظلمة ، فيقولون للمؤمنين : ' انظرونا نقتبس من نوركم ' .
وقوله : ( ^ نقتبس ) أي : نأخذ شيئا من نوركم .
وقوله : ( ^ قيل ارجعوا وراءكم ) أي : إلى الموضع الذي قسم فيه النور .
وقوله : ( ^ فالتمسوا نورا ) أي : اطلبوا نورا ثم ، فيرجعون فلا يجدون شيئا . وقال بعضهم معناه : فارجعوا إلى الدنيا ، واطلبوا النور بالأعمال الصالحة ، وهذا على التعيير والتبكيت ، وهو قول غريب ، والمعروف هو الأول .
وقوله : ( ^ فضرب بينهم بسور له باب ) في التفسير : أنهم إذا رجعوا إلى ذلك الموضع ولم يجدوا النور ، عادوا ليتبعوا نور المؤمنين ، فيغشاهم عذاب من عذاب الله ، ويضرب بينهم وبين المؤمنين بسور ، وهو معنى قوله تعالى : ( ^ فضرب بينهم بسور له باب ) وقيل : هو الأعراف الذي [ ذكر ] في سورة الأعراف . وعن عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو بن العاص أن السور حائط مسجد بيت المقدس الشرقي منه ، فالذي يلي المسجد هو الذي قال : ( ^ باطنه فيه الرحمة ) والذي يلي وادي جهنم هو الذي قال : ( ^ وظاهره من قبله العذاب ) وثم واد يقال له : وادي جهنم ، وهو معروف .
____________________

( ( 14 ) فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ( 15 ) ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا ) * * * * * < < الحديد : ( 14 ) ينادونهم ألم نكن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ينادونهم ألم نكن معكم ) يعني : أن المنافقين ينادون المؤمنين ألم نكن معكم ؟ معناه : ألم نكن معكم في صلاتكم وصيامكم ومساجدكم ، وما أشبه ذلك .
وقوله : ( ^ قالوا بلى ) أي : بلى كنتم في الظاهر .
وقوله : ( ^ ولكنكم فتنتم أنفسكم ) أي : استعملتم أنفسكم في الفتنة ، ويقال : فتنتم أنفسكم أي : اتبعتم المعاصي والشهوات .
وقوله : ( ^ وتربصتم ) أي : تربصتم بالنبي وبالمؤمنين دوائر الدهر . ويقال : تربصتم بالتوبة أي : أخرتموها .
وقوله : ( ^ وارتبتم ) أي : شككتم في الدين .
وقوله : ( ^ وغرتكم الأماني ) أي : أمنيتكم أن محمدا يهلك ، ويبطل أمره .
وقوله : ( ^ حتى جاء أمر الله ) أي : أمر الله بنصر نبيه والمؤمنين . ويقال : النار .
وقوله : ( ^ وغركم بالله الغرور ) أي : الشيطان ، وإنما سمى الشيطان غرورا ؛ لأن الناس تغر الناس بتمنية الأباطيل .
وعن سعيد بن جبير أنه قال : الغرور : أن تعمل بالمعصية ، وتتمنى على الله المغفرة . < < الحديد : ( 15 ) فاليوم لا يؤخذ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ) في قراءة أبي بن كعب : ' جزية ' ومعنى الفدية : هو ما يفتدي به نفسه من العذاب .
وقوله : ( ^ ولا من الذين كفروا مأواكم النار ) أي : [ منزلتكم ] النار .
وقوله : ( ^ هي مولاكم ) أي : النار أولى بكم .
____________________

( ^ يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ( 16 ) اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم ) * * * *
وقوله : ( ^ وبئس المصير ) أي : بئس المنقلب النار . < < الحديد : ( 16 ) ألم يأن للذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم يأن للذين آمنوا ) معناه : ألم يحن ، من الحين وهو الوقت .
يقال : آن يئين وحان يحين بمعنى واحد .
وقوله : ( ^ أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) أي : تلين وترق .
قال ابن عباس : في الآية حث لطائفة من المؤمنين على الرقة عند الذكر . وعن ابن مسعود قال : ما كان بين إسلام القوم وبين أن عاتبهم الله على ترك الخشوع والرقة إلا أربع سنين . وعن مقاتل : أن أصحاب رسول الله أخذوا في نوح من المرح فأنزل الله تعالى هذه الآية وعن بعضهم أن أصحاب رسول الله أصابتهم ملة فقالوا : ( حدثنا ) يا رسول الله ، فأنزل الله تعالى : ( ^ نحن نقص عليك أحسن القصص ) ، ثم أصابتهم ملة ، فأنزل الله : ( ^ الله نزل أحسن الحديث ) ثم أصابتهم ملة ، فأنزل الله تعالى : ( ^ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) .
وقال مقاتل بن حيان : إن قوله : ( ^ ألم يأن للذين آمنوا ) هو في مؤمني أهل الكتاب ، حثهم على الإيمان بالرسول . وعن بعضهم : هو في المنافقين ؛ آمنوا بألسنتهم ، ولم يؤمنوا بقلوبهم ( ^ وما نزل من الحق ) [ أي ] : القرآن .
وقوله : ( ^ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ) أي : اليهود والنصارى .
وقوله : ( ^ فطال عليهم الأمد ) أي : المدة . ويقال : الأجل . وعن ابن مسعود أنه قال :
____________________

( ^ تعقلون ( 17 ) إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كبير ( 18 ) والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ) * * * * * لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ، فقد طال عليهم الأمد فقست قلوبهم ، ولكن ما أمركم به القرآن فأتمروا به ، وما نهاكم عنه فانتهوا .
وقوله : ( ^ فقست قلوبهم ) أي : يبست .
وقوله : ( ^ وكثير منهم فاسقون ) أي : خارجون عن طاعة الله . ويقال : هو في ابتداعهم الرهبانية . < < الحديد : ( 17 ) اعلموا أن الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها ) في الخبر عن [ أبي ] رزين العقيلي أنه قال : يا رسول الله ، كيف يحيي الله الموتى ؟ فقال : ' أرأيت أرضا مخلاء ثم أرأيتها خضراء ، قال : نعم . قال : هو كذلك ' . وعن صالح المزني قال : يحيي القلوب بتليينها بعد قساوتها . فهو المراد بالآية .
وقوله : ( ^ قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) ظاهر المعنى . < < الحديد : ( 18 ) إن المصدقين والمصدقات . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن المصدقين والمصدقات ) قرئ : بتشديد الصاد وتخفيفها ، فعلى تخفيف الصاد يعني : المؤمنين ، وعلى تشديد الصاد يعني : المتصدقين .
وقوله : ( ^ وأقرضوا الله قرضا حسنا ) قيل : لا تكون الصدقة قرضا حسنا حتى تجتمع فيها خصال : أولها : أن تكون من حلال ، وأن يعطيها طيبة بها نفسه ، وأن لا يتبعها منا ولا أذى ، وأن يتيمم الجيد من ماله لا الخبيث والرديء ، وأن يعطيها ابتغاء وجه الله لا مراءاة للخلق ، وأن يخرج الأحب من ماله إلى الله تعالى ، وأن يتصدق وهو صحيح يأمل العيش ويخشى الفقر ، وأن لا يستكثر ما فعله بل يستقله ، وأن يتصدق بالكثير .
وقوله : ( ^ يضاعف لهم ولهم أجر كريم ) أي : كثير حسن .
____________________

( ^ لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( 19 ) اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة ) * * * * * * * * * < < الحديد : ( 19 ) والذين آمنوا بالله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) الصديق هو كثير الصدق ، كالسكيت كثير السكوت .
وعن أبي هريرة قال : كلكم صديق وشهيد . فقيل له : كيف يا أيا هريرة ؟ فقرأ قوله في هذه الآية . واختلف القول في قوله : ( ^ والشهداء ) فأحد الأقوال : أنهم الشهداء المعروفون ، وهم الذين استشهدوا في سبيل الله .
والقول الثاني : أنهم النبيون ، ذكره الفراء .
والقول الثالث : أنهم جميع المؤمنين . فعلى هذا يكون الشهداء معطوفا على قوله : ( ^ أولئك هم الصديقون ) وعلى القولين الأولين تم الوقف والكلام على قوله : ( ^ أولئك هم الصديقون ) ، وقوله : ( ^ والشهداء عند ربهم ) ابتداء كلام . وفي قوله : ( ^ عند ربهم ) إشارة إلى منزلتهم ومكانتهم عند الله .
وقوله : ( ^ لهم أجرهم ونورهم ) أي : ثوابهم وضياؤهم .
وقوله : ( ^ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ) معلوم المعنى ، والجحيم معظم النار . < < الحديد : ( 20 ) اعلموا أنما الحياة . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة ) أي : هي ما يلعب به ويلهي ويتزين به . والمراد به : كل ما أريد به غير الله ، أو كل ما شغل عن الدين . ويقال : لعب ولهو : أكل وشرب . ويقال : اللعب الأولاد ، واللهو النساء .
وقوله تعالى : ( ^ وتفاخر بينكم ) أي : تفاخر من بعضكم على بعض .
وقوله : ( ^ وتكاثر في الأموال والأولاد ) أي : تطاول بكثرة الأولاد والأموال . والفرق بين التفاخر والتكاثر : أن التفاخر قد يكون ممن له ولد ومال مع من لا ولد له
____________________

( ^ عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ( 20 ) سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ) * * * * * ولا مال ، وأما التكاثر لا يكون إلا ممن له ولد ومال مع من له ولد ومال .
وقد ورد في بعض الأخبار أن النبي قال : ' من طلب الدنيا تعففا عن السؤال ، وصيانة للولد والعيال ، جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ، ومن طلبها تفاخرا وتكاثرا ورياء للناس ، فليتبوأ مقعده من النار ' أو لفظ هذا معناه .
وقوله : ( ^ كمثل غيث أعجب الكفار نباته ) أي : الزراع ، وذلك حين ينبت ويحسن في أعين الناس .
وقوله : ( ^ ثم يهيج فتراه مصفرا ) أي : ييبس ويجف .
وقوله : ( ^ مصفرا ) أي : أصفر يابسا .
وقوله : ( ^ ثم يكون حطاما ) أي : يتكسر ويتهشم . وقيل : يكون نبتا لا قمح فيه .
وقوله : ( ^ وفي الآخرة عذاب شديد ) يعني : لمن آثر الدنيا على الآخرة .
وقوله : ( ^ ومغفرة من الله ورضوان ) يعني لمن آثر الآخرة على الدنيا .
قال قتادة : رجع الأمر إلى هذه الكلمات الثلاث ( ^ وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) ومتاع الغرور قد بينا من قبل ، وهو كل ما لا أصل له ، أو كل ما لا بقاء عليه . < < الحديد : ( 21 ) سابقوا إلى مغفرة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ سابقوا إلى مغفرة من ربكم ) أي : سارعوا ، يقال : إن المسابقة بالإيمان . ويقال : بالتكبيرة الأولى والصف الأول ، حكي هذا عن رباح بن عبيدة . وعن وكيع بن الجراح قال : كنا إذا رأينا الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى علمنا أنه لا يفلح .
____________________

( ^ ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 21 ) ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ( 22 ) لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال ) * * * * *
وقوله : ( ^ وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ) المراد منه : ألصق بعضه ببعض فما يبلغ عرض الجميع ، فهو عرض الجنة . وقيل : المراد من المسابقة : المسابقة إلى التوبة . وقيل : إلى النبي .
وقوله : ( ^ عرضها كعرض السماء والأرض ) أي : سعتها ، قال الشاعر :
( كأن بلاد الله وهي عريضة ** على الخائف المطلوب كفة حابل )
وقوله تعالى : ( ^ أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله ) أي : صدقوا الله ، وصدقوا له رسله .
وقوله : ( ^ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) ظاهر المعنى . < < الحديد : ( 22 ) ما أصاب من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم ) المصيبة في الأرض : ما يصيب الأرض من الجدب والقحط وهلاك الثمار وما أشبه ذلك ، والمصيبة في الأنفس هي الأسقام والأمراض وما يشبهها .
وقوله : ( ^ إلا في كتاب ) قد ثبت أن النبي قال : ' لما خلق الله القلم قال له : اكتب . قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ' . والكتاب هو اللوح المحفوظ .
وقوله : ( ^ من قبل أن نبرأها ) أي : من قبل أن نخلقها . والكتابة يجوز أن ترجع إلى النقوش ، ويجوز أن نرجع إلى المصيبة .
وقوله : ( ^ إن ذلك على الله يسير ) أي : هين . < < الحديد : ( 23 ) لكي لا تأسوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ) الأسى : هو الحزن والتندم .
____________________

( ^ فخور ( 23 ) الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ( 24 ) لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) * * * * * * *
وقوله : ( ^ ولا تفرحوا بما آتاكم ) أي : لا تبطروا ولا تأشروا . وعن ابن عباس قال : ما من أحد إلا ويحزن ، ولكن المراد بالآية هو أن نشكر عند النعمة ، ونصبر عند المصيبة . وعن بعضهم معناه : لا يجاوز ما حده الله تعالى يعني : لا يجزع عند المصيبة جزعا يخرجه إلى ترك الرضا ، ولا يفرح عند النعمة فرحا يخرجه عن طاعة الله ، أو يمسكها عن حقوقها ، ولكن إذا علم أن الكل بقضاء الله وقدره ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وما أصابه لم لكم يكن ليخطئه ، هان عليه ما فات ، ولم يفرح بما أصاب . وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال : إذا استأثر الله عليك بشيء [ ما فاتك ] ذلك عن ترك ذكره .
ومن المعروف قول النبي ' لله ما أخذ ، ولله ما أعطى ' .
وقوله : ( ^ والله لا يحب كل مختال فخور ) أي : متكبر منان بما أعطى . < < الحديد : ( 24 ) الذين يبخلون ويأمرون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) قال أهل العلم : البخل حقيقته هو منع المال عن حق الله تعالى . وقال بعضهم : إذا وضعه في غير موضعه فهو بخيل ، وإن أعطى وأكثر ، وإذا وضعه في موضعه فليس ببخيل وإن قل . وعن بعضهم أنه قال : من أدى زكاة ماله فقد برئ من البخل .
وفي الآية قول آخر ذكره السدى وغيره : أن الآية في اليهود ؛ وبخلهم هو كتمان صفة الرسول ، وأمرهم بالبخل أمرهم بالكتمان .
وقوله : ( ^ ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) أي : الغني عن طاعة خلقه ، الحميد في فعاله . وقيل : الغني عن صدقات الخلق ، الحميد في إفضاله عليهم .

وعن سعيد بن جبير قال : يبخلون أي : لا يتصدقون ، ويأمرون الناس بالبخل ، أي :
____________________

( ^ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز ( 25 ) ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ) * * * * * بترك الصدقة . والفرق بين البخيل والسخي : أن السخي هو الذي يلتذ بالإعطاء ، والبخيل هو الذي يلتذ بالإمساك . وقيل : البخيل هو الذي يعطي ما يعطي ونفسه غير طيبة ، والسخي هو الذي يعطي ما يعطي طيبة بها نفسه . < < الحديد : ( 25 ) لقد أرسلنا رسلنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب ) أي : الكتب .
وقوله : ( ^ والميزان ) قال قتادة : العدل . وقال الكلبي : الميزان المعروف الذي توزن به الأشياء . ومعناه : وضعنا الميزان ، وعلى القول الأول معناه : أمرنا بالعدل .
وقوله : ( ^ ليقوم الناس بالقسط ) أي : بالعدل في الميزان .
وقوله : ( ^ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) قوله : ( ^ أنزلنا الحديد ) فيه قولان : أحدهما : أن معناه : وخلقنا الحديد وأحدثناه .
والقول الثاني : أن المراد به هو الإنزال من السماء حقيقة ، ' وأن الله تعالى لما أنزل آدم إلى الأرض أنزل معه العلاة والكلبتين والميقعة ' وهي المطرقة وقيل : أنزل معه الحجر الأسود وعصا موسى من آس الجنة وما ذكرنا من الحديد .
وقوله : ( ^ فيه بأس شديد ) أي : هو سلاح وجنة . فالسلاح يقاتل به ، والجنة يتقى
وقوله ( ^ منافع للناس ) هي ما يتخذ من الآلات من الحديد مثل الفأس والقدوم والمنشار والمسلة والإبرة ونحوها بها .
وقوله : ( ^ وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) ذكر هاهنا هذا ؛ لأن نصرة الله تعالى ونصرة رسله بالقتال ، والقتال بآلات الحديد ، وإنما قال : ( ^ بالغيب ) لأن كل ما يفعله العباد من الطاعات إنما يفعلونه بالغيب ، على ما قال الله تعالى : ( ^ الذين يؤمنون بالغيب ) .
وقوله : ( ^ إن الله قوي عزيز ) ظاهر المعنى .
____________________

( ^ فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ( 26 ) ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايته فآتينا الذين آمنوا منهم ) * * * * * * < < الحديد : ( 26 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد ) أي : مسلم . ( ^ وكثير منهم فاسقون ) أي : كافرون . < < الحديد : ( 27 ) ثم قفينا على . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ثم قفينا على آثارهم برسلنا ) أي : أتبعنا .
وقوله : ( ^ وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل ) أي : أعطيناه الإنجيل جملة .
وقوله : ( ^ وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ) الرأفة : أشد الرحمة ، والمراد بهؤلاء : هم الذين بقوا على دين الحق ، ولم يغيروا ولم يبدلوا بعد عيسى عليه السلام .
وقوله : ( ^ ورهبانية ابتدعوها ) أي : وابتدعوها رهبانية من تلقاء أنفسهم ، والرهبانية هي ما ابتدعوها من السياحة في البراري ( والمفاوز ) . قيل : هو التفرد في الديار والصوامع للعبادة . وقد روي عن النبي أنه قال : ' لا رهبانية في الإسلام ' . وفي رواية قال : ' رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله ' . وفي الأخبار : أن سبب ابتداعهم الرهبانية أن الملوك بعد عيسى عليه السلام بدلوا دين عيسى ، وقتلوا العباد والأخيار من بني إسرائيل حين دعوهم إلى الحق ؛ فقال الأخيار فيما بينهم وهم الذين بقوا إنهم وإن قتلونا لا يسعنا المقام فيما بينهم والسكوت ، فلحق بعضهم بالبراري وساحوا ، وبنى بعضهم الصوامع وتفردوا فيها للعبادة ، فكان أصل الرهبانية بهذا السبب .
وقوله : ( ^ ما كتبناها عليهم ) أي : ما فرضناها عليهم .
____________________

( ^ أجرهم وكثير منهم فاسقون ( 27 ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم ( 28 ) لئلا ) * * * * * * * *
وقوله : ( ^ إلا ابتغاء رضوان الله ) انتصب لمحذوف ، والمحذوف : ما ابتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله .
وقوله : ( ^ فما رعوها حق رعايتها ) أي : ما قاموا كما يجب القيامة بها .
وقوله : ( ^ فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم ) أي : ثوابهم ، وهم الذين آمنوا بمحمد بعد أن ترهبوا .
وقوله : ( ^ وكثير منهم فاسقون ) أي : الذين بقوا على الكفر . < < الحديد : ( 28 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ) أي : نصيبين . وقيل : أجرين من رحمته . وفي التفسير : أن سبب نزول الآية أن الله تعالى لما أنزل عليهم قوله : ( ^ وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا ) إلى قوله : ( ^ أولئك يؤتون أجرهم مرتين ) تفاخر الذين آمنوا من أهل الكتاب على سائر المؤمنين من الصحابة ، وقالوا : إنكم تؤتون أجوركم مرة ، ونحن نؤتى مرتين ، فأنزل الله تعالى هذه الآية بشارة لسائر المؤمنين . وقد ثبت عن النبي برواية أبي موسى الأشعري أنه قال عليه الصلاة والسلام : ' ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين : رجل آمن بالكتاب الأول ثم آمن بالكتاب الثاني ، ورجل اشترى جارية فأدبها وأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها ، وعبد أطاع ربه ونصح لسيده ' . وقيل : قوله : ( ^ يؤتكم كفلين من رحمته ) وهو أجر السر وأجر العلانية . وقيل : أجر أداء حق الله تعالى وأداء حق العباد .
وقوله : ( ^ ويجعل لكم نورا تمشون به ) هو النور الذي بينا من قبل يضيئهم على الصراط . وقيل : هو نور الإسلام .
وقوله : ( ^ تمشون به ) أي : تسلكون طريق الإسلام بنوره .
____________________

( ^ يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 29 ) . ) * * * * * * *
وقوله : ( ^ ويغفر لكم والله غفور رحيم ) ظاهر المعنى . < < الحديد : ( 29 ) لئلا يعلم أهل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لئلا يعلم أهل الكتاب ) وهما بمعنى واحد ، وهو تفسير القراءة المعروفة . وقد قال الأخفش والفراء وغيرهما : إن ' لا ' صلة هاهنا ، وهو مثل قول الشاعر :
( ولا ألزم البيض أن لا تسحروا ** )
أي : أن تسحروا .
وقوله : ( ^ ألا يقدرون على شيء من فضل الله ) معناه : إنا أعطينا ما أعطينا من الكفلين من الرحمة للمؤمنين ؛ ليعلم أهل الكتاب أن ليس بأيديهم إيصال فضل الله الواحد ، ويعلم المؤمنون أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، وهو معنى قوله : ( ^ وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ) أي : يعطيه من يشاء ، وقيل معنى الآية : ليعلم أهل الكتاب أن من لم يؤمن بمحمد ليس له نصيب من فضل الله يوم القيامة .
وقوله : ( ^ ألا يقدرون على شيء من فضل الله ) أي : لا يصلون إلى شيء من فضل الله حين لم يؤمنوا بمحمد ، والفضل بيد الله يوصله إلى المؤمنين بمحمد بمشيئته ، والفضل هاهنا هو الجنة .
وقوله : ( ^ والله ذو الفضل العظيم ) أي : له الفضل العظيم ، وهو القادر على إيصال الفضل العظيم يعني : إلى من يشاء من عباده والله أعلم بالصواب .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن ) * * * * * <
> تفسير سورة المجادلة <
> <
> وهي مدنية <
> < < المجادلة : ( 1 ) قد سمع الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ) نزلت الآية في خولة بنت ثعلبة ، وهي امرأة أوس بن الصامت ، ويقال : خولة بنت خويلد . وقيل : خولة بنت الصامت ، والأصح هو الأول ، وعليه أكثر أهل التفسير منهم : مجاهد ، وقتادة ، ومحمد بن كعب القرظي ، وغيرهم . وكان أوس بن الصامت ظاهر منها . وفي رواية عن خولة أنها قالت : ' كان بأوس بن الصامت لمم ، فراجعته في بعض الأمر فظاهر منى ' . قال محمد بن كعب القرظي : أتت خولة بنت ثعلبة رسول الله وقالت : إن أوس بن الصامت زوجي وابن عمي وأحب الناس إلي وقد ظاهر مني ، فقال عليه السلام : ' ما أراك إلا وقد حرمت عليه ' ، فجعلت تشتكي وتقول : أبو ولدي وزوجي ولا أستطيع فراقه ، ورسول الله يقول : ' ما أراك إلا وقد حرمت عليه ' ، وهي تراجعه مرة بعد أخرى ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) ' قالت عائشة رضي الله عنها : سبحان الذي وسع سمعه الأصوات ، كنت في جانب البيت ولا أسمع ما تقوله خولة ، فأنزل الله تعالى : ( ^ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) .
وقوله : ( ^ وتشتكي إلى الله ) اشتكى وشكا بمعنى واحد
وقوله ( ^ والله يسمع تحاوركما ) أي : تراجعكما .
وقوله : ( ^ إن الله سميع بصير ) ظاهر .
____________________

( ^ الله سميع بصير ( 1 ) الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور ( 2 ) والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم ) * * * * * * < < المجادلة : ( 2 ) الذين يظاهرون منكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ) أي : ليس هن بأمهاتهم ، والمعنى : أنه ليس أزواجهن كما قالوا : إن ظهورهن كظهر أمهاتهم .
وقوله : ( ^ إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ) قال قتادة : أي : كذبا . والكذب هو قوله لها : أنت علي كظهر أمي .
وقوله : ( ^ وإن الله لعفو غفور ) أي : لمن ندم على قوله ، < < المجادلة : ( 3 ) والذين يظاهرون من . . . . . > > وهذا قوله تعالى : ( ^ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير ) قال الحسن وطاوس والزهري : العود هو الوطء ، وهذا قول مالك . وعن ابن عباس : هو أن يندم على ما قال ويرجع إلى الألفة . ومذهب الشافعي في العود أنه يمسكها على النكاح عقيب الظهار ولا يطلقها ، قال : وإنما يكون هذا عودا ؛ لأن الظهار قصد التحريم ، فإذا مضى وقت عقيب الظهار ، ولم يحرمها على نفسه بالطلاق ، فهو عائد عما قال . ويجوز أن يكون على هذا قول ابن عباس الذي ذكرنا .
وأما مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه فإنه قال : العود هو أن يعزم على إمساكها ، فإذا فعل ذلك فقد تحقق العود . والفرق بين هذا وبين قول الشافعي أنه إذا مضى عقيب الظهار وقت يمكنه أن يطلقها فيه ولم يطلق فهو عائد ، وإن لم يعزم على إمساكها .
وعند أبي حنيفة ما لم يعزم على إمساكها لا يكون عائدا .
وفي الآية قول رابع ، وهو قول أبي العالية وبكير بن عبد الله الأشج : أن العود هو أن يكرر لفظ الظهار وأولا العود لما قالوا بهذا . وقال القتيبي : ثبت الظهار بنفس القول وتجب الكفارة . ومعنى العود في هذا هو العود إلى ما كان عليه أهل الجاهلية من فعل
____________________

( ^ توعظون به والله بما تعملون خبير ( 3 ) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود ) * * * * * الظهار ، وكأنه قال : ' ويعودون لما قالوا ' يعني : إلى ما قاله أهل الجاهلية . وقال الأخفش سعيد بن مسعدة : في الآية تقديم وتأخير ، وتقديرها : والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون فتحرير رقبة بما قالوا .
وقوله : ( ^ من قبل أن يتماسا ) يعني : الوطء ، وأما اللمس فيما دون الفرج اختلفوا فيه ، فحكي عن الحسن البصري أنه قال : يجوز .
وقال الزهري : لا يجوز ، والأصح أنه لا يجوز حتى يكفر .
وقوله : ( ^ ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير ) ظاهر المعنى .
وقوله : ( ^ فتحرير رقبة ) قال ابن عباس : مؤمنة . وعن الشعبي قال : رقبة قد صلت وعرفت الإيمان . وفي الخبر أن النبي دعا أوس بن الصامت وقال : ' اعتق رقبة . فقال : لا أجدها . فقال : صم شهرين متتابعين ، قال : لا أستطيع وكان شيخا قد أسن وكبر فقال : أطعم ستين مسكينا ، فقال : ' نعم ' . وروي أنه قال : ' لا أجد إلا أن تعينني ، فأعانه رسول الله بفرق من تمر ، وأعانته المرأة بفرق من تمر ' . وفي رواية : ' أنه لما أعطاه رسول الله التمر قال : ليس في المدينة أحد أحوج إليه مني ، فقال : كله أنت وعيالك ' . < < المجادلة : ( 4 ) فمن لم يجد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ) قد بينا . وعن سعيد بن المسيب قال : إذا أفطر بعذر يقضي يوما مكانه ولا يستقبل . وقال إبراهيم النخعي : يستقبل . وعليه أكثر الفقهاء .
____________________

( ^ الله وللكافرين عذاب أليم ( 4 ) إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين ( 5 ) يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ( 6 ) ألم تر أن الله ) * * * *
وقوله : ( ^ فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ) قد بينا ، والأصح أنه يطعم مدا مدا ، وهو قول ابن عباس .
وقوله : ( ^ ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله ) أي : سنة الله ، ويقال : أوامر الله .
وقوله : ( ^ وللكافرين عذاب أليم ) أي : مؤلم . < < المجادلة : ( 5 ) إن الذين يحادون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين يحادون الله ورسوله ) أي : يكونون في حد غير حد المؤمنين . ويقال : إن الذين يحادون الله ورسوله أي : يعادون الله ورسوله . وقوله في موضع آخر : ( ^ ومن يشاقق الله ورسوله ) أي : يكون في شق غير شق المؤمنين .
وقوله : ( ^ كبتوا ) أي : أخزوا ، قاله قتادة . ويقال : أهلكوا .
قال أبو عبيدة : ويقال : لعنوا ، قاله السدى .
وقوله : ( ^ كما كبت الذين من قبلهم ) أي : كما أخزى وأهلك ولعن الذين من قبلهم .
وقوله : ( ^ وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين ) أي : يهينهم ، وهو من الهوان ، ومن عذبه الله فقد أهانه . < < المجادلة : ( 6 ) يوم يبعثهم الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا ) أي : يخبرهم .
وقوله : ( ^ أحصاه الله ونسوه ) أي : أحاط به علم الله ، ونسوه أي : نسيه من عمل به .
وقوله : ( ^ والله على كل شيء شهيد ) أي : شاهد . < < المجادلة : ( 7 ) ألم تر أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى
____________________

( ^ يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم إلا ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ( 7 ) ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم ) * * * * ثلاثة إلا هو رابعهم ) ذكر الزجاج أن السرار والنجوى بمعنى واحد . وعن بعضهم : أن السرار يكون بين اثنين ، والنجوى [ تكون ] بين ثلاثة وأكثر إذا إخفي .
وقوله : ( ^ إلا هو رابعهم ) يعني : بالعلم والقدرة .
وقوله : ( ^ ولا خمسة إلا هو سادسهم ) هو كما بينا .
وقوله : ( ^ ولا أدنى من ذلك ولا أكثر هو معهم أينما كانوا ) هو كما بينا .
وقوله : ( ^ ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ) أي : عالم . < < المجادلة : ( 8 ) ألم تر إلى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ) نزلت الآية في قوم من المنافقين كان رسول الله إذا بعث سرية قالوا فيما بينهم : قد أصاب السرية ، وكذا قد أسروا وقتلوا وما يشبه ذلك إرجافا بالمسلمين ، فنهاهم النبي عن ذلك ، فكانوا يقولون قد نبئنا . [ قوله ] : ( ^ ثم يعودون [ لما نهوا عنه ] ) .
قوله : ( ^ ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ) وهو بالمعنى الذي بيناه من قبل .
وقوله : ( ^ وإذا جاءوك وحيوك بما لم يحيك به الله ) هذا في اليهود . ويقال : إن أول الآية في اليهود أيضا ، وتحيتهم أنهم كانوا يقولون : السام عليك يا محمد ، وكان السام في لغتهم الموت والهلاك ، وكان رسول الله يقول : ' وعليكم ' . فروي في بعض الأخبار : ' أن عائشة سمعتهم يقولون ذلك ، فجعلت تسبهم وتلعنهم ، فزجها النبي عن ذلك وقال لها : ' يا عائشة ، إن الله لا يحب الفحش والتفحش ، وقالت :
____________________

( ^ يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير ( 8 ) يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) * * * * * يا رسول الله ، ألم تسمع ما قالوا ؟ ! فقال رسول الله : ألم تسمعي ما قلت ، قلت : وعليكم ، وإنا نستجاب فيهم ، ولا يستجابون فينا ' .
وقوله : ( ^ ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ) المعنى : أنهم كانوا يقولون : لو كان محمد نبيا لعذبنا الله بما نقول .
وقوله : ( ^ حسبهم جهنم ) أي : كافيهم عذاب جهنم .
وقوله : ( ^ يصلونها ) أي : يدخلونها .
وقوله : ( ^ وبئس المصير ) أي : المنقلب والمرجع . < < المجادلة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى ) أي : وما تتقون به .
وقوله : ( ^ واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) يوم القيامة . وإذا حملنا الآية على المنافقين فقوله : ( ^ يا أيها الذين آمنوا ) أي : آمنوا بألسنتهم ، والأصح أن الخطاب للمؤمنين ، أمرهم الله تعالى ألا يكونوا كالمنافقين وكاليهود . < < المجادلة : ( 10 ) إنما النجوى من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنما النجوى من الشيطان ) يعني : أن النجوى بينهم على ما بينا [ هي ] من الشيطان .
وقوله : ( ^ ليحزن الذين آمنوا ) أي : ليحزنوا بما يسمعون من الإرجاف بالسرية .
____________________

( ( 9 ) إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 10 ) يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في ) * * * * *
وقوله تعالى : ( ^ وليس بضارهم شيئا ) يعني : أن الإرجاف لا يضر السرية .
وقوله تعالى : ( ^ إلا بإذن الله ) أي : بعلم الله . وقوله : ( ^ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) أي : فليتق المؤمنون . < < المجادلة : ( 11 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا يفسح الله لكم ) معناه : إذا قيل لكم توسعوا في المجلس أي : في مجلس رسول الله فوسعوا يوسع الله لكم . أي : في الجنة .
وفي التفسير : أن الآية نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، وكان به صمم ، فجاء يوما وقد ( جلس ) الناس عند النبي ، فطلب أن يوسعوا له ليقرب من النبي ويسمع ، فوسعوا له إلا رجلا واحدا وكان قريبا من النبي لم يوسع له ، وقال له : قد أصبت موضعا فاقعد ، فعيره ثابت بن قيس بأم كانت له في الجاهلية ، فسمع النبي ذلك فقال : ' يا ثابت ، انظر من القوم فليس لك على أحد منهم فضل إلا بالتقوى ' . وأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمر المسلمين أن يتوسعوا في المجلس . قال الحسن البصري : نزلت الآية في صفوف الجهاد . والمراد من التفسح هاهنا هو القعود في المكان من ( اختباء ) لا للحرب . والقول الأول أظهر .
وقوله : ( ^ وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) قال قتادة معناه : إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا . وقال الحسن : هو في الحرب . وقيل : هو النهوض في جميع الأشياء بعد أن يكون من الخيرات ، وذلك مثل : الجهاد ، وصفوف الجماعات ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وما أشبه ذلك .
____________________

( ^ المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير ( 11 ) يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا ) * * * * *
وفي الآية قول ثالث : أن قوله : ( ^ فانشزوا ) هو إذا فرغ النبي فاخرجوا من عنده ، ولا تلبثوا عنده فتثقلوا عليه ، وهو في معنى قوله تعالى : ( ^ فإذا أطعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث ) .
وقوله : ( ^ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) أي : بإيمانهم وعلمهم . وقيل : كان النبي يستحب أن يكون بالقرب منه أولوا العلم والنهي من أصحابه ، فكان غيرهم يأتي ويقرب من النبي ، ثم إذا حضر الأكابر وأولوا العلم من أصحابه كان يقول : ' يا فلان ، قم ، ويا فلان ، قم وتأخر ؛ ليقعد أولوا العلم والنهي بالقرب منه ، فعلى هذا معنى قوله : ( ^ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) إشارة إلى ما كان يرفعهم النبي ويقعدهم بالقرب . يعني : أنهم أصابوا ما أصابوا من الرفعة والرتبة بالإيمان والعلم .
وقوله : ( ^ والله بما تعملون خبير ) أي : عليم . < < المجادلة : ( 12 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) سبب نزول الآية أن الناس كانوا يستكثرون من السؤال على النبي ، وكان الواحد منهم يتناجى مع رسول الله طويلا ، فأراد الله أن يخفف عن نبيه ، فأنزل هذه الآية . وعن مجاهد عن علي رضي الله عنهما أنه قال : لم يعمل بهذه الآية غيري ، كان عندي دينار فتصدقت به ، وانتجيت مع الرسول . وفي رواية : أنه صارف الدينار بعشرة دراهم ، فكان كلما أراد أن يتناجى مع الرسول عليه الصلاة والسلام تصدق بدرهم .
وذكر النقاش في تفسيره : أن المنافقين قالوا : قد طال نجوى محمد مع ابن عمه
____________________

( ^ فإن الله غفور رحيم ( 12 ) أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما ) * * * * * * فقال النبي : ' ما انتجيته أنا ولكن الله انتجاه ' .
في بعض التفاسير : أن هذا لأمر لم يبق إلا ساعة من النهار حتى نسخ .
وفي التفسير أيضا : أن النبي قال لعلي : ' كم تقدر في الصدقة ؟ فقال : شعيرة ، فقال : إنك لزهيد ' ، ' وكان الرسول قد قال : ' يتصدقون بدينار . فقال علي : إنهم لا يطيقونه ' .
وذكر بعضهم : أن المنافقين كانوا يأتون النبي [ ويتناجون ] معه طويلا تصنعا ورياء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فبخلوا بأموالهم وكفوا عن النجوى .
وقوله تعالى : ( ^ ذلك خير لكم وأطهر ) أي : أزكى .
وقوله : ( ^ فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) أي : إن لم تجدوا ما تتصدقون به فإن الله غفر لكم ، ورحمكم بإسقاط الصدقة عنكم . < < المجادلة : ( 13 ) أأشفقتم أن تقدموا . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ) معناه : أأشفقتم على أموالكم وبخلتم بها ؟
وقوله : ( ^ فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله ) نسخ ذلك الأمر بهذه الآية ، كأنه قال : فإذا لم تفعلوا ونسخناه منكم ( ^ فأقيموا الصلاة ) أي : حافظوا عليها ( ^ وآتوا الزكاة ) أي : أدوها ( ^ وأطيعوا الله
____________________

( ^ تعملون ( 13 ) ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ( 14 ) أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون ( 15 ) اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين ( 16 ) لن ) * * * * * * ورسوله ) فيما يأمران من الأمر ( ^ والله خبير بما تعملون ) أي : عليم بأعمالكم . < < المجادلة : ( 14 ) ألم تر إلى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ) نزلت في المنافقين كانوا [ يتولون ] اليهود ، وقالوا لهم : نحن معكم في السر .
وقوله : ( ^ ما هم منكم ولا منهم ) أي : المنافقين .
وقوله : ( ^ ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ) روي ' أن النبي دعا عبد الله ابن نبتل وكان أحد المنافقين فقال له : مالك تشتمني وتؤذيني وقومك وأصحابك ، فذهب وجاء بأصحابه يحلفوا أنهم لم يقولوا له إلا خيرا ' ، فهو معنى قوله : ( ^ ويحلفون على الكذب وهم يعلمون ) . < < المجادلة : ( 15 ) أعد الله لهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون ) أي : ساءت أعمالهم . < < المجادلة : ( 16 ) اتخذوا أيمانهم جنة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ اتخذوا أيمانهم جنة ) معناه : اتقوا بأيمانهم كما يتقي المحارب
____________________

( ^ تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( 17 ) يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ( 18 ) استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ( 19 ) إن الذين يحادون الله ورسوله ) * * * * * بجنته ، وهي ترسه .
وقوله : ( ^ فصدوا عن سبيل الله ) أي : أعرضوا عن سبيل الله .
وقوله : ( ^ فلهم عذاب مهين ) ظاهر المعنى . < < المجادلة : ( 17 ) لن تغني عنهم . . . . . > >
قوله : ( ^ لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ) أي : لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا .
وقوله : ( ^ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) أي : دائمون . < < المجادلة : ( 18 ) يوم يبعثهم الله . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ) أي : يحلفون لله كذبا كما حلفوا لكم كذبا .
وقوله : ( ^ ويحسبون أنهم على شيء ) أي : يظنون أنهم على شيء .
وقوله : ( ^ آلا إنهم هم الكاذبون ) أي : الكاذبون على الله وعلى رسوله . < < المجادلة : ( 19 ) استحوذ عليهم الشيطان . . . . . > >
قوله : ( ^ استحوذ عليهم الشيطان ) أي : غلب عليهم الشيطان . وفي صفات عمر رضي الله عنه أنه كان أحوذيا نسيج وحده . وفي رواية أحوزيا . ومعناه بالذال أي : غالبا على الأمور .
وقوله : ( ^ فأنساهم ذكر الله ) أي : أنساهم الشيطان ذكر الله .
وقوله : ( ^ أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) أي : خسروا رضا الله تعالى والجنة . < < المجادلة : ( 20 ) إن الذين يحادون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين يحادون الله ورسوله ) قد بينا .
____________________

( ^ أولئك في الأذلين ( 20 ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ( 21 ) لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ) * * * * * *
وقوله : ( ^ أولئك في الأذلين ) أي : الأقلين . وكل كافر ذليل ، وكل مؤمن عزيز . ومعناه : هم أقل درجة ورتبة . < < المجادلة : ( 21 ) كتب الله لأغلبن . . . . . > >
وقوله : ( ^ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) أما غلبة الله معلومة ؛ لأن كل الأشياء على مراده ومشيئته ، أما غلبة رسله فهي بالنصر تارة وبالحجة أخرى .
وقوله : ( ^ إن الله قوي عزيز ) أي : قوي في الأمور ، غالب عليها . < < المجادلة : ( 22 ) لا تجد قوما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) أي : لا يكون من صفة المؤمنين أن يوادوا من حاد الله ورسوله ( ^ ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) في نزول الآية قولان : أحدهما : أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى مكة يؤذنهم بغزو النبي ؛ وستأتي قصة ذلك في سورة الممتحنة . والقول الثاني : أن الآية نزلت في غيره .
وقوله : ( ^ ولو كانوا آباءهم ) نزل في أبي عبيدة بن الجراح ، وكان قتل أباه الكافر وجاء برأسه إلى النبي . وقد قيل : إن أباه مات قبل أن يسلم أبو عبيدة ، والله أعلم .
وقوله : ( ^ أو أبناءهم ) نزل في أبي بكر رضي الله عنه أراد أن يخرج إلى ابنه عبد الرحمن فيبارزه ، فمنعه النبي عن ذلك وقال : ' نبله منه غيرك ' .
وقوله : ( ^ أو إخوانهم ) نزل في عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل أخاه هشام بن العاص يوم بدر ، وكان أخاه من أمه .
وقوله : ( ^ أو عشيرتهم ) نزل في حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم بارزوا مع عتبة وشيبة والوليد بن عتبة ، وقد كانوا عشيرتهم وقرابتهم .
____________________

( ^ ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ( 22 ) . ) * * * * *
وقوله : ( ^ أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ) أي : أدخل في قلوبهم الإيمان . وقيل : كتب أي : جعل في قلوبهم علامة تدل على إيمانهم .
وقوله : ( ^ وأيدهم بروح منه ) أي : قواهم بنصر منه . وقيل : بنظر منه . وقيل : برحمة منه .
وقوله : ( ^ ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه ) معلوم المعنى .
وقوله : ( ^ أولئك حزب الله ) أي : جند الله . وقيل : خاصة الله وصفوته . وتقول العرب : أنا في حزب فلان أي : في شق فلان وجانبه .
وقوله : ( ^ ألا إن حزب الله هم المفلحون ) أي : هم السعداء الباقون في نعيم الأبد . وقيل : هم الذين نالوا رضا الله تعالى ، والله أعلم .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ( 1 ) هو الذي أخرج ) * * * * * <
> تفسير سورة الحشر <
> <
> وهي مدنية <
>
وعن ابن عباس : أنه سماها سورة النضير ، والله اعلم < < الحشر : ( 1 ) سبح لله ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ سبح لله ما في السموات وما في الأرض ) أي : صلى وتعبد لله . والتسبيح لله تعالى : هو تنزيهه من كل سوء . وذكر بعضهم عن ابن عباس أنه قال : كل تسبيح ورد في القرآن فهو بمعنى الصلاة . ومنه قوله : سبحة الضحى أي : صلاة الضحى .
وقوله : ( ^ وهو العزيز الحكيم ) أي : الغالب على الأشياء ، الحكيم في الأمور . < < الحشر : ( 2 ) هو الذي أخرج . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم ) قال جماعة المفسرين : هم بنو النضير من اليهود ، وكان رسول الله وادعهم وشرط عليهم أن لا ينصروا مشركي قريش ، فنقضوا العهد . وروي أن نقضهم العهد كان هو أن النبي أتاهم يستعين بهم في دية التلاديين وقيل العامريين قتلى عمرو بن أمية الضمري ، فجاء وقعد في أصل حصنهم فقالوا : ما جاء بك يا محمد ؟ ! فذكر لهم ما جاء فيه ، واستعان بهم ، فدبروا ليلقوا عليه صخرة ويقتلوه ؛ فجاء جبريل عليه السلام وأخبره ، فرجع إلى المدينة ثم حاصرهم وأجلاهم ' .
وقوله : ( ^ لأول الحشر ) قال الحسن : معنى أول الحشر : هو أن الشام أرض الحشر والمنشر ، وكان رسول الله أجلاهم إلى الشام ، فإجلاءه إياهم كان هو الحشر الأول ، والحشر الثاني يوم القيامة ، وهو قول عكرمة أيضا . وقال عكرمة : من شك أن الشام أرض المحشر فليقرأ قوله تعالى : ( ^ لأول الحشر ) . وقيل : إن بني النضير كانوا أول من
____________________

( ^ الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ( 2 ) ولولا أن ) * * * * أجلوا عن بلادهم من اليهود فقال : ( ^ لأول الحشر ) بهذا المعنى . ثم إن عمر رضي الله عنه أجلى باقي اليهود عن جزيرة العرب استدلالا بقوله عليه الصلاة والسلام : ' لا يجتمع دينان في جزيرة العرب ' قال أبو عبيدة : وجزيرة العرب من حفر أبي موسى إلى أقصى حجر باليمن طولا ، ومن رمل يبرين إلى منقطع السماوة عرضا . والقول الثاني قول مجاهد وغيره .
وقوله : ( ^ ما ظننتم أن يخرجوا ) معناه : ما ظننتم أيها المؤمنون أن يخرجوا ؛ لأنهم كانوا أعز اليهود بأرض الحجاز وأمنعهم جانبا .
قوله : ( ^ وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ) أي : من عذاب الله .
وقوله : ( ^ فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) قال السدى : هو بقتل كعب بن الأشرف ، قتله محمد بن مسلمة الأنصاري حين بعثه رسول الله وكان صديقا لكعب في الجاهلية فجاءه ليلا ودق عليه باب الحصن ، فنزل وفاغتاله وقتله ، وروي أن محمد بن مسلمة قال لكعب : ألست كنت تعدنا خروج هذا النبي ؟ وتقول : هو الضحوك القتال يركب البعير ، ويلبس الشملة ، يجترئ بالكسرة ، سيفه على عاتقه ، له ملاحم وملاحم . فقال : نعم ، ولكن ليس هو بذاك . فقال كذبت يا عدو الله ، بل حسدتموه .
وقوله : ( ^ وقذف في قلوبهم الرعب ) أي : الخوف ، وقد ثبت أن النبي قال : ' نصرت بالرعب مسيرة شهر ' .
وقوله : ( ^ يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) وقرئ : ' يخربون ' من
____________________

( ^ كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ( 3 ) ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ( 4 ) ما قطعتم من لينة ) * * * * الإخراب ، فمنهم من قال : هما واحد ، والتشديد للتكثير . وقال أبو عمرو : يخربون من فعل التخريب ، ويخربون بالتخفيف أي : يتركوها خرابا . فإن قيل : كيف قال : ( ^ يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) ولا يتصور أن يخربوا بيوتهم بأيدي المؤمنين ؟ والجواب : إنما أضاف إليهم ؛ لأنهم هم الذين ألجأوا المؤمنين إلى التخريب ، وحملوهم على ذلك بامتناعهم عن الإيمان . فإن قال قائل : لم يخربوا بيوتهم ؟ قلنا : طلبوا من ذلك توسيع موضع القتال . وعن الزهري : أن المسلمين كانوا يخربون من خارج الحصن ، واليهود كانوا يخربون من داخل الحصن ، وكان تخريبهم ذلك ليحملوا ما استحسنوه من سقوف بيوتهم مع أنفسهم . وقيل : لئلا تبقى للمؤمنين .
وقوله : ( ^ فاعتبروا يا أولي الأبصار ) والاعتبار هو النظر في الشيء ليعرف به جنسه ومثله . وقيل معناه : فانظروا وتدبروا يا ذوي العقول والفهوم ، كيف سلط الله المؤمنين عليهم ، وسلطهم على أنفسهم ؟ وقد استدل بهذه الآية على جواز القياس في الأحكام ، لأن القياس نوع اعتبار ؛ إذ هو تعبير شيء بمثله بمعنى جامع بينهما ليتفقا في حكم الشرع . < < الحشر : ( 3 ) ولولا أن كتب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ) أي : بالسيف . واستدل بعضهم بهذه الآية على أن الإخراج من الدار بمنزلة القتل ؛ وعليه يدل قوله تعالى : ( ^ أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ) .
وقوله : ( ^ ولهم في الآخرة عذاب النار ) أي : عذاب جهنم . < < الحشر : ( 4 ) ذلك بأنهم شاقوا . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ) أي : خالفوا الله ورسوله . وقد ذكرنا أن معناه : صاروا في شق غير شق المؤمنين .
وقوله : ( ^ ومن يشاق الله ) أي : يخالف الله ( ^ فإن الله شديد العقاب ) .
____________________

( ^ أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ( 5 ) وما أفاء الله على ) * * * * * < < الحشر : ( 5 ) ما قطعتم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما قطعتم من لينة ) قال سعيد بن جبير : اللينة كل تمر سوى البرني والعجوة ، وأهل المدينة يسمون التمور الألوان . وقيل : اللينة : النخلة . وعن بعضهم أن اللينة : جمع الأشجار ، سميت لينة للينها بالحياة . وعن سفيان قال : اللينة كرائم النخيل . وقيل : هو الفسيل ، سمي لينة لأنه لا يكون في شدة الحر . ومن المشهور أن النبي قال : ' العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم ' .
وفي القصة : أن أصحاب رسول الله لما حاصروا بني النضير كان بعضهم يقطع النخيل وبعضهم يتركها .
وفي رواية : ' أن النبي أمرهم بقطع النخيل ، فخرج اليهود حين رأوا ذلك وقالوا : يا محمد ، ألست تنهى عن الفساد ، وهذا من الفساد ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ' .
وقد ثبت برواية نافع عن ابن عمر ' أن النبي حرق نخيل بني النضير وقطعها ، فأنزل الله تعالى : ( ^ ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ) ' أي : بأمر الله ، قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الخبر المكي بن عبد الرزاق ، أخبرنا جدي ، أخبرنا الفربري ، أخبرنا البخاري ، عن قتيبة ، عن الليث بن سعد ، عن نافع . الخبر . وفي رواية : أن النبي حرق البويرة ، وقال شاعرهم شعرا :
( وهان على سراة بني لؤي ** حريق بالبويرة مستطير )
والبويرة : موضع بني النضير
____________________

( ^ رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ( 6 ) ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ) * * * * *
وقوله : ( ^ وليخزي الفاسقين ) هم اليهود ، وإخزاؤهم هو رؤيتهم كيف يتحكم المؤمنون في أموالهم . < < الحشر : ( 6 ) وما أفاء الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما أفاء الله على رسوله منهم ) أي : من بني النضير ، والفيء كل مال رد الله تعالى من الكفار إلى المسلمين ، وهو مأخوذ من الفيء بمعنى الرجوع يقال : فاء إذا رجع ، ومنه فيء الظل ، والفرق بين الفيء والغنيمة : أن الغنيمة هي ما أخذه المسلمون من الكفار بإيجاف الخيل والركاب ، والفيء ما صار إلى المسلمين من أموال الكفار من غير إيجاف خيل وركاب .
وقوله : ( ^ فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) الركاب : الإبل ، والمعنى : أن أموالهم صارت إلى رسول الله من غير إيجافكم بخيل أو إبل . والإيجاف : الإسراع . فجعل الله تعالى أموال بني النضير للنبي خاصة ، لأن النبي ظهر عليهم من غير قتال من المسلمين ، وكان يدخر منها قوت سنة لعياله ، والباقي يتخذ منه الكراع وعدة في سبيل الله ' .
وفي تفسير قتادة : أن المسلمين طلبوا أن يقسم بينهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وجعل ما أصابوه للرسول خاصة ، وكان رسول الله لما أجلاهم شرط أن لهم ما تحمله إبلهم إلا الحلقة ، يعني : السلاح .
وقوله : ( ^ ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ) أي : رسوله على من يشاء .
وقوله : ( ^ والله على كل شيء قدير ) أي : قادر . < < الحشر : ( 7 ) ما أفاء الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) في الآية بيان مصارف الخمس ، وقد بينا من قبل ،
____________________

( ^ ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب ( 7 ) للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ( 8 ) والذين تبوءوا الدار ) * * * * والقرى هي القرى العربية مثل : خيبر ، ووادي القرى ، وفيماء ، وغيرها . ومن المشهور في التفسير أيضا : أن النبي قسم أموال بني النضير بين المهاجرين ، ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر : سهل بن حنيف ، وأبا دجانة ، والحارث بن الصمة ، وهذا قول غير القول الأول الذي ذكرنا ، وهو الأشهر ، فعلى هذا جعل الله أموال بني النضير للرسول خاصة قسمها بين المهاجرين ليكفي الأنصار مؤنتهم .
وقوله تعالى : ( ^ كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) أي : لئلا يتداوله الأغنياء منكم . والتداول هو النقل من يد إلى يد .
وقوله : ( ^ وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) حث الله تعالى المسلمين في هذه الآية على التسليم لأمر الله تعالى ونهيه ؛ لأن المعنى وما أتاكم الرسول عن الله فخذوه ، وما نهاكم عن الله فانتهوا .
وقوله : ( ^ واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) أي : العقوبة . < < الحشر : ( 8 ) للفقراء المهاجرين الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ للفقراء المهاجرين ) يعني : ما أفاء الله على رسوله للفقراء المهاجرين ( ^ الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ) فديارهم مكة وغيرها ، وأموالهم ما خلفوها عند هجرتهم .
وقوله : ( ^ يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) أي : يطلبون فضل الله ورضاه .
وقوله : ( ^ وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) أي : الصادقون عقدا وقولا وفعلا . < < الحشر : ( 9 ) والذين تبوؤوا الدار . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ) أجمع أهل التفسير على أن المراد بهم الأنصار .
____________________

( ^ والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم ) * * * *
وقوله : ( ^ تبوءوا الدار والإيمان ) أي : استوطنوا المدينة ، وقبلوا الإيمان . وقيل : تبوءوا الدار أي : أعدوا الديار للمهاجرين وواسوهم في كل مالهم .
وقوله : ( ^ والإيمان ) أي : جعلوا دورهم دور الإيمان ، وذلك بإظهارهم الإيمان فيما بينهم ، فإن قيل : كيف يستقيم قوله : ( ^ من قبلهم ) والأنصار إنما آمنوا من بعد المهاجرين ؟ والجواب أن قوله : ( ^ من قبلهم ) ينصرف إلى تبوء الدار لا إلى الإيمان والثاني أن قوله ( ^ من قبلهم ) وإن انصرف إلى الإيمان فالمراد منه قبل هجرتهم ؛ لأن الأنصار كانوا قد آمنوا قبل هجرتهم .
وقوله : ( ^ يحبون من هاجر إليهم ) أي : من أهل مكة وغيرهم .
وقوله : ( ^ ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) قال قتادة : وعند كثير من المفسرين معناه : حسدا مما أعطوا ، وقيل : ضيقا في قلوبهم مما أعطي المهاجرين ، وهو بمعنى الأول . وقد ذكرنا ما أعطى رسول الله المهاجرين من أموال بني النضير ، فالمعنى ينصرف إليهم .
وقوله : ( ^ ويؤثرون على أنفسهم ) أي : يقدمون المهاجرين على أنفسهم .
وقوله : ( ^ ولو كان بهم خصاصة ) أي : فقر وحاجة . ومن المعروف برواية أبي هريرة أن بعض الأنصار أضاف رجلا من الفقراء ، ولم يكن عنده فضل عما يأكله ويأكل أهله وصبيانه . وفي رواية : أن ذلك الرجل كان جاع ثلاثة أيام ولم يجد شيئا ، وطلب رسول الله له شيئا في بيوت أزواجه ولم يجد ، فأضافه هذا الأنصاري ، حمله إلى بيته وقال لأهله : نومي الصبية وأطفئي السراج [ بعلة ] الإصلاح ، ففعلت ذلك ، وجعلا يمدان أيديهما ويضربان على ( الصحفة ) ؛ ليظن الضيف أنهما يأكلان ، ولا يأكلان ففعلا ذلك وأكل الضيف حتى شبع ، فلما غدا
____________________

( ^ المفلحون ( 9 ) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا ) * * * * على النبي قال : ' لقد عجب الله من صنيعتكم البارحة ' فأنزل الله تعالى هذه الآية .
ومن المعروف أن النبي قال للأنصار : ' إنكم لتكثرون عند الفزع ، وتقلون عند الطمع ' .
وقوله : ( ^ ومن يوق شح نفسه ) أي : بخل نفسه ( ^ فأولئك هم المفلحون ) أي : السعداء الفائزون . وعن ابن مسعود أن رجلا قال له : إني لا أستطيع أن أعطي من مالي شيئا أفتخش البخل . قال : ذلك البخل ، وبئس الشيء البخل ، وإنما الشح أن تأخذ المال من غير حقه . وقيل : البخل أن يبخل بماله نفسه والشح أن يبخل بمال غيره وقال مقاتل بن سليمان ومن يوق شح نفسه أي : حرص نفسه . وقيل : هوى نفسه . وقال سعيد بن جبير : هو منع الزكاة . وعن ابن زيد : هو أن يأخذ ما ليس له أن يأخذ ، ويمنع ما لا يجوز له منعه . < < الحشر : ( 10 ) والذين جاؤوا من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين جاءوا من بعدهم ) هم التابعون . وقيل : الذين يؤمنون إلى يوم القيامة .
وقوله : ( ^ يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ) أي : خيانة وحقدا ، وفي الآية دليل على أن الترحم للسلف
____________________

( ^ بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ( 10 ) ألم تر إلى ) * * * * * والدعاء لهم بالخير وترك ذكرهم بالسوء من علامة المؤمنين . وروي أن رجلا جاء إلى مالك بن أنس فجعل يقع في جماعة من الصحابة مثل : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وغيرهم ، فقال له : أنت من الفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ؟ قال : لا . قال : أنت من الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ؟ قال : لا . فقال : أشهد أنك لست من الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان .
وعن ابن عباس أنه قال : ليس لمن يقع في الصحابة ويذكرهم بالسوء في الفيء نصيب ، وتلا هذه الآيات الثلاث . وروي أن عمر بن عبد العزيز سئل عما جرى بين الصحابة من القتال وسفك الدماء فقال : تلك دماء طهر الله يدي عنها ، فلا أحب أن أغمس لساني فيها .
من المعروف أن النبي قال : ' إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ، وإذا ذكر القدر فأمسكوا ' والمراد به الإمساك عن ذكر المساوئ لاعن ذكر المحاسن . وفي بعض الروايات : ' إذا ذكر النجوم فأمسكوا ' .
وقوله : ( ^ ربنا إنك رءوف رحيم ) ظاهر المعنى . < < الحشر : ( 11 ) ألم تر إلى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تر إلى الذين نافقوا ) هم عبد الله بن أبي سلول ، وعبد الله بن نفيل ، وزيد بن رفاعة وغيرهم .
____________________

( ^ الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون ( 11 ) لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن ) * * * *
وقوله : ( ^ يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ) فيه قولان : أحدهما : أنهم بنو النضير ، قال لهم المنافقون ذلك قبل أن أجلوا .
والقول الآخر : أنهم بنو قريظة ، قال لهم المنافقون ذلك بعد أن أجلي بنو النضير .
وقوله : ( ^ لئن أخرجتم لنخرجن معكم ) أي : لئن أخرجتم من المدينة لنخرجن معكم في القتال .
وقوله : ( ^ ولا نطيع فيكم أحدا أبدا ) أي : لا نطيع محمدا فيكم .
وقوله : ( ^ وإن قوتلتم لننصرنكم ) معناه : ولئن قاتلكم [ محمدا ] لنكونن معكم في القتال .
وقوله : ( ^ والله يشهد إنهم لكاذبون ) أي : في هذا القول . < < الحشر : ( 12 ) لئن أخرجوا لا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ) يعني : لئن أخرج اليهود لا يخرج معهم المنافقون .
وقوله : ( ^ ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ) أي : لئن قوتل اليهود لا ينصرهم المنافقون .
وقوله : ( ^ ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) فإن قيل : كيف قال : ( ^ لا ينصرونهم ) ثم قال ( ^ ولئن نصروهم ) وإذا أخبر الله تعالى أنهم لا ينصرونهم كيف يجوز أن ينصروهم ؟ والجواب من وجوه : أحدها : أن قوله : ( ^ لا ينصرونهم ) في قوم من المنافقين ، وقوله : ( ^ ولئن نصروهم ) أي : في قوم آخرين منهم ، وهم الذين لم يقولوا ذلك القول .
والوجه الثاني : أن قوله : ( ^ لا ينصرونهم ) أي : طائعين .
____________________

( ^ الأدبار ثم لا ينصرون ( 12 ) لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ( 13 ) لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ( 14 ) كمثل الذين من ) * * * * *
وقوله : ( ^ ولئن نصروهم ) أي : مكرهين .
والوجه الثالث : أن قوله : ( ^ لا ينصرونهم ) أي : لا يدومون على نصرهم . وقوله : ( ^ ولئن نصروهم ) أي : نصروهم في الابتداء .
والوجه الرابع كما قاله الزجاج : هو أنهم لا ينصرونهم على ما قال الله تعالى ، وقوله : ( ^ ولئن نصروهم ) أي : قصدوا نصرتهم ، لولوا الأدبار أي : انهزموا ، وذلك بما يلقي الله تعالى في قلوبهم من الرعب .
وقوله : ( ^ ثم لا ينصرون ) أي : لا ينصر اليهود . < < الحشر : ( 13 ) لأنتم أشد رهبة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ) قال ابن عباس : يعني : أنتم [ أشد ] رهبة في صدورهم من الله إذ يخافون منكم ما لا يخافون منه .
وقوله : ( ^ ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ) أي : لا يعلمون عظمة الله وقدرته فيخافون منه . < < الحشر : ( 14 ) لا يقاتلونكم جميعا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ) يعني : أنهم لا يمكنهم أن يصافوكم في القتال [ ويواجهوكم ] به ، وإنما يقاتلونكم في الحصون ووراء الجدر لقتلهم ودخول الرعب عليهم .
قوله : ( ^ بأسهم بينهم شديد ) قال مجاهد : يعني أنهم يقولون فيما بينهم : لنفعلن كذا ولنفعلن كذا .
وقوله : ( ^ تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) يعني : أن المنافقين قط لا يخلصون لليهود ، ولا اليهود للمنافقين .
وقوله : ( ^ ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) أي : لا يتدبرون بعقولهم ، فهم بمنزلة من
____________________

( ^ قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ( 15 ) كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين ( 16 ) فكان عاقبتهما ) * * * * لا عقل له . < < الحشر : ( 16 ) كمثل الشيطان إذ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ) أي : مثل هؤلاء المنافقين مع اليهود كمثل الشيطان مع الكافر . وأكثر المفسرين على أن هذا الكافر هو رجل من بني إسرائيل يعبد الله تعالى في صومعة دهرا طويلا ، وكان اسمه برصيصا العابد ، وكان في بني إسرائيل ثلاثة إخوة لهم أخت حسناء بها شيء من اللمم ، وقيل : كانت مريضة ، فعرض لهم سفر فقالوا : نسلم أختنا إلى فلان العابد فيحفظها إلى أن نرجع وفي رواية : يدعو لها ويقوم عليها فإن ماتت دفنها ، وإن برأت فكانت عنده إلى أن نرجع ، فسلموها إليه بجهد ، فقام عليها حتى برأت . ثم أن الشيطان جاءه وزين له أن يواقعها فواقعها وحبلت منه ، ثم جاء الشيطان وقال : إنك تفضح إذا قدم إخوتها فاقتلها وادفنها وقل أنها ماتت ، ففعل ذلك ودفنها في أصل صومعته ، فلما رجع الإخوة وجاءوا [ إليه ] ذكر لهم أنها قد ماتت فصدقوه ، ثم أن الشيطان أراهم في المنام أن العابد قد قتل أختكم ودفنها في موضع كذا ، فجاءوا إلى ذلك الموضع ، وحفروا واستخرجوا أختهم مقتولة ، فذهبوا وذكروا ذلك للملك ، فجاء الملك والناس واستنزلوا العابد من صومعته ليقتلوه ، فجاءه الشيطان وقال : أنا الذي فعلت بك ما فعلت فأطعني حتى أنجيك ، فقال : أيش أفعل ؟ فقال : تسجد لي سجدة ففعل ، وقتل على الكفر ، ونزلت هذه الآية في هذه القصة وقد روى عطية عن ابن عباس قريبا من هذا وذكر بعضهم هذه القصة مسندة إلى الرسول برواية سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار بألفاظ قريبة من هذا في المعنى . قال الشيخ : أخبرنا بذلك أبو على الشافعي بمكة ، أخبرنا ابن فراس ، أخبرنا أبو جعفر الديبلي ، أخبرنا سعيد بن
____________________

( ^ أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين ( 17 ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ( 18 ) ولا تكونوا * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * عبد الرحمن المخزومي ، عن سفيان .
وقوله : ( ^ فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ) هذا مثل قوله تعالى : ( ^ فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ) وقيل : إن خوفه من العقوبة في الدنيا لا من العقوبة في الآخرة . وقيل : هو الخوف من العقوبة في الآخرة إلا أن خوفه لا ينفعه لعدم الإيمان . وقيل : إن الآية نزلت في جميع الكفار لا في كافر مخصوص ، والمشهور هو القول الأول . < < الحشر : ( 17 ) فكان عاقبتهما أنهما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ) يعني : عاقبة الكافر وإبليس ( خالدين فيها ) أي : دائمين فيها .
وقوله : ( ^ وذلك جزاء الظالمين ) أي : الكافرين . < < الحشر : ( 18 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) قال قتادة : ما زال يقرب الساعة حتى جعل كالغد .
وقوله : ( ^ واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) الأمر بالتقوى على طريق التأكيد . < < الحشر : ( 19 ) ولا تكونوا كالذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ) أي : تركوا أمر الله فتركهم من نظره ورحمته . وقيل معناه : تركوا طلب الحظ لأنفسهم في الآخرة بما تركوا من أمر الله ، ونسب إلى الله تعالى ؛ لأن تركهم طلب الحظ لأنفسهم وفواته إياهم كان لأجل ما توجه عليهم من أمر الله ، وقيل معناه : أغفلهم عن حظ أنفسهم عقوبة لهم . قال النحاس : ويستقيم في العربية أن يقال : نسيهم فلان بمعنى تركهم . ولا يستقيم أنساهم بمعنى تركهم .
____________________

( ^ كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ( 19 ) لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ( 20 ) لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون * * * * * * * * * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ أولئك هم الفاسقون ) أي : الخارجون عن طاعة الله . < < الحشر : ( 20 ) لا يستوي أصحاب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هو الفائزون ) أي : الناجون . < < الحشر : ( 21 ) لو أنزلنا هذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) أي : إذا جعلنا له ما يميز ويعقل . قيل : هو مذكور على طريق التمثيل لا على طريق الحقيقة ، وعند أهل السنة : أن لله تعالى في الموات والجمادات علما ( لا ) يقف عليه الناس . وقد قال في موضع آخر : ( ^ ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) وهو دليل على ما ذكرنا من قبل .
وقوله : ( ^ خاشعا ) أي : ذليلا ، وقيل : متصدعا أي : متشققا من خشية الله .
وقوله : ( ^ وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) أي : يتدبرون . < < الحشر : ( 22 ) هو الله الذي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ) أي : السر والعلانية ، وقيل : عالم الغيب والشهادة أي : ما كان وما يكون .
وقوله : ( ^ هو الرحمن الرحيم ) قد بينا . < < الحشر : ( 23 ) هو الله الذي . . . . . > >
قوله : ( ^ هو الله الذي لا إله إلا هو الملك ) أي : المقتدر على الأشياء .
وقوله : ( ^ القدوس ) أيك الطاهر ، وقيل : المنزه من كل نقص وعيب ، وقيل القدوس : المقدس ، يعني : يقدسه الملائكة ويسبحونه ، وفي تسبيح الملائكة : سبوح
____________________

( ^ هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ( 22 ) هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * قدوس رب الملائكة والروح . ومنه بيت المقدس ، ومنه حظيرة القدس ، وهي الجنة . قال رؤبة : .
( دعوت رب العزة القدوسا ** دعاء من لا يقرع الناقوسا )
وقوله : ( ^ السلام ) قال قتادة : معناه : مسلم من الآفات والعيوب . وقال مجاهد : سلم الناس من ظلمه . وفي بعض الأخبار : أن النبي قال : ' السلام اسم من أسماء الله تعالى [ ووضعه ] بينكم فأفشوه ' .
وقوله : ( ^ المؤمن ) فيه أقوال : أحدها : أنه يؤمن المؤمنين من النار والعذاب . والآخر : أن المؤمنين أمنوا من ظلمه فهو مؤمن . والقول الثالث : أنه شهد لنفسه بالوحدانية ، فهو مؤمن بهذا المعنى ، وشهادته لنفسه بالوحدانية هو قوله تعالى : ( ^ شهد الله أنه لا إله إلا هو )
وقوله : ( ^ المهيمن ) قال قتادة : أي : الشهيد . وقال بعضهم : هو الأمين ، ومعنى كونه أمينا : أنه لا يضيع أعمال العباد ، فكأن أعمال العباد في أمانته لا يضيعها . وقيل : هو الرقيب . وقيل : إن المهيمن أصله المؤيمن إلا أنه قد قلبت الهمزة هاء مثل قولهم : أرقت الماء وهرقته .
وقوله : ( ^ العزيز ) أي الغالب . وقيل : القاهر . وقيل : المنيع .
وقال الشاعر في المهيمن .
____________________

( ^ سبحان الله عما يشركون ( 23 ) هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ( 24 ) . ) * * * * * * * *
( مليك على عرش السماء مهيمن ** [ لعزته ] تعنو الوجوه وتسجد )
وقوله : ( ^ الجبار ) أي : جبر الخلق على مراده ومشيئته . وقيل : الجبار أي : العظيم . وقيل : هو الذي يفوت عن الأوهام والإدراك .
يقال : نخلة جبارة إذا كانت طويلة لا يوصل إليها بالأيدي .
قوله : ( ^ المتكبر ) أي : الكبير . وقيل : المتكبر هو الذي أعلى نفسه وعظمها ، وهذا ممدوح في صفات الله ، مذموم في صفات الخلق ؛ لأن الخلق لا يخلون عن نقيصة ، فلا يليق بهم إعظامهم أنفسهم وإعلاؤهم إياهم ، والله تعالى لا يجوز عليه نقص فيصح مدحه لنفسه وإعظامه .
وقيل : مدح نفسه ليعلم خلقه مدحهم إياه ليثيبهم عليه ، إذ لا يجوز أن يعود إليه ضر ولا نفع .
وقوله : ( ^ سبحان الله عما يشركون ) قد بينا في كثير من المواضع . < < الحشر : ( 24 ) هو الله الخالق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هو الله الخالق البارئ ) أي : مقدر الأشياء ومخترعها .
وقوله : ( ^ البارئ ) قيل : هو في معنى الخالق على طريق التأكيد ، وقيل : إن معناه المحيي بعد الإماتة . قال الشاعر :
( وكل نفس على سلامتها ** يميتها الله ثم يبرؤها )
ذكره أبو الحسن بن فارس .
وقوله : ( ^ المصور ) هو التصوير المعلوم يصور كل خلق على ما يشاء . وقيل :
____________________

التصوير هو تركيب مخصوص في محل مخصوص من الخلق .
وقوله تعالى : ( ^ له الأسماء الحسنى ) الحسنى : هو تأنيث الأحسن ، وهي هاهنا بمعنى العليا .
وقوله : ( ^ يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ) ظاهر المعنى . وقد ورد في بعض المسانيد برواية ابن عباس عن النبي أنه قال : ' إن اسم الله الأعظم في ثلاث آيات من آخر سورة الحشر ' . والله أعلم .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا ) * * * * * * * * * * * <
> تفسير سورة الممتحنة <
>
وهي مدنية ، والله أعلم < < الممتحنة : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) نزلت الآية في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب كتابا إلى المشركين يخبرهم ببعض أمر النبي ، والخبر في ذلك ما أخبرنا به أبو علي الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن الشافعي ، أخبرنا أبو الحسن بن فراس ، أخبرنا أبو محمد المقرئ ، أخبرنا جدي محمد بن عبد الله ابن يزيد المقرئ ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد بن الحنفية ، عن عبيد الله بن أبي رافع قال : سمعت غليا رضي الله عنه يقول : ' بعثني رسول الله والزبير والمقداد بن الأسود فقال : انطلقوا إلى روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب ، فخرجنا [ تتعادى ] بنا خيلنا حتى بلغنا روضة خاخ ، فوجدنا بها ظعينة وقلنا لها : أخرجي الكتاب . فقالت : ما معي كتاب . فقلنا : لتخرجن الكتاب أو لنقلبن ثيابك . فأخرجت كتابا من غقاص شعرها ، فأخذناه وأتينا به النبي ، فإذا هو كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي ، فدعا حاطبا وقال له : ' ما هذا ؟ ' فقال : يا رسول الله ، لا تعجل علي ، إني كنت أمرأ ملصقا في قريش يعني حليفا ولم اكن من أنفسهم ، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتهم ، قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة ، فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي ، والله ما فعلته شكا في الإسلام ، ولا رضا بالكفر ، فقال النبي : ' لقد صدقكم ' فقال عمر : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبي : ' إنه قد شهد بدرا ، ولعل الله
____________________

( ^ بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم ) * * * * * * * * * * اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ' .
قال أهل التفسير : ' وكان عليه الصلاة والسلام إذا أراد غزوا ورى بغيره ' . وكان يقول : ' الحرب خدعة ' فلما أراد أن يغزو مكة كتم أمره أشد الكتمان ، وكتب حاطب بن أبي بلتعة على يدي امرأة تسمى سارة كتابا إلى أهل مكة يخبرهم بمسير النبي ، فأطلع الله نبيه على ذلك ، وكان الأمر على ما بينا ، وأنزل الله تعالى هذه الآية .
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا ) في الآية دليل على أن حاطب لم يخرج من الإيمان بفعله ذلك .
وقوله : ( ^ لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) أي : أعدائي وأعداءكم ، وهم مشركو قريش .
وقوله : ( ^ تلقون إليهم بالمودة ) أي : تلقون إليهم أخبار النبي وسره بالمودة التي بينكم وبينهم . ويقال : تلقون إليهم بالمودة أي : بالنصيحة ، قاله مقاتل . وقيل : تلقون إليهم بالمودة أي : بالكتاب . وسمي ذلك مودة وكذلك النصيحة ؛ لأن ذلك دليل المودة .
وقوله : ( ^ وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) الواو واو الحال قاله الزجاج . ومعناه : وحالهم أنهم كفروا بما جاءكم من الحق .
وقوله : ( ^ يخرجون الرسول وإياكم ) أي : أخرجوا الرسول وأخرجوكم ، ومعنى الإخراج هاهنا هو الإلجاء إلى الخروج .
____________________

( ^ جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ( 1 ) إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون ( 2 ) قد كانت لكم ) * * * * * * * *
وقوله تعالى : ( ^ أن تؤمنوا بالله ربكم ) أي : لأنكم آمنتم بالله ربكم .
وقوله : ( ^ إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي ) قالوا : في الآية تقديم وتأخير ، والمعنى : إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء . وقيل معناه : لا تسروا إليهم بالمودة إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ، فهو معنى قوله : ( ^ تسرون إليهم بالمودة ) خبر بمعنى النهي .
وقوله : ( ^ وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ) أي : بما أسررتم وما ظهرتم .
وقوله : ( ^ ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ) أي : أخطأ طريق الحق . < < الممتحنة : ( 2 ) إن يثقفوكم يكونوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ) معناه : إن يظفروا بكم ، والعرب تقول : فلان ثقف لقف ، إذا كان سريع الأخذ .
وقوله : ( ^ يكونوا لكم أعداء ) أيك يعاملونكم معاملة الأعداء .
وقوله : ( ^ ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ) أي : أيديهم بالسيف ، وألسنتهم بالشتم .
وقوله : ( ^ وودوا لو تكفرون ) أي : وأحبوا لو تكفرون كما كفروا . < < الممتحنة : ( 3 ) لن تنفعكم أرحامكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم ) يعني : أنكم فعلتم ما فعلتم لأجل قراباتكم وأرحامكم ، ولن ينفعكم ذلك يوم القيامة .
وقوله : ( ^ يوم القيامة يفصل بينكم ) أي : يفصل بينكم يوم القيامة ؛ فيبعث أهل الطاعة إلى الجنة ، وأهل المعصية إلى النار .
وقوله تعالى : ( ^ والله بما تعملون بصير ) ظاهر المعنى .
____________________

( ^ أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما املك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ( 4 ) ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك ) * * * * * * * * * < < الممتحنة : ( 4 ) قد كانت لكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قد كانت لكم في رسول الله أسوة حسنة ) أي : قدوة حسنة .
وقوله : ( ^ في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا ) المعنى في الكل : أنه أمرهم بأن تأسوا بإبراهيم في التبرؤ من المشركين وترك الموالاة معهم .
وقوله : ( ^ إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ) قال قتادة معناه : اقتدوا بإبراهيم إلا في هذا [ الموضع ] ، وهو استغفاره لأبيه المشرك ، وقد بينا سبب استغفار إبراهيم لأبيه من قبل . وقوله : ( ^ وما أملك لك من الله من شيء ) أي : لا أدفع عنك من الله من شيء ، وهو قول إبراهيم لأبيه .
وقوله : ( ^ ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ) إخبار عن إبراهيم وقومه من المؤمنين يعني : إنهم ذلك . < < الممتحنة : ( 5 ) ربنا لا تجعلنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ) قال مجاهد وغيره : أي : لا تعذبنا بأيدي الكفار ولا بعذاب من عندك ، فيظن الكفار أنا على غير الحق حيث عذبنا ، فيصير فتنة لهم في دينهم ، ويظنون أنا كنا على الباطل ؛ لأنهم يقولون لو كان هؤلاء على الحق لم يعذبوا ولم يظفر بهم .
وقوله : ( ^ واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ) ظاهر المعنى . < < الممتحنة : ( 6 ) لقد كان لكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ) كرر المعنى الأول على طريق التأكيد .
____________________

( ^ أنت العزيز الحكيم ( 5 ) لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ( 6 ) عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ( 7 ) لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب ) * * * * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) أي : يخاف الله ، ويخاف يوم القيامة .
وقوله : ( ^ ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) أي : المستغني عنهم ، الحميد في فعاله . والمعنى : أنهم إذا خالفوا أمره ، وتولوا الكفار لم يعد إلى الله من ذلك شيء . < < الممتحنة : ( 7 ) عسى الله أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ عسى الله ) قد بينا أن عسى من الله واجب .
وقوله تعالى : ( ^ أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتهم منهم مودة ) أكثر المفسرين على أن المراد منه تزويج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله . وقيل : هو إسلام أبي سفيان بن حرب ، وأبي سفيان بن الحارث ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام ، وصفوان بن أمية وغيرهم . وفي بعض التفاسير : أن النبي توفي وأبو سفيان بن حرب أمير على بعض اليمن ، فلما ارتدت العرب قاتل هودا الحمار وقومه على ردتهم ، فكان [ هو ] أول من يجاهد مع المرتدين .
وقوله : ( ^ والله قدير ) أي : قادر على أن يجعل بينكم وبينهم مودة .
وقوله : ( ^ والله غفور رحيم ) أي : لما كان منهم قبل إسلامهم ، وقبل حدوث المودة بينكم وبينهم . < < الممتحنة : ( 8 ) لا ينهاكم الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ) فيه أقوال : أحدها : أن المراد منه قوم كانوا على عهد النبي من الكفار من خزاعة ، وهي مدلج وغيرهم . والقول الثالث : أن قتيلة [ كانت كافرة ، و ] كانت
____________________

( ^ المقسطين ( 8 ) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ( 9 ) يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن ) * * * * * * * * * * * * * أم أسماء ، فلم تقبل أسماء هديتها حتى سألت النبي ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، ورخص في القبول والمكافأة ، قاله عبد الله بن الزبير .
والقول الرابع : أن هذا قبل نزول آية السيف ، ثم نسخت بآية السيف ، قال قتادة وغيره .
وقوله : ( ^ أن تبروهم وتقسطوا إليهم ) أي : تحسنوا إليهم ، وتستعملوا العدل معهم أي : المكافأة .
وقوله : ( ^ إن الله يحب المقسطين ) أي : الفاعلين للعدل . < < الممتحنة : ( 9 ) إنما ينهاكم الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم ) أي : عاونوا على إخراجكم .
وقوله : ( ^ أن تولوهم ) معناه : أن تتولوهم .
وقوله : ( ^ ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) أي : وضعوا الموالاة في غير موضعها . < < الممتحنة : ( 10 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ) سماهن مؤمنات قبل وصولهن إلى النبي ؛ لأنهن على قصد الإيمان وتقديره ، ذكره الأزهري .
وقوله : ( ^ فامتحنوهن ) أي : اختبروهن . قال أهل التفسير : نزلت الآية ' في العهد الذي كان بين النبي وبين المشركين ، وهو عهد الحديبية ، وكان النبي عاهد مع المشركين على أن من جاءه منهم يرده ( عليهم ) ، ومن لحق بهم من المؤمنين لم يردوا ' ، وأن الله تعالى نسخ هذا العهد ، ورفعه في النساء وأمره بالامتحان . وقال
____________________

( ^ علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم ) * * * * * * * * * * * * * بعضهم : كان العهد مطلقا ، ولم يكن نص في النساء بردهن عليهم . وقال بعضهم : كان قد نص في النساء أن يردهن عليهم وإن جئن مؤمنات ، ثم نسخ ، وهو الأشهر ، فكانت التي أتت مؤمنة مهاجرة بعد العهد : أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وأما الأمتحان ، قال ابن عباس : هو أن يحلفها أنها ما هاجرت إلا جبا لله ورسوله ، ورغبة في الإسلام ، وأنها لم تهاجر بحدث أحدثته ، ولا لبغض زوج ، ولا لرغبة في مال ، ولا حبا لإنسان .
وقوله : ( ^ الله أعلم بإيمانهن ) يعني : إخلاصهن في إيمانهن .
وقوله : ( ^ فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ) فإن قال قائل : كيف التوفيق بين قوله : ( ^ فإن علمتموهن مؤمنات ) وبين قوله : ( ^ والله أعلم بإيمانهن ) ؟ والجواب عنه : أن معنى قوله : ( ^ فإن علمتموهن مؤمنات ) أي : إيمان الإقرار والامتحان ، كأنهن أقررن بالإيمان ، وحلفن عند الامتحان .
وقوله : ( ^ فلا ترجعوهن إلى الكفار ) أي : لا ترودهن .
وقوله تعالى : ( ^ لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) أي : لا هن حل للكفار نكاحا ولا هم يحلون للمؤمنات نكاحا .
وقوله : ( ^ وآتوهم ما أنفقوا ) أوجب الله على المسلمين أن يردوا على أزواجهن ما أعطوهن من المهور .
وقوله : ( ^ ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذ آتيتموهن أجورهن ) أي : مهورهن ، وفيه دليل على أن النكاح لا يكون إلا بمهر .
وقوله : ( ^ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) أي : لا تمسكوا بنكاح الكوافر ، والكوافر جمع الكافر ، والمعنى : أن الرجل إذا أسلم وهاجر إلينا ، وخلف امرأته في دار الحرب
____________________

( ^ الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم ( 10 ) وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت ) * * * * * * * * * * * * * * كافرة لم يعتد بها ، ولم يبق نكاح بينه وبينها . وروي أن عمر رضي الله عنه لما هاجر خلف امرأتين بمكة مشركتين ، فتزوج ( إحديهما ) معاوية ، والأخرى صفوان بن أمية .
وقوله : ( ^ واسألوا ما أنفقتم ) أي : ما أعطيتم ، وهذا في المرأة من المسلمات إذا لحقت بالمشركين ، فطالب زوجها المشركين بالمهر الذي أعطاها .
وقوله : ( ^ وليسألوا ما أنفقوا ) أي : ما أعطوا من المهر وهو ما قدمنا ، وليس هذا معنى الأمر والواجب أن يسألوا لا محالة ، ولكن معناه : إن سألوا أعطوا ، وكل هذا منسوخ ، وقد كان ذلك عهدا بين الرسول وبينهم ، وقد ارتفع ذلك .
وقوله : ( ^ ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم ) ظاهر المعنى . < < الممتحنة : ( 11 ) وإن فاتكم شيء . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار ) أي : [ التحقت ] واحدة من أزواجكم إلى الكفار ، يعني : النساء ( ^ فعاقبتم ) أي : غنمتم . قال القتيبي : معناه : كانت لكم عقبى خير في الغنيمة والظفرة . وقرئ : ' فعقبتم ' . وهو ( بذلك ) المعنى أيضا .
قوله : ( ^ فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ) أي : مثل الذي أعطوا من المهر . ومعنى الآية : أن امرآة المسلم إذا التحقت بالمشركين ولم يردوا المهر ، وظفر المسلمون بهم وغنموا ، يردون من الغنيمة التي أخذوا مهر الزوج الذي أعطاه .
وقوله : ( ^ واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ) أي : مصدقون ، وهذا الحكم منسوخ أيضا .
____________________

( ^ أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ( 11 ) يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ) * * * * * * * * * * * * * * < < الممتحنة : ( 12 ) يا أيها النبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا ايها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ) الآية وردت في بيعة النساء ، وكان قد بايع الرجال على الإيمان والجهاد فحسب ، وبايع النساء على هذه الأشياء كلها ، فروي ' أن النبي قعد على الصفا حين فتح مكة ، وقعد دونه عمر ، وجاءته النساء يبايعنه ، وفيهن هند بنت عتبة منتقبة متنكرة ، فلما قال النبي : ' إنا نبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا ' قالت هند : ما جئنا إليك وقد بقي في قلوبنا شرك ، فلما قال : ' وعلى أن لا تسرقن ' قالت هند : إني قد أخذت من مال أبي سفيان هنات وهنات ولا أدري أتحللها لي أو لا ؟ وكان أبو سفيان حاضرا ، فقال : حللتك عما مضى وعما بقي . وفي رواية : أنها لما قالت ذلك عرفها النبي فقال : ' أو هند بنت [ عتبة ] ؟ ' قالت : نعم ، اعف عما سلف يا نبي الله ، عفا الله عنك ، فقال : ' إن الإسلام يجب ما قبله ' ، فلما قال النبي : ' وعلى أن لا تزنين ' قالت هند : أو تزني الحرة ؟ ! فضحك عمر رضي الله عنه فلما قال : ' وعلى ألا تقتلن أولادكن والمعنى : لا تئدن أولادكن قالت هند : ربيناهم صغارا فقتلتموهم كبارا وكان قتل ابنها حنظلة بن أبي سفيان يوم بدر فلما _ كان ) قال : ( ^ ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ) قالت هند : ما علمت البهتان إلا قبيحا ' . ومعنى الآية : لا تلحق المرأة
____________________

( ^ ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن ) * * * * * * * * * * * * بزوجها ولدا ليس منه . وقيل معناه : أن تلتقط ولدا ، وتقول لزوجها : هذا ولدي منك . ومن حمل على هذا قال : هذا أولى ، لأن الله تعالى قال : ( ^ ولا يزنين ) فقد تضمن اليمين عن الزنا اليمين على المعنى الأول ، فلا بد لهذا من معنى آخر .
وقوله : ( ^ يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ) قال ذلك ؛ لأن الولد إذا سقط من المرأة سقط بين يديها ورجليها . وقيل : لأن الثدي بين يدين ، والفرج بين الرجلين ، والمرأة تضع وترضع . وقيل : إن ذكر اليدين والرجلين على طريق التأكيد ، مثل قوله تعالى : ( ^ ذلك بما [ قدمت ] أيديكم ) يعني : بما كسبتم ، وذكر الأيدي على طريق التأكيد ، فلما قال النبي : ' ولا تعصينني في معروف ' قالت هند : ما جئناك لنعصيك . وروي أنها قالت : إنك لتأمر بمكارم الأخلاق ' .
وأما المعروف ففيه قولان : أحدهما : أنه جميع الطاعات ، والآخر : أنه النياحة وما يفعله النساء على الموتى من شق الجيوب ، وخمش الوجوه ، وقطع الشعور ، وما أشبه ذلك . وهذا القول هو الأشهر ، وقد روته أم عطية مسندا إلى النبي فسر بالنياحة . وفي بعض الروايات : ' ما وفت بذلك امرأة إلا أم عطية ' . وروى أبو عيسى الترمذي في جامعه برواية شهر ابن حوشب عن أم سلمة الأنصارية أن امرأة من النسوة قالت : ' ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه ؟ قال : ' لا تنحن ' فقالت : يا رسول الله ، إن بني فلان قد أسعدوني على عمي ولا بد من قضائهن ، فعاتبته مرارا ، فأذن لي في قضائهن ، فلم أنح بعد في قضائهن ولا غيره حتى الساعة ، ولم يبق من النسوة امرأة إلا وقد ناحت غيري ' . قال الشيخ الإمام : أخبرنا بذلك عبد الرحمن ابن عبد الله بن أحمد القفال ، أخبرنا أبو العباس بن سراج ، أخبرنا أبو العباس المحبوبي
____________________

( ^ واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ( 12 ) يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله ) * * * * * * * * * * * * أخبرنا أبو عيسى ، أخبرنا عبد بن حميد ، عن أبي نعيم ، عن يزيد بن عبد [ الله ] الشيباني ، عن شهر بن حوشب . . الحديث : قال أبو عيسى : وأم سلمة الأنصارية هي أسماء بنت يزيد السكني .
وقوله : ( ^ فبايعهن واستغفر لهن الله ) أي : قد غفر الله لكن .
وقوله : ( ^ إن الله غفور رحيم ) قد بينا . وقد ثبت برواية عائشة ' أن النبي ما مس بيده يد امرأة قط إلا يد امرأة يملكها ' . والمشهور في بيعة النساء ' أنه دعا بإناء فيه ماء وغمس فيه يده فجعل كل من بايعت غمست فيه يدها ' وقد قيل : ' إنه أخذ بيدهن وراء الثوب ' والأصح هو الأول . < < الممتحنة : ( 13 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ) فيه رجوع إلى قصة حاطب بن أبي بلتعة ، وتأكيد النهي عن موالاة الكفار . وقيل : إن الآية عامة .
وقوله : ( ^ قوما غضب الله عليهم ) قيل : هم المنافقون . وقيل : هم اليهود ، وعلى
____________________

( ^ عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ( 13 ) . ) * * * * * * * * * * * القول الأول هم المشركون .
وقوله : ( ^ قد يئسوا من الآخرة ) أي : يئسوا من البعث بعد الموت ، وهذا في المشركين ظاهر ؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث ، وقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا : ( ^ ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) وكذلك في المنافقين ظاهر . وأما إذا حملنا على اليهود ، فالمراد من الآية هم اليهود الذين كانوا يعرفون النبي ، ويعلمون أنه نبي الله ، وينكرون نبوته حسدا وبغيا . ومعنى إياسهم من الآخرة هو اليأس من الثواب ؛ لأنهم إذا عرفوا الحق [ وأنكروه ] متعنتين عرفوا حقيقة أنهم في النار في الآخرة . وقيل : إن المعنى على هذا القول هو أن اليهود كانوا يقولون : ليس في الجنة أكل ولا شرب ولا استمتاع ، فمعنى اليأس هو يأسهم عن هذه النعم لمكان اعتقادهم .
وقوله تعالى : ( ^ كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) فيه قولان : أحدهما : كما يئس الكفار من أصحاب القبور عن إصابتهم الثواب ، ووصولهم إلى الجنة ؛ لأنهم عاينوا الأمر ، وعرفوا أنهم أهل النار قطعا .
والقول الثاني : كما يئس الكفار من أصحاب القبور أنهم لا يعودون إليهم ، فعلى القول الأول المراد من الكفار هم الكفار الذين ماتوا ، وعلى القول الثاني المراد من الكفار هم الأحياء منهم . والله أعلم .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ( 1 ) يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ( 2 ) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ( 3 ) إن الله ) * * * * * * * * * * <
> تفسير سورة الصف <
>
وهي مدنية < < الصف : ( 1 ) سبح لله ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ سبح لله ما في السموات وما في الأرض ) قد بينا معنى هذه الآية . وفي بعض الأخبار : أن أحب الكلام إلى الله تعالى سبحان الله ، ولحبه هذه الكلمة ألهمها أهل السموات والأرض .
وقوله : ( ^ وهو العزيز الحكيم ) قد بينا . < < الصف : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) قال ابن عباس : اجتمع أصحاب رسول الله وتذاكروا البعث وأمر الآخرة ثم قالوا : لو علمنا ما يحبه الله ففعلنا ولو نبذل نفوسنا . وفي رواية : أن عبد الله بن رواحة كان يقول لمن يلقاه : تعال نؤمن ساعة ، ونذكر الله تعالى ، ويقول : وددت أن لو عرفت ما يحبه الله فأفعله ؛ فلما فرض الله الجهاد وأمرهم ببذل النفس والمال ، وكتب عليهم القتال أحبوا الحياة وكرهوا القتال ، فأنزل الله تعالى قوله : ( ^ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) وعن قتادة : أن أصحاب رسول الله لما فروا يوم أحد إلا نفرا يسيرا منهم أنزل الله تعالى هذه الآية . والآية وإن كانت عامة فإنها في بعض الصحابة دون البعض ، فإن الله تعالى قال في موضع آخر : ( ^ من المؤمنين رجال صدقوا وما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) وهذا دليل ظاهر على أن الآية في هذه السورة لم ترد في حق جميعهم على العموم . وفي التفسير : أن عبد الله بن رواحة قال : لما نزلت آية الجهاد حبست نفسي في سبيل الله ، ثم إنه لما خرج إلى غزوة مؤتة ، ' وكان النبي أمر زيد بن حارثة ، فإن
____________________

( ^ يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ( 4 ) وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ( 5 ) وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله ) * * * * * * * * * * * استشهد فجعفر بن أبي طالب ، فإن استشهد فعبد الله بن رواحة [ قال : فاستشهد زيد ] بن حارثة ، ثم أخذ الراية جعفر فاستشهد ، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فاستشهد ، ثم إنه أخذ الراية خالد بن الوليد وقاتل حتى رجع بالمسلمين ' . < < الصف : ( 3 ) كبر مقتا عند . . . . . > >
وقوله : ( ^ كبر مقتا عند الله ) أي : بغضا ( ^ أن تقولوا ما لا تفعلون ) والمعنى : أن الله تعالى يبغض من يقول شيئا ولا يفعل . < < الصف : ( 4 ) إن الله يحب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) أي : ملزق بعضه ببعض . وقيل : يثبتون في الحرب مع الكفار ثبات البنيان الذي وضع بعضه على بعض وسد بالرصاص . والعرب إذا بنت البناء بالحجارة يرصون الحجارة ثم يجعلونه في خلال البناء ، ويسمونه البناء المرصوص . < < الصف : ( 5 ) وإذ قال موسى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني ) قد بينا ما كان يؤذون به موسى عليه السلام في سورة الأحزاب .
وقوله : ( ^ وقد تعلمون أني رسول الله إليكم ) أي : وتعلمون ، ' وقد ' صلة .
وقوله : ( ^ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) أي : مالوا عن الحق [ فأمال ] الله قلوبهم ، أي : زادهم ميلا عن الحق .
وقوله : ( ^ والله لا يهدي القوم الفاسقين ) أي : الكافرين . < < الصف : ( 6 ) وإذ قال عيسى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعد اسمه أحمد ) وقد ثبت
____________________

( ^ إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ( 6 ) ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين ( 7 ) يريدون ليطفئوا نور الله ) * * * * * * * * برواية محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن النبي قال : ' لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي لا نبي بعدي ' . قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو علي الشافعي ، أخبرنا [ ابن ] فراس ، أخبرنا أبو جعفر الديبلي ، أخبرنا سعيد بن ( جبير ) عبد الرحمن المخزومي ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه . . الحديث .
وقوله : ( ^ فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) أي : ظاهر . وفي تفسير النقاش : أن اسم الرسول في الإنجيل فار قليطا ، وبشر عيسى به بما أخذ عليه من العهد ، والعهد المأخوذ هو في قوله تعالى : ( ^ وإذ أخذ الله ميثاق النبين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه . . . ) الآية وأما معنى اسمه أحمد على وجهين : أحدهما : لأنه كان يحمد الله كثيرا .
والثاني : لأن الناس حمدوه في فعاله . < < الصف : ( 7 ) ومن أظلم ممن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله
____________________

( ^ بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ( 8 ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ( 9 ) يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ( 10 ) تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ( 11 ) يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز ) * * * * لا يهدي القوم الظالمين ) قد بينا من قبل . < < الصف : ( 8 ) يريدون ليطفئوا نور . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ) يقال : هو القرآن . ويقال : هو محمد .
وقوله : ( ^ والله متم نوره ولو كره الكافرون ) أي : يتم أمر نوره ولو كره الكافرون . < < الصف : ( 9 ) هو الذي أرسل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) أي : على جميع الأديان شرقا وغربا ، ومصداق هذه الآية على الكمال إنما يكون عند نزول عيسى ابن مريم حيث لا يبقى إلا دين الإسلام . < < الصف : ( 10 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ) والتجارة أن تبذل شيئا وتأخذ شيئا ، فكأنه جعل بذل النفس والمال وأخذ الثواب تجارة ، وهو على طريق المجاز . < < الصف : ( 11 ) تؤمنون بالله ورسوله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ تؤمنون بالله ورسوله ) في قراءة ابن مسعود : ' آمنوا بالله ورسوله ' وهو معنى القراءة المعروفة ، وجوابه : يغفر لكم ذنوبكم .
وقوله : ( ^ وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) ظاهر المعنى . < < الصف : ( 12 ) يغفر لكم ذنوبكم . . . . . > >
قوله : ( ^ يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي : بساتين ، والأنهار هي الأنهار الأربعة تجري من غير أخدود .
وقوله : ( ^ ومساكن طيبة في جنات عدن ) أي : يسطيبونها ، والعدن موضع الإقامة ، قال ابن مسعود : هو بطنان الجنة . وفي بعض الأخبار : أن الله غرس جنة عدن
____________________

( ^ العظيم ( 12 ) وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ( 13 ) يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله ) * * * * * * * * * * * * بيده .
وقوله : ( ^ ذلك هو الفوز العظيم ) أي : النجاة العظيمة . < < الصف : ( 13 ) وأخرى تحبونها نصر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأخرى تحبونها ) أي : تودونها .
وقوله تعالى : ( ^ وأخرى ) أي : خصلة أخرى . وقيل : تجارة آخرى .
وقوله : ( ^ نصر من الله وفتح قريب ) هو فتح مكة . وقيل : هو فتح فارس والروم .
وقوله : ( ^ وبشر المؤمنين ) أي : بالنصر في الدنيا ، وبالجنة في الآخرة . < < الصف : ( 14 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله : ( ^ يا أيها الذين آمنوا كونوا انصار الله ) وقرئ : ' أنصارا لله ' .
وقوله : ( ^ كما قال عيسى ابن مريم للحواريين ) الحواريون صفوة الأنبياء وخالصتهم ، ومنه قول النبي للزبير : ' هو ابن عمتي وحواري من أمتي ' . ومنه الخبز الحواري لبياضه ونفائه . والعرب تسمي نساء الأمصار الحواريات ، قال الشاعر :
( فقل للحواريات يبكين غيرنا ** ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح )
وفي القصة : أن عيسى عليه السلام جمع الحواريين في بيت وهم اثنا عشر رجلا وقال : إن أحدكم يكفر بي اليوم اثنتي عشر مرة ، فكان كما قال : وقال : من يختار منكم أن يلقي عليه شبهي فيقتل ويصلب ؟ فقام شاب منهم وقال : أنا . فقال : اقعد . ثم قال ذلك ثلاث مرات ، وفي الجميع يقوم ذلك الشاب ، فقال عيسى : أنت هو . ثم إن الله تعالى رفعه من الروزنة إلى السماء ، ودخل اليهود وألقى الله تعالى شبه عيسى على ذلك الرجل فقتلوه وصلبوه .
____________________

( ^ قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ( 14 ) . ) * * * * *
وقوله : ( ^ من أنصاري إلى الله ) أي : مع الله . وقيل معناه : من أنصاري ينصر منه إلى : نصر أي : مضموم إليه .
وقوله : ( ^ قال الحواريون نحن أنصار الله ) ظاهر المعنى .
وقوله : ( ^ فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ) في التفسير : أن عيسى صلوات الله عليه لما رفعه الله تعالى إلى السماء اختلف أصحابه ؛ فقال بعضهم : كان هو الله فنزل إلى الأرض ثم رفعه إلى السماء ، وهم النسطورية . وقال بعضهم : كان هو ابن الله أنزله إلى الأرض ففعل ما شاء ثم إرتفع إلى السماء ، وهم اليعقوبية . وقال بعضهم : هو ثالث ثلاثة ، وثلاثة هو أب وابن وزوج ، وقالوا : ثلاثة قدما أقانيم ، وعيسى أحد الثلاثة ، وهم الملكانية ؛ وعليه أكثر النصارى . وقال قوم : هو عبد الله ورسوله فغلبت الطائفة الثلاثة هذ الطائفة قبل النبي فلما بعث عليه الصلاة والسلام غلبت الطائفة المؤمنة الطوائف الثلاث ، فهو معنى قوله تعالى : ( ^ فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم ) أي : نصرنا وقوينا .
وقوله : ( ^ فأصبحوا ظاهرين ) أي : غالبين . والله أعلم .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم ( 1 ) هو ) * * * * * * * * * <
> تفسير سورة الجمعة <
>
مدنية في قول الجميع ، وذكر بعضهم : أنها مكية ، وليس بصحيح . < < الجمعة : ( 1 ) يسبح لله ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يسبح لله ) قد بينا معنى التسبيح ، وهو تنزيه الرب عن كل ما لا يليق به . ويقال : التسبيح لله هو ذكر الله . وذكر القفال الشاشي : أن معنى تسبيح الجمادات هو ما جعل فيها من دلائل حدثها ، وأن لها صانعا وخالقا . وهذا ليس بصحيح ، وقد ذكرنا من قبل ما قاله أهل السنة فيها .
وقوله : ( ^ ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس ) أي : الطاهر من كل عيب وآفة .
وقوله : ( ^ العزيز الحكيم ) أي : الغالب في أمره ، العدل في فعله . < < الجمعة : ( 2 ) هو الذي بعث . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هو الذي بعث في الأميين رسولا ) روى منصور ، عن إبراهيم : أن الأمي هو الذي لا يكتب ولا يقرأ . وروى ابن عمر أن النبي قال : ' نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا ' . وأشار بأصابعه العشر ، وحبس إبهامه في المرة الثالثة .
ويقال : سمي الأمي أميا نسبة إلى ما ولدته عليه أمه . ويقال : سمي أميا لأنه الأصل في جبلة الأمة ، والكتابة لا تكون إلا بتعلم . وعن بعضهم : سميت قريش أميين نسبة إلى أم القرى وهي [ مكة ] فإن قال قائل : لم يكن كل قريش أميا ، وقد قال : ( ^ في الأميين ) والجواب : أن الله تعالى سماهم أميين باعتبار غالب أمرهم ، وقد كانت الكتابة نادرة فيهم ، وقد كانت العرب تسمي من علم الكتابة والسباحة والرمي شاعرا الكامل . قال ابن عباس : تعلمت قريش الكتابة من أهل
____________________

( ^ الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ( 2 ) وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو ) * * * * * * * * لحيرة ، وتعلمها أهل الحيرة من أهل الأنبار .
والحكمة في كون الرسول أميا انتفاء التهمة عنه في تعلم أخبار الأولين ودراستها من كتبهم . ويقال : ليكون موافقا لصفته في كتب الأولين .
وقوله : ( ^ يتلو عليهم آياته ) أي : القرآن .
وقوله : ( ^ ويعلمهم الكتاب ) أي : كتاب الله . وعن ابن عباس : هو الخط بالقلم ، فإن الكتابة كثرت في قريش وسائر العرب بعد رسول الله ، وهذا موافق لقوله تعالى : ( ^ علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) .
وقوله : ( ^ والحكمة ) أي : السنة . ويقال : الفقه في الدين .
وقوله تعالى : ( ^ وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) أي : في ضلال من الحق بين . < < الجمعة : ( 3 ) وآخرين منهم لما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وآخرين منهم ) قال الأزهري : هو في موضع الخفض يعني : بعث في الأميين وفي آخرين .
وقوله : ( ^ لما يلحقوا بهم ) أي : لم يلحقوا بهم وسيلحقون . ويقال في قوله : ( ^ وآخرين ) أي : يعلمهم الكتاب والحكمة ، ويعلم آخرين ، أورده النقاش .
واختلفت الأقوال في المراد بالآخرين من هم ؟ قال عكرمة : هم التابعون . وقال سعيد بن جبير : هم العجم . ( وقائل ) هذا القول ما رواه أبو هريرة ' أن النبي قرأ هذه الآية وأشار إلى سلمان ، وقال : لو كان الدين معلقا بالثريا لناله رجال من قوم
____________________

( ^ العزيز الحكيم ( 3 ) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 4 ) مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم ) * * * * * * * * هذا ' أي : العجم . وقال الضحاك : هو كل من آمن وعمل صالحا إلى يوم القيامة .
وقوله تعالى : ( ^ وهو العزيز الحكيم ) قد بينا . < < الجمعة : ( 4 ) ذلك فضل الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) أي : النبوة . ويقال : ما سبق ذكره من تعليم الكتاب والحكمة .
وقوله : ( ^ والله ذو الفضل العظيم ) ظاهر . وقد ورد في الخبر ' أن الفقراء شكوا إلى النبي وقالوا : ذهب أهل الدثور بالأجور ، فأرشدهم الرسول إلى التسبيح والتهليل وأنواع من الذكر ؛ فسمع الأغنياء بذلك فجعلوا يقولون مثل ما يقول الفقراء ؛ فجاء الفقراء إلى رسول الله وذكروا له ذلك ؛ فقرأ هذه الآية ، وهو وقوله : ( ^ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) وهو خبر مشهور . < < الجمعة : ( 5 ) مثل الذين حملوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ مثل الذين حملوا التوراة ) أي : حملوا القيام بها ( واستعمالها ) ، وهو من الحمالة وليس من الحمل أي : ضمنوا القيام بها والعمل بما فيها .
وقوله : ( ^ ثم لم يحملوها ) أي : ضيعوها ولم يعملوا بما فيها ( ^ كمثل الحمار يحمل أسفارا ) قرأ ابن مسعود : ' كمثل حمار يحمل أسفارا ' والأسفار جمع سفر ، والسفر هو الكتاب ، فجعل الكفار لما ضيعوا كتاب الله ولم يعملوا بما فيه مثل الحمر تحمل الكتب ولا تدري ما فيها .
____________________

( ^ الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين ( 5 ) قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ( 6 ) ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ( 7 ) قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ) * * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ) أي : بئس المثل مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله وقوله : ( ^ والله لا يهدي القوم الظالمين ) أي : الكافرين . < < الجمعة : ( 6 ) قل يا أيها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل يا أيها الذين هادوا ) وفي بعض التفاسير : أن يهود المدينة بعثوا إلى يهود خيبر يسألونهم عن النبي ، فكتب يهود خيبر إلى يهود المدينة ، وقالوا : إنا لا نعرف نبيا يخرج من العرب ، وإن هذا الرجل يريد أن يضعكم ويصغر شأنكم ، وأنتم أولياء الله وأحباؤه فلا تتبعوه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وقوله : ( ^ إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس ) هو ما قلنا .
وقوله : ( ^ فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) أي : صادقين أنكم أولياء الله ، فإنكم إذا متم وصلتم إلى كرامة الله وجنته على زعمكم ، فتمنوا لتصلوا . وفي أكثر التفاسير : أن الآية معجزة للرسول ، فإن الله كان قد قضى أنهم لو تمنوا ماتوا في وقتهم ذلك ، فلم يتمن أحد منهم ، ففي صرفهم عن التمني مع حرصهم على إظهار كذب الرسول ، وفي علمهم أنهم لو تمنوا ماتوا ، دليل على صدق الرسول . < < الجمعة : ( 7 ) ولا يتمنونه أبدا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم ) أخبر أنهم لا يتمنون ، ولم يتمن أحد منهم .
وقوله : ( ^ والله عليم بالظالمين ) أي : بظلمهم على أنفسهم بكتمانهم وصف الرسول عليه الصلاة والسلام في كتبهم . < < الجمعة : ( 8 ) قل إن الموت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ) في الآية دليل على أنهم لو تمنوا ماتوا ، وإنهم لم يتمنوا فرارا من الموت .
وقوله : ( ^ فإنه ملاقيكم ) أي : الموت ملاقيكم .
____________________

( ^ ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ( 8 ) يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم ) * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ) أي : عالم بما ظهر وخفي .
وقوله : ( ^ فينبئكم بما كنتم تعملون ) أي : بما عملتم . < < الجمعة : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) أي : لصلاة الجمعة من يوم الجمعة ، وسمي اليوم جمعة ؛ لأنه جمع في هذا اليوم خلق آدم . وقد روى بعضهم هذا مرفوعا إلى النبي .
وقوله تعالى : ( ^ فاسعوا إلى ذكر الله ) قرأ عمر وابن مسعود وابن الزبير : ' فامضوا إلى ذكر الله ' . قال ابن مسعود : لو قرأت : ' فاسعوا إلى ذكر الله ' لسعيت حتى يسقط ردائي . والمعروف : ' فاسعوا ' وقد روي عن بعض التابعين أنهم كانوا يعدون . قال ثابت البناني : كنت عند أنس بن مالك : فنودي لصلاة الجمعة فقال : قم نسع . والصحيح أن السعي هاهنا بمعنى العمل والفعل ، قاله مجاهد وغيره ، وحكي ذلك عن الشافعي ، واستشهد بقوله تعالى : ( ^ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) أي : إلا ما عمل ، وكذلك قوله تعالى : ( ^ إن سعيكم لشتى ) وأمثال هذا . وقد قال الشاعر :
( أسعى على جل بني مالك ** كل امرئ في شأنه ساعي )
فالسعي هاهنا بمعنى العمل والتصرف . وعن الحسن وقتادة : أن المراد من قوله : ( ^ فاسعوا ) هو النية بالقلب والإرادة لها . وقال عبد الله بن الصامت : كنت أمشي مع أبي ذر إلى الجمعة فسمعنا النداء للصلاة ، فرفعت في مشي ، فجذبني جذبة ، وقال :
____________________

( ^ خير لكم إن كنتم تعلمون ( 9 ) فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( 10 ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا ) * * * * * * * * * ألسنا نسعى . وقوله : ( ^ إلى ذكر الله ) فيه قولان : أحدهما : أنه الخطبة ، والآخر : أنه الصلاة . وهو الأصح .
وقوله تعالى : ( ^ وذروا البيع ) أي : واتركوا البيع . ويقال المراد منه : إذا دخل وقت الصلاة وإن لم يؤذن لها بعد ، ويقال : إنه بعد سماع النداء . والأول أحسن . ومن قال بالثاني ، قال : النداء هو الآذان إذا جلس الإمام على المنبر وهو الذي كان في زمان رسول الله وأما الآذن الأول أحدثه عثمان رضي الله عنه حين كثر الناس . والمراد من قوله : ( ^ وذروا البيع ) أي : البيع والشراء وكل ما يشغل عن الجمعة . واختلف العلماء أنه لو باع هل يجوز ذلك البيع ؟ فذهب أكثرهم إلى أن البيع جائز ، والنهي عنه كراهة . وذهب مالك وأحمد إلى أن البيع لا يجوز أصلا . وحكى بعضهم عن مالك أنه رجع من التحريم إلى الكراهة ، والقول الأول أولى ؛ لأن الله تعالى قال : ( ^ ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) جعل ترك البيع خيرا ، وهذا يشير إلى الكراهة في الفعل دون التحريم ، ولأن النهي عن العقد للاشتغال عن الجمعة لا لعين العقد . < < الجمعة : ( 10 ) فإذا قضيت الصلاة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فإذا قضيت الصلاة ) أي : فرغ منها .
قوله تعالى : ( ^ فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) هو أمر ندب لا أمر حتم وإيجاب ، مثل قوله تعالى : ( ^ وإذا حللتم فاصطادوا ) وعن ابن محيريز قال : يعجبني أن يكون لي حاجة بعد الجمعة فأنصرف إليها ، وابتغى من فضل الله منها . وعن عبد الله [ بن ] بسر : أنه كان يخرج من المسجد إذا صلى الجمعة ، ثم يعود ويجلس إلى أن يصلي العصر . وفي بعض الأخبار عن النبي في معنى قوله
____________________

تعالى : ( ^ فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) قال : ' ليس هو طلب دنيا ، وإنما هو عيادة مريض ، أو شهود جنازة ، أو زياح أخ في الله ' . والخبر غريب .
وقوله : ( ^ واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) ظاهر المعنى . < < الجمعة : ( 11 ) وإذا رأوا تجارة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ) سبب نزول هذه الآية أن رسول الله كان على المنبر يخطب ، وقد كان أصاب أهل المدينة غلاء ومجاعة ، فقدمت عير تحمل الطعام ويقال : كانت لدحية بن خليفة الكلبي فنزلوا عند أحجار الزيت ، وضربوا بالطبل ليعلم الناس ، فسمع المسلمون ذلك في المسجد فذهبوا إليها ، وبقي النبي مع اثني عشر نفرا فيهم أبو بكر وعمر . وأورد البخاري خبرا في هذا ، وأورد هذا العدد . وقيل : في [ ثمانية ] رجال ، والأول أصح ، فانزل الله تعالى هذه الآية .
والتجارة معلومة ، وهي التجارة في الطعام وتحصيلها ، واللهو هو الطبل ، قاله مجاهد . ويقال : هو المزامير ، وكان الأنصار يستعملون ذلك إذا زفوا امرأة إلى زوجها ، وذلك مثل الدف والطبل وما يشبهه ، فعلى هذا القول سمع المسلمون صوتها في السوق وكانوا يزفون امرأة فذهبوا إليها ، والأول هو المشهور ، وهو الثابت .
وقوله : ( ^ وتركوك قائما ) لأنه كان يخطب ، وفيه دليل على أن السنة أن يخطب قائما ، وأول من خطب قاعدا معاوية وتبعه على ذلك مروان . والسنة ما بينا . فإن قال قائل : كيف قال : ( ^ انفضوا إليها ) وقد تقدم سببان ؛ التجارة واللهو ، ولم يقل : ' انفضوا إليهما ' ؟ والجواب أن معناه : وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها ، وإذا رأوا لهوا انفضوا إليه ، فاكتفى بأحدهما عن الآخر . وقد ذكرنا من قبل أن العرب قد تذكر شيئين وترد الكناية إلى أحدهما ، والمراد كلاهما ، قال الشاعر :
____________________

( ^ إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ( 11 ) . ) * * * * * * *
نحن بما عندنا وأنت بما ** عندك راض والرأي مختلف )
ويقال : في الآية تقديم وتأخير ومعناه : وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهوا والانفضاض هو الذهاب بسرعة .
وقوله : ( ^ قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ) أي : ذكر الله تعالى والاشتغال في الصلاة خير من اللهو والتجارة ، وقوله : ( ^ والله خير الرازقين ) قال الزجاج معناه : أنه يرزقكم ولا يمسكه عنكم فلا تشتغلوا بطلبه عن الصلاة وعن ذكر الله . ويقال : الرزق مسجلة للبر والفاجر . وروى الحسين البصري أن النبي قال حين نفر الناس إلى العير وبقي في اثني عشر رجلا : ' لو لحق آخرهم أولهم لاضطرم الوادي عليهم نارا ' .
وقد وردت أخبار كثيرة في فضل الجمعة وثوابها منها : ما روى سعيد بن المسيب ، عن جابر ، عن عبد الله أن النبي قال : ' يا أيها الناس توبوا إلى ربكم من قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له والصدقة في السر والعلانية تنصروا وتجبروا وترزقوا ، واعلموا أن الله تعالى قد فرض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة ، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها وجحودا لها ، ألا فلا جمع الله شمله ، ولا بارك له في أمره ألا لا . . . ' .
____________________

وروى مالك ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أن النبي قال : ' من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا [ شرع ] الإمام طويت الصحف ، وحضرت الملائكة يستمعون الذكر ' . قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك أبو الحسين بن النقور ، أخبرنا أبو طاهر المخلص أخبرنا يحيى بن محمد بن صاعد ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك الخبر .
وورد أيضا برواية عمران بن الحصين ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي قال : ' من اغتسل يوم الجمعة غسلت ذنوبه وخطاياه ، فإذا راح كتب الله بكل قدم عمل عشرين سنة ، فإذا قضيت الصلاة أجيز بعمل مائتي سنة ' والخبر غريب جدا .
والخبر الثالث أن النبي قال : ' من اغتسل يوم الجمعة من الجنابة ، ولبس من صالح ثيابه ، ومس من طيب بيته ، ولم يفرق بين اثنين غفر له ما بينه وبين الجمعة
____________________

الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ' . ذكره البخاري في كتابه .
وورد أيضا في بعض الأخبار أن النبي قال : ' من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذر طبع الله على قلبه ' . والله أعلم .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( 1 ) اتخذوا أيمانهم جنة ) * * * * * * * * * <
> تفسير سورة المنافقين <
>
وهي مدنية في قول الجميع . والله أعلم . < < المنافقون : ( 1 ) إذا جاءك المنافقون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ) قال أهل التفسير : نزلت السورة في شأن عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه ، كانوا يأتون النبي ويقولون : نحن مؤمنون بك ، ونشهد إنك لرسول الله ، وأن ما جئت به حق ، ثم إذا رجعوا إلى ما بينهم أظهروا الكفر . وعن بعضهم : أن قوله تعالى : ( ^ نشهد ) معناه : نحلف بدليل أن الله تعالى قال بعد هذه الآية : ( ^ اتخذوا أيمانهم جنة ) .
قال الشاعر :
( وأشهد عند الله أني أحبها ** فهذا لها عندي فما عندها ليا )
أي : أحلف .
وقوله : ( ^ والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) هو تطييب لقلب النبي وتسلية له ، ومعناه : أن علمي أنك رسول الله وشهادتي لك بذلك خير من شهادتهم .
وقوله : ( ^ إنهم لكاذبون ) قال أبو عبيد : أي : الكافرون ، يسمي الكفر باسم الكذب . وقال غيره : هو الكذب حقيقة . وسمي قولهم كذبا ؛ لأنهم كذبوا على قلوبهم . وقيل : لما أظهروا بألسنتهم خلاف ما كان في ضمائرهم سمي بذلك كذبا ، كالرجل يخبر بالشيء على خلاف ما هو عليه . < < المنافقون : ( 2 ) اتخذوا أيمانهم جنة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ اتخذوا أيمانهم جنة ) أي : سترة لما أبطنوه من الكفر . وقيل : جنة أي : يترسوا بها عن القتل ، مثل المجن يتترس بها المقاتل بها المقاتل عن سلاح العدو .
____________________

( ^ فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ( 2 ) ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ( 3 ) وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا ) * * * * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ فصدوا عن سبيل الله ) أي : منعوا الناس عن سبيل الإيمان . ومعنى صدهم الناس عن سبيل الله أنهم كانوا يقولون لضعفة المسلمين : إنا نشهد عند هذا الرجل ونظهر خلاف ما نسر ، فلو كان نبيا لعلم إسرارنا ، ومنعنا من المخالطة مع أصحابه .
وقوله : ( ^ إنهم ساء ما كانوا يعملون ) أي : بئس العمل عملهم . وقرئ في الشاذ : ' اتخذوا إيمانهم جنة ' بكسر الألف ، والمعروف إيمانهم بالفتح جمع اليمين . < < المنافقون : ( 3 ) ذلك بأنهم آمنوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا ) أي : آمنوا بألسنتهم ، وكفروا بقلوبهم .
وقوله : ( ^ فطبع على قلوبهم ) أي : ختم على قلوبهم فلا يدخلها الإيمان وقبول الحق .
وقوله : ( ^ فهم لا يفقهون ) أي : لا يتدبرون ، والفقه هو التدبر والتفهم . وقيل : فهم لا يفقهون أي : لا يعقلون ، كأنهم لم يقبلوا الدين مع ظهور الدلائل عليه بمنزلة من لا يعقل . < < المنافقون : ( 4 ) وإذا رأيتهم تعجبك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ) في التفسير : أن عبد الله بن أبي بن سلول كان رجلا جسيما فصيحا صبيحا ذلق اللسان . قال الزجاج : أخبر الله تعالى بصحة أجسامهم وحسن مناظرهم وفصاحة ألسنتهم . وهو في قوله : ( ^ وإن يقولوا تسمع لقولهم ) أي : للسان الذي لهم ، ثم قال في شأنهم : ( ^ كأنهم خشب مسندة ) أي : هم مناظر بلا مخابر ، وصور بلا معاني ، وإنما مثلهم بالخشب ؛ لأن الخشب لا قلب له ولا عقل ، ولا يعي خبرا ولا يفهمه . ويقال في العادة : فلان خشب أي : ليس له عقل ولا فهم . وقرئ : ' خشب ' بسكون الشين ، وكلاهما بمعنى واحد ، يقال : بدن وبدنة وثمر وثمرة ، فالخشب والخشب جمع ، والواحدة خشبة ، ومثاله ما ذكرنا .
____________________

( ^ تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ( 4 ) وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا ) * * * * * * * * * *
وقوله تعالى : ( ^ مسندة ) أي : ممالة إلى الجدار . قال علي بن عيسى : جعلهم كخشب نخرة ، متآكلة في الباطن ، صحيحة في الظاهر .
وقوله : ( ^ يحسبون كل صيحة عليهم ) يعني : إذا سمعوا نداء أو سمعوا من ينشد ضالة أو أي صوت كان ، ظنوا أنهم المقصودون بذلك الصوت ، وأن سرائرهم قد ظهرت للمسلمين ، وهو وصف لجبنهم وخوفهم من المسلمين . وفي بعض التفاسير أن معناه : هو أن كل من سار النبي بشيء كانوا يظنون أن ذلك في أمرهم وشأنهم . وقيل : كان كلما نزلت لآية أو سورة ظنوا من الخوف أنها نزلت فيهم ، قاله ابن جريح . وأنشدوا لجرير في الجبن :
( ما زلت تحسب كل شيء بعدهم ** خيلا تكر عليهم ورجالا )
وقال غيره :
( لقد خفت حتى لو تمر كمامة ** لقلت عدوا وطليعة معشر )
وقوله : ( ^ هم العدو ) أي : الأعداء .
وقوله : ( ^ فاحذرهم ) قال ذلك لأنهم يطلعون المشركين على أسرار المسلمين ، ويجبنون ضعفاء المسلمين .
قوله : ( ^ قاتلهم الله ) أي : أخزاهم وأهلكهم . وقيل : نزلهم منزلة من يقاتله عدو قاهر له .
وقوله : ( ^ أنى يؤفكون ) أي : كيف يصرفون عن الحق مع ظهوره ؟ وهو يتضمن تقبيح فعلهم وتعجيب رسول الله منهم . < < المنافقون : ( 5 ) وإذا قيل لهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله ) كان المؤمنون يقولون للمنافقين : احضروا النبي واعترفوا بذنوبكم يستغفر لكم ، وكانوا يهزون
____________________

( ^ رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ( 5 ) سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ( 6 ) هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن ) * * * * * * * * * رءوسهم ، وينظرون يمنة ويسرة استهزاء ، قيل : هذا في عبد الله بن أبي بن سلول خاصة . قال بعض الصحابة له ذلك فثنى رأسه وحركه استهزاء ، فهو معنى قوله : ( ^ لووا رءوسهم ) ويقرأ بالتخفيف . ومعناه : ثنوا رءوسهم ، ومن قرأ بالتشديد فهو تأكيد .
وقوله : ( ^ ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ) أي : يعرضون وهم ممتنعون عن الإيمان . < < المنافقون : ( 6 ) سواء عليهم أستغفرت . . . . . > >
وقوله : ( ^ سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ) ومعناه : أن استغفارك لهم لا ينفعهم ، وعندهم أن وجوده وتركه واحد . فإن قيل : كيف أستغفر لهم رسول الله وقد علم أنهم منافقون ؟ والجواب : أنه كان يستغفر لهم لأنهم كانوا يأتون يطلبون الاستغفار ، ويسألون منه الصفح والعفو ، مثل ما ذكرنا في سورة التوبة ، ولم يكن ينفعهم ؛ لأنهم كانوا كفارا عند الله .
وقوله : ( ^ إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ) أي : المنافقين ، وهم كفار وفساق ومنافقون . وحكى بعضهم عن حذيفة بن اليمان أنه قيل له : من المنافق ؟ قال : الذي يصف الإيمان ولا يعمل به . وعن عمر رضي الله عنه قال : إني لا أخاف عليكم مؤمنا تبين إيمانه ، ولا كافرا تبين كفره ، وإنما أخاف عليكم كل منافق عليم اللسان . < < المنافقون : ( 7 ) هم الذين يقولون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) وقرئ في الشاذ ' حتى ينفضوا ' من النفض أي : حتى ينفضوا أوعيتهم فيفتقروا ويتفرقوا .
وقوله : ( ^ هم الذين يقولون ) يقال : الواو محذوفة ، ومعناه : وهم الذين يقولون ، وكذلك في قوله : ( ^ لئن رجعنا إلى المدينة ) أي : ويقولون ، قال الشاعر :
____________________


( لأمر ما تصرفت الليالي ** لأمر ما تحركت النجوم )
أي : ولأمر .
وقوله : ( ^ لا تنفقوا على من عند رسول الله ) نزلت الآية على سبب ، وهو ما رواه الزهري ، عن عروة ، عن أسامة بن زيد أن عمر رضي الله عنه كان استأجر رجلا من غفار يقال له : ' جهجاه ' ليعمل له في بعض الغزوات ، وهي غزوة ' المريسيع ' فجرت بينه وبين رجل من الأنصار منازعة على رأس بئر للإسقاء فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال جهجاه : يا للمهاجرين ، فسمع النبي ذلك فقال : ' ما بال دعوى الجاهلية دعوها فإنها ميتة ' . وبلغ ذلك عبد الله بن أبي سلول فغضب وقال : هذا مثل ما قال الأول سمن كلبك ، وقال : أما إنكم لو أطعتموني لم تنفقوا على من اجتمع عند هذا الرجل وكان الأنصار ينفقون على المهاجرين ، وكانوا ينفضون عنه وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وعنى بالأعز نفسه ، وبالأذل محمدا فبلغ ذلك النبي وقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال عليه الصلاة والسلام : ' لا يبلغ الناس أن محمدا يقتل أصحابه ' أي : لا أقتله لهذا قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك أبو علي الشافعي بمكة أخبرنا أبو الحسن بن فراس أخبرنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي ، أخبرنا أبو عبد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، أخبرنا سفيان عن الزهري . . . الحديث .
وقد ذكر البخاري هذا الخبر في كتابه برواية زيد بن أرقم قال : كنت مع عمر في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي بن سلول يقول لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ، وقال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال فجئت إلى عمر وذكرت له ذلك ، وذكر عمر ذلك لرسول الله ، فجاء ابن أبي بن سلول إلى النبي وحلف أنه ما قاله فصدقه وكذبني ، فأصابني من الهم ما لم يصبني مثله قط حتى جلست في بيتي ، فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي قبلها ،
____________________

( ^ المنافقين لا يفقهون ( 7 ) يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) * * * * * * * * * * فدعاني رسول الله وقال : ' إن الله تعالى قد صدقك ' .
وفي رواية سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر ' أن رجلا من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : ياللأنصار ، وقال المهاجري : ياللمهاجرين وكان الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدم رسول الله المدينة ، ثم كثر المهاجرين من بعد فلما سمع عبد الله بن أبي بن سلول ذلك قال ما ذكرناه ، ( وساق ) الحديث قريبا من الذي ذكرناه أولا ' . قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك أبو علي الشافعي بمكة بالإسناد الذي ذكرنا عن سفيان .
وقوله : ( ^ حتى ينفضوا ) أي : يتفرقوا .
وقوله تعالى : ( ^ ولله خزائن السموات والأرض ) معناه : أنهم لو لم تنفقوا فلله خزائن السموات والأرض فهو يرزقكم . ويقال : خزائن السموات بالمطر ، وخزائن الأرض بالنبات . وعن بعضهم : خزائن السموات ما قضاه ، وخزائن الأرض ما أعطاه . وقال بعض أرباب الخواطر : خزائن السموات : الغيوب ، وخزائن الأرض : القلوب . والصحيح الأول .
قوله : ( ^ ولكن المنافقين لا يفقهون ) قد بينا . < < المنافقون : ( 8 ) يقولون لئن رجعنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) قد ذكرنا ، والأعز هو الأقدر على منع الغير ، والأذل هو الأعجز عن نفع الغير . وقيل معناه : ليخرجن العزيز منها الذليل . وفي أفعل بمعنى فعيل قال الفرزدق :
( إن الذي سمك السماء بنى لنا ** بيتا دعائمه أعز وأطول )
____________________

( ^ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ( 8 ) يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ( 9 ) وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني ) * * * * * * * * * * أي : عزيز طويلة .
وقوله : ( ^ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) أي : الغلبة والمنعة والقوة ، والعزة لله لعزة في ذاته ، والعزة لرسوله وللمؤمنين بما أعطاهم الله تعالى من الغلبة والمنعة والقوة .
وقوله : ( ^ ولكن المنافقين لا يعلمون ) أي : لا يعلمون أن العزة والغلبة لله ولرسوله وللمؤمنين . < < المنافقون : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم ) أي : لا تشغلكم ، ومعناه : لا تشتغلوا بالقيام على أموالكم وأولادكم فيشغلكم ذلك عن ذكر الله كما شغل المنافقين . وذكر الله هو الإيمان به هاهنا .
وقوله : ( ^ ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) أي : المغبونون بحظوظهم . ويقال : هم الذين غبنوا أنفسهم وخسروها في الآخرة . وعن عطاء : أن ذكر الله هاهنا هو الصلوات الخمس . وقال الضحاك : هو جميع ما فرضه الله تعالى . < < المنافقون : ( 10 ) وأنفقوا من ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنفقوا مما رزقناكم ) الأصح أنه الزكاة ، وقيل : هو صدقة التطوع ، وكل ما ندب الله تعالى إليه من النفقة في الخيرات .
وقوله : ( ^ من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني ) أي : هلا أخرتني .
قوله : ( ^ إلى أجل قريب ) أي : إلى مدة قريبة . قال ابن عباس : كل من كان له مال ولم يؤد زكاته يسأل الله الرجعة إذا حضره الموت . فقالوا له : يا ابن عباس ، اتق الله ، فإنما الرجعة للكافر ، فقال : اتلوا هذه الآية : ( ^ وأنفقوا مما رزقناكم ) الآية . وفي رواية : أن هذا في الحج بدل الزكاة .
____________________

( ^ إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ( 10 ) ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ( 11 ) . ) * * * * * * * *
وقوله : ( ^ فأصدق وأكن من الصالحين ) وقرئ : ' وأكون ' ومن قرأ ' وأكون ' فهو معطوف على قوله فأصدق . وقيل لابن عمر : وكيف خالفت المصحف في قوله : ( ^ وأكون من الصالحين ) ؟ فقال : هو مثل قولهم في هجاء أبجد كلمن ، وهو كلمون .
وأما تقرير الآية على القراءة بدون الواو : ' وإن أخرتني أصدق وأكن من الصالحين ' . وقيل : ' أصدق ' أي : أزكي ، ' وأكن من الصالحين ' أي : أحج . < < المنافقون : ( 11 ) ولن يؤخر الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ) أي : لا يتقدم ولا يتأخر إذا جاء الأجل .
وقوله : ( ^ والله خبير بما تعملون ) ظاهر المعنى .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ( 1 ) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) * * * * * * <
> تفسير سورة التغابن <
>
وهي مدنية في قول الأكثرين . وقال الضحاك : مكية . وقال الكلبي : مكية ومدنية . ومعناه : أن بعضها مكية ، وبعضها مدنية . والله أعلم . < < التغابن : ( 1 ) يسبح لله ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) قد ذكرنا معاني هذا من قبل . < < التغابن : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) قال علي بن أبي طلحة الوالبي : خلقكم كفارا وخلقكم مؤمنين ، قاله ابن عباس ، وقد أيد هذا المعنى قوله تعالى : ( ^ إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ) فأخبر أن الله تعالى خلقه كذلك . وفي الخبر أنه عليه الصلاة والسلام قال : ' إن الله تعالى خلق يحيى سعيدا في بطن أمه ، وخلق فرعون كافرا في بطن أمه ' .
وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن [ أبي ] الطفيل قال : سمعت ابن مسعود رضي الله عنه يقول : الشقي من شقي في بطن أمه ، والسعيد من وعظ بغيره . فقلت : ثكلت أم الشقي من قبل أن يعمل ، فلقيت حذيفة بن أسيد وكنيته أبو شريحة الغفاري فذكرت له ذلك فقال : ألا أخبرك بأعجب من هذا ! سمعت رسول الله يقول : ' إذا استقرت النطفة في رحم المرأة أربعين ليلة أو قال : خمسا
____________________

( ^ والله بما تعملون بصير ( 2 ) خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن ) * * * * * * * * * * وأربعين ليلة دخل عليها الملك فيقول : أي رب ، شقي أو سعيد ؟ فيقول الله ، ويكتب الملك . فيقول أذكر أم أنثى فيقول الله ويكتب الملك فيقول : يا رب ، ما أجله ؟ ما عمله ؟ ما رزقه ؟ ما مصيبته ؟ فيقضي الله تعالى ، ويكتب الملك ، ثم يطوي الصحيفة ، فلا يزاد ولا ينقص إلى يوم القيامة ' .
وروى سفيان أيضا عن طلحة بن يحيى ، عن عمته ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين أن النبي أتى بصبي من الأنصار ليصلي عليه ، فقلت : طوباه عصفور من عصافير الجنة . فقال : ' أو غير ذلك يا عائشة ؛ إن الله تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق النار وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذين الحديثين أبو علي الشافعي بمكة ، أخبرنا أبو الحسن بن فراس ، أخبرنا الديبلي ، أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، عن سفيان بن عيينة . . الخبر كما ذكرنا .
والقول الثاني في الآية أن معناها : فمنكم كافر بأن الله خلقه ، ومنكم مؤمن ومنكم فاسق . والمعروف هو القول الأول .
وقوله : ( ^ والله بما تعملون بصير ) ظاهر . < < التغابن : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ خلق السموات والأرض بالحق ) أي : بالعدل . ويقال : بإحكام الصنعة وحسن ( التقدير ) ، ويقال : للحق .
وقوله : ( ^ وصوركم فأحسن صوركم ) قال مقاتل : خلق آدم بيده ، فهو معنى قوله : ( ^ وصوركم فأحسن صوركم ) وعن غيره : أنه في معنى قوله تعالى : ( ^ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وعن بعضهم قال خلق الإنسان في أحسن
____________________

( ^ صوركم وإليه المصير ( 3 ) يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ( 4 ) ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ( 5 ) ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا ابشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ( 6 ) ) * * * * * * * * * صورة ، ولو عرض الله عليه الصور ما اختار غير صورته .
وقوله : ( ^ وإليه المصير ) أي : المرجع . < < التغابن : ( 4 ) يعلم ما في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ) أي : بما تكنه الصدور . < < التغابن : ( 5 ) ألم يأتكم نبأ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل ) هذا خطاب لمشركي قريش .
وقوله : ( ^ فذاقوا وبال أمرهم ) أي : في الدنيا .
وقوله : ( ^ ولهم عذاب أليم ) أي : في الآخرة . < < التغابن : ( 6 ) ذلك بأنه كانت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ) أي : بالدلالات الواضحات .
وقوله : ( ^ فقالوا أبشر يهدوننا ) مثل قوله تعالى : ( ^ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ) .
وقوله : ( ^ فكفروا وتولوا ) أي : جحدوا وأعرضوا .
وقوله : ( ^ واستغنى الله ) يعني : أن الله غني عن طاعتهم وعبادتهم وتوحيدهم .
وقوله : ( ^ والله غني حميد ) أي : مستغني عن أفعال العباد ، مستحمد إلى خلقه بالإنعام عليهم . ويقال : حميد أي : مستحق للحمد . ويقال حميد أي : يحب أن يحمد . وقد ثبت أن النبي قال : ' ما من أحد [ أغير ] من الله وما أحب أحد إليه
____________________

( ^ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ( 7 ) فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير ( 8 ) يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ) * * * * * * * * * الحمد من الله ، وما أحد أحب إليه العذر من الله ' . < < التغابن : ( 7 ) زعم الذين كفروا . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ زعم الذين كفروا ) حكي عن مجاهد أنه كان يكره لفظة زعموا ، وكذلك حكي عن ابن مسعود . وفي بعض التفاسير عن ابن عمر قال : كنية الكذب . ونحو ذلك عن شريح . فزعموا هاهنا بمعنى قالوا وأخبروا ، قال الشاعر :
( ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ** كبرت وألا يحسن السر أمثالي )
وقوله : ( ^ أن لن يبعثوا ) يعني : بعد الموت .
وقوله : ( ^ قل بلى وربي لتبعثن ) قوله : ( ^ بلى ) في هذا الموضع لتكذيب القوم فيما زعموا ، وهو مثل قول القائل لغيره : وقد أمرتك بكذا وكذا ، فيقول الرجل : ما سمعت وما أمرتني به ، فيقول : بلى ، أي : وكذبت ، قد سمعت وقد أمرتك .
وقوله : ( ^ ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ) أي : هين . < < التغابن : ( 8 ) فآمنوا بالله ورسوله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ) أي : القرآن الذي أنزلناه على محمد ( ^ والله بما تعملون خبير ) أي : عليم . < < التغابن : ( 9 ) يوم يجمعكم ليوم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يوم يجمعكم ليوم الجمع ) أي : يوم القيامة ، وسمي يوم الجمع ؛ لأنه يجتمع فيه الأولون والآخرون ، ويجتمع أهل السموات وأهل الأرض .
وقوله : ( ^ ذلك يوم التغابن ) عن ابن عباس أنه قال : هو اسم ليوم القيامة . وفي التغابن معنيان : أحدهما : أن أهل الحق يغبنون أهل الباطل ، وأهل الإيمان يغبنون أهل الكفر .
____________________

( ^ ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ( 9 ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ( 10 ) ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن ) * * * * * * * * * * *
والقول الثاني : أن الله تعالى سمى لكل أحد من خلقه منزلا في النار ومنزلا في الجنة ، فمن كان مؤمنا يرث منزلة الكافر في الجنة ، ومن كان كافرا يرث منزل المؤمن في النار ، وهو معنى التغابن يوم القيامة . وعن بعضهم : أن الغبن هو أخذ الشيء بدون قيمته ، فبالتفاوت الذي يقع بين القيمة وما دونها يحصل التغابن ، فالمؤمنون لما عملوا للجنة وللنعيم الباقي فقد غبنوا أهل النار ، والكفار لما اختاروا النعيم المنقطع على النعيم الباقي ، والدار التي تفنى على الدار التي لا تفنى ؛ فقد غبنوا . قال زيد بن علي : غبنوا أنفسهم . والغبن هاهنا يعني الخسران في ( غير ) هذا الموضع .
وقوله تعالى : ( ^ ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) ظاهر المعنى . < < التغابن : ( 10 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ) أي : المرجع والمنقلب . < < التغابن : ( 11 ) ما أصاب من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ) أي : بعلمه وقضائه وتقديره .
وقوله : ( ^ ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) قال علقمة : ومن يؤمن بالله في المصيبة أي : يعلم أنها من الله يهد قلبه للاسترجاع والتسليم لأمر الله تعالى . ومثله عن سعيد بن جبير . وعن بعضهم : يهد قلبه أي : للصبر إذا ابتلي ، وللشكر إذا انعم عليه ، وللعفو إذا [ ظلم ] وقال عكرمة : يهد قلبه لليقين ، فيعلم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه . وذكر الأزهري في كتابه أن معنى قوله : ( ^ يهد قلبه ) أي : يجعله مهتديا ، وقد أيد هذا القول ما حكي عن ابن جريج أنه قال : من عرف الله فهو مهتدي القلب .
____________________

( ^ يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم ( 11 ) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ( 12 ) الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 13 ) يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ( 14 ) إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) * * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ والله بكل شيء عليم ) . < < التغابن : ( 12 ) وأطيعوا الله وأطيعوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ) أي : البين . < < التغابن : ( 13 ) الله لا إله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) قد بينا . < < التغابن : ( 14 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) أي : أعداء لكم فاحذروهم . قال ابن عباس : نزلت الآية في قوم أسلموا بمكة ، وكانوا يريدون أن يهاجروا إلى المدينة فيمنعهم أولادهم وأهلوهم ويقولون : فارقتمونا بدينكم فلا تفارقونا بأنفسكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وعن مجاهد قال : نزلت الآية في عوف بن مالك الأشجعي ، وكان قد لقي جفاء من أهله وولده .
وقوله : ( ^ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ) قال ابن عباس : لما تخلف هؤلاء بسبب أهليهم ثم هاجروا من بعد فرأوا قوما قد أسلموا من قومهم ، وتقدموا في الهجرة وتفقهوا في الدين ، حزنوا لذلك حزنا شديدا ، وهموا أن يعاقبوا أهليهم وبنيهم ويتركوا الإنفاق عليهم ، فأنزل الله تعالى قوله : ( ^ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ) . < < التغابن : ( 15 ) إنما أموالكم وأولادكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) أي : بلاء ومحنة ، ومعنى البلاء والمحنة من الأموال والأولاد أنه يشتغل بهم عن طاعة الله تعالى ، ويحمله طلب المال ورضا الأولاد على معصية الله تعالى . وفي بعض الأخبار عن النبي أنه قال : ' الولد مبخلة مجبنة محزنة مجهلة ' . ومعناه : أنه يحمل على البخل والجبن والحزن
____________________

( ^ وا لله عنده أجر عظيم ( 15 ) فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا ) * * * * * * * * * * والجهل . وعن عيسى ابن مريم عليه السلام قال : من اتخذ أهلا ومالا وولدا كان للدنيا عبدا .
وروى عبد الله بن بريدة [ عن أبيه ] ' أن النبي كان يخطب فدخل الحسن والحسين رضي الله عنهما وعليهما قميصان أحمران يعثران في ذلك ، فنزل النبي عن المنبر وحملهما ووضعهما بين يديه ، ثم قرأ قوله تعالى : ( ^ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) ثم قال : رأيت هذين الصبيين يعثران في قميصهما ، فما ملكت نفسي حتى نزلت وحملتهما ' .
وأنشدوا في لفظ الفتنة لبعضهم :
( قد فتن الناس في دينهم ** وخلى ابن عثمان شرا طويلا )
يعني : قد ابتلي الناس .
وقوله : ( ^ والله عنده أجر عظيم ) أي : كثير . < < التغابن : ( 16 ) فاتقوا الله ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فاتقوا الله ما استطعتم ) قال ربيع بن أنس : بجهدكم وطاقتكم . وروى معمر ، عن قتادة أن هذه الآية نسخت قوله تعالى : ( ^ اتقوا الله حق تقاته ) ومثل هذا عن جماعة من التابعين . وقال جماعة من أهل العلم : الأولى أن يقال : هذه الآية رخصة وليست بناسخة . وذكر القفال أن هذه الآية مبينة لقوله تعالى : ( ^ اتقوا الله حق تقاته ) لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها . وذكر مثل ذلك على ابن عيسى وغيره .
____________________

( ^ لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( 16 ) إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم ( 17 ) ) * * * * * * * والمختار ما عليه السلف ، وهو القول الأول . وقد ذكرنا عن ابن مسعود في قوله تعالى : ( ^ اتقوا الله حق تقاته ) هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر ولا ينسى ، ويشكر فلا يكفر .
وقوله : ( ^ واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ) نصب قوله : ( ^ خيرا ) على تقدير : اتقوا في الإنفاق خيرا . ومثله قوله تعالى : ( ^ انتهوا خيرا لكم ) .
وقوله : ( ^ ومن يوق شح نفسه ) أي : بخل نفسه ، ويقال : الشح هو منع حقوق الله الواجبة . وقال سفيان بن عيينة : الشح هاهنا هو الظلم دون البخل ؛ لأن الله تعالى قد قال : ( ^ ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ) .
وقوله : ( ^ فأولئك هم المفلحون ) قد بينا . < < التغابن : ( 17 ) إن تقرضوا الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن تقرضوا الله قرضا حسنا ) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هو الإنفاق في سبيل الله . ويقال : هو جميع حقوق المال ، وسمي ذلك قرضا ؛ لأن الله تعالى يثيبهم عليه ويعطيهم عوضه ، فهو بمنزلة القرض .
وفيه قول ثالث : أن الإقراض هاهنا هو قول القائل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . وذكر القفال : أن بعض السلف كان إذا سمع سائلا يقول : من يقرض الله قرضا حسنا يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . وأما قوله : ( ^ حسنا ) أي : طيبة بها أنفسكم . ويقال : من خيار المال لا من رذاله .
وقوله : ( ^ يضاعفه لكم ) أي : يجعل الواحد عشرا . ويقال : يضاعف لا إلى عدد معلوم .
وقوله : ( ^ ويغفر لكم والله شكور حليم ) الشكر من الله هو جزاؤه المحسنين جزاء
____________________

( ^ عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم ( 18 ) ) * * * * * * * * من يشكرهم على إحسانهم . ويقال : الشكر من الله هو العفو عن السيئات وقبول الحسنات . ويقال : هو العفو عن الكثير وقبول القليل .
وقوله : ( ^ حليم ) معناه : إمهال العباد وترك معالجتهم بالعقوبة . < < التغابن : ( 18 ) عالم الغيب والشهادة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم ) ظاهر المعنى .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) * * * * * * * <
> تفسير سورة الطلاق <
> <
> وهي مدنية في قول الجميع <
> < < الطلاق : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ) فإن قيل : كيف خاطب النبي وحده في الابتداء ثم قال : ( ^ إذا طلقتم النساء ) ؟ والجواب من أوجه : أحدها : أن خطاب النبي عليه الصلاة والسلام خطاب لأمته ، مثل خطاب الرئيس يكون خطابا للأتباع وكأنه قال : يا أيها النبي والمؤمنون إذا طلقتم النساء .
والجواب الثاني أن قوله : ( ^ إذا طلقتم النساء ) على تحويل الخطاب إلى الغير مثل قوله تعالى : ( ^ حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها . . ) .
والجواب الثالث : أن فيه تقدير محذوف ، وتقديره : يا أيها النبي قل للمؤمنين إذا طلقتم النساء . وروى قتادة عن أنس أن النبي طلق حفصة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال له جبريل : يقول لك ربك : راجعها فإنها صوامة قوامة ، وهي من أزواجك في الجنة .
وقوله : ( ^ فطلقوهن لعدتهن ) معناه : لزمان عدتهن وهو الطهر ، وفيه دليل على أن الأقراء التي تنقض بها العدة هي الأطهار ، وهذا قول أهل الحجاز . وأما من قال : إن الأقراء هي الحيض ، قال معنى قوله : ( ^ لعدتهن ) أي : ليعتددن مثل قوله تعالى : ( ^ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) أي : ليحزنوا ، ذكره النحاس ، وقرأ في الشاذ : ' فطلقوهن لقبل عدتهن ' وقيل : إنها قراءة النبي ، فمن قال : إن الأقراء هي الحيض استدل بهذه القراءة ، لأن هذه اللفظة تقتضي أن يكون زمان الطلاق قبل
____________________

( ^ وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم ) * * * * * * * * * * زمان العدة ، وأن زمان العدة يتعقب زمان الطلاق .
وأما من قال : بأن الأقراء هن الأطهار ، قال فمعنى قوله : ' لقبل عدتهن ' أي : لوجه عدتهن ؛ فإن قيل : إن قبل الشيء وجهه ، والمراد في أول زمان الطهر ، فإن قيل : أول زمان الطهر وآخره واحد في الطلاق ؛ فليس المعنى إلا ما ذكرنا .
قلنا : ليس كذلك ، بل الأولى أن يطلق في أول زمان الطهر إذا أراد الطلاق ؛ لأنه إذا أخر لم يأمن أن يجامعها ثم يطلق ، فيكون قد طلق طلاق البدعة .
وقد روي عن عمر وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيره من التابعين معنى قوله : ( ^ لعدتهن ) أي : طاهرا من غير جماع . وقد ثبت هذا اللفظ عن النبي برواية نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته في حال الحيض ، فقال له النبي : ' راجعها ثم أمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شئت طلقها طاهرا من غير جماع ' . وتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء . وفي رواية : أنه قال لعمر : ' مره فليراجعها ' . وفي رواية ' ثم إذا طهرت إن شاء طلقها طاهرا من غير جماع ' ولم يذكر ثم تحيض ثم تطهر . وعن أنس [ و ] ابن سيرين أنه قال لابن عمر : ' احتسبت بتلك الطلقة ؟ قال : نعم .
( وفي رواية : خمسة ) . وفي رواية ثالثة : قال : نعم وإن عجزت واستحمقت .
وقوله : ( ^ وأحصوا العدة ) هذا خطاب للأزواج ، أمرهم أن يحصوا العدة ليعرفوا زمان الرجعة ومدة انقطاعها . ويقال : ليعرفوا مدة الإنفاق عليهن .
وقوله : ( ^ واتقوا الله ربكم ) يعني : طلقوا للسنة ، ولا تطلقوا للبدعة . ويقال : اتقوا ربكم في ترك إخراجهن من البيوت ، وأما صفة طلاق السنة فهو من حيث الوقت أن
____________________

( ^ لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) * * * * * * * * * * * * يطلقها طاهرا من غير جماع ، وأما من حيث العدة ، فمذهب مالك والثوري وأبي حنيفة وكثير من العلماء أنه يكره الطلاق ثلاثا جملة ، والسنة أن يطلقها واحدة ويتركها حتى تنقضي عدتها ، هذه هو الأولى ، قاله مالك . وإن أراد أن يطلق ثلاثا فرق على الأطهار ، فيطلق لكل طهر طلقة ، وأما مذهب الشافعي رحمه الله أنه ليس في الجمع والتفريق سنة ولا بدعة . وقد ذكر الأصحاب الأولى أن يطلق واحدة وإن لم يكره الجمع بين الثلاث ، قالوا : وهو المذهب . وفي الآية دليل ( الشافعي ) على قوله ؛ لأن الله تعالى أباح الطلاق بقوله : ( ^ فطلقوهن لعدتهن ) مطلقا ولم يفرق بين أن يطلق واحدة أو أكثر منها ، ولأن الله تعالى بين وقت الطلاق ولم يبين عدده ، والآية وردت لبيان المسنون من الطلاق ، فلو كان في عدد الطلاق سنة لم يؤخر بيانها .
وقوله : ( ^ لا تخرجوهن من بيوتهن ) أي : في زمان العدة ، ونسب البيوت إليهن لأجل السكنى .
وقوله : ( ^ ولا يخرجن ) أي : لا يخرجن بأنفسهن .
وقوله : ( ^ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) اختلف القول في معنى الفاحشة هاهنا ، فأظهر الأقاويل : أنها الزنا ، وهذا قول ابن مسعود وإحدى الروايتين عن ابن عباس وهو قول الحسن والشعبي وعكرمة و ( حماد بن أبي سلمة ) والليث وجماعة كثيرة ، والمراد من الآية على هذا إلا أن تزني فتخرج لإقامة الحد .
والقول الثاني : أن الفاحشة هي أن تبذو على أهلها ، قاله ابن عباس في إحدى الروايتين ، ويقال في قراءة أبي بن كعب : ' إلا أن يفحشن ' وهذه القراءة تقوي هذا القول . وروي عن عائشة أنها قالت لفاطمة بنت قيس : اتقي الله فإنك تعلمين أن
____________________

( ^ وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ( 1 ) فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن ) * * * * * * * * * * * * * الرسول أخرجك ، يعني : من بيت زوجها ، وكانت تبذو بلسانها .
والقول الثالث ما روي عن ابن عمر أنه قال : الفاحشة نفس الخروج . وهو محكي عن إبراهيم النخعي . فعلى هذا تقدير الآية إلا أن يأتين بفاحشة مبينة بخروجهن .
وقال بعضهم : الفاحشة هاهنا جميع المعاصي . وأولى الأقاويل هو الأول لكثرة من قال به ؛ ولأنه موافق لقوله : ( ^ واللاتي يأتين الفاحشة ) وأجمعوا على أن المراد به الزنا .
وقوله : ( ^ وتلك حدود الله ) قال السدى : هي شروط الله . ويقال : شرع الله ، وقيل : أمره ونهيه .
وقوله : ( ^ ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) أي : أهلك نفسه وأوبقها .
وقوله : ( ^ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) القول المعروف في هذا أنه الرغبة في المراجعة ، وفيه دليل على أن المراد بقوله : ( ^ فطلقوهن ) في ابتداء الآية هو الطلقة والطلقتان دون الثلاثة ، ويقال : إن المراد منه الواحدة والثلاث جميعا . قال في قوله تعالى : ( ^ لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) قال : هو النسخ ؛ ومعناه : لعل الله ينسخ هذا الحكم ويرفعه . وقيل : هو الرغبة في ابتداء النكاح بعد زوج آخر . < < الطلاق : ( 2 ) فإذا بلغن أجلهن . . . . . > >
وقوله : ( ^ فإذا بلغن أجلهن ) أي : قاربن بلوغ أجلهن ، وهو انقضاء العدة .
وقوله : ( ^ فأمسكوهن بمعروف ) أي : راجعوهن بمعروف ، ومعناه : على أمر الله تعالى . ويقال : المعروف هاهنا : هو أن يراجعها ليمسكها لا أن يراجعها فيطلقها ، فيطول العدة عليها على ما كان يفعله أهل الجاهلية .
وقوله : ( ^ أو فارقوهن بمعروف ) معناه : أن يتركها لتنقضي العدة فتقع الفرقة . والمعروف : هو ما أمر الله تعالى به من إيصال حقها إليها من السكنى والنفقة في
____________________

( ^ بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ( 2 ) ويرزقه من ) * * * * * * * * * * موضع الوجوب ، ويقال : بمعروف أي : من غير قصد مضارة .
قوله : ( ^ وأشهدوا ذوي عدل منكم ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن الإشهاد واجب في الطلاق والرجعة بظاهر الآية .
والقول الثاني : أن الإشهاد يجب في الرجعة ولا يجب في المفارقة وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنه وهو قول طاوس من التابعين .
والقول ( الثاني ) : أنه يندب إلى الإشهاد في الرجعة ، ولا يجب ، وعليه أكثر أهل العلم ، وهو قول آخر الشافعي رحمه الله عليه .
وأما العدل هو مستقيم الحال في معاملات الشرع وأوامره . وقال منصور : سألت إبراهيم عن العدل فقال : هو الذي لم يظهر فيه ريبة .
وقوله : ( ^ وأقيموا الشهادة لله ) هو خطاب للشهداء بأداء الشهادات على وجوهها .
وقوله : ( ^ ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر )
وقوله : ( ^ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) قال ابن عباس : من كل أمر ضاق على الناس . وعنه قال : إذا اتقى الله في الطلاق على وجه السنة بأن طلق واحدة ، جعل له مخرجا منه في جواز الرجعة وروي أن رجلا أتاه وقال : إن عمي طلق امرأته ثلاثا فهل له مخرج ؟ فقال : إن عمك عصى الله فأثم ، وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا . وفي بعض الأخبار برواية ابن عباس أن النبي قال في قوله : ' ( ^ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) قال : ' من غموم الدنيا وغمرات الموت وشدائد الآخرة ' . < < الطلاق : ( 3 ) ويرزقه من حيث . . . . . > >
وقوله : ( ^ ويرزقه من حيث لا يحتسب ) أي : من حيث لا يرجو ولا يأمل ، وقيل :
____________________

( ^ حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ( 3 ) واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ) * * * * * * * * * * * * * * يقنعه بما رزقه . وفي التفسير : ' أن هذه الآية نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أسر ابنه ، فجاء إلى النبي يشكو إليه فقال : ' اصبر واتق الله ' فرجع ، ثم إن العدو غفلوا عن ابنه ، مرة ، فهرب منهم وساق مع نفسه إبلا ورجع إلى أبيه وجاء بالإبل ، فأتى النبي وأخبره بذلك ، وسأله عما ساقه إليه ابنه هل يحل له ذلك ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ' فالمعنى بقوله : ( ^ ويرزقه من حيث لا يحتسب ) هو ما جاء به ابن عوف ابن مالك إلى أبيه من الإبل .
وقوله تعالى : ( ^ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) أي : يثق بالله ويفوض أمره إليه : ويقال : التوكل على الله هو الرضا بقضائه . وفي بعض الأخبار عن النبي أنه قال : ' من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة ، ومن انقطع إلى الخلق وكله إليهم ' .
وقوله : ( ^ إن الله بالغ أمره ) أي : كل ما يريده في خلقه .
وقوله : ( ^ قد جعل الله لكل شيء قدرا ) أي : مقدارا وأجلا ينتهي إليه . < < الطلاق : ( 4 ) واللائي يئسن من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ) الآية مشكلة لقوله : ( ^ إن ارتبتم ) واختلفت الأقوال في قوله : ( ^ إن ارتبتم ) أظهر الأقاويل : أن الله تعالى لما بين عدة ذوات الأقراء قال جماعة من أصحاب رسول الله قد عرفنا عدة ذوات
____________________

( ^ إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) * * * * * * * * * * الأقراء ، فكيف عدة الآيسات والصغائر وذوات الأحمال ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وقوله : ( ^ إن ارتبتم ) خطاب لأولئك الجماعة أي : شككتم في عدتهن فلم تعرفوها . وفي بعض التفاسير : أم معاذ بن جبل سأل رسول الله عن ذلك . وعن بعضهم : أن أبي بن كعب سأل رسول الله عن ذلك .
والقول الثاني : أن قوله تعالى : ( ^ إن ارتبتم ) أي : لم تعرفوا أنها تحيض ، أو لا تحيض وذلك في المرأة الشابة إذا ارتفع حيضها لعلة . قال عمر رضي الله عنه : تنتظر سبعة أشهر ، فإن لم تر الحيض اعتدت بثلاثة أشهر ، وهذا قول مالك ، وحكي عن مجاهد نحو ما ذكرنا .
والقول الثالث أن قوله : ( ^ إن ارتبتم ) راجع إلى قوله تعالى : ( ^ لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ) والمعنى إن ارتبتم في انقضاء عدتها فلا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ، ذكره النحاس . وأما الآيسة فهي التي لا ترى أمثالها الحيض فعدتها ثلاثة أشهر . وعلى مذهب أكثر العلماء أن الشابة وإن ارتفع حيضها لعلة لا تنقضي عدتها بالشهور ما لم تيئس ، قالوا : ولو شاء الله لابتلاها بأكثر من ذلك .
وقوله : ( ^ واللائي لم يحضن ) هن الصغائر .
وقوله : ( ^ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) هذا الحكم متفق عليه في المطلقات الحوامل ، فأما المتوفى عنها زوجها اختلف الصحابة في ذلك ، فقال علي وابن عباس : إن عدتها أبعد الأجلين . وقال عمر وابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة : إن عدتها بوضع الحمل ، وهذا هو القول المختار . وعن ابن مسعود أنه قال : نزلت سورة
____________________

( ^ ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ( 4 ) ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ( 5 ) أسكنوهن من حيث سكنتم من ) * * * * * * * * النساء القصوى بعد قوله تعالى : ( ^ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ) فقد نقل ابن مسعود نسخ تلك الآية بهذه الآية . وفي رواية عنه أنه قال : هذه الآية ناسخة لتلك الآية . وروي أن أبا هريرة وابن عباس اختلفا في هذه ( المسألة ) ، فقال ابن عباس : تعتد بأبعد الأجلين ، وقال أبو هريرة : تعتد بوضع الحمل ؛ فبعث ابن عباس كريبا مولاه إلى أم سلمة يسألها عن ذلك ، فروت أن سبيعة الأسلمية توفي عنها زوجها وهي حامل فوضعت لنصف شهر ؛ فسألت رسول الله عن ذلك فقال : ' حللت للأزواج ' . وهذا خبر صحيح .
وقوله : ( ^ ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ) أي : يتق الله في أمر الطلاق فيطلب للسنة .
وقوله : ( ^ يجعل له من أمره يسرا ) أي : الرجعة ( وقال بعضهم ) : ' ومن يتق الله ' أي : يحذر من المعاصي ويعمل بالطاعات ' يجعل له من أمره يسرا ' أي : يوفقه ويسدده وييسر عليه الأمور . < < الطلاق : ( 5 ) ذلك أمر الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ذلك أمر الله أنزله إليكم ) أي : ما تقدم من الأمر والنهي في الطلاق وأحكامه .
وقوله : ( ^ ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ) أي : في القيامة . < < الطلاق : ( 6 ) أسكنوهن من حيث . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ) اختلف العلماء في وجوب السكنى للمبتوتة مع اتفاقهم أنها واجبة للرجعية ؛ فمذهب الشافعي : أن السكنى واجبة لها دون النفقة إلا الحامل تجب لها النفقة والسكنى ، وهو قول مالك .
____________________

( ^ وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) * * * * * * * ومذهب أحمد وجماعة : أن السكنى والنفقة غير واجبين للمبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس .
ومذهب أبي حنيفة رحمه الله : أنهما واجبتان .
وقوله : ( ^ من وجدكم ) أي : من سعتكم . وقال الفراء : مما تجدون . وقرأ الأعرج : ' من وجدكم ' وهو لحن لأن الوجد من الوجد من الجدة ، والجد من الحزن والحث والعطف ، وليس هذا موضعه .
وقال : ( ^ ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ) قال منصور عن [ أبي ] الضحى : المضارة هو أن يرجعها حين تشرف على انقضاء العدة من غير رغبة لطول عليها العدة . ويقال : [ إن ] المراد من المضارة هاهنا هو المضارة في المنزل والسكنى ، قاله مجاهد .
وقوله : ( ^ وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن )
من لم يوجب النفقة للمبتوتة الحامل استدل بهذه الآية وقال : إن الله تعالى : شرط في وجوب النفقة للمبتوتات أن يكن حوامل . ومن أوجب النفقة لهن قال : قوله : ( ^ ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ) أي : في ترك الإنفاق على العموم في المبتوتات .
وقوله : ( ^ وإن كن أولات حمل ) تخصيص بعض ما تناوله اللفظ الأول بالذكر مثل قوله تعالى : ( ^ وجبريل وميكال ) بعد ذكر الملائكة . قال بعضهم : الآية لبيان مدة النفقة يعني : أن النفقة تجب للحامل وإن طالت مدة حملها إلى أن تضع الحمل .
وقوله : ( ^ فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) أي : الأم إذا أرضعت بعد الطلاق
____________________

( ^ وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ( 6 ) لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما ) * * * * * * * * * * * يؤتيها الأب أجرها .
وقوله : ( ^ وأتمروا بينكم بمعروف ) أي : لينفق الوالد والوالدة على ما هو الأنفع للصبي ، فلا تمتنع الوالدة من الإرضاع ، ولا يمتنع الأب من إعطاء الأجر . قال السدى : ' وأنتمروا بينكم بمعروف ' أي : تشاوروا بينكم بالمعروف . وهو قول ضعيف . وقال المبرد : ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف .
وقوله : ( ^ وإن تعاسرتم ) أي : تضايقتم وتنازعتم في الأجر .
وقوله : ( ^ فسترضع له أخرى ) أي : إذا لم ترض الأم بأجر المثل وطلبت أكثر منه يسلم الولد إلى غيرها لترضع بأجر المثل .
وقوله : ( ^ فسترضع له أخرى ) خبر بمعنى الأمر أي : لترضع ، مثل قوله تعالى : ( ^ والوالدات يرضعن أولادهن ) . < < الطلاق : ( 7 ) لينفق ذو سعة . . . . . > >
وقوله : ( ^ لينفق ذو سعة من سعته ) أي : بمقدار سعته ، وهو حث على التوسع في النفقة لمن وسع الله عليه .
وقوله : ( ^ ومن قدر عليه رزقه ) أي : ضيق عليه رزقه ، ولم يكن له إلا القوت وما يشبهه وهو قوله : ( ^ فلينفق مما آتاه الله ) أي : على قدر ذلك . وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع أن أبا عبيدة بن الجراح يلبس الثوب الخشن ، ويأكل الطعام ( الجشب ) ، فبعث إليه بألف دينار من بيت المال ، وأمر الرسول أن يتعرف حاله بعد ذلك ، فتوسع وأكل الطيب من الطعام ، ولبس اللين من الثياب ، فرجع الرسول فأخبر عمر بذلك فقال : إنه تأول قوله تعالى : ( ^ لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ) ذكره القفال في تفسيره .
وقوله : ( ^ لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها )
____________________

( ^ آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا ( 7 ) وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا ( 8 ) فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا ( 9 ) أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا ( 10 ) رسولا يتلوا عليكم ) * * * * * * *
وقوله : ( ^ سيجعل الله بعد عسر يسرا ) أي : بعد ضيق سعة ، وبعد فقر غنى . قال أهل التفسير : أراد به أصحاب رسول الله كانوا في ضيق ، ثم وسع الله عليهم . < < الطلاق : ( 8 ) وكأين من قرية . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله ) أي : عتى أهلها عن أمر ربها ، والعتو هو المبالغة في العصيان . وعن ابن عباس : أن الله تعالى لم ينزل قطرة من السماء إلا بوزن معلوم إلا في زمان نوح ، ولا يرسل ريحا إلا بكيل معلوم إلا في زمان عاد ، فإنها عتت على خزانها .
وقوله : ( ^ فحاسبناها حسابا شديدا ) الحساب الشديد هو الذي ليس فيه عفو ولا تجاوز .
وقوله : ( ^ وعذبناها عذابا نكرا ) أي : ينكر ، والمنكر : الفظيع . < < الطلاق : ( 9 ) فذاقت وبال أمرها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فذاقت وبال أمرها ) أي : عاقبة أمرها من المكروه ، ويقال : طعام وبيل أي : مكروه ، وهو ضد الهنيء من الطعام . ويقول : الوبيل من الطعام : هو الذي تؤدي عاقبته إلى الهلاك .
وقوله : ( ^ وكان عاقبة أمرها خسرا ) أي : هلاكا ، وقيل : نقصانا . < < الطلاق : ( 10 ) أعد الله لهم . . . . . > >
وقوله تعالى ( ^ أعد الله لهم عذابا شديداً ) وهو النار .
وقوله تعالى : ( ^ فاتقوا الله يا أولي الألباب ) أي : أولي العقول الذين آمنوا ، وهذا يدل على أن العقل إنما ينفع مع الإيمان ، وأما بدون الإيمان لا ينفع .
____________________

( ^ آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا ( 11 ) الله الذي خلق سبع سموات ومن ) * * * * * * * *
وقوله : ( ^ قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا ) فيه وجوه : أحدها : أنزل إليكم ذكرا أي : دليلا ، وأنزل رسولا . ويقال : الذكر : القرآن ، < < الطلاق : ( 11 ) رسولا يتلو عليكم . . . . . > > وقوله : ( ^ رسولا ) منصوب على البدل . وقيل : ' رسولا ' أي : رسالة . فمعناه : أنزل قرآنا رسالة .
وقوله : ( ^ يتلو ) يقال : هو محمد ، ( ويقال ) : هو جبريل عليه السلام .
وقوله : ( ^ عليكم آيات مبينات ) أي : واضحات .
وقوله : ( ^ ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ) أي : من الكفر إلى الإيمان ، ومن الباطل إلى الحق ، وما أشبه ذلك .
وقوله : ( ^ ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا ) أي : الجنة . < < الطلاق : ( 12 ) الله الذي خلق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ) ليس في القرآن آية تدل على عدد الأرضين بسبع مثل عدد السموات سوى هذه الآية ، وقد ثبت أيضا عن النبي أنه قال : ' من غصب شبرا من أرض طوقه الله من سبعين أرضين ' .
وعن ابن عباس أنه قال : سبع سموات بعضها فوق بعض ، وسبع أرضين بعضها تحت بعض ، وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة سنة ، وكذلك بين كل أرض وأرض . وعنه أنه قال : خلق السماء الدنيا من موج مكفوف ، والسماء الثانية من صخرة ، والسماء الثالثة من حديد ، والرابعة من نحاس ، والخامسة من فضة ، والسادسة
____________________

( ^ الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ( 12 ) ) * * * * * * * * * * * * من ذهب ، والسابعة من درة ، وخلق الكرسي فوق السموات والأرض في جنب الكرسي كحلقة في فلاة ويحمل الكرسي أربعة أملاك لكل ملك أربعة أوجه ، وجه على صورة الآدميين يسأل الرزق للبشر ، ووجه على صورة سيد السباع وهو الأسد يسأل الرزق للسباع ، ووجه على صورة سيد الطير وهو النسر يسأل الرزق للطيور . ووجه على صورة سيد الأنعام وهو الثور يسأل الرزق للأنعام .
قال ابن عباس : ما زالت على وجهه الذي هو على صورة الثور عمامة منذ عبد العجل من دون الله ، فملكان يقولان : اللهم لك الحمد على حملك بعد علمك ، وملكان يقولان : اللهم لك الحمد على عفوك بعد قدرتك .
وعنه رضي الله عنه أنه قال : في كل ارض آدم كآدم أبي البشر ، ونوح مثل نوح ، وإبراهيم كإبراهيم ، وموسى كموسى ، وعيسى كعيسى ، ومحمد كمحمد . ذكر هذه الآثار عن ابن عباس أبو بكر محمد بن الحسن النقاش في تفسيره . وعن قتادة قال : في كل سماء وفي كل أرض خلق من خلقه ، وأمر من أمره ، وقضاء من قضائه .
وقوله تعالى : ( ^ يتنزل الأمر بينهن ) أي : بين السموات والأرضين ، وهو معنى ما بينا .
وقوله : ( ^ لتعلموا أن الله على كل شيء قدير ) أي : قادر .
وقوله : ( ^ وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) ظاهر المعنى ، وهو منصوب على ( التفسير ) ، والله أعلم .
____________________

<
> بسم الله الرحمن الرحيم <
> ( ^ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم ( 1 ) ) * * * * * * <
> تفسير سورة التحريم <
>
وهي مدنية < < التحريم : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم ) في الآية قولان معروفان : أظهر القولين : أنها نزلت في تحريم رسول الله على نفسه مارية القبطية ، وسبب ذلك : أن النبي خلا بها في بيت حفصة ، وكانت حفصة قد خرجت لزيارة أبيها ، فلما رجعت وعرفت ذلك فوقفت على الباب ، وخرج النبي ورأى الكآبة في وجهها . وفي رواية : أنها راجعته في ذلك بعض المراجعة وقالت هذا من حقارتي عندك وصغر شأني ولو كانت في بيت غيري لم تفعل ذلك ، فحرم مارية على نفسه لطلب رضاها وقال لها : ' لا تخبري بذلك عائشة ' .
والقول الثاني : ' أن النبي كان يشرب عسلا في بيت زينب بنت جحش وفي رواية : في بيت سودة ، وفي رواية : في بيت أم سلمة فتواطأت عائشة وحفصة على أن النبي إذا دخل على واحدة منهما أيتهما كانت قالت : إني أجد منك ريح مغافير ' وقد روى أن صفية كانت معهما في هذه المواطأة ، فدخل النبي على عائشة فقالت له ذلك ، ودخل على حفصة فقالت له ذلك ، ودخل على صفية فقالت له ذلك ، فكان النبي يكره أن يوجد منه ريح لأجل الملائكة فقال : شربت عسلا عند زينب . فقلن له : جرست نخلة العرقط والعرقط شجرة يوجد منها ريح
____________________

( ^ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) * * * * * * مكروه فحرم العسل على نفسه ، وقال : لا أعود إلى شربه أبدا ' . حكى هذا القول عبيد بن عمير عن عائشة . والأول قول عمر وابن مسعود وابن عباس وعامة المفسرين .
وعن ابن عباس في رواية : أن الآية وردت في الواهبة نفسها للنبي ، وهو قول شاذ ، ومعنى الآية : هو المعاتبة مع النبي في تحريم ما أحل الله له لطلب رضا أزواجه .
وقوله : ( ^ والله غفور رحيم ) قد بينا . < < التحريم : ( 2 ) قد فرض الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) أي : كفارة أيمانكم ، والفرض ها هنا بمعنى البيان والتسمية ويقال : بمعنى التقدير ؛ لأن الكفارات مقدرة معدودة ، فإن قيل : أين اليمين في الآية ، والله تعالى قال : ( ^ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) ؟ والجواب من وجهين : أحدهما : أن النبي كان حرم وحلف فعاتبه على التحريم ، وأمره بالتفكير في اليمين ، وهذا قول منقول عن جماعة من التابعين منهم مسروق والشعبي وغيرهما .
والوجه الثاني : أنه كان حرم ولم يحلف إلا أن تحريم الحلال يوجب الكفارة ، وهذا قول ابن عباس وغيره .
واختلف العلماء في تحريم الحلال ، فذهب ابن مسعود أنه إذا حرم حلالا أي حلال كان ، فعليه الكفارة ، وهذا قول جماعة من التابعين ، وهو قول سفيان الثوري والكوفيين . وأما مذهب مالك والشافعي أن تحريم الحلال في النساء يوجب الكفارة ، وفي غير النساء لا يوجب شيئا . وذهب جماعة إلى أن تحريم الحلال ليس بشيء ، قال مسروق : لا أبالي أحرمت امرأتي أو قصعة من ثريد يعني : أنه ليس بشيء . وعن بعضهم : أنه إيلاء . وعن بعضهم : أنه ظهار . وعن بعضهم : أنه يلزمه الطلاق الثلاث بتحريم الحلال في النساء . وعن بعضهم : أنه على نيته . وتحلة اليمين كفارة اليمين ، وسماها تحلة ؛ لأنه يتحلل بها عن اليمين أي : يخرج . وعن بعضهم : أن تحلة اليمين
____________________

( ^ والله مولاكم وهو العليم الحكيم ( 2 ) وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه ) * * * * * * * * * * * * هو الاستثناء ؛ لأنه يخرج به عن اليمين . والأول هو المعروف . وبيان الكفارة في سورة المائدة في قوله تعالى : ( ^ ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) الآية ، فروى ' أن النبي أعتق رقبة ' .
وقوله : ( ^ والله مولاكم ) أي : ولي أموركم ، يهديكم إلى الأرشد والأقوم والأولى .
وقوله : ( ^ وهو العليم الحكيم ) أي : العالم بأمر خلقه ، الحكيم بما يدبره لهم . < < التحريم : ( 3 ) وإذ أسر النبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) هي حفصة رضي الله عنها والذي أسره إليها هو تحريمه مارية . وقال ميمون بن مهران : أسر إليها هذا ، وأسر إليها أن الخلافة بعده لأبي بكر ، ثم لأبيها بعده ، وهذا مذكور في كثير من التفاسير عن ميمون بن مهران وغيره .
وقوله : ( ^ فلما نبأت به ) روى أن النبي قال لحفصة : ' لا تخبري بذلك أحدا ' وكانت لا تكتم شيئا عن عائشة رضي الله عنها فذهبت وأخبرت عائشة بذلك ؛ فنزل جبريل وأخبره بما كان بينهما ، وذلك قوله : ( ^ وأظهره الله عليه ) .
وقوله : ( ^ عرف بعضه ) أي : عرفها بعض ما كان بينهما ، وأعرض عن البعض تكرما وصفحا ، والتغافل عن كثير من الأمور من شيمة العقلاء وأهل الكرم . ويقال : العاقل هم المتغافل . والذي أظهره لها هو إخبارها بتحريم مارية ، والذي أعرض عنه هو حديث أبي بكر وعمر كرامة أن يفشو ذلك بين الناس . وقرأ الكسائي : ' عرف بعضه ' بالتخفيف . قال الفراء : أي : جازى عليه ، ومجازاته إياها أنه طلقها ، ثم إنه نزل جبريل وأمره بمراجعتها ، وقال : إنها صوامة قوامة . وقال الفراء : وهو مثل قول القائل لغيره : لأعرفن ما عملت أي : لأجازينك عليه . وهو أيضا مثل قوله تعالى : ( ^ وأوحينا إليه
____________________

( ^ وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير ( 3 ) إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) * * * * * * * * * * * * لتنبئنهم بأمرهم ) أي : لتجازينهم .
وقوله : ( ^ وأعرض عن بعض ) أي : لم يجاز عليه .
وقوله : ( ^ فلما نبأها به ) أي : أخبرها .
وقوله : ( ^ قالت من أنبأك هذا ) أي : من أخبرك بهذا .
وقوله : ( ^ قال نبأني العليم الخبير ) أي : الله ، فإنه العليم بالأمور ، الخبير بما في الصدور . < < التحريم : ( 4 ) إن تتوبا إلى . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ إن تتوبا إلى الله ) هذا خطاب لعائشة وحفصة ، ومعناه : إن تتوبا فقد فعلتما ما عليكما ، التوبة في ذلك ، والذي فعلنا : المظاهرة على النبي بالمواطأة على ما بينا ، وبالسرور بما يكرهه من تحريم ما أحل الله له ، وبشدة الغيرة عليه وأذاه بذلك .
وقوله : ( ^ فقد صغت قلوبكما ) أي : مالت قلوبكما عن الصواب . وقد روى ' أنه كان يصغي الإناء للهرة ' أي : يميل .
وقوله : ( ^ قلوبكما ) أي : قلباكما . قال الفراء : هو مثل قول العرب : ضربت ظهوركما ، وهشمت رءوسكما أي : رأسيكما وظهريكما . ويقال : إن أكثر ما في الإنسان من الجوارح اثنان اثنان ، وإذا هي تذكر باسم الجمع ، فما كان واحدا جرى ذلك المجرى ، مثل : الرأس والقلب وغير ذلك ، ذكره النقاش .
____________________

( ^ وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ( 4 ) عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ وإن تظاهرا عليه ) ثبت أن ابن عباس سأل عمر رضي الله عنهما عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي أي : توافقتا على فعل ما يشتد عليه ويؤذيه غيره عليه ، فقال : هما حفصة وعائشة .
وقوله : ( ^ فإن الله هو مولاه ) أي : ناصره وحافظه ( ^ وجبريل ) أي : ينصره أيضا ويحفظه .
وقوله : ( ^ وصالح المؤمنين ) فيه أقوال : أحدها : قال العلاء بن زياد : هم الأنبياء ، وهو قول قتادة في إحدى الروايتين ، وهو قول سفيان الثوري .
وعن قتادة في رواية أخرى قال : هو أبو بكر وعمر ، وهما أبوا المرأتين . قال سعيد بن أبي عروبة وهو الحاكي ذلك عن قتادة : ذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال : صدق قتادة . وروى الليث عن مجاهد أنه قال : هو علي رضي الله عنه . وعن بعضهم : هو خيار المؤمنين .
وقوله : ( ^ والملائكة بعد ذلك ظهير ) أي : ظهراء وأعوان ، واحد بمعنى الجمع ، مثل قوله تعالى : ( ^ وحسن أولئك رفيقا ) أي : رفقاء . قال الشاعر
( إن العواذل ليس لي بأمير ** )
أي : بأمراء . وروي أن عمر عاتب حفصة وقال : لو أمرني رسول الله أن أضرب رقبتك لضربت . < < التحريم : ( 5 ) عسى ربه إن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) فإن قيل : كيف خيرا منكن ولم يكن في ذلك الوقت أحد من النساء خيرا منهن ؟ والجواب : أن معناه : إن طلقكن بإلجائكن إياه إلى الطلاق ، وشدة آذاكن له ، وترك التوبة فيبدله خير منكن أي : أطوع له منكن ، ويقال : أحب له منكن .
____________________

( ^ مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ( 5 ) يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ مسلمات ) أي : خاضعات منقادات .
وقوله : ( ^ مؤمنات ) أي : مصدقات .
وقوله : ( ^ قانتات ) أي : مطيعات .
وقوله : ( ^ تائبات ) أي : تائبات من كل الذنوب ، ومن كل ما يؤذي النبي .
وقوله : ( ^ عابدات ) أي : متذللات أو فاعلات للطاعة كما أمرهن الله تعالى .
وقوله : ( ^ سائحات ) أي : صائمات ، قال ابن قتيبة : سمي الصائم سائحا ؛ لأن السائح يسيح بغير زاد ، فإن وجد شيئا أكل على جوع شديد . ويقال : سائحات أي : مهاجرات .
وقوله : ( ^ ثيبات وأبكارا ) ظاهر المعنى . ويقال : الثيب مثل آسية ، والأبكار مثل : مريم عليهما السلام . < < التحريم : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) أي : بفعلكم طاعة الله ، وأمركم إياهن بطاعة الله . ويقال : أدبوهن وعلموهن ودلوهن على الخير . وفي بعض الغرائب من الأخبار : ' علق السوط حيث يراه أهلك ' يعني : بالتأديب . وعن عمرو بن قيس الملائي قال : ' إن المرأة لتخاصم زوجها يوم القيامة عند الله فتقول : إنه كان لا يؤدبني ، ولا يعلمني شيئا ، كان يأتيني بخبز السوق . وقيل : قوا أنفسكم وأهليكم ناراً أى : قوا أنفسكم نارا وقوا أهليكم نارا بما ذكرنا ، وهو تقدير الآية .
____________________

( ^ وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ( 6 ) يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون ( 7 ) ) * * * * * * * *
وقوله : ( ^ وقودها الناس والحجارة ) قد بينا في سورة البقرة ، وهو حجارة الكبريت .
وقوله : ( ^ عليها ملائكة غلاظ شداد ) أي : غلاظ القلوب ، شداد الأيدي . وفي التفسير : أن واحدا منهم يلقي سبعين ألفا بدفعة واحدة في النار . وفي بعض الآثار : ' أن الله تعالى لم يخلق في قلوب الزبانية شيئا من الرحمة ' . وعن بعضهم : أنه يأخذ العبد الكافر بعنف شديد ، فيقول ذلك العبد : أما ترحمني ؟ ! فيقول : كيف أرحمك ، ولم يرحمك أرحم الراحمين .
وفي بعض الآثار أيضا : أن الله تعالى يغضب على الواحد من عبيده ، فيقول للملائكة : خذوه فيبتدره مائة ألف ملك ، كلهم يغضبون بغضب الله تعالى ، فيجرونه إلى النار ، والنار أشد غضبا عليه منهم بسبعين ضعفا .
وقوله : ( ^ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) ظاهر المعنى . < < التحريم : ( 7 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم ) يعني : يقال لهم يوم القيامة : لا تعتذروا ، أي : لا عذر لكم فتعتذروا .
وقوله : ( ^ إنما تجزون ما كنتم تعملون ) أي : بعملكم في الدنيا . < < التحريم : ( 8 ) يا أيها الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا ) قال ( الزهري ) : كل موضع في القرآن ( ^ يا أيها الذين آمنوا ) افعلوا كذا فالنبي عليه السلام فيهم . وعن خيثمة قال : كل ما في القرآن ( ^ يا أيها الذين آمنوا ) فهو في التوراة يا أيها المساكين . وقد ذكرنا عن ابن مسعود أنه قال : إذا سمعت الله يقول : ( ^ يا أيها الذين آمنوا ) فارعها سمعك ، فإنه شيء تؤمر به ، أو شيء تنهى عنه .
____________________

( ^ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل ) * * * * * * * * * * * *
وقوله : ( ^ توبوا إلى الله توبة نصوحا ) قال عمر وابن مسعود : هو أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه أبدا ، ويقال : نصوحا أي : صادقة ، ويقال : خالصة ، وقيل : محكمة وثيقة . وهو مأخوذ من النصح وهو الخياطة ، كأن التوبة ترقع خرق الذنب فيلتئم ، كالخياط يخيط بالشيء فيلتئم . وقرئ : ' نصوحا ' بضم النون أي : ذات نصح .
وقوله : ( ^ عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ) قد بينا أن عسى من الله واجبة .
وقوله : ( ^ ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي : بساتين .
وقوله : ( ^ يوم لا يخزي الله النبي ) أي : لا يهينه ولا يفضحه ، وهو إشارة إلى كرامة في الآخرة ؛ يعني : يكرمه ويشرفه في ذلك اليوم ، ولا يهينه ، ولا يذله .
وقوله : ( ^ والذين آمنوا معه ) أي : كذلك يفعله بالذين آمنوا معه .
وقوله : ( ^ نورهم يسعى بين أيديهم ) هو نور الإيمان يكون قدامهم على الصراط يمشون في ضوئه . وفي التفسير : أن لأحدهم مثل الجبل ، ولآخر على قدر ظفره ينطفئ مرة ويتقد أخرى .
وقوله : ( ^ وبأيمانهم ) فيه قولان : أحدهما : وبأيمانهم كتبهم ، والآخر : وبأيمانهم نورهم كالمصابيح .
وقوله : ( ^ يقولون ربنا أتمم لنا نورنا ) وفي [ التفسير ] : أنهم يقولون ذلك حين يخمد وينطفئ نور المنافقين ، فيقولون ذلك إشفاقا على نورهم .
وقوله : ( ^ واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ) أي : قادر .
____________________

( ^ شيء قدير ( 8 ) يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ( 9 ) ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ) * * * * * * * * < < التحريم : ( 9 ) يا أيها النبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها النبي جاهد الكفار ) أي : بالسيف .
وقوله : ( ^ والمنافقين ) أي : باللسان ، ويقال : بالغلظة عليهم . قال ابن مسعود : أن يلقاهم بوجه مكفهر . ويقال : بإقامة الحدود عليهم ، ذكره قوم من التابعين .
وقوله : ( ^ واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ) أي : المنقلب . < < التحريم : ( 10 ) ضرب الله مثلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ) في بعض التفاسير : أن اسم ( إحديهما ) كانت والهة ، والأخرى كانت والغة .
وقوله : ( ^ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ) أي : نوح ولوط عليهما السلام .
وقوله تعالى : ( ^ فخانتاهما ) اختلف القول في هذا ؛ فأحد الأقوال : أنه الخيانة بالكفر .
والقول الثاني : أنه الخيانة بالنفاق ، كانتا تظهران الإيمان وتسران الكفر .
والقول الثالث : بالنميمة .
والقول الرابع : بالنسبة إلى الجنون لنوح ، والدلالة على الأضياف للوط ، فكانت امرأة نوح تقول لمن يقصد نوحا عليه السلام ، ليسمع كلامه : إنه مجنون ، وامرأة لوط كانت تدل قومها على أضياف لوط لقصد الفاحشة . وفي القصة : أنها كانت بالنهار ترسل ، وبالليل تدخن وتوقد نارا ليعلموا . قال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط أي : ما زنت .
وقوله : ( ^ فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ) أي : لم ( يدفعا ) نوح ولوط عنهما
____________________

( ^ وقيل ادخلا النار مع الداخلين ( 10 ) وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ( 11 ) ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ) * * * * * * * * * * أي : عن امرأتيهما . والمراد تحذير عائشة وحفصة ، يعني : أنكما إن عصيتما ربكما لم يدفع رسول الله عنكما شيئا ، كما لم يدفع نوح ولوط عن امرأتيهما .
وقوله : ( ^ وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) أي : قيل للمرأتين . < < التحريم : ( 11 ) وضرب الله مثلا . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون ) وهي آسية بنت مزاحم ، وكانت آمنت بالله وبموسى عليه السلام سرا ثم أظهرت ، فعذبها فرعون وعاقبها ، وفي القصة : أنه وتدها بأربعة أوتاد من حديد ، وفي القصة : أن أول من آمنت امرأة خازن فرعون ، ويقال : ماشطة بنت فرعون ، فعذبها فرعون فصبرت على ذلك ، فأظهرت حينئذ آسية إيمانها .
وقوله : ( ^ إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ) أي : دارا .
وقوله : ( ^ ونجني من فرعون وعمله ) فيه قولان : أحدهما : من شركه ، والآخر : من المضاجعة معه . ويقال : من الجماع .
وقوله : ( ^ ونجني من القوم الظالمين ) أي : من قوم فرعون . < < التحريم : ( 12 ) ومريم ابنة عمران . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها ) أشهر القولين أنه الفرج بعينه . والعرب تقول : أحصنت فلانة فرجها إذا عفت عن الزنا .
والقول الثاني : أن الفرج هاهنا هو الجيب . قال الفراء : كل خرق في درع أو غيره فهو فرج ، ويقال : في قراءة أبي بن كعب : ' فنفخنا في جيبها من روحنا '
وقوله : ( ^ فنفخنا فيه من روحنا ) في القصة : أن جبريل عليه السلام نفخ في جيب درعها فحملت بعيسى ، وروي أنه دخل عليها في صورة شاب أمرد جعد قطط ، وهي في مدرعة صوف . قال أبو معاذ النحوي : في مدرعتها . وعلى القول الأول إذا
____________________

( ^ وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ( 12 ) ) * * * * * * * * * * قلنا إنه الفرج بعينه يصير النفخ في جيب درعها كالنفخ في فرجها بعينه .
وقوله : ( ^ وصدقت بكلمات ربها ) وقرئ : ' بكلمة ربها ' فمعنى الكلمات ما أخبر الله تعالى من البشارة بعيسى وصفته وكرامته على الله وغير ذلك . ويقال : بكلمات ربها أي : بآيات ربها . وأما قوله : ( ^ بكلمة ربها ) هو عيسى عليه السلام .
وقوله : ( ^ وكتابه ) أي : الإنجيل ، وقرئ : ' وكتبه ' أي : التوراة والزبور والإنجيل .
وقوله : ( ^ وكانت من القانتين ) فإن قيل : كيف قال ( ^ من القانتين ) ولم يقل : ' من القانتات ' ؟ قلنا : قال أبو العباس ثعلب معناه : كانت من قوم قانتين . والقنوت هو الطاعة على ما بينا . ويقال : قنوتها هاهنا هو صلاتها بين المغرب والعشاء ، وهو أيضا فعل القانتين على هذا القول ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ تبارك الذي بيده الملك ) <
> تفسير سورة الملك <
>
وهي مكية
روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي عليه الصلاة والسلام - قال : ' إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له ، وهي ( ^ تبارك الذي بيده الملك ) ' .
وروى أبو الزبير عن جابر أن النبي كان لا ينام حتى يقرأ : ( ^ الم تنزيل الكتاب ) ، و ( ^ تبارك الذي بيده الملك ) قال طاوس : يفضلان سائر السور بسبعين حسنة .
وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس أن رجلا ضرب خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر ، فسمع قارئا : ( ^ تبارك الذي بيده الملك ) حتى ختم السورة ، فأتى النبي فذكر له ذلك ، فقال : ' هي المنجية ، هي المانعة ، تنجيه من عذاب القبر ' ذكر هذه الأخبار أبو عيسى الترمذي في جامعه بإسناده .
وفي غيره أن الزهري روى عن حميد ابن عبد الرحمن أن النبي قال : ' سورة الملك تجادل عن صاحبها يوم القيامة ' .
____________________

( ^ وهو على كل شيء قدير ( 1 ) الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا )
وروى مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود : أن رجلا أتى في قبره من جوانبه ، فجلت سورة من القرآن تجادل عن صاحبها حتى الجنة .
قال مرة : فنظرت أنا وخيثمة فإذا هي سورة الملك ، والله أعلم . < < الملك : ( 1 ) تبارك الذي بيده . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ تبارك الذي بيده ) قد بينا أن تبارك تفاعل من البركة ، والمعنى : أن جميع البركات منه تعالى .
ويقال : تبارك أي : تعظم وتقدس وتعالى ، ومنه البرك في الصدر .
وقوله ( ^ الذي بيده الملك ) أي : ملك السموات والأرض .
ويقال : ملك النبوة ، يعز به من اتبعه ، ويذل به من خالفه ، حكى ذلك عن محمد بن إسحاق .
وقوله ( ^ وهو على كل شيء قدير ) أي : قادر . < < الملك : ( 2 ) الذي خلق الموت . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ الذي خلق الموت والحياة ) أي : الموت في الدنيا ، والحياة في الآخرة .
ويقال : خلق الموت أي : النطفة في الرحم لأنها ميتة ، والحياة هو أنه نفخ فيها الروح من بعد .
ويقال : خلق الموت والحياة ، أي : الدنيا والآخرة .
وحكى أبو صالح عن ابن عباس : ' أن الله تعالى خلق الموت على صورة كبش أغبر ، لا يمر بشيء ، ولا يطأ على شيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء لا تمر على شيء ، ولا تطأ على شيء ولا تجد [ ريحها ] شيء إلا حيى .
قال : وهي دون البغلة وفوق الحمار ، خطوها مد البصر ، وكان جبريل راكبا [ عليها ] يوم غرق فرعون ، ومن تحت حافرها أخذ السامري القبضة .
وقال بعضهم : خلق الدنيا للحياة ثم للموت ، وخلق الآخرة للجزاء ثم للبقاء .
وقوله ( ^ ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) أي : ليختبركم فيظهر منكم أعمالكم الحسنة وأعمالكم السيئة ويجازكم عليها .
وقوله ( ^ أحسن عملا ) فيه أقوال : أحدها : أتم عقلا وأورع عن محارم الله ، وهو
____________________

( ^ وهو العزيز الغفور ( 2 ) الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ( 3 ) ثم ارجع البصر كرتين )
قول مأثور .
والقول الثاني : أحسن عملا أخلص عملا .
والقول الثالث : أحسن عملا أي : أزهد في الدنيا وأترك لها ، وهو مروي عن الحسن وسفيان الثوري .
والقول الرابع : أحسن عملا أي : أشدكم ذكرا للموت وأحسنكم لها استعدادا .
ويقال : أشدكم لله مخافة .
ويقال : أبصركم بعيوب نفسه .
وقوله : ( ^ وهو العزيز الغفور ) قد بينا . < < الملك : ( 3 ) الذي خلق سبع . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الذي خلق سبع سموات طباقا ) أي : بعضها فوق بعض ، بين كل سماءين أمر من أمره ، وخلق من خلقه .
وقوله ( ^ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) أي : من خلل وعيب .
ويقال : من اضطراب وتباين .
وقرئ ' تفوت ' واختاره أبو عبيد .
قال الفراء : تفوت وتفاوت بمعنى واحد كما يقال : تعهد وتعاهد وغير ذلك .
ويقال : تفوت أي : لا تفوت بعضه بعضا .
وقوله : ( ^ فارجع البصر ) أي : رد البصر .
وقوله : ( ^ هل ترى من فطور ) أي : صدوع وشقوق وخروق .
ويقال : فطر ناب البعير أي : انشق . < < الملك : ( 4 ) ثم ارجع البصر . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم ارجع البصر كرتين ) أي : مرتين ، ومعناه : مرة بعد مرة ، وإن زاد على المرتين ، كالرجل يقول لغيره : قد قلت لك هذا القول مرة بعد مرة ، وقد كان قال له مرات ، ذكر القفال .
وقال بعضهم : إنما ذكر المرتين ، لأن الإنسان في المرة الثانية يكون أحد بصرا وأكثر بصرا وأكثر نظرا .
ويقال : الكرة الأولى بالعين .
والأخرى بالقلب .
قال الفراء : يجوز أن يكون معنى كرتين كرة واحدة وأنشدوا :
____________________

( ^ ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ( 4 ) ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين )
( مهمهين قذفين مرتين ** قطعته [ بالسمت ] لا بالسمتين )
وأراد مهمها واحدا .
وقوله : ( ^ ينقلب إليك البصر ) أي : يرجع إليك البصر ( ^ خاسئا ) أي : صاغرا ( ^ وهو حسير ) أي : كليل يعني ضعيف عن إدراك ما أراده من طلب العيب والخلل .
ويقال : دابة حسرى أي : كالة .
قال الشاعر :
( به جيف الحسرى فأما عظامها ** فبيض وأما جلدها فصليب )
قال الزجاج : معنى الآية : أنه يبالغ في النظر ، فرجع البصر إليه خاسئا ولم ينل ما أراده ، ولم ير عيبا وخللا .
وقوله : ( ^ خاسئا ) من ذلك قولهم للكلب اخسأ وابعد ، قال الفرزدق في جرير :
( اخسأ إليك جريرا يا معر ** نلنا السماء نجومها وهلالها ) < < الملك : ( 5 ) ولقد زينا السماء . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ) أي : بسرج ، وسمى النجوم مصابيح لإضاءتها .
وقوله : ( ^ وجعلناها رجوما للشياطين ) أي : رجمنا بها الشياطين عن استراق السمع .
قال محمد بن كعب القرظي : إن النجم لا يطلع لموت أحد ولا لحياته ، ولكنه زينة الدنيا ورجوم الشياطين .
وعن قتادة قال : خلق الله النجوم لثلاثة أشياء : جعلها زينة للسماء الدنيا ، ورجوما للشياطين ، وهاديا للناس في الطرق ، فمن تكلف غير ذلك فقد قال ما لا علم له به .
____________________

( ^ وأعتدنا لهم عذاب السعير ( 5 ) وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير ( 6 ) إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور ( 7 ) تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ( 8 ) قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ظلال كبير ( 9 ) ) .
وقوله تعالى : ( ^ وأعتدنا لهم عذاب السعير ) أي : المسعرة .
وعن ابن عباس : أن السعير هو الطبق الرابع من جهنم . < < الملك : ( 6 ) وللذين كفروا بربهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم ) إنما سمى جهنم جهنما لبعد قعرها ، تقول العرب : ركية جهنام أي : بعيدة القعر .
وقوله : ( ^ وبئس المصير ) أي : المرجع . < < الملك : ( 7 ) إذا ألقوا فيها . . . . . > >
قوله : ( ^ إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا ) أي : لجهنم ، والشهيق : أول صوت الحمار .
وقيل : الشهيق .
أول صوته ، والزفير .
آخر صوته .
وقيل : الشهيق في الصدر ، والزفير في الحلق .
وقيل : إن الشهيق من الكفار حين يدخلون جهنم .
والقول الأول أظهر في هذه الآية .
وقوله : ( ^ وهي تفور ) قال ابن مسعود : تغلي غليان القدر بما فيه .
وعن مجاهد : تغلي غليان الماء الكثير بالحب القليل . < < الملك : ( 8 ) تكاد تميز من . . . . . > >
وقوله : ( ^ تكاد تميز من الغيظ ) أي : تتقد وتتفرق .
يقال : فلان امتلأ غيظا حتى يكاد يتقد .
وغيظها حنقا على أعداء الله وانتقامها .
وقوله : ( ^ كلما ألقى فيها فوج ) أي : قوم ( ^ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ) أي : رسول .
وعن مجاهد قال : الرسل من الإنس ، والنذر من الجن .
وهو قول مهجور . < < الملك : ( 9 ) قالوا بلى قد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ظلال كبير ) أي : عظيم .
ويقال : خاطئين .
____________________

( ^ وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ( 10 ) فاعرفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ( 11 ) إن الذين يخشون ربهم بالغيب ) . < < الملك : ( 10 ) وقالوا لو كنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ) أي : نسمع سماع من يميز ويتفكر ، ونعقل عقل من يتدبر وينظر ( ^ ما كنا في أصحاب السعير ) والمعنى : أنا لم نسمع الحق ولم نعقله أي : لم ننتفع بأسماعنا وعقولنا .
وفي بعض الغرائب من الأخبار : أن النبي قال : ' لكل شيء دعامة ، ودعامة الدين العقل ' .
وروى أيضا أن النبي قال : ' إن الرجل يكون من أهل الجهاد وأهل الصلاة وأهل الصيام ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وإنما يجازى يوم القيامة على قدر عقله ' وهو حديث حسن الإسناد . < < الملك : ( 11 ) فاعترفوا بذنبهم فسحقا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فاعترفوا بذنبهم ) أي : بذنوبهم ، واحد بمعنى الجمع ، وقوله : ( ^ فسحقا لأصحاب السعير ) أي : بعدا ، يقال : مكان سحيق أي : بعيد .
وعن مجاهد : السحق اسم واد في جهنم . < < الملك : ( 12 ) إن الذين يخشون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين يخشون ربهم بالغيب ) أي : بالوعد والوعيد الذي غاب عنه ، ويقال : بالجنة والنار ، ويقال : في الخلوات .
____________________

( ^ لهم مغفرة وأجر كبير ( 12 ) وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ( 13 ) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ( 14 ) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ) .
وقوله : ( ^ لهم مغفرة وأجر كبير ) أي : عظيم . < < الملك : ( 13 ) وأسروا قولكم أو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأسروا قولكم أو اجهروا به ) في التفسير : أن الكفار كان بعضهم يقول لبعض : أسروا بقولكم حتى لا يسمع رب محمد فيخبره قولكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وقوله : ( ^ إنه عليم بذات الصدور ) أي : بما في الصدور .
قال الحسن : يعلم من السر ما يعلم من العلانية ، ويعلم من العلانية ما يعلم من السر . < < الملك : ( 14 ) ألا يعلم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألا يعلم من خلق ) استفهام بمعنى الإنكار والتوبيخ ، والمعنى : ألا يعلم من في الصدور من خلق الصدور .
ويقال : ألا يعلم ما خلق ' من ' بمعنى ' ما ' ، وهو مثل قوله تعالى : ( ^ والسماء وما بناها ) أي : ومن بناها .
وقوله : ( ^ وهو اللطيف الخبير ) أي : اللطيف في علمه ، يعلم ما يظهر وما يسر وكل ما دق ، يقال لطيف ، ويقال : الخبير هو العالم . < < الملك : ( 15 ) هو الذي جعل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا ) أي : مذللة ، وتذليلها : تسهيل السير فيها والقرار عليها .
وقوله : ( ^ فامشوا في مناكبها ) أي : في جوانبها ، ويقال : في فجاجها ، ويقال : في طرقها ، وقيل : في جبالها .
وعن بشير بن كعب الأنصاري أنه كان يقرأ هذه السورة فبلغ هذه الآية ، فقال لجارية له : إن عرفتي معنى قوله : ( ^ في مناكبها ) فأنت حرة ، فقالت : في جبالها .
فشح الرجل بالجارية وجعل يسأل أبا الدرداء فقال : دع ما يريبك إلى مالا يريبك خلها .
وحكى قتادة عن أبي الجلد قال : الأرض كلها أربعة وعشرون ألف فرسخ ، اثنا عشر ألفا للسودان ، وثمانية آلاف للروم ، وثلاثة آلاف للعجم ، وألف للعرب .
____________________


( ^ فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ( 15 ) أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ( 16 ) أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ( 17 ) ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير ( 18 ) أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير ) .
وقوله : ( ^ وكلوا من رزقه وإليه النشور ) أي : في الآخرة . < < الملك : ( 16 ) أأمنتم من في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أأمنتم من في السماء ) قال ابن عباس أي : الله .
وقوله : ( ^ أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ) أي : تضطرب وتدور ، ويقال : تمور أي : تخسف بكم حتى تجعلكم في أسفل الأرضين ، قال الشاعر :
( رمين فأقصدن القلوب ولن ترى ** دما مائرا إلا جرى في الحيازم )
أي : سائلا . < < الملك : ( 17 ) أم أمنتم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أم أمنتم من في السماء ) أي : أأمنتم ربكم ( ^ أن يرسل عليكم حاصبا ) أي : ريحا ذات حصباء ، ويقال : حجارة فيهلككم بها .
والحصباء الحجارة .
وقوله : ( ^ فستعلمون كيف نذير ) أي : إنذاري ، والمعنى : كنت محقا في إنذاري إياكم العذاب . < < الملك : ( 18 ) ولقد كذب الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولقد كذب الذين من قبلهم فيكف كان نكير ) أي : إنكاري . < < الملك : ( 19 ) أولم يروا إلى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ) يقال : صف الطير جناحه إذا بسطه ، وقبضه إذا ضربه ، والمراد من القبض : هو ضرب الجناحين بالجنبين ، وهذا القبض والبسط في بعض الطيور لا في جميع الطيور ، فإن بعضها يقبض بكل حال ، وبعضها يبسط تارة ويقبض أخرى .
وقوله : ( ^ ما يمسكهن إلا الرحمن ) يعني : ما يمسكهن عن الوقوع إلا الرحمن .
قالوا : والهواء للطير بمنزلة الماء للسابح ، فهو يسبح في الهواء بجناحيه كما يسبح الإنسان في الماء بأطرافه .
وقوله : ( ^ إنه بكل شيء بصير ) أي : عليم .
____________________


( ( 19 ) أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور ( 20 ) أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور ( 21 ) أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ( 22 ) ) . < < الملك : ( 20 ) أم من هذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم ) معناه : أين هذا الذي هو جند لكم يمنعكم من عذاب الله ؟ وهو استفهام بمعنى التوبيخ والإنكار .
وقوله تعالى : ( ^ إن الكافرون إلا في غرور ) أي : ما الكافرون إلا في غرور . < < الملك : ( 21 ) أم من هذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أمن هذا الذي يرزقكم ) المعنى : أن الله هو الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ، فمن ذا الذي يرزقكم سواه ؟ .
وقوله : ( ^ بل لجوا في عتو ونفور ) العتو هو التمادي في الكفر ، والنفور هو التباعد عن الحق .
ويقال المعنى : أن اللجاج حملهم على الكفر والنفور عن الحق ، فإن الدلائل أظهر وأبين من أن تخفى على أحد ، والعرب تسمي كل سفيه متمرد متماد في الباطل عاتيا . < < الملك : ( 22 ) أفمن يمشي مكبا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفمن يمشي مكبا على وجهه ) في الضلالة لا يبصر الحق .
ويقال : مكبا على وجهه أي : لا ينظر من بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا من خلفه .
وقيل : إن هذا في الآخرة ، فإن الله تعالى يحشر الكفار على وجوههم على ما نطق به القرآن في غير هذا الموضع ، وقد ثبت أن النبي قال : ' إن الذي قدر أن يمشيهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ' .
وقوله : ( ^ أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) أي : يمشي في طريق الحق بنور الهدى .
ويقال : ينظر من بين يديه وعن يمينه وعن يساره ومن خلفه .
وقيل : هو في الآخرة .
وعن عكرمة قال : قوله ( ^ أفمن يمشي مكبا على وجهه ) هو أبو جهل ، وقوله : ( ^ أم من يمشي سويا على صراط مستقيم ) هو عمار بن ياسر .
وحكى بعضهم عن ابن عباس : أنه حمزة بن عبد المطلب وكنيته أبو عمارة .
____________________


( ^ قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ( 23 ) قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ( 24 ) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( 25 ) قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين ( 26 ) فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ( 27 ) ) . < < الملك : ( 23 ) قل هو الذي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ) أي : قل شكركم لهذه النعم . < < الملك : ( 24 ) قل هو الذي . . . . . > >
قوله تعالى ( قل هو الذي ذرأكم في الأرض ) أي : خلقكم في الأرض ( ^ وإليه تحشرون ) أي : في الآخرة . < < الملك : ( 25 ) ويقولون متى هذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) أي : القيامة . < < الملك : ( 26 ) قل إنما العلم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل إنما العلم عند الله ) أي : علم الساعة عند الله .
وقوله : ( ^ وإنما أنا نذير مبين ) أي : منذر بين النذارة . < < الملك : ( 27 ) فلما رأوه زلفة . . . . . > >
قوله : ( ^ فلما رأوه زلفة ) قال المبرد وثعلب : أي : رأوا العذاب حاضرا .
وقيل : قريبا .
وقوله : ( ^ سيئت وجوه الذين كفروا ) أي : تبين السوء والكآبة في وجهوهم .
ويقال : اسودت وجوههم .
قوله تعالى : ( ^ وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ) وقرئ في الشاذ : ' تدعون ' بغير تشديد .
وعن بعضهم : أن تدعون وتدعون بمعنى واحد ، فقوله : ( ^ تدعون ) أي : تدعون الله به .
وقوله : ( ^ تدعون ) أي : تتداعون به ، وهو مثل قوله ( ^ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ) وقال تعالى في آية أخرى : ( ^ قالوا ربنا عجل لنا قطنا ) أي : نصيبنا من العذاب .
قال ابن قتيبة : تدعون افتعال من الدعاء .
وعن بعضهم : تدعون أي : تكذبون .
ويقال : تستعجلون
____________________


( ^ قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ( 28 ) قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ظلال مبين ( 29 ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ( 30 ) ) . وتمترون وتختلفون .
وقيل : تدعون تمنون .
تقول العرب لغيره : ادع ما شئت أي : تمن ، وهذا القول يقرب من القول الأول . < < الملك : ( 28 ) قل أرأيتم إن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا ) قال أهل التفسير : كان الكفار يقولون : إن محمدا وأصحابه أكلة رأس ، يهلكون عن قريب ، وكل يرجون الأباطيل في حق الرسول وأصحابه ، فقال الله تعالى : ( ^ قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا ) يعني : إن نجونا أو هلكنا ( ^ فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ) أي : فمن يجيركم من عذاب الله تعالى وقد كفرتم به . < < الملك : ( 29 ) قل هو الرحمن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ظلال مبين ) أي : خطأ بين ، وتباعد من الحق وضلال عنه .
قوله تعالى : ( ^ قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ) أي : غائرا ، ومعناه : ذاهبا .
قال قتادة : ويقال : لا تناله الدلاء ، قاله سعيد بن جبير .
وقيل : إن الآية نزلت في بئر زمزم وبئر ميمون ، وهما بمكة . < < الملك : ( 30 ) قل أرأيتم إن . . . . . > >
وقوله : ( ^ فمن يأتيكم بماء معين ) قال ثعلب : أي ظاهر .
وهو منقول عن الحسن وقتادة ومجاهد وغيرهم .
ويقال : بماء عذب ، ويقال : بماء جار .
يعني : أن الله هو القادر أن يأتي به ، ولا تصلون إليه بأنفسكم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم <
> تفسير سورة القلم <
>
وهي مكية في قول الأكثرين .
وعن بعضهم : أن بعضها مكية ، وبعضها مدنية . < < القلم : ( 1 ) ن والقلم وما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ن ) اختلف القول فيه ؛ قال مجاهد : هي السمكة التي عليها قرار الأرضين .
وفي تفسير النقاش : أن جميع المياه تنصب من شدقها .
والقول الثاني : أنه اسم من أسماء السورة .
والقول الثالث : أنه حرف من حروف التهجي .
وعن ابن عباس : أن ' الر ' و ' حم ' و ' ن ' مجموع من اسم الرحمن .
والقول الرابع : أن النون هي الدواة ، وهو قول الحسن وقتادة ، وفيه خبر مأثور برواية أبي هريرة أن النبي قال : ' إن الله خلق أول ما خلق القلم ، ثم خلق النون وهي الدواة ، ثم قال للقلم : اكتب .
فقال : وما أكتب ؟ ! فقال : اكتب ما يكون وما كان من عمل وأجل ورزق إلى يوم القيامة .
فكتب القلم وختم الله على فيِّ القلم فلم ينطق ، ولا ينطق إلى يوم القيامة ، ثم خلق العقل ، وقال له : ما خلقت خلقا أعجب إلي منك ، وعزتي لأكملنك فيمن أحببت ، ولأنقصنك فيمن أبغضت ، ثم قال النبي : ' أكمل الناس عقلا أطوعهم لله وأعملهم بطاعته ، وأنقص الناس عقلا أطوعهم للشيطان وأعملهم بطاعته ' .
____________________


( ^ ن والقلم وما يسطرون ( 1 ) ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( 2 ) وإن لك لأجرا ) .
قوله ( ^ والقلم ) في التفسير : أنه خلق من نور ، وطوله ما بين السماء والأرض .
وفي خبر عبادة بن الصامت أن النبي قال : ' أول ما خلق الله القلم وقال له : اكتب .
فقال : وما أكتب ؟ قال : ما هو كائن إلى يوم القيامة ' .
واختلف القول في هذه الدواة والقلم ، الأكثرون أنه الدواة والقلم الذي كتب به الذكر في السماء .
والقول الثاني : أنه الدواة والقلم الذي يكتب به بنو آدم .
ومعنى الآية هو القسم ، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه .
وقال قتادة : لولا القلم ما قام لله دين ، ولا كان للخلق عيش .
وقوله : ( ^ وما يسطرون ) أي : ما يكتبون من أعمال بني آدم يعني : الملائكة .
وحكى النقاش عن ابن عباس : أن الكفار لا يكتب لهم حسنات ولا سيئات ، وإنما يكتب ذلك للمؤمنين وما يفعلون من الحسنات في الدنيا ويكافئون عليها ، وما يفعلون من السيئات ، فالشرك أعظم من ذلك كله . < < القلم : ( 2 ) ما أنت بنعمة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) هذا موضع القسم ، وهو جواب لقولهم على ما حكى الله تعالى عنهم : ( ^ وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ) .
وقوله : ( ^ بنعمة ربك ) أي : برحمة ربك .
ويقال : بإنعامه عليك ، كأنه نفى عنه الجنون بما أنعم الله عليه ، كما يقول القائل لغيره : أنت عاقل أو غني بنعمة الله عليك . < < القلم : ( 3 ) وإن لك لأجرا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإن لك لأجرا غير ممنون ) أي : غير منقطع .
ويقال : غير محسوب .
ويقال : غير ممتن به عليك .
____________________


( ^ غير ممنون ( 3 ) وإنك لعلى خلق عظيم ( 4 ) ) . < < القلم : ( 4 ) وإنك لعلى خلق . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإنك لعلى خلق عظيم ) أي : على الخلق الذي أدبك الله به مما نزل به القرآن من الإحسان إلى الناس ، والعفو ، والتجاوز ، وصلة الأرحام ، وإعطاء النصفة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وما أشبه ذلك .
وفي حديث سعد بن هشام أنه سأل عائشة - رضي الله عنها - عن خلق النبي فقالت : ' كان خلقه القرآن ' .
أي : كان موافقا لما نزل به القرآن .
وفي رواية أنها قالت : ' لم يكن رسول الله فحاشا ولا متفحشا ، ولا يجزئ السيئة بمثلها ، ولكن يعفو ويصفح ' .
وقال السدي : وإنك لعلى خلق عظيم أي : على الإسلام .
وقال زيد بن أسلم : على دين عظيم ، وهو الدين الذي رضيه الله تعالى لهذه الأمة ، وهو أحب الأديان إلى الله تعالى .
وقد روى عن النبي أنه قال : ' إن الله تعالى خلق مائة وسبعة عشر خلقا ، فمن جاء بواحدة منها دخل الجنة ' .
وعنه أنه قال : ' بعثت لأتمم مصالح
____________________


( ^ فستبصر ويبصرون ( 5 ) بأيكم المفتون ( 6 ) ) . الأخلاق ' .
وقيل : على خلق عظيم أي : طبع كريم . < < القلم : ( 5 - 6 ) فستبصر ويبصرون > >
قوله : ( ^ فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون ) وقال أبو عبيدة الباء صلة .
ومعناه : أيكم المفتون ، وأنشد شعرا :
( نضرب بالسيف ونرجوا بالفرج ** )
أي : الفرج .
وأما الفراء والزجاج وسائر النحويين لم يرضوا هذا القول ، وذكروا قولين آخرين : أحدهما : أن معنى قوله : ( ^ بأيكم المفتون ) أي : بأيكم الفتنة يقال : ما لفلان معقول ولا مجلود أي : عقل ولا جلد .
والقول الثاني : بأيكم المفتون أي : في أيكم المفتون ( يعني ) : في الفرقة التي فيها رسول الله وأصحابه ، أو في الفرقة التي فيها أبو جهل وذووه .
وحقيقة المعنى : أنكم تبصرون يوم القيامة ، وتعلمون أن المجنون كان فيكم ، لا في رسول الله وأصحابه أي : في الفرقة التي فيها رسول الله وأصحابه .
وذكر النحاس قولين أيضا قال : معنى قوله ( ^ بأيكم المفتون ) أي : بأيكم فتنة المفتون مثل قوله
____________________


( ^ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ( 7 ) فلا تطع المكذبين ( 8 ) ودوا لو تدهن فيدهنون ( 9 ) ولا تطع كل حلاف مهين ( 10 ) هماز مشاء ) . تعالى : ( ^ واسأل القرية ) أي : أهل القرية . < < القلم : ( 7 ) إن ربك هو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) ظاهر المعنى . < < القلم : ( 8 ) فلا تطع المكذبين > >
قوله تعالى : ( ^ فلا تطع المكذبين ) يعني : المكذبين بآيات الله . < < القلم : ( 9 ) ودوا لو تدهن . . . . . > >
وقوله : ( ^ ودوا لو تدهن فيدهنون ) أي : تضعف في أمرك فيضعفون ، أو تلين لهم فيلينون .
والمداهنة معاشرة في الظاهر ، ومحالمة من غير موافقة الباطن .
وقال القتيبي في معنى الآية : إن الكفار قالوا للنبي نعبد معك إلهك مدة ، وتعبد معنا إلهنا مدة ، فهو معنى قوله : ( ^ ودوا لو تدهن فيدهنون ) أي : تميل إلى مرادهم فيميلون إلى مرادك . < < القلم : ( 10 ) ولا تطع كل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولا تطع كل حلاف مهين ) قال ابن عباس : هو الوليد بن المغيرة .
وعن مجاهد : هو الأسود بن عبد يغوث .
وعن بعضهم : هو الأخنس بن شريق .
وقيل : هو على العموم .
وقوله : ( ^ كل حلاف ) أي : كثير الحلف .
وقوله : ( ^ مهين ) أي : حقير ، ومعناه هاهنا : قلة الرأي والتمييز . < < القلم : ( 11 ) هماز مشاء بنميم > >
وقوله : ( ^ هماز ) أي : ( عتاب ) مغتاب طعان في الناس .
وقوله : ( ^ مشاء بنميم ) أي : بالنميمة ، وهو نقل الحديث من قوم إلى قوم .
وقد ثبت عن النبي برواية حذيفة أنه قال : ' لا يدخل الجنة قتات ) أي : نمام .
وعنه
____________________


( ^ بنميم ( 11 ) مناع للخير معتد أثيم ( 12 ) عتل ) . عليه الصلاة والسلام أنه قال : ' شرار الناس المشاءون بالنميمة الباغون للبراء العنت ' .
وعن يحيى بن أبي كثير قال : يفسد النمام في يوم ما لا يفسده الساحر في شهر . < < القلم : ( 12 ) مناع للخير معتد . . . . . > >
وقوله : ( ^ مناع للخير ) أي : بخيل : ويقال : مناع من الإسلام .
وكان الوليد بن المغيرة قال لبنيه وأهله : من أسلم منكم قطعت منه رفدي ورفقي .
وقوله : ( ^ معتد ) أي : متجاوز في الظلم .
وقوله : ( ^ أثيم ) أي : كثير الإثم . < < القلم : ( 13 ) عتل بعد ذلك . . . . . > >
قوله : ( ^ عتل ) أي : الفاحش الخلق .
وقيل : الجافي الغليظ .
وقال ابن عباس : من يعمل السوء ويعرف به .
أورده النقاش .
وقد روى عن النبي أنه قال : ' ألا أنبئكم بأهل النار ؟ كل جعظري جواظ صخاب بالأسواق ، جيفة بالليل حمار بالنهار ، وعالم بالدنيا جاهل بالآخرة ' .
فمعنى الجعظري : هو الأكول الشروب الظلوم ، وهو كالعتل .
والجواظ : هو الجماع المناع ، ذكره شداد بن أوس ، وقال ثعلب : الجواظ : هو الكثير اللحم المختال في مشيته .
ويقال : فلان جظ ، أي : ضخم .
____________________


( ^ بعد ذلك زنيم ( 13 ) أن كان ذا مال وبنين ( 14 ) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( 15 ) سنسمه على الخرطوم ( 16 ) إنا بلوناهم )
وفي بعض الغرائب من الأخبار أن النبي - عليه السلام - قال : ' تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه ، وأرحب جوفه ، وأعطاه مقضما ثم يكون ظلوما ، وتبكي السماء من شيخ زان ، وتكاد الأرض لا تقله ' .
وقوله : ( ^ بعد ذلك زنيم ) أي : دعي .
وقيل : ملصق بالقوم وليس منهم .
ويقال : الذي له زنمة في الشر يعرف بها مثل زنمة الشاة .
قال حسان في الزنيم :
( زنيم تداعاه الرجال زيادة ** كما زيد في عرض الأديم الأكاريع ) < < القلم : ( 14 ) أن كان ذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أن كان ذا مال وبنين ) وقرئ : ' أأن كان ' .
فقوله : ( ^ أن ) أي : لأن كان ذا مال وبنين يفعل كذا ويقول كذا أي : لأجل أنه .
وقوله : ' أأن كان ' أي : ولا تطعه ، وإن كان ذا مال وبنين . < < القلم : ( 15 ) إذا تتلى عليه . . . . . > >
وقوله : ( ^ إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) قد بينا .
والأساطير واحدها أسطورة .
وقال الكسائي : ترهات من الكلام لا نظام لها . < < القلم : ( 16 ) سنسمه على الخرطوم > >
وقوله تعالى : ( ^ سنسمه على الخرطوم ) قال أبو عبيدة والمبرد وغيرهما : الخرطوم : الأنف .
ومعناه : يجعل على أنفه سمة يعرف بها أنه من أهل النار .
قال جرير :
( لما وضعت على الفرزدق ميسمي ** وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل )
ويقال : معنى قوله : ( ^ سنسمه على الخرطوم ) أي : سنسود وجهه ، ( ووصف ) الأنف موضع الوجه لأنه منه .
وقيل : يلصق به عارا ومسبة وشيئا لا يفارقه أبدا . < < القلم : ( 17 ) إنا بلوناهم كما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا بلوناهم ) أي : أهل مكة ، وذلك حين دعا رسول الله
____________________


( ^ كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ( 17 ) ولا يستثنون ( 18 ) فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ( 19 ) ) وقال : ' اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف ؛ فأصابهم الجوع حتى أكلوا العلهز والعظام المحترقة ' .
وقوله : ( ^ كما بلونا أصحاب الجنة ) في أكثر التفاسير أن هذا رجل شيخ باليمن كان له بنون ، وله بستان يتصدق منه على المساكين ، وينفق منه على نفسه وأولاده .
ويقال : كان يتصدق بالثلث ، وينفق على نفسه وأولاده الثلث ، ويرد الثلث في عمارة الجنة ، فلما مات الشيخ قال بنوه : العيال كثير ، والدخل قليل ولا يفي بإعطاء المساكين ، فتوافقوا على أن يذهبوا إلى البستان حين يصبحون على سدفة من الليل ، فيصرموا ويقطعوا قبل أن يعلم المساكين .
وكان المساكين قد اعتادوا الحضور عند الجذاذ والصرام ؛ فحين اتفقوا على ذلك أرسل الله تعالى نارا من السماء في تلك الليلة فاحترق البستان والأشجار ، ويقال : إن هذا الرجل هو رجل من ثقيف .
وقوله : ( ^ إذا أقسموا ) أي : حلفوا .
وقوله : ( ^ ليصرمنها مصبحين ) أي : يقطعون في الوقت الذي قلنا . < < القلم : ( 18 ) ولا يستثنون > >
وقوله : ( ^ ولا يستثنون ) أي : لم يقولوا : إن شاء الله . < < القلم : ( 19 ) فطاف عليها طائف . . . . . > >
وقوله : ( ^ فطاف عليها طائف من ربك ) أي : طرق طارق من العذاب ، وهي النار التي أرسلها الله تعالى .
والعرب لا تستعمل الطائف إلا في العذاب .
وفي بعض التفاسير : أن الله تعالى أمر ملكا حتى اقتلع تلك الجنة بأشجارها وغروسها فوضعها في موضع الطائف اليوم .
وقوله : ( ^ وهم نائمون ) ذكرنا .
____________________


( ^ فأصبحت كالصريم ( 20 ) فتنادوا مصبحين ( 21 ) أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين ( 22 ) فانطلقوا وهم يتخافتون ( 23 ) أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ( 24 ) ) . < < القلم : ( 20 ) فأصبحت كالصريم > >
قوله : ( ^ فأصبحت كالصريم ) أي : كالليل المظلم .
ويقال : كالنهار الذي لا شيء فيه .
والعرب تسمي العامر من الأرض نهارا لبياضه ، والغامر ليلا لسواده وخضرته .
والصريم من الأضداد ، هو اسم لليل والنهار جميعا ؛ لأن كل واحد منهما يقطع عن صاحبه .
ويقال : كالصريم أي : المصروم فاعل بمعنى مفعول يعني : أنه لم يبق شيء فيها . < < القلم : ( 21 ) فتنادوا مصبحين > >
وقوله : ( ^ فتنادوا مصبحين ) أي : نادى بعضهم بعضا عند الصباح . < < القلم : ( 22 ) أن اغدوا على . . . . . > >
وقوله : ( ^ أن اغدوا على حرثكم ) أي : اقصدوا حرثكم .
وفي القصة : أنه كانت لهم حروث وأعناب .
وقوله : ( ^ إن كنتم صارمين ) أي : قاطعين .
يقال : في العنب الصرام ، وفي الزرع الحصاد .
قال الشاعر :
( غدوت عليه غدوة فوجدته ** قعودا عليه بالصريم عواذله )
والصريم ها هنا : هو الجرة السوداء .
وقد ذكره ابن فارس في معنى الصريم الذي ذكرناه من قبل .
وعن ابن جريج أنه قال : خرجت عنق من النار من جوف واديهم فأحرقت جنتهم .
وقوله : ( ^ إن كنتم صارمين ) قال مجاهد : المراد منه صرام العنب .
وكان حرثهم العنب . < < القلم : ( 23 - 24 ) فانطلقوا وهم يتخافتون > >
قوله : ( ^ فانطلقوا وهم يتخافتون ) أي : يتكلمون سرا وخفية ، وكان كلامهم لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين أي : لا تتركوا المساكين [ يدخلون ] عليكم .
____________________


( ^ وغدوا على حرد قادرين ( 25 ) فلما رأوها قالوا إنا لضالون ( 26 ) بل نحن محرومون ( 27 ) قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ( 28 ) قالوا سبحان ربنا إن كنا ظالمين ) . < < القلم : ( 25 ) وغدوا على حرد . . . . . > >
وقوله : ( ^ وغدوا على حرد قادرين ) أشهر الأقاويل أن معناه : على حسد ، وهو قول قتادة ومجاهد والحسن وجماعة .
وعن الشعبي وسفيان أنهما قالا : على غضب .
أي : على المساكين .
وقال أبو عبيدة : ' على حرد ' أي : على منع .
يقال : حاردت السنة فليس فيها مطر ، وحاردت الناقة إذا لم يكن بها لبن .
ومعنى المنع هو ما عقدوه من منع المساكين .
وعن الحسن في رواية : على حرص .
وقيل : على قصد .
قال الشاعر :
( أقبل سيل جاء من أمر الله ** يحرد حرد الجنة المغلة )
أي : يقصد .
وعن السدي : أن الحرد اسم جنتهم .
وقوله : ( ^ قادرين ) أي : قادرين عند أنفسهم على الصرام .
وقيل : ' قادرين ' أي : على أمر أسسوه بينهم . < < القلم : ( 26 ) فلما رأوها قالوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فلما رأوها قالوا إنا لضالون ) يعني : أنهم لما رأوا موضع الجنة وليس فيها شجر ولا نبات قالوا : إنا لضالون أي : أخطأنا طريق جنتنا . < < القلم : ( 27 ) بل نحن محرومون > >
وقوله : ( ^ بل نحن محرومون ) معناه : أنهم تنبهوا على الأمر ، وعرفوا أنهم لم يخطئوا الطريق فقالوا : بل نحن محرومون أي : نزل العذاب وحرمنا ثمار جنتنا . < < القلم : ( 28 ) قال أوسطهم ألم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال أوسطهم ) أي : خيرهم وأعدلهم .
ومثله قوله تعالى : ( ^ وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) أي : عدلا خيارا .
وقال سعيد بن جبير : أعقلهم .
وقوله : ( ^ ألم أقل لكم لولا تسبحون ) أي : هلا قلتم إن شاء الله تعالى .
ووضع التسبيح ها هنا موضع المشيئة ؛ لأن التسبيح هو تنزيه الله تعالى عن كل سوء .
وقوله : إن شاء الله فيه معنى التنزيه ، وهو أنه لا يملك أحد فعل شيء إلا بمشيئة ، فينزه أن
____________________


( ( 29 ) فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ( 30 ) قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ( 31 ) عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون ( 32 ) كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( 33 ) إن للمتقين عند ربهم جنا النعيم ( 34 ) ) .
يكون شيء في ملكه إلا أن يريده .
وعن عكرمة : أنه كان استثناؤهم هو التسبيح يعني : أنهم كانوا يقولون مكان قولنا إن شاء الله : سبحان الله . < < القلم : ( 29 ) قالوا سبحان ربنا . . . . . > >
وقوله : ( ^ قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ) أي : بمنع المساكين . < < القلم : ( 30 ) فأقبل بعضهم على . . . . . > >
وقوله : ( ^ فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ) أي : يلوم بعضهم بعضا ، فيقول هذا لذاك : أنت فعلت والذنب لك ، ويقول ذلك لصاحبه مثله . < < القلم : ( 31 ) قالوا يا ويلنا . . . . . > >
وقوله : ( ^ قالوا يا ويلنا ) دعوا بالويل على أنفسهم .
وقوله : ( ^ إنا طنا طاغين ) أي : ظالمين . < < القلم : ( 32 ) عسى ربنا أن . . . . . > >
وقوله : ( ^ عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها ) هذا إخبار عن توبتهم وندامتهم ، وسؤالهم من الله تعالى أن يبدلهم بجنتهم خيرا منها فيعطوا حق المساكين .
وفي بعض التفاسير : أن الله تعالى قبل توبتهم وأعطاهم جنة خيرا منها .
والله أعلم .
وقوله : ( ^ إنا إلى ربنا راغبون ) أي : بسؤالنا . < < القلم : ( 33 ) كذلك العذاب ولعذاب . . . . . > >
وقوله : ( ^ كذلك العذاب ) أي : كذلك عذاب الدنيا .
وقوله : ( ^ ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) أي : عذاب الآخرة .
ويقال : كما عذبنا هؤلاء وأنزلنا بهم ، كذلك نعذب قريشا وننزله بهم .
وروى في التفسير : أن الله تعالى أنزل العذاب بهم يوم بدر ، فإنهم لما خرجوا إلى بدر قالوا : لنقتلنهم ولنقتلن محمدا ولنأسرنهم ، ونرجع إلى مكة فنطوف بالبيت ونحلق رءوسنا ، ونشرب الخمر ، وتعزف على رءوسنا القيان ، وحلفوا على ذلك ، فأخلف الله ظنهم ونزل بهم ما نزل من القتل والأسر . < < القلم : ( 34 ) إن للمتقين عند . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ) لما ذكر عذاب الكفار وما ينزله بهم ذكر ما وعده للمؤمنين من هذه الآية ؛ فروى أن عتبة بن ربيعة قال لما نزلت
____________________


( ^ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ( 35 ) ما لكم كيف تحكمون ( 36 ) أم لكم كتاب فيه تدرسون ( 37 ) إن لكم فيه لما تخيرون ( 38 ) أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون ( 39 ) سلهم أيهم بذلك زعيم ( 40 ) أم لهم شركاء ) . هذه الآية : لئن أعطاكم الله تعالى في الآخرة جنات النعيم فيعطينا مثل ما يعطيكم أو خيرا منها ، < < القلم : ( 35 ) أفنجعل المسلمين كالمجرمين > > فأنزل الله تعالى : ( ^ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ) [ أي ] : نسوي بين المسلمين والمشركين في إعطاء جنات النعيم ، وهو مذكور على طريق الإنكار أي : لا يفعل كذلك . < < القلم : ( 36 ) ما لكم كيف . . . . . > >
وقوله : ( ^ ما لكم كيف تحكمون ) أي : كيف تقضون ؟ والمراد من الحكم هو حكمهم في أنفسهم بالجنة . < < القلم : ( 37 ) أم لكم كتاب . . . . . > >
وقوله : ( ^ أم لكم كتاب فيه تدرسون ) أي : تدرسون ما تحكمون به .
وقيل : ترددون النظر فيه ، فتحكمون منه لأنفسكم ما حكمتم . < < القلم : ( 38 ) إن لكم فيه . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن لكم فيه لما تخيرون ) أي : تختارون ، وهو بيان لذلك الحكم . < < القلم : ( 39 ) أم لكم أيمان . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ أم لكم أيمان علينا بالغة ) أي : مؤكدة ، ومعنى البالغة في كلام العرب في مثل هذه المواضع : هو بلوغ النهاية ، يقال : هذا شيء جيد بالغ ، أي : بلغ النهاية في الجودة .
وقوله : ( ^ إلى يوم القيامة ) يعني : اللزوم والثبات ، وقيل : ألكم أيمان مؤكدة ألا نعذبكم إلى يوم القيامة .
وقوله : ( ^ إن لكم لما تحكمون ) تفسير لما وقع عليه اليمين . < < القلم : ( 40 ) سلهم أيهم بذلك . . . . . > >
وقوله : ( ^ سلهم أيهم بذلك زعيم ) أي : كفيل . < < القلم : ( 41 ) أم لهم شركاء . . . . . > >
وقوله : ( ^ أم لهم شركاء ) هذا على توسع الكلام .
ومعناه : عندهم وفي زعمهم .
وقيل : أم بهذا شهد الشركاء بمعنى الشهداء ، ذكره النقاش .
____________________


( ^ فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين ( 41 ) يوم يكشف عن ساق ) .
وقوله : ( ^ فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين ) أي : بشركاء فيهم على زعمهم على القول الأول ، وعلى القول الثاني بشهاداتهم إن كانوا صادقين . < < القلم : ( 42 ) يوم يكشف عن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يوم يكشف عن ساق ) قال عكرمة عن ابن عباس : عن الأمر الشديد ، وفي هذه الرواية عن ابن عباس أنه قال : إذا أشكل عليكم القرآن فالتمسوه في الشعر ، فإنه ديوان العرب ، وأنشد :
( وقامت الحرب بنا على ساق ** )
وهذا قول معروف ، وقال ابن قتيبة : كانت العرب إذا اشتد بهم الأمر عبروا بهذا اللفظ ؛ لأن الإنسان إذا وقع له الأمر وأخذه بجد وجهد يقول : شمر عن ساقه ، فوضعت الساق موضع الشدة .
قال الشاعر :
( أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ** وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا )
وقال دريد بن الصمة :
( كميش الإزار خارج نصف ساقه ** صبور على العوراء ( طلاع ) أنجد )
وفي رواية أخرى عن ابن عباس : يوم يكشف عن ساق أي : عن هول وكربة وشدة ، وهو بمعنى الأول .
وقال مجاهد : هو أول ساعة من ساعات القيامة ، وهي أفظعها وأشدها على الناس .
هذا كله قول واحد .
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي أنه قال : ' إذا كان يوم القيامة يكشف ربنا عن ساقه فيسجد كل مؤمن ومؤمنة ، ويذهب المنافقون ليسجدوا فلا يستطيعون ' .
وعن ابن مسعود أنه قال نحوا من هذا .
وقال الحسن البصري : يوم يكشف عن ساق أي : الستر بين الدنيا والآخرة .
ويقال : الغطاء بين الدنيا والآخرة ، ومعناهما قريب .
____________________

( ^ ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ( 42 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ( 43 ) )
وقوله : ( ^ ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) أي : لا يستطيع المنافقون : السجود .
وفي الخبر : فيعقم أصلابهم أي أصلاب المنافقين وقوله : يعقم أي : يصير طبقا واحدا .
وفي رواية : تصير كسفا قيد الحديد .
وفي الخبر برواية أبي موسى الأشعري عن النبي أنه قال : ' إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كان [ يعبدونه ] في الدنيا فيتبعونه ، ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم : قد ذهب الناس فماذا تنتظرون ؟ فيقولون : إن لنا ربا كنا نعبده .
فيقال لهم : هل تعرفونه لو رأيتموه ؟ فيقولون : نعم .
فيقال [ لهم ] : كيف تعرفونه ولم تروه ؟ فيقولون : إنه لا شبه له .
فيكشف لهم الحجاب فيسجد كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى المنافقون فلا يستطيعون السجود ، وتصير ظهورهم كصياص البقر .
فيقول الله تعالى للمؤمنين : ارفعوا رءوسكم فقد جعلت بدل كل رجل [ منكم رجلا ] من اليهود والنصارى في النار ' . < < القلم : ( 43 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ خاشعة أبصارهم ) أي : ذليلة أبصارهم ، والمراد منه ذل الندامة والحسرة .
وقوله : ( ^ ترهقهم ذلة ) أي : يغشاهم الذل والهوان .
وقوله : ( ^ وقد كانوا يدعون إلى السجود وهو سالمون ) أي : يدعون إلى صلاة الجماعة وهم سالمون أي : معافون ، والآن السجود لهم ( مهيات ) .
____________________

( ^ فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ( 44 ) وأملي لهم إن كيدي متين ( 45 ) ) .
وظاهر الآية أن معناها السجود في الصلاة .
وعن إبراهيم التيمي أنه قال : هو الصلاة المكتوبة .
وقال سعيد بن جبير : يدعون إلى السجود بحي على الفلاح وهم سالمون فلا يجيبون . < < القلم : ( 44 ) فذرني ومن يكذب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فذرني ومن يكذب بهذا الحديث ) أي : خلني وإياه وكله إلي لأجازيه بعمله .
وقيل ذرني أي : لا تشغل قلبك به ، ودعني وإياه فإني مجازيه ومكافئه ، وهو بمعنى الأول .
والعرب تقول مثل هذا القول ، وإن لم يكن هناك أحد يمنعه منه ، قال الشاعر :
( ذريني والثعلب أم سعد ** تقلني الأرض ( أو بيتك ) أمالا )
وقوله : ( ^ سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) الاستدراج في كلام العرب هو الأخذ قليلا قليلا ، ومنه درج الصبي إذا مشى قليلا قليلا .
وروى عبد الرحمن بن داود الخريبي عن سفيان الثوري أنه قال : الاستدراج هو إسباغ النعم ، ومنع الشكر .
وقيل : هو أنه كلما جدد ذنبا جدد الله له نعمة .
وعن عقبة بن مسلم قال : إذا كان العبد على معصية الله ثم أعطاه الله ما يحب ، فليعلم أنه في استدراج .
وعن الحسن البصري قال : كم من مستدرج يحسن الثناء عليه ، ومغرور يستر الله عليه .
( وقيل ) : سنستدرجهم أي : نمكر بهم من حيث لا يعلمون . < < القلم : ( 45 ) وأملي لهم إن . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأملي لهم ) أي : أمهلهم ولا أباغتهم جهرا ، بل آخذهم وأمكر بهم قليلا قليلا .
وقد بينا معنى الإمهال والإملاء من قبل .
وقوله : ( ^ إن كيدي متين ) أي : شديد .
____________________

( ^ أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ( 46 ) أم عندهم الغيب فهم يكتبون ( 47 ) فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ( 48 ) لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ( 49 ) فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ( 59 ) وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ) . < < القلم : ( 46 ) أم تسألهم أجرا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ) أي : أجرا على تبليغ الرسالة فهم من الغرم مثقلون . < < القلم : ( 47 ) أم عندهم الغيب . . . . . > >
وقوله : ( ^ أم عندهم الغيب فهم يكتبون ) أي : عندهم اللوح المحفوظ ، وسماه غيبا لأنه كتب فيه ما غاب عن العباد .
وقوله : ( ^ فهم يكتبون ) أي : يكتبون منه ما يحكمون لأنفسهم ويقع بشهواتهم . < < القلم : ( 48 ) فاصبر لحكم ربك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ) أي : في الضجر وترك الصبر .
ويقال : لا تغاضب كما غاضب صاحب الحوت ، وهو ذو النون ، واسمه يونس بن متى صلوات الله عليه .
وقوله : ( ^ إذ نادى وهو مكظوم ) أي : مملوء كربا وغما .
ويقال : كظم البعير بجرته إذا حبسها ، والمعنى : أنه لم يجد للغم الذي في قلبه نفاذا ومساغا فكظم عليه أي : حبسه . < < القلم : ( 49 ) لولا أن تداركه . . . . . > >
وقوله : ( ^ لولا أن تداركه نعمة من ربه ) أي : رحمة من ربه .
وقوله : ( ^ لنبذ بالعراء ) العراء هو وجه الأرض .
ويقال : المكان الخالي البارز .
وقوله : ( ^ وهو مذموم ) أي : نبذ غير مذموم ، ولولا رحمة ربه لكان مذموما . < < القلم : ( 50 ) فاجتباه ربه فجعله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فاجتباه ربه ) أي : اصطفاه واختاره .
وقوله تعالى : ( ^ فجعله من الصالحين ) أي : من عباده الصالحين .
وقد ذكرنا قصته من قبل . < < القلم : ( 51 ) وإن يكاد الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ) قرأ ابن عباس :
____________________

( ^ لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون ( 51 ) وما هو إلا ذكر للعالمين ( 52 ) . ' ليزهقونك بأبصارهم ' والزلق هو السقوط ، والإزلاق : الإسقاط .
وفي الآية قولان معروفان : أحدهما : ليزلقونك بأبصارهم أي : يعتانونك ، ومعناه : يصيبونك بأعينهم .
ذكره الكلبي ومقاتل وغيرهما ، وذكره الفراء أيضا في كتابه .
وروى أن الرجل من العرب كان يجوع نفسه ثلاثة أيام ، ثم يخرج فتمر عليه إبل جاره أو غنمه فيقول : ما أحسنها ، وما أعظمها ، وما أسمنها ومثل هذا ؛ فيسقط ( منها ) العدة فتهلك .
وفي بعض التفاسير : أن هذا كان في بني أسد من العرب وكان الرجل يعتان إبل الواحد منهم أو الغنم ، ثم يقول لغلامه : اذهب بمكتل ودرهم لتأخذ لنا من لحمه ، وكان يتيقن أنه يسقط فينحر .
والقول الثاني في الآية - وهو أحسن القولين - أن المراد منها هو أنهم ينظرون إليك نظر البغضاء والعداوة فيكادون من شدة نظرهم أي : يصرعونك ويسقطونك ، وهذا على مذهب كلام العرب .
تقول العرب : نظر فلان نظرا يكاد يصرعه أو يأكله ، أو ينظر إلي فلان نظرا يكاد يصرعني أو يكاد يأكلني به أي : لو أمكنه أن يصرعني به يصرعني أو يأكلني به لأكلني .
وهذا اختيار الزجاج وغيره من أهل المعاني .
وأنشدوا :
( يتلاحظون إذا التقوا في موطن ** نظرا يزيل ( مواطن ) الأقدام )
وقوله : ( ^ لما سمعوا الذكر ) أي : القرآن وكانت عداوتهم وبغضاؤهم تشتد إذا سمعوه يقرأ القرآن .
وقوله : ( ^ ويقولون إنه لمجنون ) اسم سموه به . < < القلم : ( 52 ) وما هو إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما هو إلا ذكر للعالمين ) أي : شرف للعالمين ، وهو كناية عن الرسول .
والأظهر أن القرآن ذكر للعالمين .
وقيل : الرسول مذكر للعالمين ، وقد بينا معنى العالمين من قبل .
____________________

<
> تفسير سورة الحاقة <
>
وهي مكية
وذكر النقاش في كتابه بروايته أن عمر - رضي الله عنه - قال : تعرضت لرسول الله قبل أن أسلم - فمضيت إلى المسجد فوجدته قد سبقني إليه ، وقام يصلي فقمت خلفه - فقرأ سورة الحاقة ، فجعلت أتعجب من تأليف القرآن ، وأقول : هو شاعر كما يقوله قريش حتى بلغ قوله تعالى : ( ^ إنه لقول رسول كريم ما هو بقول شاعر ) إلى آخر السورة ، فعلمت أنه ليس بشاعر ، ووقع الإسلام في قلبي .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ الحاقة ( 1 ) ما الحاقة ( 2 ) وما أدراك ما الحاقة ( 3 ) كذبت ثمود وعاد بالقارعة ( 4 ) فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ( 5 ) ) . < < الحاقة : ( 1 - 2 ) الحاقة > >
قوله تعالى ( ^ الحاقة ما الحاقة ) هي اسم للقيامة .
وسميت القيامة حاقة ؛ لأن فيها حواق الأمور ، أي : حقائقها .
ويقال : لأنها حققت على كل إنسان عمله من خير وشر ، وتظهر جزاءه من الثواب والعقاب .
قال الأزهري : سميت حاقة ؛ لأنها تحق الكفار الذين حاقوا الأنبياء في الدنيا إنكارا لها .
تقول العرب : حاققت فلانا فحققته ، أي خاصمته فخصمته .
وقوله : ( ^ ما الحاقة ) مذكور على وجه التعظيم والتفخيم .
قال امرؤ القيس :
( فدع عنك نهبا صيح في حجراته ** ولكن حديث ما حديث الرواحل )
فما للاستفهام ، وهو مذكور في هذا الموضع لتعظيم أمر الرواحل .
كذلك هاهنا . < < الحاقة : ( 3 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما الحاقة ) قال ابن عباس : كل ما قال ' أدراك ' فقد أعلم النبي ، وما قال : ' وما يدريك ' فلم يعلمه .
وهو مذكور أيضا على طريق التعظيم والتهويل .
ومثله قول أبي النجم شعرا :
( أنا أبو النجم وشعري شعري ** ) < < الحاقة : ( 4 ) كذبت ثمود وعاد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كذبت ثمود وعاد بالقارعة ) القارعة اسم للقيامة أيضا .
قال المبرد : سميت القيامة قارعة ؛ لأنها تقرع القلوب ، وتهجم عليها بالشدة والكرب . < < الحاقة : ( 5 ) فأما ثمود فأهلكوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ) قال مجاهد : بطغيانهم ، وهو قول أبي
____________________

( ^ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ( 6 ) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ( 7 ) فهل ترى لهم من باقية ( 8 ) ) . عبيدة أيضا .
ويقال : بالطاغية أي : بالصيحة .
( وقيل ) : بالرجفة .
وسمى الصيحة طاغية ؛ لأنها زادت على المقدار الذي تطيقه الأسماع . < < الحاقة : ( 6 ) وأما عاد فأهلكوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر ) أي : ذات برد شديد .
وعلى هذا القول أخذ من الصر وهو البرد .
وقيل [ هي ] ذات صيحة .
وعلى هذا مأخوذ من الصرة وهي الصيحة .
وقوله ( ^ عاتية ) أي : عتت على خزانها .
قال قبيصة بن ذؤيب .
لم يرسل الله ريحا إلا بقدر معلوم غير الريح التي أرسلها على عاد ، فإنها خرجت بغير قدر معلوم غضبا بغضب الله تعالى .
وقد روى هذا عن ابن عباس .
ويقال : سمى هذه الريح عاتية ؛ لأنها جاوزت المقدار . < < الحاقة : ( 7 ) سخرها عليهم سبع . . . . . > >
وقوله : ( ^ سخرها عليهم ) أي : سلطها وأرسلها عليهم ( ^ سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) أي : متتابعة .
وقيل : مشائيم .
ويقال : سماها حسوما ؛ لأنها قتلتهم وأفنتهم ، من الحسم وهو القطع .
وفي التفسير : أن ابتداءه كان من غداة يوم الأربعاء ، ويقال : من غداة يوم الأحد .
وقوله ( ^ فترى القوم فيها صرعى ) أي : صرعوا وصاروا ( ^ كأنهم أعجاز نخل ) أي أصول نخل منقطعة عن أماكنها .
( ^ خاوية ) قال الأزهري : سماه خاوية ؛ لأنها إذا ( انقلعت ) خلت أماكنها منها . < < الحاقة : ( 8 ) فهل ترى لهم . . . . . > >
وقوله ( ^ فهل ترى لهم من باقية ) أي : من نفس باقية .
ويقال : من بقاء .
____________________

( ^ وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة ( 9 ) فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ( 10 ) إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية ( 11 ) لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ( 12 ) ) . < < الحاقة : ( 9 ) وجاء فرعون ومن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وجاء فرعون ومن قبله ) وقرئ : ' ومن قبله ' أي : الأمم الذين كانوا قبله .
وقوله : ( ^ والمؤتفكات ) هي قريات لوط .
فعلى هذا معناه : وأهل المؤتفكات .
وقيل المؤتفكات : هم قوم لوط ؛ لأنه ائتفك بهم .
وقوله : ( ^ بالخاطئة ) أي : بالخطأ العظيم ، أي : بالذنب العظيم . < < الحاقة : ( 10 ) فعصوا رسول ربهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ) أي : زائدة على الأخذات .
ويقال : زاد العذاب على قدر أعمالهم . < < الحاقة : ( 11 ) إنا لما طغى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا لما طغى الماء ) قال سعيد بن جبير : غضب بغضب الله فطغى .
ويقال : طغى أي : جاوز المقدار .
فيقال : إنه زاد كل شيء في العالم خمسة [ أذرع ] .
وقد قيل أكثر من ذلك .
وقوله : ( ^ حملناكم في الجارية ) أي : السفينة ، وجمعها الجواري وهي السفن . < < الحاقة : ( 12 ) لنجعلها لكم تذكرة . . . . . > >
وقوله : ( ^ لنجعلها لكم تذكرة ) أي : عبرة وعظة .
قال قتادة : أدرك أوائل هذه الأمة سفينة نوح ، وكم من السفن قد هلكت ، ولكن الله تعالى أبقى هذه السفينة تذكرة لهذه الأمة وعبرة لها .
ويقال : جعلها لكم تذكرة ، أي : تذكروا هذه القصة فتكون لكم ولمن سمعها عبرة وعظة .
وقوله تعالى : ( ^ وتعيها أذن واعية ) أي : أذن عقلت أمر الله وعملت به .
وروى مكحول أن هذه الآية لما نزلت قال النبي لعلي رضي الله عنه : ' سألت الله أن يجعلها أذنك ' .
قال علي : فما سمعت بعد ذلك شيئا فنسيته .
____________________

( ^ فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ( 13 ) وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ( 14 ) فيومئذ وقعت الواقعة ( 15 ) وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ( 16 ) والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ( 17 ) يومئذ ) . < < الحاقة : ( 13 ) فإذا نفخ في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فإذا نفخ في الصور ) قد بينا معنى الصور .
وقوله : ( ^ نفخة واحدة ) أي : النفخة الأولى .
وقوله : ( ^ واحدة ) أي : ليست لها مثنوية . < < الحاقة : ( 14 ) وحملت الأرض والجبال . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ) أي : زلزلتا زلزلة واحدة .
ويقال : فتتا فتة واحدة .
وقيل : ضرب أحدهما بالآخر فانهدمتا وهلكتا . < < الحاقة : ( 15 ) فيومئذ وقعت الواقعة > >
وقوله : ( ^ فيومئذ وقعت الواقعة ) أي : قامت القيامة . < < الحاقة : ( 16 ) وانشقت السماء فهي . . . . . > >
وقوله : ( ^ وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ) أي : ضعيفة .
قال علي بن أبي طالب : تنشق من المجرة .
يقال : شقا واه أي : ضعيف متخرق .
ومن أمثالهم :
( خل سبيل من وهى شقاؤه ** ومن هريق بالفلاة ماؤه )
وقيل : فهي يومئذ واهية ، أي : منشقة منخرقة ، لأن ما وهى ينشق ويتخرق . < < الحاقة : ( 17 ) والملك على أرجائها . . . . . > >
وقوله : ( ^ والملك على أرجائها ) أي : على أطرافها .
قال الكسائي : على حافتها .
وقيل : على ( مواضع ) شقوقها ينظرون إلى الدنيا .
وقوله : ( ^ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون ) قيل : ثمانية صفوف من الملائكة .
وفي جامع أبي عيسى الترمذي برواية الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب أن النبي كان جالسا في عصابة من أصحابه ، فمرت سحابة فقال : ' هل تدرون ما اسم هذه ؟ قالوا : نعم ، هذا السحاب .
قال رسول الله : المزن ؟ قالوا : والمزن .
قال رسول الله : والعنان ؟ قالوا : والعنان .
قال لهم رسول الله :
____________________

تدرون كم بعد ما بين السماء والأرض ؟ قالوا : لا ، والله ما ندري .
قال : فإن بعد ما بينهما إما واحدة وإما اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ، والسماء التي فوقها كذلك حتى عدهن سبع سموات .
قال : فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء إلى السماء ، وفوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن ما بين سماء إلى السماء ، ثم فوق ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه ما بين السماء إلى السماء ، والله فوق ذلك .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك والدي أبو منصور محمد بن عبد الجبار السمعاني ، أخبرنا أبو العباس بن محبوب أخبرنا أبو عيسى الترمذي أخبرنا [ عبد بن حميد ] أخبرنا عبد الرحمن بن سعد ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن سماك بن حرب ، عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف ابن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب . . . الخبر .
وفي بعض الأخبار : أن من جملة حملة العرش ملكا على صورة ديك ، رجلاه في تخوم الأرضين ورأسه تحت العرش ، وجناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب ، إذا سبح الله تعالى سبح له كل شيء .
وروى الزهري عن أنس أن النبي قال لجبريل ' إني أريد أن أراك في صورتك .
فقال : إنك لا تطيق ذلك ، فقال : أنا أحب أن تفعل ، قال : فخرج رسول الله إلى البطحاء ، وأراه جبريل نفسه في صورته التي خلقه الله تعالى عليها ، وجناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب ، ورأسه في السماء ، فغشى على النبي ثم أفاق ورأسه في حجر جبريل ، وقد وضع إحدى يديه على صدره والأخرى بين كتفيه ، ثم قال : لو رأيت إسرافيل وله اثنا عشر جناحا ، والعرش على كاهله ، وإنه ليتضاءل أحيانا من خشية الله حتى يصير مثل الوضع ، فلا يحمل العرش
____________________

( ^ تعرضون لا تخفى منكم خافية ( 18 ) فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ( 19 ) إني ظننت أني ملاق حسابيه ( 20 ) ) . إلا عظمة الله ' . < < الحاقة : ( 18 ) يومئذ تعرضون لا . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ) أي : فعلة خافية والمعنى : أنه لا يخفى شيء على الله تعالى .
وقد روى عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وتهيئوا للعرض الأكبر .
وعن أبي موسى الأشعري قال : في القيامة ثلاث عرضات : عرضتان جدال ومعاذير ، والعرضة الثالثة فيها تطاير الكتب .
وقد روى هذا مرفوعا .
وفي بعض الأخبار عن عائشة قالت : ' يا رسول الله ، هل تذكرون أهاليكم يوم القيامة ؟ قال : أما في ثلاثة مواطن فلا ، وذكر عند تطاير الكتب ، وعند الميزان ، وعلى الصراط ' . < < الحاقة : ( 19 ) فأما من أوتي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ) أي : تعالوا اقرءوا كتابيه .
وقيل : خذوا .
تقول العرب للواحد : هاء وللاثنين هاؤما ، وللجماعة هاؤموا .
وقد روى : ' أن رجل نادى رسول الله وقال : يا محمد .
فقال النبي : هاؤم ' . < < الحاقة : ( 20 ) إني ظننت أني . . . . . > >
وقوله : ( ^ إني ظننت أني ملاق حسابيه ) أي : أيقنت .
قال الحسن البصري : إن
____________________

( ^ فهو في عيشة راضية ( 21 ) في جنة عالية ( 22 ) قطوفها دانية ( 23 ) كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ( 24 ) وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ( 25 ) ولم أدر ما حسابيه ( 26 ) يا ليتها كانت القاضية ( 27 ) ما أغنى عني مالية ( 28 ) هلك عني سلطانيه ( 29 ) ) . المؤمن أحسن الظن بالله فأحسن العمل ، وإن المنافق أساء الظن بالله فأساء العمل . < < الحاقة : ( 21 ) فهو في عيشة . . . . . > >
وقوله ( ^ فهو في عيشة راضية ) أي : ذات رضا .
وقال أبو عبيدة : مرضية .
ويقال : عيشة راضية : الجنة . < < الحاقة : ( 22 ) في جنة عالية > >
وقوله : ( ^ في جنة عالية ) أي : مرتفعة . < < الحاقة : ( 23 ) قطوفها دانية > >
وقوله تعالى : ( ^ قطوفها دانية ) قال البراء بن عازب : يتناولها قائما وقاعدا ونائما ، أي : مضطجعا .
ومعنى دانية : قريبة المتناول ، لا يمنع منها بعد ولا شوك . < < الحاقة : ( 24 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . . > >
وقوله : ( ^ كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم ) أي : قدمتم ( ^ في الأيام الخالية ) أي : الماضية ، وهي في الدنيا .
وعن بعضهم : أن الآية في الصائمين . < < الحاقة : ( 25 ) وأما من أوتي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ) أي : كتابي < < الحاقة : ( 26 ) ولم أدر ما . . . . . > > ( ^ ولم أدر ما حسابيه ) .
أي : لم أتق حسابي ، لأنه لا يرى لحسابه حاصلا ، ويرى كل شيء عليه . < < الحاقة : ( 27 ) يا ليتها كانت . . . . . > >
وقوله : ( ^ يا ليتها كانت القاضية ) أي : يا ليت الميتة كانت قاضية أي : لم أحي بعدها ، فقضت علي الفناء أبدا .
وقيل : يا ليتها أي : يا ليتني مت الآن . < < الحاقة : ( 28 ) ما أغنى عني . . . . . > >
وقوله : ( ^ ما أغنى عني مالية ) أي : مالي . < < الحاقة : ( 29 ) هلك عني سلطانيه > >
وقوله : ( ^ هلك عني سلطانية ) أي : بطلت حجتي ، ولم يسمع عذري ، وإنما لا يسمع لأنه لا عذر له .
وسمى السلطان سلطانا ؛ لأنه يقام عنده الحجج ، أو لأنه حجة على الخلق ليقيموا أمورهم .
قال قتادة : ليس هو أن يلي قرية فيجيبها ، ولكنه أراد به سلطانه على نفسه ، حيث ضيع ما جعله الله له ، وارتكب المعاصي ، وضيع الأوامر .
____________________

( ^ خذوه فغلوه ( 30 ) ثم الجحيم صلوه ( 31 ) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ( 32 ) إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ( 33 ) ولا يحض على طعام المسكين ( 34 ) فليس له اليوم هاهنا حميم ( 35 ) ولا طعام إلا من غسلين ( 36 ) لا يأكله إلا الخاطئون ( 37 ) فلا أقسم بما تبصرون ( 38 ) وما لا تبصرون ( 39 ) ) . < < الحاقة : ( 30 ) خذوه فغلوه > >
قوله تعالى : ( ^ خذوه فغلوه ) هو من غل اليد إلى العنق .
وقيل : يشد قدمه برقبته ثم يجر على وجهه . < < الحاقة : ( 31 ) ثم الجحيم صلوه > >
وقوله : ( ^ ثم الجحيم صلوه ) أي : اشوه . < < الحاقة : ( 32 ) ثم في سلسلة . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ) قال نوف البكالي : كل ذراع سبعون باعا ، وكل باع من هاهنا إلى مكة ، وكان بالكوفة يومئذ .
وروى نحوا من ذلك عن سعيد بن جبير .
وقوله : ( فاسلكوه ) في التفسير : أنها تدخل في فيه حتى تخرج من دبره ، فهو معنى قوله ( ^ فاسلكوه ) . < < الحاقة : ( 33 - 34 ) إنه كان لا . . . . . > >
وقوله : ( ^ إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين ) أي : لا يحث .
قال الحسن : أدركت أقواما يعزمون على أهليهم إذا خرجوا أن لا يردوا سائلا ، وأدركت أقواما كان الواحد منهم يخلف أخاه في أهله أربعين عاما . < < الحاقة : ( 35 ) فليس له اليوم . . . . . > >
وقوله : ( ^ فليس له اليوم هاهنا حميم ) أي : قريب . < < الحاقة : ( 36 ) ولا طعام إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولا طعام إلا من غسلين ) الغسلين : صديد أهل النار .
وعن الربيع بن أنس قال : هو شجرة تخرج طعاما هو أخبث أطعمة أهل النار .
وفي الخبر أن دلوا من غسلين لو صب في الدنيا لأنتن أهل الدنيا . < < الحاقة : ( 37 ) لا يأكله إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ لا يأكله إلا الخاطئون ) أي : المشركون .
ويقال : أهل المعصية . < < الحاقة : ( 38 ) فلا أقسم بما . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ فلا أقسم بما تبصرون ) أي : أقسم ، و ' لا ' صلة . < < الحاقة : ( 39 ) وما لا تبصرون > >
وقيل معنى ( وما لا تبصرون ) أي : الملائكة .
وفي التفسير : أن في الآية ردا على المشركين
____________________

( ^ إنه لقول رسول كريم ( 40 ) وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ( 41 ) ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون ( 42 ) تنزيل من رب العالمين ( 43 ) ولو تقول علينا بعض الأقاويل ( 44 ) لأخذنا منه باليمين ( 45 ) . حيث قال بعضهم : إن محمدا ساحر ، وهو وليد بن المغيرة ومن تبعه ، وقال بعضهم : هو شاعر ، وهو أبو جهل ومن تبعه ، وقال بعضهم : هو كاهن ، وهو عقبة بن أبي معيط ومن تبعه . < < الحاقة : ( 40 ) إنه لقول رسول . . . . . > >
وقوله : ( ^ إنه لقول رسول كريم ) أي : رسول كريم على الله .
وقيل : إنه جبريل .
وقيل : إنه محمد .
فإن قال قائل : كيف قال : ( ^ إنه لقول رسول كريم ) وإنما هو قول الله تعالى ؟ .
والجواب من وجهين : أحدهما : أن معناه تلاوة رسول كريم ، والثاني : قول الله وإبلاغ رسول كريم ، فاتسع في الكلام واكتفى بالفحوى . < < الحاقة : ( 41 ) وما هو بقول . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ) أي : لا تؤمنون أصلا .
يقول الرجل لغيره : قليلا ما تأتيني ، أي : لا تأتيني أصلا . < < الحاقة : ( 42 ) ولا بقول كاهن . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولا بقول كاهن ) الكاهن هو الذي يخبر عن الغيب كذبا .
وقيل : بظن وحدس لا عن علم .
وقوله تعالى : ( ^ قليلا ما تذكرون ) أي : لا تتعظون أصلا كما بينا . < < الحاقة : ( 43 ) تنزيل من رب . . . . . > >
وقوله : ( ^ تنزيل من رب العالمين ) ظاهر المعنى . < < الحاقة : ( 44 ) ولو تقول علينا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ولو تقول علينا بعض الأقاويل ) يعني : أن محمدا لو تقول علينا بعض الأقاويل ، أي : قال ما لم نقله . < < الحاقة : ( 45 ) لأخذنا منه باليمين > >
وقوله : ( ^ لأخذنا منه باليمين ) أي : بالقوة .
أي : انتقمنا منه بقوتنا وقدرتنا ، قاله مجاهد . قال الشماخ :
____________________


( ^ ثم لقطعنا منه الوتين ( 46 ) فما منكم من أحد عنه حاجزين ( 47 ) وإنه لتذكرة للمتقين ( 48 ) وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ( 49 ) وإنه لحسرة على الكافرين ( 50 ) وإنه لحق اليقين ( 51 ) فسبح باسم ربك العظيم ( 52 ) ) .
( رأيت عرابة الأوسي يسمو ** إلى الخيرات منقطع القرين )
( إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها [ عرابة ] باليمين )
أي : بالقوة .
وقال مؤرخ : قوله : ( ^ لأخذنا منه باليمين ) وعن ثعلب : بالحق .
وهو مروي عن السدي أيضا .
وعن الحسن .
لأخذنا منه باليمين ، أي : أذهبنا قوته .
ويقال : ' لأخذنا منه باليمين ' هو مثل قول القائل : خذ بيمينه إذا فعل شيئا - أي : بالقوة - يستحق العقوبة . < < الحاقة : ( 46 ) ثم لقطعنا منه . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم لقطعنا منه الوتين ) أي : نياط القلب ؛ فإذا انقطع لم يحي الإنسان بعده .
قال الشماخ أيضا مخاطبا لناقته :
( إذا بلغتني وحملت رحلي ** عرابة فاشرقي بديم الوتين ) < < الحاقة : ( 47 ) فما منكم من . . . . . > >
وقوله : ( ^ فما منكم من أحد عنه حاجزين ) يعني .
إنكم تنسبونه إلى الكذب علي ، ولو أخذته لم يقدر أحد منكم على دفعنا عنه . < < الحاقة : ( 48 ) وإنه لتذكرة للمتقين > >
وقوله : ( ^ وإنه لتذكرة للمتقين ) أي : القرآن . < < الحاقة : ( 49 ) وإنا لنعلم أن . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ) أي : بالقرآن وبالرسول . < < الحاقة : ( 50 ) وإنه لحسرة على . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإنه لحسرة على الكافرين ) أي : البعث حسرة على الكافرين . < < الحاقة : ( 51 ) وإنه لحق اليقين > >
وقوله : ( ^ وإنه لحق اليقين ) أي : البعث محض اليقين وعين اليقين . < < الحاقة : ( 52 ) فسبح باسم ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ فسبح باسم ربك العظيم ) أي : نزه ربك العظيم ، واذكره بأوصافه المحمودة اللائقة .
وفيه دليل أن الاسم هو المسمى ، ولا فرق بينهما .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ سأل سائل بعذاب واقع ( 1 ) للكافرين ليس له دافع ( 2 ) ) . <
> تفسير سورة المعارج <
>
وهي مكية < < المعارج : ( 1 ) سأل سائل بعذاب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ سأل سائل بعذاب واقع ) أي : واقع أي : دعا داع .
والآية نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة وأنه قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت هذه الآية .
قوله تعالى : ( ^ بعذاب واقع ) ' الباء ' صلة .
ومعناه : دعا داع ، والتمس ملتمس عذابا من الله تعالى .
وقوله : ( ^ واقع ) أي : كائن حاصل في حق الكافرين ، وذلك يوم القيامة يقع بهم ذلك لا محالة .
وقيل : هو في الدنيا ، وقد وقع ذلك بالنضر بن الحارث ، حيث قتل صبرا يوم بدر .
وهذا الذي ذكرنا معنى قول مجاهد وغيره .
والقول الثاني في الآية : سأل سائل عن عذاب واقع ، ' فالباء ' بمعنى ' عن ' قاله الفراء وغيره .
والمعنى : سأل سائل بمن يقع العذاب ؟ وعلى من ينزل العذاب ؟ < < المعارج : ( 2 ) للكافرين ليس له . . . . . > > فقال الله تعالى : ( ^ للكافرين ) يعني : على الكافرين .
وقرئ في الشاذ : ' سال سائل ' يقال : سال بمعنى سأل على الهمز .
وقيل : سال سائل أي : واد في جهنم يسيل على الكفار بالعذاب .
وقوله تعالى : ( ^ ليس له دافع ) أي : لا يدفع العذاب على الكافرين أحد ، ولا يمنعه منهم .
____________________

( ^ من الله ذي المعارج ( 3 ) تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ( 4 ) ) . < < المعارج : ( 3 ) من الله ذي . . . . . > >
وقوله : ( ^ من الله ذي المعارج ) أي : ذي السموات ، وسميت السموات معارج ، لأن الملائكة يعرجون إليها .
ويقال : ذي المعارج أي : ذي الفواضل .
ويقال : ذي الدرجات على معنى إكرامه المؤمنين بالدرجات وإعطائها إياهم . < < المعارج : ( 4 ) تعرج الملائكة والروح . . . . . > >
وقوله : ( ^ تعرج الملائكة والروح إليه ) قد بينا معنى الروح .
وقيل : هم في خلق السماء يشبهون الآدميين ، وليسوا بآدميين .
وقوله : ( ^ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال ابن عباس : هو يوم القيامة ، وهو أصح القولين .
وروى الحسن مرسلا وأبو سعيد الخدري مسندا في بعض الغرائب من الروايات : ' أن الله تعالى يخففه على المؤمنين ، فيجعله بقدر صلاة مكتوبة خفيفة ' .
وفي بعض الآثار : ' بقدر ما بين الظهر إلى العصر ' .
وقال وهب بن منبه : من قرار الأرض إلى فوق العرش خمسين ألف سنة .
وقيل معنى قوله : ( ^ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) يعني : لو عمل عامل أو حاسب محاسب ما يعمل الله تعالى في ساعة أو في يوم واحد ، لم ينقطع إلى خمسين ألف سنة .
وعن ابن عباس في بعض الروايات أن قوله تعالى : ( ^ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) وقوله : ( ^ في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) آيتان لا يعلم معناهما إلا الله .
ومثله عن قتادة .
____________________

( ^ فاصبر صبرا جميلا ( 5 ) إنهم يرونه بعيدا ( 6 ) ونراه قريبا ( 7 ) يوم تكون السماء كالمهل ( 8 ) وتكون الجبال كالعهن ( 9 ) ولا يسأل حميم حميما ( 10 ) يبصرونهم )
وقوله : إن قوله : ( ^ ألف سنة ) هو مسافة ما بين السماء والأرض صاعدا ونازلا .
وقوله : ( ^ خمسين ألف سنة ) مسافة ما بين الأرض إلى العرش صاعدا .
والله أعلم . < < المعارج : ( 5 ) فاصبر صبرا جميلا > >
وقوله : ( ^ فاصبر صبرا جميلا ) أي : صبرا لا جزع فيه ولا شكوى .
وعن قيس بن الحجاج في قوله : ( ^ فاصبر صبرا جميلا ) قال : هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم و لا يدرى من هو ، وإنما أمره بالصبر ؛ لأن المشركين كانوا يؤذونه ، فأمره بالصبر إلى أن ينزل بهم عذابه . < < المعارج : ( 6 ) إنهم يرونه بعيدا > >
وقوله : ( ^ إنهم يرونه بعيدا ) أي : العذاب . < < المعارج : ( 7 ) ونراه قريبا > >
وقوله : ( ^ ونراه قريبا ) لكونه ووقوعه لا محالة . < < المعارج : ( 8 ) يوم تكون السماء . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يوم تكون السماء كالمهل ) أي : كدردى الزيت ، ويقال : كعكر القطران .
وعن ابن مسعود قال : هو المذاب من جواهر الأرض مثل النحاس والرصاص والفضة ، فالكل مهل . < < المعارج : ( 9 ) وتكون الجبال كالعهن > >
وقوله : ( ^ وتكون الجبال كالعهن ) والعهن : الصوف المصبوغ ، وشبهه به في ضعفه ولينه . < < المعارج : ( 10 ) ولا يسأل حميم . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولا يسأل حميم حميما ) أي : لا يسأل قريب عن حال قريبه لشغله بنفسه .
وقرئ : ' ولا يسأل حميم حميما ' أي : لا يسأل أحد أين حميمك ؟ < < المعارج : ( 11 - 12 ) يبصرونهم يود المجرم . . . . . > >
وقوله : ( ^ يبصرونهم ) أي : يعرفونهم .
ومعناه : يعرف بعضهم بعضا ، ولا يسأله عن حاله لشغله بنفسه .
وقيل : يعرف بعضهم بعضا بالسمات والعلامات ، فإن لأهل الجنة سمات وعلامات ، وكذلك لأهل النار .
____________________

( ^ يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه ( 11 ) وصاحبته وأخيه ( 12 ) وفصيلته التي تؤويه ( 13 ) ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه ( 14 ) كلا إنها لظى ( 15 ) نزاعة للشوى ( 16 ) تدعو من أدبر وتولى ( 17 ) وجمع فأوعى )
وقوله : ( ^ يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته ) أي : امرأته .
( ^ وأخيه ) هو الأخ المعروف . < < المعارج : ( 13 ) وفصيلته التي تؤويه > >
وقوله : ( ^ وفصيلته التي تؤويه ) أي : عشيرته التي يأوي إليهم ، وقيل : أقربائه الأدنون .
والفصيلة أحضر وأدنى من الفحل .
ويقال : العباس هو من فصيلة الرسول . < < المعارج : ( 14 ) ومن في الأرض . . . . . > >
وقوله : ( ^ ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه ) أي : لو يفتدى بمن في الأرض جميعا لينجو فلا ينجو . < < المعارج : ( 15 ) كلا إنها لظى > >
وقوله : ( ^ كلا ) هو ما بينا من المعنى .
وعن عمر بن عبد الله مولى غفرة : أن كل ما جاء في القرآن ' كلا ' هو بمعنى كذبت .
وقوله : ( ^ إنها لظى ) اسم من أسماء جهنم .
ويقال : ' إنها لظى ' عذاب لازم لا ينجو منها أبدا . < < المعارج : ( 16 ) نزاعة للشوى > >
وقوله : ( ^ نزاعة للشوى ) الأكثرون أن الشوى هو الأطراف مثل اليدين والرجلين وغير ذلك .
وذكر الفراء أنها جلدة الرأس .
وقيل : قحف الرأس .
ويقال : الجلد واللحم حتى يبقى العظم .
وقيل : الجلد واللحم والعظم إلى أن يصل إلى القلب ، وهو نضيج ، ذكره مجاهد . < < المعارج : ( 17 ) تدعو من أدبر . . . . . > >
وقوله : ( ^ تدعو من أدبر و تولى ) أي : تنادي من أدبر وتولى من الكفار فتقول : يا فلان وتذكر اسمه أقبل إلي وتأخذه .
وقال المبرد في قوله : ( ^ تدعو ) أي : تعذب .
وروى عن النضر عن الخليل أنه سمع أعرابيا يقول لآخر : دعاك الله ، أي : عذبك الله .
وأما ثعلب فإنه قال : تناديهم واحدا واحدا بأسمائهم .
وهو الأظهر . < < المعارج : ( 18 ) وجمع فأوعى > >
وقوله : ( ^ وجمع فأوعى ) أي : جمع المال فأوعاه ، أي : جعله في وعاء وأوكأ
____________________

( ( 18 ) إن الإنسان خلق هلوعا ( 19 ) إذا مسه الشر جزوعا ( 20 ) وإذا مسه الخير منوعا ( 21 ) إلا المصلين ( 22 ) الذين هم على صلاتهم دائمون ( 23 ) والذين في أموالهم حق معلوم ( 24 ) للسائل والمحروم ( 25 ) والذين ) عليه ، وهو كناية عن البخل ومنع الحق . < < المعارج : ( 19 ) إن الإنسان خلق . . . . . > >
قوله تعالى ( ^ إن الإنسان خلق هلوعا ) أي : جزوعا .
قال ثعلب : سألني محمد ابن عبد الله بن طاهر عن هذه الآية ، فقلت : الهلع أسوأ الجزع .
وقيل : هلوعا : ضجرا .
وعن الحسن : ضعيفا .
وقال الضحاك : بخيلا .
وعن غيرهم : حريصا . < < المعارج : ( 20 - 21 ) إذا مسه الشر . . . . . > >
ويقال تفسيره هو قوله : ( ^ إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ) أي : إذا مسه الشر لم يصبر ، وإذا مسه الخير لم يشكر . < < المعارج : ( 22 - 23 ) إلا المصلين > >
وقوله : ( ^ إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ) هذا الاستثناء منصرف إلى ابتداء الكلام ، ومعناه : أن هؤلاء ينجون من العذاب .
وروى سفيان عن منصور عن إبراهيم قال : الآية في الصلوات المكتوبة .
وقيل : إدامتها هو إقامتها في أوقاتها .
ويقال : ليست إدامتها أن يصلي أبدا ، ولكن إدامتها أنه إذا صلى لم يلتفت يمينا ولا شمالا .
ويقال : إدامة الصلوات : ألا يتركها ، وهذا قول حسن .
وعن بعض السلف هو ألا يؤخرها عن المواقيت ؛ فأما إذا تركها كفرز < < المعارج : ( 24 - 25 ) والذين في أموالهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ والذين في أموالهم حق معلوم للسائل ) وهو الطواف الذي يسأل ( عن ) الناس .
وقوله : ( ^ والمحروم ) هو الذي لا يسأل ، ويقال : هو المحارف ، وقيل : المحدود .
وكلاهما بمعنى واحد .
يقال : فلان مجدود ، وفلان محدود ، والمجدود الذي يوافقه الجد ، والمحدود المحروم .
قال ابن عمر : المحروم هو الكلب .
وعن الشعبي قال : أعياني أن أعرف معنى المحروم .
وقيل : هو الفقير الذي لا شيء له . < < المعارج : ( 26 ) والذين يصدقون بيوم . . . . . > >
وقوله : ( ^ والذين يصدقون بيوم الدين ) أي : يؤمنون به .
____________________

( ^ يصدقون بيوم الدين ( 26 ) والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ( 27 ) إن عذاب ربهم غير مأمون ( 28 ) والذين هم لفروجهم حافظون ( 29 ) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ( 29 ) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( 31 ) والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون ( 32 ) ) . < < المعارج : ( 27 ) والذين هم من . . . . . > >
وقوله : ( ^ والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ) أي : خائفون .
وعن معاذ بن جبل قال : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الخائفون ؟ فيحشرون في كنف الرحمن لا يحتجب الله منهم .
ذكره أبو الحسين بن فارس في تفسيره .
وفي الخبر المعروف أن النبي قال حاكيا عن الله تعالى : ' لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين ، فإذا خافني في الدنيا أمنته في الآخرة ، وإذا أمنني في الدنيا خوفته في الآخرة ' . < < المعارج : ( 28 ) إن عذاب ربهم . . . . . > >
قوله : ( ^ إن عذاب ربهم غير مأمون ) ظاهر المعنى . < < المعارج : ( 29 - 30 ) والذين هم لفروجهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ) قال ابن عيينة ، من لام أحدا فيما ملكت يمينه وإن كثر ، أو لامه في نسائه إذا بلغ الأربع ، فقد عصى الله تعالى ؛ لقوله تعالى : ( ^ فإنهم غير ملومين ) وقال أيضا : من تزوج [ بأربع ] نسوة ، أو تسرى بمماليك ، فلا خلل في زهده في
____________________

( ^ والذين هم بشهاداتهم قائمون ( 33 ) والذين هم على صلاتهم يحافظون ( 34 ) أولئك في جنات مكرمون ( 35 ) فما للذين كفروا قبلك مهطعين ( 36 ) عن اليمين وعن الشمال عزين ( 37 ) ) .
الدنيا ، فإن عليا - رضي الله - عنه قتل عن أربع عقائل [ وتسع عشرة ] سرية وكان أزهد الصحابة .
وفي الآية دليل على تحريم المتعة .
وسئلت عائشة عن المتعة فقالت : بيني وبينكم كتاب الله ، وتلت هذه الآية .
وسئل ابن عمر عن ذلك فقال : هو زنا .
فقيل : إن فلانا يبيحها ، فقال : أفلا ترمرم به في زمان عمر ، والله لو أخذه فيها لرجمه . < < المعارج : ( 31 ) فمن ابتغى وراء . . . . . > >
وقوله : ( ^ فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) هو دليل على ما بينا .
والعادي والمتعادي واحد . < < المعارج : ( 32 ) والذين هم لأماناتهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ) أي : حافظون .
وقيل : أصل الأمانة أن كلمة التوحيد ائتمن الله تعالى المؤمنين عليها . < < المعارج : ( 33 ) والذين هم بشهاداتهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ والذين هم بشهادتهم قائمون ) وقرئ : ' بشهاداتهم ' إحداهما بمعنى الجمع ، والأخرى بمعنى الوحدان .
ومعنى ( ^ قائمون ) أي : يؤدونها على وجهها . < < المعارج : ( 34 ) والذين هم على . . . . . > >
وقوله : ( ^ والذين هم على صلاتهم يحافظون ) قد بينا المعنى . < < المعارج : ( 35 ) أولئك في جنات . . . . . > >
وقوله : ( ^ أولئك في جنات مكرمون ) أي : بساتين يكرمهم الله بأنواع النعم . < < المعارج : ( 36 ) فمال الذين كفروا . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ) أي : مسرعين .
قال أبو جعفر النحاس : والآية في المعنى مشكلة ، والمراد والله أعلم : فما للذين كفروا يسرعون إليك لاستماع القرآن ، ثم يتفرقون بلا قبول له والإيمان به .
وفي التفسير : أنهم كانوا يأتون ويجلسون حول النبي وينظرون إليه نظر البغضاء والعداوة ، ويستمعون القرآن استماع الاستهزاء والتكذيب . < < المعارج : ( 37 ) عن اليمين وعن . . . . . > >
وقوله : ( ^ عن اليمين وعن الشمال عزين ) أي : متفرقين حلقا حلقا .
وروى أن
____________________

( ^ أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة النعيم ( 38 ) كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ( 39 ) فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون ( 40 ) على أن نبدل خيرا منهم )
النبي خرج إلى المسجد وأصحابه متفرقون كل جماعة في موضع ، فقال : ' مالي أراكم عزين ' .
والسنة أن يجلسوا حلقة واحدة ، أو بعضهم خلف بعض ، ولا يتفرقون في الجلوس . < < المعارج : ( 38 ) أيطمع كل امرئ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ) قال المفسرون : لما ذكر الله تعالى الجنة للمؤمنين قال الكفار : ونحن أيضا ندخل معكم ؛ < < المعارج : ( 39 ) كلا إنا خلقناهم . . . . . > > فأنزل الله تعالى : ( ^ كلا ) أي : لا يكون الأمر كما يطمع ويظن .
وقوله : ( ^ إنا خلقناهم مما يعلمون ) أي : من الأقذار والنجاسات .
والمعنى : أنه ليس إدخال من يدخل الجنة بكونه مخلوقا ؛ لأنه خلق من شيء نجس قذر ، فلا يستحق دخول الجنة ، و إنما يستحق دخول الجنة بالتقوى والدين .
ويقال : إنا خلقناهم من أجل ما [ يعلمون ] ، وهو عبادة الله والإيمان به .
قال الشاعر :
( أأزمعت من آل ليلى ابتكارا ** وشطت على ذي هوى أن تزارا )
أي : من أجل آل ليلى .
وقيل : ( ^ إنا خلقناهم مما يعلمون ) أي : ممن يعلمون .
والقول الأصح هو الأول .
____________________


( ^ وما نحن بمسبوقين ( 41 ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ( 42 ) يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ( 43 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ( 44 ) ) . < < المعارج : ( 40 - 41 ) فلا أقسم برب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فلا أقسم برب المشارق والمغارب ) معناه : أقسم ، وهو على مذهب العرب ، وكانوا يقولون هكذا .
وذكر هاهنا المشارق والمغارب ؛ لأن الشمس في كل يوم تشرق من مكان آخر غير ما كان في اليوم الأول ، وكذلك في المغرب .
وفي التفسير : أنها تطلع كل يوم من كوة أخرى ، وتغرب من كوة أخرى .
وقوله : ( ^ إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم ) أي : أطوع لله منهم ، وأمثل منهم .
وقوله : ( ^ وما نحن بمسبوقين ) أي : معاجزين ، وقد بينا من قبل . < < المعارج : ( 42 ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) هو يوم القيامة .
وهو مذكور على طريق التهديد لا على طريق الإطلاق والإذن . < < المعارج : ( 43 ) يوم يخرجون من . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ يوم يخرجون من الأجداث سراعا ) أي : من القبور . والجدث : القبر ، والأجداث الجمع .
وقوله : ( ^ كأنهم إلى نصب يوفضون ) أي : يخرجون سراعا كأنهم إلى علم نصب لهم يسرعون ، وقرئ : ' نصب يوفضون ' بضم النون ، والنُصُب والنَصَب بمعنى الأصنام ، وقد كانوا يسرعون إلى أصنامهم إذا ذهبوا إليها ، فيعظموها ويستلموها . < < المعارج : ( 44 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ خاشعة أبصارهم ) أي : ذليلة أبصارهم ( ^ ترهقهم ذلة ) أي : مذلة .
وقوله : ( ^ ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ) أي : يقال لهم : هذا اليوم هو اليوم الذي وعدتم في الدنيا .
والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ( 1 ) قال يا قوم إني لكم نذير مبين ( 2 ) أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ( 3 ) يغفر لكم ) <
> تفسير سورة نوح عليه السلام <
>
وهي مكية
وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ .
وعن ابن عباس : أنه بعث وهو ابن أربعين سنة .
وعن عوف بن أبي شداد : أنه بعث وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة .
ويقال : سمي نوحا ؛ لأنه كان ينوح على نفسه .
والله أعلم . < < نوح : ( 1 ) إنا أرسلنا نوحا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك ) معناه : بأن أنذر قومك إلا أنه حذف الباء .
وفي قراءة ابن مسعود ( ^ أنذر قومك ) من غير ' أن ' ومعناه : وقلنا له أنذر قومك .
وقوله ( ^ من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ) قيل : هو الغرق في الدنيا .
وقيل هو النار في الآخرة . < < نوح : ( 2 ) قال يا قوم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال يا قوم إني لكم نذير مبين ) أي : بين النذارة . < < نوح : ( 3 ) أن اعبدوا الله . . . . . > >
وقوله ( ^ أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ) وهذا هو الذي بعث الله لأجله الرسل ، فإن الله تعالى ما بعث رسولا إلا ليعبدوه ويتقوه ويطيعوا رسوله . < < نوح : ( 4 ) يغفر لكم من . . . . . > >
وقوله : ( ^ يغفر لكم من ذنوبكم ) أي : من ذنوبكم التي أوعدكم عليها العقوبة .
وقد كانت لهم ذنوب أخر عفا الله عنها .
وقال الفراء : ' من ' ليست هاهنا للتبعيض ،
____________________


( ^ من ذنوبكم ويؤخركم إلى آجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ( 4 ) قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ( 5 ) فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ( 6 ) ) . ولكنها للتخصيص على معنى تخصيص الذنوب بالغفران .
وقوله : ( ^ ويؤخركم إلى آجل مسمى ) أي : إلى الموت .
فإن قيل : هذه الآية تدل على أنه يجوز أن يكون للإنسان أجلان ، وأن العقوبة تقع قبل الأجل المضروب للموت .
والجواب من وجهين : أحدهما : أنه يجوز أن يقال : إن الأجل أجلان : أحدهما : إلى سنة أو سنتين إن عصوا الله ، والآخر : إلى عشر سنين أو عشرين سنة إن أطاعوا الله ، فعلى هذا قوله تعالى : ( ^ إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ) أي : في حالتي الطاعة والمعصية .
والوجه الثاني : أن الأجل واحد بكل حال .
وقوله ( ^ ويؤخركم إلى أجل مسمى ) أي : يميتكم غير ميتة الاستئصال والعقوبة ، وهو الموت الذي يكون بلا غرق ولا قتل ولا حرق .
وقيل : يؤخركم إلى أجل مسمى ، أي : عندكم ، وهو الأجل الذي تعرفونه ، وذلك موت من غير هذه الوجوه .
وهذا القول أقرب إلى مذهب أهل السنة ، فعلى هذا قوله : إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ) هو الأجل المسمى المضروب لكل إنسان ) .
وقوله ( ^ لو كنتم تعلمون ) [ أي ] : إن كنتم تعلمون . < < نوح : ( 5 ) قال رب إني . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ) قال الفراء : أي : من كل وجه وفي كل زمان أمكنت فيه الدعوة من ليل أو نهار . < < نوح : ( 6 ) فلم يزدهم دعائي . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ) أي : فرارا من الإيمان .
____________________

( ^ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ( 7 ) ثم إني دعوتهم جهارا ( 8 ) ثم إني أعلنت ) < < نوح : ( 7 ) وإني كلما دعوتهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم ) أي : ليؤمنوا فتغفر لهم ، فكنى بالمغفرة عن الإيمان ؛ لأن الإيمان سبب المغفرة .
وقوله : ( ^ جعلوا أصابعهم في آذانهم ) يعني : فعلوا ذلك لئلا يسمعوا .
وقوله : ( ^ واستغشوا ثيابهم ) أي : تغطوا بثيابهم لئلا يروا نوحا ، ولا يسمعوا كلامه ، وذكر النحاس قولا آخر وقال : إن معنى قوله : ( ^ واستغشوا ثيابهم ) أي : أظهروا العداوة .
ويقال : لبس فلان ثياب العداوة على معنى إظهار العداوة .
وقوله : ( ^ وأصروا ) قال ( أبو عبيد ) : [ أي ] : أقاموا عليه .
والإصرار أن يفعل الفعل ثم لا يندم .
وفي بعض الغرائب من الآثار ؛ ' لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ' .
وقوله : ( ^ واستكبروا استكبارا ) أي : تكبروا تكبرا .
وقد بينا أن الشرك وترك الإقرار بالتوحيد استكبار . < < نوح : ( 8 - 10 ) ثم إني دعوتهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ) فإن قيل : أليس قد دخل هذا في قوله تعالى : ( رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ) ؟ قلنا : كلام بحيث يجوز أن يكون قال هذا على وجه التأكيد ، والإعلان والجهر بمعنى واحد ، وهو كلام بحيث يسمع الجماعة ، وأن الإسرار هو أن يقوله مع الإنسان وحده في خلوة .
والجواب الثاني : أن معنى قوله : ( ^ إني دعوت قومي ليلا ونهارا ) إلى التوحيد ، وأما قوله : ( ^ ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ) هو دعاؤه إياهم إلى الاستغفار لما يتلوه من بعد ، وهو قوله تعالى : ( ^ فقلت استغفروا
____________________

( ^ لهم وأسررت لهم إسرارا ( 9 ) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ( 10 ) يرسل السماء عليكم مدرارا ( 11 ) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ( 12 ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( 13 ) ) . ربكم إنه كان غفارا ) . < < نوح : ( 11 ) يرسل السماء عليكم . . . . . > >
وقوله : ( ^ يرسل السماء عليكم مدرارا ) أي : ليرسل .
ومدرارا ، أي : متتابعا .
والسماء : المطر .
وقيل هو المطر في إبانه .
وفي بعض الأخبار : إذا أراد الله بقوم خيرا أمطرهم في وقت الزرع ، وحبس عنهم في وقت الحصاد ، وإذا أراد بقوم سوءا أمطرهم في وقت الحصاد وحبس في وقت الزرع .
وروى الشعبي أن عمر - رضي الله عنه - خرج ( مرة ) للاستسقاء فلم يزد على الاستغفار ثم نزل .
فقيل له : يا أمير المؤمنين ، إنك لم تستسق ! فقال : لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر ، وتلا قوله تعالى : ( ^ استغفروا ربكم إنه كان غفارا ) . < < نوح : ( 12 ) ويمددكم بأموال وبنين . . . . . > >
وقوله : ( ^ ويمددكم بأموال وبنين ) قال قتادة : علم أن القوم أصحاب دنيا ، فحركهم بها ليؤمنوا .
وعن بعضهم : أن الله تعالى أعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ، وحبس عنهم المطر أربعين سنة ، فهو معنى قول نوح : ( ^ يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ) .
وقوله تعالى : ( ^ ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) أي : بساتين وأنهارا تجري فيما بينها . < < نوح : ( 13 ) ما لكم لا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ما لكم لا ترجون لله وقارا ) أي : تخافون لله عظمة وقدرة .
وقال قطرب : مالكم لا تبالون من عظمة الله تعالى .
وقيل : وقارا ، أي : طاعة ، ومعناه : مالكم لا ترجون طاعة الله ، أي : لا تستعملونها .
والقول الأول هو المعروف ، ذكره الفراء والزجاج وغيرهما ، وقد يذكر الرجاء بمعنى الخوف ؛ لأنه لا يكون الرجاء إلا ومعه خوف الفوت .
____________________

( ^ وقد خلقكم أطوارا ( 14 ) ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا ( 15 ) وجعل القمر )
قال الشاعر :
( إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ** وخالفها في بيت نوب ( عوامل ) )
وقال آخر :
( إذا أهل الكرامة أكرموني ** فلا أرجو الهوان من اللئام ) .
أي : لا أخاف . < < نوح : ( 14 ) وقد خلقكم أطوارا > >
وقوله : ( ^ وقد خلقكم أطوارا ) قال أبو عبيدة : الطور : الحال .
وذكره ا بن الأنباري أيضا .
قال الشاعر :
( والمرء يخلق طورا بعد ( أطوار ) )
ومعنى الحالات هاهنا : أنه خلقه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ولحمها إلى أن أتم خلقه . < < نوح : ( 15 ) ألم تروا كيف . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا ) قد بينا . < < نوح : ( 16 ) وجعل القمر فيهن . . . . . > >
وقوله : ( ^ وجعل القمر فيهن نورا ) فإن قال قائل : القمر إنما خلق في سماء الدنيا ، فكيف قال : ( ^ فيهن نورا ) ؟
والجواب من وجوه : أحدهما : أنه يجوز في لسان العرب أن ( يقال ) : فيهن نورا ، وإن كان في إحديهن ، كالرجل يقول : توارى فلان في دور فلان ، وإن كان توارى في إحديها .
ويقول القائل : ونزلت على بني تميم ، وإن كان نزل عند بعضهم .
____________________

( ^ فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ( 16 ) والله أنبتكم من الأرض نباتا ( 17 ) ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ( 18 ) .
والوجه الثاني : ما قاله عبد الله بن عمرو بن العاص أن وجه القمر إلى السموات السبع وقفاه إلى الأرض ، وكذا قال في الشمس ، فعلى هذا قوله : ( ^ فيهن نورا ) أي : نوره فيهن .
والوجه الثالث : أن السموات في المعنى كشيء واحد ، فقال : ( ^ فيهن نورا ) لهذا ، وإن كان في سماء واحد .
والوجه الرابع : أن معنى قوله : ( ^ فيهن نورا ) أي : معهن نورا .
قال امرؤ القيس :
( وهل ينعمن من كان آخر عهده ** ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال )
أي : مع ثلاثة أحوال .
وقوله : ( ^ وجعل الشمس سراجا ) أي : فيهن ، والمعنى ما بينا .
وعن عبد الله بن عمرو أيضا قال : ما خلق الله شيئا أشد حرارة من الشمس ، ولولا أن السماء تحول بين الأرض وبين ضوئها وإلا ( لأحرقت ) كل شيء في الأرض .
وروى أنه سئل لماذا يبرد الزمان في الشتاء ، وبم يكون الحر في الصيف ؟ فقال : تكون الشمس في الصيف في السماء الدنيا ، وفي الشتاء في السماء السابعة . < < نوح : ( 17 ) والله أنبتكم من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ والله أنبتكم من الأرض نباتا ) يجوز في اللغة إنباتا و نباتا .
وقيل : أنبتكم فنبتم نباتا . < < نوح : ( 18 ) ثم يعيدكم فيها . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم يعيدكم فيها ) أي : بالموت .
وقوله : ( ^ ويخرجكم إخراجا ) عند النشور . < < نوح : ( 19 ) والله جعل لكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( والله جعل لكم الأرض بساطا ) أي : بسطها بسطا .
____________________

( ^ والله جعل لكم الأرض بساطا ( 19 ) لتسلكوا منها سبلا فجاجا ( 20 ) قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ( 21 ) ومكروا مكرا كبارا ( 22 ) وقالوا لا تذرن آلهتكم لا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ) < < نوح : ( 20 ) لتسلكوا منها سبلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ لتسلكوا منها سبلا فجاجا ) أي : طرقا واسعة .
والسبيل قد يذكر ويؤنث .
قال الشاعر :
( تمنى رجال أن أموت وإن أمت ** فتلك سبيل لست فيها بأوحد )
أي : بواحد . < < نوح : ( 21 ) قال نوح رب . . . . . > >
وقوله : ( ^ قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ) يعني : أن الضعفاء اتبعوا الأشراف والأكابر والرءوس من الكفار الذين لم تزدهم أموالهم وأولادهم إلا خسارا . < < نوح : ( 22 ) ومكروا مكرا كبارا > >
وقوله : ( ^ ومكروا مكرا كبارا ) أي : كبيرا ، وكبار في اللغة أشد من الكبير . < < نوح : ( 23 ) وقالوا لا تذرن . . . . . > >
وقوله : ( ^ وقالوا لا تذرن آلهتكم ) أي : لا تذروا آلهتكم ، ( ^ ولا تذرن ) أي : ولا تذروا ( ^ ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ) هذه الأسماء أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها .
وفي التفسير : أن ودا كانت لكلب ، والسواع كانت لهذيل ، ويغوث كانت لبني غطيف بن دارم ، ويعوق كانت لهمدان ، ونسرا كانت لحمير ، وقد قيل على خلاف هذا .
وكانت بقية هذه الأصنام لهم من زمان نوح قد غرقت ، فاستخرجها لهم إبليس حتى عبدوها .
وعن أبي عثمان النهدي قال : كانت يغوث من رصاص رأيته ، وكانوا يحملونه على جمل أجرد إذا سافروا ولا يهيجون الجمل ويجعلونه قدامهم ، فإذا برك في موضع نزلوا ، وقالوا : رضى ربكم بالمنزل .
وعن محمد بن كعب القرظي قال : هذه الأسماء أسماء قوم صالحين قبل نوح ، فلما ماتوا زين الشيطان لأبنائهم ليتخذوا أشخاصا على صورهم ، فيكون نظرهم إليها حثا لهم على العبادة ، ثم إنهم عبدوها من بعد لما تطاول لهم الزمان .
____________________


( ^ ونسرا ( 23 ) وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ( 24 ) مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ( 25 ) وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( 26 ) إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ( 27 ) . < < نوح : ( 24 ) وقد أضلوا كثيرا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقد أضلوا كثيرا ) أي : ضل كثير من الناس بسببهم .
وقوله : ( ^ ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) دعا عليهم هذا الدعاء عقوبة لهم ، وهو مثل دعاء موسى على قوم فرعون ( ^ ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم ) . < < نوح : ( 25 ) مما خطيئاتهم أغرقوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ مما خطيئاتهم ) أي : من خطيئاتهم ، ( ^ أغرقوا فأدخلوا نارا ) يعني : أغرقوا في الدنيا ، وأدخلوا نارا في الآخرة .
وقيل : هو في القبر .
وعن الحسن قال : البحر طبق جهنم .
وقيل : البحر نار ثم نار .
وقوله : ( ^ فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ) أي : أحدا يمنعهم من عذاب الله . < < نوح : ( 26 ) وقال نوح رب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) أي : أحدا .
وقيل : ديارا أي : من ينزل دارا ، مأخوذ من الدار . < < نوح : ( 27 ) إنك إن تذرهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) وهذا على ما أخبره الله تعالى عنهم ( ^ أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ) وعن مجاهد : أن الرجل منهم كان يأتي نوحا فيضربه حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
ثم إنه لما أخبر الله تعالى أنه لا يؤمن أحد منهم دعا عليهم .
وفي القصة : أن الرجل منهم كان يحمل ابنه على كتفه إليه ويقول : احذر هذا الشيخ المجنون ، فإن أبى أحذرني إياه كما حذرتك ، ففعلوا كذلك حتى مضى سبعة قرون ،
____________________


( ^ رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا ( 28 ) ) . فروى أن آخر من جاءه منهم قال كذلك لابنه ، فقال ذلك الصبي : أنزلني فأنزله ، فجعل يرميه بالحجر حتى شجه ، فغضب حينئذ ودعا عليهم . < < نوح : ( 28 ) رب اغفر لي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ رب اغفر لي ولوالدي ) قرأ سعيد بن جبير : ' لوالِدِي ' وفي بعض القراءات : ' لِوالَدَيَّ ' .
وقوله : ( ^ ولمن دخل بيتي مؤمنا ) أي : سفينتي .
وقيل : صومعتي .
وقيل : بيتي الذي أسكنه .
وقوله : ( ^ وللمؤمنين ) أي : لكل المؤمنين والمؤمنات إلى يوم القيامة .
وقوله : ( ^ ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) أي : هلاكا .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) <
> تفسير سورة الجن <
>
وهي مكية < < الجن : ( 1 ) قل أوحي إلي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) سبب نزول هذه الآية ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس ' أن النبي انطلق في نفر من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، فمر بالنخلة ، وقد كان الشياطين منعوا من السماء ، وأرسلت الشهب عليهم ، فقالوا لقومهم : قد حيل بيننا وبين خبر السماء ، فقالوا : إنما ذلك لأمر حدث في الأرض .
وروى أنهم قالوا ذلك لإبليس ، وأن إبليس قال لهم : اضربوا في مشارق الأرض ومغاربها لتعرفوا ما الأمر الذي حدث ؟ فمر نفر منهم نحو تهامة فرأوا النبي يصلي بأصحابه صلاة الفجر ببطن نخلة ، وهو يقرأ القرآن ، فقالوا : هذا هو الأمر الذي حدث ، ورجعوا إلى قومهم وأخبروهم بذلك ، وأنزل الله تعالى هذه الآية ' .
وقد روى البخاري في الصحيح نحوا ( من رواية ) ابن عباس .
وذكر ابن جريح في تفسيره عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن ابن مسعود ' أن النبي انطلق إلى الجن ليقرأ عليهم القرآن ويدعوهم إلى الله ، فقال لأصحابه : من يصحبني منكم ؟ وفي رواية : ليقم منكم رجل معي ليس في قلبه حبة خردل من كبر .
فسكت القوم .
فقال ذلك ثانيا وثالثا ، فقام عبد الله بن مسعود ، قال ابن مسعود : فانطلقت مع رسول الله قبل الحجون حتى دخلنا شعب أبي دب ، فقال : فخط لي خطا فقال : لا تبرح هذا الخط ، ونزل عليه الجن مثل الحجل .
قال فقرأ عليهم
____________________

القرآن وعلا صوته ، فلصقوا بالأرض حتى لا أراهم ' وفي رواية : انهم قالوا له : ' ما أنت ؟ ما أنت ؟ قال : نبي .
قالوا : ومن يشهد لك ؟ فقال : هذه الشجرة ، قال : فدعا الشجرة فجاءت تجر عروقها ، لها قعاقع ، وشهدت الشجرة له بالنبوة ، ثم عادت إلى مكانها ' وفي هذا الخبر : ' أنهم سألوه الزاد فأعطاهم العظم والبعر ، فكانوا يجدون العظم أوقر ما يكون لحما ، والبعر علفا لدوابهم ، ونهى الرسول حينئذ الاستنجاء بالعظم والروث ' .
قال جماعة من أهل التفسير : أن أمر الجن كان مرتين ، مرة بمكة ومرة ببطن نخلة ، فالذي رواه ابن عباس هو الذي كان ببطن نخلة ، والذي رواه ابن مسعود هو الذي كان بمكة ، فأما الذي كان ببطن نخلة فإنهم مروا بالنبي واستمعوا القرآن ، وأما الذي كان بمكة فإن الرسول انطلق إليهم ، وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الإيمان ، فهذا هو الجمع بين الروايتين .
وقد روى أن عبد الله بن مسعود رأى بالعراق قوما من الزط ، فقال : أشبههم بالجن ليلة الجن .
وفي رواية علقمة : أنه قال لعبد الله بن مسعود : هل كان منكم أحد مع رسول الله ليلة الجن ؟ قال : لا ، ما شهده منا أحد ، وساق خبرا ذكره مسلم في كتابه .
وفي الباب اختلاف كثير في الروايات ، وأما ما ذكرناه هو المختصر منها ، ويحتمل أن ابن مسعود كان مع رسول الله ليلة الجن إلا أنه لم يكن معه عند خطاب الجن وقراءة القرآن ، عليهم ، فإنه روى أنه قال : ' خط رسول الله لي خطا وقال : لا تبرح هذا الخط وانطلق في الجبل ، قال فسمعت لغطا وصوتا عظيما ، فأردت أن أذهب في أثره ، فذكرت قول رسول الله : لا تبرح الخط فلم أذهب ، فلما رجع ذكرت له ذلك ، فقال لي : لو خرجت من الخط لم ترني أبدا ' .
قوله تعالى : ( ^ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ) قال الفراء : النفر اسم لما بين الثلاثة إلى عشرة .
وحكاه ابن السكيت أيضا عن ابن زيد .
يقولون : عشرة نفر ، ولا يقولون : عشرون نفرا ، ولا ثلاثون نفرا .
وقد روى أنهم كانوا تسعة نفر ، وذكروا أسماءهم ، وقد بينا .
وروى عاصم عن زر أنه كان فيهم زوبعة .
____________________

( ^ فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ( 1 ) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ( 2 ) وأنه تعالى جد ربنا )
وقوله تعالى : ( ^ فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا ) أي : عجبا في نظمه وتأليفه وصحة معناه ، ولا يصح قوله : ( ^ إنا سمعنا ) إلا بالكسر . < < الجن : ( 2 ) يهدي إلى الرشد . . . . . > >
قوله : ( ^ يهدي إلى الرشد ) أي : إلى الصواب وطريق الحق .
وقوله تعالى : ( ^ فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ) أي : لا نجعل أحدا من خلقه شريكا له . < < الجن : ( 3 ) وأنه تعالى جد . . . . . > >
قوله تعالى ( ^ وأنه تعالى جد ربنا ) قرئ بالكسر والفتح ، فمن قرأ بالكسر فهو أن الجن قالوا ، ومن قرأ بالفتح فنصبه على معنى : آمنا وأنه تعالى جد ربنا ، فانتصب بوقوع الإيمان عليه ، والقراءة بالكسر أحسن القراءتين .
وقوله تعالى : ( ^ جد ربنا ) أي : عظمة ربنا ، هذا قول قتادة وغيره .
والجد : العظمة ، وهو البخت أيضا ، وهو أب الأب .
وفي حديث أنس : كان الرجل منا إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا ، أي : عظم [ فينا ] .
وقوله عليه الصلاة والسلام : ' ولا ينفع ذا الجد منك الجد ' أي : لا ينفع ذا البخت منك بخته إذا أردت به سوءا أو مكروها .
وعن الحسن قال : تعالى جد ربنا أي : غني ربنا .
وعن إبراهيم والسدي قالا : جد ربنا أي : أمر ربنا .
____________________

( ^ ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ( 3 ) وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ( 4 ) وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ( 5 ) وأنه كان رجال من )
وقوله تعالى : ( ^ ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ) أي : زوجة وولدا . < < الجن : ( 4 ) وأنه كان يقول . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) فيه قولان : أحدهما : أن السفيه هو إبليس عليه اللعنة ، وهو قول مجاهد ، والآخر : أنه كل عاص متمرد من الجن .
وقوله : ( ^ شططا ) أي : كذبا .
وقيل : جورا . < < الجن : ( 5 ) وأنا ظننا أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ) وقرأ يعقوب : ' أن لن تقول الإنس والجن ' أي : لن تقول ، معناه ظاهر ، كأنهم ظنوا أن كل من قال على الله شيئا فهو كما قال ، وأنه لا ( يجزى ) الكذب على الله . < < الجن : ( 6 ) وأنه كان رجال . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنه كان رجال من الإنس ) فإن قال قائل : قد قرئ هذا كله بالنصب ، فما وجه النصب فيه ؟ والجواب عنه : قد بينا وجه النصب فيما سبق ، وباقي الآيات نصبت بحكم المجاورة والعطف ، أو بتقدير آمنا أو ظننا أو شهدنا ، والعرب قد تتبع الكلمة الكلمة في الإعراب بنفس المجاورة والعطف مثل قولهم : جحر ضب خرب .
وقوله ( ^ يعوذون برجال من الجن ) في التفسير : أن الرجل كان يسافر والقوم كانوا يسافرون ، فإذا بلغوا مكانا قفرا من البرية وأمسوا قالوا : نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه .
وحكى عن بعضهم - وهو السائب بن أبي كردم - أنه قال : انطلقت مع أبي في سفر ومعنا قطعة من الغنم ، فنزلنا واديا قال : فجاء ذئب وأخذ حملا من الغنم ، فقام أبي وقال : يا عامر الوادي ، نحن في جوارك ، فحين قال ذلك أرسل الذئب الحمل ، فرجع الحمل إلى الغنم فلم تصبه كدمة .
فإن قال قائل : كيف برجال من
____________________

( ^ الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ( 6 ) وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ( 7 ) وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا الجن ، والجن لا يسمون رجالا ؟ والجواب : قلنا يجوز على طريق المجاز ، وقد ورد في بعض أخبار العرب في حكاية أن قوما من الجن قالوا : نحن أناس من الجن ، فإذا جاز أن يسموا أناسا جاز أن يسموا رجالا .
وأما قوله : ( ^ فزادوهم رهقا ) فيه قولان : أحدهما : إلا أن الإنس زادوا الجن رهقا أي : عظمة في أنفسهم ، كأن الإنس لما استعاذوا بالجن ازدادوا الجن في أنفسهم عظمة .
والقول الثاني : هو أن الإنس ازدادوا رقها بالاستعاذة من الجن .
ومعناه : طغيانا وإثما ، كأن الإنس لما استعاذوا بالجن وأمنوا على أنفسهم ازدادوا كفرا ، وظنوا أن أمنهم كان من الجن .
وقيل : رهقا أي : غشيانا للمحارم .
وقيل : مفارقة اللائم .
قال الأعشى :
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها ** هل يشتفي عاشق ما لم يصب رهقا ) < < الجن : ( 7 ) وأنهم ظنوا كما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ) في الآية دليل على أنه كان في الجن قوم لا يؤمنون بالبعث كما في الإنس . < < الجن : ( 8 ) وأنا لمسنا السماء . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا ) أي : ملئت حرسا بالملائكة .
وقوله : ( ^ شهبا ) جمع شهاب ، وهو قطعة من النار ، وقد ذكرنا من قبل صورة كيفية استراق الشياطين السمع من السماء ، وأنهم كانوا يسمعون الكلمة فيضمون إليها عشرة ويلقونها إلى الكهنة ، فلما كان في زمان النبي حرست السماء ، ورمى الشياطين بالشهب .
فإن قال قائل : لم يزل هذا الأمر معهودا قبل الرسول ، وهو انقضاض الكواكب ، وذكره شعراء الجاهلية في أشعارهم ، وقال بعضهم .
____________________

( ( 8 ) وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ( 9 ) وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ( 10 ) ) .
( فانقض كالدري يتبعه ** نقع ( يثور ) تخاله طنبا )
( قاله لاقوه إلا وروى ) .
وإذا كان هذا أمرا معهودا في الجاهلية فما معنى تعليقه بنبوة محمد ، وعندكم أنه كان معجزة له وأساسا لنبوته ؟ والجواب عنه من وجهين : أحدهما : أنه لم يكن هذا من قبل ، وإنما حدث في زمان نبوة الرسول ، والأشعار كلها منحولة على الجاهلية ، أو قالوها بعد مولده حين قرب مبعثه .
وذكر السدي : أن أول من تنبه للرمي بالشهب هو هذا الحي من ثقيف ، فخافوا خوفا شديدا وظنوا أن القيامة قد قربت ، فجعلوا يعتقون العبيد ويسيبون المواشي ، فقال لهم ابن عبد يا ليل : لا تعجلوا ، وانظروا إلى النجوم المعروفة هل هي في أماكنها ؟ فقالوا : هي في أماكنها .
قال : فإن هذا لأمر هذا الرجل الذي خرج بمكة .
والجواب الثاني - وهو الأصح - أن الرمي بالشهب قد كان من قبل ، ولكنه لما كان في زمان الرسول كثر وقوي .
قال معمر : قلت للزهري : أكان الرمي بالشهب قبل الرسول في الجاهلية ؟ قال : نعم ، ولكنه لما كان زمان الرسول كثر واشتد . < < الجن : ( 9 ) وأنا كنا نقعد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ) أي : مقاعد للاستماع .
وقوله : ( ^ فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ) أي : يجد شهابا أرصد له [ وهيء ] ليرمى به . < < الجن : ( 10 ) وأنا لا ندري . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) أي : أريد بهم الصلاح في ذلك أو الفساد أو الخير أو الشر .
____________________

( ^ وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا ( 11 ) وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا ( 12 ) وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ( 13 ) وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ( 14 ) . < < الجن : ( 11 ) وأنا منا الصالحون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ) أي : سوى ذلك .
قال الحسن البصري : في الجن قدرية ومرئجة وروافض وخوراج ، وغير ذلك من الفرق ، وفيهم العاصي والمطيع والمصلح ، وغير ذلك من المؤمن والكافر .
وقوله : ( ^ كنا طرائق قددا ) أي : ذا أهواء مختلفة .
وقددا معناه : متفرقة .
قال الشاعر :
( القابض الباسط الهادي بطاعته ** في فتنة الناس إذ أهواؤهم قدد )
أي : متفرقة . < < الجن : ( 12 ) وأنا ظننا أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ) معنى الظن هاهنا : اليقين أي : أيقنا أن لن نعجزه في الأرض أي : لن نفوته ، ولا يعجز عنا بأخذه إيانا .
وقوله : ( ^ ولن نعجزه هربا ) قد بينا . < < الجن : ( 13 ) وأنا لما سمعنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به ) أي : بالهدى ، والهدى هو القرآن لأنه يهدي الناس .
وقوله : ( ^ فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) أي : نقصانا من حسناته ولا زيادة في سيئاته .
وقيل : أي : ظلما . < < الجن : ( 14 ) وأنا منا المسلمون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون ) أي : الجائرون هم الكفار .
يقال : أقسط إذا عدل ، وقسط إذا جار .
فمن أقسط مقسط ، ومن قسط قاسط .
قال الفرزدق :
( قومي هم قتلوا ابن هند عنوة ** عمرا وهم قسطوا على النعمان )
____________________

( ^ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ( 15 ) وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ( 16 ) لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا ) .
أي : جاروا .
وقوله : ( ^ فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ) أي : طلبوا الرشد ( وتوخوا ) له .
والمتحري والمتوخي بمعنى واحد . < < الجن : ( 15 ) وأما القاسطون فكانوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) أي : الكافرون ، وهو في معنى قوله تعالى : ( ^ وقودها الناس والحجارة ) . < < الجن : ( 16 ) وأن لو استقاموا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأن لو استقاموا على الطريقة ) في الطريقة قولان : أحدهما : أنها الإيمان ، وهذا قول مجاهد وقتادة وعكرمة وجماعة ، وهو في معنى قوله تعالى : ( ^ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحتنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا ) .
والقول الثاني : أن الطريقة هاهنا طريقة الكفر والضلالة ، وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد من التابعين ، وهو قول الفراء وجماعة ، وهو في معنى قوله تعالى ( ^ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ) الآية .
فجعل تماديهم في الكفر سببا لتوسيع النعم عليهم ، وكذلك قوله تعالى : ( ^ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ) الآية ، ومعناه : أبواب كل شيء من الخيرات والنعم .
قالوا : والقول الأول أولى ؛ لأنه عرف الطريقة بالألف واللام ، فينصرف إلى الطريقة المعروفة المعهودة شرعا وهي الإيمان .
وقوله : ( ^ لأسقيناهم ماء غدقا ) أي : كثيرا .
تقول العرب : فرس غيداق إذا كان كثير الجري واسعة .
ومعناه : أكثرنا لهم المال والنعمة ؛ لأن كثرة الماء سبب لكثرة المال . < < الجن : ( 17 ) لنفتنهم فيه ومن . . . . . > >
وقوله : ( ^ لنفتنهم فيه ) أي : لنبتليهم فيه ، ونختبرهم فيه .
____________________

( ^ صعدا ( 17 ) وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ( 18 ) ) .
واستدل بهذا من قال : إن معنى الطريقة هو الكفر والضلالة ؛ لأنه قال : ( ^ ولنفتنهم فيه ) وهذا لا يلزم من قال بالقول الأول ؛ لأن كثرة النعم فتنة للمؤمنين والكفرة جميعا .
وقوله : ( ^ ومن يعرض عن ذكر ربه ) أي : عن الإيمان بربه ( ^ يسلكه عذابا صعدا ) أي : شاقا .
والعذاب الشاق هو النار ، ومعناه : يدخله النار .
ومنه قول عمر رضي الله عنه : ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح .
أي شقت .
وعن ابن عباس : أن قوله : ( ^ صعدا ) هو جبل في جهنم .
وقيل : هو صخرة من نار يكلف الصعود عليها ، فإذا صعد عليها وقع في الدرك الأسفل . < < الجن : ( 18 ) وأن المساجد لله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) اتفق القراء على فتح الألف في هذه الآية ، وعلة النصب أن معناه : ولأن المساجد لله ، ثم حذفت اللام فانتصب الألف .
وقيل : انتصبت لأن معناه : أوحى إلي أن المساجد لله . وسبب نزول هذه الآية أن الجن قالوا للنبي : نحن نود أن نصلي معك ، فكيف نفعل ونحن ناءون عنك ؟ فأنزل الله تعالى قوله : ( ^ وأن المساجد لله ) ومعناه : أنكم إن صليتم فمقصودكم حاصل من عبادة الله تعالى ، فلا تشركوا به أحدا ، وهو معنى قوله : ( ^ فلا تدعوا مع الله أحدا ) ويقال : هو ابتداء كلام .
والمعنى : أن اليهود و النصارى يشركون في البيع والصوامع ، وكذلك المشركون في عبادة الأصنام ، فأنتم أيها المؤمنون اعلموا أن الصلوات والسجود والمساجد كلها لله ، فلا تشركوا معه أحدا .
وفي المساجد أقوال : أحدها : أنها بمعنى السجود ، وهي جمع مسجد .
يقال : سجدت سجودا ومسجدا والمعنى : أن السجود لله يعني : هو المستحق للسجود .
والقول الثاني : أن المساجد هي المواضع المبنية للصلاة المهيأة لها ، وهي جمع مسجد ، ومعنى قوله : ( ^ لله ) نفي الملك عنها ، أو معناه : الأمر بإخلاص العبادة فيها لله .
والقول الثالث : أن المساجد هي الأعضاء التي يسجد عليها الإنسان من جبهته ويديه وركبتيه وقدميه ، والمعنى : أنه لا ينبغي أن يسجد على هذه الأعضاء إلا لله .
____________________

( ^ وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ( 19 ) قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا ( 20 ) ) .
وقد روى ابن عباس عن النبي أنه قال : ' أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ، وألا أكف ثوبا ولا شعرا ' . < < الجن : ( 19 ) وأنه لما قام . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأنه لما قام عبد الله ) فمن قرأ بالكسر ينصرف إلى قول الجن ، ومعناه : قال الجن : ( ^ وإنه ) وقيل : ينصرف إلى قول الله أي : قال الله تعالى : وإنه لما قام عبد الله ومن قرأ بالفتح معناه : أوحى إلي أنه لما قام عبد الله .
فعلى القول الأول قوله : ( ^ كادوا يكونون عليه لبدا ) ينصرف إلى أصحاب النبي وعبد الله هو الرسول ، والمعنى : أن الجن لما رأو النبي وأصحابه خلفه وشاهدوا طواعيتهم له قالوا : كادوا يكونون عليه لبدا أي : يركب بعضهم بعضا من الطواعية .
وعلى القول الثاني المعنى : هو أن الله تعالى حكى عن الجن أن الرسول لما قرأ القرآن عليهم - يعني : على الجن - كادوا يكونون عليه لبدا أي : على الرسول - عليه الصلاة والسلام - أي : يركب بعضهم بعضا لحب الإصغاء إلى قراءته والاستماع إليها .
ويقال : إن الرسول كان صلى بهم وازدحموا عليه ، وكاد يركب بعضهم بعضا .
وفي بعض التفاسير : كادوا يسقطون عليه .
وأما على قراءة الفتح قوله : ( ^ كادوا يكونون عليه لبدا ) ينصرف إلى الجن أيضا ، و ( هو ) أظهر القولين أن الانصراف إلى الجن .
ومن اللبد قالوا : تلبد القوم إذا اجتمعوا ، ومنه اللبد ، لأن بعضه على بعض .
وقيل : كادوا يكونون عليه لبدا أي : تلبدت الجن والإنس واجتمعوا على أن يطفئوا نور الله لما قام الرسول يدعوه أي : يدعو الله ، وقرئ : ' لبدا ' أي : كثيرا .
واللبد أيضا اسم آخر نسر من نسور ( نعمان ) بن عاد ، وكان عاش سبعمائة سنة .
وقيل في المثل : طال لبد على أمد . < < الجن : ( 20 ) قل إنما أدعو . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل إنما أدعوا ربي ) وقرئ : ' قال إنما أدعوا ربي ' في التفسير : أن
____________________

( ^ قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ( 21 ) قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ( 22 ) إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله ) النضر بن الحارث قال للنبي : إنك جئت بأمر عظيم ، وخالفت دين آبائك ، وأن العرب لا يوافقونك على هذا ، فارجع إلى دين آبائك فأنزل الله تعالى قوله : ( ^ قل إنما أدعوا ربي ) أي : أوحد ربي ( ^ ولا أشرك به أحدا ) أي : معه أحدا .
ويقال : إن هذا قاله مع الجن ، وهو نسق على ما تقدم . < < الجن : ( 21 ) قل إني لا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) يعني : لا أملك ذلك بنفسي ، وإنما هو من الله تعالى وبعونه وتوفيقه ) . < < الجن : ( 22 ) قل إني لن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل إني لن يجيرني من الله أحد ) روى أن النضر بن الحارث قال له : ارجع إلى دين آبائك ولا تخف من أحد ، فإنا نجيرك ونمنعك ، فأنزل الله تعالى : ( ^ قل إني لن يجيرني من الله أحد ) أي : لن ينصرني ويمنعني من عذاب الله أحد .
ويقال : إنه خطاب الجن نسقا على ما تقدم .
وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس : أن ابن مسعود خرج مع النبي ليلة الجن ، فازدحم الجن على النبي وتعاووا عليه ، فقال واحد منهم يقال له وردان : يا محمد ، لا تخف فأنا أجيرك منهم ، فأنزل الله تعالى : ( ^ قل إني لن يجيرني من الله أحد ) .
وقوله : ( ^ ولن أجد من دونه ملتحدا ) أي : ملجأ .
وقيل : مهربا .
ويقال : متعرجا . < < الجن : ( 23 ) إلا بلاغا من . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلا بلاغا من الله ) أي : لا أملك شيئا من الضر والرشد إلا أن أبلغ رسالة ربي أي : ليس بيدي إلا هذا وهذا التبليغ .
وقد قيل : ضرا ولا رشدا أي : لا أدفع عنكم ضرا ، ولا أسوق إليكم خيرا ، وليس بيدي إلا أن أبلغ رسالة ربي .
وقوله : ( ^ ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) أي : دائما . < < الجن : ( 24 ) حتى إذا رأوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ حتى إذا رأوا ما يوعدون ) أي : القيامة ، قاله سعيد بن جبير وغيره .
وقيل : العذاب في الدنيا ، قاله قتادة وغيره .
____________________

( ^ فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ( 23 ) حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ( 24 ) قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ( 25 ) عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ( 26 ) إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه )
وقوله : ( ^ فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ) أي : وأقل جندا وأعوانا .
ويقال : معنى قوله : ( ^ وأقل عددا ) أي : في القيامة .
وفي التفسير : أن الله تعالى يعطي المؤمنين من الأزواج والولدان والحور والقهارمة ( و ) وما يكثر عددهم ويزيدوا على أهل بلدة كثيرة من بلاد الدنيا ، فهو معنى قوله : ( ^ فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ) فإن المشركين كانوا يعيرون النبي والمؤمنين بقلة الناصر وقلة العدد ، فقال : ( ^ فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ) أي : في القيامة ، وإذا وصل كل أحد إلى مستقره . < < الجن : ( 25 ) قل إن أدري . . . . . > >
قوله تعالى ( ^ قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ) أي : مدة وغاية ، والمعنى : لا أدري أنه يعجل لكم العذاب أو يؤخره ، ويعجل لكم مدة ومهلة .
وقد روى أن المشركين كانوا يستعجلونه العذاب ، ويقولون : إلى متى توعدنا العذاب ؟ فأين العذاب ؟ فأمره الله تعالى أن يكل ذلك إلى الله تعالى ، وأن يقول : إنه بيد الله لا بيدي . < < الجن : ( 26 ) عالم الغيب فلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا ) أي : هو عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا < < الجن : ( 27 ) إلا من ارتضى . . . . . > > ( ^ إلا من ارتضى من رسول ) فإنه يطلعه على غيبه بما ينزله عليه من الآيات والبينات .
وقوله : ( ^ فإنه يسلك من بين يديه ) أي : يجعل من بين يديه ( ^ ومن خلفه رصدا ) أي : حفظة .
وروى سفيان عن منصور عن إبراهيم قال : ملائكة يحرسونه .
وفي التفسير : أن الله تعالى ما بعث وحيا من السماء إلا ومعه ملائكة يحرسونه .
فإن قال قائل : ومن ماذا يحفظونه ويحرسونه ؟ والجواب : أن الحفظ والحراسة لخطر شأن
____________________

( ^ من خلفه رصدا ( 27 ) ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ( 28 ) ) . الوحي ولتعظيمه في النفوس ، لا بحكم الحاجة إلى الحراسة والحفظة .
يقال : إن الحفظ والحراسة من المسترقين للسمع ، لئلا يسرقوا شيئا من ذلك ويلقوه إلى الكهنة .
وقد ورد في الأخبار : ' أن الله تعالى لما أنزل سورة الأنعام بعث معها سبعين ألف ملك يحرسونها ' .
وفي الآية دليل على أن من قال بالنجوم شيئا وادعى علما من الغيب بجهتها فهو كافر بالقرآن .
وقد قال بعضهم : الطرق والجبت والكهان كلهم مضللون ودون الغيب أشاروا .
وقد ورد في الأخبار : ' أن النبي نهى عن النظر في النجوم ' .
والمعنى هو النظر فيها للقول بالغيب عنها ، فأما النظر فيها للاهتداء أو للاعتبار أو لمعرفة القبلة وما أشبه ذلك مطلق جائز . < < الجن : ( 28 ) ليعلم أن قد . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ) وقرئ : ' رسالة ربهم ' وهي واحد الرسالات .
واختلف القول في قوله تعالى : ( ^ ليعلم ) فأحد الأقوال هو أن معناه : ليعلم محمد أن الرسل الذين كانوا قبله قد أبلغوا رسالات ربهم على ما أنزل إليهم .
والقول الثاني : أنه منصرف إلى الجن .
وقرئ : ' ليعلم الجن أن قد أبلغ الرسل رسالات ربهم على ما أنزل إليهم ' .
والقول الثالث : ليعلم المؤمنون .
والقول الرابع : ليعلم الله ، أورده الزجاج وغيره .
فإن قال قائل : ما معنى قوله : ليعلم الله ، وهو عالم
____________________

بالأشياء قبل كونها ووجودها ؟ والجواب : أنا قد بينا الجواب فيما سبق في مواضع كثيرة .
وقد قيل : ليعلم الله تعالى أن قد أبلغ الرسل رسالات ربهم شهادة ووجودا ، وقد كان يعلم ذلك غيبا .
وقوله : ( ^ وأحاط بما لديهم ) أي : أحاط علمه بما عندهم .
وقوله : ( ^ وأحصى كل شيء عددا ) أي : وأحصى كل شيء معدودا .
ويقال : عد كل شيء عددا ، وهذا على معنى أنه لا يخفى على الله شيء كثير أو قليل ، جليل أو دقيق .
والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ يا أيها المزمل ( 1 ) قم الليل إلا قليلا ( 2 ) ) . <
> تفسير سورة المزمل <
>
وهي مكية .
وعند بعضهم هي مكية إلا قوله تعالى : ( ^ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ) إلى آخر السورة . < < المزمل : ( 1 ) يا أيها المزمل > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها المزمل ) معناه : يا أيها المتزمل ، أدغمت التاء في الزاي ، ومثله قوله تعالى : ( ^ يا أيها المدثر ) أي : يا أيها المتدثر ، أدغمت التاء في الدال .
قال ابن عباس : لما تراء له جبريل - صلوات الله عليه - في ابتداء الوحي فرق منه فرقا شديدا ، فرجع إلى بيته وتزمل بثيابه ؛ فأنزل الله تعالى قوله : ( ^ يا أيها المزمل ) ثم إن جبريل - علي السلام - أكثر المجيء إليه حتى أنس .
قال إبراهيم النخعي : وكان متزملا في قطيفة .
وعن الضحاك في قوله : ( ^ يا أيها المزمل ) يا أيها النائم .
وفي بعض الروايات أن جبريل - عليه السلام - جاء إليه وهو نائم ، فقال : يا أيها المزمل - أي النائم - قم ، واتخذ لنفسك ظلا يوم لا ظل إلا ظله .
وفي بعض التفاسير عن عكرمة : ( ^ يا أيها المزمل ) يا أيها المتزمل بالنبوة .
وهو غريب .
وأنشد في المزمل :
( كأن ثبيرا في عرانين وبلة ** كبير أناس في بجاد مزمل ) .
وقرئ في الشاذ : ' يا أيها المزمل ' . < < المزمل : ( 2 ) قم الليل إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ قم الليل إلا قليلا ) أي : إلا شيئا يسيرا منه .
قال الكلبي : هو الثلث ، ومعناه : قم ( ثلثي ) الليل .
وعن وهب بن منبه : إلا
____________________

( ^ نصفه أو انقص منه قليلا ( 3 ) أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ( 4 ) ) . قليلا هو دون السدس . < < المزمل : ( 3 ) نصفه أو انقص . . . . . > >
وقوله : ( ^ نصفه ) يدل على الليل أي : قم نصفه إلا قليلا .
وقيل في القليل على هذا القول : نصفه السدس .
وقوله : ( ^ أو انقص منه قليلا ) أي : من النصف إلى الثلث . < < المزمل : ( 4 ) أو زد عليه . . . . . > >
وقوله ( ^ أو زد عليه ) أي : زد على النصف إلى الثلثين .
والمعنى من الآية : إيجاب القيام عليه مع توسيع الأمر في المقدار .
وذكر النقاش أن قوله : ' نصفه ' معناه : أو نصفه .
وقوله : ( ^ ورتل القرآن ترتيلا ) أي : بينه تبيينا .
قال الضحاك : حرفا حرفا .
وحقيقة الترتيل هو الترسل في القراءة وإلقاء الحروف حقها من الإشباع بلا عجل ولا ( هذرمة ) .
وروى أبو جمرة عن ابن عباس قال : لأن أقرأ سورة البقرة أرتل ترتيلا أحب إلي من أن أقرأ جميع القرآن هذرمة .
وعن أنس أنه سئل عن قراءة النبي فقال : ' كان يمد مدا ' .
وفي الحكايات عن صدقة المقابري أنه قال : قمت ليلة وقرأت أحدر حدرا فرأيت في المنام كأني أزرع شعيرا ، ثم رتلت فرأيت في المنام كأني أزرع حنطة ، ثم حققت فرأيت في المنام كأني أزرع سمسما .
وقد صح برواية سعد بن هشام أنه قال : قلت لعائشة رضي الله عنها : أخبريني عن قيام رسول الله بالليل .
فقالت : ألست تقرأ سورة المزمل ؟ قلت : نعم .
قالت :
____________________


( ^ إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ( 5 ) إن ناشئة الليل هي أشد وطئا )
' فرض الله تعالى قيام الليل على النبي وأصحابه ، فقاموا سنة حتى تورمت أقدامهم ، ثم أنزل الله تعالى قوله : ( ^ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ) فنسخ قيام الليل ' .
وفي هذا الخبر أنه أنزل أول السورة وأمسك خاتمتها سنة .
وفي بعض الروايات : ستة عشر شهرا .
وفي بعض الغرائب من الروايات : عشر سنين . < < المزمل : ( 5 ) إنا سنلقي عليك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) قال الحسن : ثقيلا العمل به .
وقال الزجاج : هو الصلاة والصيام وسائر الأوامر والنواهي ، لا يفعلها الإنسان إلا بتكلف يثقل عليه .
وعن قتادة قال : ثقيل والله حدوده وفرائضه .
وقيل : ثقيلا في الميزان يوم القيامة ، قاله الحسن في إحدى الروايتين .
وقال الفراء : هو قول ثقيل ، أي : ليس بخفيف ولا بسفساف ، وهو ثقيل ، أي : له وزن بصحته وبيانه وتقشعه .
يقال : هذا كلام رزين صين أي : ليس بقول لا معنى له . < < المزمل : ( 6 ) إن ناشئة الليل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن ناشئة الليل ) روي عن ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وسعيد ابن جبير : أنه الليل كله .
وعن ابن عمر وأنس : هو ما بين المغرب والعشاء .
وعن الكسائي : أول الليل .
وعن بعضهم : من صلاة العشاء الأخيرة إلى الصبح ، قاله الحسن والحكم بن عتيبة .
وعن ابن الأعرابي : هو أن يستيقظ بعد أن ينام .
وناشئة الليل : ساعات الليل ، وحقيقته هي أن ساعات الناشئة من الليل ، أي : التي ينشأ بعضها في إثر بعض .
وقوله : ( ^ هي أشد وطئا ) وقرئ : ' وطاء ' أما قوله : ( ^ وطأ ) قال الأخفش سعيد ابن مسعدة : أشد قياما .
والوطء في اللغة هي الثقل .
قال النبي ' اشدد وطأتك على مضر ' .
يقال : اشتد وطء السلطان في بلد كذا ، أي : ثقله .
فعلى هذا معنى
____________________

( ^ وأقوم قيلا ( 6 ) إن لك في النهار سبحا طويلا ( 7 ) ) .
قوله : ( ^ أشد وطئا ) أي : ثقلا .
والمعنى : أنه أثقل على البدن ؛ لأنه وقت الراحة والسكون ، فيكون القيام فيه أثقل ، وإذا كان القيام أثقل فالثواب أعظم ، فإن الجهد إذا كان أشد ، والعمل أتعب ، فالثواب أكبر ، وهو المراد بالآية في هذه القراءة .
وأما القراءة الثانية أي : أشد مواطأة ، ومعناه : موافقة بين السمع والبصر والقلب ، وذلك لقلة الحركات وهدء الأصوات ، فإن بالنهار تكون العين مشتغلة بالنظر ، والأذن بالسمع ، والقلب مشتغل بالتصرفات ، فلا تقع الموافقة بالاستماع والتفهم .
قال الفراء : ( ^ أشد وطأ ) أي أجدر أن تحصوا مقادير قيامكم لفراغ قلوبكم .
وقوله : ( ^ وأقوم قيلا ) قال الكلبي ومقاتل : أبين قولا .
وعن أنس أنه قرأ قوله : ( ^ أشد وطاء ) ' أهيأ وطاء ' وهو قريب المعنى من الأول .
وعن ابن مسعود أنه قال : ناشئة الليل هو جميع الليل بالحبشية ، وهي معربة . < < المزمل : ( 7 ) إن لك في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن لك في النهار سبحا طويلا ) أي : فراغا طويلا للاستراحة .
وقال ابن قتيبة : سبحا طويلا ، أي : تصرفا وإقبالا وإدبارا في أمورك .
وقرأ يحيى بن يعمر ' سبخا طويلا ' بالخاء المعجمة .
قال ثعلب : السبح هو الاضطراب ، والسبخ هو السكون .
ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة - رضي الله عنها - في السارق منها : ' لا تستبخي برأيك عليه ' ، أي : لا تخففي .
____________________

( ^ واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ( 8 ) رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ( 9 ) واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ( 10 ) وذرني ) < < المزمل : ( 8 ) واذكر اسم ربك . . . . . > >
وقوله : وقوله ( ^ واذكر اسم ربك ) قال مقاتل : إذا قرأت فقل : بسم الله الرحمن الرحيم عند افتتاح السورة .
وقيل : اذكر ربك .
وقوله : ( ^ وتبتل إليه تبتيلا ) أي : انقطع إليه انقطاعا .
ومنه العذراء البتول لمريم ، أي : المنقطعة إلى الله تعالى في النسك .
وكذلك الزهراء البتول لفاطمة ، أي : المنقطعة عن أقرانها في الفضل ، ومنه صدقة بتلة ، أي : منقطعة خارجة من مال المتصدق بها .
وقيل : ( ^ وتبتل إليه تبتيلا ) أي : أخلص له إخلاصا .
وذكر النقاش عن محمد بن علي الباقر : أنه رفع اليدين في الصلاة .
وعن زيد بن أسلم : أنه رفض الدنيا ، وطلب ما عند الله تعالى . < < المزمل : ( 9 ) رب المشرق والمغرب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) قال الفراء : كفيلا .
وقيل : إلها .
وقيل : كل أمورك . < < المزمل : ( 10 ) واصبر على ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واصبر على ما يقولون ) وهذا في ابتداء الإسلام قبل نزول آية السيف ، وكذلك قوله تعالى : ( ^ واهجرهم هجرا جميلا ) وقد نسخ بآية السيف .
والهجر الجميل قيل : هو الذي لا جزع فيه . < < المزمل : ( 11 ) وذرني والمكذبين أولي . . . . . > >
قوله تعالى ( ^ وذرني والمكذبين ) فإن قال قائل : أيش معنى قوله : ( ^ وذرني والمكذبين ) ولا حائل يحول عنهم ؟
والجواب : أن العرب تقول ذلك وإن لم يكن ثم حائل ولا مانع على ما بينا .
وقوله : ( ^ أولي النعمة ) أي : التنعم .
وفي بعض الأخبار عن النبي قال : ' إن
____________________

( ^ والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ( 11 ) إن لدينا أنكالا وجحيما ( 12 ) وطعاما ذا غصة وعذابا أليما ( 13 ) ) . عباد الله ليسوا بمتنعمين ' .
وقوله : ومهلهم قليلا ) أي : أمهلهم مدة قليلة .
قالت عائشة رضي الله عنها : لم يكن بين نزول هذه الآية ووقعة بدر إلا شيئا ( يسيرا ) .
وقد قيل : إن الآية نزلت في بني المغيرة ، وهو مغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم .
ويقال : إنها نزلت في اثني عشر رهطا من قريش ، هم المطعمون يوم بدر . < < المزمل : ( 12 ) إن لدينا أنكالا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن لدينا أنكالا ) أي : قيودا .
وقالت الخنساء :
( دعاك فقطعت أنكاله ** ولولاك يا صخر لم تقطع ) .
وقال أبو عمران الجوني : إن لدينا أنكالا أي : اللجم من النار .
وقوله : ( ^ وجحيما ) قد بينا . < < المزمل : ( 13 ) وطعاما ذا غصة . . . . . > >
وقوله : ( ^ وطعاما ذا غصة ) قال مجاهد : هو الزقوم ، وقيل : هو شوك يحصل في الحلق ، فلا ينزل ولا يخرج .
وقيل : هو الضريع .
وفي الحكايات أن الحسن البصري طوى ثلاث ليال ولم يفطر ، وكان كلما قدم إليه الطعام ذكر هذه الآية فيأمر برفعه ، حتى أكره من بعد على شربة سويق .
وقد ورد في بعض الغرائب من الأخبار ' أن النبي قرئ عنده هذه الآية فصعق صعقة ' ،
____________________

( ^ يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا ( 14 ) إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ( 15 ) فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا ( 16 ) فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ( 17 ) ) . وهو غريب جدا .
قوله : ( ^ وعذابا أليما ) أي : موجعا .
وفي بعض الأخبار أن الله تعالى يحب النكل على النكل .
أي : الرجل القوي المجرب على الفرس المجرب . < < المزمل : ( 14 ) يوم ترجف الأرض . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يوم ترجف الأرض والجبال ) أي : تتزلزل ، ومنه الرجفة ، أي : الزلزلة .
وقوله : ( ^ وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) أي : رملا سائلا .
ويقال : المهيل هو الذي إذا أخذ الطرف منه انهال الطرف الآخر . < < المزمل : ( 15 ) إنا أرسلنا إليكم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم ) وهو محمد .
وقوله تعالى : ( ^ كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ) هو موسى صلوات الله عليه . < < المزمل : ( 16 ) فعصى فرعون الرسول . . . . . > >
وقوله : ( ^ فعصى فرعون الرسول ) أي : خرج عن أمره .
وقوله : ( ^ فأخذناه أخذا وبيلا ) أي : شديدا .
يقال : طعام وبيل إذا أكله الإنسان فلم يستمرئه .
وقيل وبيلا : ثقيلا . < < المزمل : ( 17 ) فكيف تتقون إن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فكيف تتقون إن كفرتم يوما ) أي : كيف تتقون [ إن كفرتم من عذاب يوم ؟ ] ثم وصف اليوم فقال : ( ^ يجعل الولدان شيبا ) وهذا على طريق كلام العرب في ذكر شدة اليوم ، فإنهم يقولون : هو يوم تشيب [ فيه ] النواصي ، ويوم يبيض فيه القار .
فالمراد من الآية هو الإخبار عن شدة الأمر .
وفي التفسير : أنه يشيب فيه ولدان الكفار لا ولدان المؤمنين .
____________________

( ^ السماء منفطر به كان وعده مفعولا ( 18 ) إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ( 19 ) إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من ) < < المزمل : ( 18 ) السماء منفطر به . . . . . > >
وقوله : ( ^ السماء منفطر به ) قد ورد عن كثير من السلف أن قوله : ( ^ منفطر به ) أي : بالله ، وهو نزول يوم القيامة لفصل القضاء بلا كيف .
وقيل : السماء منفطر به أي : فيه ، يعني أن السماء منشقة في يوم القيامة .
ذكره أبو جعفر النحاس ، وذكر أنه أحسن المعاني .
وقوله : ( ^ كان وعده مفعولا ) أي : متحققا كائنا لا محالة . < < المزمل : ( 19 ) إن هذه تذكرة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن هذه تذكرة ) أي : السورة تذكرة عبرة عظة .
قوله : ( ^ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) أي : طريقا ووجهة إلى الله تعالى . < < المزمل : ( 20 ) إن ربك يعلم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه ) وقرئ : ' ونصفه ' فمن قرأ بفتح الفاء نصبه على تفسير الأدنى ، ومن قرأ بكسر الفاء ، أي : أدنى من نصفه .
وقوله : ( ^ وثلثه ) معطوف [ على ] النصف في القراءتين .
وقوله : ( ^ وطائفة من الذين معك ) قد بينا أن النبي وأصحابه قاموا حولا حتى تورمت أقدامهم .
وفي التفسير : أنهم كانوا يقومون جميع الليل مخافة أن ينقصوا من المقدار المفروض .
واختلف القول في أنه كان القيام مفروضا على النبي وجميع أصحابه أو على النبي وحده ؟
ففي أحد القولين : أنه كان مفروضا عليه وعلى جميع أصحابه .
وفي قول آخر : كان مفروضا عليه وحده [ ذكره ] أبو الحسن الماوردي ، وذكر أيضا قولين في أنه هل بقي عليه قيام الليل بعد النسخ ؟
____________________


( ^ الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن )
فأحد القولين : أن النسخ كان في حق الصحابة ، وأما في حقه بقي إلى أن توفاه الله تعالى .
والقول الثاني : أنه صار منسوخا في حقه والصحابة جميعا ، وإنما بقى التنفل والتطوع به فحسب .
وقوله : ( ^ والله يقدر الليل والنهار ) أي : لا يفوت عن علمه ساعات الليل والنهار ، فيعلم ما يقومون من ذلك وما يتركون .
وقوله : ( ^ علم أن لن تحصوه ) أي : لن [ تطيقوه ] .
والمعنى : أنه يشق عليكم معرفة مقدار المفروض والقيام بالأمر ، وذلك لأن الإنسان إذا نام ثم استيقظ لا يدري وكم نام وكم بقي من الليل ، وقد كان الله تعالى فرض قيام الليل على مقدار معلوم ، وهو لا ينقص من الثلث ، ويبلغ الثلثين إن أراد .
وقوله : ( ^ فتاب عليكم ) أي : نسخة عليكم ورفضه ، ومعنى التوبة هو الرفع والعفو هاهنا .
وقوله : ( ^ فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) فيه قولان :
أحدهما : صلوا ما تيسر من ( الصلاة ) ، وهذا على طريق النافلة والتطوع لا على طريق الفرض .
وقال الحسن وقتادة : يجب قيام الليل ولو حلب شاة لهذه الآية . والأصح هو القول الأول ؛ ' لأنه قد ثبت أن النبي جاءه أعرابي ثائر الرأس يسمع دوي صوته ، ولا يفهم ما يقول . . . الخبر إلى أن قال : هل على غيرهن ؟ قال : لا ، إلا أن
____________________

( ^ علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله )
تطوع ' .
فدل هذا الخبر أن قيام الليل ليس بمفروض ، وفيه إجماع .
والقول الثاني : [ أن ] قوله : ( ^ فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) أي : فاقرءوا في الصلاة ما تيسير من القرآن من غير توقيف ولا تقدير .
وهذا على قول الشافعي وعامة العلماء فيما وراء الفاتحة .
وقد ذكر أبو [ الحسن ] الدارقطني في كتابه بإسناده عن قيس بن أبي حازم أنه قال : صليت خلف ابن عباس فقرأ الفاتحة في الركعة الأولى ، وقرأ الآية الأولى من سورة البقرة ، ثم قام في الركعة الثانية وقرأ الفاتحة والآية الثانية من سورة البقرة ، فلما فرغ قرأ قوله تعالى : ( ^ فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) يعني : أنه الذي تيسر .
قال علي بن عمر وهو الدارقطني : هو دليل على قول من يقول أن ما تيسير هو ما وراء الفاتحة .
وقوله : ( ^ علم أن سيكون منكم مرضى ) أي : ( ذوو ) مرض .
قوله : ( ^ وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) أي : التجار وسائر المسافرين .
وقوله : ( ^ وآخرون يقاتلون في سبيل الله ) أي : الغزاة .
والكل بيان وجوه المشقة في قيام الليل .
____________________

( ^ فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا ا لله إن الله غفور رحيم ( 20 ) ) .
وقوله : ( ^ فاقرءوا ما تيسر منه ) معناه على ما بينا .
وقوله : ( ^ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) أي : الصلوات الخمس المفروضة ، والزكاة المفروضة .
وقيل بأن الزكاة هاهنا : زكاة الرءوس ، وهي زكاة الفطر .
وقيل : ( ^ وأقرضوا الله قرضا حسنا ) قد ذكرنا من قبل .
وقيل : هو جميع النوافل ووجوه الصلاة .
وقيل : هو قوله : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
ويقال : إنه النفقة على الأهل .
وقوله : ( ^ وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) أي : ثوابه عند الله يوم القيامة .
وقوله : ( ^ هو خيرا وأعظم ) نصبه على أنه مفعول ثان من تجدوه .
وقيل : هو فصل كلام ، ذكره الأزهري .
وقوله : ( ^ وأعظم أجرا ) معطوف على الأول .
وقوله : ( ^ واستغفروا ا لله إن الله غفور رحيم ) ظاهر المعنى والله أعلم .
____________________

<
> تفسير سورة المدثر <
>
وهي مكية
وذكر جابر بن عبد الله أنها أول سورة أنزلت من القرآن .
وروى أن النبي قال : ' جاورت بحراء شهرا ، فلما نزلت واستبطنت الوادي نوديت يا محمد ، فنظرت من قدامي وخلفي ويميني وشمالي فلم أر أحدا ، فنوديت ثم نوديت ثم نوديت ، فرفعت رأسي فإذا هو في العرش في الهواء .
يعني جبريل عليه السلام ، فجئثت منه فرقا ، فرجعت إلى البيت وقلت : زملوني دثروني ' .
وفي رواية : ' صبوا علي ماء باردا ، ثم جاءني جبريل فقال : ( ^ يا أيها المدثر قم فأنذر ) .
ومن المعروف أن أول ما نزل من القرآن سورة اقرأ ، ونبين من بعد ويمكن الجمع بين الروايتين فيقال : إن سورة اقرأ أول ما نزل من القرآن حين بدئ بالوحي ، وسورة المدثر أول ما نزل بعد فتور الوحي ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ يا أيها المدثر ( 1 ) ثم فأنذر ( 2 ) ) . < < المدثر : ( 1 ) يا أيها المدثر > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها المدثر ) معناه : يا أيها المتدثر ، مثل قوله : ( ^ يا أيها المزمل ) أي : المتزمل .
والفرق بين الشعار والدثار ، أن الشعار هو الثوب الذي يلي جلد الإنسان ، والدثار هو الثوب الذي فوق ذلك .
وقد روى معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله يحدث عن فترة الوحي ، فقال في حديثه : ' بينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء ، فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء [ جالسا ] على كرسي بين السماء والأرض ، فجئثت منه رعبا ، فرجعت وقلت : زملوني دثروني ، فأنزل الله تعالى : ( ^ يا أيها المدثر ) ، وهذا خبر متفق على صحته .
قال رضي الله عنه : أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن محمد ابن أحمد ، أخبرنا أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أخبرنا أبو بكر محمد بن زكريا [ العذافري ] ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري أخبرنا عبد الرزاق عن معمر . . . الخبر . < < المدثر : ( 2 ) قم فأنذر > >
قوله تعالى : ( ^ قم فأنذر ) قال أبو الحسين بن فارس : القيام في لغة العرب على وجهين : قيام جد وعزم ، وقيام انتصاب ، فقيام الانتصاب معلوم ، وقيام الجد والعزم فهو مثل قول الشاعر :
( قد رضيناه فقم فسمه ** )
قاله لبعض الخلفاء في بعض ولاة العهد .
وقال الضحاك : كان النبي قائما فنزل
____________________

( ^ وربك فكبر ( 3 ) وثيابك فطهر ( 4 ) ) . ( ^ يا أيها المدثر ) أي : النائم .
( ^ قم فأنذر ) أي : قم من النوم وأنذر الناس . < < المدثر : ( 3 ) وربك فكبر > >
وقوله : ( ^ وربك فكبر ) أي : عظمه ، ودخلت الفاء بمعنى جواب الجزاء .
وقيل : ربك فكبر ، أي قل : الله أكبر . < < المدثر : ( 4 ) وثيابك فطهر > >
وقوله : ( ^ وثيابك فطهر ) قال مجاهد وقتادة معناه : لا تلبسها على غدر وفجور .
وقال السدي : وعملك فأصلح .
وقال الشاعر في القول الأول :
( وإني بحمد الله لا ثوب فاجر ** لبست ولا من غدرة أتقنع )
وقال السدي : تقول العرب فلان نقي الثياب إذا كانت أعماله صالحة ، وفلان دنس الثياب إذا كانت أعماله خبيثة .
وقيل : ' وثيابك فطهر ' أي : قلبك فأصلح .
قال امرؤ القيس :
( فإن يك قد ساءتك مني خليقة ** فسلي ثيابي من ثيابك تنسل )
وقال طاوس : وثيابك فطهر ، أي : قصر ، فإن الثوب إذا طال انجر على الأرض فيصيبه ما ينجسه .
وقال عمر في رجل يجر ثيابه : قصر من ثيابك فإنه أنقى وأبقى وأتقى .
وعن ابن سيرين في قوله : ( ^ وثيابك فطهر ) أي : [ اغسلها ] ، من النجاسات .
وهو قول مختار عند الفقهاء .
وذكر الزجاج أن التطهير هو التقصير على ما ذكرنا عن طاوس .
وقيل : ونساءك فأصلح ، أي : تزوج المؤمنات العفيفات .
وقد بينا أن اللباس يكنى
____________________

( ^ والرجز فاهجر ( 5 ) ولا تمنن تستكثر ( 6 ) ولربك فاصبر ( 7 ) فإذا نقر في الناقور ( 8 ) فذلك يومئذ يوم عسير ( 9 ) على الكافرين غير يسير ( 10 ) ) . به عن النساء ، فكذلك يجوز في الثياب . < < المدثر : ( 5 ) والرجز فاهجر > >
وقوله : ( ^ والرجز فاهجر ) قال مجاهد وإبراهيم معناه : فاهجر ، أي : ابعد ، والقول الثاني : في الأوثان فاهجر ، وهو قول معروف .
وقد قرئ : ' والرجز فاهجر ' لهذا المعنى .
وقال الفراء : الرجز والرجز بمعنى واحد .
وقيل : الرجز هو الرجس ، يعني : اجتنب الرجاسات والنجاسات .
وعلى هذا القول أبدلت السين بالزاي .
ويقال : الرجز هو العذاب ، والمعنى : اجتنب ما يؤدي إلى العذاب . < < المدثر : ( 6 ) ولا تمنن تستكثر > >
وقوله ( ^ ولا تمنن تستكثر ) وقرأ ابن مسعود : ' ولا تمنن أن تستكثر ' .
قال الكسائي : سقطت ' أن ' فارتفع .
وقال الحسن معناه : لا تمن بعطائك على أحد .
وذكر الاستكثار لأنه إنما يمن إذا رآه كثيرا .
والقول المعروف : لا تعط أحدا لتعطي أكثر مما تعطي .
قال إبراهيم : وهذا في حق النبي خاصة ؛ لأن الله تعالى أمره بأشرف الآداب وأجل الأخلاق ، فأما في حق غيره فلا بأس به .
رواه المغيرة بن مقسم الضبي عن إبراهيم .
وقد حكى هذا الذي قلناه عن غير إبراهيم . < < المدثر : ( 7 ) ولربك فاصبر > >
وقوله : ( ^ ولربك فاصبر ) قال مجاهد : على ما أوذيت .
وقيل : على الحق وإبلاغ الرسالة .
وعن إبراهيم قال : ولربك فاصبر حتى تثاب على عملك .
أورده النحاس عنه . < < المدثر : ( 8 ) فإذا نقر في . . . . . > >
قوله تعالى ( ^ فإذا نقر في الناقور ) أي : الصور .
ويقال : هو النفخة الأولى .
ويقال : هو الثانية .
وقد روى أن زرارة بن أبي أوفى كان يصلي بقوم فقرأ : ( ^ فإذا نقر في الناقور ) فخر مغشيا [ عليه ] .
وقيل : إنه شبه البوق . < < المدثر : ( 9 ) فذلك يومئذ يوم . . . . . > >
وقوله : ( ^ فذلك يومئذ يوم عسير ) أي : شديد < < المدثر : ( 10 ) على الكافرين غير . . . . . > > ( ^ على الكافرين غير يسير ) أي :
____________________

( ^ ذرني ومن خلقت وحيدا ( 11 ) وجعلت له مالا ممدودا ( 12 ) وبنين شهودا ( 13 ) ) . غير هين ولا لين . < < المدثر : ( 11 ) ذرني ومن خلقت . . . . . > >
( ^ قوله تعالى : ( ^ ذرني ومن خلقت وحيدا ) قوله : ( ^ ذرني ) معناه : دعني .
وقد بينا وجه ذلك .
وقوله : ( ^ وحيدا ) فيه قولان : أحدهما : خلقته وحده لا مال له ولا ولد .
والثاني : خلقته وحدي لم يشركني في خلقه غيري ، وهو الوليد بن المغيرة على قول أكثر المفسرين . < < المدثر : ( 12 ) وجعلت له مالا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وجعلت له مالا ممدودا ) فيه أقوال كثيرة : أحدها : أنه ألف دينار ، قاله ابن عباس
وعن سفيان : أربعة آلاف دينار ، وقال قتادة : ستة آلاف دينار .
وعن مجاهد في بعض الروايات : مائة ألف دينار .
والقول الأول معروف ؛ لأن الحساب يمتد إليه فيقطع .
وعن عمر بن الخطاب : غلة شهر بشهر .
وقد ورد أنه كان له بستان بالطائف لا ينقطع دخله شتاء ولا صيفا .
ويقال : هو المال الذي يستوعب جميع وجوه المكاسب من التجارة والزرع والضرع وغير ذلك .
وعن ابن عباس في بعض الروايات : كانت له الإبل المؤبلة والخيل المسومة والأنعام من الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة وغير ذلك . < < المدثر : ( 13 ) وبنين شهودا > >
قوله تعالى : ( ^ وبنين شهودا ) في التفسير : أنه كان له [ عشرة ] بنين ، وقيل : ثلاثة عشر .
وقيل : غير ذلك .
وقوله : ( ^ شهودا ) أي : حضور لا يغيبون عنه لحاجة أو لخوف .
( رواه مسلم ) .
____________________

( ^ ومهدت له تمهيدا ( 14 ) ثم يطمع أن أزيد ( 15 ) كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ( 16 ) سأرهقه صعودا ( 17 ) ) .
[ و ] من بنيه أسلم اثنان : خالد بن الوليد ، وهشام بن الوليد ، والباقون ماتوا في الجاهلية . < < المدثر : ( 14 ) ومهدت له تمهيدا > >
وقوله : ( ^ ومهدت له تمهيدا ) التمهيد هو التهيئة والتوطئة .
وقيل : وسعت عليه الأمر توسيعا .
( ويقال ) : بسطت له ما بين اليمن والشام .
أي : في التجارة .
وقيل : التمهيد هو تيسير أسباب المعيشة ، كأنه كان يتيسر عليه كل ما كان يطلبه ويريده من أسبابها . < < المدثر : ( 15 - 16 ) ثم يطمع أن . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم يطمع أن أزيد ) وروى أن النبي لما ذكر ما أعد الله تعالى للمسلمين من نعيم الجنة ، قال الوليد بن المغيرة : أنا أيسركم وأكثركم بنين ، فأنا أحق بالجنة منكم ، فأنزل الله تعالى : ( ^ ثم يطمع أن أزيد كلا ) أي : لا أزيد .
وقيل هذا في الدنيا ، وقد أعسر من بعد واحتاج .
وقوله : ( ^ إنه كان لآياتنا عنيدا ) أي : معاندا .
وقيل : جاحدا . < < المدثر : ( 17 ) سأرهقه صعودا > >
وقوله : ( ^ سأرهقه صعودا ) الإرهاق في اللغة : هو حمل الرجل على ( الشيء ) .
وقوله : ( ^ صعودا ) روى أبو سعيد الخدري عن النبي قال : ' هو جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى به كذلك فيه أبدا ' .
ذكره أبو عيسى الترمذي في كتابه ، وروى أنه صخرة من نار إذا وضع يده عليها ذابت ، وإذا رفعها عادت .
____________________

( ^ إنه فكر وقدر ( 18 ) فقتل كيف قدر ( 19 ) ثم قتل كيف قدر ( 20 ) ثم نظر ( 21 ) ثم عبس و بسر ( 22 ) ) .
قال الكلبي : يجر من قدامه بالسلاسل ويضرب من خلفه بالمقامع فإذا صعد عليها هوى هكذا أبدا .
ويقال الصعود : العقبة الشاقة .
وهذا القول قريب مما ذكرنا . < < المدثر : ( 18 ) إنه فكر وقدر > >
قوله تعالى : ( ^ إنه فكر ) أي : تدبر .
وقوله : ( ^ وقدر ) هو بمعنى التفكر أيضا . < < المدثر : ( 19 ) فقتل كيف قدر > >
وقوله : ( ^ فقتل كيف قدر ) أي : لعن كيف قدر .
قال صاحب النظم معناه : لعن على أي حال قدر ما قدر . < < المدثر : ( 20 ) ثم قتل كيف . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم قتل كيف قدر ) على وجه التأكيد ، ومعناه ما بينا . < < المدثر : ( 21 ) ثم نظر > >
وقوله : ( ^ ثم نظر ) أي : برأيه وعقله في أمر النبي .
وروى إسحاق [ بن ] إبراهيم الحنظلي في كتابه بإسناده عن مجاهد أن المشركين اجتمعوا عند الوليد بن المغيرة وقالوا : هذا الموسم يأتي ويقدم فيه الناس ، ويسألوننا عن هذا الرجل ، فإن سألونا نقول : إنه شاعر .
فقال الوليد : إنهم يسمعون كلامه ويعلمون أنه ليس بشاعر .
فقالوا : نقول : إنه مجنون : فقال : إنهم يسمعون حديثه فيعلمون أنه عاقل .
فقالوا : نقول إنه كاهن .
فقال : إنهم قد رأوا الكهنة فيعلمون أنه ليس بكاهن .
قالوا : فماذا نقول ؟ فحينئذ فكر وقدر ونظر . < < المدثر : ( 22 - 24 ) ثم عبس وبسر > >
وقوله تعالى : ( ^ ثم عبس و بسر ) أي : قطب وجهه .
يقال للقاطب : وجهه باسر .
وقيل : العبوس بعد المحاورة ، والبسور قبل المحاورة .
والأصح أنهما بمعنى واحد ، وإنما قال ذلك ؛ لأن الإنسان إذا أهمه الأمر ، وجعل يتفكر فيه ، ويؤتى بعبس وجهه كالمتكاره بشيء .
ثم إن الوليد لما فعل جميع ما فعل للقوم [ قال ] : قولوا : إنه ساحر ؛ فإن الساحر يبغض بين المتحابين ، ويحبب بين
____________________

( ^ ثم أدبر واستكبر ( 23 ) فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ( 24 ) إن هذا إلا قول البشر ( 25 ) سأصليه سقر ( 26 ) وما أدراك ما سقر ( 27 ) لا تبقي ولا تذر ( 28 ) ) .
المتباغضين ، وإن محمدا كذلك ، فخرجوا واجتمعوا على هذا القول ، وجعلوا يقولون لكل من يلقاهم : إنه ساحر ، فهو معنى قوله تعالى : ( ^ فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ) أي : القرآن .
وقوله : ( ^ يؤثر ) أي : يأثره عن غيره .
كانوا يقولون : إنه يتعلم من غلام ابن الحضرمي ، وقيل غيره .
وقوله : ( ^ ثم أدبر واستكبر ) أي : تولى وتكبر . < < المدثر : ( 25 ) إن هذا إلا . . . . . > >
قوله : ( ^ إن هذا إلا قول البشر ) أي : القرآن قول البشر ، ليس بقول الله تعالى . < < المدثر : ( 26 ) سأصليه سقر > >
وقوله تعالى : ( ^ سأصليه سقر ) سأدخله ، وسقر اسم من أسماء جهنم .
قال ابن عباس : هو الدرك الخامس ، والدركات سبع كلها في القرآن : جهنم لظى ، والجحيم ، وسقر ، وسعير ، والهاوية ، والحطمة . < < المدثر : ( 27 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما سقر ) قاله تعظيما لأمر السقر . < < المدثر : ( 28 ) لا تبقي ولا . . . . . > >
وقوله : ( ^ لا تبقي ولا تذر ) قال مجاهد : لا تبقى حيا فيستريح ، ولا ميتا فيتخلص ، وهو معنى قوله تعالى : ( ^ لا يموت فيها ولا يحيى ) .
ويقال : ( ^ لا تبقى ولا تذر ) أي لا تبقى لحما ولا عظما ( ولا تذر ) أي : إذا أحرقت الكل لم تذر ؛ لأنه يعود خلقا جديدا .
وقيل : لا تبقى أحدا من الكافرين ، أي : تأخذ جميع الكافرين ولا تذرهم من العذاب وقتا ما ، أي : تحرقهم أبدا .
وفي بعض التفاسير : أن كل شيء يسأم ويمل سوى جهنم . < < المدثر : ( 29 ) لواحة للبشر > >
وقوله : ( ^ لواحة للبشر ) أي محرقة .
قال أبو رزين : تحرقهم حتى يصيروا سودا
____________________

( ^ لواحة للبشر ( 29 ) عليها تسعة عشر ( 30 ) وما جعلنا أصحاب النار إلى ملائكة كالليل المظلم .
وقيل : لواحة للبشر أي : تحرق اللحم حتى تلوح العظم .
ويقال معناه : أن بشرة أجسادهم تلوح على النار ، حكى هذا عن مجاهد .
وقيل : لواحة للبشر ، أي : معطشة للبشر ، قال الشاعر :
( سقتني على لوح من الماء شربة ** سقاها به الله الرباب والغواديا ) < < المدثر : ( 30 ) عليها تسعة عشر > >
وقوله : ( ^ عليها تسعة عشر ) أي : من الزبانية وخزنة النار .
وفي التفسير : أن من منكب أحدهم إلى المنكب الآخر مسيرة سنة ، ويأخذ بكفه مثل عدد ربيعة ومضر ، ويدفع في النار بدفعة واحدة سبعين ألفا .
وقيل : تسعين ألفا ، وأعينهم كالبرق الخاطف ، وأسنانهم كصياص البقر .
وذكر الكلبي أن لهم من الأعوان و الجند ما لا يعلم عددهم إلا الله تعالى . < < المدثر : ( 31 ) وما جعلنا أصحاب . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ وما جعلنا أصحاب النار إلى ملائكة ) سبب نزول هذه الآية أن النبي لما أخبر بعدد الزبانية ، وقال أبو جهل : أرى محمدا يوعدكم بتسعة عشر و أنتم الدهم ، أفلا تقرنون معهم ليعمد كل عشرة منكم إلى واحد فيدفعه .
وقال أبو الأسد بن كلدة - وكان رجلا من بني جمح - : أنا أتقدمكم على الصراط ، فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن ، وتسعة بمنكبي الأيسر ، ونمر إلى الجنة .
وقال : كلدة بن أسيد : أنا أكفيكم سبعة عشر ، فاكفوني أنتم اثنين ؛ فأنزل الله تعالى : ( ^ وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) أي : هؤلاء التسعة عشر من الملائكة ، وكيف تطيقونهم ؟ وروى أن المسلمين لما سمعوا منهم هذا قالوا : تقيسون الملائكة بالحدادين ؟ أي : ( السجانين ) .
____________________

( ^ وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستقين الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو )
وقوله تعالى : ( ^ وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ) أي : منحة وبلية حتى قالوا ما قالوا .
وقوله : ( ^ ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ) أي : ليستيقن الذين أوتوا الكتاب أن محمدا قال ما قال من الله تعالى ؛ فإنه وافق هذا العدد الذين ( وعدوا ) في التوراة والإنجيل .
وقوله : ( ^ ويزداد الذين آمنوا إيمانا ) أي : يزداد الذين آمنوا من أهل الكتاب إيمانا .
وقيل : يزداد جميع المؤمنون إيمانا إذا رأوا ما قاله النبي موافقا لما حكاه أهل الكتاب .
وقوله : ( ^ ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ) أي : لا يشكوا في العدد إذا وجدوا التوراة والإنجيل والقرآن متفقة على هذا العدد .
وقوله : ( ^ وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) أي : كيف ذكر الله هذا العدد وخص الزبانية به ؟ وهو تفسير قوله تعالى : ( ^ إلا فتنة للذين كفروا ) .
وقوله : ( ^ كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) يعني : كما أضل الكفار بهذا العدد ، وهدى المؤمنين لقبوله ، كذلك يضل الله من يشاء ، ويهدي من يشاء بما ينزل من القرآن .
وقوله تعالى : ( ^ وما يعلم جنود ربك إلا هو ) روى أن الكفار لما سمعوا هذا العدد
____________________

( ^ وما هي إلا ذكرى للبشر ( 31 ) كلا والقمر ( 32 ) والليل إذا أدبر ( 33 ) والصبح إذا أسفر ( 34 ) إنها لإحدى الكبر ( 35 ) نذيرا للبشر ( 36 ) ) . قالوا : ما أقل هذا العدد ؛ فأنزل الله تعالى : ( ^ وما يعلم جنود ربك إلا هو ) أي : له من الجنود سوى هذا العدد ما لا يعلم عددها إلا هو .
وقوله : ( ^ وما هي إلا ذكرى للبشر ) أي : هذه الآية عظة وعبرة للبشر . < < المدثر : ( 32 ) كلا والقمر > >
قوله تعالى : ( ^ كلا والقمر ) كلا : هو رد لما قالوا .
وقوله : ( ^ والقمر ) ابتداء قسم . < < المدثر : ( 33 ) والليل إذ أدبر > >
وقوله : ( ^ والليل إذا أدبر ) وقرئ : ( ^ إذا أدبر ) أي : تولى وذهب .
وقوله : ( ^ إذا أدبر ) أي : إذا جاء خلف النهار .
وروى أن عبد الله بن عباس سئل عن قوله : ( ^ والليل إذا أدبر ) فقال للسائل : امكث .
فلما أذن المؤذن للصبح قال : هذا حين دبر الليل .
وقد أنكر بعضهم هذه القراءة .
وقالوا : إذا دبر ، إنما يقال في ظهر البعير .
والصحيح ما بينا ، وهما قراءتان معروفتان .
وقال الكسائي والفراء : دبر وأدبر بمعنى واحد . < < المدثر : ( 34 ) والصبح إذا أسفر > >
وقوله : ( ^ والصبح إذا أسفر ) أي : تبين وأضاء .
يقال : سفرت المرأة عن وجهها ، ( وسفر ) الرجل بيته إذا كنسه حتى كشف عن تراب البيت . < < المدثر : ( 35 ) إنها لإحدى الكبر > >
وقوله : ( ^ إنها لإحدى الكبر ) أي : القيامة لإحدى العظائم .
ويقال : الكبر دركات جهنم .
وقوله : ( ^ إنها لإحدى الكبر ) أي : سقر إحدى دركات جهنم ، فينصرف ( إلى ما ) ذكرنا . < < المدثر : ( 36 ) نذيرا للبشر > >
وقوله : ( ^ نذيرا للبشر ) أي : إنذارا للبشر .
وذكر النحاس أنه رجع إلى قوله :
____________________

( ^ لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ( 37 ) كل نفس بما كسبت رهينة ( 38 ) إلا أصحاب اليمين ( 39 ) في جنات يتساءلون ( 40 ) عن المجرمين ( 41 ) ما سلككم في سقر ( 42 ) قالوا لم نك من المصلين ( 43 ) ولم نك نطعم المسكين ( 44 ) وكنا نخوض مع الخائضين ( 45 ) وكنا نكذب بيوم الدين ( 46 ) حتى أتانا اليقين ( 47 ) فما تنفعهم شفاعة الشافعين ( 48 ) ) .
( ^ قم ) أي : قم نذيرا للبشر . < < المدثر : ( 37 ) لمن شاء منكم . . . . . > >
وقوله : ( ^ لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) أي : يتقدم إلى الإيمان أو يتأخر عنه . < < المدثر : ( 38 ) كل نفس بما . . . . . > >
وقوله : ( ^ كل نفس بما كسبت رهينة ) أي : مرتهنة . < < المدثر : ( 39 ) إلا أصحاب اليمين > >
وقوله : ( ^ إلا أصحاب اليمين ) فليسوا بمرتهنين ؛ لأنه ليست لهم ذنوب .
قال زاذان عن علي : هم ولدان المسلمين .
وقيل : هم الأنبياء .
وقيل : هم الذين يعطون الكتاب بأيمانهم .
وقيل : هم الذين أخذوا من صلب آدم من الجانب الأيمن ، وقال الله تعالى لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي .
وعن ابن عباس : أنهم الملائكة . < < المدثر : ( 40 - 42 ) في جنات يتساءلون > >
وقوله : ( ^ في جنات ) أي : بساتين .
وقوله : ( ^ يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر ) أي : ما أدخلكم في سقر ، وإنما سألوا عن ذلك ؛ لأنهم لم يعرفوا الذنوب ، وهذا يصح إذا حملنا على الملائكة وولدان المسلمين ، وأما إذا حملنا على غيرهم ، فهو سؤال مع المعرفة ، ويجوز أن يسأل الإنسان عن غيره مع معرفة حاله . < < المدثر : ( 43 - 45 ) قالوا لم نك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين ) قال قتادة : كلما غوى قوم غوينا معهم .
وقيل : كنا نخوض مع الخائضين في أمر محمد ، وننسبه إلى السحر والشعر وغير ذلك . < < المدثر : ( 46 - 47 ) وكنا نكذب بيوم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) أي : الموت . < < المدثر : ( 48 ) فما تنفعهم شفاعة . . . . . > >
وقوله : ( ^ فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) لأنهم كفرة ، فلا يكون لهم شفيع ولو
____________________

( ^ فما لهم عن التذكرة معرضين ( 49 ) كأنهم حمر مستنفرة ( 50 ) فرت من قسورة ( 51 ) بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ( 52 ) كلا بل لا يخافون الآخرة ( 53 ) كلا إنه تذكرة ( 54 ) فمن شاء ذكره ( 55 ) ) . كان لم ينفعهم .
وفي التفسير : أن هذا حين يخرج قوم من المؤمنين من النار بشفاعة الأنبياء والرسل والملائكة والعلماء والصديقين ، وكل هذا مروي [ في ] الأخبار ، ويبقى الكفار في النار على الخصوص . < < المدثر : ( 49 ) فما لهم عن . . . . . > >
وقوله : ( ^ فما لهم عن التذكرة معرضين ) أي : العظة والعبرة . < < المدثر : ( 50 ) كأنهم حمر مستنفرة > >
وقوله : ( ^ كأنهم حمر مستنفرة ) وقرئ : ( ^ مستنفَرة ) بفتح الفاء .
وقوله : ( ^ مستنفرة ) نافرة .
وقوله : ( ^ مستنفَرة ) أي : مذعورة . < < المدثر : ( 51 ) فرت من قسورة > >
وقوله : ( ^ فرت من قسورة ) قال ابن عباس وأبو هريرة : هو الأسد .
وقال ابن عباس : يقال بالعربية الأسد ، وبالحبشية القسورة ، وبالفارسية شير ، وبالنبطية أريا .
وعن أبي موسى الأشعري فرت من قسورة : هم النقابون .
وقيل : هم رماة النبل . < < المدثر : ( 52 ) بل يريد كل . . . . . > >
وقوله : ( ^ بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) روى أن الكفار قالوا : لا نؤمن بك يا محمد حتى تأتي كل واحد منا كتابا من الله أن آمن بمحمد فإنه رسولي . < < المدثر : ( 53 ) كلا بل لا . . . . . > >
وقوله : ( ^ كلا ) أي : لا يؤتون هذه الصحف .
وقيل : كلا أي : لو أوتوا هذه الصحف لم يؤمنوا .
وقوله : ( ^ بل لا يخافون الآخرة ) أي : لو خافوا لم يطلبوا هذه الأشياء . < < المدثر : ( 54 ) كلا إنه تذكرة > >
وقوله : ( ^ كلا إنه تذكرة ) أي : القرآن عظة وعبرة . < < المدثر : ( 55 ) فمن شاء ذكره > >
وقوله : ( ^ فمن شاء ذكره ) أي : اتعظ به واعتبر به ، ثم رد المشيئة إلى نفسه فقال :
____________________

( ^ وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة ( 56 ) ) . < < المدثر : ( 56 ) وما يذكرون إلا . . . . . > >
( ^ وما يذكرون إلا أن يشاء الله ) أي : لا يعتبرون ولا يتعظون إلا بمشيئتي .
وقوله : ( ^ هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) أي : أهل أن أبقى خالدا في الجنة من اتقى ، ولم يجعل معي إلها .
( ^ وأهل المغفرة ) أي : من اتقى ولم يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له .
وفي هذا خبر مسند برواية أنس عن النبي على نحو هذا المعنى ذكره أبو عيسى في كتابه .
وعن محمد بن النضر بن الحارث في هذه الآية أن قوله : ( ^ هو أهل التقوى وأهل المغفرة ) المعنى : أنا أهل أن أتقي بترك الذنوب ( ^ وأهل المغفرة ) أي : وأنا أهل أن أغفر للمذنبين إن لم يتقوا .
وذكر الأزهري في قوله ( ^ بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) قولا آخر : هو أن المشركين قالوا : كانت بنو إسرائيل إذا أذنب الواحد منهم ذنبا ظهر ذنبه مكتوبا على باب داره ، فما بالنا لا يكون لنا ذلك إن كنا مذنبين ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأخبر على هذا المعنى ، وأخبر أنه لا يفعل ذلك لهذه الأمة ، وأن ذلك كان مخصوصا ببني إسرائيل .
والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ لا أقسم بيوم القيامة ( 1 ) . <
> تفسير سورة القيامة <
>
وهي مكية
وعن عمر - رضي الله - عنه أنه قال : من أراد أن يشاهد القيامة فليقرأ سورة القيامة .
وعن المغيرة بن شعبة أنه قال : يقولون القيامة ومن مات فقد قامت قيامته .
أورد هذين الأثرين النقاش في تفسير . < < القيامة : ( 1 ) لا أقسم بيوم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا أقسم بيوم القيامة ) قال سعيد بن جبير معناه : أقسم بيوم القيامة .
وعنه أيضا أنه سأل ابن عباس عن قوله : ( ^ لا أقسم بيوم القيامة ) فقال : إن ربنا تعالى يقسم بما شاء من خلقه .
واختلفوا في قوله : ' لا ' على أقوال : أحد الأقوال : أنها صلة ، أي : زائدة على ما هو مذهب كلام العرب ، وأنكر الفراء هذا وقال : الصلة إنما تكون في أثناء الكلام ، فأما في ابتداء الكلام فلا ، ومعنى قوله : ( ^ لا ) أي : ليس الأمر كما يزعمون أن لا بعث ولا جنة ولا نار ، ثم ابتدأ بقوله : ( ^ أقسم ) وأجاب من قال بالقول الأول أن القرآن كله متصل بعضه بالبعض في المعنى ، فيصلح أن تكون ' لا ' صلة في هذا الموصل وإن كان ( عند ) ابتداء السورة .
والقول الثالث أن معنى قوله : ( ^ لا ) على معنى التنبيه ، كأنه قال : ألا فتنبه ثم أقسم ، ومثله قول الشاعر :
( ألا وأبيك ابنة العامري ** لا يدعي قوم أني أفر )
وقرأ ابن كثير : ' لأقسم بيوم القيامة ' وهي قراءة الحسن والأعرج .
وأنكر النحويون
____________________

( ^ ولا أقسم بالنفس اللوامة ( 2 ) أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ( 3 ) بلى قادرين على أن نسوي بنانه ( 4 ) ) . من البصريين هذه القراءة وزعموا أنها لحن ، وقالوا : لا بد من دخول النون إذا كان على هذا الوجه ، والصحيح هي القراءة المعروفة ، وأكثر القراء على هذا .
وقوله : ( ^ بيوم القيامة ) سميت القيامة ؛ لأن الناس يقومون في هذا اليوم للحساب وجزاء الأعمال . < < القيامة : ( 2 ) ولا أقسم بالنفس . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولا أقسم بالنفس اللوامة ) أي : أقسم .
وعن الحسن أنه قال : أقسم بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنفس اللوامة .
والأصح أن القسم بهما .
وفي اللوامة أقوال : أحدها : أنها الفاجرة تلام يوم القيامة ، فمعنى اللوامة : الملومة هاهنا على هذا القول .
والقول الثاني - وهو الأصح - : أنها المؤمنة تلوم نفسها على ما تفعل من المعاصي .
قال مجاهد : المؤمن يلوم نفسه على المعاصي ، والكافر يمضي قدما قدما في المعاصي ولا يفكر فيه .
وفي التفسير : أنه ما من أحد إلا ويلوم نفسه يوم القيامة ؛ إن كان محسنا يلوم ألا ازداد واستكثر من الإحسان ، وإن كان مسيئا يلوم نفسه ألا أقلع عن الإساءة والمعاصي . < < القيامة : ( 3 ) أيحسب الإنسان ألن . . . . . > >
وقوله ( ^ أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ) أي : لن نحيي عظامه ( فنجمعها ) للإحياء بعد تفرقها . < < القيامة : ( 4 ) بلى قادرين على . . . . . > >
وقوله : ( ^ بلى ) هو جواب القسم ، وعليه وقع القسم .
وقوله : ( ^ قادرين ) أي : بلى لنجمعنكم قادرين .
وقيل : بلى نقدر قادرين .
وقوله : ( ^ على أن نسوي بنانه ) أي : على تسوية بنانه ، وهي أطراف الأصابع ، وفيها عظام صغار ، وخصها بالذكر ؛ لأنه تعالى إذا قدر على جمع العظام الصغار فعلى الكبار أقدر على جمعها وإحيائها .
وعن قتادة في قوله : ( ^ على أن نسوي بنانه ) أن
____________________


( ^ بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ( 5 ) يسأل أيان يوم القيامة ( 6 ) فإذا برق البصر ( 7 ) وخسف القمر ( 8 ) ) . نجعل أصابعه بمنزلة خف البعير وحافر الحمار ، وهذا قول مشهور في التفاسير . < < القيامة : ( 5 ) بل يريد الإنسان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ بل يريد الإنسان ليفجر أمامه ) في التفسير : أن معناه : يقدم الذنب ويؤخر التوبة .
وهو بمعنى التسويف في ترك المعاصي والتوبة إلى الله .
وروى علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس أن معناه : هو التكذيب بالقيامة ، والفجور هو الميل عن الحق ، والكاذب مائل عن الصدق فهو فاجر .
وحكى ابن قتيبة أن أعرابيا جاء إلى عمر - رضي الله - عنه وقال : إن بعيري قد دبر فاحملني على بعير ، فلم يحمله عمر ، فولى الأعرابي وهو يقول :
( أقسم بالله أبو حفص عمر ** ما مسه من نقب ولا دبر )
( اغفر له اللهم إن كان فجر ** )
أي : كذب .
قال مجاهد في قوله تعالى : ( ^ يفجر أمامه ) أي : يمضي أمامه راكبا هواه لا يفكر في ذنب ، ولا يتوب عن معصية . < < القيامة : ( 6 ) يسأل أيان يوم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يسأل أيان يوم القيامة ) أي : متى يوم القيامة ، وكانوا يقولون ذلك على وجه الاستهزاء ، وهو دليل على صحة القول الذي ذكرناه عن ابن عباس . < < القيامة : ( 7 ) فإذا برق البصر > >
قوله تعالى : ( ^ فإذا برق البصر ) وقرئ : ' برق ' بالفتح ، فقوله : ' برق البصر ' أي : شخص من الهول فلم يطرف .
وقوله : ' برق ' أي : تحير وجزع ، ويقال : غشيه مثل البرق . < < القيامة : ( 8 ) وخسف القمر > >
وقوله : ( ^ وخسف القمر ) أي : ذهب ضوءه .
ومنه يقال : بئر منخسفة وغير منخسفة .
وعن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي أنه قال : الكسوف أن يذهب بعض
____________________

( ^ وجمع الشمس والقمر ( 9 ) يقول الإنسان يومئذ أين المفر ( 10 ) كلا لا وزر ( 11 ) إلى ربك يومئذ المستقر ( 12 ) ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ( 13 ) ) . الضوء ، والخسوف أن يذهب جميع الضوء .
وهو قول مروي عن غيره أيضا . < < القيامة : ( 9 ) وجمع الشمس والقمر > >
وقوله : ( ^ وجمع الشمس والقمر ) أي : في الخسفة وإذهاب الضوء .
قال ابن مسعود : يصيران كالبعيرين القرينين ، ثم يلقيان في النار فيصيران نارا على الكفار ، وهذا على معنى قوله .
وعن مجاهد : وجمع الشمس والقمر أي : كور كلاهما . < < القيامة : ( 10 ) يقول الإنسان يومئذ . . . . . > >
وقوله : ( ^ يقول الإنسان يومئذ أين المفر ) أي : أين المهرب ؟ وقرئ : ' أين المقر ' أي : أين موضع القرار . < < القيامة : ( 11 ) كلا لا وزر > >
وقوله : ( ^ كلا لا وزر ) أي : لا مهرب ولا فرار .
وأما قوله : ( ^ لا وزر ) فيه أقوال : قال سعيد بن جبير : لا محيص .
وقال عكرمة : لا منعة .
وعن مجاهد : لا منجا .
وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير ، والضحاك : لا جبل .
وهو قول مشهور ، وقد كانت العرب إذا طرقتهم الخيل قالوا : الوزر الوزر ، أي : الجبل الجبل .
قال الشاعر :
( لعمرك ما للفتى من وزر ** إذا الموت يدركه والكبر )
وهذا على المعنى المنجا . < < القيامة : ( 12 ) إلى ربك يومئذ . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلى ربك يومئذ المستقر ) أي : يظهر مستقر العباد في الجنة أو النار . < < القيامة : ( 13 ) ينبأ الإنسان يومئذ . . . . . > >
وقوله : ( ^ ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) قال ابن مسعود وابن عباس : بما قدم من طاعه فعمل بها ، وأخر من ( سنة ) سيئة ، فعمل بها بعده .
ويقال : ( ^ بما قدم وأخر ) بأول عمله وآخره .
وهو محكي عن مجاهد وإبراهيم .
وقيل : ( ^ بما قدم وأخر )
____________________

( ^ بل الإنسان على نفسه بصيرة ( 14 ) ولو ألقى معاذيره ( 15 ) لا تحرك به لسانك لتعجل به ( 16 ) . أي : يلقى جزاء جميع أعماله من طاعة ومعصية .
وعن زيد بن أسلم : بما قدم من المال للصدقة ، وأخر من المال للورثة . < < القيامة : ( 14 ) بل الإنسان على . . . . . > >
وقوله : ( ^ بل الإنسان على نفسه بصيرة ) أي : شاهد ، والمعنى : هو لزوم الحجة عليه كما يلزم بالشهادة ، وما من أحد إلا وله من نفسه على نفسه حجة .
وقيل : هو شهادة الجوارح عليه يوم القيامة .
قال ابن عباس : تشهد عليه يداه ورجلاه وفرجه وغير ذلك .
ودخلت التاء في قوله ( ^ بصيرة ) للمبالغة مثل قولهم : علامة ورواية وما يشبهها . < < القيامة : ( 15 ) ولو ألقى معاذيره > >
وقوله : ( ^ ولو ألقى معاذيره ) فيه قولان معروفان : أحدهما : ولو جاء بكل عذر ، وأدلى بكل حجة أي : لا يقبل منه ذلك ؛ لأنه لا عذر له ولا حجة .
والقول الثاني : أن قوله : ( ^ ولو ألقى معاذيره ) أي : ستوره ، واحدها معذار ، قال الزجاج : وهو الستر .
وقيل : هو لغة يمانية .
والمعنى : أنه وإن ستر جميع أعمله بالستور ، فإنما تظهر يوم القيامة ويجازى عليه . < < القيامة : ( 16 ) لا تحرك به . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا تحرك به لسانك لتعجل به ) روى سفيان بن عيينة ، عن موسى ابن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ' أن النبي كان إذا نزل عليه الوحي يحرك به لسانه يريد أن يحفظه فأنزل الله تعالى قوله : ( ^ لا تحرك به لسانك لتعجل به ) قال : وحرك سعيد بن جبير شفتيه ، وحرك ابن عباس شفتيه ' . قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو علي الشافعي ، أخبرنا أبو الحسن بن ( فراس ) ، أخبرنا أبو جعفر الديبلي ، أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن ابن عيينة .
الحديث .
____________________

( ^ إن علينا جمعه وقرآنه ( 17 ) فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ( 18 ) ثم إن علينا بيانه ( 19 ) كلا بل تحبون العاجلة ( 20 ) وتذرون الآخرة ( 21 ) وجوه يومئذ ناضرة ( 22 ) إلى ربها ناظرة ( 23 ) ) . واختلف القول أن النبي لماذا كان يحرك لسانه ؟ فأحد القولين : أنه كان يحركه مخافة الانفلات لكيلا ينساه ، وهو المعروف .
والقول الثاني : أنه كان يحرك لسانه حبا للوحي ، ذكره الضحاك . < < القيامة : ( 17 ) إن علينا جمعه . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن علينا جمعه وقرآنه ) أي : جمعه في صدرك .
و ' قرآنه ' أي : نيسر قراءته عليك ؛ فالقرآن هاهنا بمعنى القراءة .
وقال قتادة : إن علينا جمعه وقرآنه في صدرك وتآليفه على ما أنزلناه . < < القيامة : ( 18 ) فإذا قرأناه فاتبع . . . . . > >
وقوله : ( ^ فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) أي : إذا أنزلناه فاستمع له .
ويقال : إذا قرأه جبريل عليك فاتبع قرآنه ، وقيل : فاتبع قرآنه أي : فاتبع القرآن بالعمل به في الحلال والحرام والأمر والنهي . < < القيامة : ( 19 ) ثم إن علينا . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم إن علينا بيانه ) أي : علينا أن نجمعه في صدرك لتبينه للناس وتقرأه عليهم ، وهو مذكور بمعنى تيسير الحفظ عليه وتسهيله بمعونة : الله تعالى ، وقد كان يلقى من الحفظ شدة قبل ذلك ، فلما أنزل الله تعالى هذه الآية كان إذا قرأ عليه جبريل أطرق ، فإذا ذهب قرأ كما أنزل . < < القيامة : ( 20 - 21 ) كلا بل تحبون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ) هي خطاب للكفار ؛ لأنهم كانوا يعملون للدنيا ولا يعملون للآخرة ، فهذا هو معنى الآية . < < القيامة : ( 22 - 23 ) وجوه يومئذ ناضرة > >
وقوله : ( ^ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) قوله : ( ^ ناضرة ) بالضاد أي : مسرورة طلقة هشة بشة .
والنضرة : هي النعمة والبهجة في اللغة .
وقوله : ( ^ إلى ربها ناظرة ) هو النظر إلى الله تعالى بالأعين ، وهو ثابت للمؤمنين في الجنة بوعد الله تعالى وبخبر الرسول .
____________________


قال رضي الله عنه : أخبرنا أبو الحسن بن النقور ، أخبرنا أبو القاسم بن حبابة ، أخبرنا البغوي ، أخبرنا هدبة [ بن ] خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي قال : ' إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب ، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى الله تعالى ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا أبو علي الشافعي بمكة ، أخبرنا أبو الحسن بن فراس بإسناده عن إسرائيل عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي قال : ' إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه ألف سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ، وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر إلى الله تعالى كل يوم مرتين ' .
وفي رواية : ' غدوة وعشيا ، ثم قرأ قوله تعالى : ( ^ وجود يومئذ ناضرة ) ' .
____________________

( ^ ووجوه يومئذ باسرة ( 24 ) تظن أن يفعل بها فاقرة ( 25 ) كلا إذا بلغت التراقي ( 26 ) ) .
والذي ذكرناه من النظر إلى الله هو قول عامة المفسرين ، وهو مروي عن الحسن البصري أيضا أنه حمل الآية على هذا ، وذكره سائر الرواة .
وحكى بعضهم عن مجاهد : إلى ثواب ربها ناظرة ، وليس يصح ؛ لأن العرب لا تطلق هذا اللفظ في مثل هذا الموضع إلا والمراد منه النظر بالعين ، ولعل القول المحكي عن مجاهد لا يثبت ؛ لأنه لم يورد من يوثق بروايته .
وحمل بعضهم قوله : ( ^ ناظرة ) أي : منتظرة ، وهذا أيضا تأويل باطل ؛ لأن العرب لا تصل قوله : ' ناظرة ' بكلمة ' إلى ' إلا بمعنى النظر بالعين ، قال الشاعر :
( نظرت إليها بالمحصب من منى ** ولي نظر ولولا التحرج عارم )
فأما إذا [ أراد ] الانتظار فإنهم لا يصلونها بإلى ، قال الشاعر :
( فإنكما إن تنظراني ساعة ** من الدهر تنفعني لدى أم جندب )
أي : تنتظراني ، وعلى المعنى لا يصح أيضا هذا التأويل ؛ لأن الطلاقة والهشاشة والسرور إنما يكون بالوصول إلى المطلوب فأما مع الانتظار فلا ، فإن في الانتظار تنغصا ومشقة . < < القيامة : ( 24 ) ووجوه يومئذ باسرة > >
وقوله : ( ^ ووجوه يومئذ باسرة ) أي : كالحة عابسة . < < القيامة : ( 25 ) تظن أن يفعل . . . . . > >
وقوله : ( ^ تظن أن يفعل بها فاقرة ) أي : تتيقن أن الذي يفعل بها فاقرة ، والفاقرة هو الأمر الشديد الذي ينكسر معه فقار الظهر .
وقيل : فاقرة : واهية ، أو أمر عظيم . < < القيامة : ( 26 ) كلا إذا بلغت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا إذا بلغت التراقي ) المعنى : أنه ليس الأمر كما يظنون ويتوهمون ، ( ويستعملون ) ذلك إذا بلغت النفس التراقي .
والتراقي جمع ترقوة ،
____________________

( ^ وقيل من راق ( 27 ) وظن أنه الفراق ( 28 ) والتفت الساق بالساق ( 29 ) إلى ربك يومئذ المساق ( 30 ) فلا صدق ولا صلى ( 31 ) ولكن كذب وتولى ( 32 ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى ( 33 ) ) . وهو مقدم الحلق المتصل بالصدر ، وهو موضع الحشرجة ، ذكره أبو عيسى . < < القيامة : ( 27 ) وقيل من راق > >
وقوله : ( ^ وقيل من راق ) أي : هل من طبيب يشفي ويداوي ، قاله قتادة .
وقيل معناه : أن الملائكة يقولون من يرقي بروحه أي : تصعد ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب . < < القيامة : ( 28 ) وظن أنه الفراق > >
وقوله : ( ^ وظن أنه الفراق ) قرأ ابن عباس : ' وأيقن أنه الفراق ' .
وهو صحيح عنه ، وهو المعني . < < القيامة : ( 29 ) والتفت الساق بالساق > >
وقوله : ( ^ والتفت الساق بالساق ) أي : [ اتصلت ] شدة الدنيا بشدة الآخرة .
وقيل : يجتمع عليه كرب الموت وهول المطلع .
قال الضحاك : هو في أمر عظيم ، الناس يجهزون بدنه ، والملائكة يجهزون روحه .
وعن الحسن : ' والتفت الساق بالساق ' أي : في الكفن ، وهو الساق المعروف ، وعلى القول الأول الساق بمعنى الشدة .
وقد ذكرنا من قبل . < < القيامة : ( 30 ) إلى ربك يومئذ . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلى ربك يومئذ المساق ) أي : السوق ، فإنه يساق إما في الجنة ، وإما إلى النار بأمر الله تعالى . < < القيامة : ( 31 ) فلا صدق ولا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فلا صدق ولا صلى ) معناه : فلا صدق الكافر ولا صلى معناه : لم يصدق الكافر ولم يصل .
قال المفسرون : نزلت الآية في أبي جهل بن هشام . < < القيامة : ( 32 ) ولكن كذب وتولى > >
قوله : ( ^ ولكن كذب وتولى ) أي : كذب بآيات الله ، وأعرض عن الحق . < < القيامة : ( 33 ) ثم ذهب إلى . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم ذهب إلى أهله يتمطى ) أي : يتبختر .
ومشية المطيطاء هي مشية التبختر .
وقيل : هو أن يولي مطاؤه ، والمطا الظهر .
وفي بعض التفاسير : أنه مشية بني مخزوم .
وقيل : التمطي : هو التمدد من كسل أو مرض ، فأما من المرض فهو غير مذموم ، وأما من الكسل إذا كان تثاقلا عن الحق فهو مذموم .
____________________

( ^ أولى لك فأولى ( 34 ) ثم أولى لك فأولى ( 35 ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى ( 36 ) ألم يك نطفة من مني يمنى ( 37 ) ) . < < القيامة : ( 34 - 35 ) أولى لك فأولى > >
وقوله : ( ^ أولى لك فأولى ) اختلف القول في هذه اللفظة ، فأحد الأقوال : أن معناها : الويل لك ثم الويل لك .
والثاني : معناها : وليك المكروه وقارب منك ، وهذا قول قتادة وجماعة .
والقول الثالث : الذم أولى لك ، ثم طرحت لفظ الذم للاستغناء عنها ولأنه معلوم ، ذكره علي بن عيسى .
وفي التفسير : ' أن النبي لقي أبا جهل وهو يخرج من باب بني مخزوم يتبختر ، فأخذ بيده وهزه مرة أو مرتين ، ثم قال له : أولى لك فأولى ، فأخبر الله تعالى في القرآن قول الرسول على ما قال ' ، وهذا قول حسن ؛ لأن أولى في لغة العرب بمعنى كاد وهم ، ولفظة كاد بالخلق أليق ؛ فهو حكاية من الله تعالى لقول الرسول .
وأنشدوا في كلمة أولى قول الخنساء :
( هممت بنفسي بعض الهموم ** فأولى لنفسي أولى لها )
( سأحمل نفسي على آلة ** فإما عليها وإما لها )
آلة أي : حالة . < < القيامة : ( 36 ) أيحسب الإنسان أن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أيحسب الإنسان أن يترك سدا ) أي : مهملا لا يؤمر ولا ينهى .
قاله مجاهد .
وقيل : لا يبعث ولا يحاسب ولا يعاقب ، قال الشاعر :
( فأقسم بالله جهد اليمين ** ما ترك الله شيئا سدى ) < < القيامة : ( 37 ) ألم يك نطفة . . . . . > >
وقوله : ( ^ ألم يك نطفة من مني يمنى ) وقرئ بالتاء : ' تمنى ' .
والمني ماء معروف يخلق منه الإنسان ، فالقراءة بالياء تتصرف إلى المنى ، والتاء تنصرف إلى معناه ، وهو النطفة .
وقوله : ( ^ يمنى ) أي : يقذف في الرحم .
وقيل : يقدر .
____________________

( ^ ثم كان علقة فخلق فسوى ( 38 ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ( 39 ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ( 40 ) ) .
قال الشاعر :
( ما يمنى لك الماني ** )
أي : ما يقدر لك القدر . < < القيامة : ( 38 ) ثم كان علقة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ثم كان علقة ) أي : المني علقة ، وهو الدم المنعقد .
وقوله : ( ^ فخلق فسوى ) أي : فخلق منه الإنسان فسوى خلقه . < < القيامة : ( 39 ) فجعل منه الزوجين . . . . . > >
وقوله : ( ^ فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ) وقيل : من المني الذكر والأنثى . < < القيامة : ( 40 ) أليس ذلك بقادر . . . . . > >
وقوله : ( ^ أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) معناه : أليس الله الذي خلق الإنسان من النطفة بقادر على أن يحيى الموتى ؟ يعني : هو قادر .
وعن ابن عباس أنه كان إذا بلغ هذه الآية قال : اللهم بلى .
وفي رواية : سبحانك بلى .
وقد روى هذا مرفوعا في بعض المسانيد .
والله أعلم وأحكم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ( 1 ) إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ) . <
> تفسير سورة الإنسان <
>
وهي مكية في قول بعضهم .
مدنية في قول بعضهم ، وقيل : بعضها مكية وبعضها مدنية . < < الإنسان : ( 1 ) هل أتى على . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) معناه : قد أتى على الإنسان حين من الدهر ، قاله الفراء .
وقيل أتى على الإنسان حين من الدهر ، والإنسان هو آدم على قول أكثر المفسرين .
وعن ابن جريج : أنه كل إنسان من الآدميين .
وقوله تعالى : ( ^ حين من الدهر ) هم أربعون سنة .
قال محمد بن إسحاق : صور الله آدم - عليه السلام - ثم تركه أربعين سنة ينظر إليه ، ثم نفخ فيه الروح .
وفي رواية : خلقه من طين ثم بعد أربعين سنة صار صلصالا من غير أن تمسه النار .
وفي رواية : كان أربعين سنة طينا ، وأربعين سنة حمأ مسنونا ، وأربعين سنة صلصالا .
وقوله : ( ^ لم يكن شيئا مذكورا ) أي : كان شيئا إلا أنه لم يكن شيئا يذكر .
وروى أنه قرأت هذه الآية عند عمر - رضي الله عنه - فقال : يا ليتها تمت ، أي : تلك الحالة . < < الإنسان : ( 2 ) إنا خلقنا الإنسان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ) أي : أخلاط .
قال ابن مسعود : أمشاجها عروقها التي في النطفة .
وفي اللغة : أن الأمشاج واحدها مشيج ، وهو الخلط .
( والمعنى ) : هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة ، أو اختلاط الدم بالنطفة .
____________________

( ^ نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ( 2 ) إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ( 3 ) إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا ( 4 ) ) .
وقيل : إن الله تعالى خلق الطبائع التي في الإنسان في النطفة من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، فهي الأمشاج ، ثم عدلها ثم بنى البنية الحيوانية على هذه الطبائع المعدلة ، ثم نفح فيها الروح ، ثم شق لها السمع والبصر ، فسبحان من خلق هذا الخلق من نطفة مهينة أو علقة نجسة .
وقيل : أمشاج أي : أطوار ، فالنطفة طور ، والعلقة طور ، والمضغة طور ، وكذلك ما بعدها .
وقيل : أمشاج أي : ألوان .
وفي الخبر : ' أن ماء الرجل أبيض غليظ ، وماء المرأة أصفر رقيق ، فإذا علا ماء المرأة ماء الرجل آنثتت ، وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت ' .
وقوله : ( ^ نبتليه ) أي : نختبره ونمتحنه .
وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، ومعناها : فجعلناه سمعيا [ بصيرا ] نبتليه ونختبره . < < الإنسان : ( 3 ) إنا هديناه السبيل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا هديناه السبيل ) أي : الخير والشر ، وهو مثل قوله تعالى : ( ^ وهديناه النجدين ) .
وقيل بينا له طريق الإيمان والكفر .
وقوله تعالى : ( ^ إما شاكرا وإما كفورا ) عند البصريين أن ' إما ' بمعنى ' أو ' وعند الكوفيين أن معناه : إما كان شاكرا وإما كان كفورا .
وقيل : إما شقيا ، وإما سعيدا . < < الإنسان : ( 4 ) إنا أعتدنا للكافرين . . . . . > >
قوله : ( ^ إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا ) وقرئ : ' سلاسل ' ، والأصل سلاسل لا تنصرف ، وأما صرفه على ( قراءة ) من قرأ ' سلاسلا وأغلالا
____________________

( ^ إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ( 5 ) ) . وسعيرا ' على موافقة قوله : ( ^ أغلالا ) وذلك جائز على مذهب العرب .
والأغلال جمع غل .
وروى جبير بن نفير عن أبي الدرداء أنه قال : ارفعوا أيديكم إلى الله قبل أن تغل بالأغلال .
وقوله : ( ^ سعيرا ) أي : نارا موقدة .
وفي بعض الأخبار برواية عطية ، عن أبي سعيد الخدري : أن الله تعالى يبعث سحابة فتقف على رءوس أهل النار ، ويقال لهم : ما تريدون : فيقولون : الشراب ، فيمطرهم الله منها السلاسل والأغلال والحميم .
قال الحسن : إن الله لا يغل الكفار عجزا عن حفظهم ، ولكن حتى إذا خبت النار عنهم أرسبتهم [ أغلالهم ] في أسفل النار . < < الإنسان : ( 5 ) إن الأبرار يشربون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الأبرار يشربون ) الأبرار : هم المطيعون .
وقيل : هم الذين بروا الآباء والأبناء .
وعن الحسن : هم الذين لا يؤذون الذر .
وفي بعض الأخبار : ' ما من ولد ينظر إلى والده نظر بر وعطف إلا كتب الله له به حجة ، فقيل : يا رسول الله ، وإن نظر في اليوم مائة مرة ! قال : الله أكبر وأطيب ' .
وقوله : ( ^ من كأس ) قال الزجاج : العرب لا تذكر الكأس إلا إذا كانت فيها الخمر .
قال الشاعر :
( صرفت الكأس عنا أم عمرو ** وكان الكأس مجراها اليمينا )
____________________

( ^ عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ( 6 ) يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ( 7 ) .
وقوله : ( ^ كان مزاجها كافورا ) أي : يمزج بالكافور ، وهو مزاج وجود الرائحة لا مزاج وجود الطعم .
وقيل : إن الكافور والزنجبيل اسمان لعينين من عيون الجنة . < < الإنسان : ( 6 ) عينا يشرب بها . . . . . > >
وقوله : ( ^ عينا يشرب بها عباد الله ) النصب على المدح ، أعني عينا ( ^ يشرب بها عباد الله ) أي : منها - عباد الله .
وقوله : ( ^ يفجرونها تفجيرا ) أي : يجرونها [ جراء ] على ما يريدون ويشتهون .
وقيل : إن الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وأبي عبيدة .
وفي بعض التفاسير : وابن مسعود وحذيفة وسلمان وأبي ذر . < < الإنسان : ( 7 ) يوفون بالنذر ويخافون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يوفون بالنذر ) أي : يوفون بأقوالهم .
وقيل : هو نفس النذر .
والأولى أولى ؛ لأن النذر مكروه على ما ورد في بعض الأخبار : ' أن النذر يستخرج به من البخيل ' .
والمعنى : أن الجواد لا يحتاج إلى النذر ، وعلى الجملة الوفاء بالنذر محمود .
وقوله : ( ^ ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) أي : فاشيا .
وقيل : ممتدا .
وقيل : منتشرا .
قال الشاعر :
( وهان على سراة بين لؤي ** حريق بالبويرة مستطير )
أي : منتشر ، وانتشار شر يوم القيامة في السموات والأرض ، أما في السموات فبتكوير شمسها ، وخسوف قمرها ، وانتشار كواكبها ، وطي السموات كطي السجل ،
____________________

( ^ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ( 8 ) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا ( 9 ) ) . وما أشبه ذلك .
وأما شره في الأرض فبقلع جبالها ، وطم أنهارها ، وإخراب نباتها ، وكسر بعضها على بعض ، وما شبه ذلك من تبديل الأرض وإهلاك الخلق وغيره . < < الإنسان : ( 8 ) ويطعمون الطعام على . . . . . > >
وقوله : ( ^ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ) أي : على حب الطعام وشهوتهم إياه وحاجتهم إليه .
وقوله : ( ^ مسكينا ) هو المحتاج ( ويتيما ) هو الذي لا أب له ( ^ وأسيرا ) قال سعيد بن جبير : هو المحبوس المسجون .
وعن مجاهد وقتادة وجماعة : هو الأسير من المشركين .
وعن أبي ( سليمان ) الداراني : على حب الله .
واختلف القول فيمن نزلت هذه الآية ، فأصح الأقاويل : أن الآية على العموم .
والقول الثاني : أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين ، رواه عمر بن عبيد ، عن الحسن البصري ، وحكى عن ابن عباس ذلك في بعض الروايات .
وفي القصة : أن عليا وفاطمة أصبحا صائمين ، فهيأت فاطمة ثلاثة أقراص من شعير لتأكل قرصا بنفسها ، ويأكل علي قرصا ، وللحسن والحسين قرص ؛ فلما كان المساء جاء مسكين فأعطوه أحد الأقراص ، ثم جاء يتيم فأعطوه القرص الثاني ، ثم جاء أسير فأعطوه القرص الثالث وطووا .
وفي رواية : أن عليا كان أجر نفسه من يهودي يستقي له بشيء من شعير ، وحمل ذلك الشعير إلى فاطمة ، وأخذت منه الأقراص الثلاثة .
وفي بعض الروايات ؟ أن ذلك كان في ثلاث ليال .
والله أعلم .
وفي هذه القصة خبط كثير تركنا ذكره .
وقيل : إن الآية نزلت في أبي الدرداء . < < الإنسان : ( 9 ) إنما نطعمكم لوجه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا ) أي : جزاء بالفعل ، ولا ثناء بالقول .
وفي التفسير : أنهم لم يقولوا هذا القول ، ولكنه كان في
____________________

( ^ إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ( 10 ) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ( 11 ) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ( 12 ) متكئين ) . ضميرهم فأخبر الله تعالى على ما كان في ضميرهم . < < الإنسان : ( 10 ) إنا نخاف من . . . . . > >
قوله : ( ^ إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) لأن الوجوه تنعبس فيه ، وأضاف العبوس إلى اليوم على طريق مجاز .
ومعنى ' نخاف من ربنا يوما ' أي : من عذاب يوم .
وقوله : ( ^ قمطريرا ) أي : شديدا .
يقال : يوم قمطرير وقماطر إذا اشتد فيه الأمر .
قال الشاعر :
( بنى عمنا هل تذكرون بلاءنا ** عليكم إذا ما كان يوم قماطر ) < < الإنسان : ( 11 ) فوقاهم الله شر . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرور ) أي : نضرة في الوجه ، وسرورا في القلوب .
والنضرة : هي الحسن في الوجوه من النعمة ، وهي التنعم . < < الإنسان : ( 12 ) وجزاهم بما صبروا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وجزاهم بما صبروا ) على الأمر والنهي .
وقيل : على المحن والشدائد ، وعلى الجوع مع الإيثار .
وقوله : ( ^ جنة وحريرا ) أي : البساتين والثياب من الديباج . < < الإنسان : ( 13 ) متكئين فيها على . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ متكئين فيها على الأرائك ) الأرائك : هي [ السرر ] في الحجال عليها الفرش ، والعرب لا تسميها أريكة إلا إذا كانت في حجلة .
وقوله تعالى : ( ^ لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ) أي : حرا ولا بردا .
قال الشاعر :
( منعمة طفلة مهاة ** لم تر شمسا ولا زمهريرا )
____________________

( ^ فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ( 13 ) ودانية عليهم ضلالها وذللت قطوفها تذليلا ( 14 ) ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير ( 15 ) قوارير من فضة قدروها تقديرا ( 16 ) ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ( 17 ) عينا فيها تسمى سلسبيلا ( 18 ) ) . < < الإنسان : ( 14 ) ودانية عليهم ظلالها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ودانية عليهم ) نصب ' ودانية ' عطفا على قوله : ( ^ متكئين ) .
وقوله : ( ^ عليهم ظلالها ) أي : ظلال الحجال .
وقوله : ( ^ وذللت قطوفها تذليلا ) أي : أدنيت قطوفها إليهم .
وفي التفسير : أنهم إذا قاموا ارتفعت إليهم ، وإذا قعدوا نزلت إليهم ، وإذا اضطجعوا دنت منهم ، وقيل : لا يمنعهم منها بعد ولا شوك . < < الإنسان : ( 15 ) ويطاف عليهم بآنية . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب ) والأكواب هي الأباريق التي لا خراطيم لها ، واحدها كوب .
وقوله تعالى : ( ^ كانت قوارير ) قال الشعبي : لها صفاء القوارير وبياض الفضة .
وعن ابن عباس : أنه لو أخذت قطعة من فضة وجعلت في الرقة كجناح ذباب لم ير من داخله ، وفضة الجنة يرى من داخلها ، فهو في صفاء القوارير على هذا المعنى .
وعنه أيضا : أن القوارير في الدنيا أصلها من الرمل ، فإذا كان أصلها من الفضة في الجنة فكيف تكون في الحسن والصفاء .
وعنه أيضا : أنه لا يشبه شيء في الجنة شيئا في الدنيا ، وإنما في الدنيا الأسامي مما في الجنة فحسب . < < الإنسان : ( 16 ) قوارير من فضة . . . . . > >
وقوله : ( ^ قوارير من فضة قدروها تقديرا ) أي : مقدرة على قدر الري لا زيادة ولا نقصان .
وقيل : على قدر الكف أي : على ما يسعه .
وقيل : ممتلئة . < < الإنسان : ( 17 ) ويسقون فيها كأسا . . . . . > >
وقوله : ( ^ ويسقون فيها كأسا ) أي : من كأس .
وقوله : ( ^ كان مزاجها زنجبيلا ) كانت العرب تستطيب طعم الزنجبيل ، فذكر ذلك على ما [ اعتادوه ] .
وقيل : الزنجبيل اسم العين لا أنه زنجبيل معروف في الطعم
____________________

( ^ ويطوف عليهم ولدان مخلدون ) . والرائحة .
فعلى هذا قوله : ( ^ مزاجها زنجبيلا ) أي : مزاجه من عين الزنجبيل . < < الإنسان : ( 18 ) عينا فيها تسمى . . . . . > >
وقوله : ( ^ عينا فيها تسمى سلسبيلا ) يقال : إن السلسبيل هي عين الزنجبيل أيضا ، ونصب على المدح ، ومعناه : أعني عينا .
وقوله : ( ^ تسمى سلسبيلا ) أي : سلسبيل الجري في حلوقهم .
وفي بعض الآثار : أنها إذا أدنيت من أفواههم تسلسلت في حلوقهم .
ومن قال في قوله ( ^ سلسبيلا ) سلني سبيلا إليها فقد أبعد ، وهو تأويل باطل ، وليس هو من قول أهل العلم .
وعن ابن الأعرابي قال : لم أسمع سلسبيلا إلا في القرآن .
وقيل : هو اسم العين على ما ذكرنا .
فإن قيل : إذا جعلتهم سلسبيل اسم العين فكيف ينصرف ؟ والجواب : إنما انصرف ؛ لأنه رأس آية ، وقد بينا من قبل .
وروى سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : سلسبيلا أي : شديدة الجري .
وقال قتادة : سلسة أي : تجري في حلوقهم على غاية السهولة .
وقال ثعلب : سلسبيلا أي : لينا .
وعن سعيد بن المسيب : السلسبيل عين تجري تحت العرش في قضيب من ذهب .
وفي قوله : ( ^ كان مزاجها زنجبيلا ) كلام آخر ، وهو أنه تمزج لسائر أهل الجنة ، ويشربه المقربون صرفا ، وهو مثل التسنيم على ما يأتي من بعد .
وأنشدوا في الزنجبيل :
( ^ وكأن طعم الزنجبيل به ** إذ دقته وسلافة الخمر )
وهذا يدل على أنهم كانوا يستطيعون طعم الزنجبيل .
وقيل في السلسبيل أيضا : إنه يسيل عليهم في قصورهم وغرفهم وعلى مجالسهم .
< < الإنسان : ( 19 ) ويطوف عليهم ولدان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويطوف عليهم ولدان مخلدون ) أي : غلمان مخلدون .
وقوله : ( ^ مخلدون ) أي : لا يبلون ولا يفنون .
وقيل : مخلدون مقرطون مسورون .
قال الشاعر :
____________________

( ^ إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ( 19 ) وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ( 20 ) عاليهم ثياب سندس خصر ) .
( ومخلدات باللجين كأنما ** أعجازهن أقاوز الكثبان )
وقوله : ( ^ إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا ) إنما شبه باللآلئ في الصفاء والحسن والكثرة .
وذكر منثورا لأن اللؤلؤ المنثور في المجلس أحسن منه منظوما .
وفي تفسير النقاش : أنهم ينشرون في الخدمة ، فلهذا قال : ( ^ لؤلؤا منثورا ) فلو كان صفا واحدا لقال منظوما . < < الإنسان : ( 20 ) وإذا رأيت ثم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا رأيت ثم رأيت ) فيه حذف ، والمعنى : إذا رأيت ما ثم رأيت ( ^ نعيما وملكا كبيرا ) قال سفيان الثوري : بلغنا أنه تسليم الملائكة عليهم .
وعن الكلبي ومقاتل وغيرهما أنهم قالوا : هو استئذان الملائكة للتسليم عليهم ، فهو الملك الكبير .
وفي بعض الأخبار برواية أبي سعيد الخدري : ' أن أدنى أهل الجنة منزلة يكون له ثمانون ألف خادم واثنتان وستون زوجة ' .
وفي بعض الأخبار أيضا : للواحد منهم سبعون قصرا ، في كل قصر سبعون دارا ، في كل دار سبعون بيتا ، في كل بيت خيمة طولها في السماء فرسخ ، وعرضها فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب . < < الإنسان : ( 21 ) عاليهم ثياب سندس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ عاليهم ) وقرئ : ' عَالِيَهُم ' فمن قرأ بفتح الياء أي : فوقهم ، ومن قرأ بسكون الياء فمعناه : عليهم .
ويقال : عليهم أي : عال الحجال المذكور من قبل .
وقوله : ( ^ ثياب سندس خضر ) وخضر أي : ألوانها خضر .
فمن قرأ بالرفع فينصرف إلى الثياب ، ومن قرأ بالكسر فهو نعت السندس .
والسندس هو ما رق من
____________________

( ^ وإستبرق وحلو أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا ( 21 ) إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ( 22 ) ) . الديباج والإستبرق ما غلط منه .
وقوله : ( ^ وإستبرق ) وقرئ : ' وإستبرق ' فعلى الرفع ينصرف إلى الثياب ، وعلى الخفض على تقدير من إستبرق .
وقوله : ( ^ وحلو أساور من فضة ) الأساور والأسورة جمع السوار ، فإن قيل : وأي زينة في السوار والأغنياء لا يبالون بها ؟ والجواب عنه : أنه قد ذكر الذهب واللؤلؤ في موضع آخر ، فيحلون من ذهب تارة ، ومن فضة ( تارة ) ، ومن لؤلؤ تارة ؛ ليكون أجمع لمحاسن الزينة .
ويقال : الذهب للنساء ، والفضة للرجال .
وقيل : إن الذهب إنما يفضل الفضة في الدنيا لكثرة الفضة وعزة الذهب ، وهذا التفاوت لا يوجد في الجنة ، وإنما المقصود عين الزينة ، والزينة توجد فيهما جميعا .
وقوله : ( ^ وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) قال الزجاج : ليس برجس كخمر الدنيا .
وعن أبي قلابة وإبراهيم أنهما قالا : إذا فرغ أهل الجنة من الطعام يؤتون بالشراب الطهور ، فيطهر أجوافهم ، ويضمر بطونهم ، ويوجد منهم جشاء ورشح له رائحة المسك فيشتهون الطعام مرة أخرى .
وقيل : إن الشراب الطهور من عين على باب الجنة ، فإذا شرب منها المسلمون طهرت أجوافهم من كل غل وخيانة وحسد ، وهذا قول لأن الطهور هو الطاهر المطهر على ما ذكر في القصة .
والدليل عليه قوله عليه الصلاة والسلام [ حين ] سئل عن التوضؤ بماء البحر فقال : ' هو الطهور ماؤه ' أي : المطهر ماؤه . < < الإنسان : ( 22 ) إن هذا كان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن هذا كان لكم جزاءا وكان سعيكم مشكورا ) الشكر المضاف
____________________

( ^ إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ( 23 ) فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا ( 24 ) واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ( 25 ) ومن الليل فاسجد له وسبحه ) . إلى الرب تعالى هو بمعنى قبول الحسنات والعفو عن السيئات . < < الإنسان : ( 23 ) إنا نحن نزلنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ) ظاهر المعنى . < < الإنسان : ( 24 ) فاصبر لحكم ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) في التفسير : أن الآثم هو عتبة بن ربيعة ، والكفور هو الوليد بن المغيرة .
وقيل : إن الآثم هو أبو جهل .
وفي بعض التفاسير : أن الوليد بن المغيرة قال للنبي : لو تركت دين آبائك ؟ ولعلك إنما تركت للفقر ، فارجع إلى دين آبائك وأعطيك نصف مالي .
وقال أبو البختري بن هشام : أنا أزوجك ابنتي ، وهي أحسن النساء جمالا ، وأفصحهن منطقا ، وأعذبهن لسانا .
وقد علمت قريش ذلك .
فسكت النبي فقال : أبو مسعود الثقفي : إن كنت تخاف من الله فأنا أجيرك منه .
فحين سمع النبي ذلك قام وذهب ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهو قوله ( ^ إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ) إلى آخر الآيتين .
فإن قيل : هلا قال : آثما وكفورا ؟ وأيش معنى ' أو ' هاهنا ؟ والجواب عنه : أن لكلمة ' أو ' هاهنا زيادة معنى لا توجد في الواو ، وهو المنع من طاعة كل واحد منهما على الانفراد ، فإن الرجل إذا قال لغيره : لا تطع فلانا وفلانا ، فإذا أطاع أحدهما ما كان عاصيا على الكمال ، وإذا قال : لا تطع فلانا ولا فلانا أو فلانا فإذا أطاع أحدهما كان عاصيا على الكمال .
وهو مثل قولهم : جالس الحسن أو ابن سيرين معناه : أيهما جالسته فأنت مصيب ، وإذا قال : جالس الحسن وابن سيرين فلا تكون مصيبا إلا إذا جالستهما .
وكذلك يقال : اقتد بمالك أو الشافعي على هذا المعنى . < < الإنسان : ( 25 ) واذكر اسم ربك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ) أي : بالغدو والعشي .
وفي بعض الغرائب من الأخبار أن النبي كان إذا صلى الغداة قال : ' الله أكبر ثلاثا ، وإذا صلى العصر قال : الله أكبر ثلاثا ' . < < الإنسان : ( 26 ) ومن الليل فاسجد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ومن الليل فاسجد له ) أي : صل له .
وقيل : هو صلاة المغرب
____________________

( ^ ليلا طويلا ( 26 ) إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ( 27 ) نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدنا أمثالهم تبديلا ( 28 ) إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ( 29 ) ) .
وقوله : ( ^ وسبحه ليلا طويلا ) هو التطوع من بعد صلاة العشاء الأخيرة إلى الصبح ، وهذا على الندب والاستحباب . < < الإنسان : ( 27 ) إن هؤلاء يحبون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن هؤلاء يحبون العاجلة ) معناه : إن هؤلاء الكفار يحبون العاجلة أي : الدنيا .
وقوله تعالى : ( ^ ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ) هو يوم القيامة ، وتركهم له هو تركهم العمل والسعي له .
وقوله : ( ^ ثقيلا ) يجوز أن يكون سماه ثقيلا لشدة الهول والفزع فيه ، ويجوز أن يكون سماه ثقيلا لفصل القضاء فيه بين العباد وعدله معهم ، وهو في غاية الثقل عليهم إلا من تداركه الله بفضله . < < الإنسان : ( 28 ) نحن خلقناهم وشددنا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ نحن خلقناكم وشددنا أسرهم ) أي : قوينا خلقهم .
وقيل شددنا مفاصلهم .
وقيل : هي الأوصال فشددها بالعروق والأعصاب .
وعن مجاهد : أن الأسر هو الشرج ، وذلك مصر الإنسان ( تسترخيان ) عند الغائط ليسهل خروج الأذى ، فإذا خرج انقبضا .
قوله تعالى : ( ^ وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ) أي : أهلكناهم وخلقنا خلقا غيرهم . < < الإنسان : ( 29 ) إن هذه تذكرة . . . . . > >
قوله : ( ^ إن هذه تذكرة ) أي : الآيات التي أنزلناها تذكرة أي : موعظة وعبرة .
قوله تعالى : ( ^ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) أي : من شاء منكم أيها المخاطبون أن يتخذ إلى ربه سبيلا فيسهل ذلك عليه لوجود الدلائل ورفع الأعذار ، فليفعل .
____________________

( ^ وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما ( 30 ) يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ( 31 ) ) .
وقيل : هو بمعنى الأمر . < < الإنسان : ( 30 ) وما تشاؤون إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) رد مشيئتهم إلى مشيئته ، والمعنى : لا يريدون إلا بإرادة الله ، وهو موافق لعقائد أهل السنة ، أنه لا يفعل أحد شيئا ولا يختاره ولا يشاؤه إلا بمشيئة الله .
وفي بعض الأخبار : أن رجلا كان يقول : إلا ما شاء الله وشاء محمد ؛ فسمع النبي - عليه السلام - ذلك فقال : ' أمثلان ؟ ثم قال : قل إلا ما شاء الله ثم شاء محمد ' .
وقوله : ( ^ إن الله كان عليما حكيما ) قد بينا . < < الإنسان : ( 31 ) يدخل من يشاء . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يدخل من يشاء في رحمته ) أي : في جنته ، وقيل : في الإسلام .
والأول أفضل في هذا الموضع ، لأن الله تعالى قال عقيبه : ( ^ والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) أي : النار ، ونصب الظالمين ؛ لأن تقديره : وأعد للظالمين عذابا أليما .
وأورد أبو الحسين بن فارس في تفسيره في آخر السورة برواية جابر الجعفي عن قيس مولى علي أن الحسن والحسين مرضا مرضاً شديدا ، فنذر علي صيام ثلاثة أيام ، ونذرت فاطمة كذلك ، ونذر الحسن والحسين كذلك ، فلما شفاهما الله تعالى ابتدءوا جميعا الصوم ، فلما كان في اليوم الأول خبزت فاطمة ثلاثة أقراص من شعير ، وقدموها عند إفطارهم ليفطروا ، فجاء مسكين ، وقال : يا أهل بيت رسول الله ، مسكين على الباب أطعموا مما أطعمكم الله .
فأعطوه الأقراص وطووا ، ثم ( إنه ) لما كان في اليوم الثاني اتخذت فاطمة - رضي الله عنها - مثل ما اتخذت في اليوم الأول ، وقدموه عند المساء لقطروا ، فجاء يتيم ودعا كما ذكرنا ، فأعطوه وطووا ، ثم لما كان في اليوم الثالث اتخذت فاطمة ما بينا وقدموه [ في ] المساء ليفطروا فجاء أسير وقال : يا
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والمرسلات عرفا ( 1 ) فالعاصفات عصفا ( 2 ) والناشرات نشرا ( 3 ) <
> تفسير سورة المرسلات <
>
وهي مكية
وعن ابن عباس وقتادة : قالا : هي مكية إلا قوله تعالى : ( ^ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) وروى إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود قال : نزلت سورة والمرسلات على رسول الله ونحن معه على جبل حراء ، فأخذتها رطبا من فيِّ رسول الله ، فخرجت حية من جحرها فقصدناها فدخلت حجره ، فقال النبي : ' وقيت شركم كما وقيتم شرها ' .
والله أعلم . < < المرسلات : ( 1 ) والمرسلات عرفا > >
قوله تعالى : ( ^ والمرسلات عرفا ) قال أكثر المفسرين : على أنها الرياح ترسل عرفا أي : تتبع بعضها بعضا كعرف الفرس .
وعن ابن مسعود وأبي هريرة قالا : هي الملائكة ترسل بالعرف أي : المعروف . < < المرسلات : ( 2 ) فالعاصفات عصفا > >
وقوله : ( ^ فالعاصفات عصفا ) هي الرياح ، وعصفها : شدة هبوبها ، يقال : عصفت الريح وأعصفت إذا اشتدت ، قاله ابن السكيت .
يقال : الرياح عاصفات لأنها تأتي بالعصف أي : بورق الزرع .
وقيل : إنها الملائكة تعصف بأرواح الكفار . < < المرسلات : ( 3 ) والناشرات نشرا > >
وقوله : ( ^ والناشرات نشرا ) وهي الرياح أيضا تنشر السحاب .
وقيل : إنها الملائكة تنشر الصحف على العباد يوم القيامة .
وقال أبو صالح : هي الأمطار تنشر النبات .
قال الأعشى :
____________________

( ^ فالفارقات فرقا ( 4 ) فالملقيات ذكرا ( 5 ) عذرا أو نذرا ( 6 ) إنما توعدون لواقع ( 7 ) ) .
( لو ( أسندت ) ميتا إلى صدرها ** عاش ولم ينقل إلى قابر )
( حتى يقول الناس ( مما ) رأوا ** يا عجبا للميت الناشر ) < < المرسلات : ( 4 ) فالفارقات فرقا > >
وقوله : ( ^ فالفارقات فرقا ) في قول أكثر المفسرين : هم الملائكة يأتون بالفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام .
وقال قتادة : هي آي القرآن فرقت بين الحق والباطل والحلال والحرام . < < المرسلات : ( 5 ) فالملقيات ذكرا > >
وقوله : ( ^ فالملقيات ذكرا ) هي الملائكة تلقي الوحي على الأنبياء والرسل .
وقيل : إنهم الأنبياء ، وكذلك فسرت الآية الأولى ، وهي مثل قوله : ( ^ فالفارقات فرقا ) في بعض الأقوال : والإلقاء طرح الشيء على الشيء ، وهو في هذا الموضع للتبيين والإفهام ؛ فالملائكة يلقون على الأنبياء ، والأنبياء يلقون على الأمم ، والعلماء يلقون على المتعلمين . < < المرسلات : ( 6 ) عذرا أو نذرا > >
وقوله : ( ^ عذرا أو نذرا ) وقرئ : ' عذرا ' بتسكين الذال .
قال الفراء : إعذارا أو إنذارا .
وقيل : للإعذار والإنذار .
وقال الحسن : ليقيم عذره [ على خلقه ] بإقامة الحجة عليهم ، وأنه عذبهم حين استحقوا العذاب بإنكارهم بعد إقامة الحجج .
والعذر ظهور معنى يوضع اللوم عن الإنسان ، وهذا الحد في حق الخلق ، فأما في حق الله فلا .
ونصب ' عذرا ' على أنه بدل من قوله : ' ذكرا ' وكأنه قال : فالملقيات عذرا أو نذرا . < < المرسلات : ( 7 ) إنما توعدون لواقع > >
قوله تعالى : ( ^ إنما توعدون لواقع ) إلى هذا الموضع كان قسما .
وقوله : ( ^ إنما توعدون لواقع ) عليه وقع القسم .
وقيل : إن الله تعالى أقسم بهذه
____________________

( ^ فإذا النجوم طمست ( 8 ) وإذا السماء فرجت ( 9 ) وإذا الجبال نسفت ( 10 ) وإذا الرسل أقتت ( 11 ) لأي يوم أجلت ( 12 ) ليوم الفصل ( 13 ) وما أدراك ما يوم الفصل ( 14 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 15 ) ) . الأشياء ، [ و ] له أن يقسم بما شاء من خلقه .
وقيل : في الآيات إضمار ، ومعناه : ورب المرسلات عرفا ، ورب العاصفات . . . إلى آخره ، فيكون قد أقسم بنفسه . < < المرسلات : ( 8 ) فإذا النجوم طمست > >
قوله تعالى : ( ^ فإذا النجوم طمست ) أي : محيت وأذهب ضوءها . < < المرسلات : ( 9 ) وإذا السماء فرجت > >
وقوله : ( ^ وإذا السماء فرجت ) أي : شقت . < < المرسلات : ( 10 ) وإذا الجبال نسفت > >
وقوله : ( ^ وإذا الجبال نسفت ) أي : قلعت من أماكنها . < < المرسلات : ( 11 ) وإذا الرسل أقتت > >
وقوله : ( ^ وإذا الرسل أقتت ) أي : جمعت لوقتها ، وهو يوم القيامة ؛ ليشهدوا على الأمم .
وقيل : التوقيت تقدير الوقت لوقوع الفعل ، فلما كانت الرسل - عليهم السلام - قد قدر إرسالهم لأوقات معلومة بحسب صلاح العباد ( بها ) ، كانت قد وقتت بكل الأوقات .
وقرئ : ' وُقِّتَتْ ' و ' وُقِتَت ' و ' أوقتت ' بمعنى واحد ، والواو إذا ضمت وابتدأ بها الكلمة أبدلت بالهمز ، تقول العرب : ووجوه وأجوه ، ووجدانا وأجدانا .
وقيل : ' وإذا الرسل وقتت ' أي : أجلت . < < المرسلات : ( 12 ) لأي يوم أجلت > >
وقوله : ( ^ لأي يوم أجلت ) أي : لأي يوم أخرت . < < المرسلات : ( 13 ) ليوم الفصل > >
وقوله : ( ^ ليوم الفصل ) أي : أخرت ليوم الفصل ، وهو يوم القيامة . < < المرسلات : ( 14 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما يوم الفصل ) قال الحسن : والله ما درى حتى أعلمه الله تعالى . < < المرسلات : ( 15 ) ويل يومئذ للمكذبين > >
وقوله : ( ^ ويل يومئذ للمكذبين ) قال النعمان بن بشير : الويل واد في جهنم فيه ألوان من العذاب .
وهو مروي عن ابن مسعود أيضا .
____________________

( ^ ألم نهلك الأولين ( 16 ) ثم نتبعهم الآخرين ( 17 ) كذلك نفعل بالمجرمين ( 18 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 19 ) ألم نخلقكم من ماء مهين ( 20 ) فجعلناه في قرار مكين ( 21 ) إلى قدر معلوم ( 22 ) فقدرنا فنعم القادرون ( 23 ) ) . < < المرسلات : ( 16 ) ألم نهلك الأولين > >
قوله تعالى : ( ^ ألم نهلك الأولين ) أي : قوم نوح وعاد وثمود ومن قرب من زمانهم . < < المرسلات : ( 17 ) ثم نتبعهم الآخرين > >
وقوله : ( ^ ثم نتبعهم الآخرين ) أي : الذين كانوا بعد ذلك من فرعون وهامان وقارون ومن بعدهم . < < المرسلات : ( 18 ) كذلك نفعل بالمجرمين > >
وقوله : ( ^ كذلك نفعل بالمجرمين ) أي : مشركي مكة ننزل بهم مثل ما نزل بهم ، لأنهم عملوا مثل عملهم .
وقيل : ' ثم نتبعهم الآخرين ' هم كفار قريش .
وقوله : ( ^ كذلك نفعل بالمجرمين ) هم الذين يأتون بعدهم من الكفار إلى يوم القيامة .
وقرأ ابن مسعود : ' ثم سنتبعهم الآخرين ' وقرأ الأعرج : ' ثم نتبعهم ' بجزم العين . < < المرسلات : ( 20 ) ألم نخلقكم من . . . . . > >
وقوله : ( ^ ألم نخلقكم من ماء مهين ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : ضعيف . < < المرسلات : ( 21 ) فجعلناه في قرار . . . . . > >
وقوله : ( ^ فجعلناه في قرار مكين ) قال عطاء وابن جريج والربيع بن أنس : هو الرحم ، والماء المهين هو النطفة . < < المرسلات : ( 22 ) إلى قدر معلوم > >
وقوله : ( ^ إلى قدر معلوم ) أي : إلى وقت معلوم ، وهو إشارة إلى مدة مكثه في البطن في رحم الأم . < < المرسلات : ( 23 ) فقدرنا فنعم القادرون > >
قوله : ( ^ فقدرنا فنعم القادرون ) وقرئ : ' فَقَدَّرنا ' بتشديد الدال .
قال القتيبي : هما بمعنى واحد .
والعرب تقول : قَدَر وقَّدَّر .
ومنه قوله عليه السلام : ' فإن غم عليكم فاقدروا له ' أي : قدروا له .
( وقد اعترض على هذا القول ، فقيل : لو كان قدرنا
____________________

( ^ ويل يومئذ للمكذبين ( 24 ) ألم نجعل الأرض كفاتا ( 25 ) أحياء وأمواتا ( 26 ) وجعلنا فيها رواسي شامخات ) . بمعنى قدرنا ) لقال .
فنعم المقدرون .
والجواب : أنه جمع بين اللغتين ، وقال الشاعر في مثل هذا :
( وأنكرتني وما كان الذي نكرت ** من الحوادث إلا الشيب والصلعا )
وقيل : في الفرق بين قدرنا وقدرنا ، بالتخفيف معناه : ملكنا فنعم المالكون ، ومعنى قدرنا بالتشديد أي : قدرنا خلق الإنسان على تارات مختلفة من نطفة وعلقة ومضغة ، وما بعد ذلك إلى أن جعلناه إنسانا سويا .
وقيل : قدرنا شقيا وسعيدا ، وصغيرا وكبيرا ، وأسود وأبيض وغير ذلك . < < المرسلات : ( 25 - 26 ) ألم نجعل الأرض . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم نجعل الأرض كفاتا ) أي : كفتا .
وقيل : مجمعا ، فالكفت هو الضم ، ومعنى الكفات هاهنا : هو أن الأرض تضم الخلق أحياء وأمواتا ، فالضم في حال الحياة هو باكتنانهم واستقرارهم على ظهرها ، وبعد الممات باكتنانهم في بطنها وهو القبور ، وكان بقيع الفرقد يسمى الكفتة
وعن ( ابن ) يحيى بن سعيد وربيعة : أن اللباس يقطع إذا أخرج الكفن ومن الحرز ، وقرأ قوله تعالى : ( ^ ألم لنجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ) رواه سليمان بن ( بليل ) .
وعن الخليل بن أحمد : أن الكفت هو التقلب .
وقوله : ( ^ كفاتا ) أي : متقلبا . < < المرسلات : ( 27 ) وجعلنا فيها رواسي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وجعلنا فيها رواسي شامخات ) أي : مرتفعات : يقال : شمخ فلان بأنفه إذا رفع قدره ، قال بعضهم :
( إذا كانت الأحرار أصلي ومنصبي ** وقام بأمري خازم وابن خازم )
____________________

( ^ وأسقيناكم ماء فراتا ( 27 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 28 ) انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ( 29 ) انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ( 30 ) لا ظليل ولا يغني من اللهب ( 31 ) ) .
( عطست بأنف شامخ وتناولت ** يداي الثريا قاعدا غير قائم )
وقوله : ( ^ وأسقيناكم ماء فراتا ) أي : عذبا .
وعن ابن عباس قال : أصول الأنهار العذبة أربعة : جيحان وهو نهر بلخ ، ودجلة وفرات للكوفة ، ونيل مصر .
وذكر الكلبي أن في الدنيا ثلاثة في الجنة [ الدجلة ] ، والفرات ، ونهر الأردن ، وأنشد الشاعر :
( إذا غاب عنا غاب فراتنا ** وإن شهد إحدى نبله وفواضله ) < < المرسلات : ( 29 ) انطلقوا إلى ما . . . . . > >
قوله : ( ^ انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ) في التفسير : أن الناس يقفون على رءوس قبورهم أربعين عاما إذا بعثوا ، وتدنوا الشمس من رءوسهم ويزاد في حرها حتى يأخذهم الكرب العظيم وحتى تأخذ بأنفاسهم ثم إن الله تعالى ينجي المؤمنين إلى ظل من ظله برحمته ، ويبقى الكفار فيخرج لهم دخان من النار ويتشعب ثلاث شعب فيقال لهم : انطلقوا إلى ذلك الدخان فاستظلوا به فهو معنى قوله تعالى : ( ^ انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ) وإنما قال : ( ^ ما كنتم به تكذبون ) لأنهم كانوا يكذبون بالنار .
وهذا دخان النار . < < المرسلات : ( 30 ) انطلقوا إلى ظل . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ) فهو ما ذكرنا وهو بيان الأول . < < المرسلات : ( 31 ) لا ظليل ولا . . . . . > >
وقوله : ( [ لا ] ظليل ) الظل : حجاب عال يدفع أذى الحر عن الإنسان فقوله : ( ^ لا ظليل ) أي : لا يدفع الأذى فهو في صورة ظل وليس له معنى الظل .
وقوله : ( ^ ولا يغني من اللهب ) أي : لا يدفع عنهم أذى اللهب ، واللهب لهب النار .
وعن قطرب قال : اللهب هو العطش .
____________________

( ^ إنها ترمي بشرر كالقصر ( 32 ) كأنه جمالت صفر ( 33 ) ) . < < المرسلات : ( 32 ) إنها ترمي بشرر . . . . . > >
وقوله : ( ^ إنها ترمي بشرر ) أي : يتطاير منها الشرر .
وقوله : ( ^ كالقصر ) قال أبو عمرو : كالبناء العظيم .
وقيل : كالخيمة من خيام العرب ، والعرب تسمي ذلك قصرا .
وقرأ ابن عباس : ' كالقَصَر ' بتحريك الصاد .
وقيل : إنها أعناق النخيل .
وقيل : أصول النخيل .
وعن بعضهم أنه خشبة كان أهل الجاهلية يتنضدون بها نحو ثلاثة أذرع يسمونها القصر .
وعن مجاهد : أن القصر بتسكين الصاد هو الجبل .
وعن قتادة : أعناق الدواب وهو بنصب الصاد .
( وعن ابن عباس في رواية هو قلوس السفن ) .
وقيل : [ حبال السفن ] .
وعن ( المبرد ) قال : هو الجزل العظيم من الخطب . < < المرسلات : ( 33 ) كأنه جمالة صفر > >
وقوله : ( ^ كأنه جمالات صفر ) أي : نوق سود ، والجمالات جمع جمل .
وقيل : إنها جمع الجمع كأنهم قالوا جمل وجمال وجمالات ، وهو مثل قولهم : رجال ورجال ورجالات .
وقرئ بضم الجيم ، وهي جُمال .
وقرئ : ' جُمَالَة ' على الوحدان مثل حجر وحجارة وحمل وحمالة .
وقوله : ( ^ صفر ) أي : سود وإنما سماها صفرا لأنه يشوبها لون من السود وإن كانت صفرا .
ومنه يقال : [ البيض الظباء ] أدم لأنه يشوبها شيء من الكدورة وإن كانت بيضاء .
وقال الشاعر :
( تلك خيلي منها وتلك ركابي ** هن صفر ( ألوانها ) كالزبيب )
____________________

( ^ ويل يومئذ للمكذبين ( 34 ) هذا يوم لا ينطقون ( 35 ) ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( 36 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 37 ) هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين ( 38 ) فإن كان لكم كيد فكيدون ( 39 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 40 ) إن المتقين في ظلال وعيون ( 41 ) وفواكه مما يشتهون ( 42 ) كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ( 43 ) إن كذلك نجزي المحسنين ( 44 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 45 ) كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ( 46 ) ) .
أي : سود < < المرسلات : ( 35 ) هذا يوم لا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هذا يوم لا ينطقون ) فإن قال قائل : قد قال في موضع آخر : ( ^ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) فكيف الجمع بين الآيتين ؟ والجواب : بينا أن ليوم القيامة مواطن ومواقف . < < المرسلات : ( 36 ) ولا يؤذن لهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) لأنه لا عذر لهم فيعتذرون . < < المرسلات : ( 38 - 39 ) هذا يوم الفصل . . . . . > >
وقوله : ( ^ هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون ) أي : إن كان لكم حيلة فاحتالوا . < < المرسلات : ( 41 ) إن المتقين في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن المتقين في ظلال وعيون ) قيل : ظلال القصور والأشجار .
وقيل : إن الظل هو ما يدفع أذى الحر عن الإنسان .
وهواء الجنة ينافي كل أذى فهو ظل على هذا المعنى وإن لم يكن هناك شمس . < < المرسلات : ( 42 ) وفواكه مما يشتهون > >
وقوله : ( ^ وفواكه مما يشتهون ) أي : يتمنون . < < المرسلات : ( 43 ) كلوا واشربوا هنيئا . . . . . > >
وقوله : ( ^ كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ) قد بينا من قبل . < < المرسلات : ( 44 ) إنا كذلك نجزي . . . . . > >
وقوله : ( ^ إنا كذلك نجزي المحسنين ) قال الحسن البصري : المحسن من أدى جميع فرائض الله واجتنب جميع مناهي الله .
____________________

( ^ ويل يومئذ للمكذبين ( 47 ) وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ( 48 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 49 ) فبأي حديث بعده يؤمنون ( 50 ) ) [ المرسلات : 1 - 50 ] < < المرسلات : ( 46 ) كلوا وتمتعوا قليلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ) هذا على طريق التهديد والوعيد لا على طريق الأمر .
ومعناه : افعلوا ما أنتم فاعلون فسينالكم رعب ذلك وعاقبته . < < المرسلات : ( 48 ) وإذا قيل لهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) معناه : إذا قيل لهم : صلوا لا يصلون .
وقيل : إنها نزلت في ثقيف استعفوا من الصلاة .
وقيل : كانوا استعفوا من الركوع والسجود فقال النبي : ' لا خير في دين ليس له ركوع ولا سجود ' . < < المرسلات : ( 50 ) فبأي حديث بعده . . . . . > >
وقوله : ( ^ فبأي حديث بعده يؤمنون ) أي : بأي كتاب بعد القرآن يؤمنون إن لم يؤمنوا بهذا الحديث بعد ظهور براهينه وقيام الدلائل على أنه من عند الله ؟ ! فإن قال قائل : ما وجه التكرار في قوله : ( ^ ويل يومئذ للمكذبين ) في هذه السورة والمرة الواحدة تغني عن المراد به ؟ والجواب قد بينا هذا في سورة الرحمن .
ووجه ذلك أنه لما كرر ذكر النعم في تلك السورة كرر الزجر عن كفرانها والنهي عنها بقوله : ( ^ فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ولما كرر ذكر الآيات في هذه السورة لإقامة الحجيج عليهم كرر ذكر العقوبة عليهم بذكر الويل ليكون أبلغ في الإنذار والإعذار وهو على عادة كلام العرب فإن الرجل يقول لغيره : ألم أحسن إليك بأن فعلت لك كذا ؟ ألم أحسن بأن خلصتك من المكاره ؟ ألم أحسن بأن تشفعت لك إلا فلان ؟ وغير ذلك فيحسن منه التكرير لاختلاف ما يقرره به .
قال مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليبا على هذا المعنى :
( عليّ أن ليس عدلا من كليب ** إذا طرد ( اللئيم ) عن الجزور )
( عليّ أن ليس عدلا من كليب ** إذا ما ضيم جيران المجير )
____________________


( عليّ أن ليس عْدلاً من كليب ** إذا خرجت مخبأة الخدور )
( على أن ليس عْدلاً من كليب ** غداة بلائك الأمر الكبير )
( علي أن ليس عْدلاً من كليب ** إذا ما ضام جار المستجير )
والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ عم يتساءلون ( 1 ) عن النبأ العظيم ( 2 ) الذي هم فيه مختلفون ( 3 ) كلا سيعلمون ( 4 ) ثم كلا سيعلمون ( 5 ) ألم نجعل الأرض مهادا ( 6 ) ) . <
> تفسير سورة النبأ <
>
وهي مكية < < النبأ : ( 1 - 2 ) عم يتساءلون > >
قوله تعالى : ( ^ عم يتساءلون عن النبأ العظيم ) معناه : عن ما يتساءلون فأدغمت النون في الميم ، وأسقطت الألف فصار عم .
قال الزجاج : لفظه لفظ الاستفهام ، والمعنى تفخيم القصة مثل القائل : أي شيء زيد ؟
وفي التفسير : أن رسول الله لما بعث ودعا المشركين إلى التوحيد جعل بعضهم يسأل بعضا فبماذا بعث محمد ؟ وإلى ماذا يدعو ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية .
ومعنى يتساءلون أي : يسأل بعضهم بعضا .
وقوله : ( ^ عن النبأ العظيم ) قيل معناه : عن النبأ العظيم : واختلف القول في النبأ العظيم : روى أبو صالح عن ابن عباس : أنه القرآن ، وعن قتادة : أنه البعث ، وهو قول أبي العالية والربيع بن أنس وجماعة ، وعن الحسن أنه قال : هو النبوة ، والقولان الأولان معروفان . < < النبأ : ( 3 ) الذي هم فيه . . . . . > >
وقوله : ( ^ الذي هم فيه مختلفون ) أي : منهم المصدق ، ومنهم المكذب . < < النبأ : ( 4 - 5 ) كلا سيعلمون > >
وقوله : ( ^ كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ) قال الحسن : هو تهديد بعد تهديد .
وعن الضحاك قال : قوله : ( ^ كلا سيعلمون ) أي : الكفار .
وقوله : ( ^ ثم كلا سيعلمون ) أي : المؤمنون ، والظاهر أنهما جميعا للكفار . < < النبأ : ( 6 ) ألم نجعل الأرض . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم نجعل الأرض مهادا ) لما أخبر الله تعالى باختلافهم في القرآن والقيامة - وكان اختلافهم في البعث بالتصديق والتكذيب - واختلافهم في القرآن
____________________

( ^ والجبال أوتادا ( 7 ) وخلقناكم أزواجا ( 8 ) وجعلنا نومكم سباتا ( 9 ) وجعلنا الليل لباسا ( 10 ) ) . أنه سحر أو شعر أو كهانة ، فذكر الله تعالى الدلائل عليهم في التوحيد ، وأن ما أنزله حق وصدق ، وعدد نعمه عليهم ، ليعترفوا به ويشكروه .
قوله تعالى : ( ^ مهادا ) أي : بساطا وفراشا والنعمة في تذليلها وتوطئتها لهم . < < النبأ : ( 7 ) والجبال أوتادا > >
وقوله : ( ^ والجبال أوتادا ) قال ابن عباس : لما خلق الله تعالى الأرض جعلت تكفأ - وحرك ابن عباس يده - فخلق الله الجبال وأرساها بها - أي : أثبتها - فهي أوتاد الأرض ، كما يثبت الشيء على الحائط بالوتد . < < النبأ : ( 8 ) وخلقناكم أزواجا > >
وقوله : ( ^ وخلقناكم أزواجا ) أي : أصنافا وموضع النعمة هي سكون بعضهم إلى بعض ، فالرجل والمرأة زوج ، وكذلك السماء والأرض ، والليل والنهار ، وغير ذلك من الخلق ، وقيل : أزواجا أي : متآلفين ، تألفون أزواجكم ، وتألفكم أزواجكم . < < النبأ : ( 9 ) وجعلنا نومكم سباتا > >
وقوله : ( ^ وجعلنا نومكم سباتا ) قال ثعلب : قطعا لأعمالكم ، وأصل السبات هو التمدد والسكون .
والمعنى : أنهم ينقطعون عن الحركة بالليل فيسكنون ويستريحون ، وقيل : سباتا أي : راحة .
وقال الشاعر :
ومطوية ( الأقتاب ) أما نهارها ** فسبت وأما ليلها فزميل )
أي قطيع . < < النبأ : ( 10 ) وجعلنا الليل لباسا > >
وقوله تعالى : ( ^ وجعلنا الليل لباسا ) أي : سترا لكم ، وهو مذكور على طريق المجاز ، ووجهه أن ظلمة الليل لما غشيت كل إنسان كما يغشاه اللباس ، سماه لباسا
____________________

( ^ وجعلنا النهار معاشا ( 11 ) وبنينا فوقكم سبعا شدادا ( 12 ) وجعلنا سراجا وهاجا ( 13 ) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ( 14 ) على طريق المجاز . < < النبأ : ( 11 ) وجعلنا النهار معاشا > >
وقوله : ( ^ وجعلنا النهار معاشا ) أي : مبتغى معاش ومطلب معاش ، والمعنى : أنه الزمان الذي يعيشون وينصرفون فيه . < < النبأ : ( 12 ) وبنينا فوقكم سبعا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وبنينا فوقكم سبعا شدادا ) أي : السماوات السبع .
وقوله : ( ^ شداد ) أي : صلبة ، وفي الآثار : أن غلط كل سماء مسيرة خمسمائة عام . < < النبأ : ( 13 ) وجعلنا سراجا وهاجا > >
وقوله : ( ^ وجعلنا سراجا وهاجا ) أي : جعلنا الشمس وقادا متلألئا . < < النبأ : ( 14 ) وأنزلنا من المعصرات . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأنزلنا من المعصرات ماء ) قال ابن عباس : هي الرياح ، وتسميتها بهذا الاسم ؛ لأن الرياح تلقح السحاب ليكون فيه المطر ، فكأن المطر كان من الرياح ، والقول الثاني : أن المعصرات هي السحاب ، وهو مروي عن ابن عباس أيضا ، وهو قول مجاهد وجماعة .
قال المبرد : تسميته بالمعصرات ، لأنه ينعصر بالمطر شيئا فشيئا ، وقيل : من المعصرات أي : بالمعصرات ماء ثجاجا .
وقوله : ( ^ ثجاجا ) أي : منصبا بعضه في إثر بعض .
وعن النبي أنه قال : ' أفضل الحج العج والثج ' فالعج رفع الصوت بالتلبية ، والثج إراقة الدماء .
وعن
____________________

( ^ لنخرج به حبا ونباتا ( 15 ) وجنات ألفافا ( 16 ) إن يوم الفصل كان ميقاتا ( 17 ) يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ( 18 ) وفتحت السماء فكانت أبوابا ( 19 ) وسيرت الجبال فكانت سرابا ( 20 ) إن جهنم كانت مرصادا ( 21 ) قتادة : أن المعصرات هو السماء ، وهو قول غريب . < < النبأ : ( 15 - 16 ) لنخرج به حبا . . . . . > >
قوله : ( ^ لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا ) أي : ملتفة ، وواحد الألفاف لف ، والملتفة هي الداخل بعضها في بعض . < < النبأ : ( 17 ) إن يوم الفصل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن يوم الفصل كان ميقاتا ) أي : ميعادا للخلائق ، وهو يوم القيامة . < < النبأ : ( 18 ) يوم ينفخ في . . . . . > >
وقوله : ( ^ يوم ينفخ في الصور ) ذكر النقاش في تفسيره : أن إسرافيل - عليه السلام - ينزل فيجلس على صخرة بيت المقدس ، وتجعل الأرواح في الصور كأمثال النحل ، واستدارة فم الصور كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام ، ثم ينفخ فتخرج الأرواح منها ، وترجع إلى أجسادها .
وقوله : ( ^ فتأتون أفواجا ) قال مجاهد : زمرا زمرا . < < النبأ : ( 19 ) وفتحت السماء فكانت . . . . . > >
وقوله : ( ^ وفتحت السماء ) أي : جعلت طرقا ، و قيل : فتحت أبواب السماء لنزول الملائكة .
وقوله : ( ^ فكانت أبوابا ) أي كانت طرقا على ما بينا . < < النبأ : ( 20 ) وسيرت الجبال فكانت . . . . . > >
وقوله : ( ^ وسيرت الجبال فكانت سرابا ) أي : هباء منبثا ، وقيل : هو يصير كالسراب ترى أنه شيء وليس بشيء . < < النبأ : ( 21 ) إن جهنم كانت . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن جهنم كانت مرصادا ) قال أهل اللغة : كل شيء كان أمامك فهو رصد ، والمراد أنه المكان الذي يرصد فيه الكفار لنزول العذاب بهم .
وعن بعضهم : يا صاحب الرصد ، اذكر الرصد ، وقيل : مرصادا أي : يرصدون بالعذاب أي : على معنى أنه يعد لهم . < < النبأ : ( 22 ) للطاغين مآبا > >
وقوله : ( ^ للطاغين مآبا ) أي : منقلبا ، يقال : آب إلى مكان كذا أي : رجع وانقلب .
____________________

( ^ للطاغين مآبا ( 22 ) لابثين فيها أحقابا ( 23 ) لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ( 24 ) ) . < < النبأ : ( 23 ) لابثين فيها أحقابا > >
وقوله : ( ^ لابثين فيها أحقابا ) الحقبة في اللغة قطعة من الزمان مثل الحين .
قال متمم بن نويرة يرثي أخاه مالكا :
( وكنا كندماني جذيمة حقبة ** من الدهر حتى قيل لن يتصدعا )
أي : قطعة ، وأما المنقول في التفاسير عن السلف في معنى الحقب : فأظهر الأقوال أنه ثمانون سنة ، كل سنة ثلثمائة وستون يوما ، كل يوم ألف سنة ، وهو مروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وسعيد بن جبير ، وقتادة وغيرهم ، ومثله عن أبي هريرة .
وعن بعضهم : أنه ثلثمائة سنة ، كل سنة ثلثمائة وستون يوما ، كل يوم مثل مدة الدنيا ، وعن بعضهم : بضع وثمانون عاما ، فإن قيل : هذه الآية تدل على أن عذاب الكفار ينقطع عند مضي الأحقاب ؟ والجواب من وجوه : ( أحدها ) : أن معناه لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا أي : يعذبون بهذا النوع من العذاب أحقابا ، وثم أحقاب أخر لسائر أنواع العذاب ، قاله المبرد .
والوجه الثاني : وهو أن معنى لابثين فيها أحقابا لا تخبو عنهم النار ، فإذا خبت النار وزيدوا سعيرا لبثوا أبدا والوجه الثالث : ما قاله ابن كيسان ، وهو أن معناه لابثين فيها أحقابا إلى أحقاب لا تنقطع أبدا .
قال النحاس : وهو أبين الأقوال . < < النبأ : ( 24 ) لا يذوقون فيها . . . . . > >
وقوله : ( ^ لا يذوقون فيها بردا ) قال ثعلب ، نوما ، وتقول العرب : منع البرد ، والبرد أي : نوم ، وقال الشاعر :
( فإن شئت حرمت النساء سواكم ** وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا )
النقاخ الماء الزلال وقيل : ' بردا ' أي : ( راحة ) ، وقيل : ' بردا ' لا يبرد عنهم حر السعير ولهبه .
وقوله : ( ^ ولا شرابا ) أي : لا يسكن منهم العطش .
____________________

( ^ إلا حميما وغساقا ( 25 ) جزاءا وفاقا ( 26 ) إنهم كانوا لا يرجون حسابا ( 27 ) وكذبوا بآياتنا كذابا ( 28 ) وكل شيء أحصيناه كتابا ( 29 ) فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ( 30 ) ) . < < النبأ : ( 25 ) إلا حميما وغساقا > >
وقوله : ( ^ إلا حميما وغساقا ) قال أبو عبيدة : الحميم الماء الحار ، ومنه الحمى ، ومنه قوله تعالى : ( ^ وظل من يحموم ) وقيل : الحميم هو أنه تجمع دموعهم فيسقون .
وقوله : ( ^ وغساقا ) أي : القيح الغليظ ، وقيل : [ هو ] صديد أهل النار ، وقيل : الحميم ما هو في نهاية الحر ، والغساق ما هو في نهاية البرد وهو الزمهرير ، فيعذبون بكل واحد من العذابين . < < النبأ : ( 26 ) جزاء وفاقا > >
وقوله : ( ^ جزاءا وفاقا ) أي : جزاء يوافق أعمالهم .
قال ابن زيد : عملوا شرا ، فجوزوا شرا . < < النبأ : ( 27 ) إنهم كانوا لا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنهم كانوا لا يرجون حسابا ) أي : لا يخافون ، وقد بينا الرجاء بمعنى الخوف فيما سبق . < < النبأ : ( 28 ) وكذبوا بآياتنا كذابا > >
وقوله : ( ^ وكذبوا بآياتنا كذابا ) أي : تكذيبا ، قال الفراء : هي لغة فصيحة يمانية . < < النبأ : ( 29 ) وكل شيء أحصيناه . . . . . > >
وقوله : ( ^ وكل شيء أحصيناه كتابا ) هو مثل قوله تعالى : ( ^ وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) أي : بيناه في اللوح المحفوظ . < < النبأ : ( 30 ) فذوقوا فلن نزيدكم . . . . . > >
وقوله : ( ^ فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) أي : يقال لهم : فذوقوا العذاب فهو غير منقطع عنكم ، ولا تزادون إلا العذاب .
قال الشاعر :
____________________

( ^ إن للمتقين مفازا ( 31 ) حدائق وأعنابا ( 32 ) وكواعب أترابا ( 33 ) وكأسا دهاقا ( 34 ) لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ( 35 ) جزاء من ربك عطاء حسابا ) .
( فصدقتها وكذبتها ** والمرء ينفعه كذابه ) < < النبأ : ( 31 ) إن للمتقين مفازا > >
قوله تعالى : ( ^ إن للمتقين مفازا ) أي : فوزا ، والمفاز : موضع الفوز . < < النبأ : ( 32 ) حدائق وأعنابا > >
وقوله : ( ^ حدائق وأعنابا ) ظاهر المعنى ، وقد بينا . < < النبأ : ( 33 ) وكواعب أترابا > >
وقوله : ( ^ وكواعب أترابا ) الكواعب : هي النواهد ، يقال : جارية كاعب أي خرج ثديها مثل الكعب وهي ناهد .
وقوله : ( ^ أتراباً ) أي لدات ، وقيل : بنات ثلاث وثلاثين سنة . < < النبأ : ( 34 ) وكأسا دهاقا > >
وقوله : ( ^ وكأسا دهاقا ) أي ممتلئة ، قاله مجاهد ، وقال عكرمة : صافية ، وعن بعضهم : متتابعة ، والقول الأول أظهر ، وهو محكي عن ابن عباس ، وعنه أنه قال : كثيرا سمعت العباس يقول : اسقيني يا جارية الكأس وادهقي ، وعنه أيضا : أنه دعا بكأس فجاءت به الجارية ملآن فقال : هذا هو الدهاق . < < النبأ : ( 35 ) لا يسمعون فيها . . . . . > >
وقوله : ( ^ لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ) اللغو : هو الكلام المطرح .
وقوله : ( ^ كذابا ) أي : لا يكذب بعضهم بعضا ، وقرئ ' كذابا ' بالتخفيف ومعناه : الكذب لا غير ، قال الشاعر :
( فصدقتها وكذبتها ** والمرء ينفعه كذابه )
أي : كذبه . < < النبأ : ( 36 ) جزاء من ربك . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ جزاء من ربك عطاء حسابا ) أي : عطاء كافيا يقال : أعطاني فلان حتى أحسبني ، يعني : حتى قلت حسبي ، وقال قتادة : عطاء حسابا أي : كثيرا ، وقال الشاعر في المعنى الأول .
( ونقفي وليد الحي إن كان جائعا ** ونحسبه إن كان ليس بجائع )
وقوله : ( ^ جزاء من ربك عطاء ) أي : جوزوا جزاء ، وأعطوا عطاء .
____________________


( ( 36 ) رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا ( 37 ) يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ( 38 ) ذلك اليوم الحق ) . < < النبأ : ( 37 ) رب السماوات والأرض . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن ) كلاهما بالرفع ، وقرئ : ' رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن ' الأول بالجر ، والآخر بالرفع .
وقرئ كلاهما بالكسر : ' رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن ' فوجه القراءة الأولى أن قوله : ( ^ رب السماوات والأرض ) رفع بالابتداء والرحمن خبره ، ووجه القراءة الثانية أن قوله : ( ^ رب السماوات والأرض ) مخفوض اتباعا لقوله : ( ^ من ربك ) وقوله : ( ^ الرحمن ) ابتداء ، ووجه القراءة الثالثة ، أن كليهما مخفوض اتباعا لقوله : ( ^ من ربك ) .
وقوله تعالى : ( ^ لا يملكون منه خطابا ) أي : لا يتكلمون مع الله ، ويمنعون من الكلام معه ، وقيل : لا يملكون منه خطابا أي : لا يشفعون لأحد إلا بإذنه ، على ما قال من بعد < < النبأ : ( 38 ) يوم يقوم الروح . . . . . > > قوله تعالى : ( ^ يوم يقوم الروح ) قال مجاهد : الروح خلق يشبهون بني آدم ، وليسوا بني آدم ، وقيل : هو جبريل - عليه السلام - وقيل : هو خلق من خلق الله لم يخلق بعد العرش أعظم منه يقوم يوم القيامة صفا و جميع الملائكة صفا ، وقيل : صفا ، أي : صفوفا وموضع صلاة العبد يسمى صفا ، لأنه موضع الصفوف .
وقوله : ( ^ لا يتكلمون ) أي : لا يشفعون ، أي : الملائكة وقيل : لا يتكلمون مطلقا .
قوله : ( ^ إلا من أذن له الرحمن ) أي : بالشفاعة والكلام .
وقوله : ( ^ وقال صوابا ) أي : حقا ، وقيل : هو لا إله إلا الله ، والمعنى : أنهم لا يتكلمون إلا بالإذن أو كلاما صوابا ، وهو لا إله إلا الله . < < النبأ : ( 39 ) ذلك اليوم الحق . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ذلك اليوم الحق ) أي : القيامة هو اليوم الحق ، ومعنى الحق هاهنا : أنه
____________________

( ^ فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ( 39 ) إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ( 40 ) ) . كائن لا محالة .
وقوله : ( ^ فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ) أي منقلبا حسنا بالطاعة والعبادة . < < النبأ : ( 40 ) إنا أنذرناكم عذابا . . . . . > >
وقوله تعالى ( ^ إنا أنذرناكم عذابا قريبا ) أي النار وكل آت فهو قريب .
وقوله ( ^ يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ) أي ما قدمت يداه من الخير والشر .
وقوله ( ^ ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) روى [ جعفر بن برقان ] عن ابن الأحم عن ابن عباس أن الله تعالى يجمع الخلق يوم القيامة من الدواب والطيور والناس والجن فرذا نزل الثقلين منازلهم ، قال للطيور والبهائم والدواب : كوني ترابا ، فتكون ترابا فحينئذ يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو محمد عبد الله بن أحمد أخبرنا أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البراز أخبرنا أبو بكر محمد بن زكريا الغدافري أخبرنا الدبري هو إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرازق عن معمر عن جعفر بن برقان . . الحديث .
وقيل : إن الكافر هاهنا هو أبو جهل .
وذكر النقاش في تفسيره عن الحسن بن واقد قال : إن الكافر يقول : يا ليتني كنت خنزيرا فأصير ترابا ، فيقول التراب له : لا ولا كرامة لك - يعني لا يكون مثلي .
وحكى مثل هذا عن السدي أيضا .
وعن بعضهم أن معنى قوله ( ^ يا ليتني كنت ترابا ) أي يا ليتني لم أبعث .
وقد ورد في الحقب الذي ذكرنا أثران عن ابن عمر أنه قال : ليعمل أحدكم بالطاعة ولا يتكلمن على أنه يدخل النار ثم يخرج منها فإنه لا يدخل النار أحد فيخرج منها إلا بعد أن يمكث أحقابا وذكر الحقب كما بينا من ذكر الثمانين .
____________________


والأثر الثاني ما روى عن ابن مسعود في بقاء النعيم لأهل الجنة والعذاب لأهل النار وهو ما روى السدي عن مرة عن عبد الله أنه قال : لو علم أهل النار أنهم يمكثون في النار عدد الحصى سنين ثم يخرجون منها لفرحوا ولو علم أهل الجنة أنهم يمكثون عدد الحصى سنين ثم يخرجون منها لحزنوا .
والأثران غريبان .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والنازعات غرقا ( 1 ) والناشطات نشطا ( 2 ) ) . <
> تفسير سورة والنازعات <
>
وهي مكية ، والله أعلم . < < النازعات : ( 1 ) والنازعات غرقا > >
قوله تعالى : ( ^ والنازعات غرقا ) فيه أقوال : أظهرها : أنها الملائكة تنزع أرواح الكفار بشدة ، وهو قول ابن عباس وجماعة وروي مثله عن ابن مسعود في رواية مسروق .
قوله : ( ^ غرقا ) أي : إغراقا يقال : أغرق في النزع إذا بلغ الغاية .
وعن الحسن : أنها النجوم تنزع من أفق إلى أفق ، أي : تطلع وتغرب ، وعن عطاء بن أبي رباح : أنها القسي وهو من نزع القوس والإغراق فيه . < < النازعات : ( 2 ) والناشطات نشطا > >
وقوله : ( ^ والناشطات نشطا ) على القول الأول هي الملائكة أيضا تنشط أرواح الكفار أي : تجذبها بسرعة ، قال الشاعر :
( أمست همومي تنشط المناشطا ** الشام بي طورا وطورا واسطا )
والنشط في اللغة : هو الجذب ، و يقال : تجذب روح الكفار كما يجذب السفود من الصوف الرطب ، وقيل : إن معنى الناشطات أخذ الملائكة أرواح المؤمنين بسهولة كما ينشط البعير من العقال .
وفي الأخبار : أن الملائكة تأخذ روح الكفار بغاية الشدة ، فإذا بلغت ترقوته ردوا الروح في جسده ، ثم نزعته هكذا مرات عقوبة له ، وتأخذ روح المؤمن سرعة وسهولة ، والقول الثاني : أن الناشطات هي النجوم على ما ذكرنا عن الحسن ، والمراد سرعة
____________________

( ^ والسابحات سبحا ( 3 ) فالسابقات سبقا ( 4 ) فالمدبرات أمرا ( 5 ) ) . سيرها ، ويقال : رجوعها من المغرب إلى مطالعها ، وذلك في السبع السيارة ، وهو في معنى قوله تعالى : ( ^ فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس ) على ما سنبين ، ذكره النقاش .
والقول الثالث : أنها الأوهاق . < < النازعات : ( 3 ) والسابحات سبحا > >
وقوله تعالى : ( ^ والسابحات سبحا ) على القول الأول هي الملائكة ، وسبحها سيرها بين السماء والأرض ، وعلى القول الثاني أنها النجوم ، وسبحها في الفلك ، والقول الثالث : أنها الخيل ، وسبحها سرعة جريها ، يقال للفرس الجواد : سابح . < < النازعات : ( 4 ) فالسابقات سبقا > >
وقوله : ( ^ فالسابقات سبقا ) على القول الأول هي الملائكة ، وسبقها مبادرتها إلى الأعمال الصالحة والخيرات .
ويقال : سبقها : هو المسابقة إلى تبليغ الوحي قبل استراق الشياطين السمع ، وعلى القول الثاني هي النجوم تسبق بعضها بعضا في السير ، وعلى القول الثالث هي الخيل أيضا يسبق بعضها بعضا عند المسابقة ، ويقال : إنها النفوس تسبق إلى الخروج عند الموت .
وقد ذكر السدي أيضا أن معنى النازعات : هي النفوس والأرواح تنزع عند الموت . < < النازعات : ( 5 ) فالمدبرات أمرا > >
وقوله تعالى : ( ^ فالمدبرات أمرا ) هي الملائكة في قول الجميع ، إلا ما روى في رواية غريبة برواية خالد بن معدان ، عن معاذ بن جبل : أنها النجوم .
فمعنى التدبير من الملائكة هو ما جعل الله إليها من الأمور .
قال عبد الرحمن بن سابط : فإلى جبريل الجنود ، وإلى ميكائيل القطر والنبات ، وإلى عزرائيل قبض الأرواح ، وإلى إسرافيل إنزال
____________________

( ^ يوم ترجف الراجفة ( 6 ) تتبعها الرادفة ( 7 ) قلوب يومئذ واجفة ( 8 ) أبصارها خاشعة ( 9 ) يقولون ) . لأمور إليهم في هذه الأشياء [ إلى ] : الملائكة ، وأما إذا حملناه على النجوم ، فيجوز أن يعلق الله تعالى على مطالعها ومغاربها وسيرها أشياء ، وأضاف التدبير إليها على طريق المجاز .
واختلف القول في المقسم به والمقسم عليه : فأحذ القولين : أنه أقسم بهذه الأشياء ، ولله أن يقسم من خلقه بما شاء ، والقول الثاني : أن معناه : ورب النازعات ، فذكر الرب مضمر في هذه الكلمات ، وإنما أقسم بنفسه لا بهذه الأشياء .
وأما الذي وقع عليه القسم ففيه قولان : أحدهما : أنه محذوف ، والمعنى : لتبعثن ولتحاسبن ، وما أشبه ذلك .
والقول الثاني : أن الذي وقع عليه القسم هو قوله تعالى : ( ^ إن في ذلك لعبرة لمن يغشى ) . < < النازعات : ( 6 ) يوم ترجف الراجفة > >
قوله تعالى : ( ^ يوم ترجف الراجفة ) الرجف والراجفة هي الاضطراب والزلزال الشديد ، وهو في معنى قوله تعالى : ( ^ إذا زلزلت الأرض زلزالها ) وقيل : الراجفة هي الصيحة الأولى التي يميت بها الخلائق . < < النازعات : ( 7 ) تتبعها الرادفة > >
وقوله : ( ^ تتبعها الرادفة ) فيه قولان : أحدهما : أنها القيامة ، والآخر : أنها الصيحة الثانية .
وعن ابن عباس : أن بينهما أربعين سنة ، وتمطر السماء في هذه الأربعين فتهتز الأرض ، وتنبت الناس في القبور ، ثم ترد إليهم أرواحهم في الصيحة الثانية . < < النازعات : ( 8 ) قلوب يومئذ واجفة > >
وقوله تعالى : ( ^ قلوب يومئذ واجفة ) أي : مضطربة ، يقال : وجف يجف ، ووجب يجب بمعنى واحد وقيل : واجفة أي : وجلة . < < النازعات : ( 9 ) أبصارها خاشعة > >
وقوله : ( ^ أبصارها خاشعة ) أي : ذليلة . < < النازعات : ( 10 ) يقولون أئنا لمردودون . . . . . > >
وقوله : ( ^ يقولون ) هذا إخبار عن قولهم في الدنيا أي : يقولون في الدنيا : ( ^ أئنا
____________________


( ^ أئنا لمردودون في الحافرة ( 10 ) أءذا كنا عظاما نخرة ( 11 ) قالوا تلك إذا كرة خاسرة ( 12 ) فإنما هي زجرة واحدة ( 13 ) فإذا هم بالساهرة ( 14 ) ) . لمردودون في الحافرة ) أي : إلى أول أمرنا ، والمعنى : أنرد أحياء بعد أن متنا على طريق الإنكار ، يقال : رجع فلان على حافرته إذا رجع من حيث جاء .
العرب تقول : النقد عند الحافرة أي : عند أول كلمة ، أي : في السوم .
وقال الشاعر :
( أحافرة على صلع وشيب ** معاذ الله من سفه وعار )
وقال السدي : ( ^ أئنا لمردودون في الحافرة ) أي : إلى الحياة ، وهو على ما قلنا وقيل : إلى النار . < < النازعات : ( 11 ) أئذا كنا عظاما . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ أئذا كنا عظاما نخرة ) وقرئ : ' ناخرة ' ، قال الفراء : هما واحدة ، وهي البالية الفانية .
وعن أبي عمرو بن العلاء : أن النخرة هي التي قد بليت ، والناخرة هي التي لم تبل بعد ، وعن وكيع قال : هي التي تدخل الريح في جوفها فتنخر ، وهو منقول أيضا عن أهل اللغة . < < النازعات : ( 12 ) قالوا تلك إذا . . . . . > >
وقوله : ( ^ قالوا تلك إذا كرة خاسرة ) أي : رجعة ذات خسران ، والمعنى : أنا نكون في خسار إن رجعنا ، ويجوز أن يكون المراد أنهم يخسرون إذا رجعوا .
وعن الحسن قال : خاسرة أي : كاذبة يعني : ليست بكائنة . < < النازعات : ( 13 ) فإنما هي زجرة . . . . . > >
وقوله : ( ^ فإنما هي زجرة واحدة ) هو إخبار عن سهولة الأمر على الله في الفهم ، والزجرة : الصحية . < < النازعات : ( 14 ) فإذا هم بالساهرة > >
وقوله : ( ^ فإذا هم بالساهرة ) القول المعروف أنها وجه الأرض يعني : أنهم يخرجون من بطنها إلى ظهرها ، وسميت الأرض ساهرة ، لأن عليها سهر الخلق ونومهم ، وقال النخعي ' فإذا هم بالساهرة ' أي : فوق الأرض .
وعن وهب بن منبه أنه قال : الساهرة جبل بجنب بيت المقدس ، قال الشاعر في الساهرة :
( فإنما قصرك ترب الساهرة ** ثم تعود بعدها في الحافرة )
____________________

( ^ هل أتاك حديث موسى ( 15 ) إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ( 16 ) اذهب إلى فرعون إنه طغى ( 17 ) فقل هل لك إلى أن تزكى ( 18 ) وأهديك إلى ربك فتخشى ( 19 ) فأراه الآية الكبرى ( 20 ) ) .
( من بعد ما كنا عظاما ناخرة ** ) < < النازعات : ( 15 ) هل أتاك حديث . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هل أتاك حديث موسى ) أي : قد أتاك . < < النازعات : ( 16 ) إذ ناداه ربه . . . . . > >
وقوله : ( ^ إذ ناداه ربه بالواد المقدس ) أي : المطهر .
وقوله : ( ^ طوى ) أي : طوى بالبركة والتقديس مرتين ، وقيل : سماه طوى لأن موسى وطئه بقدمه ، وقيل : إنه اسم الوادي وقيل : هو الأرض التي بين المدينة ومصر .
وقرأ الحسن : ' طوى ' بكسر الطاء ، والمعروف طوى ، وهو غير مصروف لأنه اسم البقعة من الوادي وهو معروف وعن الزجاج قال : يجوز أن يكون معدولا من طاو ، فلهذا لم يصرف مثل : عمرو معدول عامر ، وقرئ : مصروفا وأنشدوا :
( ^ أعاذل إن اللوم في غير كنهه ** على طوى من غيك المتردد ) . < < النازعات : ( 17 ) اذهب إلى فرعون . . . . . > >
وقول : ( ^ اذهب إلى فرعون إنه طغى ) قد بينا ، والطغيان هو مجاوزة الحد . < < النازعات : ( 18 ) فقل هل لك . . . . . > >
وقوله : ( ^ فقل هل لك إلى أن تزكى ) وقرئ : ' تزكى ' بالتشديدين .
قال أبو عمرو ابن العلاء : لا يجوز بالتشديدين ، ويجوز بالتخفيف ؛ لأن تزكى هو من إعطاء الزكاة .
وقوله : ( ^ تزكى ) هو الدخول في طهارة الإسلام ، وتابعه أبو عبيد على هذا [ وذكر ] النحاس في تفسيره : أن هذا غلط ، وتزكى وتزكى بمعنى واحد ، فتزكى مدغم ، وتزكى محذوف منه يقال : زكاه الله أي : طهره بالإسلام فتزكى ويقال أيضا لمن أعطى زكاة ماله : تزكى . < < النازعات : ( 19 ) وأهديك إلى ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأهديك إلى ربك فتخشى ) أي : إذا أصبت الهداية حسنت منك . < < النازعات : ( 20 ) فأراه الآية الكبرى > >
وقوله : ( ^ فأراه الآية الكبرى ) يقال : ( هي ) العصا ، وقيل : إنها اليد البيضاء ، ويقال : كلاهما .
____________________

( ^ فكذب وعصى ( 21 ) ثم أدبر يسعى ( 22 ) فحشر فنادى ( 23 ) فقال أنا ربكم الأعلى ( 24 ) فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ( 25 ) إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ( 26 ) أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ( 27 ) ) . < < النازعات : ( 21 - 22 ) فكذب وعصى > >
وقوله : ( ^ فكذب وعصى ثم أدبر يسعى ) أي : أعرض وجعل يسعى في إبطال أمر موسى . < < النازعات : ( 23 - 24 ) فحشر فنادى > >
وقوله : ( ^ فحشر فنادى ) الحشر هو الجمع من كل جهة .
وقوله : ( ^ فنادى ) أي ناداهم ، وقال لهم ( ^ أنا ربكم الأعلى ) أي : لا رب فوقي .
قال الحسن : كان فرعون علجا من أهل أصبهان طوله أربعة أشبار ، وعن مجاهد : علج من أهل همذان ، وعن بعضهم : أنه من أهل اصطخر .
وفي القصة : أن موسى قال لفرعون : لك ملك لا يزول ، وشباب لا هرم فيه ، ولك الجنة في الآخرة فقل : هو ربي وأنا عبده فقال : حتى استشير هامان ، فلما استشار هـ قال : أتصير عبدا بعد أن كنت معبودا ، لا تقل هذا .
فأبى أن يقول .
ذكره النقاش في تفسيره . < < النازعات : ( 25 ) فأخذه الله نكال . . . . . > >
وقوله : ( ^ فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) أي : أخذه أخذا نكالا لمقالته الآخرة والأولى ، فمقالته الأولى قوله : ( ^ ما علمت لكم من إله غيري ) ، ومقالته الآخرة ، قوله ( ^ أنا ربكم الأعلى ) ويقال : نكل به وعاقبه في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا هو الغرق ، وفي الآخرة هو النار . < < النازعات : ( 26 ) إن في ذلك . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) أي : اعتبارا لمن يخاف الله تعالى . < < النازعات : ( 27 ) أأنتم أشد خلقا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أأنتم أشد خلقا ) استدل عليهم بهذه الآيات في قدرته على البعث ، والمعنى بأن إعادتكم خلقا جديدا أشد أم خلق السماء ؟ وهو مثل قوله تعالى : ( ^ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ) .
وقوله : ( ^ أم السماء بناها ) معناه : أم السماء التي بناها ؟ وقيل المعنى : أأنتم أشد
____________________

( ^ رفع سمكها فسواها ( 28 ) وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ( 29 ) والأرض بعد ذلك ) . خلقا أم السماء ؟ وتم الكلام ثم قال : ( ^ بناها ) أي : بناها الله تعالى . < < النازعات : ( 28 ) رفع سمكها فسواها > >
وقوله : ( ^ رفع سمكها فسواها ) هو في معنى قوله تعالى : ( ^ هل ترى من فطور ) أي : من شقوق وفروج ، وقيل : معنى التسوية هاهنا هو أنه ليس بعضها أرفع من بعض ولا أخفض من بعض ، والسمك الارتفاع . < < النازعات : ( 29 ) وأغطش ليلها وأخرج . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ) أي : أظلم ليلها .
وقوله : ( ^ وأخرج ضحاها ) أي : أبرز نهارها ، وقيل : أظهر ضوءها ، وأضاف الظلمة والضوء إلى السماء لأنهما يظهران من جانب السماء عند طلوع الشمس وغروبها < < النازعات : ( 30 ) والأرض بعد ذلك . . . . . > > ( ^ والأرض بعد ذلك دحاها ) أي : بسطها .
قال أمية بن أبي الصلت :
( وبث الخلق فيها إذ دحاها ** فهم قطانها حتى التنادي )
وقال سعيد بن زيد :
( أسلمت بوجهي لمن أسلمت ** له الأرض تحمل صخرا ثقالا )
دحاها فلما استوت شدها ** وأرسى عليها جبالا )
وقوله : ( ^ بعد ذلك ) أي : مع ذلك ، وقيل : إنه خلق الأرض قبل السماء على ما قال في ' حم السجدة ' ، ثم بسطها بعد خلق السماء .
وفي الأثر عن ابن عباس : أنه لم يكن إلا العرش والماء ، فخلق على الماء حجرا كالفهر ، ثم خلق عليه دخانا ملتصقا به ، ثم خلق موجا على الماء ، ثم رفع الدخان من الحجر ، وخلق من الحجر الأرض ، ومن الدخان السماء ، ومن الموج الجبال .
____________________


( ^ دحاها ( 30 ) أخرج منها ماءها ومرعاها ( 31 ) والجبال أرساها ( 32 ) متاعا لكم ولأنعامكم ( 33 ) فإذا جاءت الطامة الكبرى ( 34 ) يوم يتذكر الإنسان ما سعى ( 35 ) وبرزت الجحيم لمن يرى ( 36 ) فأما من طغى ( 37 ) وآثر الحياة الدنيا ( 38 ) فإن الجحيم هي المأوى ( 39 ) ) . < < النازعات : ( 31 ) أخرج منها ماءها . . . . . > >
وقوله : ( ^ أخرج منها ماءها ومرعاها ) أي : أخرج من الأرض الماء لحياة النفوس ، والمرعى للأنعام . < < النازعات : ( 32 ) والجبال أرساها > >
وقوله : ( ^ والجبال أرساها ) أي : أثبتها . < < النازعات : ( 33 ) متاعا لكم ولأنعامكم > >
وقوله : ( ^ متاعا لكم ) أي : إمتاعا لكم ( ^ ولأنعامكم ) وإنما انتصب لأن معناه : للإمتاع ، ثم نزعت اللام الخافضة فانتصب . < < النازعات : ( 34 ) فإذا جاءت الطامة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فإذا جاءت الطامة الكبرى ) الطامة في اللغة : هي الداهية العظيمة ، وقيل : هي الأمر الذي لا يستطاع ولا يطاق ، يقال : طم الوادي إذا جاء منه ما لا يطاق وعلا كل شيء ، وعن ابن عباس : أن الطامة اسم القيامة ، وسميت القيامة طامة ؛ لأنها تطم كل شيء أي : فوق كل شيء .
وفي بعض الأخبار عن النبي أنه قال : ' ما من طامة إلا وفوقها طامة ' وهو خبر غريب . < < النازعات : ( 35 ) يوم يتذكر الإنسان . . . . . > >
وقوله : ( ^ يوم يتذكر الإنسان ما سعى ) أي : يذكر . < < النازعات : ( 36 ) وبرزت الجحيم لمن . . . . . > >
قوله : ( ^ وبرزت الجحيم لمن يرى ) وفي التفسير : أن الحكمة في إظهار الجحيم مشاهدة الكفار مكان عقوبتهم ، وليعلم المؤمنون من أي عذاب نجوا . < < النازعات : ( 37 - 38 ) فأما من طغى > >
وقوله : ( ^ فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا ) أي : على الآخرة .
وحكى أبو الحسين بن فارس في تفسيره عن حذيفة : أن من أكل على مائدة ثلاثة ألوان من الطعام ، فقد آثر الحياة الدنيا ، وأورد في خبر مرفوع أن النبي قال : ' من آثر الحياة الدنيا على الآخرة شتت الله عليه همه ، ثم لم يبال بأيها هلك ' . < < النازعات : ( 39 ) فإن الجحيم هي . . . . . > >
وقوله : ( ^ فإن الجحيم هي المأوى ) أي : مأواه الجحيم ، وهو معظم النار .
____________________


( ^ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ( 40 ) فإن الجنة هي المأوى ( 41 ) يسألونك عن الساعة أيان مرساها ( 42 ) فيم أنت من ذكراها ( 43 ) إلى ربك منتهاها ( 44 ) إنما أنت منذر من يخشاها ( 45 ) ) . < < النازعات : ( 40 ) وأما من خاف . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأما من خاف مقام ربه ) أي : قيامه عند ربه للحساب .
وقوله : ( ^ ونهى النفس عن الهوى ) أي : عما هواه ويشتهيه على خلاف الشرع . < < النازعات : ( 41 ) فإن الجنة هي . . . . . > >
وقوله : ( ^ فإن الجنة هي المأوى ) أي : منزلة ومأواه الجنة ، وفي بعض التفاسير : أن الآية الأولى نزلت في النضر بن الحارث وأمية بن خلف وعقبة وعتبة ابني أبي لهب وجماعة ، والآية الثانية نزلت في مصعب بن عمير ، وكان قد وقي رسول الله بنفسه يوم أحد حتى دخلت المشاقص في جوفه ، واستشهد في ذلك اليوم ، وكان صاحب لواء المهاجرين . < < النازعات : ( 42 ) يسألونك عن الساعة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) أي : متى قيامها ؟ ومرساها : منتهاها ، والمعنى عن ماهيتها . < < النازعات : ( 43 ) فيم أنت من . . . . . > >
وقوله : ( ^ فيم أنت من ذكراها ) أي : مالك ومعرفة وقت قيام الساعة ؟ وفي بعض التفاسير : ' أن النبي كان يسأل كثيرا جبريل متى الساعة ، فلما أنزل الله تعالى هذه الآية ، ارتدع وكف ولم يسأل بعد ذلك ' وهو مثل قول القائل لغيره : مالك وهذا الأمر ؟ وفيه زجر إياه عن السؤال . < < النازعات : ( 44 ) إلى ربك منتهاها > >
قوله : ( ^ إلى ربك منتهاها ) أي : منتهى علم قيامها ، وقيل معناه : أن كل من يسأل عنه يقول : الله أعلم ، فيرد علمها إلى الله . < < النازعات : ( 45 ) إنما أنت منذر . . . . . > >
وقوله : ( ^ إنما أنت منذر من يخشاها ) أي : تنذر بعذاب يوم القيامة من يخشى القيامة .
____________________


( ^ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ( 46 ) ) . < < النازعات : ( 46 ) كأنهم يوم يرونها . . . . . > >
وقوله : ( ^ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) أي : أول نهار أو آخر نهار ، فأول النهار من طلوع الشمس إلى ارتفاعها ، وآخر النهار من العصر إلى غروبها ، وهو مثل قوله تعالى : ( ^ كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ ) فإن قيل : كيف أضاف ضحى النهار إلى عشيته ، وإنما ضحى النهار يضاف إلى النهار فبأي وجه تستقيم هذه الإضافة ؟ والجواب : أنه يجوز مثل هذا في كلام العرب ، وهم يفعلون كذلك ويريدون بمثل هذه الإضافة ، الإضافة إلى النهار .
قال الشاعر :
( نحن صبحنا عامرا في دارها ** عيشة الهلال أو سرارها )
وقيل معنى ذلك : كأن لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها أي : يوما من الأيام ، فالمراد من العشية هو اليوم ، والضحى هو اليوم أيضا ، فإن قيل : كيف يصح هذا الظن ، وعندكم أنهم يعذبون في قبورهم ؟ والجواب : أنهم يخفتون خفتة بين النفختين ، فإذا بعثوا ظنوا ما بينا ، لأنهم نسوا العذاب في تلك الخفتة ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ عبس وتولى ( 1 ) أن جاءه الأعمى ( 2 ) ) . <
> تفسير سورة عبس <
>
وهي مكية ، والله أعلم . < < عبس : ( 1 ) عبس وتولى > >
قوله تعالى : ( ^ عبس وتولى ) هو الرسول في قول الجميع ، ومعنى عبس : كلح وجهه ، وتولى أي : أعرض ، و المعنى : أظهر الكراهة . < < عبس : ( 2 ) أن جاءه الأعمى > >
وقوله : ( ^ أن جاءه الأعمى ) قال الزجاج معناه : لأن جاءه الأعمى ، ونصب على أنه مفعول ، وهو عبد الله بن أم مكتوم في قول [ الجميع ] .
وسبب نزول الآية ' هو أن النبي كان يكلم رجلا من أشراف المشركين ، ويدعوه إلى الإسلام - قال عطاء : كان عتبة بن ربيعة ، وقال قتادة : كان أبي بن خلف ، وقال مجاهد : كان عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبي بن خلف - وكان يدعوهم إلى الإسلام ، ويقرأ عليهم القرآن ، وفي بعض الروايات : أنه كان عنده جماعة من أشراف قريش ، وكان يدعوهم إلى الإسلام ، واشتد طمعه فيهم ، فجاء عبد الله بن أم مكتوم ، وجعل يقول : يا رسول الله ، علمني مما علمك الله ، أرشدني .
وفي رواية ، أنه جاء مع قائده ، فأشار النبي إلى قائده أن كفه ، فدفع في ظهر قائده ، وأقبل النبي ' .
____________________

( ^ وما يدريك لعله يزكى ( 3 ) أو يذكر فتنفعه الذكرى ( 4 ) أما من استغنى ( 5 ) فأنت له تصدى ( 6 ) وما عليك ألا يزكى ( 7 ) وأما من جاءك يسعى ( 8 ) وهو يخشى ( 9 ) ) .
وفي بعض الروايات عن سفيان الثوري أن الذي كان يكلمه ويدعوه إلى الإسلام كان العباس بن عبد المطلب ، فلما دخل ابن أم مكتوم في خطابه ، وجعل يكرر عليه قوله : علمني أرشدني ، كره رسول الله ذلك حتى ظهرت الكراهة في وجهه ، وعبس وأعرض عنه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية معاتبا له فيما فعله .
وفي بعض الروايات : أنه عليه السلام قام وذهب . < < عبس : ( 3 ) وما يدريك لعله . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما يدريك لعله يزكى ) أي : يتزكى ، والمراد منه ابن أم مكتوم .
وقوله : ( ^ يزكى ) أي : يقبل ما تذكره به وتعلمه ، وقيل : يتطهر . < < عبس : ( 4 ) أو يذكر فتنفعه . . . . . > >
وقوله : ( ^ أو يذكر ) معناه : أو يتذكر .
وقوله : ( ^ فتنفعه الذكرى ) أي : تنفعه التذكرة والعظة .
والمعنى : أنك تعرض عنه إعراض من لا ينفعه تعليمه وتذكيره ، ولا تدري لعله ينفعه التعليم والتذكير ، فعليك أن تعلمه وتذكره . < < عبس : ( 5 ) أما من استغنى > >
وقوله : ( ^ أما من استغنى ) يعني : من أظهر الاستغناء عنك . < < عبس : ( 6 ) فأنت له تصدى > >
وقوله : ( ^ فأنت له تصدى ) أي : تتعرض وتقبل عليه ، وقيل : إن أصله تصدد فقلبت إحدى الدالين ياء . < < عبس : ( 7 ) وما عليك ألا . . . . . > >
قوله : ( ^ وما عليك ألا يزكى ) أي : وما عليك ألا يسلم ، والمعنى أنه لو لم يسلم ذلك الذي أقبلت عليه ، لم يكن عليك من ذلك شيء . < < عبس : ( 8 ) وأما من جاءك . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأما من جاءك يسعى ) أي : يطلب الخير . < < عبس : ( 9 ) وهو يخشى > >
وقوله : ( ^ وهو يخشى ) أي : يخاف الله تعالى . < < عبس : ( 10 ) فأنت عنه تلهى > >
وقوله : ( ^ فأنت عنه تلهى ) أي : تعرض ، وقيل : تشتغل عنه بغيره .
ومن هذا ما
____________________

( ^ فأنت عنه تلهى ( 10 ) كلا إنها تذكرة ( 11 ) فمن شاء ذكره ( 12 ) في صحف مكرمة ( 13 ) ) . روى عن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أنه قال : إذا رأيت الله استأثر عليك بشيء فاله عنه - أي : اتركه وأعرض عنه ، وقد قال سفيان بن عيينة : ' كان النبي بعد ذلك إذا جاءه عبد الله بن أم مكتوم بسط رداءه وقال : يا من عاتبني فيه ربي ' .
واستخلفه على المدينة مرتين ، وقيل مرات حين خرج إلى الغزو .
وفي بعض التفاسير : ' أن النبي ما رئى بعد ذلك متصديا لغنى ، ولا معرضا عن فقير ' . < < عبس : ( 11 ) كلا إنها تذكرة > >
قوله تعالى : ( ^ كلا ) قال الحسن : حقا ، وقيل : المعنى هو للردع والزجر يعني : ليس ينبغي أن يكون الأمر على هذا ، وهو ما سبق ذكره .
وقوله : ( ^ إنها تذكرة ) أي : هذه السورة تذكرة ، وقيل : الأنباء والقصص تذكرة . < < عبس : ( 12 ) فمن شاء ذكره > >
وقوله : ( ^ فمن شاء ذكره ) أي : فمن شاء الله ألهمه وذكره . < < عبس : ( 13 ) في صحف مكرمة > >
وقوله : ( ^ في صحف ) يعني : القرآن ، وقيل : الأنباء والقصص ، فعلى القول الأول قوله ( ^ فمن شاء ذكره ) ينصرف إلى القرآن .
والصحف جمع صحيفة .
وقوله : ( ^ مكرمة ) أي : كريمة على الله ، وقيل : مكرمة لأنها نزلت من رب كريم . < < عبس : ( 14 ) مرفوعة مطهرة > >
وقوله : ( ^ مرفوعة ) يجوز أن يكون المعنى مرفوعة في المكان ، ويجوز أن يكون المعنى مرفوعة القدر والمنزلة عند الله تعالى .
وقوله تعالى : ( ^ مطهرة ) قال الحسن : مطهرة من كل دنس ، وقيل : مطهرة أي : مصونة من أن تنالها أيدي الكفار الأنجاس . < < عبس : ( 15 ) بأيدي سفرة > >
وقوله : ( ^ بأيدي سفرة ) السفر هي الملائكة الذين يسفرون بالوحي بين الله وبين رسوله ، ويقال للكتاب سفر ، وللمصلح بين الجماعة سفير ، وهو مأخوذ من تبين الأمر وإيضاحه ، يقال : سفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته ، ويقال : أسفر الصبح إذا أضاء ،
____________________

( ^ مرفوعة مطهرة ( 14 ) بأيدي سفرة ( 15 ) كرام بررة ( 16 ) قتل الإنسان ما أكفره ( 17 ) ) .
ومنه قول نوبة بن حمير :
( ^ إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد ** رابني منها الغداة سفورها ) .
أي : ظهورها .
وقال قتادة والضحاك : ( ^ بأيدي سفرة ) : هم القراء الذين يقرءون الآيات .
وقال الفراء في قوله : ( ^ مرفوعة مطهرة ) سماها مرفوعة مطهرة ؛ لأنها أنزلت من اللوح المحفوظ .
وقيل : سفرة هم ملائكة موكلون بالأسفار من كتب الله تعالى ، ومنه أسفار موسى ، واحدها سفر . وقال الشاعر :
( فما أدع السفارة بين قومي ** وما أمشي بغش إن مشيت )
وسمي التفسير بين الاثنين سفيرا ؛ لأنه يظهر عما في قلب هذا وعما في قلب الآخر ليصلح بينهما . < < عبس : ( 16 ) كرام بررة > >
وقوله : ( ^ كرام بررة ) فقوله : ( ^ كرام ) صفة الملائكة أي : كرام على الله ، وقوله : ( ^ بررة ) أي : مطيعين ، وهو في معنى قوله : ( ^ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) وفي بعض الكتب أن في السماء ملائكة بأيديهم الصحف يقرءون القرآن وعبادتهم ذلك ، و هذا راجع إلى ما بينا من قبل قول الضحاك . < < عبس : ( 17 ) قتل الإنسان ما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قتل الإنسان ما أكفره ) ثم بين الله تعالى من العبر والآيات في الآدمي ما لا ينبغي أن يكفر معها .
وقوله : ( ^ قتل ) أي : لعن ، والإنسان هو الكافر ، وقيل : هو الوليد بن المغيرة ، وقيل : أمية بن خلف .
وروى الضحاك عن ابن عباس ' أن الآية نزلت في عتبة بن أبي لهب لما أنزل الله تعالى سورة ' والنجم ' قال عتبة : أنا أكفر بالنجم إذا هوى ، فقال النبي : ' اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ' ، وروى أنه قال : ' اللهم سلط عليه أسد الغاضرة ' - والغاضرة موضع - ثم إنه خرج بعد ذلك في رفقة ، فلما بلغ ذلك
____________________


( ^ من أي شيء خلقه ( 18 ) من نطفة خلقه فقدره ( 19 ) ثم السبيل يسره ( 20 ) ثم أماته فأقبره ( 21 ) ثم إذا شاء أنشره ( 22 ) ) . الموضع ذكر قول الرسول ، فأمر أهل الرفقة أن يحرسوه تلك الليلة ففعلوا ، وجاء الأسد وثب وثبة وصار على ظهره وافترسه ' .
وقوله : ( ^ ما أكفره ) ويجوز أن يكون أيضا على وجه التوبيخ ، وإن كان اللفظ لفظ الاستفهام فالمعنى : أي شيء أكفره بالله ، وقد أراه من قدرته ما أراه . < < عبس : ( 18 ) من أي شيء . . . . . > >
وقوله : ( ^ من أي شيء خلقه ) معناه : أفلا يتفكر هذا الكافر من أي شيء خلقه الله تعالى ، ثم بين من أي شيء خلقه ، < < عبس : ( 19 ) من نطفة خلقه . . . . . > > وقوله : ( ^ من نطفة خلقه ) ، وقوله تعالى : ( ^ فقدره ) قال الكلبي : سوى خلقه من يديه ورجليه وعينيه وسائر جوارحه الظاهرة والباطنة ، وهو في معنى قوله تعالى : ( ^ خلقك فسواك ) وقيل : فقدره أي : وضع كل شيء موضعه ، وهيأ له ما يصلحه . < < عبس : ( 20 ) ثم السبيل يسره > >
وقوله : ( ^ ثم السبيل يسره ) أكثر أهل التفسير على أن المراد منه هو الخروج من الرحم ، وقيل معناه : يسر له سبيل الخير ، وقيل : بين له سبيل الشقاوة والسعادة ، قاله مجاهد ، والذي تقدمه قول الحسن . < < عبس : ( 21 ) ثم أماته فأقبره > >
وقوله : ( ^ ثم أماته فأقبره ) أي : جعل له قبرا يدفن فيه ، يقال : قبرت فلانا إذا دفنته ، وأقبرته إذا جعلت له موضعا يدفن فيه .
قال الأعشى :
( لو أسندت ميتا إلى نحرها ** عاش ولم ينقل إلى قابر ) < < عبس : ( 22 ) ثم إذا شاء . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم إذا شاء أنشره ) أي : أحياه وبعثه .
قال الأعشى :
( حتى يقول الناس مما رأوا ** يا عجبا للميت الناشر )
____________________

( ^ كلا لما يقض ما أمره ( 23 ) فلينظر الإنسان إلى طعامه ( 24 ) أنا صببنا الماء صبا ( 25 ) ثم شققنا الأرض شقا ( 26 ) فأنبتنا فيها حبا ( 27 ) ) . < < عبس : ( 23 ) كلا لما يقض . . . . . > >
وقوله : ( ^ كلا لما يقض ما أمره ) يعني : لم يفعل ما أمره الله تعالى .
قال مجاهد : ليس أحد من الخلق يفعل كل ما أمره الله تعالى .
وعن ابن عباس : ( ^ كلا لما يقض ما أمره ) أي : ما أخذ عليه من العهد يوم الميثاق . < < عبس : ( 24 ) فلينظر الإنسان إلى . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ فلينظر الإنسان إلى طعامه ) أي : فلينظر الإنسان إلى الطعام والعلف الذي خلقه الله تعالى لحياة الخلق ، وعن ابن عباس معناه : فلينظر الإنسان إلى طعامه أي : إلى ما يخرج منه كيف انقلب من الطيب إلى الخبيث .
وعن الحسن : أن الله تعالى وكل ملكا فإذا جلس الإنسان على حاجته ثنى رقبته لينظر إلى ما يخرج منه ذكره النقاش .
وأورد أيضا : أن أبا الأسود الدؤلي سأل عمران بن الحصين لم ينظر الإنسان إلى ما يخرج منه ؟ فلم يدر عمران ما يجيبه به ، ثم ذهب عمران إلى المدينة ، فذكر ذلك لأبي بن كعب فقرأ هذه الآية : ( ^ فلينظر الإنسان إلى طعامه ) ثم قال : ينظر ليعلم إلى ما صار ما بخل به . < < عبس : ( 25 ) أنا صببنا الماء . . . . . > >
وقوله : ( ^ أنا صببنا الماء صبا ) قرئ بكسر الألف وفتحها ؛ فقوله بالكسر ' إنا ' على الابتداء ، وقوله : ( ^ أنا ) بالفتح منصوب على البدل من الطعام كأنه قال : فلينظر الإنسان إلى أنا صببنا ، ذكره الفراء .
وقيل معناه : فلينظر الإنسان إلى طعامه لأنا صببنا .
وقوله : ( ^ صببنا الماء صبا ) أي : أجريناه إجراء . < < عبس : ( 26 ) ثم شققنا الأرض . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم شققنا الأرض شقا ) أي : بخروج النبات . < < عبس : ( 27 ) فأنبتنا فيها حبا > >
وقوله : ( ^ فأنبتنا فيها حبا ) هو البر والشعير ، وكل ما هو قوت الناس . < < عبس : ( 28 ) وعنبا وقضبا > >
وقوله : ( ^ وعنبا ) هو العنب المعروف .
وقوله : ( ^ وقضبا ) هو القت بلغة أهل مكة ، وعن ابن عباس : هو الرطبة - وهو
____________________

( ^ وعنبا وقضبا ( 28 ) وزيتونا ونخلا ( 29 ) وحدائق غلبا ( 30 ) وفاكهة وأبا ( 31 ) متاعا لكم ولأنعامكم ( 32 ) فإذا جاءت الصاخة ( 33 ) ) . قول معروف - وسمي قضبا ؛ لأنه يقضب أي : يقطع وينبت ، ثم يقطع وينبت هكذا . < < عبس : ( 29 - 30 ) وزيتونا ونخلا > >
وقوله : ( ^ وزيتونا ) وهو الزيتون المعروف .
وقوله : ( ^ ونخلا وحدائق غلبا ) الحديقة كل بستان يتحوط عليه ، وما لا يكون محوطا عليه لا يكون حديقة .
وقوله : ( ^ غلبا ) أي : غلاظ الأعناق ، يقال : رجل أغلب إذا كان شديدا غليظ الرقبة .
وقيل : ' غلبا ' ملتفة أي : دخل بعضها في بعض . < < عبس : ( 31 ) وفاكهة وأبا > >
وقوله : وفاكهة وأبا ) الفاكهة هي الثمار ، والأب هي الكلأ .
قال ابن عباس ومجاهد : الأب مرعى الأنعام ، وقيل : الأب للبهائم بمنزلة الفاكهة للناس .
وقال ( الضحاك ) : الأب التين ، وعن الحسن : أن الفاكهة ما طاب واحلو لي من الثمار .
ومن المعروف أن عمر - رضي الله عنه - قرأ قوله تعالى : ( ^ وفاكهة وأبا ) ثم قال : قد عرفت الفاكهة فما الأب ؟ ثم قال : يا ابن الخطاب ، هذا والله هو ( التكذيب ) ، وألقى العصا من يده . < < عبس : ( 32 ) متاعا لكم ولأنعامكم > >
وقوله : ( ^ متاعا لكم ولأنعامكم ) أي : منفعة لكم ولأنعامكم . < < عبس : ( 33 ) فإذا جاءت الصاخة > >
وقوله : ( ^ فإذا جاءت الصاخة ) هي اسم من أسماء يوم القيامة ، ذكره ابن عباس مثل الطامة والحاقة والقارعة وأشباهها ، وقيل : الصاخة هي الداهية التي يعجز عنها الخلق ، وقيل : الصاخة الصاكة ، يقال : صخ فلانا إذا صكه .
____________________

( ^ يوم يفر المرء من أخيه ( 34 ) وأمه وأبيه ( 35 ) وصاحبته وبنيه ( 36 ) لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ( 37 ) وجوه يومئذ مسفرة ( 38 ) ) .
قال الشاعر :
( يا جارتي هل لك أن تجالدي ** جلادة كالصخ بالجلامد )
أي : كالصك ، وقيل : إن الصاخة صيحة إسرافيل تصك الأسماع ، وعن بعضهم : أن الصاخة ما يصخ له كل شيء أي : ينصت يقال : رجل أصخ أي أصم . < < عبس : ( 34 - 36 ) يوم يفر المرء . . . . . > >
وقوله : ( ^ يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ) يفر منهم لأنه لا يمكنه أن ينفعهم وينتفع بهم .
قيل : يفر لئلا يروا الهوان الذي ينزل فيه ، وقيل : يفر منهم ضجرا لعظم ما هو فيه ، وفي بعض التفاسير : أن قوله : ( ^ من أخيه ) قابيل من هابيل .
وقوله : ( ^ وأمه ) هو الرسول من أمه .
وقوله : ( ^ وأبيه ) هو إبراهيم - صلوات الله عليه - من أبيه .
وقوله : ( ^ وصاحبته ) هو لوط - عليه السلام - من زوجته .
وقوله : ( ^ وبنيه ) هو آدم - عليه السلام - من بنيه المفسدين ، وقيل : هو نوح - عليه السلام - من ابنه . < < عبس : ( 37 ) لكل امرئ منهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) أي : شيء يكفيه ويشغله ، وقال القتيبي : شيء يصرفه عن غيره ، والشأن : هو الأمر العظيم ، يقال : فلان في شأن ، أي : في أمر عظيم .
وقرئ في الشاذ : ' يعنيه ' من عنى يعني بالعين غير معجمة . < < عبس : ( 38 ) وجوه يومئذ مسفرة > >
قوله تعالى : ( ^ وجوه يومئذ مسفرة ) أي : [ ذات ] فرحة مسرورة ، وقيل : نيرة ، وقيل : هو في معنى قوله تعالى : ( ^ يوم تبيض وجوه ) أي : وجوه يومئذ تبيض .
____________________

( ^ ضاحكة مستبشرة ( 39 ) ووجوه يومئذ عليها غبرة ( 40 ) ترهقها قترة ( 41 ) أولئك هم الكفرة الفجرة ( 42 ) ) . < < عبس : ( 39 ) ضاحكة مستبشرة > >
وقوله : ( ^ ضاحكة مستبشرة ) أي : من السرور والفرح . < < عبس : ( 40 ) ووجوه يومئذ عليها . . . . . > >
وقوله : ( ^ ووجوه يومئذ عليها غبرة ) أي : كسوف وسواد . < < عبس : ( 41 ) ترهقها قترة > >
وقوله : ( ^ ترهقها قترة ) أي : تعلوها الكآبة والحزن ، وقيل : هو في معنى قوله تعالى : ( ^ وتسود وجوه ) عن عطاء الخرساني : ( ^ وجوه يومئذ مسفرة ) لكثرة ما أغبرت في الدنيا بالحق .
وقوله : ( ^ ووجوه يومئذ عليها غبرة ) من كثرة ما ضحكت في الباطل . < < عبس : ( 42 ) أولئك هم الكفرة . . . . . > >
وقوله : ( ^ أولئك هم الكفرة الفجرة ) يعني : أصحاب الوجوه هم الذين كفروا بالله وفجروا ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إذا الشمس كورت ( 1 ) وإذا النجوم انكدرت ( 2 ) ) . <
> تفسير سورة ( كورت ) <
>
وهي مكية
روى عبد الرزاق ، عن عبد الله بن بجير ، عن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني قال : سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله : ' من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى عين ذلك اليوم فليقرأ : ( ^ إذا الشمس كورت ) و ( ^ إذا السماء انفطرت ) و ( إذا السماء انشقت ) .
قال رضي الله عنه أخبرنا بهذا الحديث أبو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد القفال ، أخبرنا أبو العباس السنجي الطحان ، أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري ، أخبرنا عبد الرزاق . < < التكوير : ( 1 ) إذا الشمس كورت > >
قوله تعالى : ( ^ إذا الشمس كورت ) قال ابن عباس : ذهب ضوؤها .
وروى سفيان الثوري ، عن أبيه ، عن الربيع بن خثيم قال : كورت رمى بها .
وعن سعيد بن جبير كور العمامة ، والمعنى : أنها لفت وجمعت وطرح بها . < < التكوير : ( 2 ) وإذا النجوم انكدرت > >
وقوله : ( ^ إذا النجوم انكدرت ) أي : تناثرت وتساقطت ، وفي بعض التفاسير : أن النجوم في قناديل من نور معلقة بالسماء الدنيا بسلاسل في أيدي الملائكة ، فإذا جاء
____________________

( ^ وإذا الجبال سيرت ( 3 ) وإذا العشار عطلت ( 4 ) وإذا الوحوش حشرت ( 5 ) وإذا البحار سجرت ( 6 ) ) . يوم القيامة تساقطت السلاسل من أيدي الملائكة ، وانتثرت النجوم .
وروى أن أهل الأرضين يسمعون إدة عظيمة من وقوع النجوم على الأرض . < < التكوير : ( 3 ) وإذا الجبال سيرت > >
وقوله : ( ^ وإذا الجبال سيرت ) أي : سيرت وكانت سرابا ، وقيل : دقت دقا ، وصارت بمنزلة الهباء ، والآية في معنى قوله تعالى ( ^ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ) . < < التكوير : ( 4 ) وإذا العشار عطلت > >
وقوله : ( ^ وإذا العشار عطلت ) العشار واحدها عشراء ، وهي الناقة التي أتت عشرة أشهر على حملها ، وهي أحسن ما يكون من النوق ، وأعزها على أربابها ، وتعطيلها إهمالها وتركها بلا راع يرعاها ، ولا يفعل ذلك إلا يوم القيامة ، والمعنى : أن كل إنسان يشتغل بنفسه عن كل شيء ، وإن كان عزيزا عنده . < < التكوير : ( 5 ) وإذا الوحوش حشرت > >
وقوله : ( ^ وإذا الوحوش حشرت ) فيه قولان : أحدهما : أن المعنى ماتت ، والحشر هو الجمع ، فكأنها جمعت في الموت ، والقول الثاني : وهو الأظهر أن حشرها إحياؤها يوم القيامة .
وقد ورد في الخبر المشهور عن النبي أنه قال : ' يقتص للجماء من القرناء ' .
وعن ابن عباس قال : يحشر كل شيء حتى الذباب . < < التكوير : ( 6 ) وإذا البحار سجرت > >
وقوله : ( ^ وإذا البحار سجرت ) قال الحسن : يبست ، وعنه أنه قال : فاضت أي : أدخل بعضها في بعض .
وعن كعب الأحبار سجرت أي : ملئت نارا .
وقال شمر بن عطية : تسجر كما يسجر التنور .
____________________

( ^ وإذا النفوس زوجت ( 7 ) وإذا الموءودة سئلت ( 8 ) بأي ذنب قتلت ( 9 ) ) .
وعن سعيد بن المسيب أن عليا - رضي الله عنه - سأل رجلا من اليهود عن جهنم ؟ فقال : هو البحر ، فقال : ما أراه إلا صادقا ، ثم قرأ قوله تعالى : ( ^ وإذا البحار سجرت ) .
وعن بعضهم : أن بحر الروم وسط الأرض ، وفي أسفله آبار من نحاس مطبقة ، فإذا كان يوم القيامة سجرت نارا ، ومن هذا قوله تعالى : ( ^ والبحر المسجور ) وقد بينا ، ويجوز أن يجمع بين هذه الأقاويل ، فيقال : إن البحار يدخل بعضها في بعض فتصير بحرا واحدا ، ثم يفيض وييبس ثم يملأ نارا . < < التكوير : ( 7 ) وإذا النفوس زوجت > >
وقوله : ( ^ وإذا النفوس زوجت ) قال الشعبي : الأبدان بالأرواح ، وقيل : قرنت بأعمالها .
وعن عمر - رضي الله عنه - قال : الصالح مع الصالح ، والفاجر مع الفاجر .
وعن بعضهم : المؤمنون يقرنون بالحور العين ، والكفار بالشياطين . < < التكوير : ( 8 - 9 ) وإذا الموؤودة سئلت > >
( ^ وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) الموءودة : هي الولد ، كان أهل الجاهلية يقتلونه ، وكان الواحد منهم إذا ولد له ابن تركه ، وإذا ولد له بنت دفنها حية .
وذكر بعضهم .
أن المرأة كانت إذا أخذها المخاض حفرة حفيرة ، وجلست عليها فإن ولدت ابنا حبسته ، وإن ولدت بنتا ألقتها في الحفيرة ، وقد كان بعضهم يترك الجارية حتى تصير شديدة ، ثم يقول لأمها : طيبيها زينيها ، وقد حفر بئرا في الصحراء ، ويحملها مع نفسه ، ويأمرها أن تطلع في البئر ، ثم يدفعها من خلفها في البئر ، ويهيل التراب ، وكانوا يفعلون ذلك إما خشية الإملاق ، أو [ دفعا ] للعار وأنفة عن أنفسهم .
وقوله : ( ^ سئلت بأي ذنب قتلت ) هو سؤال توبيخ للوائد ؛ لأن من جواب هذا السؤال أن يقول : قتلت بغير ذنب .
وقرأ ابن عباس والضحاك وجماعة : ' وإذا الموءودة سألت بأي ذنب قتلت ' والمعنى معلوم .
وذكر بعضهم في تفسيره : أنها تأتي متلطخة بالدماء ، وتتعلق بثدي أمها وتقول : يا رب ، هذه أمي وقد قتلتني .
واعم أنه ورد كثير من الأخبار في أن أولاد المشركين خدم أهل الجنة .
____________________


وكان ابن عباس يقول : من قال الموءودة في النار فقد كذب ، وتلا هذه الآية .
وعن النبي أنه قال : ' سألت ربي عن اللاهين من ذرية البشر فأعطانيهم ' .
وعنه عليه الصلاة والسلام : ' أنه سئل عن أطفال المشركين ؟ فقال : هم خدم أهل الجنة .
وقد وردت أخبار أخر أن أولاد المشركين في النار ، وقد ذكرنا بعض ذلك فيما سبق ، وعنه أنه قال لعائشة : ' لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار ' ، وعنه عليه - الصلاة والسلام - أنه قال : ' الوائدة والموءودة في النار ' ، وقد ثبت برواية أبي هريرة أن النبي سئل عن أطفال المشركين ؟ فقال : ' الله أعلم بما كانوا عاملين ' .
فالأولى أن يتوقف ، ويوكل علم ذلك إلى الله تعالى ، وهم على مشيئته يفعل بهم ما يشاء .
واعلم أنه قد كان في العرب من يحيي الأطفال الموءودة ، وذلك بأنهم ( يفرون ) من آبائهم .
وقال الفرزدق يفتخر :
( ومنا الذي منع لوائدات ** فأحيا الوئيد فلم يوأد )
قاله في جده صعصعة بن مجاشع .
____________________


( ^ وإذا الصحف نشرت ( 10 ) وإذا السماء كشطت ( 11 ) وإذا الجحيم سعرت ( 12 ) وإذا الجنة أزلفت ( 13 ) علمت نفس ما أحضرت ( 14 ) فلا أقسم ) . < < التكوير : ( 10 ) وإذا الصحف نشرت > >
قوله تعالى : ( ^ وإذا الصحف نشرت ) يعني : على الخلائق ، فمنهم من يعطي بيمينه ، ومنهم من يعطي بشماله . < < التكوير : ( 11 ) وإذا السماء كشطت > >
وقوله : ( ^ وإذا السماء كشطت ) وقرأ ابن مسعود : ' قشطت ' وهما بمعنى واحد ، كالكافور والقافور .
وقوله : ( ^ كشطت ) أي : قلعت ، وقيل : نزعت . < < التكوير : ( 12 ) وإذا الجحيم سعرت > >
وقوله : ( ^ وإذا الجحيم سعرت ) أي : أوقدت ، وهي توقد مرة بعد مرة فاستقام على هذا الكلام .
قال قتادة : سعره غضب الله وخطايا بني آدم . < < التكوير : ( 13 ) وإذا الجنة أزلفت > >
وقوله : ( ^ وإذا الجنة أزلفت ) أي : قربت وأدنيت ، وهي للمتقين . < < التكوير : ( 14 ) علمت نفس ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ علمت نفس ما أحضرت ) قال الربيع بن خثيم : إلى هذا جرى الكلام ، وحكى معنى هذا عن ابن عباس .
والمعنى : أنه إذا كانت هذه الأشياء علمت نفس ما أحضرت يعني : من الخير والشر . < < التكوير : ( 15 ) فلا أقسم بالخنس > >
قوله تعالى : ( ^ فلا أقسم بالخنس ) قال علي - رضي الله عنه - هي خمسة كواكب : بهرام ، وعطارد ، وزحل ، والزهرة ، والمشتري ، وذكر بعضهم الشمس والقمر في ذلك .
وعن بعضهم : أنها جميع النجوم .
وقوله : ( ^ الخنس ) أي : تغيب في سيرها ، وقيل : تغيب في النهار ، وتظهر بالليل ، وقيل : ترجع في مسيرها من المغرب ، وذلك ظاهر في الكواكب الخمسة . < < التكوير : ( 16 ) الجوار الكنس > >
وقوله : ( ^ الجوار الكنس ) أي : النساء السائرات الكنس ، والكنس المستترات عن الأبصار .
وقيل : بالغروب ، وقيل : بالنهار .
وهذه الكواكب هي الكواكب التي يسميها المنجمون المتحيرة ، وقد تفردت حيث تسير بخلاف سائر الكواكب ؛ لأن سائر الكواكب تسير من المشرق إلى المغرب ، وهي تسير من المغرب إلى المشرق ، ويحيلون
____________________


( ^ بالخنس ( 15 ) الجوار الكنس ( 16 ) والليل إذا عسعس ( 17 ) والصبح إذا تنفس ( 18 ) إنه لقول رسول كريم ( 19 ) ذي قوة عند ذي العرش مكين ( 20 ) ) . عليها الأفعال في العالم ، ونحن نتبرأ إلى الله تعالى من هذا الاعتقاد ، ونحيل الجميع على الله تعالى ، وإنما النجوم آيات ودلائل ومسخرات خلقت لمعاني ذكرناها من قبل ، وفي الآية قول آخر : وهو أن الخنس هي بقر الوحوش .
قال عمرو بن شرحبيل : قال لي عبد الله بن مسعود : أنتم قوم عرب ، فما معنى ( ^ الخنس الجوار الكنس ) ؟ قال عمرو : هي بقر الوحش ، قال ابن مسعود : وأنا أرى ذلك وهو أيضا إحدى الروايتين عن ابن عباس ، والقول الأول هو المشهور .
والخنس على هذا القول : هي صغار الأنف ، والكنس من استتارها في كنسها . < < التكوير : ( 17 ) والليل إذا عسعس > >
وقوله : ( ^ والليل إذا عسعس ) أي : أقبل بظلامه ، وقيل : أدبر ، وهو من الأضداد .
والأول هو المعروف . < < التكوير : ( 18 ) والصبح إذا تنفس > >
وقوله : ( ^ والصبح إذا تنفس ) أي : ظهر وطلع ، وقيل : ارتفع . < < التكوير : ( 19 ) إنه لقول رسول . . . . . > >
وقوله : ( ^ إنه لقول رسول كريم ) أي قول أنزله رسول كريم أي كريم على مرسله وهو جبريل صلوات الله عليه .
وحمل الآية على ما جاء به جبريل عليه السلام على الرسول من غير القرآن .
فعلى هذا يجوز أن يقال : هو قول جبريل .
وقيل : إن قوله ( ^ رسول كريم ) وهو محمد والقول الأول هو المشهور . < < التكوير : ( 20 ) ذي قوة عند . . . . . > >
وقوله : ( ^ ذي قوة عند ذي العرش مكين ) في الخبر أن النبي سأل جبريل عن قوته وأمانته ؟ .
فقال : ' أما قوتي فإن الله تعالى أرسلني إلى مدائن لوط ، وهي أربع مدائن في كل مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذرية فأدخلت جناحي تحتها ورفعتها إلى السماء الدنيا حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبتها .
وأما أمانتي فإني لم أعد ما أمرت به إلى غيره .
____________________

( ^ مطاع ثم أمين ( 21 ) وما صاحبكم بمجنون ( 22 ) ولقد رآه بالأفق المبين ( 23 ) وما هو على الغيب بضنين ( 24 ) وما هو بقول شيطان رجيم ( 25 ) فأين تذهبون ( 26 ) ) .
وقوله : ( ^ مكين ) هو بمعنى المكانة أو المنزلة عند الله تعالى .
وذي العرش : هو الله تعالى . < < التكوير : ( 21 ) مطاع ثم أمين > >
وقوله : ( ^ مطاع ثم أمين ) في التفسير أن الملائكة يطيعونه فيما يأمرهم به .
وقد قيل : إن معناه أنه قال : لرضوان خازن الجنان ليلة المعراج : افتح الباب لمحمد ففتحه .
وقال لمالك خازن النار : افتح اللباب لمحمد ففتحه .
وقوله : ( ^ أمين ) قد ذكرنا .
وقيل في معنى الأمانة ، أنه يرفع سبعين سرادقا من غير استئذان .
وقيل : يلج سبعين حجابا من نور من غير استئذان . < < التكوير : ( 22 ) وما صاحبكم بمجنون > >
وقوله تعالى ( ^ وما صاحبكم بمجنون ) معنى الرسول .
وعن عطية أن نبي الله سأل جبريل أن يريه نفسه على ما يكون في السماء ؟ فقال : ليس ذلك إلي حتى استأذن ربي ، فأذن الله تعالى له في ذلك .
فلما رأى جبريل على ما خلقه الله من العظمة وكثرة الأجنحة على ما ذكرنا غشي عليه ، فلما رآه قريش مغشيا عليه قالوا : مجنون مجنون فأنزل الله تعالى ( ^ وما صاحبكم بمجنون ) . < < التكوير : ( 23 ) ولقد رآه بالأفق . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولقد رآه بالأفق المبين ) في التفسير أنه عند مطلع الشمس ، والذي رآه جبريل ، وقد بينا هذا في سورة والنجم . < < التكوير : ( 24 ) وما هو على . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما هو على الغيب بضنين ) قرئ بالضاد والظاء .
قال إبراهيم النخعي : بظنين بالظاء ، بمتهم ، وبضنين بالضاد ، ببخيل .
أورده النحاس وهو قول جماعة من المفسرين والغيب : هو الوحي . < < التكوير : ( 25 ) وما هو بقول . . . . . > >
وقوله ( ^ وما هو بقول شيطان رجيم ) قال : هذا لأنهم كانوا يقولون أن محمدا يقول ما يقول عن الشيطان . < < التكوير : ( 26 ) فأين تذهبون > >
وقوله : ( ^ فأين تذهبون ) أي : أين تذهبون عن هذا الحق الذي ظهر بدلائله ؟ .
____________________

( ^ إن هو إلا ذكر للعالمين ( 27 ) لمن شاء منكم أن يستقيم ( 28 ) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ( 29 ) ) . < < التكوير : ( 27 ) إن هو إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن هو إلا ذكر للعالمين ) أي : تذكرة وعظة للعالمين . < < التكوير : ( 28 - 29 ) لمن شاء منكم . . . . . > >
وقوله : ( ^ لمن شاء منكم أن يستقيم ) في التفسير أنه لما نزلت هذه الآية ، قال أبو جهل : الأمر إلينا إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله تعالى قوله ، ( ^ وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) ردا عليه .
وفي الباب أحاديث كثيرة منها ما روي عن مالك عن زيد بن أبي أنيسة أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سئل عن هذه الآية ( ^ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ) إلى أن قال : ( ^ ألست بربكم ) الآية .
فقال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله سئل عنها ؟ فقال : ' إن الله خلق آدم فمسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج ، فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون ، فقال رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل ؟ فقال رسول الله : إن الله تعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل أهل الجنة ، فيدخله به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت ، وهو على عمل أهل النار فيدخله به النار ، وقال الله تعالى ( ^ ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ) .
وقال تعالى ( ^ وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ) قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو محمد هياج بن عبيد الخطيبي بمكة قال : أخبرنا أبو محمد الحسن بن جميع ، أخبرنا جدي ، أخبرنا محمد بن عبدان القزاز ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك الحديث .
والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إذا السماء انفطرت ( 1 ) وإذا الكواكب انتثرت ( 2 ) وإذا البحار فجرت ( 3 ) وإذا القبور بعثرت ( 4 ) علمت نفس ما قدمت وأخرت ( 5 ) يا أيها ) . <
> تفسير سورة ( انفطرت ) <
>
وهي مكية < < الإنفطار : ( 1 ) إذا السماء انفطرت > >
قوله تعالى : ( ^ إذا السماء انفطرت ) معناه : انشقت ، ومنه انفطر ناب البعير . < < الإنفطار : ( 2 ) وإذا الكواكب انتثرت > >
وقوله : ( ^ وإذا الكواكب انتثرت ) أي : تساقطت . < < الإنفطار : ( 3 ) وإذا البحار فجرت > >
وقوله : ( ^ وإذا البحار فجرت ) قال الحسن : يبست .
وعن غيره : ملئت ، والمعروف فجر بعضها في بعض ، العذب في المالح ، والمالح في العذب ، وقيل : فجرت أي : جعلت بحرا واحدا ، وذلك بتفجير بعضها في بعض . < < الإنفطار : ( 4 ) وإذا القبور بعثرت > >
وقوله : ( ^ وإذا القبور بعثرت ) أي : بحثرت وبحثت ، والمعنى : قلبت ترابها ، وأخرج ما فيها من الموتى .
وفي الخبر : أن الأرض تلقى أفلاذ كبدها يوم القيامة ، فتخرج كنوزها وموتاها وكل ما فيها .
ومن المعروف أن النبي قال : ' يوشك أن يحسر الفرات على جبل من ذهب ، فيقتتل الناس عليه ' .
قال القفال : يجوز أن يكون ما ذكره الله تعالى من هذه الأشياء قبل قيام الساعة ، ويجوز أن يكون بعد قيام الساعة . < < الإنفطار : ( 5 ) علمت نفس ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ علمت نفس ما قدمت وأخرت ) أي : ( ^ ما قدمت ) فعملت من عمل ( ^ وأخرت ) أي : ترك من العمل ، وقيل : ما قدمت وأخرت أي : ما عملت من قديم
____________________


الإنسان ما غرك بربك الكريم ( 6 ) ) . وحديث ، وقيل في قوله : ( ^ وأخرت ) أي : من سنة سيئة عمل بها بعده . < < الإنفطار : ( 6 ) يا أيها الإنسان . . . . . > >
قوله تعالى ( ^ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) قيل : نزلت الآية في الوليد بن المغيرة ، وقيل : في أبي جهل ، وقيل : في غيرهما .
وقوله : ( ^ ما غرك بربك الكريم ) أي : أي شيء غرك وجرأك وسول لك حتى ارتكبت ما ارتكبت ؟
وقوله : ( ^ بربك الكريم ) يتجاوز عنك ، وذلك في الدنيا .
وفي بعض التفاسير : أن الآية نزلت في أبي الأسد ، وكان قد ضرب النبي ، فلم يعاقبه الله تعالى في الدنيا ، فهو معنى قوله : ( ^ بربك الكريم ) الذي تجاوز عنك ، ولم يعاقبك في الدنيا .
قال رضي الله عنه : أخبرنا محمد بن عبد العزيز الجنوجردي : أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن فنجويه : أخبرنا أبو علي بن حبش المقرئ : أخبرنا أبو القاسم بن الفضل المقرئ : أخبرنا أبو علي بن الحسين : أخبرنا المقدمي ، أخبرنا كثير بن هشام : أخبرنا جعفر بن برقان قال : حدثني صالح بن مسمار ، قال : ' بلغني أن النبي تلا هذه الآية : ( ^ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) قال : جهله ' .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة فيقول : يا ابن آدم ، ما غرك بي ؟ يا ابن آدم ، ماذا عملت فيما عملت ؟ يا ابن آدم ، ماذا أجبت المرسلين ؟ وعن السدي ( بن المفلس ) قال : غره رفقه به .
وعن إبراهيم بن الأشعث أن الفضيل بن عياض قيل له : لو قال الله تعالى لك : ما غرك بي فماذا تقول له ؟ قال : أقول ستورك المرخاة .
ونظم ذلك بعضهم :
____________________

( ^ الذي خلقك فسواك فعدلك ( 7 ) في أي صورة ما شاء ركبك ( 8 ) ) .
( يا كاتم الذنب أما تستحي ** والله في الخلوة ثأنيكا )
( غرك من ربك إمهاله ** وستره طول مساويكا )
وعن يحيى بن معاذ قال : لو يقول الله تعالى : ما غرك بربك ؟ فأقول : تركك لي سالفا وآنفا .
وعن أبي بكر الوراق قال : أقول غرني كرم الكريم .
وعن منصور بن عمار قال : أقول غرني ما علمت من سابق أفضالك .
وقال بعضهم :
( يا من خلا في الغي والتيه ** وغره طول تماديه )
أمل لك الله فبارزته ** ولم تخف غب معاصيه ) < < الإنفطار : ( 7 - 8 ) الذي خلقك فسواك . . . . . > >
وقوله : ( ^ الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ) قال عطاء : جعلك قائما معتدلا حسن الصورة ، وقيل : سواك أي : سوى بين يديك ورجليك وعينيك وأذنيك ، [ و ] ووضع كل شيء موضعه ، وهو أيضا معنى قوله : ( ^ فعدلك ) ذكره الكلبي وغيره .
وقيل : عدلك أي عدل خلقك ، وهو على ما بينا .
وقرئ بالتخفيف أي : صرفك في أي صورة شاء من حسن وقبيح ، وطويل وقصير .
وفي بعض الغرائب من الأخبار : ' أن الله تعالى إذا أراد خلق عبد أحضر خلقه كل عرق كان بينه وبين آدم ، فيخلقه على ما يريد من الشبه بمن شاء ' .
وقد قيل : فعدل في أي صورة ما شاء ركبك أي : من شبه أب وأم وعم وخال ، وقال أبو علي الفارسي : معنى عدلك
____________________

( ^ كلا بل تكذبون بالدين ( 9 ) وإن عليكم لحافظين ( 10 ) كراما كاتبين ( 11 ) يعلمون ما تفعلون ( 12 ) إن الأبرار لفي نعيم ( 13 ) وإن الفجار لفي جحيم ) . بالتخفيف أي : في عدل بعضك ببعض ، فكنت معتدل الخلق مناسبها فلا تفاوت فيها . < < الإنفطار : ( 9 ) كلا بل تكذبون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا بل تكذبون بالدين ) أي : بيوم القيامة ، وقيل : بالحساب . < < الإنفطار : ( 10 - 11 ) وإن عليكم لحافظين > >
وقوله : ( ^ وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين ) في بعض الأحاديث ' أن النبي قال : أكرموا الكرام الكاتبين فإنهم معكم ، إلا عند الجنابة والتبرز للحاجة ' .
وقد ورد عن ابن عباس في قوله تعالى : ( ^ كرام بررة ) أنهم الملائكة ، يكرموا أن يكونوا مع ابن آدم عند خلوته بأهله ، وعند حاجته .
وقوله : ( ^ كاتبين ) هم الملائكة يقعدون عن يمين الإنسان ويساره ، فيكتبون ما عليه وله ، وقيل : واحد عن يمينه ، وواحد عن يساره ، فالذي عن يمينه يكتب الحسنات ، والذي عن يساره يكتب السيئات ، وقيل : إن الذي عن يمينه أمين على الذي على يساره لا يكتب إلا بإذنه .
وفي الخبر برواية أبي هريرة عن النبي : ' إن العبد إذا هم بحسنة يكتب له الملك حسنة ، فإذا عملها كتب له عشر حسنات ، وإذا هم بسيئة لم تكتب عليه شيئا ، فإذا عملها كتب سيئة ' . < < الإنفطار : ( 12 ) يعلمون ما تفعلون > >
وقوله : ( ^ يعلمون ما تفعلون ) ظاهر المعنى . < < الإنفطار : ( 13 ) إن الأبرار لفي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الأبرار لفي نعيم ) في الخبر أن النبي قال : ' هم الذين بروا آباءهم وأبناءهم ' .
وظاهر المعنى أنهم المطيعون .
____________________

( ( 14 ) يصلونها يوم الدين ( 15 ) وما هم عنها بغائبين ( 16 ) وما أدراك ما يوم الدين ( 17 ) ثم ما أدراك ما يوم الدين ( 18 ) يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ( 19 ) ) . < < الإنفطار : ( 14 ) وإن الفجار لفي . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإن الفجار لفي جحيم ) هي النار ، نعوذ بالله منها .
وفي الحكايات : أن سليمان بن عبد الملك حج ، فلقي أبا حازم سلمة بن دينار فقال : يا أبا حازم ، كيف القدوم على الله ؟ فقال : أما المحسنون فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء فكالعبد الآبق يرد إلى سيده ، فبكى سليمان ، ثم قال : ليت شعري نعلم ما حالنا عند الله ؟ فقال أبو حازم : اعرضها على كتاب الله تعالى ، فقال : وعلى أي ذلك أعرض ؟ فقال على قوله تعالى : ( ^ إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ) قال سليمان : فأين رحمة الله ؟ قال : قريب من المحسنين . < < الإنفطار : ( 15 ) يصلونها يوم الدين > >
قوله تعالى : ( ^ يصلونها يوم الدين ) أي : يدخلونها يوم القيامة . < < الإنفطار : ( 16 ) وما هم عنها . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما هم عنها بغائبين ) أي : مبعدين . < < الإنفطار : ( 17 - 18 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين ) هو على معنى تفخيم الأمر وتعظيمه . < < الإنفطار : ( 19 ) يوم لا تملك . . . . . > >
وقوله : ( ^ يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) أي : لا تغني نفس عن نفس شيئا .
ويوم منصوب على الظرف ، وقرئ ' يوم ' بالرفع ، وهو ظاهر .
وقوله : ( ^ والأمر يومئذ لله ) أي : الأمر يوم القيامة لله ليس لأحد معه أمر ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ ويل للمطففين ( 1 ) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ( 2 ) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ( 3 ) ) . <
> سورة المطففين <
>
وهي مدنية
قال ابن عباس : هي أول سورة نزلت بالمدينة ، قدم رسول الله المدينة ، وهم أخبث الناس كيلا ووزنا ، فأنزل الله تعالى هذه السورة ، فاستقاموا ، فهم أوفى الناس كيلا ووزنا إلى ( اليوم ) . < < المطففين : ( 1 - 2 ) ويل للمطففين > >
قوله تعالى : ( ^ ويل للمطففين ) الويل : هو الدعاء بالشدة والهلاك .
وعن السدي هو واد في جهنم ، يسيل فيه صديد أهل النار .
وقوله : ( ^ للمطففين ) هم الذين لا يوفون الكيل والوزن ويبخسون .
قال الزجاج : سمى مطففا ، لأنه لا يطف بهذا الفعل بالشيء الطفيف أي : اليسير وقد بينا أنها نزلت في أهل المدينة ، وقيل : نزلت في أبي جهينة ، كان رجلا من أهل المدينة له صاعان يكيل بأحدهما على الناس أي : عن الناس ويقال : اكتلت على فلان أي : استوفيت ما عليه .
وقوله : ( ^ يستوفون ) أي : يستوفون حقوقهم على الكمال ، وقيل : يستوفونه راجحا . < < المطففين : ( 3 ) وإذا كالوهم أو . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإذا كالوهم ) كالوا لهم .
وكذلك : ( ^ أو وزنوهم ) أي : وزنوا لهم .
[ قاله ] أبو عبيدة والأخفش والفراء - والأخفش هو سعيد بن [ مسعدة ] ، وهو الأخفش الكبير - وقال الفراء : هو لغة حجازية سمعت بعضهم بمكة يقول : إذا
____________________


( ^ ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ( 4 ) ليوم عظيم ( 5 ) يوم يقوم الناس لرب العالمين ( 6 ) ) . صدر الناس أتينا التاجر ، فكال المد والمدين إلى العام المقبل أي : كال لنا .
و ( ^ يخسرون ) أي : ينقصون . < < المطففين : ( 4 ) ألا يظن أولئك . . . . . > >
وقوله : ( ^ ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ) أي : ألا يستيقنوا أولئك أنهم مبعوثون .
وعن ابن عباس أنه قال : خمس بخمس : ما نقص قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ، وما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ، وما نقصوا من المكيال والميزان إلا منعوا النبات وأجدبوا بالسنين ، وما منع قوم الزكاة إلا حبس عنهم القطر .
وعن مالك بن دينار قال : دخلت على جار لي أعوده ، وقد نزل به الموت ، فجعلت ألقنه كلمة الشهادة ، وهو يقول : جبلان من نار ، جبلان من نار .
فما زال يقول حتى مات ، فسالت عنه ؟ قالوا : كان له مكيال وميزان يطفف بهما .
وقيل في قوله : ( ^ ألا يظن ) يعني : أنهم لا يعملون عمل من يظن أنهم مبعوثون . < < المطففين : ( 5 ) ليوم عظيم > >
وقوله : ( ^ ليوم عظيم ) هو يوم القيامة .
سماه عظيما لعظم ما فيه وشدته . < < المطففين : ( 6 ) يوم يقوم الناس . . . . . > >
وقوله : ( ^ يوم يقوم الناس لرب العالمين ) روى ابن عمر عن النبي أنه قال : ' يقومون مائة سنة على رءوس قبورهم ' ، وعن بعض الصحابة : ثلثمائة سنة ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص : يقومون ألف عام في الظلمة .
وروى حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي أنه قال في قوله تعالى ( ^ يوم يقوم الناس لرب العالمين ) قال : ' يقومون حتى يبلغ الرشح
____________________

( ^ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ( 7 ) ) . أطراف آذانهم ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو الحسين بن النقور ، أخبرنا أبو طاهر المخلص .
أخبرنا ابن بنت منيع - هو أبو القاسم البغوي - أخبرنا أبو نصر التمار ، أخبرنا حماد بن سلمة ، الحديث .
خرجه مسلم في صحيحه عن أبي نصر التمار ، وذكر البخاري هذا الحديث بإسناده ، وذكر أنهم يقومون حتى يبلغ الرشح أنصاف آذانهم ، وروى سليم بن عامر ، عن المقداد بن الأسود أن النبي قال : ' تدنى الشمس من رءوس الخلائق ، حتى تكون على قدر ميل من رءوسهم ' قال سليم : فلا أدري أراد ميل المسافة أم ميل الذي يكتحل به - قال : ' فتصهرهم الشمس ، فيكونون في العرق على قدر أعمالهم ، فمنهم من يأخذه العرق إلى كعبيه ، ومنهم إلى ركبتيه ، ومنهم إلى حقوه ، ومنهم من يلجمه إلجاما ، ووضع رسول الله يده على ( فمه ) ' .
وفي بعض الأخبار : ' أن العرق يذهب في الأرض سبعين ذراعا ' والله أعلم . < < المطففين : ( 7 ) كلا إن كتاب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ) كلا ردع وزجر وتنبيه ، كأنه يقول : ليس الأمر كما تزعمون فارتدعوا .
وقوله : ( ^ إن كتاب الفجار لفي سجين ) فيه قولان : أحدهما : أنه كتاب الأعمال ، والآخر : أنه أرواح الكفار ، والأظهر هو الأول .
____________________

( ^ وما أدراك ما سجين ( 8 ) كتاب مرقوم ( 9 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 10 ) الذين يكذبون بيوم الدين ( 11 ) وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ( 12 ) إذا تتلى عليه ) .
وقوله : ( ^ لفي سجين ) هو فعيل من السجن ، قال عطاء الخراساني : هو الأرض السفلي فيها إبليس وذريته .
وعن مجاهد : صخرة تحت الأرض السابعة تقلب ، ويجعل تحتها كتاب الفجار .
وعن الحبر أنه قال في قوله : ( ^ إن كتاب الفجار لفي سجين ) : هو روح الكافر تقبض ويصعد به إلى السماء ، فتأبى السماء أن تقبله ، ثم يهبط به إلى الأرض ، فتأبى الأرض أن تقبله ، فيهبط به تحت الأرضين ، فيجعل تحت خد إبليس .
وفي بعض الأخبار عن النبي : ' أن الفلق جب في جهنم مغطى ، والسجين جب في جهنم مفتوح ' . < < المطففين : ( 8 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما سجين ) قال الزجاج : لم يعلمه رسول الله حتى أعلمه الله . < < المطففين : ( 9 ) كتاب مرقوم > >
وقوله : ( ^ كتاب مرقوم ) أي كتاب الفجار ، وقال بعضهم : كتاب مرقوم يرجع إلى السجين ، والأصح ما بينا . < < المطففين : ( 10 ) ويل يومئذ للمكذبين > >
قوله : ( ^ ويل يومئذ للمكذبين ) قد بينا . < < المطففين : ( 11 - 13 ) الذين يكذبون بيوم . . . . . > >
وقوله : ( ^ الذين يكذبون بيوم الدين وما يكذب به إلا كل معتد أثيم إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) أي : أباطيل الأولين وأكاذيبهم . < < المطففين : ( 14 ) كلا بل ران . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا بل ران على قلوبهم ) أي : غلب على قلوبهم .
قال الفراء : استكثروا من المعاصي والذنوب فأحاطت بقلوبهم .
وروى القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي أنه قال : ' إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة ، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقلت ، وإن عاد زيد فيها حتى يغلق قلبه ، فهو
____________________

( ^ آياتنا قال أساطير الأولين ( 13 ) كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( 14 ) كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ( 15 ) ثم إنهم لصالوا الجحيم ( 16 ) ثم ) . لرين الذي قال الله تعالى : ( ^ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث الشريف أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي ، أخبرنا أبو طاهر المخلص ، أخبرنا البغوي ، أخبرنا زغبة ، عن الليث ، عن ابن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم الحديث .
ويقال : ران أي : غطى وغشى ، وهو قريب من الأول .
قال الحسن : هو الذنب على الذنب حتى يسود قلبه ، وروى نحو هذا عن مجاهد . < < المطففين : ( 15 ) كلا إنهم عن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا إنهم عن ربهم يؤمئذ لمحجوبون ) في الآية دليل على أن المؤمنين يرون الله تعالى ، وقد نقل هذا الدليل عن مالك والشافعي - رحمة الله عليهما - قال مالك : لما حجب الله الفجار عن رؤيته دل أنه ليتجلى للمؤمنين حتى يروه .
ومثل هذا رواه الربيع بن سليمان ، عن الشافعي ، قال الربيع : قلت للشافعي : أيرى الله بهذا ؟ فقال : لو لم أوقن أن الله يرى في الجنة لم أعبده في الدنيا .
وقد روي هذا الدليل عن ( أحمد بن يحيى بن ثعلب الشيباني ابن عباس ) .
وعن الحسن البصري قال : لو عرف المؤمنون أنهم لا يرون الله في الآخرة ، لانزهقت أرواحهم في الدنيا .
وفي الآية أبين دليل من حيث المعنى على ما قلنا ، لأنه ذكر قوله : ( ^ كلا إنهم عن
____________________

( ^ يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ( 17 ) كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ( 18 ) وما أدراك ما عليون ( 19 ) كتاب مرقوم ( 20 ) يشهده المقربون ( 21 ) إن الأبرار لفي نعيم ( 22 ) على الأرائك ينظرون ( 23 ) تعرف في وجوههم نضرة النعيم ) . ربهم يومئذ لمحجوبون ) في حق الكفار عقوبة لهم ، فلو قلنا : إن المؤمنين يحجبون ، لم يصح عقوبة الكفار به .
وقد ذكر الكلبي في تفسيره عن ابن عباس في هذه الآية : أن المؤمنين يرونه في الجنة ، ويحجب الكفار .
وعن الحسين بن الفضل قال : كما حجبهم في الدنيا عن توحيده ، كذلك في الآخرة عن رؤيته . < < المطففين : ( 16 ) ثم إنهم لصالوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم إنهم لصالوا الجحيم ) أي : لداخلوا الجحيم . < < المطففين : ( 17 ) ثم يقال هذا . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ) يقال لهم ذلك على طريق التوبيخ والتعبير . < < المطففين : ( 18 ) كلا إن كتاب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ) قال الفراء : ارتفاع بعد ارتفاع .
وقال كعب : يقبض روح المؤمن فيصعد به إلى السماء ، فتتلقاه الملائكة إلى أن تبلغ السماء السابعة ، فيوضع تحت العرش .
يقال : إن الكتاب هو كتاب الأعمال ، وقد بينا أنه أظهر القولين ، والمعنى : أنه يوضع في أعلى الأمكنة إظهارا لخسة عمل الفجار . < < المطففين : ( 19 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما عليون ) قال الزجاج : لم يدر حتى أعلمه الله . < < المطففين : ( 20 - 21 ) كتاب مرقوم > >
وقوله : ( ^ كتاب مرقوم يشهده المقربون ) أي كتاب مكتوب ، أو كتاب عليه علامة القبول ، يشهده الملائكة ، وقيل : يشهده مقربو كل سماء . < < المطففين : ( 22 ) إن الأبرار لفي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الأبرار لفي نعيم ) أي : في نعيم الجنة . < < المطففين : ( 23 ) على الأرائك ينظرون > >
وقوله : ( ^ على الأرائك ينظرون ) الأرائك جمع أريكة ، وهي السرر في الحجال كما بينا . < < المطففين : ( 24 ) تعرف في وجوههم . . . . . > >
وقوله : ( ^ تعرف في وجوههم نضرة النعيم ) أي : بهجة النعيم وحسنها .
وهو
____________________


( ( 24 ) يسقون من رحيق مختوم ( 25 ) ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ( 26 ) ومزاجه من تسنيم ( 27 ) عينا يشرب بها المقربون ( 28 ) إن ) . مثل قوله تعالى : ( ^ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) . < < المطففين : ( 25 ) يسقون من رحيق . . . . . > >
وقوله : ( يسقون من رحيق مختوم ) روى مسروق عن ابن مسعود ، وسعيد بن جبير عن ابن عباس أنهما قالا : الرحيق هو الخمر وقيل : هو الشراب الذي لا غش فيه .
وقوله : ( ^ مختوم ) أي : لم تمسسه الأيدي . < < المطففين : ( 26 ) ختامه مسك وفي . . . . . > >
وقوله : ( ^ ختامه مسك ) قال إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير : آخره رائحة المسك ، وطعمه طعم ألذ الأشربة .
وعن جماعة من المفسرين أنهم قالوا : إذا بلغ آخر الشرب وجد رائحة المسك والمعنى : أن الشراب الذي يكون في الدنيا يكون في آخره الكدر ، وما تكرهه النفس ، فذكر الله تعالى أن شراب الآخرة على خلافه .
وقرأ علي - رضي الله عنه - ' خاتمة مسك ' وقرأ عيسى بن عمر ' خاتِمة مسك ' بكسر التاء ، وقيل في معنى قوله تعالى : ' خاتَمَهُ مسك ' بفتح التاء أي : ( طينته ) مسك وفي قوله : ' خاتِمَهُ مسك ' بكسر التاء أي : آخره وعاقبته .
وقوله : ( ^ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) أي : فليتبادر المتبادرون ، والمنافسة إظهار شدة الطلب ، وقيل : هي المسابقة إلى التحصيل . < < المطففين : ( 27 ) ومزاجه من تسنيم > >
وقوله : ( ^ ومزاجه من تسنيم ) قال سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وعلقمة عن ابن مسعود : هو أشرف شراب لأهل الجنة يشربه المقربون صرفا ، ويمزج للأبرار ، ومثله رواه منصور عن مالك بن الحارث .
وقيل في التسنيم : هو عين تتسنم على أهل الجنة من الغرف ، وقيل : هو عين من ماء . < < المطففين : ( 28 ) عينا يشرب بها . . . . . > >
وقوله : ( ^ عينا يشرب بها المقربون ) قد بينا ، ونصب عينا بمعنى : أعني عينا ، أو أريد عينا .
____________________

( ^ الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ( 29 ) وإذا مروا بهم يتغامزون ( 30 ) وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ( 31 ) وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ( 32 ) وما أرسلوا عليهم حافظين ( 33 ) فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ( 34 ) ) .
وقوله : ( ^ بها ) أي : منها . < < المطففين : ( 29 ) إن الذين أجرموا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين أجرموا ) هم الكفار .
وقيل : هذا في قوم مخصوصين من قريش ، منهم أبو جهل والوليد بن المغيرة ، والأسود بن عبد يغوث ، والنضر بن الحارث وغيرهم .
وقوله : ( ^ كانوا من الذين آمنوا يضحكون ) قيل : إنه في قوم مخصوصين من المؤمنين منهم خباب وبلال وأبو ذر وعمار وغيرهم من فقراء الصحابة . < < المطففين : ( 30 ) وإذا مروا بهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإذا مروا بهم يتغامزون ) أي : يشيرون بالأعين والحواجب . < < المطففين : ( 31 ) وإذا انقلبوا إلى . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين ) أي معجبين بأفعالهم .
وقيل : طيبين الأنفس مستبشرين .
والعرب تقول : رجل فكه وفاكه إذا كان ضحوكا طيب النفس . < < المطففين : ( 32 ) وإذا رأوهم قالوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ) أي : أخطأوا الحق وطريق الرشد واتبعوا الباطل . < < المطففين : ( 33 ) وما أرسلوا عليهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أرسلوا عليهم حافظين ) أي ما أرسلوا عليهم ليحفظوا أعمالهم .
أي ما أرسل الكفار على المؤمنين ، والمعنى : أنهم ما وكلوا بالمؤمنين ليحفظوا عليهم ما يفعلون .
وقيل : إن هذه الآية نزلت في المنافقين .
وقيل : إنها نزلت في أبي جهل وأصحابه .
وقوله : ( ^ من الذين آمنوا ) على رضى الله عنه وأصحابه .
وهو قول بعيد . < < المطففين : ( 34 - 35 ) فاليوم الذين آمنوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ فاليوم الذين آمنوا ) هم المؤمنون من أصحاب الرسول .
____________________

( ^ على الأرائك ينظرون ( 35 ) هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ( 36 ) ) .
وقوله : ( ^ من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون ) في بعض التفاسير إن للجنة كوى إلى أهل النار متى شاء أهل الجنة فتحوا الكوى ونظروا إلى النار وضحكوا منهم .
وقد بينا معنى الأرائك من قبل . < < المطففين : ( 36 ) هل ثوب الكفار . . . . . > >
وقوله : ( ^ هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ) أي هل جوزي الكفار ما كانوا - أي بما كانوا - يفعلون .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إذا السماء انشقت ( 1 ) وأذنت لربها وحقت ( 2 ) وإذا الأرض مدت ( 3 ) ) . <
> تفسير سورة الكدح <
>
وهي مكية ، والله أعلم < < الإنشقاق : ( 1 ) إذا السماء انشقت > >
قوله تعالى : ( ^ إذا السماء انشقت ) هو في معنى قوله : ( ^ إذا السماء انفطرت ) ويقال : انشقت بالغمام ، مثل قوله تعالى : ( ^ ويوم تشقق السماء بالغمام ) وقد ذكرنا ، وقيل : انشقت لنزول الملائكة .
وفي تفسير النقاش : انشقت لنزول الرب عز اسمه ، وهو بلا كيف ، وقيل : ( مزقت ) .
وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال : تنشق السماء من المجرة ، ويقال : هي باب السماء . < < الإنشقاق : ( 2 ) وأذنت لربها وحقت > >
وقوله : ( ^ وأذنت لربها وحقت ) أي : واستمعت لأمر ربها ، وحق لها أن تستمع .
قال الشاعر :
( القلب تعلل بددن ** إن همي في سماع وأذن )
وقال بعضهم : صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ، وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا ، أي : استمعوا .
وفي الخبر عن النبي : ' ما أذن الله بشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن ' .
وأما استماع السماء فيجوز أن يكون على الحقيقة ، ويجوز أن يكون استماعها انقيادها لما تؤمر به ، والله أعلم . < < الإنشقاق : ( 3 ) وإذا الأرض مدت > >
وقوله : ( ^ وإذا الأرض مدت ) أي : مدت مد الأديم لا يبقى عليها جبل ولا شيء إلا
____________________

( ^ وألقت ما فيها وتخلت ( 4 ) وأذنت لربها وحقت ( 5 ) يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ( 6 ) ) . دخل في جوفها ، وقيل : زيد في سعتها لتسعهم .
وعن بعضهم : غيرت عن هيئتها بالتبديل ، وغير ذلك ، فهو معنى قوله : ( ^ مدت ) . < < الإنشقاق : ( 4 ) وألقت ما فيها . . . . . > >
وقوله : ( ^ وألقت ما فيها وتخلت ) أي : وألقت ما في جوفها ، من الكنوز والموتى فخلى جوفها ، ويقال : ألقت بما استودعت ، وتخلت عما استحفظت ، وكأنها ألقت ما على ظهرها ، وتخلت عما في جوفها . < < الإنشقاق : ( 5 ) وأذنت لربها وحقت > >
وقوله : ( ^ وأذنت لربها وحقت ) قد بينا .
فإن قيل : أين جواب قوله : ( ^ إذا السماء انشقت ) وهو يقتضي جوابا ؟ والجواب من وجوه : قال الفراء : جوابه محذوف ، والمعنى : إذا السماء انشقت وكان كذا ، رأى كل إنسان ما وجد من الثواب والعقاب ، ويقال : علم كل منكر للبعث أنه كان في ضلالة وخطأ .
والوجه الثاني : أن الجواب قوله : ( ^ وأذنت ) والواو زائدة ، فالجواب : أذنت .
والوجه الثالث : أن الجواب قوله : ( ^ فملاقيه ) أي : يلقى عمله من خير وشر .
والوجه الرابع : أن في الآية تقديما وتأخيرا ، والمعنى : يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إذا السماء انشقت . < < الإنشقاق : ( 6 ) يا أيها الإنسان . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) قال قتادة : عامل لربك عملا .
والكدح هو السعي بتعب ونصب .
قال الشاعر :
( ومضت بشاشة كل عيش صالح ** وبقيت أكدح للحياة وأنصب )
ويجوز أن يكون ذكر الواحد هاهنا بمعنى الجمع ، فيكون بمعنى يا أيها الناس .
وكان الحسن البصري يقول : يا أيها الرجل ، وكلكم ذلك الرجل .
____________________


( ^ فأما من أوتي كتابه بيمينه ( 7 ) فسوف يحاسب حسابا يسيرا ( 8 ) ) .
وقوله تعالى : ( ^ فملاقيه ) قال قتادة : أي : فملاق عملك من خير وشر .
ويقال : ملاق ربك . < < الإنشقاق : ( 7 - 8 ) فأما من أوتي . . . . . > >
وقوله : ( ^ فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) .
أي هينا ، وقيل في اليسير : هو أن يقبل الحسنات ، ويتجاوز عن السيئات .
وقد ثبت برواية أبي مليكة عن عائشة أن النبي قال : ' من نوقش في الحساب هلك ، قلت : يا رسول الله ، فإن الله عز وجل يقول : ( ^ فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) قال : ذلك العرض ' قال رضي الله عنه أخبرنا بهذا الحديث أبو الحسين ابن النقور ، أخبرنا أبو طاهر ( بن ) المخلص ، أخبرنا أبو محمد يحيى بن صاعد ، أخبرنا الحسن بن الحسين المروزي ، عن عبد الله بن المبارك ، عن عثمان بن الأسود ، عن ابن أبي مليكة الخبر .
وأورد أبو عيسى برواية ( ابن عمر ) أن النبي قال : ' من حوسب عذب ' ، وهو بإسناد غريب .
وفي رواية ثالثة عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي رآها ، وقد رفعت يديها وهي تقول : اللهم حاسبني حسابا يسيرا .
فقال : ' يا عائشة ، أتدرين
____________________

( ^ وينقلب إلى أهله مسرورا ( 9 ) وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ( 10 ) ) . ما ذلك الحساب ؟ قالت عائشة : فقلت ذكر الله في كتابه : ( ^ فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسير ) فقال رسول الله : من حوسب خصم ، وذلك الممر بين يدي الله تعالى ' .
وذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ في المستدرك على الصحيحين بإسناده عن أبي هريرة أن النبي قال : ' ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا ، وأدخله الجنة برحمته .
قال أبو هريرة : قلت يا رسول الله ، لمن ذلك ؟ قال : ' أن تصل من قطعك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ' . < < الإنشقاق : ( 9 - 10 ) وينقلب إلى أهله . . . . . > >
وقوله : ( ^ وينقلب إلى أهله مسرورا ) أي : فرحا مستبشرا ، ويجوز أن ينقلب إلى أهله من الحور العين ، ويجوز أن يكون المعنى ينقلب إلى أهله الذين كانوا له في الدنيا ، وقيل : نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد ، وكان زوج أم سلمة ، وهو أول من هاجر إلى المدينة .
وقوله : ( ^ وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ) نزلت في الأسود بن عبد الأسد .
قوله تعالى : ( ^ وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ) قال مجاهد : يخلع يده اليمنى ، ويجعل يده اليسرى وراء ظهره ، فيوضع كتابه فيها .
وقال الكلبي : تغل يده اليمنى ، ويوضع كتابه في شماله من وراء ظهره .
وروى أبو
____________________


( ^ فسوف يدعو ثبورا ( 11 ) ويصلى سعيرا ( 12 ) إنه كان في أهله مسرورا ( 13 ) إنه ظن أن لن يحور ( 14 ) ) . موسى الأشعري - وهو عبد الله بن قيس - أن النبي قال : ' يكون في القيامة ثلاث عرضات : فعرضتان جدال ومعاذير ، والعرضة الثالثة عند تطاير الصحف ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ' .
وذكر النقاش في تفسيره بإسناده أن النبي قال : ' من حاسب نفسه في الدنيا هون الله عليه الحساب في الآخرة ' . < < الإنشقاق : ( 11 ) فسوف يدعو ثبورا > >
( ^ فسوف يدعو ثبورا ) معناه : يقول واثبوراه ، ومعنى قوله : واثبوراه : واهلاكاه .
يقال : رجل مثبور أي : هالك . < < الإنشقاق : ( 12 ) ويصلى سعيرا > >
وقوله : ( ^ ويصلى سعيرا ) أي : يقاسي النار ، ويقال : يدخل ، ومنه قوله تعالى ( ^ اصلوها ) أي : ادخلوها ، وقرئ : ' ويصلى سعيرا ' أي : يكثر عذابه بنار جهنم ، ذكره الأزهري . < < الإنشقاق : ( 13 ) إنه كان في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنه كان في أهله مسرورا ) أي : لم يحزن للتقصير في أوامر الله تعالى ، ولم يتعب ، ولم ينصب في العمل بطاعة الله ، ذكره القفال .
ويقال : كان في أهله مسرورا ، أي : راكبا هواه ، متبعا شهوته . < < الإنشقاق : ( 14 ) إنه ظن أن . . . . . > >
وقوله : ( ^ إنه ظن أن لن يحور ) أي : أن لن يرجع إلى الله تعالى ، وهو إخبار عن إنكاره بالبعث .
وقوله : ( ^ يحور ) يرجع ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : ' أعوذ بالله من الحور بعد الكور ' أي : النقصان بعد الزيادة .
وفي رواية : ' من الحور بعد الكور ' أي : من انتشار أمره بعد أن كان مجتمعا ، أو من فساد أمره بعد أن كان صالحا .
____________________

( ^ بلى إن ربه كان به بصيرا ( 15 ) فلا أقسم بالشفق ( 16 ) والليل وما وسق ( 17 ) والقمر إذا اتسق ( 18 ) ) .
وقال الشاعر :
( وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ** يحور رمادا بعد إذ هو ساطع ) < < الإنشقاق : ( 15 ) بلى إن ربه . . . . . > >
وقوله : ( ^ بلى إن ربه كان به بصيرا ) أي : عالما . < < الإنشقاق : ( 16 ) فلا أقسم بالشفق > >
وقوله تعالى : ( ^ فلا أقسم بالشفق ) أي : أقسم بالشفق ، قال مجاهد : هو النهار كله .
والمعروف أن الشفق هو الحمرة من عند غروب الشمس إلى العشاء الآخرة .
قال الفراء : سمعت العرب تقول على فلان ثوب كأنه الشفق ، وكان عليه ثوب مصبوغ بالحمرة .
وفي بعض الأخبار عن النبي أنه قال : ' الشفق هو الحمرة ' .
وهو قول جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين منهم : ابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، وغيرهما .
وعن أبي هريرة : أن الشفق هو البياض ، وهو قول عمر بن عبد العزيز . < < الإنشقاق : ( 17 ) والليل وما وسق > >
قوله : ( ^ والليل وما وسق ) أي : وما جمع ولف ، وضم الأشياء بعد انتشارها ، وإنما قال ذلك ؛ لأنه إذا كان الليل آوى كل شيء إلى مأواه ، ورجع كل إنسان إلى منزله ، وإذا كان النهار انتشروا في التصرف . < < الإنشقاق : ( 18 ) والقمر إذا اتسق > >
وقوله : ( ^ والقمر إذا اتسق ) أي : إذا اجتمع ضوءه ، ويقال : امتلأ نورا ، وهو ليلة الثالث عشر من الشهر والرابع عشر والخامس [ عشر ] .
____________________


( ^ لتركبن طبقا عن طبق ( 19 ) فما لهم لا يؤمنون ( 20 ) وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ( 21 ) ) .
قال الشاعر :
( إن لنا قلائصا حقائقا ** مستوسقات ( لو ) يجدن سائقا ) < < الإنشقاق : ( 19 ) لتركبن طبقا عن . . . . . > >
وقوله : ( ^ لتركبن طبقا عن طبق ) وقرئ : ' لتركبن ' على الوحدان ، فمن قرأ على الجمع فمعناه : لتركبن أيها الناس حالا بعد حال ، والحال هو بمعنى الطبق .
قال الشاعر :
( فبينا المرء في عيش لذيذ ناعم ** خفض أتاه طبق يوما على منقلب دحض )
ومعنى حال بعد حال : هو أنه يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم ينفخ فيه الروح ، وبعد ذلك تتبدل أحواله ، ويختلف على المعهود المعلوم من طفولية ، وشباب ، وهرم ، وغير ذلك .
ويقال : لتركبن طبقا عن طبق أي : شدة على شدة ، والمعنى : أنه حياة ثم موت ثم بعث ثم جزاء .
فأما القراءة على الوحدان ففيه قولان .
أحدهما : أن المراد منه السماء ، والمعنى : أنه ينشق ويكون مرة كالدهان ، ومرة كالمهل ، ومرة مشقوقة ، ومرة صحيحة ، وهو مروي عن ابن مسعود وغيره .
والقول الثاني : أنه خطاب للنبي ، والمعنى لتركبن أطباق السماء طبقا على طبق ، وذلك ليلة الإسراء ، ويقال : لتركبن طبقا عن طبق يعني : أصلاب الآباء ، وذلك للرسول .
قال العباس في مدح النبي :
( من قبلها طبت في الصلاب ** وفي مستودع حين يخصف الورق )
( تنقل من صالب إلى رحم ** إذا مضى عالم بدا طبق )
____________________


( ^ بل اللذين كفروا يكذبون ( 22 ) والله أعلم بما يوعون ( 23 ) فبشرهم بعذاب أليم ( 24 ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ( 25 ) ) . < < الإنشقاق : ( 20 - 21 ) فما لهم لا . . . . . > >
وقوله ( ^ فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ) في التفسير : أن النبي سجد وأصحابه ، والكفار على رؤوسهم يصفقون ويصفرون فأنزل الله تعالى ( ^ فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ) وقد ثبت برواية أبي هريرة ' أن النبي سجد سجد في هذا الموضع ' . < < الإنشقاق : ( 22 - 23 ) بل الذين كفروا . . . . . > >
وقوله : ( ^ بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون ) أي : يكتمون ويجمعون في صدورهم . < < الإنشقاق : ( 24 ) فبشرهم بعذاب أليم > >
قوله : ( ^ فبشرهم بعذاب أليم ) أي أجعل لهم النار موضع البشارة للمؤمنين بالجنة . < < الإنشقاق : ( 25 ) إلا الذين آمنوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ) أي غير منقوص ولا مقطوع .
ويقال : لا يمتن عليهم أحد غير الله تعالى فيكدره عليهم المنة والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والسماء ذات البروج ( 1 ) واليوم الموعود ( 2 ) وشاهد ومشهود ( 3 ) ) . <
> تفسير سورة البروج <
>
وهي مكية < < البروج : ( 1 ) والسماء ذات البروج > >
قوله تعالى : ( ^ والسماء ذات البروج ) أي : النجوم العظام .
قال عكرمة : ذات القصور .
ويقال : ذات الخلق الحسن ، ويقال : ذات المنازل ، وهي منازل القمر ، وهي ثمانية وعشرون منزلا ذكرناها من قبل . < < البروج : ( 2 ) واليوم الموعود > >
وقوله : ( ^ واليوم الموعود ) وهو يوم القيامة بالاتفاق . < < البروج : ( 3 ) وشاهد ومشهود > >
وقوله : ( ^ وشاهد ومشهود ) فيه أقوال : روى أبو إسحاق ، عن الحارث ، عن علي - رضي الله عنه - أن الشاهد هو يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الأثر أبو محمد عبد الله بن محمد الصريفيني ، أخبرنا أبو القاسم بن حبابة أخبرنا أبو القاسم البغوي ، عن علي بن الجعد ، عن شريك ، عن [ أبي ] إسحاق .
الأثر .
والقول الثاني : الشاهد يوم النحر ، والمشهود يوم عرفة ، قاله إبراهيم النخعي .
والقول الثالث : أن الشاهد هو الملائكة ، والمشهود هو الإنسان ، قاله السدي ، والقول الرابع : أن الشاهد هو محمد ، والمشهود يوم القيامة ، وهو مروي عن الحسن بن علي ، وابن عمر ، وابن الزبير - رضي الله عنهم - والقول الخامس : الشاهد هو الله ،
____________________


( ^ قتل أصحاب الأخدود ( 4 ) ) . والمشهود هو يوم القيامة ، والقول السادس : أن الشاهد هو عيسى ابن مريم ، والمشهود يوم القيامة ، والقول السابع : أن الشاهد هو الجوارح ، والمشهود هو نفس الإنسان ، والقول الثامن : أن الشاهد يوم الاثنين ، والمشهود يوم الجمعة ، وشهادة الأيام شهادتها على الأعمال ومعنى المشهود في الأيام هو أنه يشهدها الناس ، وهو في يوم القيامة على معنى أنه تشهده الملائكة وجميع الخلائق . < < البروج : ( 4 ) قتل أصحاب الأخدود > >
قوله تعالى : ( ^ قتل أصحاب الأخدود ) والأخدود جمع خد ، وهو شق في الأرض ، واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية ؟ .
قال علي : في قوم من الحبشة ، وعن مجاهد : في قوم من نجران ، وعن ابن عباس : في قوم من اليمن ، وعن بعضهم قوم بالروم ، وقيل غير ذلك .
وفي التفسير : أنه كان بنجران قوم على شريعة عيسى بن مريم - صلوات الله عليه - يدينون بالتوحيد ، فجاءهم ذو نواس وأحضرهم - وهو ملك من ملوك اليمن - وخيرهم بين اليهودية والإحراق بالنار ، فاختاروا الإحراق بالنار ، فخد لهم أخدودا ، وأضرم فيها النار ، وأمرهم بالتهود أو يلقوا أنفسهم فيها ، فألقوا أنفسهم فيها حتى احترقوا .
وفي بعض التفاسير : أنه كان في آخرهم امرأة ومعها صبي رضيع ، فلما بلغت النار توقفت فتكلم الصبي وقال : يا أماه ، سيري ولا تنافقي ، فإنما هي غميضة .
وقد ذكر مسلم في الصحيح في هذا قصة طويلة ، وكذلك أبو عيسى على غير هذا الوجه الذي ذكرنا ، وذكرا فيه حديث الملك والراهب والساحر ، وهو ما روى عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب قال : ' كان رسول الله إذا صلى العصر همس ، والهمس في بعض قولهم تحرك شفتيه كأنه يتكلم ، فقيل له : إنك يا رسول الله إذا صليت العصر همست قال : إن نبيا من الأنبياء كان أعجب بأمته ، من يقوم لهؤلاء ؟ فأوحى الله إليه أن خيرهم بين أن أنتقم منهم وبين أن أسلط
____________________

عليهم عدوهم ، فاختاروا النقمة ، فسلط عليهم الموت فمات منهم في يوم سبعون ألفا قال : وكان إذا حدث بهذا الحديث حدث بهذا الحديث الآخر ، قال : كان ملك من الملوك ، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له ، فقال ( الكاهن ) : انظروا لي غلاما ( فهما ) - أو قال فطنا لقفا - فأعلمه علمي هذا ، فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ، ولا يكون فيكم من يعلمه .
قال : فنظروا له على ما وصف ، وأمروه أن يحضر ذلك الكاهن وأن يختلف إليه .
قال : فجعل يختلف إليه ، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة - قال معمر : أحسب أن أصحاب الصوامع كانوا يومئذ مسلمين - قال : فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مر به ، فلم يزل به حتى أخبره ، فقال : إنما أعبد الله . قال : فجعل الغلام يمكث عند الراهب ، ويبطئ عن الكاهن ، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام إنه لا يكاد يحضرني ، فأخبر الغلام الراهب بذلك ، فقال له الراهب : إذا قال لك الكاهن : أين كنت ؟ فقل : عند أهلي ، فإذا قال لك أهلك : أين كنت ؟ ( فأخبرهم أنك ) كنت عند الكاهن .
قال فبينما الغلام على ذلك إذ مر بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة - وقال بعضهم : إن الدابة كانت أسدا - قال : فأخذ الغلام صخرا وقال : اللهم إن كان ما يقول الراهب حقا فأسألك أن أقتله ، ثم رمى فقتل الدابة .
فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا : الغلام ، ففزع الناس وقالوا : قد علم هذا الغلام علما لم يعلمه أحد .
قال : فسمع به أعمى ، وقال له : إن أنت رددت بصري فلك كذا كذا .
فقال له : لا أريد منك هذا ، ولكن إن أنت شرطت إن رجع إليك بصرك أن تؤمن بالذي رده عليك فعلت ؟ قال : فدعا الله فرد عليه بصره ، فآمن الأعمى ، فبلغ الملك أمرهم ، فبعث إليهم ، فأتي بهم فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل [ بها ] صاحبه ، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله ، وقتل الآخر بقتلة أخرى ، ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه ، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردون ، حتى لم يبق منهم إلا
____________________

الغلام .
قال : ثم رجع ، فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه ، فانطلقوا إلى البحر ، فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه ، فقال الغلام : إنك لا تقتلني حتى تصلبني وترميني ، وتقول إذا رميتني : باسم الله رب هذا الغلام .
قال : فأمر به فصلب ثم رماه ، وقال : باسم الله رب هذا الغلام .
قال : فوضع الغلام يده على صدغه حين رمى به ثم مات ، فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد ، فإنا نؤمن برب الغلام .
قال : فقيل للملك : [ أجزعت ] إن خالفك ثلاثة ، فهذا العالم كلهم قد خالفوك .
قال : فخد أخدودا ، ثم ألقى فيها الحطب والنار ، ثم جمع الناس .
فقال : من رجع عن دينه تركناه ، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار ، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود .
قال : يقول الله تعالى : ( ^ قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود ) حتى بلغ ( ^ ذو العرش المجيد ) قال : فأما الغلام فإنه دفن .
قال : فذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب ، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل ' .
قال أبو عيسى : حديث حسن غريب ( صحيح ) .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو عبد الرحمن ابن عبد الله بن أحمد ، أخبرنا أبو العباس بن سراج ، أخبرنا أبو العباس [ المحبوبي ] ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر . . . الخبر .
وذكر مسلم هذا الخبر في كتابه ، وخالف في مواضع أخر منه .
وفي بعض الروايات : أن اسم ذلك الغلام كان عبد الله بن التامر .
قال محمد بن إسحاق : حفر في زمن عمر - رضي الله عنه - حفيرة ، فوجدوا عبد الله بن التامر ، ويده على صدغه فكان كلما أخروا يده عن ذلك الموضع ( انثعب ) دما ، وإذا تركوا
____________________


( ^ النار ذات الوقود ( 5 ) إذ هم عليها قعود ( 6 ) وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ( 7 ) وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ( 8 ) ) . اليد ارتدت إلى مكانها ، وكان في أصبعه خاتم حديد مكتوب عليه : ربي الله ، فأمر عمر أن يرد إلى ذلك الموضع كما وجد .
وعن الحسن البصري أن النبي كان إذا ذكر هذه القصة قال : ' اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ' .
وقد ذكر بعض أهل المعاني أن قوله : ( ^ قتل أصحاب الأخدود ) هو جواب القسم . < < البروج : ( 5 ) النار ذات الوقود > >
قوله : ( ^ النار ذات الوقود ) على قول البدل من الأخدود كأنه قال : ' قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود ، والوقود ' ما يوقد به النار ، وقيل : ذات الوقود أي : ذات التوقد ، وهو الأصح . < < البروج : ( 6 ) إذ هم عليها . . . . . > >
قوله : ( ^ إذ هم عليها قعود ) أي : جلوس ، وفي القصة : أن الملك وأصحابه كانوا قد قعدوا على كراسي عند الأخاديد . < < البروج : ( 7 ) وهم على ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ) فعل ما فعل بالمؤمنين بحضورهم . < < البروج : ( 8 ) وما نقموا منهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما نقموا منهم ) قال ابن عباس : وما كرهوا .
وعن غيره : وما عابوا .
وذكر الزجاج : ما أنكروا .
قال عبد الله بن قيس ( بن ) الرقيات :
( ما نقموا من بني أمية إلا ** أنهم يحملون إن غضبوا )
( وأنهم سادة الملوك ** فلا يصلح إلا عليهم العرب )
وقوله : ( ^ إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) والمعنى أنهم ما أنكروا عليهم إلا إيمانهم بالله .
____________________

( ^ الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد ( 9 ) إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ( 10 ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير ( 11 ) إن بطش ربك لشديد ( 12 ) إنه هو يبدئ ويعيد ( 13 ) وهو الغفور ) .
وقوله : ( ^ العزيز الحميد ) أي : الغالب بقدرته ، الحميد في أفعاله . < < البروج : ( 9 ) الذي له ملك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد ) ظاهر المعنى .
قال الزجاج : والمراد من الآية أن الله تعالى ذكر قوما بلغت بصيرتهم في الدين أن خيروا بين الكفر وبين الإحراق بالنار ، فصبروا حتى أحرقوا بالنار .
وقد ورد في بعض الأخبار عن النبي قال : ' لا تشرك بالله وإن قتلت وأحرقت ' . < < البروج : ( 10 ) إن الذين فتنوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ) أي : أحرقوا ، يقال : فتنت الذهب بالنار إذا أدخلته فيها ، ويقال : حرة فتين إذا كانت سوداء كالمحترقة ( ^ ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ) بكفرهم ونوعا من العذاب بإحراقهم المؤمنين .
وعن الربيع بن أنس : أن النار التي أحرقوا المؤمنين فيها ارتفعت من الأخدود ، فأحرقت الملك وأصحابه ، فهو معنى قوله : ( ^ ولهم عذاب الحريق ) . < < البروج : ( 11 ) إن الذين آمنوا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير ) أي : العظيم ، وهذا على ما جرى أمر القرآن ، فإنه إذا ذكر الوعد للكفار يذكر الوعد للمؤمنين بجنبه ، وهو ظاهر في أكثر القرآن . < < البروج : ( 12 ) إن بطش ربك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن بطش ربك لشديد ) البطش هو الأخذ بعنف وشده . < < البروج : ( 13 ) إنه هو يبدئ . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنه هو يبدئ ويعيد ) أي : يبدئ الخلق في الدنيا ، ثم يعيدهم في الآخرة . < < البروج : ( 14 ) وهو الغفور الودود > >
قوله تعالى : ( ^ وهو الغفور الودود ) الغفور هو الستور بذنوب عباده ، الودود هو
____________________

( ^ الودود ( 14 ) ذو العرش المجيد ( 15 ) فعال لما يريد ( 16 ) هل أتاك حديث الجنود ( 17 ) فرعون وثمود ( 18 ) ) . المحب للمؤمنين ، وقيل : المتودد إلى المؤمنين بجميل أفعاله وكثير إحسانه .
وذكر الأزهري : أنه يجوز أن يكون الودود ، بمعنى المودود كالحلوب والركوب بمعنى المحلوب والمركوب ، فعلى هذا في قوله : ( ^ الودود ) معنيان : أحدهما : أنه المحب لعباده المؤمنين .
والآخر : الذي يحبه المؤمنون . < < البروج : ( 15 ) ذو العرش المجيد > >
وقوله : ( ^ ذو العرش المجيد ) قرأ أكثر القراء بالرفع ، وقرأ حمزة والكسائي بالخفض .
والعرش هو السرير في اللغة ، وأما في القرآن هو العرش المعروف فوق السموات .
وفي التفسير : أنه لا يقدر قدره .
وعن بعضهم : ذو العرش ذو الملك ، يقال : كل عرش فلان أي : ملك فلان ، ويقال : تبوأ فلان على سرير ملكه أي : استقر ملكه ، وإن لم يكن ثم سرير في ذلك الوقت ، حكاه القفال ، والقول الصحيح الأول .
وأما قراءة الرفع فهو صفة الله تعالى ، وذلك بمعنى العلو والعظمة ، وأما قراءة الخفض ففيه أقوال : أحدهما : أنه صفة العرش ، ومعنى المجيد فيه العالي الرفيع ، والقول الثاني : أنه صفة الله تعالى إلا أنه خفض بالجوار ، والقول الثالث : أنه راجع إلى قوله : ( ^ إن بطش ربك ) كأنه قال : إن بطش ربك المجيد لشديد ، أورده النحاس .
وعن بعضهم : أن جواب القسم قوله : ( ^ إن بطش ربك لشديد ) وهو قول الأكثرين . < < البروج : ( 16 ) فعال لما يريد > >
وقوله تعالى : ( ^ فعال لما يريد ) أي : ما يشاء ويختار .
وفي بعض الآثار أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه مرض فدخل القوم يعودونه فقالوا له : ألا ندعو لك طبيبا ؟ فقال : قد دعوته .
فقالوا : فماذا قال ؟ قال أبو بكر : فقال أنا فاعل لما أريد . < < البروج : ( 17 ) هل أتاك حديث . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هل أتاك حديث الجنود ) أي قد آتيك حديث الجنود . < < البروج : ( 18 ) فرعون وثمود > >
وقوله : ( ^ فرعون وثمود ) أي جنود فرعون وثمود .
وذكر النقاش أن فرعون لما أتبع بني إسرائيل كانوا خمسة آلاف وخمسمائة ألف .
____________________

( ^ بل الذين كفروا في تكذيب ( 19 ) والله من ورائهم محيط ( 20 ) بل هو قرآن مجيد ( 21 ) في لوح محفوظ ( 22 ) ) . < < البروج : ( 19 ) بل الذين كفروا . . . . . > >
وقوله : ( ^ بل الذين كفروا في تكذيب ) أي في تكذيب الرسل . < < البروج : ( 20 ) والله من ورائهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ والله من وراءهم محيط ) أي محيط بأفعالهم وأقوالهم . < < البروج : ( 21 ) بل هو قرآن . . . . . > >
وقوله : ( ^ بل هو قرآن مجيد ) في بعض التفاسير أن الرسول لما قرأ عليهم ما ذكرنا من الآيات قالوا له : لعلك غلطت أو سهوت ؟ ولعل الذي ينزل عليك ليس من قبل الله ؟ فأنزل الله تعالى ( ^ بل هو قرآن مجيد ) هو المتجمع بخصال الخير .
وقرأ محمد اليمامي : ' بل هو قرآن مجيد ' على الإضافة معنى قرآن رب مجيد . < < البروج : ( 22 ) في لوح محفوظ > >
وقوله : ( ^ في لوح محفوظ ) قرئ بالرفع والخفض مع التنوين فيهما ، ففي الرفع ينصرف إلى القرآن ، وفي الخفض ينصرف إلى اللوح .
وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن اللوح المحفوظ من درة بيضاء دفتاه ياقوت أحمر كتابته نور وقلمه نور ينظر الله فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة يميت ويحيي ، ويعز ويذل ، ويفقر ويغني ، ويفعل ما يشاء .
وفي بعض الأخبار : أنه مكتوب في صدره لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لا إله إلا الله محمد رسول الله .
وذكر الحفظ هاهنا ليبين أن ما يوحى إليه من القرآن هو محفوظ من السهو والغلط ، وأن ما يقوله النبي يقوله عن الله سبحانه وتعالى .
وعن فرقد السبخي : أن قوله : ( ^ في لوح محفوظ ) هو قلب المؤمن ، وهو قول ضعيف ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والسماء والطارق ( 1 ) وما أدراك ما الطارق ( 2 ) النجم الثاقب ( 3 ) ) . <
> تفسير سورة الطارق <
>
وهي مكية < < الطارق : ( 1 ) والسماء والطارق > >
قوله تعالى : ( ^ والسماء والطارق ) الطارق هاهنا هو النجم ، وأما في لغة العرب فالطارق هو كل ما يطرق ليلا ، وقد قيل : هو الذي يطرق ليلا كان أو نهارا .
وأما قول القائل :
( نحن بنات طارق ** )
أي : بنات النجوم شرفا وعلوا .
وقال جرير :
( طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ** وقت المقامة فارجعي بسلام ) < < الطارق : ( 2 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما الطارق ) إنما قال ذلك ؛ لأن الطارق يتناول النجم وغيره ، فذكر هاهنا قوله : ( ^ وما أدراك ما الطارق ) لأن الرسول لم يدر أي طارق أراد . < < الطارق : ( 3 ) النجم الثاقب > >
وقوله : ( ^ النجم الثاقب ) قال ابن عباس : المضيء .
وعن مجاهد : هو المتوهج .
وعن بعضهم : هو المستدير .
وعن بعضهم : الثاقب النجم الذي يثقب الشياطين بالنار .
وذكر الفراء : أنه زحل ، وهو أكبر النجوم .
وقد حكى هذا القول عن علي .
وعن بعضهم : أنه نجم خلقه الله في السماء السابعة ، لم يخلق فيها غيره ، يطرق
____________________

( ^ إن كل نفس لما عليها حافظ ( 4 ) فلينظر الإنسان مم خلق ( 5 ) خلق من ماء دافق ( 6 ) يخرج من بين الصلب والترائب ( 7 ) إنه على رجعه لقادر ( 8 ) ) . السموات ثم يرجع إلى مكانه .
وعلى القول الذي قلنا [ أن زحل هو الثاقب ] ، يعني أنه يثقب السموات بضيائه .
وعن ابن زيد : أنه الثريا .
والعرب إذا أطلقت النجم عنت به الثريا . < < الطارق : ( 4 ) إن كل نفس . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن كل نفس لما عليها حافظ ) هو جواب القسم .
وقد قرئ بالتشديد والتخفيف ، فمعنى التشديد : إلا عليها حافظ ، ومعنى التخفيف : لعلها حافظ ، و ' ما ' زائدة ، والحافظ : هو الملك ، وعن بعضهم : قرينه الذي يحفظ عليه عمله ، وقيل : الحافظ هو الله تعالى يحفظ عليهم أعمالهم . < < الطارق : ( 5 ) فلينظر الإنسان مم . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ فلينظر الإنسان مم خلق ) أي : من أي شيء خلق . < < الطارق : ( 6 ) خلق من ماء . . . . . > >
وقوله : ( ^ خلق من ماء دافق ) أي : مدفوق مثل قوله تعالى : ( ^ في عيشة راضية ) أي : مرضية ، وقيل : ( ^ ماء دافق ) أي : منصب جار . < < الطارق : ( 7 ) يخرج من بين . . . . . > >
وقوله : ( ^ يخرج من بين الصلب والترائب ) أي : من صلب الرجل ، وترائب المرأة .
وفي الخبر : أنه يخرج من كل خرزة من صلبه ، والترائب ثمانية أضلاع : أربعة يمنة ، وأربعة يسرة ، وقيل : هو الصدر ، وقيل : بين الثديين ، وقيل : ما دون الترقوة . < < الطارق : ( 8 ) إنه على رجعه . . . . . > >
وقوله : ( ^ إنه على رجعه لقادر ) فيه أقوال : أحدها : على رد النطفة في الإحليل لقادر ، قاله مجاهد وإبراهيم وعكرمة ، والقول الثاني : هو قادر أن يرده إلى حالة الطفولية ، وقيل : يرد من ( الشيخوخة ) إلى الكهولة ، ومن الكهولة إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الصغر ، ومن الصغر إلى الطفولية ، ومن الطفولية إلى رحم المرأة ، ومن الرحم إلى الصلب ، فهو معنى قوله : ( ^ إنه على رجعه لقادر ) .
والقول الثالث - وهو أولى الأقاويل - أن المراد منه ، أنه على إحيائه بعد الإماتة لقادر ، ذكره الفراء والزجاج وغيرها .
____________________

( ^ يوم تبلى السرائر ( 9 ) فما له من قوة ولا ناصر ( 10 ) والسماء ذات الرجع ( 11 ) والأرض ذات الصدع ( 12 ) إنه لقول فصل ( 13 ) وما هو بالهزل ( 14 ) إنهم يكيدون كيدا ( 15 ) وأكيد كيدا ( 16 ) ) . < < الطارق : ( 9 ) يوم تبلى السرائر > >
قوله تعالى : ( ^ يوم تبلى السرائر ) أي : تختبر وتمتحن ، وقيل : تظهر ، وهو الأولى .
وفي التفسير : أنه يظهر سر كل إنسان ، ويبدو أثره على وجهه ، فتبيض بعض الوجوه ، وتسود بعض الوجوه . < < الطارق : ( 10 ) فما له من . . . . . > >
وقوله : ( ^ فما له من قوة ولا ناصر ) أي : قوة يتقوى بها ، وناصر ينصره ، فيدفع به العذاب عن نفسه . < < الطارق : ( 11 ) والسماء ذات الرجع > >
وقوله تعالى : ( ^ والسماء ذات الرجع ) أي : المطر ، وهو القول المعروف ، وسمى المطر رجعا ؛ لأنه يرجع مرة بعد أخرى .
والقول الثاني : أنه الشمس والقمر والنجوم ، وسميت رجعا ؛ لأنها تطلع وتغيب ، وترجع من المغرب إلى المشرق . < < الطارق : ( 12 ) والأرض ذات الصدع > >
وقوله : ( ^ والأرض ذات الصدع ) أي : النبات ، وهو قول الجميع ، وسمى صدعا ؛ لأن الأرض تنصدع به . < < الطارق : ( 13 ) إنه لقول فصل > >
وقوله : ( ^ إنه لقول فصل ) أي : ذو فصل ، وهو الفصل بين الحق والباطل . < < الطارق : ( 14 ) وما هو بالهزل > >
وقوله : ( ^ وما هو بالهزل ) أي : باللعب ، والعبث ، والمعنى : أنه قول جد . < < الطارق : ( 15 ) إنهم يكيدون كيدا > >
قوله تعالى : ( ^ إنهم يكيدون كيدا ) أي : يمكرون مكرا ، والكيد في اللغة هو صنع يصل به إلى الشيء على الخفية والاستتار . < < الطارق : ( 16 ) وأكيد كيدا > >
( ^ وأكيد كيدا ) الكيد من الله هو الاستدراج من حيث لا يعلمون الكفار ، والاستدراج هو الأخذ قليلا قليلا ، وقيل : هي الأخذ من حيث يخفى عليهم ، وقيل : ( ^ وأكيد كيدا ) أي : أعاقبهم عقوبة كيدهم . < < الطارق : ( 17 ) فمهل الكافرين أمهلهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ فمهل الكافرين ) أي : أمهل الكافرين ، وهذا قبل آية السيف .
____________________

( ^ فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ( 17 ) ) .
وقوله : ( ^ أمهلهم رويدا ) أي : أمهلهم قليلا ، والعرب تقول : رويدك يا فلان أي : كن على أودة ورفق ، وأما هاهنا فهو بمعنى القليل على ما بينا .
وقد أخذهم يوم بدر بالسيف ، وسيأخذهم بعذاب الآخرة عن قريب .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ سبح اسم ربك الأعلى ( 1 ) ) . <
> تفسير سورة الأعلى <
>
وهي مكية
وفي رواية الضحاك أنها مدنية ، والأصح هو الأول ، والله أعلم . < < الأعلى : ( 1 ) سبح اسم ربك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) أي : عظم ربك الأعلى ، وقيل : نزه ، وتنزيه الله - عز اسمه - ألا يوصف بوصف لا يليق به .
وروى أبو صالح ، عن ابن عباس أن معناه : صل بأمر ربك ، وقيل : صل لربك المتعالي .
وفي الآية دليل أن الاسم والمسمى واحد ؛ لأن المعنى سبح اسم ربك الأعلى وفي قراءة أبي : ' سبحان ربك الأعلى ' .
وقال الشاعر :
( إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ** ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر )
أي : ثم السلام عليكما .
وروى إسرائيل ، عن ثوير بن أبي فاختة ، عن أبيه ، عن علي - رضي الله عنه - ' أن الني كان يحب سورة سبح اسم ربك الأعلى ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حمويه ، أخبرنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، أخبرنا عبد ابن حميد ، أخبرنا وكيع ، عن إسرائيل الخبر .
____________________

( ^ الذي خلق فسوى ( 2 ) والذي قدر فهدى ( 3 ) ) .
وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - ' أن رسول الله كان يقرأ في الركعة الأولى من الوتر ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) ، وفي الثانية : ( ^ قل يا أيها الكافرون ) في الثالثة : سورة الإخلاص والمعوذتين ' .
وعن علي وابن عباس وابن عمر أنهم كانوا إذا قرءوا سبح اسم ربك الأعلى قالوا : سبحان ربي الأعلى امتثالا للأمر .
[ والأولى ] أن يقول كذلك .
[ و ] من المعروف عن عقبة بن عامر أنه قال : لما نزل قوله تعالى : ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) قال النبي : ' اجعلوه في سجودكم ، ولما نزل قوله : ' سبح اسم ربك العظيم ' قال : اجعلوه في ركوعكم ' .
وقوله : ( ^ الذي خلق فسوى ) أي : خلقك وجعلك رجلا سويا . < < الأعلى : ( 2 ) الذي خلق فسوى > >
وهو في معنى قوله : ( ^ الذي خلقك فسواك ) على ما بينا . < < الأعلى : ( 3 ) والذي قدر فهدى > >
وقوله : ( ^ الذي قدر فهدى ) قال السدي : قدر خلق الذكر والأنثى ، وهدى أي :
____________________

( ^ والذي أخرج المرعى ( 4 ) فجعله غثاء أحوى ( 5 ) سنقرئك فلا تنسى ( 6 ) ) . هدى الذكر إلى الأنثى .
وقيل : قدر خلق كل شيء ، وهداه إلى ما يصلحه ، وهذا في الحيوانات .
وقيل : هداه إلى رزقه ، كالطفل يهتدي إلى الثدي ، ويفتح فاه حين يولد طلبا للثدي ، والفرخ يطلب الرزق من أمه وأبيه وكذلك كل شيء .
وقال مجاهد : هدى الإنسان لسبيل الخير ، والشر والسعادة والشقاوة .
ويقال : في الآية حذف ، والمعنى : وهدى وأضل . < < الأعلى : ( 4 ) والذي أخرج المرعى > >
وقوله : ( ^ والذي أخرج المرعى ) أي : مرعى للأنعام .
قال الشاعر :
( وقد ينبت المرعى على دِمنِ الثرى ** وتبقى حزازات النفوس كما هيا ) < < الأعلى : ( 5 ) فجعله غثاء أحوى > >
وقوله : ( ^ فجعله غثاء أحوى ) في الآية تقديم وتأخير ، والمعنى : أخرج المرعى أحوى .
( ^ فجعله غثاء ) أي : يابسا .
والغثاء هو ما حمله السيل من النبات اليابس والحشيش ، والطفاط ما ألقاه القدر من الزبد ، والأحوى الأسود ، والحوة ( السواد ) .
وإنما سماه أحوى ؛ لأن كل أخضر يضرب إلى السواد إذا اشتدت خضرته .
قال ذو الرمة :
( لمياء في شفتيها حوة لعس ** وفي اللثات وفي أنيابها شنب )
ويقال : أخرج المرعى أخضر ، ثم جعله أحوى ، ثم جعله غثاء . < < الأعلى : ( 6 ) سنقرئك فلا تنسى > >
قوله : ( ^ سنقرئك فلا تنسى ) ذكر [ ابن ] أبي نجيح بروايته عن ابن عباس أن النبي : ' كان إذا قرأ عليه جبريل سورة من القرآن فيحرك شفتيه بقراءتها مخافة أن
____________________

( ^ إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ( 7 ) ونيسرك لليسرى ( 8 ) فذكر إن نفعت الذكرى ( 9 ) ) . يتفلت منه ، فأنزل الله تعالى قوله : ( ^ سنقرئك فلا تنسى ) .
والمعنى : أنك كفيت النسيان ، ( فلم ينس ) بعد ذلك . < < الأعلى : ( 7 ) إلا ما شاء . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلا ما شاء الله ) يعني : إلا ما شاء الله أن ينساه ، والمراد منه نسخ التلاوة ، وقيل : النسيان هاهنا بمعنى الترك ، أي : لا يترك إلا ما شاء الله أن يترك بالنسخ .
وعن بعضهم : أن قوله : ( ^ إلا ما شاء الله ) ذكر مشيئته على التعليم حتى يقرن لفظ المشيئة بجميع أقواله مثل قوله : ( ^ لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله [ آمنين ] ) قد قال : ( ^ إلا ما شاء الله ) يعني : أن تنسى ، ولم يشأ .
مثل قوله تعالى : ( ^ خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك ) ولم يشأ ، ذكره ابن فارس .
وقوله : ( ^ إنه يعلم الجهر وما يخفى ) أي : السر والعلن ، ويقال : ما في القلب ، وما على اللسان . < < الأعلى : ( 8 ) ونيسرك لليسرى > >
وقوله : ( ^ ونيسرك لليسرى ) اليسرى فعلى من اليسر ، ومعناه : للأيسر من الأمور . < < الأعلى : ( 9 ) فذكر إن نفعت . . . . . > >
وقوله : ( ^ فذكر إن نفعت الذكرى ) فإن قال قائل : كيف قال : إن نفعت الذكرى ، وهو مأمور بالتذكير على العموم نفعت أو لم تنفع ؟
والجواب من وجهين : أحدهما : أن معنى قوله : ( ^ إن نفعت الذكرى ) إذ نفعت الذكرى ، مثل قوله تعالى : ( ^ وخافون إن كنتم مؤمنين ) ومعناه : إذ كنتم مؤمنين .
____________________

( ^ سيذكر من يخشى ( 10 ) ويتجنبها الأشقى ( 11 ) الذي يصلى النار الكبرى ( 12 ) ثم لا يموت فيها ولا يحيى ( 13 ) قد أفلح من تزكى ( 14 ) وذكر اسم ربه فصلى ) .
والوجه الثاني : ذكر بكل حال ، فقد نفعت الذكرى ، فهو تعليق بمتحقق والمعنى : إن نفعت ، وقد نفعت . < < الأعلى : ( 10 ) سيذكر من يخشى > >
قوله تعالى : ( ^ سيذكر من يخشى ) يقال : نزل هذا في عبد الله بن أم مكتوم .
وقيل : هو على العموم والمعنى : من يخشى الله . < < الأعلى : ( 11 - 12 ) ويتجنبها الأشقى > >
وقوله : ( ^ ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ) يقال : هو الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة .
وقوله : ( ^ يصلى النار الكبرى ) أي : يدخل النار الكبرى .
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : هو الطبق الأسفل من جهنم . < < الأعلى : ( 13 ) ثم لا يموت . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم لا يموت فيها ولا يحيى ) أي : لا يموت فيستريح ، ولا يحيا حياة فيها راحة ، ويقال : لا يموت ، ولا يجد ( روح الحياة ) . < < الأعلى : ( 14 ) قد أفلح من . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قد أفلح من تزكى ) أي : تطهر بالعمل الصالح ، ويقال : فلان تزكى بقول لا إله إلا الله .
وقال سعيد بن جبير : آمن ووحد ربه .
وعن عطاء : أي أعطى زكاة ماله .
[ و ] قال ابن مسعود من لم يزك لم تقبل الصلاة منه .
وعن ابن عمر : أنها صدقة الفطر .
وهو قول عمر بن عبد العزيز .
وكان ابن عمر يقول لنافع حين يصبح يوم العيد : أخرجت زكاة الفطر ؟ فإن قال : نعم ، توجه إلى الصلاة ، وإن قال : لا ، يأمره بالإخراج ، ثم يتوجه ، وهذا على القول الذي قلنا أن السورة مدنية ، فأما إذا قلنا : مكية ، وهو الأصح ، فلا يرد هذا القول ؛ لأن صدقة الفطر لم تكن واجبة بمكة ، وإنما وجبت بالمدينة ، وكذلك صلاة العيد ، إنما صليت بالمدينة . < < الأعلى : ( 15 ) وذكر اسم ربه . . . . . > >
وقوله : ( ^ وذكر اسم ربه فصلى ) أي : ذكر ربه فصلى ، ويقال : الذكر هو التكبير ،
____________________

( ( 15 ) بل تؤثرون الحياة الدنيا ( 16 ) والآخرة خير وأبقى ( 17 ) إن هذا لفي الصحف الأولى ( 18 ) صحف إبراهيم وموسى ( 19 ) ) . والصلاة هي الصلاة المعروفة ، وقيل : صلاة العيد . < < الأعلى : ( 16 ) بل تؤثرون الحياة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ بل تؤثرون الحياة الدنيا ) أي : تختارون .
قال ابن مسعود : عجلت لهم الدنيا ، وغيبت عنهم الآخرة ، فاختاروا الدنيا على الآخرة ، ولم عاينوا الآخرة ما اختاروا عليها شيئا .
وروى أبو موسى الأشعري عن النبي أنه قال : ' من أحب دنياه أضر بآخرته ، ومن أحب آخرته أضر بدنياه ، فآثروا ما يبقى على ما يفنى ' . < < الأعلى : ( 17 ) والآخرة خير وأبقى > >
وقوله : ( ^ والآخرة خير وأبقى ) أي : أدوم [ وأبقى ] . < < الأعلى : ( 18 ) إن هذا لفي . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن هذا لفي الصحف الأولى ) أي : ما ذكره الله في هذه السورة ، وقيل : من قوله - تعالى - : ( ^ قد أفلح من تزكى ) إلى قوله : ( ^ وأبقى ) قال قتادة : في جميع كتب الأولين أن الآخرة خير وأبقى . < < الأعلى : ( 19 ) صحف إبراهيم وموسى > >
وقوله : ( ^ صحف إبراهيم وموسى ) أي : الكتب التي أنزلها الله تعالى على إبراهيم وموسى ، وقد أنزل على إبراهيم صحفا ، وأنزل على موسى التوراة ، فهي المراد بالآية ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ هل أتاك حديث الغاشية ( 1 ) وجوه يومئذ خاشعة ( 2 ) عاملة ناصبة ( 3 ) تصلى نارا حامية ( 4 ) ) . <
> تفسير سورة الغاشية <
>
وهي مكية بالإجماع < < الغاشية : ( 1 ) هل أتاك حديث . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ هل أتاك حديث الغاشية ) أي : القيامة ، وسميت غاشية ؛ لأنها تغشى كل شيء بالأهوال ، ويقال : تغشى كل كافر وفاجر بالعذاب ، والغاشية هي المجللة ، ومعنى هل أتاك : قد أتاك . < < الغاشية : ( 2 ) وجوه يومئذ خاشعة > >
وقوله : ( ^ وجوه يومئذ خاشعة ) أي : ذليلة لما ترى من سوء العاقبة ، والمعنى : ركبها الذل . < < الغاشية : ( 3 ) عاملة ناصبة > >
وقوله : ( ^ عاملة ناصبة ) أي : عملت في الدنيا لغير الله ، فنصبت وتعبت في الآخرة بعذاب الله .
وعن السدي وجماعة : أنهم الرهبان وأصحاب الصوامع من النصارى واليهود .
وقد روى عن عمر أنه لما قدم الشام فمر بصومعة راهب فناداه فاطلع عليه ، وقد تنحل من الجوع والضر والعبادة ، وعليه برنس ، فبكى عمر - رضي الله عنه - فقالوا : يا أمير المؤمنين ، وما يبكيك ؟ ! فقال : مسكين طلب أمرا ، ولم يصل إليه ، وسلك طريقا وأخطأه ، ثم قرأ قوله : ( ^ عاملة ناصبة ) الآية . < < الغاشية : ( 4 ) تصلى نارا حامية > >
وقوله : ( ^ تصلى نارا حامية ) أي : تقاسي حرها . < < الغاشية : ( 5 ) تسقى من عين . . . . . > >
وقوله : ( ^ تسقى من عين آنية ) أي : انتهت في الحر .
قال الحسن البصري : أوقدت عليها جهنم منذ خلقت ، فدفعوا إليها وردا ، أي : عطاشا .
____________________

( ^ تسقى من عين آنية ( 5 ) ليس لهم طعام إلا من ضريع ( 6 ) لا يسمن ولا يغني من جوع ( 7 ) وجوه يومئذ ناعمة ( 8 ) لسعيها راضية ( 9 ) في جنة عالية ) ) .
قال النابغة :
( ويخضب نحبة ( غدرت ) وهانت ** بأحمر من جميع الجوف آن )
وفي بعض التفاسير : أنهم إذا دنوا ذلك من وجوههم سلخت وجوههم ، فإذا شربوا منها قطعت أمعاءهم . < < الغاشية : ( 6 ) ليس لهم طعام . . . . . > >
وقوله : ( ^ ليس لهم طعام إلا من ضريع ) هو شجر يسمى بالحجاز : الشبرق ، له شوك كثير ، فإذا يبس يسمى الضريع . <
> قال ابن قتيبة : الضريع شيء إذا وقعت عليها الإبل فأكلته هلكت هزلا .
ويقال : الضريع هو الحجارة ، وهو مروي عن سعيد بن جبير وغيره ، وهو قول غريب .
ويقال : نبت فيه سم .
وفي التفسير : أن أهل النار سلط الله عليهم الجوع حتى يعدل بما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون فيغاثون بالضريع ، ثم يستغيثون فيغاثون بطعام [ ذي ] غصة ، ثم يذكرون أنهم كانوا في الدنيا يدفعون الغصة بالماء ، فيستغيثون فيتركون ألف سنة يستسقون ثم يسقون الحميم < < الغاشية : ( 7 ) لا يسمن ولا . . . . . > >
وقوله : ( ^ لا يسمن ولا يغني من جوع ) روى أن المشركين قالوا : إن إبلنا تسمن على الضريع ، وقد كذبوا في ذلك ، فأنزل الله تعالى : ( ^ لا يسمن ولا يغني من جوع ) . < < الغاشية : ( 8 ) وجوه يومئذ ناعمة > >
قوله تعالى : ( ^ وجوه يومئذ ناعمة ) أي : ذات نعمة . < < الغاشية : ( 9 ) لسعيها راضية > >
وقوله : ( ^ لسعيها راضية ) أي : مرضية . < < الغاشية : ( 10 - 11 ) في جنة عالية > >
وقوله : ( ^ في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية ) أي : لغوا فاعلة بمعنى المصدر ، وهو
____________________

( ( 10 ) لا تسمع فيها لاغية ( 11 ) فيها عين جارية ( 12 ) فيها سرر مرفوعة ( 13 ) وأكواب موضوعة ( 14 ) ونمارق مصفوفة ( 15 ) وزرابي مبثوثة ( 16 ) أفلا ) .
في معنى قوله : ( ^ لا تسمع فيها لغوا ولا تأثيما ) . < < الغاشية : ( 12 ) فيها عين جارية > >
وقوله : ( ^ فيها عين جارية ) قد قد بينا من قبل . < < الغاشية : ( 13 ) فيها سرر مرفوعة > >
وقوله : ( ^ فيها سرر مرفوعة ) أي : مرتفعة عن أرض الجنة .
ويقال في التفسير : السرر مرتفعة ، عليها فرش محشوة ، كل فرش كجنبذ .
وفيه أيضا أنها تتطامن للمؤمن ، فإذا صعد عليها ارتفعت . < < الغاشية : ( 14 ) وأكواب موضوعة > >
وقوله : ( ^ وأكواب موضوعة ) قد بينا معنى الأكواب ، وهي الأباريق التي لا خراطيم لها . < < الغاشية : ( 15 ) ونمارق مصفوفة > >
وقوله : ( ^ ونمارق مصفوفة ) أي : وسائد صف بعضها إلى بعض ، قال الشاعر :
( وإنا لنجري الكأس بين شروبنا ** وبين أبي قابوس فوق النمارق ) < < الغاشية : ( 16 ) وزرابي مبثوثة > >
وقوله : ( ^ وزرابي مبثوثة ) أي : بسط ، واحدها زربية .
وقوله : ( ^ مبثوثة ) متفرقة ، ومعنى المتفرقة : أنها قد فرقت في المجالس ، وفرشت المجالس بها . < < الغاشية : ( 17 ) أفلا ينظرون إلى . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ أفلا ينظرون ) فإن قيل : كيف يليق هذا بالأول ؟ .
والجواب : أن النبي لما ذكر لهم ما أوعده الله للكفار ووعده للمؤمنين استبعدوا ذلك غاية الاستبعاد .
وقالوا : لا نفهم حياة بعد الموت ، ولا ندري وعدا ولا وعيدا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وذكر لهم من الدلائل ما هي مجرى أبصارهم .
قال أبو سليمان الخطابي - رضي الله عنهم - ذكر الله تعالى هذه الأربع وهي الإبل ، والسماء ، والأرض ، والجبال ، وخصها بالذكر من بين سائر الأشياء ؛ لأن الأعرابي إذا ركب بعيره ، وخرج إلى البرية ،
____________________

( ^ ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ( 17 ) وإلى السماء كيف رفعت ( 18 ) وإلى الجبال كيف نصبت ( 19 ) وإلى الأرض كيف سطحت ( 20 ) فذكر إنما أنت مذكر ( 21 ) لست عليهم بمسيطر ( 22 ) إلا من تولى وكفر ( 23 ) فيعذبه الله ) فلا يرى إلا بعيره الذي هو راكبه ، والسماء التي فوقه ، والأرض التي تحته ، والجبال التي هي نصب عينه .
وقوله : ( ^ إلى الإبل كيف خلقت ) في الإبل من أعجوبة الخلق ما ليس في غيرها ؛ لأنها مع كبرها وعظمها تنقاد لكل واحد يقوده ، وأيضا فإنها تبرك ويحمل عليه الحمل الثقيل ، وتقوم من بروكها ، ولا يوجد هذا في غيره ، والطفل الصغير يقوده فينقاد ، وينخه فيستنخ .
وفي بعض الحكايات أن فارة جرت بزمام بعير ، ودخلت جحرها ، فنزل البعير ، وجرت الفأرة الزمام ، فوضع فاها على الجحر . < < الغاشية : ( 18 - 20 ) وإلى السماء كيف . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت ) أي : بسطت .
وعن أبي عمرو بن العلاء : أن قوله : ( ^ إلى الإبل كيف خلقت ) أنها السحاب ، وهو قول شاذ ، ويجوز أن يحمل هذا على هذا إذا شدد ومد .
وقرئ في الشاذ بالتشديد .
وقال المبرد : قد قيل الإبل : القطع العظام من السحاب ، يقال : فلان يوبل على فلان أي : يكبر عليه ويعظم . < < الغاشية : ( 21 ) فذكر إنما أنت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فذكر إنما أنت مذكر ) في التفسير : أنه عظة للمؤمن ، وحجة على الكافر ، ويقال : ذكر أي : اذكر دلائل توحيد الله تعالى ، وما أنعم عليه من النعمة . < < الغاشية : ( 22 ) لست عليهم بمصيطر > >
وقوله : ( ^ لست عليهم بمسيطر ) أي : بمسلط ، وقيل : إن هذا قبل آية السيف ، فأما بعد نزولها فقد سلط عليهم . < < الغاشية : ( 23 - 24 ) إلا من تولى . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلا من تولى وكفر ) استثناء منقطع كأنه قال : لكن من تولى وكفر ( ^ فيعذبه الله العذاب الأكبر ) . < < الغاشية : ( 25 ) إن إلينا إيابهم > >
وقوله : ( ^ إن إلينا إيابهم ) أي : رجوعهم ، يقال : آب يئوب إذا رجع ، قال الشاعر :
( وكل ذي غيبة يئوب ** وغائب الموت لا يؤوب )
____________________

( ^ العذاب الأكبر ( 24 ) إن إلينا إيابهم ( 25 ) ثم إن علينا حسابهم ( 26 ) ) . < < الغاشية : ( 26 ) ثم إن علينا . . . . . > >
وقوله : ( ثم إن علينا حسابهم ) أي : في القيامة .
فإن قيل : قال : ( ^ ليس لهم طعام إلا من ضريع ) ، وقال في موضع آخر ( ^ فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين ) فكيف وجه الجمع بينهما ؟ .
والجواب من وجوه : أحدها : أن الضريع والغسلين واحد .
والوجه الثاني : أن هذا لقوم ، وذاك لقوم آخرين .
والوجه الثالث : أن الغسلين طعام لا ينفع ، ولا يغنيهم من شيء ، فوضع الضريع موضع ذلك ؛ أن الكل بمعنى واحد ، ذكره النحاس ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والفجر ( 1 ) وليال عشر ( 2 ) والشفع والوتر ( 3 ) ) <
> تفسير سورة الفجر <
>
وهي مكية < < الفجر : ( 1 ) والفجر > >
قوله تعالى : ( ^ والفجر ) روى أبو صالح عن ابن عباس : أنه فجر المحرم ، وذلك أول يوم منه ، وفي رواية أخرى عنه : أنه فجر يوم النحر ، ويقال : هو الفجر في كل الأيام . < < الفجر : ( 2 ) وليال عشر > >
وقوله : ( ^ وليال عشر ) أكثر الأقاويل : أنها عشر ذي الحجة ، وعن ا بن عباس في رواية : أنها العشر الأخير من رمضان ، وعن مسروق : أنها العشر التي قال الله تعالى في قصة موسى : ( ^ وأتممناها بعشر ) وعن بعضهم : أنها العشر الأول من المحرم . < < الفجر : ( 3 ) والشفع والوتر > >
وقوله : ( ^ والشفع والوتر ) روى عمران بن حصين عن النبي : ' ( أنه ) الصلاة ، منها شفع ، ومنها وتر ' رواه أبو عيسى في جامعه .
والقول الثاني : أن الشفع هو يوم نحر ، والوتر يوم عرفة ، وروى بعضهم هذا مرفوعا
____________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق