الجمعة، 2 سبتمبر 2022

باحثة أردنية تحصل على براءة اختراع لعلاج السرطان بالنانو




باحثة أردنية تحصل على براءة اختراع لعلاج السرطان بالنانو
 

 

تاريخ النشر 7 نوفمبر 2019 | دقيقة قراءة
باحثة أردنية تحصل على براءة اختراع لعلاج السرطان بالنانو

حازت دكتورة تحمل الجنسية الأردنية على براءة اختراع من مكتب براءات الاختراع الأمريكي، وذلك لتطويرها تقنية لعلاج السرطان باستخدام تقنيات النانو تكنولوجي، حيث طورت د.سلام المساعدة تقنية تعمل على استهداف خلايا السرطان دوناً عن الخلايا السليمة.                                                                                                 
ومن الجدير بالذكر أن هذا الاختراع سياعد على توجيه الأدوية المضادة للسرطان لاستهداف خلايا الأورام، دون التأثير على الخلايا الطبيعية، مما سيقلل من الآثار الجانبية للعلاج الكيماوي المتعارف عليه.

وقد حازت المساعدة على براءة الاختراع بعد جهد استمر عقداً من الزمن، تضمن بحوثاً وتجارب علمية أجرتها د.المساعدة في مركز أبحاث عالمي في وزارة الحرس الوطني بالسعودية، حيث تعمل كرئيسة فريق بحث.

وتتضمن جهود د.المساعدة حالياً تطوير علاجات لأمراض أخرى مثل الزهايمر والتصلب اللويحي المتعدد وداء باركنسون، وقد عبرت عن ثقتها بأن اختراعها سيسهم في خدمة البشرية والتقليل من تكاليف علاج السرطان التي تشكل حملاً ثقيلاً على الكثير من الدول.

وقد نشرت د.المساعدة العديد من المؤلفات والمنشورات في مجال النانو تكنولوجي في دوريات ومجلات علمية معتبرة، كما صدر لها كتاب بالانجليزية يناقش النانو-تكنولوجي وكيفية توظيف هذه التقنية في إيصال المادة الدوائية، إضافة إلى مشاركتها في العديد من المؤتمرات والمحافل العلمية.

تحمل د.المساعدة درجة البكالوريوس في الصيدلة من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، ودرجة الماجستير من جامعة Reims Chapagne Ardenne في فرنسا في مجال نظم إيصال الدواء، بالإضافة لدرجة الدكتوراة من جامعة ايست انجليا البريطانية، وذلك في النانو تكنولوجي وإيصال الدواء.

ج9.تفسير القرآن أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني سنة الولادة 426هـ/ سنة الوفاة 489هـ

 

9. تفسير القرآن
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني
سنة الولادة 426هـ/ سنة الوفاة 489هـ

( ^ والليل إذا يسر ( 4 ) هل في ذلك قسم لذي حجر ( 5 ) ) إلى النبي .
وهو مروي عن ابن عباس أيضا .
وهو قول معروف .
وعن ابن الزبير : أن الشفع هو قوله تعالى : ( ^ فمن تعجل في يومين ) فاليومان الأولان من أيام الرمي شفع ، واليوم الثالث وتر .
وروى هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم أن الشفع هو الزوج ، والوتر هو الفرد .
قال مجاهد : هو العدد كله ، منه الشفع ، ومنه الوتر ، وهو قريب من قول إبراهيم .
وعن عطاء قال : الشفع هو عشر ذي الحجة ، والوتر أيام التشريق .
وعن جماعة أنهم قالوا : الشفع هو الخلق ، والوتر هو الله تعالى .
ويقال : الشفع هو آدم وحواء ، والوتر هو الله .
وقرئ ' والوتر ' بالفتح ، وقال أهل اللغة : بالفتح والكسر بمعنى واحد . < < الفجر : ( 4 ) والليل إذا يسر > >
وقوله : ( ^ والليل إذا يسر ) قال أبو العالية : إذا أقبل ، وقال إبراهيم : إذا استوى ، وعن بعضهم : ' إذا يسر ' يعني : إذا يُسرى فيه ، فيذهب بعضه في إثر بعض ، وقيل يُسرى فيه .
وقد أول بليلة جمع ، وهي ليلة يوم النحر . < < الفجر : ( 5 ) هل في ذلك . . . . . > >
وقوله : ( ^ هل في ذلك قسم لذي حجر ) أي : لذي عقل .
وقال الفراء : ' لذي حجر ' أي : لمن كان ضابطا لنفسه قاهرا لهواه .
ويقال : ' لذي حجر ' أي لذي حكم ، والحَجْر في اللغة : هو المنع ، والحِجْر مأخوذ منه ، وسمى
____________________

( ^ ألم تر كيف فعل ربك بعاد ( 6 ) إرم ذات العماد ( 7 ) ) العقل حِجرا ؛ لأنه يمنع الإنسان من القبائح ، وهذا لتأكيد القسم ، وليس بمقسم عليه . < < الفجر : ( 6 - 7 ) ألم تر كيف . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ) هو أبو عاد ؛ لأنهم قالوا : هو عاد ابن إرم بن عوص بن سام بن نوح ، ومنهم من قال : هو اسم بلدة ، ولهذا لم يصرف ، فإن قلنا : هو اسم رجل ، فلم نصرفه ؛ لأنها اسم أعجمي .
وعن مالك بن أنس : أن إرم كورة دمشق .
وعن محمد بن كعب القرظي : أنه الإسكندرية .
وقوله : ( ^ ذات العماد ) أي : ذات البناء الرفيع ، هذا إذا قلنا : إن إرم اسم بلدة .
والقول الثاني : أن قوله ( ^ ذات العماد ) أي : ذات الأجسام الطوال .
يقال : رجل معمد إذا كان طويلا ، فعلى هذا عاد اسم القبيلة ، فقوله : ( ^ ذات العماد ) منصرف إلى القبيلة .
وفي القصة : أن طول الطويل منهم كان خمسمائة ذراع ، والقصير ثلثمائة .
وعن أبي هريرة قال : كان الواحد منهم يتخذ المصراع من الحجر ، فلا ينقله خمسمائة نفر منكم ، وقال مجاهد : ذات عماد أي : ذات عمود ، والمعنى : أنهم أهل خيام لا يقيمون في موضع واحد ، بل ينتجعون لطلب الكلأ أي : ينتقلون من موضع إلى موضع ، وقال الضحاك : ذات العماد أي : ذات القوة ، مأخوذ من قوة الأعمدة .
وفي القصة : أن عاج بن عوج كان منهم .
وذكر النقاش : أن طول موسى كان سبعة أذرع ، وعصاه سبعة أذرع ، ووثب سبعة أذرع ، فأصاب كعب عاج بن عوج فقتله .
وفيما نقل فيه أيضا في القصص : أن ضلعا من أضلاعه جسر أهل مصر كذا كذا سنة أي : كان جسرا لهم وهو على النيل ، وفي التفسير أن عادا اثنان : عادا الأولى ، وعادا الأخرى ، فعاد الأولى عاد إرم ، وعاد الثانية هو عاد المعروفة ، وهو الذي أرسل إليهم هود النبي عليه السلام .
قال ابن قيس الرقيات :
____________________

( ^ التي لم يخلق مثلها في البلاد ( 8 ) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ( 9 ) وفرعون ذي الأوتاد ( 10 ) الذين طغوا في البلاد ( 11 ) فأكثروا فيها الفساد ( 12 ) فصب عليهم ربك سوط عذاب ( 13 ) إن ربك لبالمرصاد ( 14 ) )
( مجدا تليدا بناه أوله ** أدرك عادا وقبله إرما ) < < الفجر : ( 8 ) التي لم يخلق . . . . . > >
وقوله : ( ^ التي لم يخلق مثلها في البلاد ) أي : لم يخلق مثل ( أجسامهم ) في البلاد .
وفي رواية أبي بن كعب وابن مسعود : ' الذين لم يخلق مثلهم في البلاد ' . < < الفجر : ( 9 ) وثمود الذين جابوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ) قطعوا ونقبوا ، وهو في معنى قوله تعالى : ( ^ وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين ) . < < الفجر : ( 10 ) وفرعون ذي الأوتاد > >
وقوله : ( ^ وفرعون ذي الأوتاد ) يقال : كان له أربعة أوتاد ، فإذا غضب على إنسان وعذبه زند يديه ورجليه على الأرض بتلك الأوتاد .
في القصة : أنه عذب امرأته آسية بمثل هذا العذاب ، ووضع على صدرها صخرة حتى ماتت ، وعن بعضهم : أنه كان له أربع أساطين ، يشد الرجل بيديه ورجليه بها .
وقيل : ذي الأوتاد أي : ذي الملك الشديد ، قال الشاعر :
( في ظل ملك ثابت الأوتاد ** ) < < الفجر : ( 11 ) الذين طغوا في . . . . . > >
وقوله : ( ^ الذين طغوا في البلاد ) أي : جاوزوا الحد بالمعاصي ، ويقال : تمادوا فيها . < < الفجر : ( 12 - 13 ) فأكثروا فيها الفساد > >
وقوله : ( ^ فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب ) أي : عذبهم وقيل : إنه جعل عذابهم موضع السوط في العقوبات ، وعن بعضهم : أنهم كانوا يعدون الضرب بالسياط إلى أن يموت أشد العذاب ، فذكر العذاب بذكر السوط هاهنا ، على معنى أنه بلغ النهاية في عذابهم . < < الفجر : ( 14 ) إن ربك لبالمرصاد > >
وقوله : ( ^ إن ربك لبالمرصاد ) أي : إليه مرجع الخلق ومصيرهم ، والمعنى : أنه
____________________

( ^ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ( 15 ) وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ( 16 ) كلا بل لا تكرمون اليتيم ( 17 ) ولا تحاضون على طعام المسكين ( 18 ) ) لا يفوت منه أحد ، وعن الحسن : أنه بمرصاد أعمال العباد ، وعن ابن عباس أن قوله : ( ^ إن ربك لبالمرصاد ) أي : يسمع ويرى ، وعنه أيضا : أن على جهنم سبع قناطر ، فيسأل على القنطرة الأولى عن الإيمان ، وعن الثانية عن الصلاة ، وعلى الثالثة عن الزكاة ، وعلى الرابعة عن صيام رمضان ، وعلى الخامسة عن الحج والعمرة ، وعلى السادسة عن صلة الرحم ، وعلى السابعة عن المظالم .
وقوله : ( ^ إن ربك لبالمرصاد ) وقع القسم . < < الفجر : ( 15 ) فأما الإنسان إذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ) نزلت الآية في أمية بن خلف الجمحي ، ويقال : هذا على العموم .
وقوله : ( ^ فيقول ربي أكرمن ) أي : أنا كريم عليه حيث أعطاني هذه النعم . < < الفجر : ( 16 ) وأما إذا ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ) أي : ضيق عليه .
[ وقوله ] ( ^ فيقول ربي أهانن ) أي : فعل ما فعل بي لهواني عليه ، والمعنى : أنهم زعموا أن الله يكرم بالغني ، ويهين بالفقر . < < الفجر : ( 17 ) كلا بل لا . . . . . > >
وقوله : ( ^ كلا ) رد لما قالوا يعنى : أن الله لا يكرم بالغنى ، ولا يهين بالفقر ، وإنما يكرم بالطاعة ، ويهين بالمعصية ، وعن كعب الأحبار قال : إني لأجد في بعض الكتب أن الله تعالى يقول : لولا أنه يحزن عبدي المؤمن ، لكللت رأس الكافر بالأكاليل ، فلا يصدع ، ولا ينبض منه عرق يوجع .
وقوله : ( ^ بل لا تكرمون اليتيم ) ذكر ما يفعله الكفار ، واستحقوا به العذاب في قوله : ( ^ لا تكرمون اليتيم ) فيه قولان : أحدهما : هو أكل مالهم أي : اليتامى .
والقول الثاني : أنه ترك الإحسان إليهم . < < الفجر : ( 18 ) ولا تحاضون على . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولا تحضون على طعام المسكين ) أي : لا يحثون ، وقرئ : ' ولا تحاضون
____________________

( ^ وتأكلون التراث أكلا لما ( 19 ) وتحبون المال حبا جما ( 20 ) كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ( 21 ) وجاء ربك والملك صفا صفا ( 22 ) وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ( 23 ) يقول يا ليتني قدمت لحياتي ( 24 ) ) على طعام المسكين ' أي : لا يحض بعضهم بعضا . < < الفجر : ( 19 ) وتأكلون التراث أكلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وتأكلون التراث أكلا لما ) التراث والوارث بمعنى واحد ، وهو الميراث .
وقوله : ( ^ أكلا لما ) أي : بخلط الحلال بالحرام .
وقال مجاهد : ( ^ لما ) أي : سفا ، فيجمع البعض إلى البعض ويسف سفا . < < الفجر : ( 20 ) وتحبون المال حبا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وتحبون المال حبا جما ) أي : كثيرا ، وقرئ بالتاء والياء ، فمن قرأ بالياء فعلى الخبر ، ومن قرأ بالتاء فهو على الخطاب . < < الفجر : ( 21 ) كلا إذا دكت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ) أي : فتت ودقت . < < الفجر : ( 22 ) وجاء ربك والملك . . . . . > >
وقوله : ( ^ وجاء ربك ) وهو من المتشابه الذي يؤمن به ولا يفسر ، وقد أول بعضهم : وجاء أمر ربك ، والصحيح ما ذكرنا .
وقوله : ( ^ والملك صفا صفا ) أي : صفوفا . < < الفجر : ( 23 ) وجيء يومئذ بجهنم . . . . . > >
وقوله : ( ^ وجيء يومئذ بجهنم ) وفي بعض الأخبار عن النبي : ' أنه يجاء بجهنم مزمومة بسبعين ألف زمام ، ويقودها الملائكة ، فتقام على سائر العرش فحينئذ يجثوا الأنبياء على ركبهم ، ويقول كل واحد : نفسي ، نفسي ' .
والخبر غريب ، وهو معروف عن غير الرسول .
قوله : ( ^ يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ) أي : يتعظ ، وأنى له الاتعاظ ، أي : نفع الاتعاظ . < < الفجر : ( 24 ) يقول يا ليتني . . . . . > >
وقوله : ( ^ يقول يا ليتني قدمت لحياتي ) أي : لآخرتي ، وهو في معنى قوله : ( ^ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ) أي الحياة الدائمة ، والمعنى هاهنا : لحياتي في الآخرة . < < الفجر : ( 25 - 26 ) فيومئذ لا يعذب . . . . . > >
وقوله : ( ^ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ) بالكسر ، وهو الأشهر
____________________

( ^ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ( 25 ) ولا يوثق وثاقه أحد ( 26 ) يا أيتها النفس المطمئنة ( 27 ) ارجعي إلى ربك راضية مرضية ( 28 ) فادخلي في عبادي ( 29 ) ) من القراءتين ، ومعناه : لا يعذب أحد في الدنيا بمثل ما يعذبه الله في الآخرة ، ولا يوثق أحد في الدنيا مثل ما يوثقه الله في الآخرة ، وقرئ : ' فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ' بفتح الذال ، ومعناه : لا يعذب أحد مثل عذاب هذا الكافر ، أو لا يعذب أحد مثل عذاب هذا الصنف من الكفار ، وكذلك قوله : ( ^ يوثق ) بفتح الثاء . < < الفجر : ( 27 ) يا أيتها النفس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يا أيتها النفس المطمئنة ) أي : المؤمنة الساكنة ، ويقال : المطمئنة إلى وعد ربها ، وقيل : إن المراد بالنفس هو الروح هاهنا ، ويقال : هو جملة الإنسان إذا كان مؤمنا . < < الفجر : ( 28 ) ارجعي إلى ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) أي : رضيت عن الله ، وأرضاها الله تعالى عن نفسه .
وفي بعض الآثار : أن ملكين يأتيان المؤمن عند قبض روحه ، فيقولان : أخرج أيها الروح إلى روح وريحان ، ورب غير غضبان . < < الفجر : ( 29 ) فادخلي في عبادي > >
وقوله : ( ^ فادخلي في عبادي ) أي : مع عبادي . < < الفجر : ( 30 ) وادخلي جنتي > >
( ^ وادخلي جنتي ) وهذا القول يوم القيامة .
وقرئ في الشاذ : ' فادخلي في عبدي ' أي : يقال للنفس - أي : الروح - ادخلي في عبدي أي : في جسده ، وادخلي في جنتي ، وذلك عند البعث .
وعن عكرمة : أنه لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر : إن هذا لخير كثير ، فقال النبي : ' أما إن الملك سيقولها لك ' .
وعن ( أبي بريدة ) : أن الآية نزلت في حمزة بن عبد المطلب .
____________________

( ^ وادخلي جنتي ( 30 ) )
وعن بعضهم : أنها نزلت في خبيب بن عدي ، وهو الذي أسر وصلب بمكة ، وهو أول من سن الصلاة ركعتين عند الصلب ، وهو القائل :
( فلست أبالي حين أقتل مسلما ** على أي جنب كان في الله مصرعي )
( وذلك في ذات الإله وإن يشأ ( يبارك في شلو الأديم الممزع ) )
وعن عامر بن قيس : أنه وفد على عثمان - رضي الله عنه - فجلس على بابه ، فخرج عليه عثمان فرأى أعرابيا في بت ، فلم يعرفه ، فقال : أين ربك يا أعرابي ؟ قال : بالمرصاد .
فأفحم عثمان ، وهذا على قوله : ( ^ إن ربك لبالمرصاد ) والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ لا أقسم بهذا البلد ( 1 ) وأنت حل بهذا البلد ( 2 ) <
> تفسير سورة البلد <
>
وهي مكية < < البلد : ( 1 ) لا أقسم بهذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لا أقسم بهذا البلد ) معناه : أقسم ، و ' لا ' صلة .
قال الفراء : وهو على مذهب كلام العرب يقولون : لا والله لا أفعل كذا .
أي : والله ، وكذلك لا والله لأفعلن كذا ، أي : والله ، فيجوز أن تكون ' لا ' صلة ، ويجوز أن يكون ردا لقول سابق ، وابتداء القسم من قوله والله ، فكذلك قوله : ( ^ لا أقسم ) يجوز أن يكون ' لا ' صلة ، ويجوز أن يكون ردا لزعمهم من إنكار البعث أو إنكار نبوة الرسول ، والقسم من قوله : ( ^ أقسم ) وقال الفراء : هذا الثاني أولى .
وقوله : ( ^ بهذا البلد ) هو مكة في قول الجميع ، ذكره مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم . < < البلد : ( 2 ) وأنت حل بهذا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأنت حل بهذا البلد ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أي : حلال لك أن تقاتل في هذا البلد ، ولم يحل لأحد قبلك ، وقد ثبت أن النبي قال : ' إن مكة حرام ، حرمها الله يوم خلق السموات والأرض ، لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ' .
والقول الثاني : أن قوله : ( ^ وأنت حل بهذا البلد ) أي : استحلوا منك ما حرمه الله من الأذى ، وإيصال المكروه إليك مع اعتقادهم حرمة الحرم ، ذكره القفال .
والقول الثالث : ( ^ وأنت حل بهذا البلد ) أي : نازل بهذا البلد ، وهو إشارة إلى زيادة حرمة وشرف للبلد لمكان النبي فيه .
____________________

( ^ ووالد وما ولد ( 3 ) ) < < البلد : ( 3 ) ووالد وما ولد > >
وقوله : ( ^ ووالد وما ولد ) قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وأبو صالح معناه : آدم وولده ، وعن أبي عمران [ الجوني ] : هو إبراهيم وولده .
وروى عكرمة عن ابن عباس أن قوله : ( ^ ووالد وما ولد ) هو الوالد والعاقر ، معنى الذي يلد ، والذي لا يلد ، فتكون ما للنفي . < < البلد : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . . > >
وقوله : ( ^ لقد خلقنا الإنسان في كبد ) على هذا وقع القسم ، ( ومعنى القسم ) ومعنى الكبد : الشدة .
وروى شريك ، عن عاصم ، عن زر عن علي في قوله : ( ^ ووالد وما ولد ) آدم وذريته ، على ما ذكرنا .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك أبو محمد الصريفيني ، أخبرنا أبو القاسم بن حبابة ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، أخبرنا علي بن الجعد ، عن شريك . . . الأثر .
وأما الكبد بينا أنه الشدة .
وروى علي بن الجعد ، عن علي بن علي الرفاعي ، عن الحسن البصري قال : ليس أحد يكابد من الشدة ما يكابده الإنسان .
وقال سعيد ' خلقنا الإنسان في كبد ' أي : في مضائق الدنيا وشدائد الآخرة .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بما ذكرنا عن الحسن : الصريفيني ، عن [ ابن ] حبابة ، عن البغوي ، عن علي ابن الجعد .
وقيل في تفسير الكبد : هو أنه يكابد ضيق الرحم ، وعسر الخروج من بطن الأم ، ثم يكون في الرباط والقماط ، ثم نبات الأسنان ، ثم الختان ، ثم إذا بلغ التكليفات والأوامر والنواهي ، ثم يكابد أمر معيشته ، والأحوال المنقلبة عليه إلى أن
____________________

( ^ لقد خلقنا الإنسان في كبد ( 4 ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ( 5 ) يقول أهلكت مالا لبدا ( 6 ) أيحسب أن لم يره أحد ( 7 ) ) يموت ، ثم بعد ذلك ما يعود إلى أهوال القبر وأهوال القيامة ، إلى أن يستقر في إحدى المنزلتين .
وقال لبيد في الكبد .
( ^ يا عين هلا بكيت أربد إذ ** قمنا وقام الخصوم في كبد )
أي : في شدة .
وقال إبراهيم ومجاهد وعبد الله بن شداد : في كبد أي : في انتصاب ، والمعنى : أنه خلق منتصبا في بطن أمه ، غير منكب على وجهه بخلاف سائر الحيوانات .
وفي تفسير النقاش : أن الله تعالى وكل ملكا بالولد في بطن الأم فإذا قامت المرأة ، أو اضطجعت رفع رأس الولد ؛ لئلا يغرق في الدم . < < البلد : ( 5 ) أيحسب أن لن . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أيحسب الإنسان أن لن يقدر عليه أحد ) نزلت الآية في [ أبي ] الأشدين ، فكان رجلا من بني جمح من أقوى قريش وأشدهم ، وكان يبسط له الأديم العكاظي ، فيقوم عليه ، ويجتمع القوم على الأديم ، فيجذبونه من تحت قدمه فينقطع ولا تزول قدمه ، وكان شديدا في عداوة النبي ، فأنزل الله تعالى هذه الآية فيه .
ومعناه : أيظن أن لن يقدر عليه الله ، وقال ذلك لأنه كان مغترا بقوته وشدته . < < البلد : ( 6 ) يقول أهلكت مالا . . . . . > >
وقوله : ( ^ يقول أهلكت مالا لبدا ) أي : أنفقت مالا كثيرا في عداوة محمد ، و ' لبدا ' أي : بعضه على بعض .
قال الكلبي : ( وكان يكذب في ذلك ، < < البلد : ( 7 ) أيحسب أن لم . . . . . > > فقال الله تعالى : ( ^ أيحسب أن لم يره أحد ) أيحسب أن الله لم ير ما أنفقه ، ويقال : أيحسب أن لم يطلع الله على فعله فيكذب ، ولا يعلم الله كذبه .
قال معمر : قرئت هذه الآية عند قتادة ، فقال : أيحسب أن لن يسأله الله تعالى من أين جمعه ، وأين أنفقه ؟ .
وعن أبي هريرة أن النبي قال : ' يؤتى بالعبد يوم
____________________

( ^ ألم نجعل له عينين ( 8 ) ولسانا وشفتين ( 9 ) وهديناه النجدين ( 10 ) ) القيامة ، فيقال له : ماذا عملت بمالك ؟ فيقول : أنفقت ، وزكيت طلبا لرضاك ، فيقول : كذبت إنما أنفقت وأعطيت ، ليقال : فلان سخي ، وقد قيل ذلك ، فجروه إلى النار ' .
والخبر طويل صحيح خرجه مسلم .
ومن المعروف أن النبي قال : ' لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله من أين كسبه وأين وضعه ' . < < البلد : ( 8 ) ألم نجعل له . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم نجعل له عينين ) قال أهل التفسير : ثم إن الله تعالى ذكر نعمه عليه وعظيم قدرته ، ليعرف أن الله تعالى قادر على إعادته يوم القيامة خلقا جديدا ، وأنه مسئول عما يفعله . < < البلد : ( 9 ) ولسانا وشفتين > >
وقوله : ( ^ ولسانا وشفتين ) ظاهر المعنى . < < البلد : ( 10 ) وهديناه النجدين > >
وقوله : ( ^ وهديناه النجدين ) قال ابن مسعود : سبيل الخير وسبيل الشر .
وروى عكرمة عن ابن عباس أن قوله : ( ^ وهديناه النجدين ) أي : اليدين .
والقول الأول أشهر ، وهو قول أكثر المفسرين .
وقد روي عن النبي أنه قال : ' إنما هما نجدان ، نجد خير ، ونجد شر ، فلا تجعل نجد الشر أحب السبيل من نجد الخير ' .
____________________

( ^ فلا اقتحم العقبة ( 11 ) وما أدراك ما العقبة ( 12 ) فك رقبة ( 13 ) ) < < البلد : ( 11 ) فلا اقتحم العقبة > >
وقوله : ( ^ فلا اقتحم العقبة ) أي : فهلا أنفق ماله الذي أنفقه في عداوة محمد في اقتحام العقبة ، ويقال : ( ^ فلا اقتحم العقبة ) أي : لم يقتحم العقبة ، ومعناه : لم يجاوزها ، وقيل : إن العقبة جبل في النار ، ويقال : هبوط وصعود ، مصعد سبعة آلاف سنة ، ومهبط ألف سنة .
وقيل : مصعد ألف عام ، وفيها غياض ممتلئة من الأفاعي والحيات والعقارب .
قال الحسن البصري في العقبة : إنها مجاهدة النفس والهوى والشيطان .
فعلى هذا ذكر العقبة تمثيل ؛ لأن العقبة يشق صعدوها ، كذلك الإنسان يشق عليه مجاهدة النفس والشيطان . < < البلد : ( 12 - 13 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما العقبة ) أي : فما أدراك ( ما تجاوز بها ) العقبة ، ثم فسر فقال : ( ^ فك رقبة ) وفك الرقبة إعتاقها .
وروى عقبة بن عامر : أن النبي قال : ' من أعتق رقبة ، كانت فكاكه من النار ' .
ومن المعروف أن رجلا أتى النبي فقال : ' يا رسول الله ، علمني عملا يدخلني الجنة ، فقال : لئن أقصرت الخطبة فقد أعرضت في المسألة ، أعتق النسمة ، وفك الرقبة ، فقال : أوليسا واحدا يا رسول ؟ قال : لا ، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها ، وعليك بالفيء على ذي الرحم الظالم ، فإن لم يكن ذلك ، فأطعم الجائع ، واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف ، وأنه
____________________

( ^ أو إطعام في يوم ذي مسغبة ( 14 ) يتيما ذا مقربة ( 15 ) ) . عن المنكر ، فإن لم تطق ذلك ، فكف لسانك إلا من خير ' .
وورد - أيضا - عن النبي أنه قال : ' من أعتق رقبة مسلمة ، أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ' .
والخبر صحيح .
وقرئ : ' فك رقبة ' ، فمن قرأ بالرفع فمعناه : هي فك رقبة ، ومن قرأ بالنصب فمعناه : لا يقتحم العقبة إلا من فك رقبة . < < البلد : ( 14 ) أو إطعام في . . . . . > >
وقوله : ( ^ أو إطعام في يوم ذي مسغبة ) أي : إطعام مسكين في يوم ذي جوع والسغب : الجوع ، والمسغبة : المجاعة .
قال الشاعر :
( فلو كنت جارا يابن قيس بن عاصم ** لما بت شبعانا وجارك ساغب )
أي : جائع . < < البلد : ( 15 ) يتيما ذا مقربة > >
وقوله : تعالى : ( ^ يتيما ذا مقربة ) أي : ذا قرابة ، واليتيم هو الذي لا والد له ، ويقال : هو الذي ليس له أبوان .
قال قيس بن الملوح :
( إلى الله أشكو فقد ليلي كما شكا ** إلى الله فقد الوالدين يتيم ) < < البلد : ( 16 ) أو مسكينا ذا . . . . . > >
وقوله : ( ^ أو مسكينا ذا متربة ) أي : لصق بالتراب من الفقر .
قال مجاهد : لا يحول بينه وبين التراب شيء .
وقيل : ذا متربة ، أي : ذا زمانة ، وقيل ذا متربة أي : ليس له أحد من الناس .
____________________

( ^ أو مسكينا ذا متربة ( 16 ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ( 17 ) أولئك أصحاب الميمنة ( 18 ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة ( 19 ) عليهم نار مؤصدة ( 20 ) ) . < < البلد : ( 17 ) ثم كان من . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم كان من الذين آمنوا ) يعني : يقتحم العقبة من فعل هذه الأشياء ، فكان من الذين آمنوا .
فإن قيل : كلمة ' ثم ' للتراخي باتفاق أهل اللغة ، فكيف وجه المعنى في الآية ، وقد ذكر الإيمان متراخيا عن هذه الأشياء ؟
والجواب : قال النحاس : هو مشكل ، وأحسن ما قيل فيه أن معناه : ثم أخبركم أنه كان من الذين آمنوا حين فعل هذه الأشياء ، وقد قيل : إن ' ثم ' بمعنى الواو ، وليس يصح .
وقوله : ( ^ وتواصوا بالصبر ) أي : بالصبر عن معاصي الله ، وقيل : بالصبر على طاعة الله ، وقيل : بالصبر عن لذات الدنيا وشهواتها .
وقوله : ( ^ وتواصوا بالمرحمة ) أي : مرحمة بعضهم على بعض ، وتواصوا بالمرحمة هو وصية البعضِ البعضَ . < < البلد : ( 18 ) أولئك أصحاب الميمنة > >
وقوله : ( ^ أولئك أصحاب الميمنة ) أي : أصحاب اليمين ، وهم الذين استخرجوا من شق آدم الأيمن ، ويقال : الذين [ يعطون ] الكتاب بأيمانهم ، وقيل : الميامين على أنفسهم . < < البلد : ( 19 ) والذين كفروا بآياتنا . . . . . > >
وقوله : ( ^ والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة ) أي : المشائيم على أنفسهم ، ويقال : هم الذين يعطون الكتاب بشمالهم ، وكذلك القول الأول . < < البلد : ( 20 ) عليهم نار مؤصدة > >
وقوله : ( ^ عليهم نار مؤصدة ) أي : مطبقة ، يقال : وصدت الباب ، وأصدته إذا أطبقته ، ويقال : مؤصدة أي : مبهمة لا باب لها .
قال الشاعر :
( قوم يصالح شدة أبنائهم ** وسلاسلا حلقا وبابا مؤصدا ) أي مطبقاً
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم ( ^ والشمس وضحاها ( 1 ) والقمر إذا تلاها ( 2 ) والنهار إذا جلالها ( 3 ) والليل إذا يغشاها ( 4 ) والسماء وما بناها ( 5 ) والأرض وما طحاها ( 6 ) ونفس وما ) . <
> تفسير سورة والشمس <
>
وهي مكية < < الشمس : ( 1 ) والشمس وضحاها > >
قوله تعالى : ( ^ والشمس وضحاها ) أي : وضوئها ، وقيل : هو النهار كله . < < الشمس : ( 2 ) والقمر إذا تلاها > >
وقوله : ( ^ والقمر إذا تلاها ) أي : تبعها ، وهو قول مجاهد وقتادة وعامة المفسرين ، وهو مروي أيضا عن ابن عباس ، ومعنى تبعها : يعني أن الشمس إذا غربت يليها القمر في الضوء ، ويقال : هو في الأيام البيض إذا غربت الشمس طلع القمر ، وقيل : هو في أول ليلة من الشهر ، إذا غربت الشمس رئي الهلال ، وعلى الجملة القمر أحد النيرين ، وهو يتلو الشمس إذا استدار واستتمه في إضاءة الدنيا . < < الشمس : ( 3 ) والنهار إذا جلاها > >
وقوله : ( ^ والنهار إذا جلاها ) فيه قولان : أحدهما : جلا الظلمة فكنى عن الظلمة من غير ذكرها ، وهو كثير في كلام العرب ، والقول الآخر : جلاها أي : جلا الشمس ؛ لأن النهار إذا ارتفع أضاءت الشمس وانبسطت . < < الشمس : ( 4 ) والليل إذا يغشاها > >
وقوله : ( ^ والليل إذا يغشاها ) يعني : إذا يغشى الشمس أي : يستر ضوءها . < < الشمس : ( 5 ) والسماء وما بناها > >
وقوله : ( ^ والسماء وما بناها ) معناه : ومن بناها ، وقيل : والذي بناها .
وعن ابن الزبير أنه سمع صوت الرعد فقال : سبحان ما سبحت له ، أي : الذي سبحت له ، ويقال : وما بناها أي : وبنائها . < < الشمس : ( 6 ) والأرض وما طحاها > >
وقوله : ( ^ والأرض وما طحاها ) أي : ومن بسطها ، وقيل : الأرض وطحوها أي : وبسطها . < < الشمس : ( 7 ) ونفس وما سواها > >
وقوله : ( ^ ونفس وما سواها ) أي : ومن سواها ، وقد بينا معنى التسمية ، وقيل : هو
____________________


( ^ سواها ( 7 ) فألهمها فجورها وتقواها ( 8 ) قد أفلح من زكاها ( 9 ) وقد خاب من دساها ( 10 ) ) . اعتدال القامة . < < الشمس : ( 8 ) فألهمها فجورها وتقواها > >
وقوله : ( ^ فألهمها فجورها وتقواها ) أي : عرفها وأعلمها ، وقال مجاهد والضحاك وغيرهما : جعل في قلبه فجورها وتقواها ، وهو أولى من القول الأول ؛ لأن الإلهام في اللغة فوق التعريف والإعلام .
وقال الزجاج : عدلها للفجور ، ووفقها للتقوى < < الشمس : ( 9 ) قد أفلح من . . . . . > > ( ^ قد أفلح من زكاها ) على هذا وقع القسم ، والمعنى : قد أفلحت نفس زكاها الله . < < الشمس : ( 10 ) وقد خاب من . . . . . > >
وقوله : ( ^ وقد خاب من دساها ) أي : وخاب نفس دساها الله ، وقيل : أفلح من زكى نفسه وأصلحها ، وخاب من أخمد نفسه ودسها ، فعلى هذا قوله : ( ^ دساها ) أي : دسيها .
يقول الشاعر :
( يقضي البازي إذا البازي انكسر ** )
أي : يقضض البازي .
قال الفراء : العامل بالفجور خامل عند الناس غامض الشخص ، منكسر الرأس ، والمتقي عال مرتفع .
وقال ثعلب : ' من دساها ' أي : أغواها ، وعنه أنه قال : دساها أي : دس نفسه في أهل الخير وليس منهم .
قال الشاعر :
( وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت ** حلائله منه أرامل ضيعا )
وقوله : ' دساها ' هاهنا : أهلكت ، فعلى هذا معنى قوله : ( ^ وقد خاب من دساها ) أي : أهلكها بالمعاصي .
وروى نافع بن عمر الجمحي ، عن ابن أبي مليكة قال : قالت عائشة - رضي الله عنها - انتبهت ليلة فوجدت رسول الله وهو يقول : ' أعط نفس تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك أبو
____________________


( ^ كذبت ثمود بطغواها ( 11 ) إذ انبعث أشقاها ( 12 ) فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ( 13 ) فكذبوه فعقروها ) . الغنائم عبد الصمد بن علي العباسي ، أخبرنا أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى ، أخبرنا البغوي ، أخبرنا داود بن عمرو الضبي ، عن نافع بن عمر . . . الحديث . < < الشمس : ( 11 ) كذبت ثمود بطغواها > >
وقوله : ( ^ كذبت ثمود بطغواها ) أي : بطغيانها ، ويقال : بأجمعها . < < الشمس : ( 12 ) إذ انبعث أشقاها > >
وقوله : ( ^ إذ انبعث أشقاها ) هو قدار بن سالف ، وقد بينا من قبل .
وروى رشدين ، عن يزيد بن عبد الله بن سلامة ، عن عثمان بن صهيب ، عن أبيه قال : قال رسول الله لعلي : ' من أشقى الأولين ؟ قال : عاقر الناقة ، قال : صدقت ، قال : فمن أشقى الآخرين ؟ قال : قلت : لا أعلم يا رسول الله .
قال : الذي يضربك على هذه ، وأشار بيده إلى يافوخه ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا كريمة بنت أحمد قالت : أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد ، أخبرنا محمد بن إدريس [ السامي ] ، أخبرنا سويد بن سعيد ، عن رشدين . . الخبر وهو غريب . < < الشمس : ( 13 ) فقال لهم رسول . . . . . > >
وقوله : ( ^ فقال لهم رسول الله ) ، وهو صالح .
وقوله : ( ^ ناقة الله وسقياها ) أي : ذروا ناقة الله وسقياها ، ومعنى سقياها : شربها على ما قال في موضع آخر : ( ^ لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ) . < < الشمس : ( 14 ) فكذبوه فعقروها فدمدم . . . . . > >
وقوله : ( ^ فكذبوه فعقروها ) أي : فكذبوا صالحا ، و عقروا الناقة .
____________________

( ^ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ( 14 ) ولا يخاف عقباها ( 15 ) ) .
وقوله : ( ^ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ) عن ابن الزبير : أنه ' فرمرم عليهم ربهم ' ، وهو معنى القراءة المعروفة ، ويقال : دمدم أي : غضب عليهم ربهم ، يقال : فلان يدمدم إذا كان يتكلم بغضب .
والقول المعروف أن معنى قوله : ( ^ فدمدم عليهم ) أي : أطبق عليهم بالعذاب يعني : عمهم ولم يبق منهم أحدا ، ويقال : الدمدمة هو الهلاك باستئصال .
وقوله : ( ^ بذنبهم فسواها ) أي : سواهم بالأرض ، فلم يبق منهم أحدا صغيرا ولا كبيرا .
ويقال : سوى بينهم بالعذاب . < < الشمس : ( 15 ) ولا يخاف عقباها > >
وقوله : ( ^ ولا يخاف عقبيها ) وقرئ : ' فلا يخاف عقباها ' وفيه قولان : أحدهما : أن الله تعالى لا يخاف أن يتبعه أحد بما فعل ، قاله الحسن وغيره ، والقول الثاني : لم يخف عاقر الناقة عاقبة فعله ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والليل إذا يغشى ( 1 ) والنهار إذا تجلى ( 2 ) وما خلق الذكر والأنثى ( 3 ) إن سعيكم لشتى ( 4 ) ) . <
> تفسير سورة والليل <
>
وهي مكية < < الليل : ( 1 ) والليل إذا يغشى > >
قوله تعالى : ( ^ والليل إذا يغشى ) قال قتادة : يغشى الأفق بظلمته ، وفي رواية عنه : يغشى ما بين السماء والأرض بظلمته .
وقيل : ( ^ والليل إذا يغشى ) أي : أظلم .
ويقال : يغشى النهار . < < الليل : ( 2 ) والنهار إذا تجلى > >
وقوله : ( ^ والنهار إذا تجلى ) معناه : إذا أضاء وانكشف ، ويقال : جل الظلمة فكأنه قال : تجلت الظلمة بها . < < الليل : ( 3 ) وما خلق الذكر . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما خلق الذكر والأنثى ) قرأ ابن مسعود وأبو الدرداء : ' والذكر والأنثى ' وقد صح هذا بروايتهما عن النبي أنه قرأ كذلك ، وأما القراءة المعروفة : ( ^ وما خلق الذكر والأنثى ) وفيه قولان : أحدهما : وما خلق الذكر والأنثى مثل قوله : ( ^ والسماء وما بناها ) أي : فمن بناها .
والقول الثاني : وما خلق الذكر والأنثى .
وذكر الفراء والزجاج : أن الذكر والأنثى هو آدم وحواء .
وقد قيل : إنه على العموم ، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه ، وقد ذكرنا أن القسم على تقديره ذكر الرب ، وكأنه قال : ورب الليل ، ورب النهار إلى آخره . < < الليل : ( 4 ) إن سعيكم لشتى > >
وقوله : ( ^ إن سعيكم لشتى ) على هذا وقع القسم ، والمعنى : إن عملكم
____________________


( ^ فأما من أعطى واتقى ( 5 ) وصدق بالحسنى ( 6 ) فسنيسره لليسرى ( 7 ) وأما من بخل واستغنى ( 8 ) ) . مختلف ، وقيل : إن سعيكم لشتى أي : منكم المؤمن والكافر ، والصالح والطالح ، والشكور والكفور ، وأمثال هذا .
قال الشاعر :
( سعى الفتى لأمور ليس يدركها ** فالنفس واحدة والهم منتشر )
( والمرء ما عاش ممدود له أثر ** لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر ) < < الليل : ( 5 ) فأما من أعطى . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأما من أعطى واتقى ) ذهب أكثر المفسرين إلى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه .
وقوله تعالى : ( ^ أعطى واتقى ) أي : بذل المال بالصدقة ، وحاذر من الله تعالى . < < الليل : ( 6 ) وصدق بالحسنى > >
وقوله تعالى : ( ^ وصدق بالحسنى ) أي : بالخلق من الله تعالى [ قاله ] عكرمة عن ابن عباس ، وهو أشهر الأقاويل .
والقول الثاني : وصدق بالحسنى أي : بالجنة ، قاله مجاهد .
وقيل : بالثواب ، وقال أبو عبد الرحمن السلمي وعطاء : صدق بالحسنى أي : بلا إله إلا الله . < < الليل : ( 7 ) فسنيسره لليسرى > >
وقوله : ( ^ فسنيسره لليسرى ) أي : للحالة اليسرى والمعنى : يسهل عليه طريق ( الطاعات ) ، والأعمال الصالحة ، قال الأزهري : ييسر عليه ما لا ييسر إلا على المسلمين . < < الليل : ( 8 ) وأما من بخل . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وأما من بخل واستغنى ) يقال : نزلت الآية في أمية بن خلف ، وقيل : في أبي سفيان بن حرب .
____________________

( ^ وكذب بالحسنى ( 9 ) فسنيسره للعسرى ( 10 ) ) .
وقوله : ( ^ بخل ) أي : بخل بماله ، واستغنى أي : عن ثواب ربه . < < الليل : ( 9 ) وكذب بالحسنى > >
وقوله : ( ^ وكذب بالحسنى ) هو ما بينا . < < الليل : ( 10 ) فسنيسره للعسرى > >
وقوله : ( ^ فسنيسره للعسرى ) أي : يسهل عليه طريق الشر ، وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : يحول بينه وبين الإيمان بالله وبرسوله .
قال الفراء : فإن سأل سائل قال : كيف يستقم قوله : ( ^ فسنيسره للعسرى ) وكيف ييسر العسير ؟ أجاب عن هذا : أن هذا مثل قوله تعالى ( ^ فبشر الذين كفروا بعذاب أليم ) فوضع البشارة موضع الوعيد بالنار ، وإن لم تكن بشارة على الحقيقة ، كذلك وضع التيسير في هذا الموضع ، وإن كان تعسيرا في الحقيقة .
وقد ذكر عطاء الخراساني أن الآية نزلت في رجل من الأنصار كان له حائط ، وله نخلة تتدلى في دار جاره ، ويأكل جاره مما يسقط من ثمارها ، فمنعه الأنصاري ، فشكى ذلك الفقير إلى رسول الله ، فقال النبي للأنصاري : ' بعني هذه النخلة بنخلة لك في الجنة ، فأبى أن يبيع ، فاشتراها منه أبو الدحداح بحائط له ، وأعطاها ذلك الفقير ، فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآيات .
والأصح أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لأن السورة مكية على قول الجميع ، فلا يستقيم أن تكون الآية منزلة في أحد من الأنصار .
وقد ( ورد ) في الآيتين خبر صحيح ، وهو ما روى منصور بن المعتمر ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب قال : ' كنا في جنازة بالبقيع ، فأتى النبي فجلس وجلسنا معه ، ومعه عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه إلى السماء وقال : ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مدخلها ، فقال القوم : يا رسول الله ، أفلا نتكل على كتابنا ، فمن كان من أهل السعادة فإنما يعمل للسعادة ، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء ، قال :
____________________


( ^ وما يغني عنه ماله إذا تردى ( 11 ) إن علينا للهدى ( 12 ) وإن لنا للآخرة والأولى ( 13 ) فأنذرتكم نارا تلظى ( 14 ) لا يصلاها إلى الأشقى ( 15 ) الذي كذب وتولى ) . بل اعملوا فكل ميسر ، أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر بعمل الشقاء ، ثم قرأ : ( ^ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك أبو علي الشافعي بمكة ، أخبرنا أبو الحسن بن فراس ، أخبرنا الديبلي أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، أخبرنا سفيان بن عيينة ، عن منصور الحديث . < < الليل : ( 11 ) وما يغني عنه . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما يغني عنه ماله إذا تردى ) معناه : إذا هلك ، يقال : تردى أي : سقط في النار ، وهو الأصح ؛ لأن التردي في اللغة هو السقوط ، يقال : تردى من مكان كذا أي : سقط . < < الليل : ( 12 ) إن علينا للهدى > >
وقوله : ( ^ إن علينا للهدى ) قال الزجاج : علينا بيان الحلال والحرام ، والطاعة والمعصية .
ويقال : من سلك سبيل الهدى ، فعلينا هداه مثل قوله ( ^ وعلى الله قصد السبيل ) أي : بيان السبيل لمن قصد . < < الليل : ( 13 ) وإن لنا للآخرة . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإن لنا للآخرة والأولى ) أي : ملك الآخرة والأولى ، وقيل : ثواب الآخرة والأولى . < < الليل : ( 14 ) فأنذرتكم نارا تلظى > >
وقوله : ( ^ فأنذرتكم نارا تلظى ) أي : تتلظى ، ومعناه : تتوهج . < < الليل : ( 15 - 16 ) لا يصلاها إلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ) أي : كذب بالله ، وأعرض عن طاعته .
وفي الآية سؤال للمرجئة والخوارج ، فإن الله تعالى قال : ( ^ لا يصلاها إلا الأشقى ) أي : لا يقاسي حرها ، ولا يدخلها إلا الأشقى الذي كذب و تولى ، فدل أن
____________________


( ( 16 ) وسيجنبها الأتقى ( 17 ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( 18 ) ) .
المؤمن وإن ارتكب الكبائر لا يدخل النار ، هذا للمرجئة ، وأما الخوارج قالوا : قد وافقتمونا أن صاحب الكبائر يدخل النار ، فدل أنه كفر بارتكاب الكبيرة ، والتحق بمن كذب وتولى حيث قال الله تعالى : ( ^ لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ) .
والجواب من وجوه : أحدها : أن معناه : لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ، فالأشقى هم أصحاب الكبائر ، والذي كذب وتولى هم الكفار .
والعرب تقول : أكلت خبزا لحما تمرا .
أي : ولحما وتمرا ، وحذفوا الواو ، وكذلك هاهنا ، وأنشد أبو زيد الأنصاري :
( كيف أصبحت كيف أمسيت فما ** يثبت الود في فؤاد الكريم )
أي : وكيف أمسيت ؟
والوجه الثاني : أن للنار دركات ، و المراد من الآية دركة بعينها ، لا يدخلها إلا الكفار ، قال الله تعالى : ( ^ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) دلت الآية أنه مخصوص للمنافقين ، وهذا جواب معروف .
والوجه الثالث : أن المعنى : لا يصلاها ، لا يدخلها خالدا فيها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ، وصاحب الكبيرة وإن دخلها لا يخلد فيها . < < الليل : ( 17 - 18 ) وسيجنبها الأتقى > >
وقوله : ( ^ وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ) أي : يعطي ماله ليصير زاكيا طاهرا ، وهو وارد في أبي بكر الصديق على قول أكثر المفسرين ، ويقال : إن الآية الأولى نزلت في أمية بن خلف ، وأما إيتاؤه المال فهو أنه أعتق سبعة نفر كانوا يعذبون في الله ، منهم بلال الخير ، وعامر بن فهيرة ، والنهدية ، وزنيرة ، وغيرهم .
وروى أنه لما اشترى الزنيرة وأعتقها - وكانت قد أسلمت - عميت عن قريب ، فقال المشركون : أعماها اللات والعزى ، فقالت : أنا أكفر باللات والعزى ، فرد الله عليها بصرها .
ومن المعروف أن النبي مر على بلال ، وهو يعذب في رمضاء مكة ، وهو يقول : أحد أحد ، فقال النبي : ' سينجيك أحد ، ثم إنه أتى أبا بكر وقال : رأيت بلالا
____________________

( ^ وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( 19 ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( 20 ) ولسوف يرضى ( 21 ) ) . يعذب في الله ، فذهب أبو بكر إلى بيته ، وأخذ رطلا من ذهب ، وجاء إلى أمية بن خلف واشتراه منه وأعتقه ، فقالت قريش : إنما أعتقه ليد له عنده ، < < الليل : ( 19 - 20 ) وما لأحد عنده . . . . . > > فأنزل الله تعالى : ( ^ وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) أي : إلا طلب رضاء ربه المتعالى . < < الليل : ( 21 ) ولسوف يرضى > >
وقوله : ( ^ ولسوف يرضى ) أي : يرضى ثوابه في الآخرة ، والمعنى : يعطيه الله حتى يرضى .
وذكر النقاش في تفسيره : ' أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي فقال : قل لأبي بكر يقول الله تعالى : أنا عنك راض ، فهل أنت عني راض ؟ ، فذكر ذلك لأبي بكر [ فبكى ] وخر ساجدا ، وقال : أنا عن ربي راض ، أنا عن ربي راض ' .
وروى علي أن النبي قال : ' رحم الله أبا بكر ، زوجني ابنته ، وحملني إلى دار الهجرة ، واشترى بلالا وأعتقه ' .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والضحى ( 1 ) والليل إذا سجى ( 2 ) ما ودعك ربك وما قلى ( 3 ) ) . <
> تفسير سورة الضحى <
>
وهي مكية < < الضحى : ( 1 - 2 ) والضحى > >
قوله تعالى : ( ^ والضحى ) أقسم بالنهار كله ، وقيل : بوقت الضحوة ، وهو وقت ارتفاع الشمس .
قال مجاهد : سجى : استوى ، وقال عكرمة : سكن الخلق فيه ، وقيل : استقرت ظلمته .
قال الأصمعي : سجو الليل : تغطية النهار ، يقال : ليل داج ، وبحر ساج ، وسماء ذات أبراج ، قال الراجز :
( يا حبذا القمراء والليل ( الداج ) وطرق مثل ملاء النساج )
وقال آخر :
( فما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم ** وبحرك ساج ( ما ) يواري الدعامصا ) < < الضحى : ( 3 ) ما ودعك ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ ما ودعك ربك وما قلى ) قال أهل التفسير : أبطأ جبريل عن الرسول مرة ؛ فقالت قريش : ودعه ربه وقلاه .
وروي أن امرأة قالت له : يا محمد ، أرى أن شيطانك قد تركك ؛ فأنزل الله تعالى هذه السورة ، و أقسم بما ذكرنا أنه ما ودعه وما قلاه .
وروى زهير ، عن الأسود بن قيس ، عن جندب البجلي قال : كنت مع النبي في غازية ، فدميت أصبعه ، فقال النبي .
____________________


( ^ هل أنت إلا أصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت )
قال : فأبطأ جبريل - عليه السلام - فقال المشركون : قد ودع محمد ؛ فأنزل الله تعالى قوله ( ^ ما ودعك ربك وما قلى ) قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو محمد المكي بن عبد الرزاق الكشميهني ، أخبرنا جدي أبو الهيثم الفربري ، أخبرنا البخاري ، أخبرنا أحمد بن يونس ، عن زهير بن معاوية بن حديج الحديث .
وذكر بعضهم : أن الآية نزلت حين سأل اليهود رسول الله عن خبر أصحاب الكهف وعن ذي القرنين ، وعن الروح فقال : سأخبركم غدا ، ولم يقل : إن شاء الله ، فتأخر جبريل - عليه السلام - سبعة عشر يوما ، وقيل : أقل أو أكثر ، فقال المشركون : قد ودعه ربه وقلاه ؛ فأنزل الله تعالى هذه السورة ' .
وقد قرئ في الشاذ بالتخفيف ، والمعروف بالتشديد أي : ما قطع عنك الوحي ، ( وقيل ) : ما أعرض عنك .
وبالتخفيف معناه : ما تركك ، تقول العرب : دع هذا ، وذر هذا ، واترك هذا بمعنى واحد .
وقوله : ( ^ وما قلى ) أي : ما قلاك بمعنى : ما أبغضك ، ( وقيل ) : ما تركك منذ قبلك ، وما أبغضك منذ أحبك .
قال الأخطل :
( المهديات هو من بيته ** والمحسنات لمن قلين مقالا )
أي : أبغضن .
____________________

( ^ وللآخرة خير لك من الأولى ( 4 ) ولسوف يعطيك ربك فترضى ( 5 ) ألم يجدك يتيما فآوى ( 6 ) ووجدك ضالا فهدى ( 7 ) ) . < < الضحى : ( 4 ) وللآخرة خير لك . . . . . > >
وقوله : ( ^ وللآخرة خير لك من الأولى ) يعني : ثواب الله خير لك من نعيم الدنيا ، وقد روى أن عمر - رضي الله عنه - دخل على النبي فرآه مضجعا على حصير ، قد أثر الحصير في جنبه ، فبكى عمر - رضي الله عنه - فقال رسول الله : ' وما يبكيك يا عمر ؟ فقال : ذكرت كسرى وقيصر وما هما فيه من النعيم ، وذكرت حالك وأنت رسول الله .
فقال له النبي : أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ' . < < الضحى : ( 5 ) ولسوف يعطيك ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولسوف يعطيك ربك فترضى ) أي : من الثواب والكرامة والمنزلة حتى [ ترضى ] ، وفي بعض التفاسير : هو ألف قصر من اللؤلؤ وترابها المسك ، والقول الثالث : أنه الشفاعة لأمته ، وعن محمد بن علي الباقر قال : إنكم تقولون : إن أرجى آية في كتاب الله تعالى قوله : ( ^ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) الآية ، ونحن نقول : أرجى آية في كتاب الله تعالى هو قوله : ( ^ ولسوف يعطيك ربك فترضى ) يعني : أنه يشفعه في أمته حتى يرضى . < < الضحى : ( 6 ) ألم يجدك يتيما . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم يجدك يتيما فآوى ) سماه يتيما ؛ لأن أباه توفي وهو حمل ، وقيل : بعد ولادته بشهرين ، وتوفيت أمه وهو ابن ست سنين ، وكفله جده عبد المطلب ، ثم مات وهو ابن ثمان سنين ، وكفله عمه أبو طالب ، ومعنى قوله : ( ^ فأوى ) أي : جعل لك مأوى ، وهو أبو طالب ، والمعنى : يأوي إليه ، وتوفي أبو طالب قبل الهجرة بثلاث سنين . < < الضحى : ( 7 ) ووجدك ضالا فهدى > >
وقوله : ( ^ ووجدك ضالا فهدى ) أي : عن الشرائع والإسلام فهداك إليها ، ويقال : عن النبوة ، وقيل : ووجدك ضالا أي : غافلا عما يراد بك فهداك إليه ، وهو أحسن
____________________

( ^ ووجدك عائلا فأغنى ( 8 ) فأما اليتيم فلا تقهر ( 9 ) ) الأقاويل .
وقيل : ضالا عن طريق الحق فهداك إليه .
وعن بعضهم : وجدك في قوم ضال ، وأولى الأقاويل أن يكون محمولا على الشرائع ، وما أنزل الله مثل قوله سبحانه وتعالى : ( ^ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ) أو يكون المعنى وجدك ضالا أي : غافلا عن النبوة والوحي الذي أنزل إليه مثل قوله في قصة موسى - صلوات الله عليه - : ( ^ قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ) أي : من الغافلين . < < الضحى : ( 8 ) ووجدك عائلا فأغنى > >
وقوله : ( ^ ووجدك عائلا فأغنى ) أي : فقيرا فأغناك بمال خديجة .
[ وقال الكلبي ومقاتل ] : أغناك بالرضا والقناعة بما أعطاك ، وهو أولى القولين ، وقد ثبت عن النبي أنه قال : ' ليس الغنى عن كثرة العرض ، إنما الغنى غنى القلب ' ، وأنشد بعضهم :
( فما يدري الفقير متى غناه ** وما يدري الغني متى يعيل )
أي : يفتقر .
ويقال : ( ^ ووجدك عائلا ) أي : ذا عيال ، فأغنى أي : كفاك مؤنتهم ، ومن المعروف أن النبي قال : ' يا رب ، إنك اتخذت إبراهيم خليلا وموسى كليما ، وسخرت مع داود الجبال ، وفعلت كذا وكذا ، فما فعلت بي ؟ فأنزل الله تعالى : ( ^ ألم يجدك يتيما فآوى ) والسورة الأخرى ، وهي قوله تعالى : ( ^ ألم نشرح لك
____________________

( ^ وأما السائل فلا تنهر ( 10 ) وأما بنعمة ربك فحدث ( 11 ) ) صدرك ) وفي هذا الخبر أن الرسول قال : ' وددت أني لم أقل ما قلت ' . < < الضحى : ( 9 ) فأما اليتيم فلا . . . . . > >
قوله سبحانه وتعالى : ( ^ فأما اليتيم فلا تقهر ) أي لا تحتقره ، والمعروف : لا تظلمه أي : تأخذ حقه وتتقوى به ، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك في أموال اليتامى .
وقرأ ابن مسعود : ' فلا تكهر ' أي : لا تزجره . < < الضحى : ( 10 ) وأما السائل فلا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأما السائل فلا تنهر ) أي : رد برفق ولين ، فإما أن تعطيه ، وإما أن ترده بالرفق وتدعو له ، وحكى عن الحسن البصري أنه قال : محمول على سائل العلم دون سائل الطعام ، وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه كان إذا جاءه طالب علم قال : مرحبا بأحبة رسول الله ، وعن إبراهيم بن أدهم - قدس الله روحه - قال : إني أظن أن الله تعالى يصرف العقوبة عن أهل الدنيا برحلة أصحاب الحديث في طلب العلم . < < الضحى : ( 11 ) وأما بنعمة ربك . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ وأما بنعمة ربك فحدث ) أي : بالنبوة .
وقوله : ( ^ فحدث ) أي : ادع الناس إليها ، وقد كان يكتم زمانا ثم أظهرها ، وقيل : هو القرآن فعلى هذا قوله : ( ^ فحدث ) أي : اتله على الناس ، ويقال : جميع النعم .
وقوله : ( ^ فحدث ) أي : أظهر بالشكر ، وعن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - أنه قال : إذا أصبت خيرا أو نعمة فحدث به الثقات من إخوانك .
وعن عمرو بن ميمون أنه قال : من قام لورده في الليل فلا بأس أن يحدث به الثقة من إخوانه ، ويقول : رزقني الله كذا وكذا .
وفي
____________________

بعض الأخبار : ' أن إظهار النعمة شكر ، والسكوت عنها كفر ' والله أعلم .
وقرأ ابن كثير - رحمة الله عليه - من هذا الموضع بالتكبير في خواتم السور إلى آخر القرآن ، وذكر أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك ، وقرأ مجاهد على ابن عباس - رضي الله عنهما - فأمره بذلك ، وقرأن ابن عباس على أبي بن كعب - رضي الله عنهما - فأمره بذلك ، وقرأ ( ابن مسعود ) على النبي فأمره بذلك .
والتكبير هو قوله : الله أكبر ، قالوا : وسبب هذا أن المشركين لما قالوا للنبي إن ربه ودعه وقلاه ، وفي رواية أنهم قالوا : قد هجره شيطانه ، فلما أنزل الله تعالى هذه السورة وفيها قوله تعالى : ( ^ ما ودعك ربك وما قلى ) كبر النبي فرحا بنزول هذه السورة ، فصار سنة إلى آخر القرآن .
والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ ألم نشرح لك صدرك ) <
> تفسير سورة ألم نشرح <
>
وهي مكية < < الشرح : ( 1 ) ألم نشرح لك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم نشرح لك صدرك ) معناه : ألم نفتح لك صدرك ؟ وقيل : ألم نوسع لك صدرك ، والقول الأول ، قاله مجاهد والحسن .
وقال السدي : ألم نلين لك قلبك ، وقال الحسن في رواية أخرى : ( ^ ألم نشرح لك صدرك ) معناه : أنه ملئ حكمة وإيمانا .
وقد ورد في الأخبار برواية قتادة ، عن أنس ، [ عن ] مالك بن صعصعة ، أن نبي الله قال : ' بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول : هو بين الثلاثة ، فأتيت بطست من ذهب فيه ماء زمزم ، فشرح الله صدري إلى كذا وكذا .
قال قتادة : قلت : ما تعني ؟ قال : إلى أسفل بطني ، فاستخرج قلبي وغسله بماء زمزم ، ثم أعاده إلى مكانه ، ثم حشاه إيمانا وحكمة ' .
وفي الحديث قصة طويلة ، قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث القاضي الإمام أبو الدرداء ، أخبرنا أبو العباس بن سراج ، أخبرنا أبو العباس بن محبوب أخبرنا أبو عيسى الحافظ ، أخبرنا محمد بن بشار ، أخبرنا محمد بن جعفر ، وابن أبي عدي ، عن سعيد بن أبي ( عروبة ) ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك الحديث .
وهو حديث صحيح .
وورد أيضا في الأخبار أن النبي قال : ' إذا دخل النور في قلب المؤمن انشرح وانفسخ .
فقيل يا رسول الله وهل لذلك من علامة ؟ قال التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل حلول الموت ' .
____________________

( ^ ووضعنا عنك وزرك ( 2 ) الذي أنقض ظهرك ( 3 ) ورفعنا لك ذكرك ( 4 ) ) < < الشرح : ( 2 ) ووضعنا عنك وزرك > >
وقوله : ( ^ ووضعنا عنك وزرك ) قال مجاهد : أي غفرنا لك ، وهو في معنى قوله تعالى ( ^ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) .
وقوله : ( ^ وزرك ) قال مجاهد : أي : ثقلك .
وعن بعضهم : ووضعنا عنك وزرك ، أي : حططنا عنك ثقلك .
وفي رواية ابن مسعود : وحللنا عنك وقرك . < < الشرح : ( 3 ) الذي أنقض ظهرك > >
وقوله : ( ^ الذي أنقض ظهرك ) قال الزجاج ، أي : أثقلك ثقلا ، يسمع منه نقيض ظهرك : وهذا على طريق التشبيه والتمثيل ، يعني : لو كان شيئا يثقل ، يسمع من ثقله نقيض ظهرك .
فإن قال قائل : وأيش كان وزره ؟ وهل كان على دين قومه قبل النبوة أو لا ؟
والجواب : قد ورد في التفسير : أنه كان على دين قومه قبل ذلك ، ومعنى ذلك : أنه كان يشهد مشاهدهم ، ويوافقهم في بعض أمورهم من غير أن يعبد صنما أو يعظم وثنا ، وقد كان الله عصمه عن ذلك ، فما ذكرنا هو الوزر الذي أنقض ظهره . < < الشرح : ( 4 ) ورفعنا لك ذكرك > >
وقوله : ( ^ ورفعنا لك ذكرك ) فيه أقوال : أحدها : ورفعنا لك ذكرك بالنبوة والرسالة .
والآخر : رفعنا لك ذكرك أي : جعلت طاعتك طاعتي ، ومعصيتك معصيتي ، والقول المعروف في هذا أني لا أذكر إلا ذكرت معي ، قال ابن عباس : في الأذان والإقامة والتشهد وعلى المنابر في الجمع والخطب في العيدين ويوم عرفة وغير ذلك .
وقال قتادة : ما من متشهد ولا خطيب ولا صاحب صلاة إلا وهو ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله .
وقد ورد في بعض الأخبار هذا مرفوعا إلى جبريل - عليه السلام - برواية أبي سعيد الخدري عن النبي قال لي : ' إن جبريل قال : قال الله عز وجل : إذا ذكرت
____________________

( ^ فإن مع العسر يسرا ( 5 ) إن مع العسر يسرا ( 6 ) )
وقال حسان بن ثابت يمدح النبي :
( أغر عليه للبنوة خاتم ** من الله مشهود يلوح ويشهد )
( وضم الإله اسم النبي مع اسمه ** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد )
( وشق له من اسمه ليجله ** فذو العرش محمود وهذا محمد ) < < الشرح : ( 5 - 6 ) فإن مع العسر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فإن من العسر يسرا ) أي : مع العسر يسرا .
في التفسير أن المشركين عيروا النبي وأصحابه ، وقالوا : لو شئت جمعنا لك شيئا من المال لترجع عن هذا القول ، فأكربه ذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
والمعنى : إن مع الفقر غنى ، ومع الضيق سعة ، وإن مع الحزونة سهولة ، ومع الشدة رخاء .
وقد حقق الله ذلك في الدنيا بما فتح على النبي - عليه الصلاة والسلام - وعلى أصحابه ، فإن الله تعالى فتح للنبي الحجاز ، وتهامة ، وما والاها ، وعامة بلاد اليمن ، وكثيرا من البوادي إلى [ قريب ] من العراق والشام ، وفتح على أصحابه ما فتح وأغنمهم كنوز كسرى وقيصر ، وقد صار حال النبي في آخر أمره أنه كان يهب المائين من الإبل ، والألوف من الغنم ، ويدخر لعياله قوت سنة ، فهذا الذي ذكرناه هو معنى الآية .
وقد روى معمر ( عن أيوب ) عن الحسن ' أن النبي خرج يوما مسرورا إلى أصحابه وقال : أبشروا لن يغلب عسر يسرين ، ثم قرأ قوله تعالى : ( ^ فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد ، أخبرنا سهل بن عبد الصمد بن عبد الرحمن البراز أخبرنا العذافري ، أخبرنا الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن معمر . . . الحديث .
____________________


فإن قال قائل : ما معنى قوله : لن يغلب عسر يسرين ، وقد كرر كلاهما ؟
والجواب عنه : أن الفراء ذكر أن النكرة إذا كررت نكرة ، فالثاني غير الأول ، والنكرة إذا أعيدت معرفة فالثاني هو الأول تقول العرب : كسبت اليوم درهما ، وأنفقت الدرهم .
فالثاني هو الأول .
ونقول : وعلى معنى هذا ورد قوله تعالى : ( ^ كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ) وعن ابن مسعود قال : لو دخل العسر في جحر لتبعه اليسر حتى يستخرجه .
وفي معنى اليسرين قولان : أحدهما : يسر الدنيا ، والآخر يسر الآخرة ، فعلى هذا معنى الخبر ، إن غلب العسر يسر الدنيا ، فلا يغلب يسر الآخرة .
والقول الثاني : أن اليسر الأول هو للرسول ، واليسر الثاني لأصحابه .
قال رضي الله عنه : أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن عبد العزيز الجنوجردي قال : أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي الحسن بن محمد النيسابوري قال : سمعت محمد بن عامر البغدادي قال سمعت عبد العزيز بن يحيى قال : سمعت عمر قال العتبي يقول : كنت ذات ليلة في البادية ، فألقى في روعي بيت من شعر ، فقلت :
( أرى الموت لمن أصبح ** مغموما أروح )
فلما جن الليل سمعت هاتفا يهتف من الهواء :
( ألا أيها المرء الذي ** الهم به يبرح )
( وقد أنشد بيتا ** لم يزل في فكره يسنح )
( إذا اشتدت بك العسرى ** ففكر في ألم نشرح )
( فعسر بين يسرين ** إذا أبصرته فافرح )
قال : فحفظت الأبيات ، وفرج الله غمي .
قال رضي الله عنه : وأنشدنا أبو بكر قال : أنشدنا أبو إسحاق قال أنشدنا الحسن بن محمد بن الحسن قال : أنشدنا أحمد بن محمد بن إسحاق الحيري قال : أنشدنا
____________________

( ^ فإذا فرغت فانصب ( 7 ) وإلى ربك فارغب ( 8 ) ) إسحاق بن بهلول القاضي :
( فلا تيأس وإن أعسرت يوما ** فقد أيسرت في دهر طويل )
( ولا تظنن بربك ظن سوء ** فإن الله أولى بالجميل )
( وإن العسر يتبعه يسار ** وقول الله أصدق كل قيل )
قال رضي الله عنه : وأنشدنا أبو بكر قال : أنشدنا أبو إسحاق قال : أنشدنا الحسن قال : أنشدنا الحسن بن محمد قال : أنشدني محمد بن سليمان بن معاذ ( الكرخي ) قال أنشدنا أبو بكر بن الأنباري :
( إذا بلغ العسر مجهوده ** فثق عند ذاك بيسر سريع )
( ألم تر نحس الشتاء النطيع ** يتلوه سعد الربيع البديع )
قال رضي الله عنه : وأنشدنا أبو بكر ، أنشدنا أبو إسحاق ، أنشدني عيسى بن زيد الطفيلي أنشدني سليمان بن أحمد الرقي :
( توقع إذا ما عدتك الخطوب ** سرورا يسردها عندك فسرا )
( ترى الله يخلف ميعاده ** وقد قال إن مع العسر يسرا ) < < الشرح : ( 7 ) فإذا فرغت فانصب > >
قوله تعالى : ( ^ فإذا فرغت فانصب ) قال مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل : إذا فرغت من الصلاة فانصب للدعاء ، وارغب إلى الله في المسألة .
وقال الشعبي : إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك .
وروى نحو ذلك عن الزهري وعن ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب لقيام الليل .
وعن بعضهم إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب لجهاد الكفار . < < الشرح : ( 8 ) وإلى ربك فارغب > >
وقوله : ( ^ وإلى ربك فارغب ) هو الحث على الدعاء [ و ] المسألة .
وقال الزجاج : إلى ربك فارغب وحده ، ولا تكن رغبتك إلى أحد سواه .
والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والتين والزيتون ( 1 ) وطور سينين ( 2 ) وهذا البلد الأمين ( 3 ) لقد خلقها الإنسان في أحسن تقويم ( 4 ) ثم رددناه أسفل سافلين ( 5 ) ) <
> تفسير سورة التين <
>
وهي مكية
وقد ثبت برواية البراء بن عازب أن النبي قرأ هذه السورة في صلاة المغرب خرجه مسلم في كتابه . < < التين : ( 1 ) والتين والزيتون > >
قوله تعالى : ( ^ والتين والزيتون ) قال مجاهد والحسن : هو التين الذي يؤكل والزيتون الذي يعصر .
والمعنى : ورب التين والزيتون .
وقال قتادة : التين هو الجبل الذي عليه دمشق ، والزيتون هو الجبل الذي عليه بيت المقدس .
وقال كعب : هو دمشق وبيت المقدس .
وحكى الفراء أنهما جبلان ما بين حلوان إلى همذان .
ويقال : أراد منابت التين والزيتون .
قال النحاس : وهذا قول يخالف ظاهر الآية ، ولم ينقل عمن يكون قوله حجة . < < التين : ( 2 ) وطور سينين > >
وقوله : ( ^ وطور سنين ) أكثر المفسرين أنه الجبل الذي كلم الله عليه موسى .
وقد ثبت عن عمر أنه قرأ : ' وطور سَيْنَاء ' ، وفي حرف ابن مسعود : ' وطور سِيْنَاء ' بكسر السين .
وقال الحسن : الطور هو الجبل ، وسنين : المبارك .
وعن الأخفش : طور : اسم الجبل وسنين : اسم الشجر . < < التين : ( 3 ) وهذا البلد الأمين > >
وقوله : ( ^ وهذا البلد الأمين ) هو مكة بالإجماع ، ومعنى الأمين أي : آمن من فيه . < < التين : ( 4 ) لقد خلقنا الإنسان . . . . . > >
وقوله : ( ^ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) هو جواب القسم .
قال مجاهد وإبراهيم وجماعة : في أحسن تقويم أي : في أحسن صورة .
وقيل : في أحسن تقويم : هو اعتداله واستواؤه . < < التين : ( 5 ) ثم رددناه أسفل . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم رددناه أسفل سافلين ) قال مجاهد والحسن : إلى النار إلا من آمن .
فعلى هذا تكون الآية في الكفار .
وقد قيل : إنه ورد في كافر بعينه فيقال : إنه أبو
____________________

( ^ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ( 6 ) فما يكذبك بعد بالدين ( 7 ) أليس الله بأحكم الحاكمين ( 8 ) ) جهل .
وقيل : إنه الوليد بن المغيرة .
وقيل غيرهما .
وقال إبراهيم والضحاك وجماعة : ثم رددناه أسفل سافلين : هو أرذل العمر ، والسافلون هم الضعفاء والمرضى والشيوخ العجزة . < < التين : ( 6 ) إلا الذين آمنوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلا الذين آمنوا ) الاستثناء مشكل في هذه السورة ، فعلى قول الحسن ومجاهد يكون الاستثناء ظاهرا والمعنى : رد الناس إلى النار إلا من آمن وعمل صالحا فإنه لا يرد إلى النار ، ومعنى الإنسان : الناس .
وأما على قول إبراهيم والضحاك فالاستثناء مشكل على هذا القول ، قاله النحاس .
والمعنى على هذا إلا الذين آمنوا فلا يردون إلى أرذل العمر ، ومعناه : أنه يكتب لهم أعمالهم الصالحة بعد الهرم على ما كانوا يعملونها في حالة الشباب وإن عجزوا عنها ، فكأنهم لم يردوا إلى أرذل العمر ، وقد حكى معنى هذا عن إبراهيم ، وروى ذلك مرفوعا في بعض الأخبار إلى الرسول .
وقوله : ( ^ فلهم أجر غير ممنون ) فيه قولان : أحدهما : لا يمتن به عليهم أحد - سوى الله - منة تكدر النعمة عليهم .
والقول المعروف : غير مقطوع وهو مؤيد لما ذكرناه من التأويل . < < التين : ( 7 ) فما يكذبك بعد . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فما يكذبك بعد بالدين ) المعنى : فما يكذبك أيها الشاك بيوم الحساب بعد ما شاهدت من قدرة الله تعالى ما شاهدت ، هذا هو القول المعروف .
وفي الآية قول آخر : أن معناه : فمن يكذبك بعد بالدين على خطاب النبي أي : من الذي يكذبك بيوم الحساب بعد أن ظهر من البراهين والآيات ما ظهر ، ذكره أبو معاذ النحوي ، القول الأول أولى ؛ لأن ما بمعنى من ، يبعد في اللغة . < < التين : ( 8 ) أليس الله بأحكم . . . . . > >
وقوله : ( ^ أليس الله بأحكم الحاكمين ) هو استفهام بمعنى التحقيق وهو مثل قول جرير :
( ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح )
أي : أنتم كذلك .
وقد ورد عن جماعة من الصحابة أنهم كانوا إذا ختموا السورة قالوا : اللهم بلى ، وفي رواية : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين ؛ منهم أبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهما .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ اقرأ باسم ربك الذي خلق ( 1 ) ) <
> تفسير سورة العلق <
>
وهي مكية < < العلق : ( 1 ) اقرأ باسم ربك . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ اقرأ باسم ربك الذي خلق ) أكثر أهل العلم [ أن ] هذه السورة أول سورة أنزلت من القرآن ، وهو مروي عن علي ، وابن عباس ، وعائشة ، وابن الزبير .
وروى محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ' أن أول سورة أنزلت من القرآن ، سورة اقرأ باسم ربك الذي . . . ' قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث الحاكم أبو عمرو ومحمد بن عبد العزيز القنطري ، أخبرنا أبو الحارث علي بن القاسم الخطابي أخبرنا أبو لبابة محمد بن المهدي ، أخبرنا أبو عماد بن الحسين بن بشر ، عن [ سلمة ] بن الفضل عن محمد بن إسحاق .
الخبر .
وعن جابر : أن أول سورة أنزلت سورة المدثر ، [ و ] قد بينا ، والأصح هو القول الأول ، وقد ثبت برواية عائشة - رضي الله عنها - قالت : ' أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا ( الصادقة ) في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد - وهو التعبد - ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها ، حتى ( فجئه ) الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقر ، فقال النبي قلت : ما أنا بقارئ .
قال :
____________________

( ^ خلق الإنسان من علق ( 2 ) اقرأ وربك الأكرم ( 3 ) الذي علم بالقلم ( 4 ) علم الإنسان ما لم يعلم ( 5 ) كلا إن الإنسان ليطغى ( 6 ) ) فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم ، أرسلني ، فقال : اقرأ ، فقلت ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال اقرأ ، فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني ، فقال : ' اقرأ باسم ربك الذي خلق . . . حتى بلغ ما لم يعلم ' .
والخبر طويل مذكور في الصحيحين .
وقوله : ( ^ باسم ربك ) أي : اقرأ مفتتحا باسم ربك ، وقيل : اقرأ اسم ربك ، والباء زائدة ، قاله أبو عبيدة ، ومثله قول الشاعر :
( هن الحرائر لأرباب أخمرة ** سود المحاجر لا يقرأن بالسور )
أي : السور ، والباء زائدة .
وقيل : اقرأ على اسم ربك ، كما يقال : سر باسم الله أي : على اسم الله ، والقولان الأولان هما المعروفان .
وقوله : ( ^ الذي خلق ) يعني : خلق الناس . < < العلق : ( 2 ) خلق الإنسان من . . . . . > >
وقوله : ( ^ خلق الإنسان من علق ) أي : العلقة وهي الدم ، وذكرها هنا العلقة ؛ لأنها من الأمشاج ، فدل بها على غيرها . < < العلق : ( 3 ) اقرأ وربك الأكرم > >
وقوله : ( ^ اقرأ وربك الأكرم ) أي كريم ، ومن كرمه أن يحلم عن ذنوب العباد ، ويؤخر عقوبتهم ، وعن بعضهم : من كرمه أن يعبد الآدمي غيره ، ولا يقطع عنه رزقه . < < العلق : ( 4 ) الذي علم بالقلم > >
وقوله : ( ^ الذي علم بالقلم ) أي : الكتابة بالقلم ، وهي نعمة عظيمة ، قال قتادة : القلم نعمة من الله عظيمة ، لولا ذلك لم يقم دين ، ولم يصلح عيش ، واختلف القول في المراد بالتعليم ، فأحد القولين هو آدم صلوات الله عليه ، والقول الآخر : كل آدمي يخط بالقلم . < < العلق : ( 5 ) علم الإنسان ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ علم الإنسان ما لم يعلم ) قد بينا ، وهو ظاهر المعنى . < < العلق : ( 6 ) كلا إن الإنسان . . . . . > >
قوله : ( ^ كلا إن الإنسان ليطغى ) نزل في أبي جهل ، وقد ورد في بعض الأخبار
____________________

( ^ أن رآه استغنى ( 7 ) إن إلى ربك الرجعى ( 8 ) أرأيت الذي ينهى ( 9 ) عبدا إذا صلى ( 10 ) أرأيت إن كان على الهدى ( 11 ) أو أمر بالتقوى ( 12 ) أرأيت إن كذب وتولى ( 13 ) ألم يعلم بأن الله يرى ( 14 ) كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ) عن النبي أنه قال : ' إن لكل أمة فرعون ، وفرعون هذه الأمة أو جهل ' .
وهو خبر غريب .
وقوله : ( ^ ليطغى ) أي : يجاوز الحد في العصيان ، قال الكلبي : من الطغيان أن يتنقل من منزلة إلى منزلة في اللباس والطعام .
وفي بعض التفاسير : هو أنه إذا كثر ماله زاد في طعامه وشرابه وثيابه ( ومركبه ) .
وعن ابن مسعود أنه قال : منهومان لا يشبعان طالب علم ، وطالب مال لا يستويان ، أما طالب العلم فيبتغي رضا الرحمن ، وأما طالب المال فيطلب رضا الشيطان . < < العلق : ( 7 ) أن رآه استغنى > >
وقوله : ( ^ أن رآه استغنى ) أي : رأى نفسه غنيا . < < العلق : ( 8 ) إن إلى ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن إلى ربك الرجعى ) أي : الرجوع والمرجع . < < العلق : ( 9 - 10 ) أرأيت الذي ينهى > >
وقوله تعالى : ( ^ أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) هو أبو جهل أيضا ، والعبد الذي يصلي هو الرسول ، وقد ثبت برواية ابن عباس : أن أبا جهل قال : إن رأيت محمدا يصلي لأطأن على رقبته ، فذكر له أنه يصلي فجاء ليطأ على رقبته ، فلما قرب منه نكص على عقبيه ، فقيل له : ما لك يا أبا الحكم ؟ فقال : رأيت بيني وبينه خندقا من نار ، وهؤلاء ذوو أجنحة ، فقال النبي : لو دنى مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ' خرجه مسلم في كتابه .
وقوله : ( ^ أرأيت ) هو تعجيب للسامع ، وقيل
____________________

( ( 15 ) ناصية كاذبة خاطئة ( 16 ) فليدع نادية ( 17 ) سندع الزبانية ( 18 ) كلا لا تطعه واسجد واقترب ( 19 ) ) معناه : أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ، كيف يأمن عذابي ؟ وقيل معناه أمصيب هو ؟ يعني : ليس بمصيب ، وفي قول سيبويه معناه : أرأيت من كان هذا عمله ، أخبرني عن أمره في الآخرة ؟ وهو إشارة إلى أنه يصير إلى عقوبة الله في الآخرة . < < العلق : ( 11 - 12 ) أرأيت إن كان . . . . . > >
قول تعالى : ( ^ أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ) يعني : محمدا . < < العلق : ( 13 ) أرأيت إن كذب . . . . . > >
وقوله : ( ^ أرأيت إن كذب وتولى ) يعني : أبا جهل ، والمعنى : أن من كذب وتولى ونهى عبدا إذا صلى ، كيف يكون كمن آمن بربه واتقى وصلى ! . < < العلق : ( 14 ) ألم يعلم بأن . . . . . > >
وقوله : ( ^ ألم يعلم بأن الله يرى ) هو تهديد ووعيد . < < العلق : ( 15 ) كلا لئن لم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ) أي : لنجرن بناصيته إلى النار ، وقيل : لنسودن وجهه ، وذكر الناصية ليدل على الوجه ، وقيل : لنسمن موضع الناصية بالسواد ، فاكتفى به من سائر الوجه .
وفي اللغة : الأسفع : الثور الوحشي الذي في خديه سواد ، وأنشدوا على القول :
( قوم إذا سمعوا الصريخ رأيتهم ** من بين ملجم مهرة أو سافع )
أراد وأخذ بناصيته .
وأنشدوا على القول الثاني :
( وكنت ( إلى ) نفس الغوى نزت به ** سفعت على العرنين منه بميسم )
أراد وسمته على عرنينه . < < العلق : ( 16 ) ناصية كاذبة خاطئة > >
وقوله : ( ^ ناصية كاذبة خاطئة ) أي : ناصية صاحبها كاذب خاطئ . < < العلق : ( 17 ) فليدع ناديه > >
وقوله تعالى : ( ^ فليدع نادية ) روى : ' أن أبا جهل لما أنكر على النبي صلاته ،
____________________

انتهره النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال له أبو جهل : أتنهرني يا محمد ، وما بها أكثر ناديا مني ؛ أعمر مجلسا وأكثر قوما ، فأنزل الله تعالى : ( ^ فليدع نادية ) أي قومه الذي يتعزز بهم ، وهم أهل مجلسه . < < العلق : ( 18 ) سندع الزبانية > >
وقوله : ( ^ سندع الزبانية ) هم الملائكة الذين قال الله تعالى في وصفهم : ( ^ عليها ملائكة غلاظ شداد ) وقيل : هم أعوان ملك الموت .
( وواحد الزبانية زبنية في قول الكسائي زباني ، وعن بعضهم : زبان ) . < < العلق : ( 19 ) كلا لا تطعه . . . . . > >
وقوله : ( ^ كلا لا تطعه واسجد واقترب ) أي : واسجد لله واقترب منه بالطاعة ، وقيل : واسجد يا محمد واقترب يا أبا جهل ، لترى عقوبة الله وهو قول غريب .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إنا أنزلناه في ليلة القدر ( 1 ) <
> تفسير سورة القدر <
>
وهي مدنية < < القدر : ( 1 ) إنا أنزلناه في . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إنا أنزلناه في ليلة القدر ) أي : القرآن ، وقد ذكرنا أن الله تعالى أنزل جميع القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ، ثم أنزله تفاريق على الرسول ، بعضه في إثر بعض والهاء كناية عن القرآن ، وإن لم يكن القرآن مذكورا ، وصح ذلك لأنه معلوم .
وليلة القدر : هي ليلة الحكم .
قال مجاهد في التفسير : إن الله تعالى يقسم فيها [ الأرزاق ] والأعمال .
واختلفوا في ليلة القدر ، فحكى عن بعضهم : أنها رفعت حين توفي النبي وليس بصحيح ، بل هي باقية إلى قيام الساعة .
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : في الحول ، ومن يقم حولا يصيبها .
والصحيح أنها في العشر الأخير من رمضان ، وقد ثبت برواية زر بن حبيش أنه قال لأبي بن كعب : ' إن أخاك عبد الله بن مسعود يقول : إنها في الحول ، فقال أبي بن كعب : يرحم الله أبا عبد الرحمن ! لقد علم أنها في العشر الأخير من رمضان ، وعلم أنها ليلة السابع والعشرين ، ولكن أراد أن لا يتكل الناس على ذلك ، ثم حلف أبي بن كعب ، ولم يستثن أنها ليلة السابع والعشرين ، قال زر : فلما رأيته يحلف : قلت : يا أبا المنذر ، بم تعرف ذلك ؟ قال بالعلامة الذي ذكرها لنا رسول الله ، وهي أن تطلع الشمس في صبيحتها ولا شعاع لها ' .
____________________

( ^ وما أدراك ما ليلة القدر ( 2 ) ليلة القدر خير من ألف شهر ( 3 ) ) وقد ثبت أيضا عن النبي أنه قال : ' تحروها في العشر الأواخر من رمضان ' .
أي : اطلبوها ، وفي بعض الروايات : ' اطلبوها في الأفراد ' ، وفي رواية أبي سعيد الخدري : ' أنها ليلة الحادي والعشرين ' .
وقيل غير ذلك ، وأصح الأقاويل وأشهرها أنها ليلة السابع والعشرين ، ومن قام العشر أدركها قطعا وحقيقة . < < القدر : ( 2 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما ليلة القدر ) قد بينا أن ما ورد في القرآن على هذا اللفظ ، فقد أعلمه الله تعالى . < < القدر : ( 3 ) ليلة القدر خير . . . . . > >
وقوله : ( ^ ليلة القدر خير من ألف شهر ) أي : ثواب العمل فيها أكثر من ثواب العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، وذكر أبو عيسى الترمذي في جامعه برواية يوسف بن سعد ، أن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - لما بايع معاوية ، وسلم إليه الخلافة ، قال له رجل : يا مسود وجوه المؤمنين ، أو يا مذل المؤمنين ، فقال : لا تقل بها ، فإن رسول الله أري بني أمية على منبره ، فساءه ذلك ، فأنزل الله تعالى عليه : ( ^ إنا أعطيناك الكوثر ) ، وأنزل أيضا : ( ^ إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ، وقال ( ^ ليلة القدر خير من ألف شهر ) أي : خير من ألف شهر يملك فيها بنو أمية ' .
قال أبو عيسى : وهو غريب .
وفي بعض التفاسير : أن النبي قال : ' إن رجلا من بني
____________________

( ^ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ( 4 ) سلام هي حتى مطلع الفجر ( 5 ) ) إسرائيل جاهد أعداء الله ألف شهر ، وكان مع ذلك يقوم بالليل ، ويصوم النهار ، فاغتم من ذلك لقصر أعمار أمته ، وقلة أعمالهم ، فأنزل الله تعالى هذه السورة ، وأخبر أنه أعطاه ليلة يكون العمل فيها خيرا من عمل ذلك الرجل ألف شهر ' .
وقد ثبت في فضلها عن النبي أنه قال : ' من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ' . < < القدر : ( 4 ) تنزل الملائكة والروح . . . . . > >
وقوله : ( ^ تنزل الملائكة والروح فيها ) أي : جبريل فيها .
وقوله : ( ^ بإذن ربهم من كل أمر ) أي : لكل أمر ، وهو ما ذكرنا من مقادير الأشياء . < < القدر : ( 5 ) سلام هي حتى . . . . . > >
وقوله : ( ^ سلام هي ) فيه قولان :
أحدهما : أن المراد منه تسليم الملائكة على من يذكر الله تعالى في تلك الليلة .
والقول الثاني : ( ^ سلام ) أي : سلامة ، والمعنى : أنه لا يعمل فيها داء ولا سحر ولا شيء من عمل الشياطين والكهنة .
وقوله : ( ^ حتى مطلع الفجر ) وقرئ : ' مطلع الفجر ' بكسر اللام ، فالبفتح على المصدر وبالكسر على وقت الطلوع .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ( 1 ) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ( 2 ) فيها كتب قيمة ( 3 ) وما تفرق الذين ) <
> تفسير سورة لم يكن <
>
وهي مكية في قول بعضهم ، ( مدنية في قول بعضهم ، والله أعلم ) < < البينة : ( 1 ) لم يكن الذين . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ) قرأ أبي بن كعب : ' ما كان الذين كفروا ' وهو شاذ ، والمعروف هو الأول .
وقوله تعالى : ( ^ من أهل الكتاب والمشركين منفكين ) أي : منتهين ، ومعناه : أن الكفار من أهل الكتاب والمشركين ما كانوا منتهين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة أي : حتى أتاهم الرسول ، مستقبل بمعنى الماضي ، وقيل : البينة هي القرآن ، وهذا قول معروف معتمد ، والقول الثاني : أن أهل الكتاب والمشركين الذين سمعوا منهم لم يزالوا على إقرار بالنبي قبل ظهوره ، فلما ظهر اختلفوا ، فأقر بعضهم ، وأنكر البعض ، < < البينة : ( 2 ) رسول من الله . . . . . > > وقوله : ( ^ رسول من الله ) أي : هو رسول من الله ، وقيل : حتى أتاهم رسول من الله .
وقوله : ( ^ يتلو صحفا مطهرة ) أي : ما في الصحف ، وقوله : ( ^ مطهرة ) أي : من التغيير والتبديل والإدناس والإنجاس . < < البينة : ( 3 ) فيها كتب قيمة > >
وقوله : ( ^ فيها كتب قيمة ) أي : أحكام مستقيمة عادلة ، والكتاب يأتي بمعنى الحكم ، والكتب بمعنى الأحكام ، وفي قصة العسيف أن النبي قال : ' لأقضين بينكما بكتاب الله ' أي : بحكم الله .
____________________

( ^ أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( 4 ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( 5 ) إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ( 6 ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ( 7 ) ) < < البينة : ( 4 ) وما تفرق الذين . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ) أي : في أمر النبي وما جاء به .
وقوله : ( ^ إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) أي : البينات والبراهين والدلائل . < < البينة : ( 5 ) وما أمروا إلا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) قد ذكرنا معنى الحنيف ، وقيل : إذا كان مسلما فهو الحاج ، وإذا كان غير مسلم فهو الإسلام ، والمعنى : أمروا أن يكونوا حنفاء ، فإن كان الخطاب مع المسلمين فالمراد منه أن يكونوا حجاجا وإن كان الخطاب مع الكفار فالمراد أن يكونوا مسلمين .
وقوله : ( ^ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) أي : ذلك الملة القيمة ، وقيل : دين الأمة المستقيمة على الحق ، وقيل : دين الملة القيمة . < < البينة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ) قرئ بالهمز وترك الهمز ، فالقراءة بالهمز من برأ الله الخلق ، وبترك الهمزة من البرى ، وهو التراب أي : شر من خلق من البرى ، والعرب تقول : بفيك البرى والثرى . < < البينة : ( 7 ) إن الذين آمنوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) قد ذكرنا ، وروى سفيان الثوري ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك : ' أن رجلا قال للنبي يا خير البرية قال : ذاك إبراهيم - صلوات الله عليه ' أورده أبو عيسى الترمذي في جامعه ، وقال : هو صحيح غريب .
____________________

( ^ جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ( 8 ) ) < < البينة : ( 8 ) جزاؤهم عند ربهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري ) قال ابن عمر : خلق الله أربعة أشياء بيده : القلم ، والعرش ، وجنة عدن ، وآدم - صلوات الله عليه ، وقال لسائر الأشياء كوني فكانت .
وقوله : ( ^ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ) أي : رضي أعمالهم ، ورضوا ثوابه .
وقوله : ( ^ ذلك لمن خشي ربه ) أي : خاف ربه .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إذا زلزلت الأرض زلزالها ( 1 ) ) <
> تفسير سورة إذا زلزلت <
>
وهي مكية ، وقل : مدنية .
وقد روى أنس أن النبي قال : ' من قرأ : ( ^ إذا زلزلت الأرض زلزالها ) عدلت له بنصف القرآن ، ومن قرأ : ( ^ قل يا أيها الكافرون ) عدلت له بربع القرآن ، ومن قرأ : ( ^ قل هو الله أحد ) عدلت بثلث القرآن ' أورده أبو عيسى في جامعه وقال : هو حديث غريب .
وأورد - أيضا - برواية سلمة بن وردان عن أنس بن مالك قال : إن النبي قال لرجل من أصحابه : ' هل تزوجت يا فلان ؟ قال : لا والله ، ولا عندي ما أتزوج به ، فقال : أليس معك ( ^ قل هو الله أحد ) ؟ قال : بلى ، قال : ثلث القرآن ، قال : أليس معك ( ^ إذا جاء نصر الله والفتح ) ؟ قال : بلى ، قال : ربع القرآن ، قال : أليس معك ( ^ قل يا أيها الكافرون ) ؟ قال : بلى .
قال : ربع القرآن ، قال : أليس معك ( ^ إذا زلزلت الأرض زلزالها ) ؟ قال : بلى ، قال : ربع القرآن ، قال : تزوج تزوج ' .
____________________

( ^ وأخرجت الأرض أثقالها ( 2 ) وقال الإنسان ما لها ( 3 ) يومئذ تحدث أخبارها ( 4 ) ) < < الزلزلة : ( 1 ) إذا زلزلت الأرض . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إذا زلزلت الأرض زلزالها ) قال ابن عباس : حركت من أسفلها .
والزلزال هو التحريك الشديد ، وعن ابن عباس أنه عقيب النفخة الأولى .
وفي التفسير : أن إسرافيل إذا نفخ في الصور النفخة الأولى يكسر كل شيء على وجه الأرض من شدة نفخته ، ويدخل في جوف الأرض ، فإذا نفخ النفخة الثانية أخرجت جميع ما في جوفها ، وألقتها على ( وجهها ) . < < الزلزلة : ( 2 ) وأخرجت الأرض أثقالها > >
وقوله : ( ^ وأخرجت الأرض أثقالها ) هو ما ذكرنا ، وذلك عقيب النفخة الثانية ، قال مجاهد وقتادة : كنوزها وموتاها . < < الزلزلة : ( 3 ) وقال الإنسان ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وقال الإنسان ما لها ) أي : وقال الكافر ما لها ؟ يعني : ما للأرض أخرجت أثقالها .
وإنما قال الكافر ذلك ؛ لأنه لم يكن يؤمن بالبعث . < < الزلزلة : ( 4 ) يومئذ تحدث أخبارها > >
وقوله : ( ^ يومئذ تحدث أخبارها ) أي : تحدث بما عمل عليها من خير وشر - يعني الأرض - وروى سعيد بن أبي أيوب ، عن يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله هذه الآية : ( ^ يومئذ تحدث أخبارها ) قال : أتدرون ما أخبارها ؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، أن تقول : عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا ، قال : فهذه أخبارها .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو الحسين بن النقور أخبرنا أبو طاهر ( بن ) المخلص ، أخبرنا يحيى بن محمد بن صاعد ، أخبرنا [ الحسين
____________________

( ^ بأن ربك أوحى لها ( 5 ) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ( 6 ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ( 7 ) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ( 8 ) ) بن الحسن ] المروزي ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي أيوب . . الحديث ، ويقال : المعنى : وقال الإنسان ما لها ؟ أي : ما للأرض تحدث أخبارها . < < الزلزلة : ( 5 ) بأن ربك أوحى . . . . . > >
قوله : ( ^ بأن ربك أوحى لها ) أي : أوحى إليها أن تحدث .
قال الشاعر :
( أوحى لها القرار فاستقرت ** )
أي : إليها .
والمعنى : أن الأرض أخبرت بوحي الله إليها .
قال أبو جعفر النحاس : الوحي على وجهين : أحدهما : وحي الله إلى أنبيائه عليهم السلام ، والآخر : بمعنى الإلهام ، مثل قوله تعالى : ( ^ وأوحى ربك إلى النحل ) ، ومثل هذه الآية ، وهو قوله تعالى : ( ^ بأن ربك أوحى لها ) أي : ألهمها أن تحدث . < < الزلزلة : ( 6 ) يومئذ يصدر الناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ) أي : متفرقين .
يقال : شتان ما بين فلان وفلان أي : ما أشد التفرقة بينهما .
وقوله : ( ^ ليروا أعمالهم ) أي : أعمالهم التي عملوها . < < الزلزلة : ( 7 - 8 ) فمن يعمل مثقال . . . . . > >
وقوله : ( ^ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) قال ابن مسعود : هذه الآية أحكم آية في القرآن .
وروى أن عمر بن الخطاب سأل قوما : أي آية في كتاب الله أحكم ؟ فقالوا : ( ^ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) فقال : أفيكم ابن أم عبد ؟ فقالوا : نعم ، وأراد أن هذا جائز منه .
وروى أن صعصعة عم الفرزدق أتى النبي فأسلم ، فسمع هذه الآية : ( ^ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) قال : حسبي لا أبالي ألا اسمع من القرآن غيرها .
رواه الحسن مرسلا .
____________________


وروى المغيرة بن قيس عن ابن الزبير ، عن جابر قال : ' قلت يا رسول الله ، إلى ما ينتهي الناس يوم القيامة ؟ قال : إلى أعمالهم ؛ من عمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن عمل مثقال ذرة شرا يره ' .
وفي الذرة قولان : أحدهما : أنها النملة الحمراء الصغيرة - وهو قول معروف ، والآخر : هي ما يعلق بيد الإنسان إذا وضع يده على الأرض ، وقيل : هي الذرة التي ترى في الكوة منبثا في الهواء في ضوء الشمس ، وذكر النقاش عن بعضهم : أن الذرة جزء من ألف وأربعة و ( عشرين ) جزءا من شعيرة .
وعن بعضهم : أنه بسط ذرات كثيرة على وجه إحدى كفتي الميزان ، فلم تمل عين الميزان .
وعن ابن عباس قال : [ يرى المؤمن حسناته وسيئاته فيرد عليه حسناته وتأخر سيئاته ] .
وعن بعضهم : أن ذكر الذرة على طريق التمثيل والتشبيه ، والمعنى أنه يلقى عمله الصغير والكبير ، فما أحب الله أن يغفر غفر ، وما أحب الله أن يؤاخذ به أخذ والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والعاديات ضبحا ( 1 ) فالموريات قدحا ( 2 ) فالمغيرات صبحا ( 3 ) فأثرن به نقعا ( 4 ) فوسطن به جمعا ( 5 ) إن الإنسان لربه لكنود ( 6 ) ) <
> تفسير سورة العاديات <
>
وهي مكية < < العاديات : ( 1 ) والعاديات ضبحا > >
قوله تعالى : ( ^ والعاديات ضبحا ) قال علي وابن مسعود : هي الإبل .
قال علي : لم يكن يوم بدر إلا فرسان : أحدهما للمقداد ، والآخر للزبير .
وقال ابن عباس : هي الخيل .
وهذا القول أظهر .
وأقسم بالخيل العادية في سبيل الله ، وضبيحها .
صوت أجوافها ، وقيل : صوت أنفاسها عند العدو .
قال ابن عباس : ليس بصهيل ولا حمحمة . < < العاديات : ( 2 ) فالموريات قدحا > >
وقوله : ( ^ فالموريات قدحا ) قال ابن مسعود : هي الإبل تقدح بمناسمها ، وعلى قول ابن عباس : هي الخيل تقدح الأحجار بحوافرها ، فتورى النار . < < العاديات : ( 3 ) فالمغيرات صبحا > >
وقوله : ( ^ فالمغيرات صبحا ) قال ابن مسعود : هي الإبل حين يفيضون من جمع ، وعلى قول ابن عباس : هي الخيل تغير في سبيل الله ، قال قتادة : أغارت حين أصبحت . < < العاديات : ( 4 ) فأثرن به نقعا > >
قوله تعالى : ( ^ فأثرن به نقعا ) على قول ابن مسعود أثرن بالوادي فكنى عنه وإن لم يكن مذكورا ، وعلى قول ابن عباس بالمكان المغار .
قال مجاهد عن ابن عباس : النقع التراب ، وقال قتادة : هو الغبار . < < العاديات : ( 5 ) فوسطن به جمعا > >
وقوله تعالى : ( ^ فوسطن به جمعا ) فعلى قول ابن مسعود أي : جمع المزدلفة ، وعلى قول ابن عباس جمع العدو ، فأقسم الله تعالى برب هذه الأشياء ، وقيل : بهذه الأشياء بأعيانها ، وقيل : إن النبي كان بعث سرية إلى بني كنانة فأغاروا عند الصباح ، وتوسطوا جمع العدو ، وكانوا أصحاب خيل ، فأقسم الله تعالى بهم . < < العاديات : ( 6 ) إن الإنسان لربه . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن الإنسان لربه لكنود ) على هذا وقع القسم .
____________________

( ^ وإنه على ذلك لشهيد ( 7 ) وإنه لحب الخير لشديد ( 8 ) )
وقوله : ( ^ لكنود ) أي : لكفور ، وقيل : هو البخيل السيء الخلق .
وفي بعض الأخبار مرفوعا إلى النبي برواية أبي أمامة عن النبي في قوله : ( ^ إن الإنسان لربه لكنود ) قال : ' هو الذي يأكل وحده ، ويمنع رفده ويضرب عبده ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث الحاكم محمد بن عبد العزيز القنطري ، أخبرنا محمد بن الحسين [ الحدادي ] ، أخبرنا محمد بن يحيى ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا ( المؤتمن ) بن سليمان ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة الحديث . < < العاديات : ( 7 ) وإنه على ذلك . . . . . > >
وقوله : ( ^ وإنه على ذلك لشهيد ) أي : وإن الله على ذلك لشهيد أي : على كفره .
وقال عطاء عن ابن عباس : < < العاديات : ( 8 ) وإنه لحب الخير . . . . . > > وقوله : ( ^ وإنه لحب الخير لشديد ) معناه : إن الإنسان لأجل حب المال لبخيل .
يقال : شديد ومشدد أي : بخيل .
قال طرفة :
( أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى ** عقيلة مال الفاحش المتشدد )
أي : البخيل
____________________

( ^ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ( 9 ) وحصل ما في الصدور ( 10 ) إن ربهم بهم يومئذ لخبير ( 11 ) ) < < العاديات : ( 9 ) أفلا يعلم إذا . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ) أي : أخرج ، وقرأ ابن مسعود : ' بحث ' وعن غيره وهو أبي بن كعب : ' بحثر ' أي : قلب . < < العاديات : ( 10 ) وحصل ما في . . . . . > >
قوله : ( ^ وحصل ما في الصدور ) أي : أظهر ما فيها .
وقيل : جمع يعني : ما في صحائف الأعمال . < < العاديات : ( 11 ) إن ربهم بهم . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن ربهم بهم يومئذ لخبير ) أي : عالم ، ويقال : أي : يجازيهم بأعمالهم ، ومثله قوله تعالى : ( ^ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ) أي : يجازيهم الله بما في قلوبهم .
وكذلك قوله : ( ^ وما تفعلوا من خير يعلمه الله ) أي : يجازي عليه ، وقيل في قوله : ( ^ وحصل ما في الصدور ) أي : ميز ما فيها من الخير والشر ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ القارعة ( 1 ) ما القارعة ( 2 ) وما أدراك ما القارعة ( 3 ) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ( 4 ) وتكون الجبال كالعهن المنفوش ( 5 ) فأما من ثقلت ) <
> تفسير سورة القارعة <
>
وهي مكية < < القارعة : ( 1 - 3 ) القارعة > >
قوله تعالى : ( ^ القارعة ما القارعة ) هي القيامة ، سميت قارعة ؛ لأنها تقرع القلوب بالهول والشدة .
وقوله : ( ^ ما القارعة ) مذكور على وجه التعظيم والتهويل ، وكذلك ( ^ وما أدراك ما القارعة ) . < < القارعة : ( 4 ) يوم يكون الناس . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ) الفراش هو صغار الحيوان من البق والبعوض والجراد وما يجتمع عند ضوء السراج ، والمبثوث سماه مبثوثا ؛ لأنه يركب بعضه بعضا ، وقيل : يمرج بعضه في بعض ، وهو مثل قوله تعالى : ( ^ كأنهم جراد منتشر ) وشبه الناس عند الحشر به ؛ لأنه يمرج بعضهم في بعض . < < القارعة : ( 5 ) وتكون الجبال كالعهن . . . . . > >
وقوله : ( ^ وتكون الجبال كالعهن ) أي : الصوف الذي يدف ، والعهن هو الصوف المصبوغ ، وهو أرخى ما يكون من الصوف ، وذكر هذا على معنى أن الجبال من هول يوم القيامة مع صلابتها وقوتها تصير كالعهن المنفوش . < < القارعة : ( 6 - 7 ) فأما من ثقلت . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ) .
قال الفراء والزجاج : أي ذات رضا .
وقيل : مرضية . < < القارعة : ( 8 ) وأما من خفت . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأما من خفت موازينه ) في بعض التفاسير : أن لكل إنسان ميزانا على حدة لعمله من الخير والشر . < < القارعة : ( 9 ) فأمه هاوية > >
وقوله : ( ^ فأمه هاوية ) أي مرجعه إلى الهاوية ، وسماها أمه ؛ لأن الإنسان يأوي إلى
____________________

( ^ موازينه ( 6 ) فهو في عيشة راضية ( 7 ) وأما من خفت موازينه ( 8 ) فأمه هاوية ( 9 ) وما أدراك ما هية ( 10 ) نار حامية ( 11 ) ) أمه ؛ فالهاوية تؤوي الكفار ، فهي أمهم ، وفي بعض الأخبار في نعت النار : فبئست الأم ، وبئست المربية ، ويقال : الهاوية كل موضع يهوى فيه الإنسان ويهلك . < < القارعة : ( 10 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما هية ) الهاء في قوله : ( ^ ما هية ) هاء الوقف على فتحة الياء . < < القارعة : ( 11 ) نار حامية > >
وقوله : ( نار حامية ) أي : حامية على الكفار محرقة لهم ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ ألهاكم التكاثر ( 1 ) حتى زرتم المقابر ( 2 ) كلا سوف تعلون ( 3 ) ثم كلا سوف تعلمون ( 4 ) كلا لو تعلمون علم اليقين ( 5 ) لترون الجحيم ( 6 ) ثم ) <
> تفسير سورة التكاثر <
>
وهي مكية < < التكاثر : ( 1 ) ألهاكم التكاثر > >
قول تعالى : ( ^ ألهاكم التكاثر ) أي : شغلكم التكاثر بالأموال والأولاد عما أمرتم به . < < التكاثر : ( 2 ) حتى زرتم المقابر > >
وقوله : ( ^ حتى زرتم المقابر ) فيه قولان : أحدهما : حتى متم ، والقول الثاني : هو أنه تفاخر حيان من قريش ، وهما بنو عبد مناف ، وبنو الزهرة ، وقيل : بنو زهرة وبنو جمح - وهو الأصح - فعدوا الأحياء فكثرتهم بنو زهرة فعدوا الأموات فكثرتهم بنو جمح ، فهو معنى قوله تعالى : ( ^ حتى زرتم المقابر ) أي : عددتم من في القبور .
وروى شعبة ، عن قتادة ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن أبيه قال : انتهيت إلى رسول الله وهو يقول : ' ألهاكم التكاثر ' قال : يقول ابن آدم : مالي مالي ، وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟ ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو محمد عبد الله بن محمد الصريفيني المعروف بابن هزارمرد ، أخبرنا أبو القاسم بن حبابة ، أخبرنا البغوي ، أخبرنا علي بن الجعد ، عن شعبة . . الحديث ، خرجه مسلم عن بندار ، عن غندر ، عن شعبة . < < التكاثر : ( 3 ) كلا سوف تعلمون > >
وقوله تعالى : ( ^ كلا سوف تعلمون ) تهديد ووعيد . < < التكاثر : ( 4 ) ثم كلا سوف . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم كلا سوف تعلمون ) تهديد بعد تهديد ، ووعيد بعد وعيد ، والمعنى : ستعلمون عاقبة تفاخركم وتكاثركم إذا نزل بكم الموت .
____________________

( ^ لترونها عين اليقين ( 7 ) ) < < التكاثر : ( 5 ) كلا لو تعلمون . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ كلا لو تعلمون عل اليقين ) جوابه محذوف ، والمعنى : كلا لو تعلمون علم اليقين لارتدعتم عما تفعلون ، وقيل : ما ألهاكم التكاثر . < < التكاثر : ( 6 - 7 ) لترون الجحيم > >
وقوله : ( ^ لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ) قال بعضهم : الثاني تأكيد للأول ، والمعنى فيهما واحد ، وقال بعضهم : لترون الجحيم عن بعد إذا أبرزت ، ثم لترونها عين اليقين إذا دخلتموها .
وعن قتادة قال : كنا نتحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت .
ويقال : لترون الجحيم في القبر ، ثم لترونها عين اليقين في القيامة . < < التكاثر : ( 8 ) ثم لتسألن يومئذ . . . . . > >
وقوله : ( ^ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، يسأل الله تعالى عباده يوم القيامة فيم استعملوها ؟ وهو أعلم بذلك منهم .
وعن ابن مسعود : أنه الأمن والصحة .
وعن قتادة : هو المطعم الهني والمشرب الروي .
وروى أبو هريرة مرفوعا إلى النبي ' أنه الظل البارد والماء البارد ' .
وروى عمر بن أبي سلمة أن النبي وأبا بكر وعمر أتوا منزل أبي الهيثم بن التيهان ، وأكلوا عنده لحما وتمرا ، ثم قال النبي : ' هذا من النعيم الذي تسألون عنه ' .
وروى أن عمر قال : ' يا رسول الله ، نسأل عن هذا ؟ قال : نعم إلا كسرة يسد الرجل بها جوعه ، وخرقة يستر بها عورته ، وحجرا يدخل فيه من الحر والقر ' .
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : كل لذات الدنيا .
وعن بعضهم : النوم مع العافية .
____________________

( ^ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( 8 ) )
وذكر أبو عيسى أخبارا في هذه ، منها ما روينا من حديث مطرف ، وقال : هو حديث حسن صحيح ، ومنها حديث المنهال بن عمرو ، عن زر بن حبيش ، عن علي قال : ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ( ^ ألهاكم التكاثر ) .
قال أبو عيسى : وهو حديث غريب .
ومنها حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عبد الله بن الزبير بن العوام ، عن أبيه قال : ' لما نزلت ( ^ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) قال الزبير : يا رسول الله ، وأي النعيم يسأل عنه ، وإنما هما الأسودان : التمر والماء ؟ قال : أما إنه سيكون ' قال : وهو حديث حسن .
وروى عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : ' لما نزلت هذه الآية : ( ^ ثم لتسألن يومئذ عن ا لنعيم ) قال الناس : يا رسول الله ، عن أي النعيم نسأل ، وإنما هما الأسودان ، والعدو حاضر ، وسيوفنا على عواتقنا ؟ قال : إن ذلك سيكون ' .
روى عن الضحاك بن عبد الرحمن [ بن ] عرزم الأشعري قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله : ' إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة - يعني العبد من النعيم - أن يقال له : ألم نصحح لك جسمك ، ونروك من الماء البارد ' .
قال : وهو حديث غريب ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ والعصر ( 1 ) إن الإنسان لفي خسر ( 2 ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( 3 ) ) <
> تفسير سورة العصر <
>
وهي مكية < < العصر : ( 1 - 2 ) والعصر > >
قوله تعالى : ( ^ والعصر إن الإنسان ) قال ابن عباس : هو الدهر ، وفيه العبرة لمرور الليل والنهار أنهما على ترتيب واحد .
وعن الحسن وقتادة : أنه العشي .
قال الشاعر :
( تروح بنا عمر وقد قصر العصر ** وفي الروحة الأولى المثوبة والأجر )
والعصران : هما الليل والنهار ، ويقال : هما الغداة والعشي .
وقال مقاتل : العصر هو صلاة العصر .
وعن بعضهم : أنه عصر النبي أقسم به ، وحكى أن في حرف علي : ' العصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر .
وهو فيه إلى آخر العمر ' .
وقال الزجاج : والمعنى : ورب العصر .
وقوله : ( ^ إن الإنسان لفي خسر ) معناه : لفي غبن ، ويقال : في شر ، ويقال : في هلاك ، والخسران هو ذهاب رأس المال ، ورأس مال الآدمي هو عمره ونفسه ، فإذا كفر فقد ذهب رأس ماله ، والإنسان هو الكافر ، وقيل : واحد بمعنى الجمع ، وقيل : هو في كافر بعينه ، فقيل : إنه أبي بن خلف ، وقيل : وليد بن المغيرة ، وقيل : أبو جهل بن هشام . < < العصر : ( 3 ) إلا الذين آمنوا . . . . . > >
وقوله : ( ^ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي : بالطاعات .
وقوله : ( ^ وتواصوا بالحق ) قال الحسن وقتادة : أي بالقرآن واتباعه ، وقيل : بالتوحيد .
وعن السدي : بالله أي : تواصوا بالله ، وعن الفضيل بن عياض قال : يحث بعضهم بعضا على طاعة الله .
____________________


وقوله : ( ^ وتواصوا بالصبر ) عن المعاصي ، وقيل : بالصبر على الطاعة ، وقد ورد خبر غريب برواية أبي أمامة أن قوله : ( ^ إن الإنسان لفي خسر ) هو أبو جهل بن هشام .
وقوله : ( ^ إلا الذين آمنوا ) هو أبو بكر ( ^ وعملوا الصالحات ) هو عمر ( ^ وتواصوا بالحق ) هو عثمان ( ^ وتواصوا بالصبر ) هو علي ، رضي الله عنهم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ ويل لكل همزة لمزة ( 1 ) الذي جمع مالا وعدده ( 2 ) يحسب أن ماله أخلده ( 3 ) كلا لينبذن في الحطمة ( 4 ) وما أدراك ما الحطمة ( 5 ) نار الله الموقدة ) <
> تفسير سورة الهمزة <
>
وهي مكية ، والله أعلم < < الهمزة : ( 1 ) ويل لكل همزة . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ويل لكل همزة ) قد بينا معنى الويل .
وقوله : ( ^ همزة لمزة ) قال ابن عباس : الهمزة الذي يطعن في الناس ويعيبهم ، واللمزة هو الذي يغتابهم ومثله عن مجاهد ، وقيل على العكس ، فالهمزة هو المغتاب ، واللمزة الذي يطعن في الناس ، قاله السدي وغيره ، وعن بعضهم : أن الهمزة هو الذي يؤذي الناس بلسان أو يد ، واللمزة هو الذي يؤذيهم بحاجب ( وعين ) ، وهو قول غريب ، وعن ابن عباس في رواية : أن الآية نزلت في الأخنس بن شريق الزهري ، وهو قول معروف ، وأنشدوا في الهمزة واللمزة :
( تدلى بودي إذا لاقيتني كذبا ** وإن تغيبت كنت الهامز اللمزة ) < < الهمزة : ( 2 ) الذي جمع مالا . . . . . > >
وقوله : ( ^ الذي جمع مالا وعدده ) بالتشديد والتخفيف ، فقوله : ( ^ جمع ) بالتخفيف معلوم ، وبالتشديد فالمعنى : أنه جمع من كل وجه شيئا فشيئا .
وقوله : ( ^ وعدده ) أي أعده لنفسه ولحوادثه ، وقرئ : ' وعدده ' بالتخفيف ، ومعناه : جمع عددا أي : قوما وأنصارا يتقوى بهم . < < الهمزة : ( 3 ) يحسب أن ماله . . . . . > >
وقوله : ( ^ يحسب أن ماله أخلده ) أي : يبقى حتى بقيته ، قاله الحسن ، وقال بعضهم : أي : يمنع الموت عنه . < < الهمزة : ( 4 ) كلا لينبذن في . . . . . > >
وقوله : ( ^ كلا لينبذن في الحطمة ) هو اسم من أسماء جهنم ، وقرأ ابن مصرف :
____________________

( ( 6 ) التي تطلع على الأفئدة ( 7 ) إنها عليهم مؤصدة ( 8 ) في عمد ممددة ( 9 ) ' لينبذن في الحطمة ' يعني : نفسه وماله ، وسميت النار حكمة ؛ لأنها تأكل كل شيء .
يقال : رجل حُطَمة أي : أكول ، وقيل : لأنها تكسر كل شيء من الحطم وهو الكسر . < < الهمزة : ( 5 ) وما أدراك ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ وما أدراك ما الحطمة ) قد بينا . < < الهمزة : ( 6 - 7 ) نار الله الموقدة > >
وقوله : ( ^ نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ) يعني : يصل ألمها ووجعها إلى الفؤاد .
قال محمد بن كعب القرظي : تأكل النار أجسادهم ، فإذا وصلت النار إلى القلب أعيدوا كما كانوا ، وتعود النار إلى أكلهم فهكذا أبدا . < < الهمزة : ( 8 ) إنها عليهم مؤصدة > >
وقوله : ( ^ إنها عليهم مؤصدة ) قال ابن عباس وأبو هريرة : مطبقة ، وقيل : مغلقة .
يقال : أصدت الباب أي أغلقته . < < الهمزة : ( 9 ) في عمد ممددة > >
وقوله : ( ^ في عمد ) وقرئ ' في عمد ممددة ' بفتح العين ورفعه ، وقرأ الأعمش وطلحة ويحيى بن وثاب : ' بعمد ممدة ' وهو معنى القراءة المعروفة ، وعن بعضهم : أن العمد الممدة هي الأغلال في أعناقهم ، وعن بعضهم : [ هو ] القيود في أرجلهم ، وعن بعضهم : قيود على قبرهم من نار يعذبون فيها ، وأولى الأقاويل هو أنها مطبقة بعمد يعني : مسدودة لا يخرج منها غمر ، ولا يدخلها روح .
وعن قتادة : يعذبون بالعمد ، وهي جمع عمود .
وعن أبي جعفر القارئ : أنه بكى مرة حين قرئت هذه السورة عليه ، فقيل له : ما يبكيك يا أبا جعفر ؟ قال : أخبرني زيد بن أسلم أن أهل النار لا يتنفسون فذلك أبكاني .
وقوله : ( ^ ممدة ) وقيل : مطولة ، ويقال : ممدودة .
وذكر النقاش في تفسيره : أنه يبقى رجل من المؤمنين في النار ألف سنة يقول : يا حنان ، يا منان ، وهو في شعب من شعاب النار ، فيقول الله لجبريل : أخرج عبدي من النار ، فيجيء جبريل - عليه السلام - فيجد النار مؤصدة أي : مطبقة ، فيعود ويقول : يا رب ، إني وجدت النار مؤصدة ،
____________________

فيقول : يا جبريل عد وفكها ، وأخرج عبدي من النار ، فيعود جبريل ويخرجه ، وهو مثل الخلال ( أسود ) فيلقيه على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعرا ولحما ودما ويدخله الجنة .
رواه عن سعيد بن جبير ، وذكر أن النار تطبق عليهم لييأسوا من الخروج منها ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ( 1 ) ) <
> تفسير سورة الفيل <
>
وهي مكية < < الفيل : ( 1 ) ألم تر كيف . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) الفيل دابة معلومة ، ومعنى قوله : ( ^ ألم تر ) أي : ألم تعلم ؟ وقيل : ألم تر آثار ما فعل ربك بأصحاب الفيل . وأصحاب الفيل هم جند من الحبشة أميرهم أبرهة بن الصباح أبو يكسوم وقيل : غيره .
غزوا الكعبة ، وقصدوا تخريبها وهدمها ، وأصح ما حكى في سببه أن أبرهة كان نصرانيا بني بيعة بصنعاء اليمن ، وزينها بالفاخر من الثياب والجواهر ، وقال : بنيت هذا ، يحجه العرب وأكفهم عن حج الكعبة ، وأمر الناس بذلك وأجبرهم عليه ، فجاء رجل من العرب - وقيل : إنه كان من بني كنانة - ودخل البيعة ، وأحدث فيها وهرب ، فذكر ذلك لأبرهة فغضب غضبا شديدا وحلف بالنصرانية والمسيح ليغزون الكعبة ، وليهدمنها حجرا حجرا ، ثم إنه غزا الكعبة مع جيش عظيم .
وفيه قصة طويلة ، وساق مع نفسه فيلا يقال له : محمود ، وقيل : كانت ثمانية من الفيلة أكبرها هذا الفيل ، ولقي في الطريق جندا من العرب وهزمهم ، وقتل منهم حتى أتى الطائف ، ثم إنه توجه من الطائف إلى مكة ، ودليله أبو رغال ، فمات أبو رغال في الطريق فقبره هو القبر الذي ترجمه العرب ، وهو بين مكة والطائف ، ونزل أبرهة والجند بالمغمس ، وسمع أهل مكة بذلك ، وسيدهم يومئذ عبد المطلب بن هاشم ، وأغار الجند على ما وجدوا من أموال أهل مكة وإبلهم ، وأخذوا مائتي بعير لعبد المطلب ثم إنه جاء عبد المطلب ، إلى أبرهة في طلب بعيره - وكان رجلا جسيما وسيما - فلما رآه أبرهة أعجبه حسنه وجماله فقال : ما حاجتك ؟ فقال : أن ترد على إبلي .
فقال لترجمانه : قل
____________________

( ^ ألم يجعل كيدهم في تضليل ( 2 ) ) له : أعجبني ما رأيت من هيئتك ، ثم رغبت عنك حين سمعت كلامك ، فقال عبد المطلب : وما الذي رغب الملك عني ؟ فقال : جئت لأهدم شرفك وشرف آبائك ، فتركت ذكره وسألتني إبلا أخذت لك ! فقال له عبد المطلب : أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا يمنعه ، فأمر برد الإبل عليه ، فعاد عبد المطلب ، وأمر أهل مكة حتى تنصرف في رءوس الجبال ، وقال : قد جاءكم مالا قبل لكم به .
ثم أخذ عبد المطلب بحلقة الكعبة وقال :
( يا رب : لا أرجو لهم سواكا ** يا رب ، فامنع منهم حماكا )
( إن عدو البيت من عاداك ** )
ومن المعروف أيضا أنه قال :
( يا رب إن المرء يمنع ** حله فامنع حلالك )
( لا يغلبن صليبهم ** ومحالهم أبدا محالك )
والمحال : العقوبة .
( إن كنت تاركهم وكعبتنا ** فامر ما بدالك )
ثم خرج مع القوم وخلوا مكة ، فروى أن الفيل كان إذا أحس التوجه قبل مكة امتنع ، فإذا وجه نحو اليمن أسرع وهرول ، وحبس الله الفيل عن البيت ، وهو معنى ما ثبت عن النبي أنه قال يوم الحديبية حين بركت ناقته - وهي القصواء - وقال الناس : خلأت القصواء فقال النبي : ' لا ، لكن حبسها حابس الفيل ' ثم إن الله تعالى بعث عليهم طيرا خرجت من قبل البحر ، قال ابن عباس : لها خراطيم الطير وأنف الكلاب ، وقيل : كانت سوداء ، وقيل : حمراء ، ومع كل طير ثلاثة أحجار : حجران في كفيه ، وحجر في منقاره ، وفي القصة : أن الحجر كان دون الحمص وفوق
____________________

( ^ وأرسل عليهم طيرا أبابيل ( 3 ) ترميهم بحجارة من سجيل ( 4 ) فجعلهم كعصف مأكول ( 5 ) العدس ، فجاءت الطير ورمتهم بالأحجار ، وفي القصة : أن الحجر كان يصيب رأس الإنسان ، فيخرج من دبره ، فيسقط ويموت ، وكان إذا وقع على جانب منه خرج من الجانب الآخر ، وهرب القوم وتساقطوا في الطريق .
وقيل : إن الحجر إذا أصاب الواحد منهم نفط موضعه وأصابه الجدري ، فهو أول ما رئى الجدري في ديار العرب ، والله أعلم .
وأما أبرهة فتساقط في الطريق أنملة أنملة ، ثم إنه انصدع صدره عن قلبه ومات .
وعام الفيل هو العام الذي ولد فيه النبي ، وقد قيل : إنه ولد بعد ذلك بسنتين ، والصحيح هو الأول ، وقال أهل العلم : كان ذلك إرهاصا لنبوة النبي وتأسيسا بها . < < الفيل : ( 2 ) ألم يجعل كيدهم . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ ألم يجعل كيدهم في تضليل ) أي : أبطل مكرهم وسعيهم ، ويقال : قوله : ( ^ في تضليل ) أي : ضل عنهم ، وفاتهم ما قصدوا . < < الفيل : ( 3 ) وأرسل عليهم طيرا . . . . . > >
وقوله : ( ^ وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) قال أبو عبيدة : جماعات في تفرقة ، وعند أبي عبيدة والفراء : لا واحد لها ، وعند الكسائي : واحدها : أبول مثل عجاجيل وعجول .
ويقال : طيرا أبابيل أي : كثيرة ، ويقال : أقاطيع يتبع بعضها بعضا . < < الفيل : ( 4 ) ترميهم بحجارة من . . . . . > >
وقوله : ( ^ ترميهم بحجارة من سجيل ) قال ابن عباس : السجيل بالفارسية ( سنك ) كل ، ويقال : من سجيل من السماء ، وهو اسم سماء الدنيا . < < الفيل : ( 5 ) فجعلهم كعصف مأكول > >
وقوله : ( ^ فجعلهم كعصف مأكول ) العصف : هو ورق الزرع ، ومعناه : كعصف قد أكل ما فيه ، وقيل : كل ثمره .
والمعنى : أن الله تعالى شبههم بالزرع الذي أكلته الدواب وراثته وتفرقت ، ولم يبق من ذلك شيء فشبه هلاكهم بذلك ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ لإيلاف قريش ( 1 ) <
> تفسير سورة لإيلاف <
>
وهي مكية < < قريش : ( 1 - 2 ) لإيلاف قريش > >
قوله تعالى : ( ^ لإيلاف قريش ) روى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : ( ^ لإيلاف قريش ) قال : نعمتي على قريش بإيلافهم رحلة الشتاء والصيف .
والإيلاف في اللغة هو ضد الإيجاش ، وهو نظير الإيناس ، فإن قال قائل : ما معنى ابتداء السورة باللام ؟ والجواب من وجهين : أحدهما أن معناه : اعجبوا لإيلاف قريش وتركهم الإيمان بي ، كأنه يذكر نعمته عليهم ، ويذكر كفرانهم لنعمته بترك الإيمان ، والوجه الثاني أن معناه : أن هذا متصل في المعنى بالسورة المتقدمة ، وكأنه قال : ( ^ فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ) أي : ليبقى لهم ما ألفوه من رحلتي الشتاء والصيف .
وذكر القتيبي في معنى السورة : أن القوم لم يكن لهم زرع ولا ضرع إلا القليل ، وكانت معايشهم من التجارة وكانت لهم رحلتان : رحلة في الصيف إلى الشام ، ورحلة في الشتاء إلى اليمن ، وقيل : غير هذا ، وكانوا إذا خرجوا من مكة لا يتعرض لهم أحد ، فإذا لقيهم قوم قالوا : نحن أهل الله فيكفون عنهم ولا يحاجون .
وروى أنهم كانوا يقولون : نحن من حرم الله ، فتقول العرب : هؤلاء أهل الله فيكفون عنهم ، وهو معنى قوله تعالى : ( ^ أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) فذكر الله تعالى في هذه السورة والسورة المتقدمة منته عليهم في دفع أصحاب الفيل عنهم ، ليبقى لهم ما ألفوه من التجارة في رحلتي الشتاء والصيف .
وأما قريش : فهم أولاد النضر بن كنانة ، فكل من كان من أولاد النضر بن كنانة فهو
____________________

( ^ إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ( 2 ) فليعبدوا رب هذا البيت ( 3 ) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ( 4 ) ) قرشي واختلفوا في اشتقاق هذا الاسم ، فقال الأكثرون : سموا قريشا للتجارة ، وكانوا أهل تجارة ، والقرش : الكسب ، يقال : كان فلان يقرش لعياله ويقترش أي : يكتسب .
وعن ابن عباس : أنه سميت قريش قريشا بدابة تكون في البحر ، يقال لها : القرش ، لا تمر بغث ولا سمين إلا أكلته وأنشدوا في ذلك :
( وقريش هي التي تسكن البحر ** وبها سميت قريش قريشا )
( تأكل الغث والسمين ولا تترك ** فيه لذي الجناحين ريشا )
( هكذا في البلاد هي قريش ** يأكلون البلاد أكلا كميشا )
( ولهم آخر الزمان نبي ** يكثر القتل فيهم والخموشا ) < < قريش : ( 3 - 4 ) فليعبدوا رب هذا . . . . . > >
وقوله : ( ^ فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع ) قال ذلك لأنهم كانوا يجلبون الطعام من المواضع البعيدة وكان هو الذي يسهل لهم ذلك ، ويرزقهم إياها بتيسير أسبابها لهم .
وقوله : ( ^ وآمنهم من خوف ) أي : من خوف الغارة والقتل على ما قلنا ، وقيل : من خوف الجذام ، والأصح هو الأول .
وفي بعض التفاسير : أن أول من جمع قريشا على رحلتي الشتاء والصيف هاشم بن عبد مناف ، وكانوا يأخذون في بضائعهم باسم الفقراء شيئا معلوما فإذا رجعوا أعطوهم ذلك تقربا إلى الله .
وقال الشاعر في هاشم :
( عمرو العلا هشم الثريد لقومه ** ورجال مكة مسنتون عجاف )
( الخالطين فقيرهم بغنيهم ** حتى يصير فقيرهم كالكاف )
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ أرأيت الذي يكذب بالدين ( 1 ) فذلك الذي يدع اليتيم ( 2 ) ولا يحض على طعام المسكين ( 3 ) فويل للمصلين ( 4 ) ) <
> تفسير سورة أرأيت <
>
وهي مكية
وقيل : إنها مدنية ، وقيل : نصفها مكية ، ونصفها مدنية ، فالنصف الأول إلى قوله ( ^ فويل للمصلين ) مكية ، والنصف الباقي مدنية ، والله أعلم . < < الماعون : ( 1 ) أرأيت الذي يكذب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ أرأيت الذي يكذب بالدين ) أي : بالجزاء ، وقيل : بالحساب ، قاله مجاهد ، والمعنى : أرأيت من يكذب بالدين أمخطئ هو أم مصيب ؟ يعني : أنه مخطئ فلا توافقه ولا تتبعه . < < الماعون : ( 2 ) فذلك الذي يدع . . . . . > >
وقوله : ( ^ فذلك الذي يدع اليتيم ) وورد في الحديث أن النبي قال : ' من ضم يتيما من بين المسلمين إلى نفسه ، وجبت له الجنة ' .
وقرئ في الشاذ : ' يَدعُ اليتيم ' أي : يترك العطف عليه والرحمة له . < < الماعون : ( 3 ) ولا يحض على . . . . . > >
وقوله تعالى : ( ^ ولا يحض على طعام المسكين ) قيل : لا يطعم بنفسه ، ولا يأمر به غيره . < < الماعون : ( 4 - 5 ) فويل للمصلين > >
قوله تعالى : ( ^ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) قال قتادة : غافلون .
وروى المغيرة عن إبراهيم قال : مضيعون للوقت ، وهذا قول معروف ، وهو وارد عن جماعة من التابعين ، وذكروا أن المراد بالسهو هاهنا هو تأخير الصلاة عن وقتها ، والقول الثالث : وهو أن الآية وردت في المنافقين .
ومعنى قوله : ( ^ الذين هم عن صلاتهم ساهون ) يعني : أنهم إن صلوها لم يرجوا
____________________

( ^ الذين هم عن صلاتهم ساهون ( 5 ) الذين هم يراءون ( 6 ) ويمنعون الماعون ( 7 ) ) ثوابا ، وإن تركوها لم يخافوا عقابا .
قال ابن زيد : هم المنافقون صلوها ، وليست الصلاة من شأنهم .
وروى الوالبي عن ابن عباس قال : هم المنافقون ، كانوا إذا حضروا صلوها رياء ، وإذا غابوا تركوها .
وقال محمد بن كعب القرظي : هو المنافق ، إذا رأى الناس صلى ، وإذا لم ير الناس لم يصل .
وقيل : ساهون أي : لاهون ، والمعنى أنهم يشتغلون بغيره عنها . < < الماعون : ( 6 ) الذين هم يراؤون > >
وقوله : ( ^ الذين هم يراءون ) قد بينا . < < الماعون : ( 7 ) ويمنعون الماعون > >
وقوله : ( ^ ويمنعون الماعون ) قال علي : هو الزكاة ، حكاه مجاهد عنه ، وهذا القول محكي أيضا عن الحسن وإبراهيم التيمي .
وقال ابن عباس : هو العارية ، وسميت ماعونا : لأن الناس يعين بعضهم بعضا .
وقد ورد في الخبر : أنه مثل الماء والملح والفأس والقدر والمقدحة وما أشبه ذلك .
وفي بعض الأخبار عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سألت النبي ما الذي لا يحل منعه ؟ قال : ' الماء والملح والنار ' .
وفي بعض الروايات زيادة : ' والحجر والدلو ' .
وحكى أبو الحسين بن فارس عن أبيه فارس ، أن الماعون هو الماء ، حكاه عن أهل اللغة ، وقد ذكره النحاس أيضا في كتابه .
وأنشدوا :
( يمج صبيرة الماعون مجا ** )
وأنشدوا في الماعون بمعنى الزكاة :
( قوم على الإسلام لما يمنعوا ** ماعونهم ويضيعوا التهليلا )
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إنا أعطيناك الكوثر ( 1 ) ) <
> تفسير سورة الكوثر <
>
وهي مكية
روى المختار بن فلفل عن أنس قال : ' بينا رسول الله ذات يوم بين أظهرنا ، إذا أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما ، فقلت : ما أضحكك يا رسول الله ؟ فقال : أنزلت عليَّ آنفا سورة ' فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ( ^ إنا أعطيناك الكوثر فصلي لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ) ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم .
قال : فإنه نهر وعدنيه ربي خيرا كثيرا ، هو حوضي ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد نجوم السماء ، فيختلج العبد منهم ، فأقول : رب إنه من أمتي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ' .
رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن علي بن مسهر عن المختار بن فلفل . < < الكوثر : ( 1 ) إنا أعطيناك الكوثر > >
قوله تعالى : ( ^ إنا أعطيناك الكوثر ) قد بينا .
وروى همام ، عن قتادة عن أنس أن رسول الله قال : ' بينا أنا أسير في الجنة إذا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ فقال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، فضرب الملك بيده ، فإذا طينه مسك أذفر ' .
قال رضي الله عنه :
____________________

( ^ فصل لربك وانحر ( 2 ) ) أخبرنا بهذا الحديث أبو الحسن بن النقور ، أخبرنا أبو القاسم بن حبابة ، أخبرنا البغوي ، أخبرنا هدبة ، عن همام . . الحديث .
وأخرجه البخاري عن هدبة ، وذكره أبو عيسى في كتابه بروايته عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله : ' بينا أنا أسير في الجنة إذا عرض [ لي ] نهر حافتاه قباب اللؤلؤ ، قلت للملك : ما هذا ؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله ، قال : ثم ضرب بيده إلى طينه فاستخرج مسكا ، ثم رفعت لي ( سدرة المنتهى ) فرأيت عندها نورا عظيما ' .
قال : وهو حديث حسن صحيح ، وروى أيضا بطريق [ محارب ] بن دثار عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله : ' الكوثر نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت ، [ و ] ترتبه أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل ، وأبيض من الثلج ' .
قال : هو حديث حسن .
وفي بعض التفاسير برواية عائشة - رضي الله عنها - أن النبي قال : ' من أراد أن يسمع خرير الكوثر ، فليدخل أصبعه في أذنه ' .
وهو غريب جدا .
وفي الكوثر قول آخر ، وهو أنه الخير الكثير ، فهو فوعل من الكثرة ، وقد أعطى الله
____________________

( ^ إن شانئك هو الأبتر ( 3 ) ) رسوله محمدا من الخير ما لا يحصى ولا يعد كثرة في الدنيا والآخرة ، وقال الحسن البصري : هو القرآن ، وقيل : العلم والقرآن . < < الكوثر : ( 2 ) فصل لربك وانحر > >
وقوله : ( ^ فصل لربك وانحر ) أي : صل الصلوات الخمس ، وانحر البدن ، وقيل : صل بجمع ، وانحر بمنى ، قاله مجاهد وعطاء ، وعن علي - رضي الله عنه - أن معنى قوله : ( ^ وانحر ) هو وضع اليمين على الشمال في الصلاة على النحر .
وقيل : وانحر واستقبل القبلة بنحرك .
قال الشاعر :
( أبا حكم هل أنت عم مجالد ** وسيد أهل الأبطح المتناحر )
أي : المتقابل .
وروى مقاتل بن حيان ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : ' لما نزلت على النبي ( ^ إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ) قال النبي لجبريل - عليه السلام - : ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ قال : إنها ليست بنحيرة ، ولكنه يأمرك إذا ( تحرمت ) بالصلاة ، أن ترفع يديك إذا كبرت ، وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، فإنها من صلاتنا وصلاة الملائكة في السموات السبع .
وعن محمد بن كعب القرظي : أن قوما كانوا يصلون وينحرون
____________________

لغير الله ، فقال الله تعالى : ( ^ فصل لربك وانحر ) أي : اجعل صلاتك ونحرك لله . < < الكوثر : ( 3 ) إن شانئك هو . . . . . > >
وقوله : ( ^ إن شانئك هي الأبتر ) أكثر المفسرين أن المراد به هو العاص بن وائل السهمي ، كان إذا ذكر له رسول الله قال : دعوا ذكره ، فإنه أبتر يعني : أنه لا ولد له ، فإذا مات انقطع ذكره ، واسترحتم منه ، وكانت قريش تقول لمن مات ابنه ، أو لم يكن له ابن : أبتر .
فقال الله تعالى : ( ^ إن شانئك هو الأبتر ) يعني : مبغضك هو الأبتر أي : الذي انقطع خيره وذكره في الدنيا والآخرة والبتر هو القطع .
وقيل إن الآية في عقبة بن أبي معيط وقيل : إن المراد به كعب بن الأشرف ، قدم مكة ، فقالت له قريش : ما تقول أيها الحبر في هذا ( الصنبور ) ؟ أهو خير أم نحن ؟ إنه سب ألهتنا ، وفرق جمعنا ، ونحن أهل حرم الله وحجيج بيته وسدنته ، فقال : بل أنتم خير منه ، فأنزل الله تعالى : ( ^ إن شانئك هو الأبتر ) فيه .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ قل يا أيها الكافرون ( 1 ) لا أعبد ما تعبدون ( 2 ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( 3 ) ولا أنا عابد ما عبدتم ( 4 ) ولا أنتم عابدون ما أعبد ( 5 ) لكم دينكم ) <
> تفسير سورة ( ^ قل يا أيها الكافرون ) <
>
وهي مكية < < الكافرون : ( 1 - 2 ) قل يا أيها . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل يا أيها الكافرون ) قال المفسرون : لما قرأ رسول الله سورة والنجم ، وألقى الشيطان على لسانه عند ذكر أصنامهم : وإن شفاعتهن لترتجى ، فقال الكفار : يا محمد ، نصطلح تعبد آلهتنا سنة ، ونعبد إلهك سنة ، ونعظم إلهك ، وتعظم آلهتنا ، وذكروا من هذا النوع شيئا كثيرا ، فحزن النبي لمقالتهم ، ورجع إلى بيته حزينا ، فأنزل الله تعالى هذه السورة ، وهي ( ^ قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ) أي : اليوم . < < الكافرون : ( 3 ) ولا أنتم عابدون . . . . . > >
( ^ ولا أنتم عابدون ما أعبد ) اليوم . < < الكافرون : ( 4 ) ولا أنا عابد . . . . . > >
( ^ ولا أنا عابد ما عبدتم ) في المستقبل . < < الكافرون : ( 5 ) ولا أنتم عابدون . . . . . > >
( ^ ولا أنتم عابدون ما أعبد ) في المستقبل . < < الكافرون : ( 6 ) لكم دينكم ولي . . . . . > >
( ^ لكم دينكم ولي دين ) لكم جزاء عملكم ، ولي جزاء عملي .
قالوا : وهذا في قوم بأعيانهم ، منهم الوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وقد كان الله أخبر أنهم يموتون على الكفر .
وقيل : إن هذه السورة نزلت قبل آية السيف ، ثم نسخت بأية السيف .
وقد ورد في الخبر : أن قراءة هذه السورة براءة من الشرك .
روى أبو خيثمة ، عن ابن إسحاق ، عن فروة بن نوفل ، عن أبيه أنه أتى النبي وقال : جئت يا رسول الله لتعلمني شيئا أقوله عند منامي ، فقال : ' إذا أخذت مضجعك فاقرأ : ( ^ قل يا أيها الكافرون ) ثم نم على خاتمتها ، فإنها براءة من الشرك ' .
وعن
____________________

( ^ ولي دين ( 6 ) ) بعضهم قال : ' كنت أمشي مع النبي في ليلة ظلماء ، فسمع رجلا يقرأ : ( ^ قل يا أيها الكافرون ) فقال : أما هذا فقد برئ من الشرك ، وسمع رجلا يقرأ : ( ^ قل هو الله أحد ) فقال : أما هذا فقد غفر له ' .
وفي السورة سؤال معروف ، وهو السؤال عن معنى التكرير ؟ وقد أجبنا ، ويقال : إنهم كرروا عليه الكلام مرة بعد مرة ، فكرر الله تعالى عليهم الإجابة .
وفي السورة سؤال آخر ، وهو في قوله : ( ^ قل ) كيف قرئت هذه الكلمة ، وهي أمره بالقراءة ؟ وكذلك في قوله : ( ^ قل هو الله أحد ) .
والجواب عنه : أن قوله : ( ^ قول يا أيها الكافرون ) جميعه قرآن ، ونحن أمرنا بتلاوة القرآن على ما أنزل ، فنحن نتلو كذلك .
وفي السورة سؤال ثالث وهو أنه قال : ( ^ ولا أنتم عابدون ما أعبد ) ولم يقل : من أعبد ؟
والجواب عنه أنه قال ذلك على موافقة قوله : ( ^ ولا أنا عابد ما عبدتم ) وقد قيل : إن ' ما ' بمعنى ' من ' هاهنا ، والله أعلم
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ إذا جاء نصر الله والفتح ( 1 ) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ( 2 ) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( 3 ) ) <
> تفسير سورة النصر <
>
وهي مدنية < < النصر : ( 1 ) إذا جاء نصر . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ إذا جاء نصر الله والفتح ) أجمعوا على أن الفتح هو فتح مكة ، وقيل : إن النصر فيه أيضا ، ويقال : إن النصر هو يوم الحديبية ، والأول هو الأظهر والأشهر . < < النصر : ( 2 ) ورأيت الناس يدخلون . . . . . > >
وقوله : ( ^ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ) أي : زمرا زمرا ، وفوجا فوجا .
وفي التفسير : أن رسول الله لما فتح مكة قال المشركون : إن محمدا قد نصره الله على قريش ، وهم أهل الله وأهل حرمه ، فقد منع الله الفيل عنهم فلا يدان لأيد [ أحد ] بمحمد يعني : لا قوة ، فدخلوا في دينه أفواجا وكانت القبيلة بأسرها تسلم ، ووفد عليه الوفود من الجوانب ، ودخل أكثر ديار العرب في الإسلام ، ولم يبق إلا القليل ، وقد كان قبل ذلك يدخل الواحد والاثنان على خوف شديد ، فهو معنى قوله تعالى : ( ^ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ) . < < النصر : ( 3 ) فسبح بحمد ربك . . . . . > >
وقوله : ( ^ فسبح بحمد ربك ) أي : صل حامدا لربك .
والأصح أن معناه : ( ^ اذكره بالتحميد والشكر لهذه النعمة العظيمة ، فإن التسبيح هو بمعنى الذكر فصار معنى الآية على هذا : فاذكر ربك بالتحميد والشكر .
وقوله : ( ^ واستغفره ) أي : اطلب التجاوز والعفو عنه .
وقوله : ( ^ إنه كان توابا ) أي : توابا على عباده ، ويقال : التواب هو المسهل لسبيل التوبة ، ويقال : هو القابل لها .
____________________


وقد ثبت عن ابن عباس أن في الصورة نعي النبي إلى نفسه ، وأمره بالتسبيح والاستغفار ليكون ؛ آخر أمره وخاتمة عمله على زيادة الطاعة والذكر لله .
وورد أيضا أن عمر - رضي الله عنه - كان إذا حضر المهاجرين واستشارهم في شيء ، أحضر معهم عبد الله بن عباس ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن لنا أولادا مثله - يعني أنك لا تحضرهم - فقال : إنه من حيث تعلمون ، ثم إنه سألهم مرة عن هذه السورة فقالوا : إن الله تعالى أمر رسول الله بالتسبيح والاستغفار حين جاءه الفتح ، ودخل الناس في الدين أفواجا ، فسأل عبد الله بن عباس عن معنى السورة فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى نعى إلى رسول الله نفسه بهذه السورة ، وأمره بزيادة العمل والذكر ؛ ليكون خاتمة عمره عليه فقال لسائر المهاجرين : إنما أحضره لهذا وأمثاله ، أو كلام هذا معناه ، واللفظ المذكور في الصحيح في هذا الخبر أن ابن عباس قال : إنما هو أجل رسول الله أعلمه إياه فقال له عمر : والله لا أعلم منها إلا ما تعلم .
وقيل : إن السورة نزلت في أوسط أيام التشريق .
وقيل : إن رسول الله لم يعش بعد هذه السورة إلا ثمانين ليلة .
وقد قيل : إنها آخر سورة نزلت من القرآن كاملة ، والله أعلم .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ تبت يدا أبي لهب وتب ( 1 ) ) <
> تفسير سورة تبت <
>
وهي مكية < < المسد : ( 1 ) تبت يدا أبي . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ تبت يدا أبي لهب وتب ) سبب نزول هذه السورة هو ما روى أبو معاوية [ الضرير محمد بن خازم ] عن الأعمش ، عم عمرو بن مرة ، عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس أن النبي صعد ذات يوم الصفا وقال : ' يا صباحاه ' فاجتمعت قريش فقالوا له : مالك ؟ فقال : ' ( أرأيتم ) لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أما ( تصدقونني ؟ ) ' قالوا : بلى .
قال : ' فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ' فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا دعوتنا جميعا فأنزل الله تعالى : ( ^ تبت يدا أبي لهب وتب ) إلى آخر السورة ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو محمد المكي بن عبد الرزاق ، أخبرنا جدي أبو الهيثم ، أخبرنا الفربري ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا ( محمد ) بن سلام ، عن [ أبي ] معاوية . . الحديث
____________________

( ^ ما أغنى عنه ماله وما كسب ( 2 ) سيصلى نارا ذات لهب ( 3 ) )
قوله : ( ^ وتب ) قال مقاتل وغيره : خسرت ، والتباب في اللغة هو الهلاك ، وهو الخسران أيضا .
قال الفراء : الأول دعاء ، والثاني إخبار ، فالأول هو قوله ( ^ تبت يدا أبي لهب ) والثاني قوله : ( ^ وتب ) على ما معنى الخبر أي : وقد خسر وهلك ، وفي قراءة ابن مسعود : ' وقد تبت ' . < < المسد : ( 2 ) ما أغنى عنه . . . . . > >
وقوله : ( ^ ما أغنى عنه ماله وما كسب ) أي : لا يدفع عنه ماله وولده شيئا من عذاب الله ، فيكون قوله : ( ^ وما كسب ) بمعنى وما ولد على هذا القول .
قال أبو جعفر النحاس : ويبعد أن تكون ما بمعنى من في اللغة .
فقوله : ( ^ وما كسب ) أي : وما كسب من جاء وما يشبهه وأما أبو لهب فهو عم النبي واسمه عبد العزي ، ويقال : سمي أبو لهب لتلهب وجهه حسنا .
وذكره الله تعالى بكنيته ؛ لأنه كان معروفا بذلك أو لأن اسمه كان عبد العزي فكره أن تنسب عبوديته إلى غيره .
وفي تفسير النقاش : أن أبا لهب انتفى بني هاشم ، وانتسب إلى أبي أمية ، وقال : لا أكون من قوم فيهم كذاب مثل محمد .
ومن المعروف عن طارق المحاربي أنه قال : ' كنت بسوق ذي المجاز فإذا أنا بشاب يقول : أيها الناس ، قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ، وإذا الرجل خلفه يرميه بالحجر ، وقد أدمى ( عقبيه ) ، وهو يقول : أيها الناس ، لا تصدقوه فإنه كذاب .
قال : فسألت عنهما ، فقيل : إن الشاب محمد ، والرجل الذي خلفه عمه أبو لهب ' .
____________________

( ^ وامرأته حمالة الحطب ( 4 ) في جيدها حبل من مسد ( 5 ) ) .
ويقال في قوله : ( ^ ما أغنى عنه ماله ) : أي : أي شيء أغنى عنه ماله ( ^ وما كسب ) إذا دخل النار ؟ . < < المسد : ( 3 ) سيصلى نارا ذات . . . . . > >
وقوله : ( ^ سيصلى نارا ذات لهب ) يقال : صلى الشيء إذا قاسى شدته وحره .
ويقال : صليته أي شويته ، ومنه : شاة مصلية أي مشوية والمعنى : سوف يصلى أي يدخل نارا ذات لهب أي : ذات التهاب وتوقد .
وقوله : ( ^ وامرأته ) أي : تصلى امرأته أيضا . < < المسد : ( 4 ) وامرأته حمالة الحطب > >
وقوله : ( ^ حمالة الحطب ) فيه قولان : أحدهما : ما رواه الضحاك عن ابن عباس أنها كانت تحمل الشوك فتلقيه على طريق النبي لتعقر رجله .
قال عطية : كانت تلقى العضاة في طريق النبي .
وكانت كالكثيب من الرمل لقدم النبي ، والقول الثاني : أن قوله : ( ^ حمالة الحطب ) معناه : الماشية بالنميمة .
قال الشاعر :
( إن بني الأجرم حمالوا الحطب ** هم الوشاة في الرضا وفي الغضب )
( عليهم اللعنة تترى والحرب ** )
وامرأته هي أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان .
وقد قرئ : ' حمالة الحطب ' بالنصب فالبرفع على معنى حمالة الحطب ، وبالنصب على معنى أعني حمالة الحطب . < < المسد : ( 5 ) في جيدها حبل . . . . . > >
وقوله : ( ^ في جيدها حبل من مسد ) فيه قولان : أظهرهما أنه السلسلة التي ذكر الله تعالى في كتابه : ( ^ في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ) والمسد هو الفتل والإحكام قال : لأنه أحكم من الحديد ، والقول الثاني : إن المراد من الآية أنها كانت تحمل الحطب بحبل من مسد في عنقها فذكر الله تعالى ذلك على أحد وجهين : إما
____________________

لبيان تخسيسها وتحقيرها ، أو لأنها عيرت رسول الله بالفقر فابتلاها الله تعالى بما هو من عمل الفقراء ، وقيل : حبل من مسد أي : حبل من شعر أحكمت فتله ، وقيل : من ليف أحكم فتله .
وروى ' أن هذه السورة لما نزلت وسمعتها امرأة أبي لهب أخذت ( فهرا ) بيدها ، وجاءت تطلب النبي وتقول :
( مذمم أبينا ** ودينه قلبينا ** وأمره عصينا ** )
وتعني بمذمم محمدا - عليه الصلاة والسلام - لأن كفار قريش كانوا يشتمونه مذمما ، فلما جاءت ، قال أبو بكر للنبي : إن هذه المرأة قد جاءت ، فقال : إنها لا تراني فدخلت ولم تر رسول الله ، فقالت لأبي بكر : أين صاحبك ؟ فقال : ما شأنك ؟ فقالت : بلغني أنه هجاني ، فجئت لأكسر رأسه بهذا الحجر ، فقال أبو بكر : إنه ما هجاك ، فرجعت وعثرت في مرطها ، فقالت : تعس مذمم ومضت ' .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ قل هو الله أحد ( 1 ) ) . <
> تفسير سورة الإخلاص <
>
وهي مدنية
وقيل : إنها مكية
يزيد بن كيسان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' احشدوا أقرأ عليكم ثلث القرآن فخرج رسول الله ، فقرأ عليهم : ( ^ قل هو الله أحد ) ثم دخل بيته قال : فقال القوم : قال لنا رسول الله : احشدوا أقرأ عليكم ثلث القرآن فقرأ : ( ^ قل هو الله أحد ) ثم دخل ، ما هذا إلا شيء ؟ قال : فسمعها فخرج إلينا فقال : إن هذه السورة تعدل ثلث القرآن ' رواه مسلم في كتابه عن محمد بن حاتم ويعقوب الدورقي ، عن يحيى بن سعيد ، عن ( يزيد ) بن كيسان . . الحديث .
وروى إسماعيل بن أبي ( زياد ) عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : دخلت اليهود على نبي الله فقالوا : يا محمد ، صف لنا ربك ، وانسبه لنا فقد وصف نفسه في التوراة ونسبها فارتعد رسول الله حتى خر مغشيا عليه ، فقال : ' كيف تسألونني عن صفة ربي ونسبه ، ولو سألتموني أن أصف لكم الشمس لم أقدر عليه ' ، فهبط جبريل - عليه السلام - فقال : يا محمد ، قل لهم : الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أي : ليس بوالد ولا بمولود ، وليس له
____________________


( ^ الله الصمد ( 2 ) لم يلد ولم يولد ( 3 ) ) . شبيه من خلقه ' .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث الشيخ العفيف أبو علي بن بندار بهمدان بإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد . . الحديث .
وفي بعض ( الأخبار ) : أن سورة قل يا أيها الكافرون وسورة قل هو الله أحدهما المقشقشتان أي : تبرئان من الشرك و النفاق ، ويقال : قشقش المريض من علته إذا برأ ، وسميت السورة سورة الإخلاص لأنه ليس فيها إلا وصف الرب عن اسمه وليس فيها أمر ولا نهى ولا وعد ولا وعيد .
وذكر أبو عيسى الترمذي في كتابه برواية أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا : يا رسول الله ، انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى : ( ^ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ) لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله لا يموت ولا يورث ، ( ^ ولم يكن له كفوا أحد ) قال : لم يكن له شبيه ولا عدل ، وليس كمثله شيء . < < الإخلاص : ( 1 ) قل هو الله . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل هو الله أحد ) أي : قل هو الله الواحد ، أحد بمعنى الواحد ، وقد فرق بين الأحد والواحد .
وقيل : إن الأحد أبلغ من الواحد ، يقال : فلان لا يقاومه أحد نفيا للكل ، ويقال : لا يقاومه واحد ، ويجوز أن يقاومه اثنان ، وأيضا فإن الواحد يكون الذي يليه الثاني والثالث في العدد ، والأحد لا يكون بمعنى هذا الحال ، وأكثر المفسرين أنه بمعنى الواحد .
وقوله : ( ^ هو ) الابتداء فيه اسم مضمر ، كأنه أشار إلى أن الذي سألتموني عنه هو الله الواحد ، فيكون قوله : ( ^ الله أحد ) تبيينا وكشفا لاسم المضمر في قوله : ( ^ هو ) . < < الإخلاص : ( 2 ) الله الصمد > >
وقوله : ( ^ الله الصمد ) فيه أقوال : أحدها : أنه الذي يصمد إليه في الحوائج ، والآخر : أنه هو الذي انتهى في السؤدد وبلغ كماله .
قال الشاعر :
( ألا بكر الناعي بخير لي بني أسد ** بعمر وابن مسعود وبالسيد الصمد )
____________________


( ^ ولم يكن له كفوا أحد ( 4 ) ) .
وقال آخر :
( علوته بحسام ثم قلت له ** خذها حذيف فأنت السيد الصمد )
والقول الثالث : أنه الذي ليس له جوف أي لا يأكل ، والقول الرابع : أن تفسيره قوله : ( ^ لم يلد ولم يولد ) وقيل : إنه الباقي الذي لا يفنى ، وقيل : إنه الدائم الذي لا يزول . < < الإخلاص : ( 3 ) لم يلد ولم . . . . . > >
وقوله : ( ^ لم يلد ولم يولد ) أي : ليس له والد ولا ولد .
وقيل : إنه نفي لقول اليهود والنصارى : عزير بن الله ، والمسيح ابن الله ، ونفي لقول المشركين : إن الملائكة بنات الله .
فهذا كله في قوله : ( ^ لم يلد ) .
وقوله : ( ^ ولم يولد ) فيه نفي لقول النصارى : إن مريم - عليها السلام - ولدت إلها ، وهو المسيح . < < الإخلاص : ( 4 ) ولم يكن له . . . . . > >
وقوله : ( ^ ولم يكن له كفوا أحد ) أي لم يكن أحد نظيرا له ولا شبيها ، فهو على التقديم والتأخير كما ذكرنا ، ومعنى أحد في آخر السورة غير معنى أحد في أول السورة .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ قل أعوذ برب الفلق ( 1 ) من شر ما خلق ( 2 ) ومن شر غاسق إذا وقب ( 3 ) ) . <
> تفسير سورة الفلق <
>
وهي مكية < < الفلق : ( 1 ) قل أعوذ برب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل أعوذ برب الفلق ) فيه أقوال : أحدها - وهو الأظهر - : أن الفلق هو الصبح ، قال الله تعالى : ( ^ فالق الإصباح ) ، والقول الثاني : أنه جميع الخلق ، والقول الثالث : أنه بيت في النار ، إذا فتح بابه صاح أهل جهنم من شدة حره ، قاله كعب الحبر ، والقول الرابع : جب في جهنم ، قاله مجاهد . < < الفلق : ( 2 ) من شر ما . . . . . > >
وقوله : ( ^ من شر ما خلق ) أي : من شر جميع ما خلق . < < الفلق : ( 3 ) ومن شر غاسق . . . . . > >
وقوله : ( ^ ومن شر غاسق إذا وقب ) فيه أقوال أيضا : أحدها : من شر الليل إذا أظلم ، فالغاسق هو الليل ، قاله الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة ، ويقال : من شر الليل إذا أقبل .
يقال : وقب : دخل ، وقيل : أقبل ، ومعنى الاستعاذة من الليل ؛ ( لأن ) فيه يكون تحرك الهموم وهجوم كل ذي شر بقصد ، والقول الثاني : أن قوله : ( ^ ومن شر غاسق إذا وقب ) هو القمر ، وفيه خبر معروف روى ابن أبي ذئب ، عن الحارث بن عبد الرحمن ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : ' أخذ رسول الله بيدي ، وأشار إلى القمر وقال : تعوذي بالله من شر هذا ، هو الغاسق إذا وقب ' .
وذكره أبو عيسى
____________________


( ^ ومن شر النفاثات في العقد ( 4 ) ومن شر حاسد إذا حسد ( 5 ) ) . في جامعه وقال : هو حديث صحيح .
قال النحاس : يجوز أن تكون الاستعاذة من القمر ، لأن قوما أشركوا بسببه ، فنسب إليه الاستعاذة على المجاز .
قال القتيبي : من شر غاسق إذا وقب : هو القمر إذا دخل في شاهوره - أي : في غلافه - وهو إذا غاب .
وذكر بعضهم : أن الاستعاذة من القمر ؛ لأن أهل البرية يتحينون وجه القمر - أي غروبه - وهم اللصوص وأهل الشر والفساد ، والقول الثالث : أن الغاسق هو الثريا .
وقوله : ( ^ إذا وقب ) إذا غاب ، وذكر ذلك إذا غاب الثريا ظهرت العاهات والبلايا ، وإذا طلع الثريا رفعت العاهات والبلايا .
وقد ورد عن النبي أنه قال : ' إذا طلع النجم رفعت العاهة عن كل بلد ' .
وذلك مثل الوباء والطواعين والأسقام وما يشبهها .
وقيل : ' من شر غاسق إذا وقب ' أي : من شر الشمس إذا غربت .
وذكر النقاش بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : من شر غاسق إذا وقب : من شر الذكر إذا دخل ، قال النقاش : فذكرت ذلك لمحمد بن إسحاق بن خزيمة ، وقلت : هل يجوز أن تفسر القرآن بهذا ؟ ! قال : نعم ، قال النبي : ' أعوذ بك من شر منيى ' ، وهو خبر معروف ، وهو أن النبي قال : ' أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ' فعدد أشياء ، وقال في آخرها : ومن شر منيى ' . < < الفلق : ( 4 ) ومن شر النفاثات . . . . . > >
وقوله : ( ^ ومن شر النفاثات في العقد ) أي : السواحر ، والنفث هو النفخ بالفم ،
____________________

والتفل هو إذا كان معه ريق . < < الفلق : ( 5 ) ومن شر حاسد . . . . . > >
وقوله : ( ^ ومن شر حاسد إذا حسد ) الحسد هو تمني زوال النعمة عن المنعم عليه ، وقد ذكرنا في الحسد أشياء من قبل ، وقيل : من شر حاسد إذا حسد أي : إذا ظلم .
واعلم أن المفسرين قالوا : إن هذه السورة والتي تليها نزلتا حين سحر النبي ، سحره لبيد بن أعصم اليهودي .
والنفاثات في العقد يقال : إنهن بناته .
وكان لبيد قد سحر النبي ، وجعل ذلك في بئر ( ذي أروان ) ( فاعتل ) النبي ، واشتدت علته وكان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله ، ثم إن جبريل - عليه السلام - أنزل المعوذتين .
وروى أنه قال لعائشة : ' هنا [ و ] أنا نائم نزل علي ملكان ، فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه : ما حال الرجل ؟ فقال : مطبوب ، فقال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي ، فقال : وأين ذلك ؟ فقال : في مشط ومشاطة تحت راعونة في بئر ( ذي أروان ) ، ثم إن النبي بعث علينا ، وقيل : إنه بعث عمارا ، وقيل : بعث أبا بكر وعمر حتى استخرجوا ذلك السحر ، وأنزل الله تعالى هاتين السورتين ، وكان على ذاك الشيء [ إحدى عشرة ] عقدة ، فقال له جبريل : اقرأ آية فانحلت عقدة ، وكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ، حتى انحلت العقد كلها ، وقام النبي كأنما أنشط من عقال ' .
____________________


بسم الله الرحمن الرحيم
( ^ قل أعوذ برب الناس ( 1 ) ملك الناس ( 2 ) إله الناس ( 3 ) من شر الوسواس الخناس ( 4 ) الذي يوسوس في صدور الناس ( 5 ) من الجنة والناس ( 6 ) ) . <
> تفسير سورة الناس <
>
وهي مدنية < < الناس : ( 1 - 4 ) قل أعوذ برب . . . . . > >
قوله تعالى : ( ^ قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس ) هو الشيطان ، والمعنى من شر الشيطان ذي الوسواس ، ويقال : سمى وسواسا ؛ لأنه يجثم ، فإن ذكر العبد ربه خنس _ أي تأخر - وإن لم يذكر : وسوس .
وفي رواية : التقم ووسوس أي القلب .
وفيه خبر صحيح على هذا المعنى .
وقوله : ( ^ الخناس ) معناه ما قلنا يعني : إذا ذكر العبد ربه وسبح رجع أي : تأخر وخنس وتنحى . < < الناس : ( 5 ) الذي يوسوس في . . . . . > >
وقوله : ( ^ الذي يوسوس في صدور الناس ) هو الشيطان . < < الناس : ( 6 ) من الجنة والناس > >
وقوله : ( ^ من الجنة ) أي : من الجن .
وقوله : ( ^ والناس ) أي : ومن الناس .
والمعنى : أنه أمره بالاستعاذة من شياطين الجن والإنس ، والشيطان كل متمرد سواء كان جنيا أو إنسيا ، وقد ورد في الأخبار المعروفة ' أن النبي كان إذا أراد أن ينام قرأ سورة الإخلاص والمعوذتين ، وينفث في كفيه ، ثم يمسح بكفيه ما استطاع من جسده ، ويبدأ بوجهه ورأسه ' .
وروى أنه كان يعوذ بهما الحسن والحسين - رضي الله عنهما - وذكر أبو عيسى الترمذي برواية إسماعيل بن أبي خالد قال : حدثني قيس بن أبي حازم ، عن عقبة بن عامر الجهني ،
____________________

عن النبي أنه قال : ' قد أنزل الله تعالى عليّ آيات لم ير مثلهن ( ^ قل أعوذ برب الناس ) إلى آخر السورة ، و ( ^ قل أعوذ برب الفلق ) إلى آخر السورة ' قال : وهو حديث حسن صحيح .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بذلك أبو عبد الله عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد أخبرنا أبو العباس بن سراج السبخي ، أخبرنا أبو العباس بن محبوب أخبرنا أبو عيسى الحافظ ، أخبرنا محمد بن بشار ، أخبرنا يحيى بن سعيد القطان ، عن إسماعيل بن أبي خالد . . الحديث .
فإن قال قائل : لمَ لمْ يكتب ابن مسعود هاتين السورتين في مصحفه ؟ وهل يجوز أن يشتبه على أحد أنهما من القرآن أو ليستا من القرآن ؟ والجواب عنه : أن حماد بن سلمة روى عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش قال : قلت لأبي بن كعب : إن ابن مسعود لم يكتب في مصحفه المعوذتين ! فقال أبي : قال رسول الله : ' قال جبريل - عليه السلام - ( ^ قل أعوذ برب الفلق ) فقلتها ، وقال ( ^ قل أعوذ برب الناس ) فقلتها ' فنحن نقول : يقول رسول الله .
كأن أبيا وافق ابن مسعود .
قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث أبو الحسين بن النقور ، أخبرنا أبو القاسم بن حبابة ، أخبرنا البغوي ، أخبرنا هدبة ، عن حماد بن سلمة .
الحديث خرجه مسلم في الصحيح فيجوز أن ابن مسعود وأبيا من كثرة ما سمعا النبي يقرأ هاتين السورتين ويتعوذ بهما ظنا أنهما عوذة ، فلم يثبتاهما في المصحف ، وقد قيل : إنهما مكتوبتان في مصحف أبي .
____________________


وذكر بعضهم أن عبد الله بن مسعود لم يشتبه عليه أنهما من القرآن ، ولكن لم يكتبهما لشهرتهما ، كما ترك كتبة سورة الفاتحة لشهرتها ، والله أعلم وأحكم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين وسلم تسليما كثيرا .
____________________